2011/07/21

المعارضة... وسراب الدعم الخارجي

لم يأت الموقفان الأوروبي والفرنسي الداعمان للحكومة اللبنانية خارج سياق التطورات الإقليمية، وخارج إطار التحولات في الوضع السوري، وهكذا يبدو أن تعويل المستقبل وحلفاؤه على العودة إلى الحكم مستندين إلى ضغوط خارجية تواجه الحكومة اللبنانية مرفقة باختلال أمني واقتصادي - كما كانت الخطة تقضي - ستبوء بالفشل.
من الناحية الأمنية، يكتشف المستقبل وأذرعه الأمنية يوماً بعد يوم أن الفتنة خط أحمر، وأن اللعب بالاستقرار الأمني لن ينجو منه أحد، وبالتالي سيرتد سلباً على محاولي إشعاله، أما من الناحية الاقتصادية والتي منّى الحريريون النفس، بهز الاقتصاد اللبناني وتجويع اللبنانيين وتهديدهم بلقمة عيشهم كوسيلة للعودة إلى الحكم على حصان أبيض، فيظهر أيضاً أنها لن تكون خطة صالحة للعمل بموجبها بدليل المناخات العربية التي عبرت عنها أكثر من دولة عربية وخليجية بتشجيع حركة السياحة العربية إلى لبنان، والتعامل مع حكومة نجيب ميقاتي بصفتها حكومة لبنان الكاملة الشرعية والمشروعية.
تعكس الأجواء العربية أجواء الخيارات الجديدة للأميركيين والأوروبيين بالتعاون مع الحكومة اللبنانية، والتي تمثلت في رسالة الدعم الأوروبية الواضحة التي عبر عنها وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، والرسالة الفرنسية الواضحة أيضاً في هذا المجال، ويأتي التطور الأوروبي في إعلان النوايا الايجابية من الحكومة اللبنانية، مترافقاً مع المناخات الأميركية المتحولة في التعامل مع سورية بعدما رفضت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، الموجودة على بعد أميال من مقر المؤتمر السوري المعارض في اسطنبول، لقاء أقطاب المعارضة السورية، بالإضافة إلى التصريحات الأميركية المختلفة التي عكست اقتناع الأميركيين بضرورة استعمال "الخيارات الأخرى المتاحة" في القضية السورية وذلك نتيجة فشل الخيارات السابقة.
يعكس الموقف الأميركي المستجد من سورية، فشل الخيارات التي راهنت على قدرة نجاح المشاريع السلفية والإخوانية في هز أركان النظام السوري، أو قدرتهم على السيطرة الأمنية التامة على بعض المناطق السورية في محاولة لخلق مناطق عازلة على الحدود مع تركيا تمهيداً لتكرار السيناريو الليبي، كما بدا التهويل بتدخل عسكري أممي من قبل مجلس الأمن أو تفويض تركيا بهذا التدخل فارغاً من أي مضمون بعد الموقفين الروسي والصيني الرافضين بشدة لأي تدخل، وأخيراً وليس آخراً فشل محاولات إغراء قادة من الجيش السوري للانقلاب على النظام.. وهكذا بقي النظام السوري محافظاً على تماسكه، وبقي التأييد الشعبي للأسد محافظاً على معدلاته المرتفعة.
يعكس فشل كل تلك الخيارات أن "الثورة" في سورية لم تتوافر معطيات نجاحها من الأساس، فالثورات بشكل عام تحتاج إلى تقاطع عوامل خارجية وداخلية عدة لنجاحها، فإن نضجت الظروف الخارجية ولم تتوفر الظروف الداخلية، ضاعت اللحظة التاريخية المناسبة للثورة والعكس صحيح.
في المعطيات الداخلية لنجاح الثورات، يجب أن يكون النظام قد وصل إلى نقطة القطيعة النهائية مع شعبه بسبب ظلم كبير لا يطاق وظهوره بمظهر الخطر الشديد على مستقبل البلاد، فتنأى النخب السياسية والاقتصادية والعسكرية بنفسها عن النظام أو تنقلب عليه، وأن تستطيع المعارضة تأليب غالبية الرأي العام ضده، فتصبح الأغلبية العظمى من الطبقات الاجتماعية - الاقتصادية شريكاً في الثورة ضد النظام القائم الخ.. أما في العوامل الخارجية، فيجب أن تتكون ظروف موضوعية إقليمية ودولية ضد النظام القائم، تترافق مع امتناع الحلفاء أو عدم رغبتهم في تقديم الدعم للنظام أو المحافظة عليه.
