2017/02/16

الحل السوري مؤجل.. وترامب الى العراق؟


د. ليلى نقولا
ليس سهلاً ما يعاني منه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الداخل من معارضة لحُكمه ومظاهرات مستمرة ينظّمها "الديمقراطيون" وتشترك فيها شركات كبرى ومؤسسات إعلامية، ويديرها أصحاب الرساميل، ومنهم جورج سورس.

وكان لافتاً أنه ومع العرقلة التي يمارسها الكونغرس لتصديق تعيينات ترامب لإدارته، الضغوط الإعلامية والسياسية التي مورست على مستشار الأمن القومي مايكل فلين، والتي دفعته للاستقالة؛ في ضربة كبيرة للإدارة، ذلك أن فلين كان من الأركان الأساسيين الذين يستند إليهم ترامب في رسم سياساته.

ومع كل هذه العراقيل والانقسام المجتمعي، والفضائح والتشهير الذي يُمارس على ترامب وعائلته وأركان حكمه، وتحديه قضائياً، يكون على الرئيس الأميركي إحراز تقدُّم أو نجاح في استراتيجيته الخارجية، لإسكات الأصوات الداخلية، ولحشر معارضيه ومنتقديه بأنه غير مُلمّ بالشؤون الخارجية، وأنه لن ينجح في السياسات التي وعد بها.

لذا، يحتاج الرئيس الأميركي إلى انتصار ما يوظّفه ضد خصومه في الداخل، فما هي البدائل أمامه؟

1-   الصين: يُدرك ترامب أن سياسة احتواء الصين هي استراتيجية طويلة الأمد، كما أن الصراع التجاري معها قد يدفع بعض الشركات الأميركية المتضررة إلى الانخراط بقوة في محاولات إضعافه داخلياً، لذا، بعد سلسلة من التصريحات العدائية ضد الصين، وبعد محاولة استفزاز الصينيين بقضية تايوان، عاد واعترف بسياسة "الصين الواحدة"، وغلب "الودّ" على اتصاله بالرئيس الصيني، كما أعلن ترامب نفسه.

2-   إيران: تتلاءم توجهات ترامب العدائية ضد طهران مع التوجهات العامة للكونغرس الأميركي، لذا سيستمر ترامب في سياسة العداء تجاه إيران، لكنه لن يصل إلى مرحلة الصراع أو التوتر العسكري معها. يدرك أركان إدارة ترامب من العسكريين أن الصراع العسكري مع إيران عالي الكلفة وغير مضمون النتائج، بالإضافة إلى المحاذير التي تسود الإدارات الأميركية المتعاقبة بعد جورج بوش الإبن من أي تدخل عسكري مباشر وانخراط الجنود الأميركيين في حروب خارج البلاد.

وقد تكون سلسلة المواقف النارية التي أطلقها السيد حسن نصرالله مؤخراً، هدفها الضغط الاستباقي على الإدارة الأميركية، لئلا تنجرّ الرؤوس الحامية في كل من "إسرائيل" ودول الخليج وتحرِّض إدارة ترامب على الانخراط في صراع عسكري مع إيران، أو مع حزب الله في الجنوب اللبناني، فذلك سيجرّ المنطقة برمّتها إلى الخراب.

3-   "داعش": وهي المعركة الأسهل نسبياً، والتي يحتاج ترامب إلى الانتصار فيها لتحقيق أهداف عدة:

أ‌-     إسكات الأصوات المعترضة في الداخل، وتخفيف الانتقادات ضده.

ب‌- القول إن سياسته أفضل من سياسات أوباما، الذي لم يستطع القضاء على "داعش"، ولم تُبلِ إدارته بلاءً حسناً في استراتيجية مكافحة الإرهاب.

ت‌- الافتخار بأن إدارته استطاعت أن تتخلص من "داعش" في وقت قصير نسبياً، بعدما كانت إدارة أوباما، ومنهم وزير الدفاع، قد اعتبروا أن القضاء على "داعش" يحتاج إلى ثلاثين سنة.

إذاً، يحتاج ترامب إلى انتصار في حربه ضد الإرهاب لتوظيفه لمصلحته في الداخل والخارج، وأمامه الساحتان العراقية والسورية لاستخدامهما للقضاء على "داعش".

في الاختيار بين العراق وسورية، سيكون من الأسهل على ترامب أن يبدأ استراتيجيته لمكافحة الإرهاب في العراق، إذ لا يوجد الكثير من الإشكاليات التي تعترض التعاون الأميركي مع الجيش العراقي في معركته ضد "داعش"، اللهم إلا إذا عمد ترامب إلى وضع الحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب، ما قد يعقّد جهود مكافحة الإرهاب، بعدما ثبت أن الحشد الشعبي العراقي هو الذي يحقق الإنجازات الأكبر في هذا المجال.

أما بالنسبة لسورية، فالتعقيدات المحيطة بمصالح القوى الإقليمية، والحساسية التركية المرتبطة بالدعم الأميركي للأكراد، والتعويل الأميركي على المقاتلين الأكراد في استراتيجتهم لمكافحة الإرهاب، بعدما فشلت كل البرامج العسكرية التدريبية للاعتماد على مقاتلين سوريين "معتدلين"، بالإضافة إلى ارتباط الانتهاء من ظاهرة "داعش" بالتعاون مع الجيش السوري وحلفائه، وعدم رغبة الأميركيين بالانتهاء من تلك الظاهرة قبل الاتفاق على مستقبل وترتيبات ما بعد الحرب في سورية.. كل هذا، قد يؤجّل السعي الأميركي للقضاء على "داعش" في سورية أو إلى حل النزاع السوري، خصوصاً أن القبول بالأمر الواقع وإنهاء الحرب السورية قياساً على موازين القوى الميدانية، قد يعطي مادة دسمة للمعارضين في الداخل لانتقاد ترامب، وستكون عناوين الحملة الإعلامية والسياسية عليه: القبول ببقاء الأسد، أو التعاون مع "متهمين" بارتكاب مجازر، أو التخلي عن حلفائنا، أو تعظيم دور إيران وحزب الله في المنطقة..

2017/02/09

هل ترامب فعلاً مجنون أو ذكي جدًا؟

د. ليلى نقولا
لم يشهد تاريخ الولايات المتحدة الأميركية رئيسًا إشكاليًا ومثيرًا للجدل مثل الرئيس دونالد ترامب، وخاصة أنه يُتهم بالعشوائية والنرجسية الشديدة وغرابة الأطوار، علمًا أن الرئيس الأسبق جورج بوش الإبن، لم يكن أفضل حالاً، خاصة في العديد من القرارات التي اتخذها بناءً على تصورات عقائدية دينية غيبية، والتي أدّت الى إضعاف الإمبراطورية الأميركية ماديًا واستراتيجيًا، وإغراق الجيش الأميركي في حربين لم يخرج منهما بشكل كامل لغاية اليوم.
وقد يكون ترامب بالفعل مثيرًا للجدل ويظهر متهورًا أحيانًا، ولكن ما يتعرض له من حملات قد يكون مردها الى أسباب عدّة منها المرتبط بشخطيته فيتحمل مسؤوليتها شخصيًا، ومنها ما لا يتحمل مسؤوليته هو، ومنها ما يلي على سبيل المثال لا الحصر:
1- من المفارقات أن الديمقراطيين الحاكمين منذ ثماني سنوات في الولايات المتحدة لم يتحملوا خسارة الانتخابات، ويحاولون تقويض وتشويه صورة الرئيس الجديد، علمًا أن نجاح ترامب يعود بشكل كبير الى ما قاموا به بأنفسهم ضد برني ساندرز، الذي كان من الممكن أن ينتصر على ترامب، بينما كان من الصعب على المرشحة هيلاري كلينتون أن تنتصر بسبب عدم ثقة الناس بها، وتاريخها السياسي السابق، ورؤية الناس لها بأنها ممثلة للنظام المتحكم بالسلطة منذ عقود.
2- بعدما نجح الأميركيون في الإطاحة بالعديد من الحكام في العالم من خلال الثورات الملونة، التي تدبرها الإدارة الأميركية ويساهم فيها تمويلاً وتدريبًا جورج سوروس ومنظمته open Society foundation، ها هم اليوم يحاولون الاطاحة بالرئيس المنتخب بنفس الأساليب في الداخل. وتقوم تلك الثورات على تأليب المظاهرات على الحاكم الذي يتم شيطنته إعلاميًا، واتهامه بتزوير الانتخابات والتعامل مع جهة خارجية لغير مصلحة بلاده. وهو ما يتمّ فعله مع الرئيس دونالد ترامب بالتحديد.
مع العلم، أن الحكام في تلك البلدان - وهو ما فعله ترامب أيضًا - تكون قد أعطت بنفسها الذريعة والحجة للهجوم، من خلال تصرفات وأعمال يستطيع مدبري الثورات والاعلام الوصول الى الرأي العام لتأليبه ضد الحاكم المنوي عزله.
3- يأتي ترامب من عالم الأعمال، حيث يدير ويرأس العديد من الشركات العالمية، وتطبع شخصيته بالنرجسية الشديدة، وحب الانتقام، بالاضافة الى ما يبدو أنها استراتيجية مقصودة وهي استراتيجية "تخويف الخصم" قبل الانقضاض عليه أو حتى مفاوضته. يظهر ترامب في سياسته الخارجية تمامًا كصورته في حلبة الملاكمة، حيث يكشر عن انيابه ويصدر أصواتًا مخيفة ويفرد صدره وأكتافه قبل الهجوم الفعلي، وهو بالضبط ما يحاول ترامب أن يفعله من خلال إظهار صورة "المجنون" الذي لا يمكن التنبؤ بأفعاله وليس هناك ضوابط لما يمكن أن يفعل. وبهذا المعنى، اختار من يوصف بـ"الكلب المسعور" - الجنرال ماتيس- وزيرًا للدفاع.
يخطئ من يعتقد أن ترامب مستاء من الصورة التي تُنقل عنه، أي الشخص القاسي، المتهور، المنتقم، الذي لا ضوابط لما يمكن أن يفعله من أجل تحقيق أهدافه، بل هو يعتبر أنها تخدمه في تحقيق استراتيجيته للولايات المتحدة الأميركية. وإذا نظرنا فعليًا لعلاقاته مع الحلفاء والخصوم، فيمكن أن نرى أنه لم يهادن سوى بوتين، لعلمه أن رجل المخابرات السوفياتي السابق لن تمر عليه هذه الألاعيب التخويفية.
بالنتيجة، قد لا تكون سياسة ترامب الشرق أوسطية بالسوء الذي يتوقعه البعض، خاصة بتركيزه على محاربة داعش كأولوية، ولكن المشكلة تكمن في الانقسام المجتمعي والمؤسساتي الذي ظهر الى السطح في الولايات المتحدة الأميركية، وهو إنقسام سابق لوصول ترامب. المعضلة التي تبدو أمام الولايات المتحدة في سياستها الخارجية، انهيار أحد أعمدة القوة الأميركية- القوة الناعمة أي إغراء النموذج الأميركي بالنسبة للعالم باعتباره ضامنًا للحريات العامة، ولحقوق الإنسان وللديمقراطية وانتظام المؤسسات وتداول السلطة...
بهذا المعنى، يؤثر الانقسام الأميركي على القوة الأميركية، فإذا استطاع الديمقراطيون إضعاف هيبة الرئيس في العالم ضعفت السياسة الخارجية الأميركية، وإذا استطاع ترامب التغلب على معارضيه بالقوة، تكون خسارة للمؤسسات والديمقراطية، واذا استمر الصراع الى ما لا نهاية متخذًا عناوين قضائية وتحدٍ متبادل في مجالات عدّة وتهديدات بالانفصال، قد نصل الى يوم، يكون حكم ترامب والصراع الداخلي الأميركي هو بداية نهاية الامبراطورية الأميركية.

2017/02/02

هل زال التفاؤل بوصول ترامب؟


د. ليلى نقولا
كان لافتًا أن تدافع دول الخليج عن الاجراءات التي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحظر مواطني سبع دول من السفر الى الولايات المتحدة ، فالقرار هذا يعتبر مسًا بحقوق الانسان الاساسية التي تمنع التمييز على أساس الدين أو العرق أو الجنس الخ...
ولقد حاول البعض إيجاد مبررات تخفيفية لترامب، بالقول أن العنصرية متفشية أيضًا في الكثير من الدول الاسلامية تجاه غير المسلمين، إلا أن هذا لا ينفي كون القرار لم يقم تمييزًا بين مواطني جنسيات الدول السبع المشمولة بالقرار، ولم يترك الباب مفتوحًا أمام الأشخاص الذي يحتاجون الدخول الى الولايات المتحدة للدراسة أو كسياسيين أو حتى كرجال أعمال مستثمرين. كما لم يميّز القرار بين مواطن وآخر على أساس سجّله الإجرامي، بل اعتبر ان جميع مواطني هذه الدول هم "ارهابيون محتملون" وهذا التعميم يعدّ خرقًا لحقوق الانسان الأساسية.
وبكل الأحوال، وفي قراءة لما قام به الرئيس الأميركي لغاية اليوم، والاتصالات التي قام بها بالمسؤولين في الدول الأخرى، وما رشح من مواقفه، فإن سياسته الشرق أوسطية تبدو - لغاية الآن- على الشكل التالي:
1- قرار ثابت ببناء شراكة استراتيجية مع موسكو، والتعاون مع الروس لمكافحة داعش على أن تقوم السعودية ودول الخليج بتمويل هذه الحملة.
- الاتصال بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ثم بالملك السعودي وعدم اتصاله بأردوغان ، يعني أن الرئيس الأميركي الجديد ، قرر أن يسير بعكس ما سار به أوباما وهيلاري كلينتون في بداية عهد أوباما، أي محاولة فرض نموذج "الاخوان المسلمين" التركي على الشرق الاوسط،  و"أخونة" الدول العربية، وإعادة فرض العثمانية الجديدة على العالم العربي.
وبالرغم من أن العلاقات عادت وتوترت بين أوباما وأردوغان على خلفية فشل مشروع الاطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، إلا أن أوباما في نهاية عهده لم يحسم الأمر نحو أي من الحليفين الاستراتيجيين (الأكراد والأتراك)، واستمر ممسكًا العصا من وسطها. أما ترامب، فقد أهمل اردوغان كليًا، وقامت الولايات المتحدة بإمداد "قوات سوريا الديمقراطية" «مدرعات» (أس يو في) للمرة الأولى في تاريخ الصراع العكسري في سوريا. وبالرغم من أن مسؤولاً أميركيًا تذرع بأن الأمر يأتي تنفيذاً لقرار اتخذته إدارة الرئيس السابق باراك اوباما وليس بناء على قرار جديد اتخذه الرئيس دونالد ترامب، لكن ترامب كان قد ألغى العديد من القرارات التي اتخذها اوباما، وكان يستطيع أن يفعل ذلك لو لم يكن موافقًا على الدعم العسكري للأكراد.
- الاعلان عن درس امكانية إنشاء مناطق آمنة، لا يبدو موجهًا ضد النظام السوري، كما كان أردوغان يطالب في بداية الحرب على سوريا، بل إن إقامة هذه المناطق تبدو نوعًا من الحلّ حيث يبغي ترامب منه، حلّ مشكلة اللاجئين السوريين لعدم التوجه الى الغرب وخاصة الى الولايات المتحدة، ولإسقاط الذرائع الانسانية التي تدعو الى استقبال اللاجئين.
إذًا، لا يبدو ترامب عشوائيًا في سياسته الشرق أوسطية لغاية الآن، باستثناء القرار الشامل بحظر مواطني سبع دول من دخول الولايات المتحدة، الذي لم يكن مدروسًا بما فيه الكفاية، ولم يكن يشتمل على معايير واضحة تمّ الاستناد إليها لإتخاذ القرار. وخارج هذا القرار التنفيذي المجحف، ما زالت سياسته - لغاية الآن- مبشّرة لناحية تخفيف الصراع في سوريا، ومحاولة إطفاء الحريق الذي أشعله مشروع "الإخوان الامبراطوري" الذي أرادته إدارة أوباما تحت مسمى "الربيع العربي".