2019/03/27

عون في روسيا: بين الحاجة اللبنانية والضغوط الأميركية


أتت زيارة الرئيس اللبناني العماد ميشال عون الى روسيا في وقت تضج فيه المنطقة بالتحديات، فالرئيس الأميركي يعترف بالسيادة الاسرائيلية على الجولان السوري المحتل، وزيارة بومبيو الى لبنان حملت الكثير من التهديدات، وأكدت على أهداف الولايات المتحدة في نظرتها الى لبنان، والذي يتجلى بالعقوبات المستمرة على حزب الله، محاولة تقليص نفوذ ايران في المنطقة وإبقاء النازحين في لبنان الى أن يتكرس الحل السياسي في سوريا كما تريده واشنطن.
وفي خضم هذه التطورات، حمل الرئيس عون معه الى روسيا هموماً وتطلعات لبنانية ليضعها بعهدة الرئيس بوتين شخصيًا. فما الذي يمكن أن يتحقق في هذه الزيارة وكيف سترد واشنطن؟
- في الملف العسكري: تبقى محاولات التقارب ضئيلة، ولقد حاول الروس مرارًا عقد صفقات أسلحة مع لبنان، أو على الأقل تقديم بعض الهبات العسكرية للجيش اللبناني...لكن الجيش الذي يتمتع بدعم عسكري أميركي مستمر ودائم، ويحصل على هبات متنوعة من وزارة الدفاع الأميركية، لا يبدو أنه مستعد بأي شكل من الاشكال بالتفريط بالدعم الأميركي في هذا الإطار.
- في ملف الطاقة والغاز: يسعى الروس الى كسب اتفاقيات التنقيب على الغاز اللبناني في المتوسط، بينما تسعى واشنطن بقوة لحصول الشركات الأميركية على هذه الاستثمارات. ولقد كان وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل واضحًا في كلامه مع بومبيو، ودعا لقيام تحالف بين شركات اميركية وروسية في موضوع الغاز... وهو أمر يمكن حصوله ويوفّر على لبنان الضغوط، كما جرّبه الروس مع الأوروبيين، ففي كانون الثاني 2018، تم توقيع كونسورتيوم يشمل شركة "نوفاتيك" الروسية و"توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية لاستغلال منطقتي غاز في مياه لبنان الاقليمية.
- النزوح السوري: تشكّل المبادرة الروسية خشبة خلاص بالنسبة للبنانيين الذين يسعون لحل أزمة النزوح السوري في بلادهم خاصة بعدما تفاقمت الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، ودخل نصف مليون لبناني الى ما تحت خط الفقر، لذا لا مفر للبنانيين إلا من اللجوء الى موسكو في هذا الإطار.
من المؤكد أن الزيارة الرسمية اللبنانية للرئيس عون تأتي استكمالاً لمسار بدأه في الأمم المتحدة في نيويورك، وبعدها في تصريحاته المتكررة الى الاوروبيين والأمم المتحدة ووكالاتها، والذي يتجسد بعبارته "أخذنا علمًا بشروط المجتمع الدولي، ولكننا نقرر ما يناسبنا وما يحفظ مصالحنا"، وترحيبه الدائم بالمبادرة الروسية لحل أزمة النازحين السوريين في لبنان.
- العلاقة مع سوريا: يدرك اللبنانيون أن الروس يمكن أن يشكّلوا صلة وصل مقبولة من جميع اللبنانيين للتواصل مع الحكومة السورية، فالرئيس الحريري الرافض لأي علاقة مع "النظام السوري"، أعلن مرارًا موافقته على العديد من المبادرات الروسية ومنها مبادرة إعادة اللاجئين.
لا شكّ أن الروس ومنذ دخولهم الى الساحة السورية، يتطلعون الى مدّ نفوذهم الى دول الشرق الاوسط كافة، سواء تلك الحليفة لواشنطن أو سواها. وبالنسبة للبنان، وبالرغم من صغر مساحته، إلا أن موقعه الجغرافي وتلازمه السياسي والاقتصادي والتاريخي مع سوريا، يزيد أهميته بالنسبة للروس الطامحين للتوسع. أما اللبنانيون، المدركون لخطورة تحركات ترامب في المنطقة، والعارفون بأن هناك خطة غربية - دولية لاستخدام اللاجئين السوريين ورقة ضغط على الداخل في سوريا ما قد يرتّب أخطارًا كبرى على لبنان وسوريا معاً، باتوا يتطلعون الى نوع من التوازن في المنطقة، توازن يستطيعون معه التفلت من خطورة الانحياز الى أحد المعسكرين، أو أن يذهبوا ضحية التقاتل على النفوذ في المنطقة.

2019/03/25

الغرب يحرج الروس بقضية الجولان؟


كعادته فاجأ الرئيس الاميركي  العالم بنيته الاعتراف بالسيادة الاسرائيلية على الجولان المحتل، ولقد تحدثت التقارير عن أنه يهدف الى دعم نتنياهو المحرج انتخابيًا  وحرف الانظار عن الاحراج الذي يعيشه هو نفسه في الداخل بسبب التحقيق الذي يجريه مولر.
ولقد سلم مولر تقريره النهائي الى وزارة العدل، التي ستقرر الخطوات اللاحقة، وما الذي ستنشره منه. وبعض النظر عن الاجراءات اللاحقة، وهل ستودي القضية الى محاكمة ترامب أم لا، لقد اتهم مولر لغاية تقديم تقريره النهائي، وبعد سنتين من التحقيق، 34 فردًا وثلاث شركات أميركية و25 شخصًا روسياً، وتمَ الاعتراف بالذنب في العديد من تلك القضايا، وأُحيلت قضية بول مانافورت رئيس حملة ترامب السابق في آب 2018 وتمت إدانته في ثمانية اتهامات جنائية، بما في ذلك الاحتيال المصرفي والاحتيال الضريبي... ولأول مرة يقترب الحبل فعليًا من رقبة ترامب ليس بالتخابر مع الروس إنما بالتهرب الضريبي والانفاق الانتخابي والتحايل على القانون، والتحرش الجنسي، علمًا انها جميعها لا تمكّن الديمقراطيين من عزله .
إذا، المشاكل القانونية التي يعانيها ترامب في الداخل بالاضافة الى رغبته في فتح السباق الرئاسي مبكرًا، وبدء التحضير لمعركته الانتخابية والتي سيكون عنوانها،" إبقاء أميركا عظيمة"، للاشارة الى أنه قد استطاع بالفعل من "إعادة أميركا عظيمة" في فترته الاولى، والآن عليه أن يبقيها كذلك... ولحاجته الى أصوات اليهود الانتخابية ودعم اللوبي اليهودي في الداخل، بالاضافة الى التقارير التي تشير الى هجرة يهودية للحزب الديمقراطي وانتقالهم الى الحزب الجمهوري، كلها أسباب دفعت ترامب الى المجاهرة بنيته اعلان السيادة الاسرائيلية على الجولان المحتل.
أما الأوروبيون فلقد استغلوا الامر للتصويب على الروس، فقام السياسيون والاعلام الغربي بالمقارنة بين الجولان والقرم،واعتبروا أن هذا الامر سيشجع بوتين على ضم مزيد من الأراضي الاوكرانية، وانه سيستغل اعلان ترامب ليأخذ شرعية دولية بضم شبه جزيرة القرم. ولنا على هذا الامر بعض الملاحضات:
أولا: لا تجور المقارنة بين شبه جزيرة القرم والجولان المحتل، فلم يكن الجولان السوري يومًا جزءًا من الاراضي التاريخية للكيان الاسرائيلي، كما هي الحال في قضية القرم التي انتقلت من الحدود الروسية الى الاوكرانية في الخمسينات من القرن العشرين كهدية، وبقيت السيادة للاتحاد السوفياتي.
ثانيًا: إن ضم القرم الى روسيا، جاء بعد استفتاء شعبي أيدت فيه الغالبية الساحقة من شعب القرم الانفصال عن أوكرانيا والانضمام الى روسيا، وذلك عملاً بمبدأ حق تقرير المصير الذي يعد من المبادئ الآمرة في القانون الدولي...أما مواطنو الجولان السوري، فهم ما زالوا  لغاية اليوم، يرفضون اكتساب الجنسية الاسرائيلية ويفتخرون بهويتهم العربية السورية.
ثالثًا: كان واضحًا أن ترامب ونتنياهو مستائين من الانتصارات التي يحرزها الجيش السوري وحلفاؤه، وخاصة الانتصار الذي تحقق على الحدود السورية مع الجولان، حيث كان نتنياهو يمني النفس بإبقاء الارهابيين في تلك المنطقة لإقامة منطقة عازلة وتكريس حزام أمني.
بكل الاحوال، سيثبت التاريخ يومًا ان ما فعله ترامب، سيكون دافعًا لتشكيل مقاومة في الجولان المحتل طال انتظارها

2019/03/20

ماذا يريد أردوغان؟


كان لافتًا اعلان وزير الداخلية التركي سليمان صويلو ان تركيا وايران أطلقتا "عملية مشتركة" ضد الاكراد وحزب العمال الكردستاني على الحدود بين البلدين، ثم مسارعة الايرانيين الى النفي.
وكانت تركيا قد تحدثت في وقت سابق  عن نية الطرفين القيام بعمليات مشتركة في الشمال السوري، معتبرة أن الامر يصب في محاربة الارهاب، واوحت وكأن الايرانيين ومن خلال موافقتهم على المشاركة في تلك العمليات قد وافقوا ضمناً على إقامة المنطقة الآمنة التي يريد أردوغان إنشائها في الشمال السوري على مساحة 13000 كلم 2 وبعمق ما بين 30 الى 40 كلم وحدود لا تقلّ عن 450 كلم، وهي خطة اولية نحو تطبيق الحلم التركي بالانتقام من معاهدة لوزان.
في نظرته الى التطورات الحاصلة في العالم العربي اليوم، وخاصة التطورات في الشمال السوري، يعيش اردوغان تناقضًا في تعامله مع المستجدات، فهو من جهة بات يكرِّس نفسه لاعبًا اقليميًا هامًا لا يمكن تخطيه في أي معادلة في الشمال السوري على الأقل، لكنه،من جهة ثانية، يخشى من تكرار الكارثة الاستراتيجية التي حلت بتركيا  في عشرينيات القرن العشرين أي توقيع اتفاقية لوزان التي أعلنت رسمياً موت السلطنة العثمانية، وخسرت تركيا معها سيادتها على المضائق المائية التركية في البوسفور والدردنيل، بالاضافة الى قبرص وليبيا ومصر والسودان والعراق و"بلاد الشام"، لذا هو يخشى ان تؤدي التطورات الى تكريس واقع جيو سياسي يكرس ما هو اسوأ من لوزان؛ أي دويلة كردية في الشمال السوري تغري الاكراد في تركيا وتهدد الامن القومي التركي في الصميم.
ومن هنا، يبدو أردوغان وكأنه يحاول ابتزاز جميع الأطراف، لكنه في نهاية المطاف مطالب بحسم موقفه، فترامب يهدده ويعتبر أن تركيا تخذله، ويلمح الى فرض عقوبات اقتصادية تدمر الاقتصاد التركي... والروس يدركون أن أردوغان يماطل في تنفيذ ما كان قد وعد به في موضوع ادلب، ولعل تأجيل زيارة لافروف الى تركيا، مرده الى التباين بين الروس والأكراد في ملف ادلب، وحاجة الروس لارسال رسالة واضحة للأتراك بأنهم لا يقبلون باستمرار التسويف التركي، وأمام هذه المعطيات المتشابكة، ماذا يريد أردوغان ؟.
أولا: لقد تحدث الاتراك مراراً وخاصة أردوغان عن رؤية تركيا 2023معتبراً أن الاوان قد حان لينتقم التاريخ لاسوأ كارثة استراتيجية حلت بتركيا في القرن العشرين، لذا، وبالرغم من التهديدات الاميركية، لن يسمح أردوغان للولايات المتحدة أو غيرها بمحاولة تكرار المأساة التاريخية، وهو -ومن خلال اعلان العمل مع الايرانيين ضد الأكراد- يوجِّه رسالة بأنه مستعد للعمل مع ايران وروسيا مع كل ما يجرِّ ذلك من تغيير استراتيجي في المنطقة، في حال استمر الدعم الاميركي للأكراد.
ثانيًا: يرغب أردوغان بالابقاء على مظلة استانة، فهي الضامن للمصالح التركية في سوريا، وهي التي اعطت أردوغان اليد الطولى في الشمال السوري وسمحت له بتكريس نفسه رابحًا في أي معادلة مستقبلية في سوريا.
ثالثاً: استمرار تأجيل العملية العسكرية في ادلب، للاستفادة الى أقصى حد من الورقة الارهابية في ادلب قبل التخلي عنها
x

2019/03/14

كما لبنان... أوروبا المنقسمة في بروكسل 3


برعاية مزدوجة من الاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة، انعقد مؤتمر بروكسل الثالث حول "دعم مستقبل سوريا والمنطقة" من 12 الى 14 آذار 2019، ويعالج المؤتمر قضايا شائكة وذات اهتمام مشترك بين كل من الاتحاد الأوروبي ودول الشرق الأوسط المجاورة لسوريا، أهمها مواضيع اللاجئين ومستقبل سوريا وسواها.
ويخشى المتابعون من تأثير الانقسام الداخلي على الأداء اللبناني في المؤتمر وما بعده، وخاصة بشأن ما يدور في الكواليس عن محاولات أوروبية وأممية لإبقاء النازحين السوريين في لبنان، والسعي الحثيث الى دعم وجود هؤلاء اللاجئين ومحاولة توطينهم عبر اشتراط إدماجهم في سوق العمل مقابل المساعدات التي وُعد فيها لبنان في مؤتمر سيدر، بشكل يشبه تمامًا سعي المجتمع الدولي الى "توطين" الفلسطينيين لإراحة إسرائيل وتمرير "صفقة القرن".
لكن، كما لبنان، المنقسم على ذاته في التعاطي مع موضوع النازحين السوريين على أرضه والتعامل مع "النظام السوري" والرئيس السوري بشار الأسد، تبدو اوروبا منقسمة على ذاتها في المواضيع نفسها، ونلاحظ التباين الواضح بين دول الاتحاد الأوروبي خاصة تلك المتأثرة بشكل شديد بالهجرة والتي ترفض الصيغة الإلمانية لتوزيع اللاجئين على الدول الاروروبية.
تتباين آراء دول الاتحاد في كيفية التعامل مع المعطيات الميدانية في سوريا، فالأوروبيون يقرّون بشكل واضح أن الاسد انتصر في الحرب الدائرة على الأرض السورية، لكنهم يتباينون في كيفية وتوقيت الاعتراف بهذا الانتصار وهل يجب أن يقوم الأوروبيون بالاعتراف بـ "شرعية" الأسد والمساهمة في إعادة الإعمار أو الإبقاء على السياسات السابقة المتمثلة بعدم الاعتراف بشرعية الأسد، والإصرار على ضرورة المطالبة بـ "الانتقال السياسي" بحسب تفسيرهم الخاص للقرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن؟.
واقعيًا، بات الاتحاد الأوروبي ينقسم في موضوع اللاجئين والهجرة والسياسات الاقتصادية الى: دول شمال - دول جنوب. فبينما تشجع دول الشمال الاوروبي وخاصة فرنسا وإلمانيا وبريطانيا، على الإبقاء على السياسة الصارمة السابقة في التعامل مع الاسد، وترى أنه بإمكان الإتحاد تخطي أزمتي اللجوء والهجرة بدون السعي الى تقديم تنازلات سياسية وإقتصادية للرئيس السوري بشار الأسد، فإن دول الجنوب، المتضرر الأكبر من أزمات الهجرة واللجوء، وتلك التي وصل فيها اليمين الى الحكم، تسعى الى التخفيف من حدّة الموقف الأوروبي الشمالي، والسعي للتعامل مع الحكومة السورية الموجودة، على أمل المساهمة في إعادة الإعمار مقابل إعادة اللاجئين غير المقبولين في الاتحاد الاوروبي.
كما ينقسم الاوروبيون في رؤيتهم للدور الروسي في القضية، فدول الجنوب اليمينية الشعبوية، لا تجد حرجًا في التعامل مع الروس لتسريع عودة اللاجئين الذين باتوا يرهقون الاتحاد الاوروبي ماليًا وأمنيًا، بينما يكابر دول الشمال معتبرين أن الروس يشكّلون خطرًا على مستقبل الاتحاد، وأن على الاتحاد تنسيق سياساته مع الاميركيين مهما بلغت التكاليف في منطقة الشرق الاوسط.
وأمام هذا الانقسام، ما زالت دول الشمال وخاصة فرنسا وإلمانيا تستطيع فرض وجهة نظرها على الاتحاد وعلى الأمم المتحدة، أما المقلق بالنسبة لما يجري في بروكسل 3 وسواه من المؤتمرات والتصريحات الأممية، أن ما يسمى "المجتمع الدولي" ما زال مصرًا على إبقاء اللاجئين السوريين في أماكنهم وخاصة في لبنان، لفرض أجنداته السياسية على كل من لبنان وسوريا معًا...

2019/03/11

مكافحة الفساد..هل تمنع مؤامرة "التوطين"؟


د. ليلى نقولا
تتشابك الملفات الداخلية اللبنانية مع الحركة الخارجية والاقليمية في المنطقة ككل، إذ يتوجه وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو الى لبنان خلال هذا الشهر في الوقت الذي يتوجه فيه رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون الى روسيا في زيارة رسمية على جدول أعمالها بحث المبادرة الروسية لحل أزمة اللاجئين السوريين بالدرجة الاولى بالاضافة الى بحث إمكانية التعاون المستقبلي خاصة في مجال النفط.
وضمن الزيارات المكثفة للمسؤولين الاميركيين الى لبنان، بداية فوتيل ثم ساترفيلد وبعدهم بومبيو، يمكن أن يستشف اللبنانيون، التوجهات الاميركية في لبنان، وهي كما يلي:
- يصرّ الأميركيون على اعتبار لبنان جزءًا من حيّز نفوذهم الشرق الأوسطي الذي لن يقبلوا بالتخلي عنه. وبالرغم من أن الأميركيين، وانطلاقًا من واقعيتهم وبراغمايتهم، يدركون أن لبنان كما العراق سيبقى مساحة نفوذ مشتركة بينهم وبين الايرانيين، إلا أنهم حريصين على محاولة توسيع نفوذهم في لبنان مقابل تقليص النفوذ الايراني أو على الاقل حشر حلف المقاومة في لبنان في أضيق مساحة نفوذ ممكنة.
ومن هذا الهدف الأكيد، كانت كلمة السيد حسن نصرالله التي وجهها الى جمهور المقاومة، على اعتبار ان العقوبات الأميركية على حزب الله ستزداد وعليهم أن يدركوا أن الأيام القادمة ستكون صعبة، ولكنها معركة سينتصرون فيها كما انتصروا في حرب تموز قبلها.
- يحرص الأميركيون على أن لا يفسحوا المجال لتغلغل النفوذ الروسي في لبنان، خاصة وأن الأمور تتجه الى تكريس نفوذ روسي محتوم في سوريا، لذا فإن أي امتداد للروس الى لبنان سيجعل من روسيا دولة أكثر محورية في الشرق الأوسط...
- يربط الأميركيون عودة النازحين السوريين بالحل السياسي في سوريا، وذلك لاستخدام ورقة النازحين كآداة ضغط على لبنان وسوريا معًا... لا تأبه الدول عادةّ للأمور الإنسانية في سياستها الخارجية، وتبقى المصالح هي الفيصل في تحديد أهداف الدول وحركتها الخارجية، لذا فإنهم يتعاطون مع ملف النزوح السوري من باب مصالحهم وليس من باب الحرص على اللاجئين، ولا يعنيهم إن كان لبنان قد تحمّل ما لا يحتمل من جرّاء أزمة النزوح.
وفي هذا الإطار، تشير التقارير المختلفة أن الأوروبيين ربطوا مساعدات مؤتمر "سيدر" بقيام اللبنانيين بتشغيل اللاجئين السوريين وإدماجهم في المجتمع وفي سوق العمل اللبناني. وهذا مؤشر خطير، يدّل أن أزمة النزوح السوري، في حال لم يتنبه لها اللبنانيون والسوريون، ستتحول الى أزمة تشبة أزمة اللجوء الفلسطيني في لبنان والدول المجاورة.
من هنا، فإن الخيار اللبناني لمواجهة هذه المشاريع الخطيرة، تكون عبر مسارين:
- التنسيق مع الدولة السورية لإعادة السوريين الى وطنهم، للمساهمة في إعادة إعماره وللعيش بكرامة في أرضهم والحفاظ عليها.
- العمل اللبناني الجدّي والحثيث على مكافحة الفساد والعمل على إعادة الاموال المسروقة من قبل بعض السياسيين والنافذين الذي سرقوا المال العام. فلربما، تكون إعادة الأموال المسروقة عبر القضاء، مقدمة لتمويل الموازنة العامة، وعندها لا حاجة الى قروض سيدر المشروطة والتي قد تؤدي الى رهن لبنان ومستقبله للمؤسسات والدول المانحة بتحوله الى "يونان" ثانية، أو يجعله يخسر سيادته واستقراره الداخلي ويخسر إرادته عبر فرض "التوطين" الفلسطيني والسوري والذي يريح اسرائيل ويسمح لها بتمرير "صفقة القرن". 

2019/03/07

ماذا يحيك الديمقراطيون لترامب؟

بعد اشتداد الضغوط الداخلية عليه، وبعد أن تعرض لفشل كبير في قمته مع زعيم كوريا الشمالية، حاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلقاء تبعات الأمر على الديمقراطيين في فشل قمته، باعتبار أن "قرار الديمقراطيين إجراء مقابلة في جلسات استماع مفتوحة مع كاذب ومحتال مدان في نفس الوقت الذي تُعقد فيه قمة نووية مهمة جدًا مع كوريا الشمالية، يمثل  تدنيًا جديدًا في السياسة الأميركية وربما ساهم في المغادرة"... بحسب ما كتب ترامب في تغريدته عن الموضوع.
وبالفعل انعقدت جلسة الاستماع الى كوهين، في الوقت الذي كانت تعقد جلسات القمة بين ترامب وكيم يونغ أون للتباحث حول نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية، والتي كان من المفترض أن تصل الى إتفاق يقضي بنزع أسلحة كوريا الشمالية مقابل تخفيف العقوبات الأممية المفروض عليها بسبب برنامجها النووي، والتي ازدادت بعد قيام كوريا الشمالية باطلاق صاروخ باليستي.
كان ترامب يرغب بشدّة في الوصول الى اتفاق مع كوريا الشمالية، إذ إن هذا قد يشتت الأنظار عن محاكمة كوهين التي يبدو أنها بالإضافة الى مجموعة من الفضائح الأخرى، تجعل الحبل يلتف أكثر فأكثر على رقبته.
ولقد بالغت بعض الصحف الأميركية في الحماس لإمكانية عزل الرئيس بعد اعترافات كوهين، ولكن أمام عزل ترامب صعوبات عدّة، منها القانوني ومنها السياسي، وبالرغم من تفاؤل الديمقراطيين فلا يبدو أن عزل ترامب سيكون بالسهولة التي يسوّق لها الاعلام الأميركي. وبغض النظر عن الأمور القانونية وحيثيات الدستور الأميركي التي تتباين تفسيرات الأميركيين حولها، هناك أمور أخرى قد تعرقل إمكانية العزل:
-  يبدو أن الديمقراطيين، على الأقل يطمحون لتكرار سيناريو نيكسون أي دفع ترامب الى الاستقالة، ولكن بحسب شخصية ترامب وما يبدو من سلوكه، الذي يميل الى دفع الأمور الى الأمام، والى اتباع سياسة الهجوم في معرض الدفاع، فإن أي إحراج له قد يدفعه الى خلط الأمور داخليًا وخارجيًا وإثارة البلبلة، وحتى اللجوء الى انخراط عسكري خارجي للتعمية عما يحصل في الداخل، ولن يكون بإمكان الديمقراطيين دفعه الى الاستقالة بهذه السهولة.
- هذا بالإضافة الى قلق العديد من الديمقراطيين والجمهوريين من إمكانية مجيء نائب الرئيس مايك بنس للحلول مكان ترامب مع ما يعنيه هذا من توتر وإنقسام أكبر، خاصة بسبب شخصية بنس التي يصفها بعض الديمقراطيين بأنها "شريرة".
- إن حديث الديمقراطيين عن إمكانية تحشيد جزء من النواب الجمهوريين ضد الرئيس والموافقة على البدء بإجراءات عزله دونها صعوبات عدّة، خاصة أن من وصل الى مجلس الشيوخ بعد الانتخابات النصفية من الجمهوريين يدينون بوصولهم الى الرئيس، وقد لا يرغب باقي أعضاء الحزب الجمهوري بعزل رئيس محسوب عليهم.
وهكذا، تكون النتيجة أن أقصى ما يمكن ان يطمح إليه الديمقراطيون هو إحراج الرئيس لدفعه الى عدم الترشح مرة ثانية، أو لف الحبل حول رقبته للتوصل الى تسوية بينه وبينهم، تقضي بعدم السير في إجراءات محاكمته مقابل عدم ترشحه لمرة ثانية. إن الصعوبات القانونية بالاضافة الى عدم القدرة على تحشيد أصوات مجلسي النواب والشيوخ للسير في إجراءات العزل تبدو من الصعوبة بمكان حيث يمكن لترامب أن يستمر في مهامه لغاية آخر يوم من عهده، هذا ناهيك عن إمكانية فوزه بولاية ثانية، إذا لم يستطع الحزب الديمقراطي أن يقدم مرشحًأ قويًا في وجهه.

2019/03/04

ضربتان لترامب... هل تأتي الثالثة؟

ليلى نقولا
خلال أسبوع واحد، تعرّض الرئيس الأميركي دونالد ترامب لضربتين شديدتين في إطار السياسة الخارجية، وقد تزامنت الضربتان وهما:
- الضربة الأولى لخطط ترامب الخارجية كانت من كوريا الشمالية، حيث انتهت القمة الرئاسية التي عقدت بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، في هانوي في 27-28 شباط الماضي ، دون توقيع الوثيقة المشتركة التي كان يطمح ترامب أن يحصل عليها ليواجه خصومه في الداخل وليعلن أنه رجل سلام استطاع أن يحقق نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية، وتحسين العلاقات بين الدولتين... إلا أن ترامب فشل في إقناع كوريا الشمالية في التخلي عن برامجها النووية وفشل الاجتماع الثنائي بين الرئيسين.
ويشير الكثير من المحللين الاميركيين الى دور لعبه جون بولتون في إفشال الإتفاق، وهو الذي أعلن دائمًا عدم رغبته في التوصل لاتفاق مع كوريا الشمالية، لذا قام بدفع الرئيس الى تضمين الاتفاقيات بند يشترط على كوريا الشمالية الكشف عن أسلحتها النووية ومخزونها من الأسلحة االكيميائية والبيولوجية، مقابل لا شيء... بينما طالبت كوريا الشمالية، بتنفيذ ترامب وعوده برفع نظام العقوبات الخمسة الأخيرة من قبل مجلس الأمن الدولي مقابل أن تقوم بيونغ يانغ بتفكيك منشآتها النووية.
- الضربة الثانية كانت من مجلس الأمن بالتحديد، فقد استخدمت كل من روسيا والصين حق النقض ضد مشروع القرار الأميركي حول فنزويلا في مجلس الأمن في 28 شباط المنصرم.
وكان الأميركيون قد حشدوا التأييد لقرارهم في مجلس الأمن بأغلبية مريحة إلا أن الروس والصينيين استخدموا - كما في الحالة السورية- الفيتو المزدوج، لإرسال رسالة شديدة اللهجة بأنهم لن يغضوا الطرف على تدخل الاميركيين في شؤون فنزويلا.
وقد اقترح المشروع الاميركي فرض إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في فنزويلا باشراف دولي، وطالب بإمكانية إيصال المساعدات الإنسانية بدون عوائق (بدون إذن السلطات الفنزويلية صاحبة السيادة). في المقابل، سقط أيضًا المشروع الروسي في مجلس الأمن وهو قرار يؤكد على ضرورة الحفاظ على استقلال وسيادة فنزويلا، وحل الأزمة القائمة من خلال "آلية مونتيفيديو"، والتي كان الرئيس مادورو قد وافق عليها في وقت سابق.
وهكذا، تكون السياسة الخارجية لإدارة ترامب قد منيت بهزيمتين في يوم واحد، ولكن ومع التطورات في الشمال السوري، ومع اعلان الجيش السوري استعداده للرد على الاعتداءات الارهابية على قواته،  وخاصة الهجوم  الأخير الذي شنّه المسلحون على نقاط الجيش السوري في ريف حماة الشمالي، هل تكون إدلب هي الضربة الثالثة لمخططات ترامب في سياسته الخارجية والتي يحاول أن يستفيد منها في الداخل الأميركي؟