من هنا، لا تبدو عوامل النجاح في سورية قائمة، فالجيش السوري أثبت تماسكه وولاءه لنظامه، كما أن الفئات الاجتماعية المختلفة ما زالت حتى الآن لا تجد في النظام السوري خطراً على مصالحها، لأسباب عدة:
•- الفئات الشعبية الفقيرة: وهنا لا بد من لفت الانتباه، الى أن المواطن السوري، وبالرغم من الفقر المنتشر في الأرياف، يتمتع قياساً إلى الشعوب العربية الأخرى التي انتفضت، بنوع من الأمن الاجتماعي والاقتصادي، فالدولة السورية تؤمن له الحد الأدنى من متطلبات التعليم والصحة والطبابة ورغيف الخبز وغيرها، بينما نجد أن الملايين من المصريين على سبيل المثال يعيشون في المقابر ولا يتمتعون بالحد الأدنى من مقومات العيش وهو ما لا نجده في الحالة السورية.
•- الطبقات البرجوازية: ترى أيضاً في الاستقرار الذي فرضه نظام الأسد والأمن الذي تمتعت به سورية سابقاً، ضرورة لاستقرار لمصالحها ومصدراً للاستثمار الاقتصادي، لذلك هي تخشى التغيير الذي قد يجلب معه فوضى أمنية وعدم استقرار، أو تشكيل "إمارة" تجعل أصحاب رؤوس الأموال المحلية والخارجية تهرب إلى الخارج.
•- الفئات الاجتماعية - الطائفية: وهي تنقسم إلى فئتين: أقلية وأكثرية، ترى الفئات الأقلية في نظام الأسد ضماناً لوجودها وترى في البديل خطراً وجودياً أساسياً، أما الفئات الأكثرية فلم يستطع المعارضون، خاصة معارضة الخارج، أن تكسب الأغلبية منهم إلى جانبها، لسبب رئيسي هام وهو أن هذه المعارضة تسير عكس الحس الشعبي والقومي التاريخي للشعب السوري بكافة أطيافه، وخاصة بعدما قدموا الدليل على ارتباطهم بالموساد الإسرائيلي، من خلال مؤتمر باريس الذي أعده برنار ليفي وحضره شخصيات صهيونية وإسرائيلية وتكلم باسم السوريين عضو سابق في الكنيست الإسرائيلي.
أما بالنسبة للعوامل الخارجية، فالواضح أن أعداء النظام السوري لم يستطيعوا امتلاك القدرات التي تخولهم عزله دولياً بسبب امتلاكه للكثير من الأوراق الاستراتيجية الهامة، كما لم يظهر من الحلفاء أدنى رغبة بالتخلي عنه كما فعلت أميركا مع حليفيها مبارك وبن علي.
وهكذا إذاً، تنعكس التطورات الإقليمية على لبنان، وتعكس الرسائل الأوروبية الإيجابية رغبة أوروبية ببقاء نفوذهم في الشرق الأوسط، بعدما وضعهم الأميركيون في مواجهة مع نظام الأسد بإغلاق باب التفاوض من خلال العقوبات التي أعقبها موقف متشدد للوزير المعلم تجاه أوروبا، وبالرغم من كل شيء، يبقى المراهنون اللبنانيون على الخارج ورقة في مهب الرياح الإقليمية وتطورات المواقف الدولية منها، والمؤسف أن هؤلاء لم يتعظوا من تجاربهم السابقة في الاتكال على الدعم الخارجي، بالضبط كما لم يتعظ المعارضون السوريون من تجارب من سبقهم، ومنها تجارب حديثة في التخلي الأميركي عن الحلفاء الاستراتجيين كمبارك وبن علي، عندما دقت ساعة تحقيق المصالح بالتغيير.
*أستاذة مادة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق