2024/11/25

المعضلة الاسرائيلية: بقاء نتنياهو أو بقاء اسرائيل؟

بالرغم من كل الضغوط الأميركية والغربية، صدرت مذكرات توقيف من المحكمة الجنائيّة الدوليّة ضد بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، لاتهامهما بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية في غزة، بما في ذلك استخدام التجويع كآداة حرب.

وبعد صدور هذه المذكرات، وبعد تضييق الخناق عليه بقضايا قضائية في الداخل الاسرائيلي خرج نتنياهو بفيديو مدته تسع دقائق، بدا فيه مصدوماً ومحبطاً ومرتبكاً بحسب الصحافة الاسرائيلية وبرأي العديد من المعلقين الاسرائيليين.

وبالاضافة الى قضية المذكرات من المحكمة الجنائية الدولية، أمام نتنياهو العديد من القضايا الداخلية التي يحاول أن التملص منها، ابرزها ما يلي:

أ- قضايا الرشوة والفساد

عام 2021، تم توجيه اتهام رسمي لبنيامين نتنياهو بالرشوة والاحتيال وانتهاك الثقة من قبله ومن قبل حلفائه السياسيين خلال ولايتيه الرابعة والخامسة كرئيس وزراء لإسرائيل. بدأت شرطة إسرائيل التحقيق مع نتنياهو في  كانون الأول/ ديسمبر 2016 وأوصت لاحقًا بتوجيه اتهامات ضده.

وهذه القضايا هي عبارة عن 3 قضايا منفصلة:

1)       القضية 1000، التي تم فتحها في كانون الأول / ديسمبر 2016،  تتعلق بهدايا وعطايا ثمينة تلقاها نتنياهو وزوجته من رجال أعمال أثرياء على مر السنين.

2)       القضية 2000 (المعروفة أيضًا باسم قضية نتنياهو-موزيس) هي تحقيق جنائي يتعلق بالعلاقة بين نتنياهو والناشر والمالك المسيطر لصحيفة يديعوت أحرونوت، أرنون موزيس. عرض موزيس على نتنياهو تغييرًا كبيرًا للأفضل في الطريقة التي يتم بها تغطية نتنياهو وأفراد عائلته في يديعوت أحرونوت، وتغييرًا للأسوأ في الطريقة التي يتم بها تغطية خصومه السياسيين. في المقابل، يجب على نتنياهو استخدام نفوذه لإقرار تشريع من شأنه أن يفرض قيودًا على صحيفة "إسرائيل اليوم" ويجلب فوائد مالية كبيرة لموزيس وأعماله.

3)       القضية 4000  تتعلق بشركة الاتصالات العملاقة بيزك حيث اتُهم نتنياهو بالاحتيال وخيانة الأمانة والرشوة في هذه القضية كونه استخدم نفوذه كوزير للاتصالات.

وفي 21 تشرين الثاني 2019، اتُهم نتنياهو رسميًا بالاحتيال وخيانة الأمانة في القضيتين 1000 و2000، وبالاحتيال وخيانة الأمانة وتلقي الرشاوى في القضية 4000.

في 5 كانون الأول 2023، وافق قضاة المحاكمة على تقليص عدد جلسات المحكمة إلى يومين في الأسبوع بسبب المخاوف الأمنية المتعلقة بالحرب في غزة، وكان من المقرر أن تعاود الجلسات في 2 كانون الأول 2024، قدم دفاع نتنياهو التماساً للتأجيل بسبب الحرب لغاية شباط 2025 لكن المحكمة رفضت، وطلب مكتب نتنياهو من الشاباك اعطائه تقريراً يشير الى عدم قدرته على المثول أمام المحكمة بسبب المخاطر الأمنية لكن الشاباك رفض ذلك.

ب- قضايا خلال حرب غزة:

1-       تسريب وثائق سرية بعد التلاعب بها: تم القبض على إيلي فيلدشتاين، المتحدث باسم مكتب نتنياهو، بتهمة تسريب وثائق سرية من الجيش الإسرائيلي إلى الصحافة الأجنبية. قالت القناة 12 الإسرائيلية إن المحققين يعتقدون أن سرقة الملفات السرية من قواعد بيانات الجيش، والتي تم تسريبها لاحقًا إلى أفراد في مكتب رئيس الوزراء، كانت "منهجية"، وأن فيلدشتاين، وبناءً على تعليمات من نتنياهو قام بهذه التسريبات بهدف التأثير على الرأي العام لمنع صفقة تبادل مع حماس في غزة.

2-       تزوير محاضر أمنية، حيث تم ابتزاز أحد الضباط وتهديده بصور مخلة للآداب، لتبديل بروتوكولات أمنية لتبرئة نتنياهو من اخفاقات أحداث السابع من تشرين الاول / اكتوبر.

وبعد كل هذه الملفات الداخلية والخارجية، وبعد اتهام الرئيس جو بايدن مباشرة لنتنياهو بأنه يستغل الحرب لمصالح شخصية، تكون اسرائيل أمام مفترق طرق:

-        فإما أن تقوم الدولة العميقة في اسرائيل بالتضحية بنتنياهو  وتستخدمه ككبش محرقة لمحاولة التملص من كل العار والعزلة التي تسببت بها الإبادة في غزة ولمحاولة ترميم صورة اسرائيل في العالم والخروج من الحرب وانهائها،

-        أو ينتصر نتنياهو على الدولة العميقة ويقود اسرائيل الى مزيد من الحروب التي لا طائل منها، والى مزيد العزلة الدولية والانهيار والتفتت الداخلي. 

2024/11/20

انتخابات 2024 والتحولات الاجتماعية في أميركا

 في كتابه "الأمم الأميركية"، والذي يعنى بشرح تاريخ الثقافات الإقليمية في أميركا الشمالية، يقول كولين وودارد "إن الولايات المتحدة بلد معقَّد بشكل لا يصدَّق"، وإن الأشياء الفعلية التي يحاول الناس وصفها بأنها مهمة وأساسية لهم غالباً لا تتطابق مع حدود الولايات التي يقطنونها.

على هذا الأساس، يمكن القول إن معرفة توجهات الناخبين في الولايات المتحدة الأميركية تنقسم الى ما يسمى "مناطق أحزمة"، بالاضافة الى الأمور التقليدية التي تهم الناخبين في العالم الغربي والدول الصناعية بصورة عامة.

فعلى سبيل المثال، شكّل الاقتصاد والهجرة غير الشرعية القلق الأساسي لدى الناخبين الأميركيين (وهي أمور مشتركة مع توجهات الناخبين الأوروبيين بشكل عام)، وتأتي في مرحلة متقدمة أيضاً سياسات "اليقظة"، وفيها دعم المثلية والتحوّل الجنسي وغيرهما، والتي باتت حديثاً تشكّل معياراً للتصويت وتعكس انقساماً بين اليمين المحافظ واليسار الليبرالي في الغرب بشكل عام.

بالعودة الى الأحزمة الأميركية، يعرّفها الكاتب وودارد بأنها "مساحات واسعة من البلاد تشترك في أشياء مشتركة لا تعكس واقعياً حدود الولايات"، وباتت تتم دراستها منذ عام 2016، حين فاز دونالد ترامب في ولايات "حزام الصدأ" بعد أن كانت تعرف تاريخياً بأنها ولايات ديمقراطية.

 

الأحزمة واتجاهات التصويت 2024

أ‌- حزام الشمس

 

هو مصطلح صاغه المحلل السياسي كيفن فيليبس في عام 1969 لوصف الولايات الجنوبية المشمسة، حيث كان الديمقراطيون البيض يهاجرون بعد حركة الحقوق المدنية. لا تحديد جغرافي دقيق لهذا الحزام، لكنه يمتد من فلوريدا إلى أجزاء من جنوبي كاليفورنيا، بما في ذلك ولايات تكساس ونيو مكسيكو وأريزونا، مع أطراف شمالية في كولورادو وكارولينا الشمالية.

في العقود الأخيرة، شهدت هذه الولايات نموًا سكانياً كبيراً، وأصبحت تشكّل وجهة الانتقال لاصحاب المصالح الأميركيين، بسبب الضرائب المنخفضة، وبيئة الاستثمار الجيدة التي توفرها، وفرص العمل، وانخفاض تكاليف المعيشة، والطقس. وعليه، أصبحت منطقة "حزام الشمس" منطقة رئيسة لصناعات، مثل التكنولوجيا والفضاء والطاقة، وهو ما يجعلها جزءاً نابضاً بالحياة وديناميكياً من البلاد. ويشكّل الاقتصاد والتخفيض الضريبي عاملاً مهماً في توجهات الناخبين، وهو ما يساعد على فوز الجمهوريين في معظم تلك الولايات.

 

وفاز دونالد ترامب في معظم الولايات التي تشكّل هذا الحزام، بحيث انضمت أريزونا إلى الولايات المتأرجحة الأخرى في حزام الشمس - نيفادا وجورجيا وكارولينا الشمالية - والولايات الثلاث في حزام الصدأ ميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا، إلى التصويت للجمهوريين. كان من المتوقع أن تكون جميعها تنافسية للغاية، لكنها جميعا ذهبت إلى ترامب، وإن كان بهامش متقارب إلى حد ما.

 

ب‌-  حزام الصدأ

تحدد مساحة الأرض المعروفة باسم "حزام الصدأ" بأجزاء من ويسكونسن وإنديانا وإلينوي وميشيغان وميسوري وأوهايو وبنسلفانيا وفرجينيا الغربية وأجزاء من شمالي ولاية نيويورك. يعود استخدام هذا المصطلح إلى السباق الرئاسي لعام 1984، عندما زعم المرشح الديمقراطي والتر مونديل أن الرئيس رونالد ريغن "يحوّل منطقة الغرب الأوسط الصناعية إلى منطقة صدئة". ويقول الكاتب وودارد إن الصحافيين أخطأوا في سماع الاقتباس، وبدأوا في استخدام "حزام الصدأ" بشكل متكرر.

كانت هذه الولايات ذات يوم قلب التصنيع الأميركي، وخصوصاً في الصناعات مثل إنتاج الصلب وتصنيع السيارات والآلات الثقيلة، لكن العولمة أضرّت كثيراً بالقاطنين في تلك المناطق بعد أن رحلت الصناعات الى شرقي آسيا، وتسببت المنافسة الصينية بضرر كبير للصناعات الأميركية، بصورة عامة.

أهم الولايات المتأرجحة تلك الموجودة في "حزام الصدأ": بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن، وكانت هذه الولايات تاريخياً معقل الحزب الديمقراطي، فمنذ التسعينيات حتى عام 2016، لم يخسر الحزب الديمقراطي مطلقاً ولاية بنسلفانيا أو ميشيغان أو ويسكونسن.

بحلول عام 2016، وبسبب الركود الاقتصادي المطول، أصبح الناخبون في تلك الولايات يشعرون بخيبة أمل متزايدة تجاه الحزب الديمقراطي. ساعدت وعود ترامب بـ "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، وحروب التعرفات الجمركية واسعة النطاق، والحمائية التجارية، والجهود الرامية إلى إعادة وظائف التصنيع إلى "حزام الصدأ"، هؤلاء الناخبين على التحوّل نحو الحزب الجمهوري.

 

وخلال انتخابات 2024، عبّر الناخبون في تلك المناطق عن استيائهم من التضخم وارتفاع كلفة الإسكان خلال عهد جو بايدن، بحيث وصف تقرير لشبكة CNN عام 2023 بأنه "أصعب عام لشراء منزل منذ عام 1984". كل هذه العوامل أدت إلى زيادة عدم الرضا بين الناخبين في حزام الصدأ عن الحزب الديمقراطي.

 

ج – حزام "الكتاب المقدس"

تم صياغة مصطلح "حزام الكتاب المقدس" للمرة الأولى في عام 1924، وهو منطقة تقع في المقام الأول في جنوبي الولايات المتحدة، لوصف منطقة ذات قيم بروتستانتية محافظة، وفيها أعداد حضور في الكنائس المسيحية تتجاوز المتوسط الوطني. عدد المواطنين المتدينين الذين يعيشون في منطقة حزام الكتاب المقدس أعلى بشكل كبير عند مقارنته بمناطق أخرى من الولايات المتحدة، لذا من الطبيعي أن يحصد دونالد ترامب فيها النسبة الأكبر من الناخبين واصوات المجمع الانتخابي، بسبب تأييد الكنائس له.

 

بعد محاولة اغتياله، أعلن دونالد ترامب: "قال لي كثير من الناس إن الله أنقذ حياتي لسبب ما، وكان هذا السبب هو إنقاذ بلدنا واستعادة أميركا إلى عظمتها". هذه العبارة عُدّت من كثيرين من المتدينين على أنه تم اختياره من جانب الله.

وفقاً لاستطلاعات الرأي، أيد الناخبون البيض المتدينون من بروتستانت وكاثوليك ترامب بنسب عالية جداً، بينما أيّدت أغلبية السود البروتستانت كمالا هاريس. يُذكر أن الناخبين الإنجيليين البيض يشكلون تقريباً 27% من إجمالي الناخبين في الولايات المتحدة الأميركية.

كما حقق ترامب تقدماً بين الكاثوليك من أصول لاتينية، بينما حصلت هاريس على ما نسبته 80% من الناخبين اليهود (يشكّلون 2% من إجمالي الناخبين)، وابتعد الناخبون المسلمون عن الديمقراطيين، ويرجع ذلك على الأرجح إلى سياسات "اليقظة"، التي دعمتها هاريس بقوة، وموقف إدارة بايدن من الابادة التي ارتكبتها "إسرائيل" في الشرق الأوسط. 

2024/11/13

ترامب - نتنياهو: ما المتوقع من هذه العلاقة؟

ما هو ثابت ومعروف وواضح في الولايات المتحدة الأميركية أن الدعم لـ"إسرائيل" والالتزام بأمنها هو من ثوابت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وأن هذا الدعم يتخطى الانقسام الحزبي؛ إذ تنافس كل من كامالا هاريس ودونالد ترامب حول من هو الأفضل لـ"إسرائيل" خلال حملتهما الانتخابية.

 

واستمرت هاريس حتى اللحظات الأخيرة تبالغ في إظهار الدعم لـ"إسرائيل"، والدفاع عمّا سمّته "حقها في الدفاع عن نفسها"، وحين سئلت ما الذي ستغيّرينه في ولايتك عمّا فعله جو بايدن، قالت "لا شيء" أي الاستمرار بدعم الإبادة الإسرائيلية في غزة مع بعض الكلام الإنشائي حول المدنيين وإدخال المساعدات.

 

 وبخصوص إيران، كان موقف  هاريس أكثر حدة من موقف دونالد ترامب الذي قال إنه سيسعى لعقد اتفاق مع إيران، وأنه سيستخدم العقوبات لمرحلة، ولكنه سيزيلها لأنها تضر بالاقتصاد الأميركي وهيمنة الدولار، وأنه يجب منع إيران من امتلاك السلاح النووي، فيما أجابت هاريس عندما سُئلت عن العدو الرئيسي للولايات المتحدة في برنامج "60 دقيقة"، "أعتقد أن لدي اسماً واضحاً في ذهني، وهو إيران". وأضافت: "إيران لديها دماء أميركية على أيديها. هذا الهجوم على إسرائيل ب 200 صاروخ باليستي، ما نحتاج إلى القيام به لضمان عدم حصول إيران أبداً على القدرة على أن تكون قوة نووية، هذه واحدة من أولوياتي القصوى".

 

وبالنظر إلى سجل ترامب في الشرق الأوسط في الفترة الأولى من ولايته، يتوقع العديد من المراقبين أن يكون هناك اندفاع إسرائيلي أكبر نحو توسيع المستوطنات في الأراضي الفلسطينية منطلقين من خطة ترامب السابقة "صفقة القرن"، ونظراً لما قاله خلال حملته الانتخابية من أن "إسرائيل بقعة صغيرة" على الخريطة، وتساءل عما إذا كانت هناك "طريقة للحصول على المزيد" خلال لقاء في نيوجيرسي.

 

وبالرغم من إشادة نتنياهو بفوز ترامب وعودته إلى البيت الأبيض والمسارعة إلى تهنئته، فإن نظرة ترامب إلى نتنياهو وحديثه عنه يشيان بأنه لا يثق بنتنياهو، وأن العلاقة بين الطرفين لن تكون كما كانت خلال فترة ترامب الأولى، حتى لو كانت جيدة بالمجمل.

 

بعد خسارته الانتخابات الرئاسية عام 2020، ذكر موقع "أكسيوس" الأميركي، أن ترامب كان غاضباً جداً من نتنياهو  واتهمه بعدم الوفاء، إذ أدرك ترامب أن نتنياهو كان أول شخص يهنئ بايدن، وعبر مقطع فيديو مصوّر وليس مجرد اتصال. وقال ترامب "الرجل الذي قدمت له الكثير أكثر من أي شخص آخر تعاملت معه... كان بإمكان بيبي أن يظل صامتاً. لقد ارتكب خطأً فادحاً". وتابع: "لقد أحببت بيبي. وما زلت أحب بيبي. ولكنني أحب الولاء أيضاً. وكان أول شخص هنأ بايدن هو بيبي. ولم يهنئه فقط، بل فعل ذلك على شريط مسجل".

 

وفي حديث إعلامي، في أعقاب أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2023، حمّل ترامب، بايدن وإدارته عما حصل في "إسرائيل" وهجوم حماس، واستذكر ترامب ما سمّاه "خذلان نتنياهو" للأميركيين خلال عملية اغتيال قاسم سليماني عام 2020، فقال ترامب " "لن أنسى أبداً أن بيبي نتنياهو خذلنا. كان ذلك أمراً فظيعاً للغاية. كانت إسرائيل تنوي القيام بهذا معنا، وكان التخطيط والعمل جارياً منذ أشهر. لقد كان كل شيء جاهزاً، وفي الليلة التي سبقت وقوع الهجوم، تلقيت مكالمة تفيد بأن إسرائيل لن تشارك في هذا الهجوم".

 

لاحقاً، وبعد أن اشتدت الحملة الانتخابية، لم يعد ترامب يتحدث عن نتنياهو شخصياً، بل بات يتحدث عن ضرورة أن تنتصر "إسرائيل" وحمّل مسؤولية إطالة أمد الحرب إلى إدارة بايدن، وانتقد طلب وقف إطلاق النار قبل أن يسمحوا لـ"إسرائيل" بالانتصار. وفي مقابلة مع صحيفة "يسرائيل هيوم"، دعا ترامب "إسرائيل" إلى أن تنهي الحرب وقال "عليك أن تنهي حربك... عليك أن تنجزها. علينا أن نصل إلى السلام".

 

 وحذر ترامب من تأثير الصور التي تنتشر حول العالم، وقال على إسرائيل الحذر " لأنها تخسر الكثير من العالم، وتخسر الكثير من الدعم. يجب على إسرائيل أن تفعل ما يجب عليها فعله، ولكن علينا أن نصل إلى السلام، لأن العالم يتحوّل، وهذا ليس بالأمر الجيد بالنسبة إلى إسرائيل". وقال ترامب "يزعجني أن الناس لم يعودوا يتحدثون عن السابع من تشرين الأول/أكتوبر. إنهم يتحدثون عن مدى عدوانية إسرائيل".

 

وهكذا، وبالرغم من أن مشروعية التخوف من علاقة ترامب ونتنياهو على القضية الفلسطينية ومستقبل الصراع ورغبة اليمين الإسرائيلي في استغلال وصول ترامب إلى السلطة؛ لأخذ ضوء أخضر أميركي لضمّ الضفة وإعادة بناء المستوطنات في قطاع غزة، لكن يبقى أن ما يحكم هذه العلاقة هو عدم قدرة نتنياهو على فرض شيء على ترامب لا يريده، بينما كانت علاقة بايدن مع نتنياهو علاقة القائد والتابع فكان نتنياهو يقود وإدارة بايدن تتبع.

  

2024/11/11

فوز الجمهوريون ومعركة القيم العالمية

حققت انتخابات الولايات المتحدة الأميركية مفاجآت عدّة، أهمها أن الحزب الجمهوري استطاع أن يفوز بالرئاسة وسيطر على مجلس الشيوخ، ويقترب من تحقيق أغلبية في الكونغرس، كما حقق الغالبية على مستوى حكام الولايات.

هذه النتيجة الساحقة، تعني أن الحزب الديمقراطي لم يخسر فقط السباق الى البيت الأبيض بل خسر في التصويت الشعبي، وهذا إن كان يدل على شيء فهو يدل على أن الشعب الأميركي قد انحاز الى أجندة الجمهوريين على مستويات عدّة وأهمها مستوى القيم المحافظة والقيم العائلية.

لا شكّ لعبت عوامل عدّة منها الاقتصاد والهجرة غير الشرعية وحربي غزة وأوكرانيا وشخصية هاريس على نتائج الانتخابات لكن، الصراع السياسي اتخذ عاملاً ثقافياً تنافس على أساسه الحزبان الأميركيان، وهما الاجندة المحافظة الجمهورية، مقابل أجندة ما يسمى "اليقظة".

ينقسم الديمقراطيون والجمهوريون حول سياسات "اليقظة" ففي حين نشرت المرشحة الرئاسية كامالا هاريس (في وقت سابق قبل ترشحها) فيلماً دعائياً عن استقبال متحوّلين جنسياً في البيت الأبيض، قام المرشح دونالد ترامب بالإعلان أنه سيكون ضد سياسات "اليقظة" وأدرج الحزب الجمهوري في برنامجه الرسمي للحكم، تعهده بمحاربة سياسات "اليقظة" ومنعها من المدارس، وطرد " الديمقراطيين اليساريين من الجيش الأميركي في أقرب وقت ممكن".

معنى "اليقظة" Woke

في الأصل، بدأت كلمة "اليقظة" أو "ابقَ مستيقظاً" للدعوة إلى الوعي بالظلم وعدم المساواة المنهجي القانوني والنظامي اللذين يستهدفان السود في الولايات المتحدة الأميركية. عام 1938، أصدرت مغنية البلوز الأميركية ليد بيلي أغنية عن تسعة مراهقين سود اتهموا ظلماً بالاغتصاب في ألاباما بالرغم من براءتهم. في مقابلة حول الأغنية، قالت ليد بيلي، "أنصح الجميع بأن يكونوا حذرين بعض الشيء عندما يذهبون إلى هناك (ألاباما). من الأفضل أن تظل مستيقظاً، وأن تُبقي عينيك مفتوحتين". ومنها انطلقت تلك العبارة.

بقي المصطلح ضمن إطار المجتمع الأسود، لغاية عام 2010، حيث بدأ هذا المصطلح يخرج إلى نطاق أوسع، خاصة مع الوعي بحقوق السود الذي نشرته منظمة "حياة السود مهمة"، فتحوّل بعدها إلى وصف شامل للسياسة التقدمية التي تطالب بالعدالة الاجتماعية وسياسات أكثر شمولية inclusive. فأضيفت إلى السود، فئات مثل المثلية الجنسية، والمتحوّلون وغيرهم.

لاحقاً، تحوّل المصطلح إلى "رمز سلبي" يدعو إلى مراقبة كلمات الآخرين، وشيطنتهم إذا لم تكن آراؤهم متوافقة مع النمط السائد، أو الصحيح سياسياً (بحسب الأجندة التقدمية)، ويرى البعض أنه تحوّل إلى أداة لقمع حرية التعبير، وفرض الأحكام الأخلاقية على الآخرين.

ما رفضه الأميركيون بالتصويت للجمهوريين هو فرض سياسات "إكراهية" قيمية وفيها تعليم الاطفال في المدارس حول المثلية الجنسية والسماح للرجال المتحولين جنسياً بالمشاركة في ألعاب الفتيات ومباريات ملكات الجمال النسائية، وتشجيع  الأطفال على تغيير جنسهم (أحياناً من دون رضى الوالدين ومن دون معرفتهم)، وغضّ النظر عن جرائم التحرش والاغتصاب التي يقوم بها بعض المتحوّلين من الرجال خلال وجودهم في الأماكن المخصصة للنساء إلخ... يذكر أن استطلاعات الرأي أفادات ان 85% من الأميركيين يرفضون مشاركة المتحولين جنسياً الرجال في مباريات الرساضة للفتيات.

وعليه، خلال أربع سنوات من حكم الجمهوريين، سيشهد العالم تراجعاً لأجندة "اليقظة"، وسيكون هناك انتعاش لليمين والقيم المحافظة سواء في أوروبا أو في العالم.


2024/10/31

دور الحاخامات في تغيّر العقيدة القتالية في اسرائيل


تشتد المشاكل داخل "اسرائيل" بشأن تجنيد الحريديم، ويهدد الحزبان الدينيان في الحكومة “شاس” و”يهدوت هتوراه”، بالتصويت ضد الميزانية المالية، إذا لم يتم المضي قدماً في قانون الإعفاء من التجنيد.

لكن، بالتوازي مع هذا الجدال السياسي والقانوني، كان لافتاً تصريح المحلل السياسي للقناة "الـ12" الإسرائيلية، عميت سيجال، الذي قال إن "60% من الجنود القتلى خلال الشهر الجاري في لبنان هم من أتباع تيار الصهيونية الدينية، وهم من مستوطني الضفة الغربية".

وفي تقرير نشرته "سي أن أن: (25 تشرين الأول/أكتوبر 2024) بشأن رفض الجنود الاسرائيليين الالتحاق بالخدمة مجدداً، يقول أحد الذين خدموا عند الحدود مع لبنان "إن الخدمة كانت صعبة للغاية بالنسبة إليه، لأن الجو كان يبدو "عسكرياً دينياً" للغاية، موضحاً بالقول: "شعرت بأن جزءاً كبيراً من الأشخاص، الذين كنت معهم، يدفعهم الجانب الديني إلى القتال في هذه الحرب، وهو الأمر الذي كان غير مريح للغاية بالنسبة إلي". ويتذكر أن أحد رفاقه من الجنود قال له "إن قتل الفلسطينيين في غزة، بمن في ذلك الأطفال، هو واجب ديني يهودي، لأنهم سيصبحون إرهابيين عندما يكبرون".

في السنوات الأولى لتأسيس الكيان، كانت مراكز القوة الرئيسة في البلاد ــ المؤسسة العسكرية والحكومة ــ خاضعة لسيطرة النخبة الصهيونية العلمانية واليسارية في الغالب، والتي أسست "الدولة" في عام 1948. لكن، على مدى العقدين الماضيين ظهر جيل جديد يجمع بين الدين والقومية. وتُظهر الدراسات الأكاديمية أن عدد الضباط الصهاينة المتدينين في "الجيش" شهد زيادة هائلة، كما زاد تأثير الحاخامات الذين أدخلوا مسائل الإيمان والسياسة في ساحة المعركة.

ولفهم التحوّل في "الجيش" الاسرائيلي، لا بد من أن نعرّج على بعض الهياكل التي أقامها والتي دمج فيها المجتمع الإسرائيلي المتدين، وكيف أدّى التحوّل إلى هذه النتائج:

1. مدارس Hesder Yeshivot

هي مؤسسات تعليمية بعد المرحلة الثانوية تابعة للجيش، بحيث يُمضي طلاب المدارس الدينية الصهيونية جزءاً من خدمتهم العسكرية منخرطين في تعلم التوراة وتأدية الخدمة العسكرية. وخلال العقود الأخيرة تم إنشاء شبكة من الأكاديميات العسكرية الدينية الوطنية، وتطورت هذه المدارس لتدريب جيل جديد من القادة العسكريين الذين لا يتخرجون بتدريب عسكري فحسب، بل لديهم أيضاً دافع ديني إلى البحث عن أدوار قتالية داخل الجيش.

2. اليهود المتدينون:

لا يخدم المجتمع المتدين (الحريديم) بشكل عام في "الجيش" بسبب معتقداته الدينية ولرفضه العلمانية. ومع ذلك، هناك وحدات خاصة لأولئك الذين يتطوعون، والتي تحافظ على معايير دينية صارمة. وتشير التقارير إلى أن نسبة 4 % فقط من الحريديم، الذين تم استدعاؤهم مؤخراً، التحق بالخدمة فعلياً.

3. الصهاينة المتدينون

يدمج هؤلاء معتقداتهم الدينية في خدمتهم العسكرية، وغالباً ما ينظرون إلى خدمتهم على أنها واجب وطني وديني معاً. يتباين هؤلاء الصهاينة المتدينون عن المجتمع اليهودي الأرثوذكسي المتطرف في نظرتهم إلى الاندماج في المجتمع والخدمة العسكرية.

تأسست أول مدرسة إعدادية عسكرية في "إسرائيل"، بني دافيد، عام 1988، لتشجيع الصهاينة المتدينين على تولي أدوار في الجيش، في وقت لاحظ الجيش تراجعاً في دوافع المجندين المتدينين. تفتخر المدرسة في أن جميع خريجيها تقريباً يتطوعون للقتال، بحيث يتم تعليمهم أن "الخدمة العسكرية واجب مدني، لكنها أيضاً وصية عظيمة من التوراة".

منذ تأسيسه، افتخر "الجيش" الاسرائيلي في أنه منظمة علمانية للغاية ليس لها أجندة دينية أو سياسية، باستثناء الدفاع عن "الدولة"، لكن الأمر بدأ يتغير في العقود الأخيرة. وعلى الرغم من أن المتدينين المتشددين (الحريديم) يرفضون الخدمة العسكرية، فإن الفصيل الآخر، الذي يُعرف أحيانًا باسم "الهارداليم" أو "المتدينين الوطنيين" أو "الصهاينة المتدينين" والذين يمثلون نحو 13٪ فقط من سكان "إسرائيل"، باتوا يمثلون في عام 2024 نحو 40٪ من طلاب الضباط الذين يدخلون الجيش، بعد أن كانت نسبتهم 2.5% في عام 1990، و26% في عام 2008.

4. الحاخامية العسكرية
خدم الحاخامات فترةً طويلة في "الجيش" الإسرائيلي، لكنهم تعاملوا تاريخياً مع القضايا اللوجستية، مثل التزام قوانين النظام الغذائي اليهودي، وتنظيم خدمات الصلاة، والحفاظ على الالتزام الديني في أثناء الواجبات العسكرية.

بدأ هذا يتغير في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فلقد حصلت الحاخامية العسكرية على دور جديد لربط الجنود بجذورهم اليهودية وغرس روح القتال فيهم، القائمة على الإيمان والتقاليد التي تعود إلى قرون. وهكذا، في عام 2001، أنشأت الحاخامية فرع "الوعي اليهودي"، الذي يقدم إلى الجنود جولات ومحاضرات عن اليهودية ودروساً تدمج معاً التعاليم الدينية مع القيم العسكرية مثل التضحية بالنفس.
عام 2016، أعلن رئيس أركان "الجيش" الإسرائيلي الأسبق، غادي آيزنكوت، أنه سينقل وحدة "الوعي اليهودي" من سلطة الحاخامية العسكرية، ويضعها تحت سلطة مديرية شؤون الموظفين، بعد أن تعرضت لانتقادات من داخل الجيش وخارجه بسبب دفعها أجندة أيديولوجية دينية يمينية، وبعد أن انتقدها الجنود العلمانيون متخوفين من أن يؤدي كثرة التدين في الجيش إلى تساؤل الجنود عمن يجب أن يطيعوا: ضابطهم أم الله.

مؤخراً، برز دور هؤلاء خلال الحروب على غزة ولبنان، بحيث تفيد التقارير بأنهم يضطلعون بدور واسع لتعزيز الروح القتالية للجنود وعدم استسلامهم لأنهم يقاتلون من أجل "التوراة"، لذا من واجبهم التشبث بالأرض وبعدم الرحمة مع العدو. ينتقدهم البعض مؤكدين أنهم السبب في دفع الجنود إلى عدم التمييز بين المدنيين والعسكريين، إلى ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.
في المحصلة، يبدو أن البعد العقائدي الديني دخل عقيدة "الجيش الاسرائيلي"، وهو ما يمكن أن يفسّر قدرة "إسرائيل" على خوض حرب استنزاف مدة عام، والتأقلم الاسرائيلي مع نسبة الخسائر البشرية العالية. وتشير الدراسات الاسرائيلية الحديثة إلى أنه "لا يوجد مكان آخر في إسرائيل يتجلى فيه النفوذ المتزايد للقوميين الدينيين وامتدادهم بشكل أوضح من داخل المؤسسة العسكرية".
 

2024/10/25

ألمانيا والبحث عن دور في الشرق الأوسط

زارت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك لبنان، وأطلقت تصريحات أقل ما يقال عنها إنها "مشينة" بحق لبنان، في ظل سكوت سياسي لبناني غير مفهوم. ونشرت الخارجية الألمانية على منصة "أكس": "في لبنان، يخشى الناس على أحبائهم كل يوم. وهنا أيضاً، يختبئ إرهابيو حزب الله بشكل غير مسؤول خلف المدنيين ويطلقون الصواريخ على إسرائيل كل يوم. يجب على إسرائيل الدفاع عن نفسها ضد هذه الهجمات."

 

وكانت في وقت سابق، أطلقت وزيرة الخارجية الألمانية تصريحات أمام مجلس النواب الألماني (البوندستاغ) تؤكد أن الألمان يدعمون الإبادة في غزة، وأنهم سيستمرون في تصدير الأسلحة إلى "إسرائيل"، بالرغم من قتل المدنيين، إذ عدّت قتلهم مبرراً في معرض دفاع "إسرائيل" عن نفسها. كذلك أعلن المستشار الألماني أن حكومته ستستمر بتزويد "إسرائيل" بأنواع الأسلحة اللازمة كافة.

 

وكأن التصريحات الألمانية لا تكفي، فقامت ألمانيا (بصفتها عضواً في المحكمة الجنائية الدولية) بمحاولة تقويض قضية تحويل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت إلى المحكمة. ومؤخراً، نشرت المحكمة الجنائية الدولية تعديلاً لمطالعة دولة ألمانيا في ما يُعرف بـ"طلب صديق المحكمة"، تطعن فيه في طلب مذكرات إلقاء القبض على نتنياهو وغالانت والذي تقدم به مدعي عام المحكمة إلى الغرفة التمهيدية.

 

وجاء في المطالعة أن المدعي العام لم يراعِ المادتين 17 و18 من اتفاقية روما التي تعدّ اختصاص المحكمة مكمّلاً للاختصاص الوطني، وارتكزت المطالعة الألمانية إلى أن "إسرائيل" تمتلك جهازاً قضائياً مستقلاً قادراً على التحقيق في الجرائم المرتكبة، وأنها لم تُعطَ الفرصة لذلك، وفقاً لمبدأ "التكامل الإيجابي" المعمول به في نظام المحكمة الأساسي.

 

- السياسة الألمانية في الشرق الأوسط

في عام 1953، سلّط المستشار كونراد أديناور الضوء على "الالتزام الأخلاقي" لألمانيا ببناء علاقات قوية مع "إسرائيل"، ما أدى إلى برنامج سري لنقل الأسلحة واتفاقية تعويضات مالية كبيرة. في عام 1956، واجهت ألمانيا أزمة دبلوماسية حادة مع العالم العربي بسبب الكشف عن إمدادات الأسلحة السرية تلك والمساعدة الألمانية لـ"إسرائيل" خلال العدوان الثلاثي على مصر.

 

في عهد المستشار فيلهلم براندت، بدأت ألمانيا ما سمّته "سياسة التوازن" في الشرق الأوسط، وفي الصراع العربي- الإسرائيلي، وذلك لموازنة مصالحها الاقتصادية والأمنية المتنامية في الشرق الأوسط مع علاقاتها الخاصة مع "إسرائيل". ركزت هذه السياسة على تقديم الدعم المالي للشركاء الإقليميين المهمين وتبني موقف أكثر حيادية تجاه الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. ومع ذلك، واجهت سياسة "التوازن" أو Ausgewogenheit  أولويات متضاربة، فبالرغم من بدء خطاب أكثر ليونة وتقديم المساعدات المالية للفلسطينيين، ظلت ألمانيا شريكاً موثوقاً به ومؤيداً مخلصاً لـ"إسرائيل".

 

بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر عام 2001، أعطت ألمانيا الأولوية للمصالح الأمنية ومكافحة الإرهاب على برامج الديمقراطية في المنطقة. وفي عهد أنجيلا ميركل، عادت السياسة الخارجية الألمانية إلى مسارها السابق، مع تدخل محدود، وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، وتفاني متجدد في التكامل الأوروبي.

 

في الشرق الأوسط، التزمت ميركل بسياسة الحفاظ على أمن "إسرائيل"، لذلك دعمت ميركل المشاركة الألمانية في "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" (اليونيفيل) من خلال "القوة البحرية" وبررت مشاركة ألمانيا في تلك القوة بـ "المسؤولية التاريخية لألمانيا عن أمن إسرائيل" وتحقيق "الهدف المتمثل في دور حاسم للاتحاد الأوروبي في الشؤون الدولية" كحجج رئيسية لحشد الدعم المحلي لقرارها.

 

بعد الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2023، ومشاركة حزب الله في حرب الإسناد، عرضت ألمانيا أن تلعب دور الوسيط بين "إسرائيل" وحزب الله، مستندة الى تاريخ من الوساطة في هذا الإطار، إذ إنها ليست المرة الأولى التي تلعب فيها ألمانيا مثل هذا الدور، ففي فترات سابقة عمل الدبلوماسيون والأجهزة الأمنية الألمانية بفعالية كوسطاء في مفاوضات بشأن تبادل الأسرى بين "إسرائيل" وحزب الله. وبالطبع، فشلت الوساطة الألمانية في دفع حزب الله إلى وقف حرب الإسناد، وفشلت المهمة الألمانية في تأمين ما تريده "إسرائيل".

 

وبالخلاصة، وبالنظر إلى السلوك الألماني في الملفات الخارجية، لا شكّ يحاول الألمان العودة إلى الساحة الدولية بقوة، وأن يحجزوا لهم مكاناً في الشرق الأوسط، عبر التنافس مع الفرنسيين على دور محدود بهوامش ضيقة جداً يتركها الأميركي لحلفائه للقيام بها من ضمن سياسة توزيع الأدوار التي يتقنها في الشرق الأوسط.

 

وهكذا، تبدي ألمانيا رغبتها في لعب هذا الدور المتمثل في دعم "إسرائيل" ولعب دور "هامشي" يسمح به الأميركيون، وهو ما يفسّر الكلام غير الدبلوماسي وغير الإنساني الذي تطلقه وزيرة الخارجية الألمانية.

 

2024/10/17

الوحدة الداخلية لن تدوم: "إسرائيل" أمام تحديات وجودية

نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن وزير الأمن الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، قوله إنه تم توزيع 170 ألف قطعة سلاح على المستوطنين، منذ بداية الحرب على غزة، مؤكداً مواصلة تسليحهم. بالتوازي، تزداد الانقسامات داخل "إسرائيل" حول موضوع تجنيد الحريديم الذي أقرته المحكمة العليا، والذي يرفضه اليمين الإسرائيلي بقوة، فيما يرى العديد من الإسرائيليين أن هذا الموضوع يحتوي تمييزاً غير مقبول بين المواطنين، إذ يموت البعض بينما يجلس آخرون في مدارسهم الدينية ويقبضون الأموال الطائلة.

 

من ناحية أخرى، يسعى اليمين الإسرائيلي إلى استغلال الحرب الدائرة في غزة ولبنان لفرض قوانين كان قد تمّ رفضها في السابق، ومنها قانون مراقبة التعليم. يدرس الكنيست الإسرائيلي حالياً مشروع قانون تقدم به نواب من الأحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة، وعلى رأسهم حزب الليكود، يدعو إلى إخضاع القطاع التعليمي لسلطة "الشاباك"؛ وذلك لمراقبة المدارس والمناهج التعليمية والجهاز التعليمي. وكانت تلك الأحزاب - قبل حرب غزة- دعت إلى مراقبة ما يزيد على 250 ألف معلم إسرائيلي "يهود وعرب" والغوص في ملفاتهم الشخصية وتفنيدها إذا لزم الأمر، وذلك "من دون إجراء تحقيق قضائي مسبق"، بذريعة تسهيل فصل المشتبه بهم في "دعم الإرهاب".

 

ومع نمو اليمين المتطرف، يخشى العديد من الإسرائيليين من أن يكون مصير "إسرائيل" كمصير الممالك التي أسسها اليهود في التاريخ، إذ إن "التفكك الوطني" الذي دمّر المملكتين اليهوديتين السابقتين في التاريخ، يظل خطراً حاضراً على الدوام في الوعي الجمعي الإسرائيلي، ويحذّر هؤلاء من أن اليمين المتطرف قد يكون شرارة التفكك، أو ما يطلق عليه "لعنة العقد الثامن"."

 

 ما هي "لعنة العقد الثامن" اليهودية؟

تشير المصادر اليهودية إلى أن اليهود حكموا أنفسهم مرتين تاريخياً، ولكن خلافاتهم الداخلية أدت إلى تبديد تلك "الممالك"، وتشريد اليهود في أقاصي الأرض، وهما:

 

- المملكة اليهودية الأولى أسسها الملك داود، وحققت إنجازات وظلت موحدة لمدة 80 عاماً. وفي العام الحادي والثمانين، وبسبب الصراعات الداخلية، تفككت مملكة داود إلى مملكتين منفصلتين هما يهودا وإسرائيل، وهكذا بدأ سقوطها، وتفتّت القبائل الموجودة فيها وتشرذمت.

- المملكة اليهودية الثانية هي مملكة الحشمونائيم (استمرت لغاية سنة 37 قبل الميلاد). وقد استمرت هذه المملكة 77 عاماً كمملكة موحدة. وفي العقد الثامن من عمرها، بدأ الاقتتال الداخلي على العرش، ما دفع المتحاربين إلى اللجوء إلى روما للحماية. وبعدها، أصبحت مملكة الحشمونائيم تابعة للإمبراطورية الرومانية.

 

وفي محاولة لتبديد هذا القلق الوجودي، وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الإسرائيليين، في عام 2017، بالعمل على تخطي عقدة العقد الثامن، قائلاً: "سأجتهد كي تبلغ إسرائيل عيد ميلادها المئة، لأن مسألة وجودنا ليست مفهومة ضمناً، وليست بديهية، فالتاريخ يعلمنا أنه لم تُعمَّر دولة للشعب اليهودي أكثر من 80 سنة".

 

الوحدة الحالية لن تدوم

أما اليوم، وبالرغم من الوحدة الظاهرية، فإن الانقسامات الإسرائيلية العميقة قد تجعل مسألة الاحتراب الداخلي مسألة وقت فحسب.

 

إن ما يظهره الإسرائيليون من "وحدة" اليوم، لا يمكن أن يُبنى عليه، لأنه ينطلق من مبدأ معروف في العلاقات الدولية وعلم الاجتماع السياسي، ويسمى "متلازمة الالتفاف حول العلم"، وهو مفهوم يستخدم لشرح زيادة الدعم الشعبي "قصير الأمد" لحكومة دولة ما أو قادتها السياسيين خلال فترات الأزمات الدولية أو الحروب.

 

وتشير نظريات الحرب إلى أن أحد أسباب الحروب قد تكون محاولة أحد الزعماء استغلال ظاهرة "الالتفاف حول العلم"، فيقوم بافتعال أزمة دولية لتحويل الانتباه عن القضايا المحلية وتعزيز معدلات شعبيته عندما تبدأ في التدهور.

 

وعليه، وبالرغم من أن استطلاعات الرأي الحالية تظهر نوعاً من "الوحدة الداخلية" الإسرائيلية وتأييداً لسياسات اليمين المتطرف وحكومة نتنياهو، لكن هذا لا يلغي أنه بمجرد أن تنتهي الحرب (مهما كانت نتائجها العسكرية التكتيكية)، ستكون "إسرائيل" أمام أخطار استراتيجية كبرى، في ظل تحوّلها إلى "دولة" منبوذة عالمياً.

 

بعد الحرب، ستعود الانقسامات الداخلية أكبر مما كانت، وقد تؤدي فعلاً إلى احتراب إسرائيلي داخلي في ظل قيام بن غفير بتسليح المستوطنين المتطرفين، وسعي اليمين لتحويل "إسرائيل" إلى "دولة توتاليتارية" يمينية متطرفة، خصوصاً إذا ما عانى الاقتصاد الإسرائيلي من أزمات حادة، وهو أمر متوقع بشدة بعد الحرب.

 

إن ما سبق يدفع عدداً من الباحثين الإسرائيليين إلى التنبيه إلى أن الفلسطينيين واللبنانيين وحتى إيران ليسوا التهديد الحقيقي لـ"إسرائيل"، بل إن الانقسام والاستقطاب داخل المجتمع الإسرائيلي، ونمو اليمين المتطرف يشكل تهديداً وخطورة أكبر على مستقبل المشروع الصهيوني في "إسرائيل".