2014/12/31

ثورة تونس: إلهام الشّعوب العربيّة

28 / كانون الأوّل / 2014
د. ليلى نقولا الرحباني
شكّلت الانتخابات التونسية وفوز الباجي قائد السبسي بالانتخابات الرئاسية في تونس في الدورة الثانية، معلمًا أساسيًا في مسيرة التغيير التي انطلقت في العالم العربي، منذ ما يقارب الأربع سنوات، والتي حاول "الإخوان المسلمون" سرقتها والهيمنة عليها لفرض نمط اسلامي خاص بهم لا يشبه التنوع في المجتمعات العربية ولا التعايش في المنطقة الممتد منذ قرون.
واللافت أن الاعلام الغربي والكثير من مراكز التفكير الغربية، ما زالت تتحسر على تجربة الإخوان المسلمين الذين حاولوا أن يفرضوا مفاهيمهم الخاصة على المجتمعات العربية، وخاصة أن تلك المفاهيم تشبه الى حد بعيد النظرة العثمانية المتعالية التي انتفض ضدها العرب في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين فحاربوا التتريك، وقاموا بثورة عربية شاملة للتخلص من الاستبداد باسم الدين الذي فرضه العثمانيون عليهم.
عادت تونس الى العَلمانية، والتي تعني فصل الدين عن الدولة والابقاء على التدين في المجتمع. وقد يكون لفظ "العَلمانية" مثيرة لحفيظة البعض لأنها تختلط عليهم فيصفونها بالالحاد، وهي بعيدة كل البعد عن الالحاد، أو التدخل لفرض مفاهيم تلغي الدين من حياة الانسان، لذلك يميل البعض الى إعطائها وصف "الدولة المدنية" كبديل عن الدولة الدينية التي تلغي حرية الفرد في التفكير وتريد أن تفرض عليه نمطًا واحدًا من الاعتقاد والتفكير وإلا كفّرته واعتبرته مواطنًا من الدرجة الثانية.
لم تعد مقولة "الناس على دين ملوكهم" صالحة للعالم العربي في هذا الزمان، فكما تونس التي أطاحت بحكم الاخوان بالانتخابات، كذلك مصر التي انتفضت وأطاحت بحكم سهّل الاستبداد باسم الديمقراطية الدينية، وسهّل استهداف الكنائس، واستهداف الشيعة المصريين الذين تمّ سحل أحدهم لأنهم كان يمارس شعائر دينية تختلف عن السائد في المجتمع.
وهكذا، يبدو أن الثورة التي انطلقت في تونس وألهمت العالم العربي، قد تكون ملهمة له ايضًا في مسار التغيير، فتتجه الدول العربية الى تأسيس دول مدنية تقوم على مركزية الحرية، حرية الآخر المختلف في الوجود، وفي حقه في الاختلاف، فتبتعد عن التكفير، وتحترم حق كل فرد في اعتناق الدين الذي يريد، وتعترف بالتعددية وحرية الضمير، وتضمن في الآن نفسه استقلال ارادة الانسان وحريته الفردية وكرامته الانسانية ضمن التنوع.
إن المطلوب في دولنا العربية في المستقبل، أن تتخلص من الارهاب والتكفير وإدّعاء احتكار الحقيقة المطلقة، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو حتى دينية. الواضح أن الزمن العربي القادم لن يقبل أن يكون إنسانه خارج العصر، أو أن يبحث في التاريخ عن وصفات مستوردة للحكم، لا تناسب تطلعات شبابه ولا أحلام أطفاله.
إن التجربة التونسية - بغض النظر عن مثاليتها- تبقى تجربة مضيئة في تجارب الحكم العربي، خاصة في فصل الدين عن الدولة، فالدين هو علاقة فردية عامودية بين الانسان وخالقه تفرض عليه التزامًا بنصوص "مقدسة" وقواعد سلوكية معينة، أما العالم الزمني فيعيشه الانسان في علاقات جماعية وفردية أفقية، تفرض عليه أنواعًا أخرى من الالتزامات وضعتها القوانين الوضعية. وهكذا فإن اختلاف الحيز الذي يُمارس فيه الديني والزمني، يفرض تمييزًا واستقلالية بين الاثنين، يعيشهما الانسان بدون مزج بينهما أو سيطرة أحدهما على الآخر

2014/12/24

إنفراج في كوبا وبعده في إيران؟


21/ كانون الأوّل / 2014
د. ليلى نقولا الرحباني

ليس تفصيلاً أن يعلن الرئيس الأميركي باراك اوباما انهاء القطيعة مع الدولة الشيوعية المتمردة كوبا بعزمه على إقامة علاقات ديبلوماسية بعد انقطاع دام نصف قرن، مؤكداً أن "الخمسين عاماً الماضية أظهرت أن عزل كوبا لم يعط نتيجة، وحان الوقت لاعتماد مقاربة جديدة". 
وقد يكون الحدث التاريخي بعودة العلاقات بين كوبا والولايات المتحدة الأميركية، أمرًا يريد منه الرئيس باراك اوباما أن يُسجّل له في سجّل الانجازات التي سيتركها وراءه بعد عهدين من الرئاسة في البيت الأبيض، وقد يحلم بأن يضيف اليه إنجاز تاريخي آخر، هو عودة العلاقات بين أميركا وإيران وإنهاء القطيعة الدبلوماسية التي شتبشّر بعهد جديد من العلاقات الدولية مع الجمهورية الاسلامية.
وقد اعتبر العديد من معارضي اوباما في الداخل الأميركي، أن اوباما يقدم حبل الانقاذ لفيدال كاسترو، ويخدم النظام الكوبي بهذه الخطوة، وقد يكون هذا صحيح باعتبار أن التقديرات الكوبية الرسمية ترجح أن أنَّ الاقتصاد الكوبي سينمو 4% في 2015، معتمداً على تحسُّن العلاقات الديبلوماسية والإقتصادية مع الولايات المتحدة لإنتشالها من سنوات الركود.
ولكن، لا يمكن الحديث عن هذا الحدث التاريخي بدون تعداد ما يمكن أن تكسبه الولايات المتحدة من هذا الانجاز:
- يحاول اوباما أن يخترق الجدار اليساري الذي يحيط به في حديقته الخلفية، خاصة بعدما ظهر ان دول أميركا اللاتينية كانت عصية على الاختراق الأميركي ولم تسر في فلك الولايات المتحدة كما فعلت اوروبا بالرغم من كل المحاولات التي قام بها الرؤساء الأميركيون خلال الحرب الباردة. وقد يكون دخول البرازيل الى حلف مواجه للهيمنة الاميركية هو البريكس، سبب في محاولة الأميركيين الدخول الى أميركا اللاتينية التي من الأفضل أن تكون منقسمة حيال السياسة الأميركية بدل الدفع الى مزيد من توحيدها.
- لا يمكن فصل الموضوع عن إعلان وجود النفط بالمياه الكوبية عام 2008، والذي قدر حينها بعشرين مليار برميل، علمًا أن التقديرات الأولية لدراسة أميركية أشارت إلى أن احتياطي كوبا من النفط بمياهها العميقة يصل 4.6 مليار برميل إلى جانب 9.8 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، ما يؤهلها للانضمام لمجموعة دول العشرين المنتجة للنفط.
- يعوّل الأميركيون على قوة الأفكار وعلى اتقانهم للقوة الناعمة التي ستترافق مع الانتعاش الاقتصادي مما يسهّل تغلغل الأفكار الأميركية الشمالية في نصف القارة الجنوبي، ويجعل من إغراء هذه القوة سببًا في خلخلة الأنظمة الحاكمة وتغييرها في المستقبل.
- يعتقد الأميركيون إن الانقتاح الاقتصادي وعودة العلاقات الدبلوماسية سيسمح للمهاجرين الكوبيين من اقتصاديين رأسماليين ومعارضين سياسيين وغيرهم من المفكرين والصحفيين المشبّعين بالأفكار الغربية للعودة الى هافانا، ما يسمح بتغيير الحكم فيها بعد فيدال كاسترو الذي لن يعيش للأبد، لذلك من الأفضل أن يكون للأميركيين قدم في كوبا للقدرة على هندسة التحولات بعد كاسترو ولئلا تكون كوبا كما فنزويلا بعد تشافيز.
وهكذا، يبدو أن أوباما الذي اعتبر ان سياسة عزل كوبا وفرض العقوبات عليها لم يؤدِ الى نتيجة، فقد يأتي يوم في القريب العاجل فيقول الأمر نفسه عن إيران التي استغلت الحصار والعقوبات لتقوية اعتمادها على نفسها، وبهذا يفترض أن يكون اوباما بصدد مراجعة سياسة فرض العقوبات على الدول التي استخدمتها الولايات المتحدة الأميركية سابقًا ضد العديد من الدول ومنهم كوبا وإيران واليوم تمارسها مع دولة كبرى مثل روسيا. فكما لم تنفع العقوبات في دول مثل كوبا وإيران، فلن تنفع أيضًا مع دولة قوية ومحورية مثل روسيا لديها قدرات اقتصادية ونفطية هائلة

2014/12/18

الأوروبيّون يقبلون خطّة دي ميستورا... ويكبّلونها


 18/ كانون الأوّل / 2014
د. ليلى نقولا الرحباني

بدأت خطة مبعوث الأمم المتحدة لسوريا ستيفان دي ميستورا بشأن تجميد القتال في حلب على أن تمتد الى مناطق أخرى في سوريا تأخذ منحى ايجابيًا بعد الدعم الذي حصلت عليه من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل يوم الإثنين الماضي، بالرغم من التحفظات الفرنسية والبريطانية التي اعتبرت أن "تجميد القتال" في حلب، قد يجعلها أقرب الى سيناريو حمص، التي سيطر عليها الجيش السوري بعد أن فرض حصارًا محكمًا على المجموعات المسلحة فيها ما اضطرها في النهاية الى القبول بالمصالحة وتسليم أسلحتها الثقيلة الى الجيش السوري. ولعل القلق الفرنسي - البريطاني على مصير المجموعات المسلحة المدعومة من الغرب في حلب، هو قلق طبيعي لأن موازين القوى العسكرية في حلب تبدو واضحة لصالح الجيش السوري وهذا يعني أن تجميد القتال سيسمح بتكريس أمر واقع لصالح النظام.
وقد تكون محدودية الخيارات لحل الأزمة السورية - كما أعلن عنها دي ميستورا - والمآزق التي تجد المجموعات المسلحة نفسها فيها - بالرغم من المكابرة- والخشية الاوروبية من الارهاب العائد اليهم والذي بدأ يتفلت من قبضة المخابرات التي سهّلت خروجه والتحاقه بالقتال في سوريا، هي من الأسباب التي رجحت كفة الاوروبيين المؤيدين لخطة دي ميستورا على معارضيه من الاوروبيين في اجتماع بروكسل الأخير.
وكان لافتًا للانتباه أن البيان الاوروبي واكب المسعى الروسي للحل السياسي في سوريا، كما أعلن عنه نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف خلال جولته في المنطقة، فقد أكد الاوروبيون على ضرورة إشراك المعارضة الداخلية، متخلّين لأول مرة عن مبدأ إعلان الائتلاف "ممثلاّ شرعيًا وحيدًا للشعب السوري"، ومعلنين أن الائتلاف هو مجرد "جزء" من معارضة "معتدلة" تستحق الدعم للقيام بدور حيوي في "إيجاد تسوية سياسية مستقبلية ومحاربة الجماعات المتطرفة على الأرض".
أما الأخطر في البيان الاوروبي، والذي قد ينسف خطة دي ميستورا، أو يعيدها الى نقطة الصفر بعد كل التقدم الذي حققته من خلال الحصول على الدعم الروسي العلني، والتأييد الاوروبي لها، فهو التشديد على ضرورة وجود مراقبين دوليين لعملية تجميد القتال هذه، على أن يعمل هؤلاء تحت إشراف مجلس الأمن الدولي. إن تحقيق هذا الشرط الاوروبي، قد يعطّل خطة دي ميستورا، للاسباب التالية:
- لأن العودة الى مجلس الأمن للإتفاق على مهمة هؤلاء المراقبين وأعدادهم وجنسياتهم وتحديد القواعد التي تحكم عملهم دونها عقبات عدّة، وقد تؤدي الى تجاذبات بين الدول الكبرى، ما يعرقل الخطة بكاملها وهذا ما تريده المجموعات المسلحة المدعومة من الخارج، والتي رفضت خطة دي ميستورا وكبلتها بشروط تعجيزية. 
- إن أي قرار من قبل مجلس الأمن على تكليف مراقبين دوليين لمراقبة تجميد النزاع مع صلاحيات تدخلية ( بموجب الفصل السابع)، سترفضه الدولة السورية وحلفائها، لأنه سيمسّ حكمًا بالسيادة السورية، وقد يشكّل غطاءً لتدخل غربي عسكري لصالح المجموعات المسلحة.
- إن وجود المراقبين الدوليين على الحدود الفاصلة بين الجيش السوري والمجموعات المسلحة قد يؤدي الى تقسيم لحلب أو اقتطاع جزء من الاراضي السورية، أو يجعل الحدود بين الاثنين وكأنها حدود دولية بحكم الأمر الواقع، وهذا سيؤدي الى رفض سوري رسمي للخطة.
في المحصّلة، وبالرغم من التأييد الاوروبي لخطة دي ميستورا والرهان الروسي على الحل السياسي الذي سيبدأ مسيرته في موسكو مع بداية العام المقبل، إلا أن الحرب في سوريا تبدو طويلة، وخاصة أن الأميركيين كانوا قد أعلنوا أن تدريب المعارضة "المعتدلة" لن يبدأ قبل آذار 2015، وأن الأمر يحتاج سنة على الأقل أي آذار 2016، على أقل تقدير. وهذا يعني، أن الهدف المنشود من هذه المعارضة وهو فرض نفسها على المشهد السوري، وإجبار الأسد على الاعتراف بها لتشكّل جزءًا من الحلّ السياسي، لن يكون بمتناول الأميركيين قبل 2016، أي أنهم لن يقبلوا بأي حلول سياسية قبل ذلك... وهكذا يبقى على أصحاب النوايا الطيبة، وعلى السوريين التحلّي بالصبر وتحمّل الحرب وويلاتها حتى انتهاء الأميركيين من تأسيس "فرقة الخيّالة"، ليبنوا على الشيء مقتضاه.

2014/12/14

التّعذيب في أميركا أيضَا !

14/ كانون الأوّل / 2014
د. ليلى نقولا الرحباني
جاء تقرير الكونغرس الأميركي حول وسائل التعذيب التي استخدمتها وكالة الاستخبارات المركزية (سي اي ايه) خلال استجواب المشتبهين بالإرهاب في أعقاب هجمات 11 ايلول، ليلقي الضوء على واحدة من أسوأ الفضائح التي ستشوّه سمعة الولايات المتحدة الأميركية في العالم.
وبالرغم من أن الوكالة عادت ودافعت عن وسائل التعذيب الحاطة بالكرامة بالإنسانية التي استخدمتها، وبالرغم من أنها أعتبرت أن الوسائل كانت "فعّالة" بعكس ما خلُص اليه التقرير، إلا أن الوسائل "الوحشية" - كما وصفها التقرير - التي اعتمدتها الوكالة تعتبر من الجرائم التي حظّرها القانون الدولي والذي اعتبر التعذيب من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والذي لا يمكن تبريره تحت أي ظرف. وقد وثّق نظام روما الأساسي التعذيب كجريمة دولية معاقب عليها، باعتبار أنه يشكّل نوعًا من "الجرائم ضد الإنسانية" (المادة السابعة)، أو من "جرائم الحرب" (المادة الثامنة).
ويعرّف التعذيب بحسب المادة الأولى من "اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة"، أنه "أي عمل ينتج عنه ألم او عذاب شديد، جسديًا كان أم عقليًا، يلحق عمدًا بشخص ما بقصد الحصول منه، أو من شخص ثالث، على معلومات او على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه (هو أو شخص ثالث) أو تخويفه أو إرغامه (هو أو أي شخص ثالث)... ويعتبر أيضًا من أعمال التعذيب الحاق مثل هذا الألم أو العذاب بشخص بسبب التمييز أيًا كان نوعه، إذا حرّض أو وافق عليه أو سكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية".
وبالرغم من أن تقرير مجلس الشيوخ الأميركي تغاضى عن ذكر أسماء المعتقلات السرية ومواقعها في العالم، إلا أن تقارير سابقة كانت قد أشارت الى ضلوع 54 دولة في هذا البرنامج، بينها 13 دولة عربية بينهم مصر والأردن وسوريا والمغرب والعراق.
وعليه، إن الولايات المتحدة مطالبة جديًا بمحاسبة ومساءلة كل من تورط في برنامج التعذيب الذي اعتمدته وكالة الإستخبارات الأميركية، من مسؤولين ومقررين ومنفذين. فصدور التقرير عن الكونغرس لا يغني عن المساءلة الجنائية التي من المفترض بأي دولة قانون أن تقوم بها، بعد صدور تقرير فضيحة بهذا الحجم.
وإذا كانت المساءلة على التعذيب في الدول العربية ليست بالأمر السهل بسبب التاريخ الحافل بالتعذيب في السجون، لكن يفترض بالمساءلة الجنائية أن تمتد الى داخل الدول الأوروبية التي ذكر التقرير بأنها تعاونت مع الاستخبارات الأميركية في ممارسة التعذيب أو تسهيل إقامة سجون للوكالة لممارسته أو - بشكل أقل- ساهمت في ترحيل أو تسليم أشخاص مهددين بالتعذيب، علمًا أن اتفاقية مناهضة التعذيب نصّت على "عدم جواز طرد أو تسليم شخص مهدَّد بخطر التعذيب أو اذا توافرت أسباب تدعو الى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب".
إذًا، بعد تأكيد الكونغرس الأميركي على حصول التعذيب، باتت المساءلة الجنائية "واجب" داخل الولايات المتحدة أو خارجها، ويمكن للدول التي ينتمي اليها الأشخاص المتعرضون ظلمًا للتعذيب، أن تتقدم بشكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة الرئيس جورج بوش وكل من يظهره التحقيق مشاركًا في تلك الجرائم، فقد آن الأوان لإنهاء عهد الإفلات من العقاب، وإنهاء عهد المزايدة الأميركية بالنسبة لحقوق الإنسان، فالمتورط بالتعذيب يجب أن يحاسب مهما كانت رتبته أو صفته الرسمية، وبغير ذلك لا تستطيع أميركا أن تستمر في إعلان تفوقها الأخلاقي والقيمي في مجال إحترام حقوق الإنسان، والديمقراطية وحكم القانون.

2014/12/08

إسرائيل: يهوديّة الدّولة أو طرد ما تبقّى ؟


8/ كانون الأوّل/2014

د. ليلى نقولا الرحباني

خابت التوقعات التي سادت في بداية الثورات العربية، والأمل الذي لفح الكثيرين بأن فلسطين ستكون بوصلة العالم العربي الخارج من ثورات تريد أن تنهي تاريخًا من حكم أنظمة ديكتاتورية لطالما استخدمت فلسطين - القضية لقمع شعوبها في الداخل، أو لتؤجل أو تخوّن أي حديث عن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان باعتبار أن "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة". 
أما اليوم، وبعد مرور سنوات ثلاث على الحراك العربي، تجد القدس يتيمة، والأقصى مهدد وأرض المقدسات المسيحية والاسلامية تتعرض للتهويد، وتسابق اسرائيل الزمن وتواجه الضغوط الدولية بحزم مستمرة في بناء المستوطنات وهدم البيوت الفلسطينية ولا مَن يردعها، الى أن بدأت- في ظل انشغال عربي وصمت دولي- بخطة التهويد التي بدأت الحكومة الإسرائيلية بقوننتها من خلال قانون يحسم قومية الدولة الإسرائيلية في وصفها دولة يهودية، غير آبهة بأي اعتراض دولي أو استياء أميركي.
لا شكّ أن هذا القانون يشكّل خطرًا حقيقيًا على الشعب الفلسطيني خاصة الفلسطينيين المقيمين في الأراضي التي تعتبر اليوم - دوليًا- جزءًا من الدولة الاسرائيلية، إذ إن الدولة الاسرائيلية اليهودية القومية ما هي إلا نسخة جديدة عن دولة التمييز العنصري التي عرفتها دولة جنوب أفريقيا من قبل.
إن هذا القانون، والاتجاه الاسرائيلي، الذي تدعمه المانيا في مجلس الأمن لاعتبار الدولة الاسرائيلية دولة يهودية القومية، سيجعل من كل مواطن عربي فلسطيني في أرضه مواطنًا من الدرجة الثانية، محروم من حقوقه المدنية والسياسية، وسيجعل التمييز بين يهودي وغير يهودي عنوانًا لديمقراطية الدولة الاسرائيلية التي لطالما تغنى بها الغرب، تمهيدًا لطردهم من أراضيهم - أراضي 48- أو الضغط عليهم وتهميشهم الى أن يرحلوا بأنفسهم.
وإزاء كل هذه الأخطار، ما زال الانقسام الفلسطيني الفلسطيني يعطّل إمكانية أي تقدم أو قدرة على مواجهة اسرائيل سواء في الداخل أو في مجلس الأمن. ويبقى أن على الفلسطينيين التنبه الى خطورة المرحلة الراهنة، والعمل على تقويض المشروع الاسرائيلي الجديد وذلك من خلال ما يلي :
- تزاوج السياستين المتبعتين بدون تخوين من أحدهما للآخر، وذلك من خلال توزيع الأدوار بين مدّ اليد للمفاوضات من جهة باعتبار إن المجتمع الدولي لن يرحم الفلسطينيين في حال تخلّوا عن خيار التفاوض، ومن جهة أخرى الحفاظ على معايير القوة التي تحصّلت بفعل المقاومة المسلحة في الداخل، وهي حق مشروع كفلته المواثيق الدولية كافة.
- عدم قمع بوادر الانتفاضة الداخلية التي تظهر بوادرها في الأعمال التي يقوم بها فلسطينيو الداخل خاصة في القدس، والسماح لرياح الانتفاضة وأفكارها بالتغلغل في الضفة الغربية وعدم قمعها.
- التنبه مما يحاك للقضية الفلسطينية في الأمم المتحدة وخاصة مشروع القرار الذي تقدمت به فرنسا وبريطانيا والمانيا، والذي يحدد مهلة المفاوضات بسنتين، كردٍ على مشروع أعلنت الأردن أنها ستتقدم به باسم الدول العربية، للاعتراف بالدولة الفلسطينية وإنهاء الإحتلال خلال سنتين.
وهكذا، نجد أن القضية الفلسطينية وكما في كل تاريخها، تتعرض لمؤامرات داخلية وخارجية، والأخطر على الأطلاق هو هذا الانقسام الفلسطيني الذي سيضيّع تضحيات الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات، وسيضيّع دماء الشهداء التي روت على أرض فلسطين حتى فاضت.

2014/12/04

ملف العسكريين المخطوفين: من الخطيئة الى العار


د. ليلى نقولا الرحباني
بالرغم من أن قضية العسكريين قد تدخل منحى جديداً مع اعتقال زوجات الإرهابيين، ومنهم زوجة المسؤول في "جبهة النصرة" أنس شركس، المعروف بـ"أبو علي الشيشاني" مع شقيقها راكان في منطقة حيلان زغرتا، وإحدى زوجات أبو بكر البغدادي ونجلها في منطقة المدفون في البترون، لكن ما يحصل كل يوم، وتعرُّض الجيش اللبناني لاعتداءات وكمائن تحصد أرواح عسكرييه الشهداء، يشير إلى أن مصير اللبنانيين ما زال في يد مجموعة من الإرهابيين الرعاع، الذين يستغلون احتجازهم لمجموعة من العسكريين الرهائن، والخروج بهم إلى جرود عرسال؛ في أكبر عارٍ تاريخي يلحق بالنظام السياسي اللبناني على الإطلاق.
بدخول القضية شهرها الخامس، تبرز قضايا عدّة للنقاش:
أولاً: في قول اللبنانيين إن العسكريين قد نذروا أنفسهم وحياتهم للوطن، وكان من المفترَض بهم أن يدافعوا عن أنفسهم وعن مواقعهم حتى النصر أو الشهادة.. في هذا القول بعض من الأحقية، لكن لم يعد ينفع هذا القول، فالعسكريون أحياء، ومن المفترَض بالدولة اللبنانية بذل أقصى ما تستطيع لتحريرهم ضمن الحفاظ على ما تبقّى من الكرامة الوطنية.
ثانياً: لم يكن ما قامت به القوى الأمنية من اعتداء على الأهالي بالقوة، تصرُّفاً يليق بأهالي عسكريين نذروا أنفسهم للدفاع عن الوطن، والحق يقال: إن التراخي الذي تعاملت به القوى الأمنية في السابق مع قطع طريق ضهر البيدر، وإغلاق الشرايين الحيوية، وتعطيل مصالح المواطنين، جعل من أهالي العسكريين أداة ابتزاز يمتلكها الخاطفون، ويبتزون بها الدولة والشعب واللبناني ككل. كان من الأجدى بالمؤسسات الأمنية أن تتصل بذوي العسكريين منذ اللحظة الأولى، وتطلب منهم الهدوء والالتزام بالتعليمات، وتتعهد لهم بأن مصير أبنائهم سيكون بين أيادٍ أمينة، أي بأيدي القوى الأمنية وليس القوى السياسية المعروفة بضعفها وعجزها ووصوليّتها.
ثالثاً: أخطأت الحكومة اللبنانية عندما فتحت البازار على مصراعيه في قضية العسكريين الرهائن، وقد يكون الخطأ الأكبر أو الخطيئة الكبرى التي حبلت بالإثم، هي القبول بتسوية خروج المسلحين من عرسال إلى الجرود، مصطحبين معهم الجنود الرهائن، والتي - لغاية الآن - لم يُعرف ما هو مردودها وما هو ثمنها. ثم تمادى الخطأ في العشوائية التي طبعت التعامل مع هذا الملف، خصوصاً عندما تبيّن أن قوى منضوية في الحكومة أرادت استغلال الأمر لإطلاق المحسوبين عليها من مسجوني روميه، فطالبت بأكثر مما يطالب به الإرهابيون أنفسهم. أما الوسطاء المكّلفون من قبَل الحكومة فحدّث ولا حرج، فمن "هيئة العلماء المسلمين" المشبوهة، إلى الحجيري المطلوب للعدالة، ثم الوسيط القطري الذي يريد أن يمدد وساطته إلى ما شاء الله، باعتبار أن الوساطة ما هي إلا تعمية على تمريره المال والمواد الغذائية والطبية للمسلحين في الجرود.
ويبقى في النتيجة أن قضية بهذا الحجم لا يمكن التلاعب بها كما يتمّ التلاعب بكل قضايا الوطن المصيرية، والحل يكون:
- أن يعود الأهالي إلى بيوتهم، وعدم التواصل مع الإرهابيين بتاتاً، وعدم السماح للإرهابيين باستخدامهم أدوات مجانية في حربهم على لبنان.. وليقتدِ كل أب بوالد أحد أسرى "حزب الله"، وليقُل: ابني استشهد فدا الوطن، ولا تتصلوا بي مجدداً.. عندها فقط يسلم أبناؤهم من القتل.
- أن تضع الحكومة اللبنانية سقفاً عالياً للتفاوض، أي تحديد السقف الأعلى الذي يمكن لها الوصول إليه في عملية المقايضة، والذي لا يمكن تخطيه، والمفترض بهذا السقف الأعلى ألا يتضمّن تحته مجرمة إرهابية كجمانة حميد، وغيرها من قياديي "داعش" و"النصرة" الذين سفكوا دماء الأبرياء من اللبنانيين، وألا يتمّ التفريط بدماء الشهداء من اللبنانيين المدنيين والعسكريين.
- أن يتنحّى السياسيون الهواة عن هذه القضية، ويُترك الأمر لأربابه من العسكريين، أي للواء عباس إبراهيم، الذي يُشهد له بقدرته وحنكته في ملفات كهذه، وهذه الحنكة والقدرة على التواصل مع الأطراف كافة هما اللتان أوصلتا سابقاً ملف الراهبات إلى نهاية سعيدة.
- أن يتم التعامل مع الإرهابيين بطريقة "العين بالعين"، و{عاقبوا بمثل ما عوقبتم به}، فقتل عسكري يقابله قتل قيادي أو أكثر من الذين تطالب بهم "داعش" أو "النصرة".
بهذه الأمور، وبالحفاظ على أوراق القوة، يمكن للدولة أن تحفظ كرامتها وكرامة شهدائها وحياة عسكرييها، وبغير ذلك فإن كل ما يوحي به هذا الملف من بدايته إلى نهايته لا يذكّر إلا بالعار.

2014/11/30

أردوغان عدوّ المرأة المسلمة

30/  تشرين الثّاني /2014
د. ليلى نقولا الرحباني

يومًا بعد يوم، تتجه تركيا الى السلطوية، في ظل حزب العدالة والتنمية وخاصة في ظل الشخصية المعقّدة والتسلطية لرجب طيب أردوغان. و نقول سلطوية، باعتبار أنه لا يمكن بعد كل الإجراءات التي يتخذها أردوغان وحزبه، أن نطلق على تركيا صفة الديمقراطية، ولم تصل الى درجة الديكتاتورية بعد. علمًا أن السلطوية تعتبر حكم يتميز بدرجة عالية من قوة الدولة والغياب الغالب للإجراءات المتعلقة بالموافقة الشعبية أو حماية حقوق الأفراد، وأصحابها يعتبرون بأن على المواطنين طاعة السلطة وخدمتها وأن السلطة تسبق الفرد في ميزان قيام المجتمع.
وتظهر سلطوية الحكم التركي من خلال ما يقوم به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من ممارسات بعيدة عن النمط الديمقراطي المعروف باحترام رأي الشعب وحرياته وحقوقه، كما ضمان حقوق الأفراد، وحماية الأقليات وخصوصياتهم الثقافية، علمًا أنه يُشهد للإتراك وخاصة حزب العدالة والتنمية قدرته على خداع الغرب لسنوات، لدرجة أن الأميركيين طرحوا فرض "النموذج التركي" على الدول العربية التي كانت جزءًا مما يسمى الربيع العربي.
وقد يكون مفهومًا - نوعًا ما- هذا التصلب التركي، والحقد الذي بات شخصيًا على الرئيس بشار الأسد، باعتبار أن الأسد وصمود نظامه وجيشه قد يكونان السبب في انهيار مشروع السلطنة العثمانية الجديدة الذي حلم به أردوغان وكاد أن يتحقق، لولا أنه استفاق في حزيران 2013، ليجد أن كل شيء تبخّر. وقد يكون من الطبيعي، ان يكنّ أردوغان الحقد على المشير عبد الفتاح السيسي بنفس القوة والكراهية التي يكنّها لبشار الأسد، باعتبار أن الأسد صمد وخلخل أساسات المشروع الإمبراطوري الأخواني، وأتى السيسي فقضى عليه الى غير رجعة.
ولكن، ما هو غير مفهوم، هو هذا الحقد الذي يكنّه أردوغان للنساء بشكل عام، والذي يطرح علامات استفهام كبرى، إذ لم يكتفِ أردوغان بإنكار المساواة بين الرجل والمرأة، بل تدخل في الحرية الشخصية للمرأة وللعائلة ككل، عندما اعتبر أنه "يجب" على المرأة التركية أن تنجب أطفال ثلاث، وأن المرأة لا يجب أن تضحك في المكان العام، والأخطر والذي لا سابقة له، هو رفضه لمبدأ العملية القيصرية في الولادة!.
العجيب الغريب، أن أردوغان يعتبر الولادة القيصرية وكأنها ترفًا تقوم به المرأة، كعمليات التجميل وغيرها. وفي هذا إما جهل من قبل القائل، أو استهتار بحق المرأة في الحياة هي وجنينها في حال تعذرت عليها الولادة الطبيعية. وإذا كان لإردوغان أن يجد في تفسيراته الخاصة للدين الاسلامي، وفي استرجاعه للثقافة والعادات القرو- أوسطية بعض الدعم لنظرياته الفذّة، ولكن أنّى له أن ينصّب نفسه طبيبًا، وينكر على المرأة حقها في الحياة، وهو أبسط حقوق الإنسان الطبيعية الذي كفلته جميع الشرائع السماوية وغير السماوية، وكفلته المواثيق والاعلانات القانونية.
النتيجة، بات أردوغان بحاجة الى وقفة ضمير حقيقية مع نفسه، وبحاجة الى من يصدقه القول، بأن ما تشكّى منه أمام البابا فرنسيس من أن "العنصرية والتمييز وكراهية الآخر، والاسلاموفوبيا، تتنامى بشكل خطير في الغرب"، قد تكون تصرفاته وتصريحاته وتصرفات الاسلام السياسي الذي يديره سببًا رئيسيًا فيها، وخاصة أنهم يعيدون تصرفاتهم ويردونها الى الدين الاسلامي باعتبار أنهم يحتكرون تفسيره، ويصورون أنفسهم على أنهم "أصحاب الحقيقة الاسلامية" الوحيدة... نعم، يعاني المسلمون من بعض الممارسات في الغرب، ولكن السبب ليس داعش وبوكو حرام والقاعدة وحدهم، بل تصريحات اردوغان المسيئة للمرأة أيضًا. فهل ستكون نهاية 
الأردوغانية على يد المرأة التركية؟

2014/11/26

المحكمة الخاصة بلبنان: دواء لكل داء؟

د. ليلى نقولا الرحباني
لم تضف شهادة الوزير مروان حمادة  في المحكمة الخاصة بلبنان شيئًا الى ما يعرفه اللبنانيون عن الاتهام الذي وجهته قوى 14 آذار الى سوريا ثم حزب الله باغتيال الرئيس الحريري، وما كان قد تمّ تداوله لسنوات في حمأة الحديث عن ضرورة تأسيس المحكمة والوجهة التي ستركز عليها اتهاماتها، وخاصة حينما كانت الاتهامات موجهة الى النظام السوري آنذاك، أي في الفترة الممتدة من 2005 ولغاية أيار 2009، قبل أن ينتقل الاتهام الى الداخل اللبناني باتهام عناصر من حزب الله بذلك الاغتيال، عبر تسريب دير شبيغل، ثم في القرارات الاتهامية التي صدرت عن الإدعاء العام في المحكمة.
ويخشى البعض من أن تعيد شهادات المحكمة عقارب الساعة الى الوراء في لبنان بأن تعيد تأجيج الفتنة السنية - الشيعية، ولكن الواضح، من خلال شهادة مروان حمادة وما يقال عن شهادات أخرى ستليه، بأن كل ما يقال كان قد تمّ نشره سابقًا في الصحف وقيل عبر وسائل الاعلام المختلفة، ولم تضف أي جديد، أو تقدم أي دليل حسّي ملموس يثبت الاتهام ويضيف الى الأدلة الظرفية التي يستند اليها مدعي عام المحكمة. وعليه، إن بناء القضية  على أساس التوتر الذي كان سائدًا في علاقة الرئيس الحريري بالنظام السوري، لا يعني اثبات أنها انسحبت على علاقته بحزب الله، الذي شهد لقاءات عدّة بين السيد حسن نصرالله والرئيس الحريري امتد بعضها لساعات عدّة، كما أن التوتر السياسي لا يعني بالضرورة الوصول الى درجة الاغتيال.
ويبقى ما يُمكن أن يشار اليه في موضوع المحكمة الخاصة بلبنان، هو التقرير السنوي الخامس للمحكمة لسنة 2013- 2014 الذي رفعه رئيس المحكمة دايفيد باراغوانث معتبرًا أن المحكمة ستسهم في تعزيز سيادة القانون في لبنان... ولديها مهمة مساعدة حكومة لبنان وشعبه في جهودهما الحثيثة لإرساء سيادة القانون.... ومساعدة شعب لبنان ومؤسساته في جهودهم الرامية الى اعادة ارساء السلام وبسط الامن".
بداية، من المهم لفت نظر المحكمة ورئيسها، الى أن توسيع مهام العدالة الجنائية، لتضم بالاضافة الى تحقيق العدالة والانصاف للضحايا، مهام أخرى كإرساء السلام وبسط الأمن، ومساعدة الحكومة على بسط سيادة القانون، تعطي انطباعًا وكأن "العدالة الجنائية الدولية" هي الوصفة السحرية التي تعطى كدواء لكل داء في المجتمعات الخارجة من الصراع، أو أنها ترياق شافٍ يمنع العودة الى النزاعات ويبسط السلام والأمن ويؤدي الى المصالحة، وهذا غير صحيح وغير صحي على الاطلاق.
أما بالنسبة لسيادة القانون، فبالرغم من مساهمة المحاكم الجنائية الدولية في احترام حكم القانون باعتبار أن "لا أحد فوق القانون مهما علت مرتبته" وأن عهد الافلات من العقاب من خلال التذرع بالحصانة قد ولّى، ولكن يبقى أن سيادة حكم القانون في بلد ما لا تكفيه محاكمة واحدة ليتحقق.
إن سيادة حكم القانون في لبنان، يعني أنه لا يجب التمييز بين الضحايا، بل مساواة تامة للضحايا أمام القانون وإنصافهم بالتساوي وذلك عبر محاسبة مجرمي الحرب الاهلية عن الجرائم التي ارتكبوها، ومعرفة مصير 17000 مفقود ما زالت عائلاتها محرومة من أبسط حقوق الضحايا وهي الحق في معرفة الحقيقة.
إن سيادة حكم القانون في لبنان، تعني مساواة الجميع أمام القانون وفي القانون ذاته، وتعني أنه بات بامكان اللبنانيين محاسبة نوابهم المتورطين بالارهاب الذي تقاضيه المحكمة الخاصة بلبنان، وتعني أنه بالامكان اعتقال من يثبت تورطه سواء في التحريض أو التمويل أو الدعم أو المشاركة في أعمال إرهابية سواء ضد المواطنين الأبرياء أو ضد الجيش اللبناني أو ضد المسؤولين السياسيين الذين يتعرضون للاغتيال بسبب مواقفهم السياسية.
إن سيادة حكم القانون في لبنان، ليس شعرًا يُكتب على ورق، بل ممارسة عملية تمتد من أعلى الهرم حتى أسفله... هو إطار شامل يمتد ليشمل الى ما هو أبعد من المؤسسات والقوانين والمحاكم، ليصل الى مقاربة ثقافية ومواطنية شاملة ... وهذا أبعد بكثير مما تستطيع محاكمة أن تقوم به، مهما عظمت أهمية الضحية، ومهما توسعت عالمية التحقيق والمقاضاة.

2014/11/20

التسوية: على حساب المسيحيين أو لصالحهم؟


د. ليلى نقولا الرحباني
وهكذا يقترب موعد الرابع والعشرين من تشرين الثاني، وينتظر العالم نتيجة التفاوض بين إيران والدول الست، أو ما تحوّل واقعياً بعد الحرب السورية ومتفرعاتها الشرق أوسطية وخروج المحافظين من السلطة في إيران ودخول "الاعتدال الروحاني" إلى مفاوضات بين محور غربي (أميركي - أوروبي) ومحور شرقي (روسي - آسيوي).
ومهما كانت نتيجة هذه الجولة "التشرينية"، فإن مسار المفاوضات بات أمام سيناريوهات ثلاثة هي:
- أولاً: أن تنهار المفاوضات كلياً، ويكون موعد الرابع والعشرين من تشرين موعداً لتصعيد خطير في المنطقة، وهذا سيناريو كارثي يبدو غير واقعي على الإطلاق، فبالرغم من كل التشنُّج الذي طبع العلاقات الإيرانية - الأميركية في السابق، استمرّت الأطراف في المفاوضات ولو من منطلق مبدأ "المفاوضات من أجل المفاوضات". واليوم، لا يبدو أحد من الأطراف مستعداً لسيناريو كارثي كهذا يعيد الأمور إلى نقطة الصفر بعد كل ما تحقق، علماً أن هذا السيناريو سينسحب بتداعياته الخطيرة على منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وسيؤثر على عمليات التحالف الدولي ضد الإرهاب في العراق ولبنان وسورية وغيرها، وسيكون مصير لبنان في هذا السيناريو عودة التشنُّج المذهبي، وإطلاق الخطابات عالية النبرة ضد حزب الله، والعودة إلى إدانة تدخُّله في سورية، ولا نستبعد المسّ بالاستقرار الأمني الداخلي كنتيجة لذلك، أو أن يفسح التشنج المجال لبعض المجموعات بأن تستغلّ الوضع السياسي المتوتر لهزّ الاستقرار الأمني.
- السناريو الثاني: أن لا تنتهي المفاوضات إلى نتائج نهائية إيجابية في هذه الدورة وتؤجَّل إلى موعد لاحق، وهو سيناريو مقبول وواقعي، وقد أقرّت الأطراف في وقت سابق أن مهلة الرابع والعشرين من تشرين ليست مقدَّسة، وقد تكون هناك جولات أخرى.
في هذا السيناريو الواقعي، ستستمر المفاوضات بين المحاور الدولية، وتستكمل إقليمياً من خلال شدّ وجذب في الميادين العراقية والسورية واليمنية واللبنانية وغيرها.. وهنا يكون على الحلول التسووية في المنطقة، خصوصاً في الأماكن التي نضج فيها نوع من التفاهمات الموضعية، أن تنتظر، لأن أياً من الأطراف لن يقبل بتقديم التنازلات قبل أوانها، وهنا سيكون على لبنان الانتظار لمواعيد أخرى لتحقيق التسوية المنتظَرة، وستسمرّ مرحلة تقطيع الوقت المضبوط سياسياً وأمنياً بانتظار نضوج التسويات الإقليمية والدولية.
- السيناريو الثالث: أن تُسفر هذه الجولة عن توقيع اتفاق نهائي بين الطرفين، وفي هذا السيناريو تدخل إيران في مرحلة انفراج اقتصادي؛ بالتحرر من العقوبات الدولية المفروضة عليها، وستبدأ مرحلة التنافس على توقيع الاتفاقيات التجارية مع الإيرانيين بين الغربيين أنفسهم، وبينهم وبين الروس والصينيين. أما بالنسبة إلى الأميركيين فيكون لأوباما ما يريده من هذا الحل الإيراني الذي طال انتظاره، أي أن يترك وراءه إرثاً يسجَّل له في تاريخه؛ عندما يذكره التاريخ مع رؤساء الولايات المتحدة الأميركية الآخرين، ويسمح لـ"الحزب الديمقراطي" باستثماره في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعدما مُني بخسارة انتخابية في الكونغرس بمجلسيْه.
وسواء تحقّق أي من السناريوهات الواقعية (الثاني والثالث)، فإن التسوية في لبنان لن تكون إلا لحساب الأقوى، وما طُرح حول وضع السعوديين "فيتو" على وصول العماد ميشال عون إلى الرئاسة، لن يكون له تأثير على مسار الأمور في الداخل، فلقد قطع السيد حسن نصرالله - من خلال خطابه في عاشوراء - الطريق على أي إمكانية طرح تسوية على حساب العماد عون، وقد تكون الرسالة التي أرسلها موجَّهة إلى الخصوم والحلفاء على حد سواء، وذلك من خلال رسم السقف الذي يمكن للحزب التفاوض عليه، وليقول للجميع إن أي تسوية على حساب الحليف المسيحي القوي لن تمرّ في لبنان، وأيّ طرح من قبَل الخصوم لتسوية لبنانية شبيهة بالتسوية العراقية لن يكون لها آذاناً صاغية في لبنان، ولن تمرّ.

2014/11/16

ارهاب باسم حقوق الانسان؟


د. ليلى نقولا الرحباني
يعيش العالم العربي منذ زمن، أزمات عدّة منها أزمة الهوية، والديمقراطية وحقوق الانسان، وأزمة حكم القانون وغيرها. ولقد استبشر كثيرون في المنطقة وفي العالم وبالغوا في الترحيب بالثورات التي حصلت في العالم العربي، باعتبار أنها ستكون فرصة للقيام بانتخابات حرّة نزيهة، تؤدي لوصول قوى التغيير الى الحكم في العالم العربي، ولتحقيق الديمقراطية.
ومع التعظيم للانتخابات التي حصلت في مصر، وبالرغم من نزول الملايين الى الشارع في مصر للإطاحة بمن يعتقدون أنه سرق ثورتهم وحرفها عن أهدافها، ما زال المفكرون والأطر الأكاديمية في الغرب، تتحسر على سقوط الاخوان المسلمين في مصر، باعتبارهم "الديمقراطية" التي سقطت، وحلّ مكانها "حكم العسكر الديكتاتوري".
وهكذا، يكون الغرب ومفكريه كعادتهم، يريدون أن يفرضوا على العالم تصوراتهم، باعتبارهم "أصحاب الطريقة الصحيحة"، في الحكم والديمقراطية والحريات وغيرها. ففي أميركا على سبيل المثال، وخاصة في الانتخابات الأخيرة للكونغرس الأميركي، تحدثت التقارير الصحفية، ومنها تقرير نشرته مجلة rolling stone الأسبوعية، شرحت فيه كيف تمّ تزوير الانتخابات في أميركا، من خلال الالاعيب التي لجأ اليها قادة الحزب الجمهوري، وكيف حصل قمع الناخبين واللجوء الى الاحتيال والنفاذ من خلال الثغرات القانونية لتحقيق مصالحهم. كما حصل إعادة تقسيم للدوائر الانتخابية، بحيث تصبح الأغلبية النيابية غير ممثلة للأكثرية الشعبية، وهكذا حاز الحزب الجمهوري على حق تمثيل ولايات لا أغلبية شعبية له فيها.
نعم، هذا الحديث عن أميركا، وليس عن بلد عربي أو عن لبنان بالتحديد حيث تمّ تقسيم الدوائر الانتخابية بحيث تأتي الأغلبية النيابية غير ممثلة للأغلبية الشعبية، ومع ذلك قام المجلس النيابي بالتمديد لنفسه مرتين، بدون الأخذ بعين الاعتبار برأي الشعب في ذلك.
أما بالنسبة لحقوق الانسان، فلقد سئم العالم، إدّعاءات التفوق الاخلاقي لدى الغرب وخاصة لدى منظمات حقوق الانسان، التي تقوم باعداد تقارير تصدر فيها توصياتها واقتراحاتها على شكل "أوامر" على الدول إطاعتها وتنفيذها تحت طائلة التشهير والضغوط الدولية. وهكذا، أصبحت المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الانسان في كثير من الأحيان أقوى من العديد من دول العالم الثالث، وهي تريد وضع نفسها مكان الدولة والمجتمع كناظم للعلاقات والمقرر لما يجب أن يكون بطريقة باتت تهدد سيادة العديد من الدول. على سبيل المثال لا الحصر، تحاول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين توطين النازحين السوريين في لبنان تحت مسميات عدّة، وقد اعترف ممثلوها أنهم تخطوا الدولة اللبنانية ولم ينسقوا معها في موضوع النازحين، لأن بعض سياسيي 14 آذار، حذروهم من إطلاع الدولة اللبنانية على أسماء النازحين وملفاتهم "لئلا تمررها السلطات اللبنانية الى النظام السوري".
أما بالنسبة لحكم القانون، فلطالما اعتمد الغرب على المقاربات المؤسساتية، التي تعني اعداد النصوص القانونية والدساتير بدون الالتفات الى الثقافة والممارسة السياسية في البلد المعني، فالقانون الجيد لا يعني تطبيقه بطريقة سليمة، كما لا يعني أن الجميع سيلتزم به خاصة المسؤولين الغارقين في الفساد، وفي ممارسة النفوذ على القضاء والمؤسسات والهيئات القضائية، ولا يعني أن المساواة بين المواطنين أمام القانون وفي القانون نفسه قد تحققت.
وفي النتيجة، يعيش العالم اليوم محاولات لفرض عولمة ثقافية وقانونية وحقوقية، تمامًا كما تمّ عولمة الاقتصاد والاعلام والقضايا والمنظمات والشركات حتى باتت أقوى من الدول. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن لعالمنا العربي التخلص من الهيمنة والارهاب بشقيه: الارهاب المتوحش الممارس علينا باسم الدين الذي يعتقد أنه يملك الحقيقة الدينية المطلقة، والارهاب الفكري الممارس علينا باسم حقوق الانسان والذي يعتبر أيضًا أنه لديه الحقيقة الانسانية المطلقة؟

2014/11/13

"لبننة" الحل السوري برعاية جنبلاط؟

د. ليلى نقولا الرحباني
عرض مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا ، تجميد القتال في بعض لإتاحة الفرصة لتقديم المساعدات الإنسانية، وقام بنشر التفاؤل من حوله، من خلال الإعراب عن اعتقاده بأن ثمة فرصة متاحة لحل الأزمة السورية، بسبب التهديد المشترك الذي يمثله مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية - داعش ، فضلاً عن تنامي التعب بين الأطراف من طول مدة النزاع.
وكان جواب الرئاسة السورية على مبادرة دي ميستورا، بأنها جديرة بالدراسة، ذكيًا، فالرئيس السوري لم يرفض ولم يقبل بشكل أكيد، فلو رفض لإنطلقت الأصوات الدولية والاقليمية والسورية لتقول ان الرئيس السوري يرفض تجميد القتال من أجل هدنة إنسانية، وإنه يريد الاستمرار في قتل شعبه. ولكن ما أن أعلن أنها جديرة بالدراسة بشكل يوحي أنه قد يكون مستعدًا للقبول بها، حتى انطلقت أصوات مسؤولي الجماعات المسلحة السورية، ومنها مسؤولي الجيش الحر، الذين وضعوا شروطًا تعجيزية، أقل ما يقال فيها أنها منفصلة عن الواقع.
اشترط الجيش الحر، كما أعلن أحد قادته، تسليم من أسماهم "مجرمي الحرب"، وخروج حزب الله  من سوريا، وإيقاف إلقاء “براميل الموت” والقصف الجوي وأخيراً الافراج عن المعتقلين من سجون النظام وخاصة النساء. وهكذا ظهر أن المعارضات السورية والفصائل المسلحة، تمامًا كما داعميهم في لبنان، وخاصة الأمانة العامة لقوى 14 آذار، باتت تعيش انفصالاًعن الواقع  غير مسبوق، فالقوى الغربية لم تعد تعوّل على المعارضة السورية لتحقيق أهدافها في سوريا، وما كان قبل "غزوة داعش" ليس كما بعده.
لقد اقتنع الجميع - تقريبًا- أن أي حلٍ عسكري غير ممكن في سوريا، وهو ما صرّح به مبعوث الرئاسة الأميركية في التحالف الدولي ضد داعش، جون آلن، حين أكد أن "ما تريده الولايات المتحدة الأميركية من تدريب خمسة آلاف عنصر ضمن "المعارضة المعتدلة"، ليس قتال النظام السوري، وإنما لكي يكونوا جزءًا أساسيًا من الحل السياسي لإنهاء الحرب... ندرّبهم لكي يعترف بهم النظام".
إنطلاقًا من هذا الإعتراف الأميركي الصريح، لا يبدو أنه هناك أي أفق للمعارضة السورية وجماعاتها المسلحة للاستمرار في العنجهية ورفض المبادرات، ولا يبقى لهم سوى السعي الى مصالحات سورية سورية، بدل أن يفرض على السوريين حلول بشروط تناسب الدول الكبرى، فتقدمهم كبش محرقة.
إن استمرار المعارضة السورية الخارجية في شروطها التعجيزية، أو في مقاربتها غير المنطقية لتصور الحل في سوريا، لن يؤدي إلا الى مزيد من الانهيار في الدولة السورية، ومزيد من الجراح وتفتيت المجتمع السوري. كما إن الاحلام التي ما زال بعض المعارضين يطلقونها حول "لبننة" الوضع السوري، والتي تعني  - بنظرهم- حلاً لمستقبل لسوريا بدون الاسد، ورعاية الوزير وليد جنبلاط لهذا المشروع وتسويقه لدى موسكو، لا يمكن اعتبارها إلا جزءًا من "ساعات التخلي" السورية.
إن أي حل سياسي في سوريا، يفترض على الجميع التواضع وتقديم التنازلات، فالنظام السوري بات ملزمًا بقبول المعارضة الداخلية الوطنية ورموزها كشركاء حقيقيين في الحكومة والسلطة، يقومون معًا بإعداد الخطط لإعمار سوريا، ونزع السلاح، وإعادة اللاجئين، والسعي الشامل الى المصالحات التي ستسهم ببناء سوريا الجديدة على أسس السلام والتنمية للجميع، وإنخراط الجميع في مسيرة بناء السلام. أما المعارضة فعليها التواضع والقبول بحل سياسي، لن يكون فيه محاكمات لرؤوس النظام كما يسوقون، وسيكون عليهم التخلي عن تلك المشاريع والاكتفاء بما قبضوه من الغرب ثمنًا لها لغاية الآن، كما لن يكون فيه "اجتثاث للبعث" كما حصل في العراق بعد سقوط صدام حسين، بل سيكون حزب البعث شريكًا في الحكم، ولكن بعد تنقيته من الفساد والمفسدين الذين اضرّوا بالنظام وبسوريا المجتمع والدولة.


2014/11/09

محاضرات الدكتورة ليلى نقولا في جامعة أكسفورد - بريطانيا

بدعوة من جامعة أكسفورد - بريطانيا، تحاضر الدكتورة ليلى نقولا في الجامعة وذلك ضمن:

1- ندوة حوار معها، حول التطورات في الشرق الأوسط، وذلك في 12 تشرين الثاني 2014 الساعة 5 مساء - الدعوة على الرابط التالي: 

2- محاضرة حول تصورات العدالة الانتقالية لسوريا في ما بعد الحرب، وذلك في مركز أكسفورد للعدالة الانتقالية، في 14 تشرين الثاني 2014، الساعة 12 ظهرًا -- الدعوة على الرابط التالي :




أميركا: المعركة داخلية والآداة إيرانية؟


د. ليلى نقولا الرحباني
لم تكن نتائج الانتخابات الأميركية مفاجئة، فقد توقع المراقبون منذ مدة أن الجمهوريون سوف يسيطرون على الكونغرس بمجلسيه وأنهم سينجحون في ولايات كانت محسوبة تاريخيًا على الديمقراطيين، بسبب فشل إدارة الرئيس باراك اوباما في العديد من القضايا الداخلية التي طرحها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، قضية اوباما كير، بالاضافة الى موضوع الارهاب في الشرق الأوسط والملف النووي الايراني.
الأكيد، أنه بعد هذه النتائج سيكون هناك صراع بين الرئيس وإدارته وبين الكونغرس، وبينه وبين الجمهوريين الذين سيحاولون منعه من تحقيق أي إنجاز في الفترة المتبقية من حكمه، لقطع الطريق على أي مرشج للحزب الديمقراطي للوصول الى البيت الأبيض.
ولكي تكتمل فصول الحرب الدائرة بين الاثنين، ستكون المواضيع السياسة الداخلية والخارجية  محور تنازع وأخذ وردٍ بين الاثنين، وسيطغى على مواضيع السياسة الخارجية مواضيع الحرب على الإرهاب، وموضوع العلاقة مع ايران والملف النووي الايراني الذي حُدد له الرابع والعشرين من تشرين الثاني لتوقيع الاتفاق، علمًا أن الجميع قد صرحوا بأن تلك المهلة ليست مقدسة ويمكن ان تمتد المفاوضات الى ما بعد هذا التاريخ.
وسيكون طبيعيًا انتقال هذه الحرب الى الاعلام، ومحاولة تشويه صورة الرئيس وإظهاره أنه "ضعيف الشخصية، متخاذل أمام الأعداء، متردد وعاجز الخ.."
ومن هذا المنطلق يمكن أن نفهم تسريب صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية عن مصادر مطلعة قولها، أن الرئيس الأميركي باراك أوباما بعث سراً برسالة إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية السيد علي خامنئي في منتصف تشرين الأول الماضي، وأن المرشد الاعلى لم يرد عليها.
وأضافت أن أوباما شدد لخامنئي على أن أي تعاون ضد «داعش» يتوقف إلى حد كبير على التوصل إلى اتفاق شامل بين إيران ومجموعة الدول الست الكبرى حول مستقبل البرنامج النووي لطهران.
قال مسؤولون أميركيون للصحيفة أنها الرسالة الرابعة التي يوجهها أوباما منذ توليه منصبه في العام 2009 إلى المرشد الإيراني، إن المرشد الاعلى للجمهورية الإيرانية «لم يرد أبداً شخصياً» على هذه الرسائل.
بالمبدأ، قد يكون موضوع الرسالة صحيحًا وليس مستغربًا، خاصة أن ايران قوة اقليمية يحسب لها حساب في منطقة الشرق الاوسط وآسيا الوسطى، والأميركيون يحتاجون الى التعاون الايراني في ملفات عدّة في العراق وأفغانستان والخليج وغيرها، وفي موضوع النزاع السوري والحرب على الارهاب. ولكن، لا يبدو أن الصحيفة كانت فقط تريد التركيز على موضوع التعاون الأميركي مع إيران، بل كانت تريد تمرير رسالة واضحة من خلال التسريب مفادها إن "رسائل أربعة أرسلت من قبل اوباما ولم يرد عليها المرشد"، وإن إهانات للرئيس الأميركي قد حصلت من قبل الايرانيين، وإن أوباما قد جعل كرامة الرئاسة الأميركية في الحضيض في تعامله مع إيران.

لا يمكن لعاقل يعرف السياسة الايرانية أن يتوقع أن المرشد قد وجّه إهانة شخصية للرئيس الأميركي، وليس مرة واحدة بل أربع مرات!! الإيرانيون أذكى من ذلك. ومن غير المعقول أن يكون الرئيس الأميركي قد تعرّض للإهانة مرة وأعاد الكرّة أربع مرات!! لهذا يبدو واضحًا أن جهات نافذة في الاعلام والسياسة الأميركية ومرتبطة بشكل كبير باللوبي اليهودي الداعم لإسرائيل، لا تريد للرئيس الأميركي أن يخرج بإتفاق مع إيران حول ملفها النووي، وإن حصل هذا الإتفاق، فهي تريد أن تمنع الرئيس من أن يظهره وكأنه إنتصار شخصي له ولإدارته، يتركه وراءه كإرث يذكره له التاريخ. لهذا، ستشتد المعركة الإعلامية كلما اقترب الملف من نهايات سعيدة، فنتنياهو الذي انتصر في معركة سابقة ضد الرئيس اوباما في الداخل الأميركي، سيحاول أن لا يدعه يفلت هذه المرة أيضًا.

2014/11/06

كيف أضاعت السعودية الفرصة التاريخية؟

د. ليلى نقولا الرحباني
تمرّ المملكة العربية السعودية اليوم بأصعب الأوقات وأحرجها في تاريخها الحديث، حيث تعيش تناقضات داخلية خطيرة قد لا يُكشف عن جميعها، كما تعيش تحديات أمنية خارجية وداخلية، تتمظهر في الخطر الذي يشكّله الفكر "الداعشي" في الداخل، وفي الجريمة الإرهابية التي حصلت في الإحساء هذا الاسبوع تزامناً مع ذكرى عاشوراء.

بدأت تحديات المملكة الفعلية منذ ما بعد أحداث 11 أيلول الإرهابية، حيث دخلت المملكة فترة قلق وتحديات لم تنتهِ لغاية اليوم، وذلك على الشكل الآتي:

1-     مباشرة بعد 11 أيلول، ارتفعت الأصوات في الولايات المتحدة الأميركية تشير إلى أن الغالبية العظمى من الانتحاريين هم من المملكة السعودية، وساد حديث أميركي جدّي حول ضرورة تعديل المناهج التربوية والدينية السعودية، لاحتواء بعضها ظاهرة الإرهاب.

2-     أعلن الأميركيون حربهم على الإرهاب وشنوّا حربين عسكريتين على كل من أفغانستان والعراق، وقد دعم السعوديون هذه الحرب لأسباب عدة، منها أنهم كانوا يريدون نفي صفة الإرهاب عنهم، بالإضافة إلى أنهم أساءوا التقدير، إذ اعتقدوا أن وجود القواعد العسكرية الأميركية في العراق سيشكّل تهديداً جديًا حقيقياً لإيران، وسيسرّع إمكانية التدخُّل العسكري وشنّ هجوم على الإيرانيين؛ كما كان يطمح السعوديون و"الإسرائيليون".. لكن الهجوم العسكري الأميركي لم يحصل، بل على العكس؛ تحوّلت إيران إلى قوة إقليمية كبرى، وامتد نفوذها من العراق إلى لبنان، مروراً بسورية، بالإضافة إلى نفوذها في الخليج.

3-     عاشت السعودية خطراً إرهابياً جدياً وحقيقياً في الداخل منذ عام 2003 ولغاية عام 2009، إذ انتشر الانتحاريون والانغماسيون في المملكة، وشنّوا هجومات إرهابية على الشرطة السعودية والأجانب، وأماكن التسوق وغيرها.

4-     بعد موجات ما سُمّي "الربيع العربي"، شعرت السعودية أنها مستهدَفة بشكل جدّي، بعدما تساقط حلفاؤها الواحد تلو الآخر، وبعدما تبين أن الدومينو "الإخواني" فيما لو استمرّ سيمتد إلى الخليج، وسيطيح بالمملكة نفسها، لذلك حاربته.

5-     وحين سقط المشروع "الإخواني" في حزيران 2013، شعرت السعودية بفائض قوة، فأرادت أن تستكمل الحرب حتى تُسقط المشروع المقاوم، بإسقاط إحدى أعمدته وهو النظام السوري، فتكون بذلك قد قضت على النفوذ الإيراني في المنطقة.

في هذه اللحظة بالذات أخطأ السعوديون، فلربما كانت لديهم اعتباراتهم الخاصة في سوء التقدير الذي وقعوا فيه خلال احتلال العراق، أو في أماكن أخرى، لكن في لحظة سقوط "الإخوان" بالذات، كان على السعوديين أن يتواضعوا، وأن يستغلوا الفرصة لفتح باب التسوية في الشرق الأوسط، من خلال دفع الأميركيين إلى مباركة التسوية بين النظام السوري ومعارضيه، لا أن يدفعوا الأمر إلى مزيد من التعقيد؛ بتشجيع الأميركيين على شن حرب عسكرية أخرى في المنطقة بذريعة الكيمائي السوري، والدفع إلى مزيد من القتل والدمار والإرهاب، وتدمير دولة عربية أخرى.

أضاع السعوديون فرصة تاريخية كان يمكن استغلالها لإنقاذ سورية والمنطقة من أتون الدمار والنار، وبدل أن يلبس الملك السعودي دور الأب الأكبر للدول العربية التي كانت - وما زالت - تعيش كوارث حقيقية نتيجة طموح "الإخوان" للتسلط على السلطة، فيسعى إلى رعاية تسويات، وتمويل الإعمار والنهوض باقتصاديات هذه الدول، سارع السعوديون إلى دفع الأمور إلى مزيد من التصعيد، وخرجوا عن طورهم، فاستمرّ الموت والدمار والإرهاب حتى وصلت شظاياه إلى لبنان بظاهرة الانتحاريين الغريبة عن هذا الوطن.

لطالما اعتمدت المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية على مقولة كلاوزفيتز "الحرب هي امتداد للسياسة، ولكن بوسائل أخرى"، بمعنى أن الحرب لا تُشَن إلا لهدف سياسي، وإذا كان من الممكن تحقيق هذا الهدف بغير الحرب فلما لا يكون ذلك.

الواضح أن الصراع السُّني - السُّني هو على قيادة العالم العربي، وكان بإمكان السعودية أن تصل إلى قيادة العالم العربي لو استخدمت السياسة العربية المعروفة بالمصالحة والمصافحة والرعاية المادية والسياسية.. لو استغلت المملكة الفرصة ورعت مصالحة تاريخية سورية، ودفعت الأميركيين إلى تسوية مقبولة في المنطقة، لا تستثني أحداً وتقبل الآخر، وتكرّس كلاً من إيران والسعودية قطبيْن إقليمين يحكم كل منهما حيزاً خاصاً يدين له بالولاء التاريخي والمذهبي، لوفّرت على الجميع نتائج هذا الصراع السُّني - السُّني، وهذا التوحُّش "الداعشي"، وحققت أهدافها من خلال فرض نفسها قوة إقليمية يُحسب لها حساب.

2014/11/02

مقال الأحد: الناخب الأميركي: ظالم أم مظلوم؟


د. ليلى نقولا الرحباني

تشير نتائج استطلاعات الرأي الى تدهور شعبية الرئيس باراك اوباما والحزب الديمقراطي في أميركا، ولقد أبرزت نتائج أحد استطلاعات الرأي نشرته صحيفة "واشنطن بوست ان 60% من المستطلعة آراؤهم "لا يثقون بالحكومة الفيدرالية" وقدرتها على معالجة التحديات الراهنة بما فيها الارهاب، أما صحيفة "نيويورك تايمز" فقد بينت نتائج الاستطلاع الذي قامت به عن عدم رضى 50% من الناخبين لآداء الرئيس في معالجة "التهديدات الارهابية،" مقارنة مع 41% نسبة التأييد له، علمًا استطلاع "اسوشيتدبرس" تحدث عن خشية 53% من الناخبين الأميركيين من ارتفاع خطر هجوم ارهابي داخل الولايات المتحدة.
يحق للأميركيين العاديين القلق من التهديدات الارهابية، لكن الواقع يشير الى أن الخطر الارهابي لم يأتِ من الفراغ، وقبل دخول الولايات المتحدة الى المنطقة لم يكن الارهاب بهذه القوة والوحشية، وقبل الدعم الذي أمّنه الأميركيون الى مجموعات "المعارضة السورية" - بالرغم من معرفتهم أنها تحتوي عناصر متطرفة، فاستخدام التوحش المذهبي في الصراع السوري كانت حاجة لقوى التحالف ضد الرئيس السوري بشار الأسد لمحاولة الاطاحة به.
وبالرغم من كل ذلك، إن نظرة على الواقع في الشرق الأوسط، وانتشار هذا التهديد الارهابي الذي يخشاه الأميركيون، والذي نعيشه كل يوم، ولم يعد مجرد تهديد بالنسبة للمواطنين في هذه المنطقة بل بات خبزًا يوميًا يقتسمه أهل العراق ولبنان وسوريا ومصر يوميًا، كل هذا يشير بما لا يقبل الشكّ الى تحسن وضع الأميركيين في المنطقة وليس العكس، خاصة بعد غزوة داعش للموصل وما بعدها ، وذلك كما يلي:
- قبل الحرب السورية، وقّع الأميركيون الاتفاقية الأمنية مع العراقيين، وانسحب بموجبها الجيش الأميركي من العراق وأبقى على جزء من المدربين والمتعاقدين والمستشارين وحماية أمن السفارة، وهو عدد ليس بقليل. كما أعلن الأميركيون نيّتهم الانسحاب من افغانستان، وباشروا باجراء الترتيبات لذلك.
- دخل الأميركيون في نهاية عام 2010، في مشروع لتنصيب "الاخوان المسلمين" على جميع الدول العربية، وتأمين السيطرة التركية على تلك الدول من خلال حكام موالين لها.... فشل المشروع، وسقط الأخوان.
- تدخل الأميركيون في الحرب السورية بواسطة مجموعات مسلحة مناهضة للرئيس بشار الأسد، وحين قامت داعش بغزوة الموصل، وارتفع التهديد الارهابي الذي يخشاه الاميركيون، كانت الحرب السورية تسير بما لا تشتهي سفت التحالف الغربي ضد النظام، وتحدث الأميركيون عن وجود نفط صخري لديهم، ونيّتهم ترك المنطقة والتوجه نحو المحيط الهادئ لإحتواء تصاعد النفوذ الصيني هناك.
وما أن برزت داعش كتهديد ارهابي كبير، حتى "برم الدولاب"، وعاد الأميركيون الى المنطقة من الباب العريض لمكافحة الارهاب، وباتت الدول في المنطقة تتسابق لطلب المساعدة الأميركية، وقاد الأميركيون تحالفًا عريضًا يضم 62 دولة، منها 20 دولة شريكة، ومؤسسات مثل الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية.
وهكذا، يتبين أن الحرب على الارهاب، قد أعادت تعويم "الأمبراطورية الأميركية" في المنطقة، وجعلت من الأاميركيين خشبة الخلاص بالنسبة للدول التي تعاني من خطر الارهاب.
انطلاقًا من هذا العرض لمسار تطور النفوذ الأميركي في المنطقة خلال عقد من الزمن، يبدو الناخب الأميركي ظالمًا بحق الإدارة الأميركية وقدرتها على الاستفادة من التطورات أو خلق تلك التطورات لتحقيق المصالح الكبرى للولايات المتحدة. فمن إرث متهالك للامبراطورية أورثه جورج بوش لباراك اوباما ودفعه للانسحاب من المنطقة، الى عودة مظفرة للجيش الأميركي باسم محاربة الارهاب، تقدم هام حققته إدارة اوباما، يفترض إعادة تعويم حزبه وليس العكس، إلا اذا كان للناخب الأميركي اعتبارات أخرى غير موضوع الارهاب.

2014/10/30

طرابلس: معركة غير منتهية لتسوية غير ناضجة

د. ليلى نقولا الرحباني
لم تكن واضحة معالم نهاية المعركة في طرابلس والشمال بين الجيش اللبناني والارهابيين الذين  ما انفكوا يحاولون إقامة الأمارة في طرابلس منذ زمن بعيد، ولقد حاولوا إعلانها بدون أن ينجحوا. ولكن بالرغم من النجاح الذي حققه الجيش اللبناني، والتبدل في اللغة المستعملة ضده من قبل تيار المستقبل، لكن يبدو أن الحرب على الجيش ما زالت مستمرة، وخاصة حرب الاستنزاف التي يحاول السياسيون إشغال الجيش فيها والتي باتت نوعًا من الخيانة العظمى، حيث أن التسويات والمعارك غير المنتهية باتت على حساب دماء الشهداء الأبطال الذين يسقطون دفاعًا عن الوطن ولحفظ كرامة اللبنانيين.
ومهما تكن بنود التسوية التي حصلت في طرابلس، وأدّت الى ايقاف اطلاق النار وهروب المسلحين أو على الأقل فرار قادتهم، فإن المعركة الطرابلسية غير المنتهية قد يكون لها أسباب عدّة أهمها:
أولاً: إن خروج تيار المستقبل ونوابه بخطاب داعم للجيش اللبناني وللعملية التي يشنّها ضد الارهابيين، بدا وكأنه تصفية حساب داخلية بين تلك الاطراف وداعميها، أو بالأحرى ضوء أخضر سعودي لتقليم أظافر جبهة النصرة التي تعتبر الذراع العسكري للإخوان المسلمين، التابعة سياسيًا وعسكريًا وماليًا للأتراك والقطريين، وهما الحليفتين الطامحتين الى دور اقليمي من بوابة النفوذ الاخواني على حساب النفوذ السعودي.
ثانيًا: كان واضحًا منذ البداية، وخاصة من مواقف وزير العدل أشرف ريفي، باعتباره من الصقور الداعمين لقادة المحاور الطرابلسية، أنه بالرغم من الضوء الأخضر السعودي لعملية الجيش، لكن المستقبل ورعاته الاقليميين، لا يريدون التخلص بشكل نهائي من التهديد الارهابي الذي تشكّله النصرة، بل ما زالوا يطمحون الى الاستفادة منها لفرض واقع عسكري ميداني في لبنان يكون له ارتداداته في سوريا، لكن بشرط أن لا تشعر بفائض قوة بحيث يجعلها تتمرد على الحلفاء وتعتقد بقدرتها على السيطرة على لبنان وإزاحة المستقبل وإضعافه في الشارع السنّي.
ثالثًا: لا تبدو السعودية الآن مستعدة لحسم المعركة السنية السنية في لبنان لصالحها، طالما لم تصل الى تفاهم مع ايران حول التسوية المفترضة في لبنان. الأكيد، أن السعودية تعتبر أن الخطر الاخواني ومتفرعاته العسكرية خطر حقيقي وجدّي عليها وعلى حلفائها، ولكنها ليست مستعدة أن تتخلص منه في لبنان طالما قد يؤدي هذا الى تقوية نفوذ حزب الله. لهذا، لن يكون هناك ضوء أخضر حقيقي وجدّي من قبل تيار المستقبل للجيش اللبناني باقتلاع الارهاب والتخلص منه نهائيًا في لبنان قبل حسم نتائج تقاسم النفوذ بين السعوديين والايرانيين.
رابعًا: يبدو أن جرعة القوة الاضافية التي أعطاها الأميركيون الى قائد الجيش في اجتماع أندروز العسكري، والضوء الأخضر الاميركي للجيش اللبناني بضرب الارهاب، جميعها لم تكفِ لجعل قيادة الجيش تأخذ خيارًا حاسمًا بالضرب من حديد مهما بلغت التكلفة والتضحيات المبذولة، بل عادت الأمور الى ما كانت عليه من خلال القبول بتسوية  بالسماح بفرار الشيخ حبلص من مخبأه على ان يتوارى عن الأنظار تمامًا كما الارهابيين أحمد الأسير وشاكر العبسي قبله، ومن ثم القبول بخديعة "الممر الآمن" لإخراج المدنيين وهو كما يعلم الجيش والجميع، مجرد تعمية على خروج المسلحين من أوكارهم الى مكان آخر في لبنان، لاستكمال ممارسة الارهاب على أبنائه.
في النتيجة، لا يبدو أي من الأميركيين أو السعوديين مستعد للتخلي عن ورقة جبهة النصرة وباقي المجموعات الارهابية في لبنان، والتي تشكّل نوعًا من الضغط على ايران وحزب الله فيه، بما يفيد المفاوضات الدائرة حول الملف النووي، ويريح اسرئيل، ويعطي المستقبل نوعًا من الشعور بالقدرة بموازاة قوة حزب الله العسكرية والتي جعلت ميزان القوى العسكري يميل لصالحه في الداخل.

2014/10/26

عصر الجيوش قادم: أين الجيش التركي؟

د. ليلى نقولا الرحباني
شهد النصف الثاني من القرن العشرين عربيًا، بروز نجم الجيوش العربية وتصدّر الحكم في كل من دول المشرق العربي قادة في الجيوش أدّوا أدوارًا هامّة في فرض الاستقرار في الدول الخارجة للتوّ من الاستعمار الأجنبي، وساهموا في خلق  حاجز صدّ عسكري أمام تمدد الاسلام السياسي في المجتمعات العربية، فمن جمال عبد الناصر الى أنور السادات وحسني مبارك، وحافظ الأسد ومعمر القذافي وغيرهم. والغريب أن الأمر لم يكن مرتبطًا فقط بالدول العربية، بل بالدولة التركية أيضًا، التي حافظ الجيش فيها على العلمانية بالقوة، وحفظ الاستقرار، الى أن سيطر الاسلاميون على الحكم، فقاموا بزعامة أردوغان بتحجيم دور الجيش والسيطرة عليه، والانقلاب على قياداته والزجّ بهم في السجون.
وفي هجمة مرتدّة - مماثلة للانقلاب التركي على الجيش- من قبل قوى الاسلام السياسي في العالم العربي، حصلت على أثر موجات ما سمي الربيع العربي، يُلاحظ أن الاسلاميون في العالم العربي صوّبوا بشكل رئيسي ومباشر على الجيوش العربية التي اعتبروا أن لهم ثأر قديم معها وحاجة لتفتييتها ليتسنى لهم الحكم، وأدّوا بذلك خدمة كبرى للمشروع الاسرائيلي في المنطقة. فنلاحظ أن الأميركيين - في وقت مبكر وقبل الربيع- قاموا بحلّ الجيش العراقي، الذي كان يُعتبر من أقوى الجيوش العربية وأكثرها تهديدًا لاسرائيل، ثم صوّب الإخوان المسلمين في مصر نارهم الى الجيش المصري، وأغرق الجيش السوري بحرب داخلية وارهاب يتنقل بين مناطق سوريا كافة، ويتعرض الجيش اللبناني بشكل يومي الى عمليات ارهابية ومكائد سياسية، تحاول فرطه أو هزمه أمام الارهاب.
والآن، وبعد أن تبين ان الارهاب بات يهدد الدول العربية والغربية التي رعته ومولته، وبدأت العمليات الارهابية في اوروبا وكندا من قبل داعمي "الثوار" السوريين الذين تغنّى بهم الاوروبيون والغرب باعتبارهم "دعاة الحرية والديمقراطية" في العالم العربي، عاد الأميركيون للأقتناع بأنه لا حلّ لضبط الارهاب والحدّ من حركته الا بإعادة الاعتبار للجيوش لمحاربة الارهاب.
وانطلاقًا من هذا الاقتناع، أعطي الضوء الأخضر لكل من الجيش العراقي والسوري والمصري واللبناني لمكافحة الارهاب، فعقدت واشنطن إجتماعًا تنسيقيًا لقادة الجيوش المشاركة في التحالف الدولي ضد الارهاب، وهنا تطرح بعض التساؤلات نفسها:
- إذا كانت المرحلة القادمة هي عصر الجيوش بامتياز وهي التي ستحمي الدول من الانهيار والتفتت، فكيف يمكن أن تنجو تركيا من كل هذه التهديدات المنتشرة في المنطقة، في ظل استمرار حزب العدالة والتنمية بتحجيم الجيش التركي، وآخرها قرار الحكومة لربط قيادة قوات الدرك (الجندرمة) وقيادة سلاح خفر السواحل بوزارة الداخلية، ووضعها تحت سيطرة السلطة السياسية لحزب العدالة والتنمية؟.
- ما الذي يمنع من أن ينقلب الارهاب على مموليه ومشغليه وداعميه الاتراك، وتتعرض تركيا لمثل ما تعرضت له السعودية بعد اجتياح الاميركيين للعراق، حيث عانت السعودية من ارهاب وعمليات انتحارية امتدت من عام 2003 ولغاية 2009؟
- كيف يمكن لتركيا، أن تواجه الاخطار الداخلية المتأتية من وجود اللاجئين السوريين، وتمرد الأكراد، ووجود بيئات تركية داعمة لداعش، بالاضافة الى انفلات الامن في المناطق الحدودية مع سوريا، بسبب قرار الحكومة التركية التسهيل للمقاتلين والسلاح بالتحشد فيها للمرور الى سوريا لقتال الجيش السوري؟
 كل هذه الاسئلة، تدفع الى القول بأن عصر الجيوش القادم لمحاربة الارهاب، سيبقي تركيا خارجه، ولا شكّ أن إضعاف الدولة التركية باضعاف جيشها لن يكون بدون ثمن سياسي وأمني قد يعيد رسم خريطة تركيا الجغرافية التي حافظ عليها أتاتورك في بداية القرن العشرين، فهل ينقلب السحر على الساحر التركي؟

2014/10/22

هل يلتهم الوحش تيار المستقبل؟


د. ليلى نقولا الرحباني
الخميس 22 - تشرين الأوّل - 2014
لم يكد الرئيس سعد الحريري يخرج من روما، منتقداً مَن يهاجم الجيش اللبناني، ويعتبر أن مهمة "تيار المستقبل" القادمة هي محاربة من يحارب الجيش اللبناني، مؤكداً "حتى لو كان منا من يهاجم الجيش اللبناني فسنحاربه.."، حتى خرج الوزير نهاد المشنوق بخطاب عالي المستوى أعاد تحريك عجلة التشنج السياسي الداخلي، بعد فترة من الركود الذي فرضته ظروف المعركة مع الإرهاب.
بغض النظر عن الدوافع والاعتبارات التي أملت على المشنوق هذا الكلام غير المتوقَّع، وهو الذي عُرف عنه فصل المشاعر الخاصة، أي الحقد على حزب الله، عن المصلحة العامة التي فرضت التنسيق مع الحزب والتعاون معه في المواضيع الأمنية الداخلية، وفي مسألة بلدة الطفيل تحديداً، إلا أن الخطابات المتباينة بين كل من نواب ووزراء "تيار المستقبل"، وبين بعضهم والنائب سعد الحريري، وبين الكتلة وسعد نفسه، تشير إلى أحد الاحتمالات الآتية:
الاحتمال الأول: أن يكون ما يحصل هو نوع من الخطة المرسومة بتوزيع الأدوار داخل "التيار"، فيقوم الصقور بشحن الخطاب المذهبي للحفاظ على الشارع السُّني الذي تمّت تعبئته وشحنه مذهبياً على مدى سنوات عدّة منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري ولغاية الآن، بينما يتكفّل البعض الآخر بمهمة مدّ اليد إلى الأطراف الداخلية، وذلك حفاظاً على مغانم السلطة، حيث يُدرك "المستقبل" وغيره من الأطراف الداخلية أنه لا بد من قبول مبدأ المشاركة، وأن لا أحد يستطيع أن يُلغي الطرف الآخر، وأن الطرف الذي يريد التشارك في السلطة ومغانمها محكوم عليه بحدٍّ أدنى من التوافق مع الفرقاء الآخرين.
الاحتمال الثاني: أن يكون ما يجري داخل "تيار المستقبل" هو نوع من صراع المحاور داخل "التيار"، فالخطابات المرتفعة السقف والحادة النبرة التي تأتي مباشرة بعد خطابات سعد الحريري، خصوصاً تلك التي تصوّب على الجيش اللبناني وتحرّض ضده، قد يكون هدفها التصويب على الحريري نفسه قبل أن يكون على الجيش اللبناني، باعتبار أن الحريري - ومن منطلق خلفيته العائلية والثقافية والسياسية - لا يستطيع أن يواكب الخطابات الشعبوية التحريضية المذهبية، وهذا يجعله خاسراً شعبياً، وهذا ما شهدناه من خلال اليافطات التي تمّ تعليقها، والتي انتقدت عودة سعد إلى لبنان والمساعدات التي قدمها إلى عرسال.
إن صحّ هذا السيناريو، فيكون ما يجري داخل "تيار المستقبل" وهذا التحريض المستمر ضد الجيش وهذا الدفع نحو فتنة مذهبية يتعهدها بعض نواب "المستقبل" ومسؤوليه، من أهدافه أيضاً قطع الطريق أمام رئيس "تيار المستقبل" للعودة إلى لبنان بزخم واستعادة ما خسره في الفترة الماضية خلال منفاه الاختياري.
الاحتمال الثالث: أن يكون "تيار المستقبل" - بحكم ارتباطه الخارجي والعضوي بالمملكة العربية السعودية - يربط وقع خطاباته بالحرب الدائرة في سورية، والتي تتدخل فيها المملكة من الباب العريض لإسقاط بشار الأسد، كما بالصراع الإقليمي بين السعودية وإيران، فحين يخفّ وقع التشنج يجد "تيار المستقبل" نفسه مضطراً لمواكبة الانفتاح بين الطرفين، وحين تتأزم العلاقات يرقص نواب "التيار" على الإيقاع السعودي.
الذي يدفع إلى هذا الاعتقاد بهذا الاحتمال إصدار وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل تصريحات متباينة بخصوص العلاقة مع إيران في أقل من شهر، فمن خطاب "التعلُّم من أخطاء الماضي وفتح صفحة جديدة مع إيران"، إلى خطاب "إيران جزء من المشكلة في المنطقة وليس من الحل"، يجد نواب "تيار المستقبل" أنفسهم أمام حالة مماثلة من الخطاب المتناقض، ربطاً بخطابات السعوديين أنفسهم.
والنتيجة أنه لا يمكن الجزم بأن أي احتمال هو الأكيد، وقد تكون الاحتمالات الثلاث موجودة ومتشابكلة، وهي التي تدفع "تيار المستقبل" إلى هذه السياسة المتناقضة شكلاً، مع العلم أن "المستقبل" يبدو في موقف لا يُحسد عليه ضمن بيئته، خصوصاً أن الإرهاب الذي يكبر يوماً بعد يوم في كل من عرسال وطرابلس وعكار وغيرها من المناطق السُّنية بات يشكلاً خطراً وجودياً على "تيار المستقبل"؛ تماماً كما يشكّل تهديداً للآخرين، فالوحش المذهبي الذي رعاه "المستقبل" وأعلن أنه ماردٌ استفاق ولن ينام بعد الآن، سيرتدّ على "المستقبل" لالتهامه قبل أن يحاول عضّ الآخرين.

طيران سوري معارض أو حرب نفسية؟


د. ليلى نقولا الرحباني
19 - تشرين الأوّل - 2014
انتشرت التصريحات الأميركية المعلنة عن البدء باختيار أفراد من المعارضة السورية "المعتدلة" للبدء بتدريبهم في السعودية، ليشكّلوا "الجيش" الذي سيكون من مهمته القضاء على داعش والجيش السوري معًا.
واقعيًا، أن رقم "الخمسة آلاف" الذي تمّ الحديث عنه، يبدو متواضعًا جدًا بالنسبة لحجم المهمة الموكلة إليه، وبالنسبة لحجم المساحة الجغرافية المفترض أن هذه المعارضة السورية ستضطلع بالقتال فيها والانتصار على داعش في المرحلة الاولى، وتأمين حمايتها لئلا تسقط من جديد، ثم الانتقال بعد ذلك لقتال الجيش السوري واسقاط بشار الاسد. ثم إن هذا العدد المتواضع مفترض به أن يقاتل الجيش السوري الذي يبلغ عديده مئات الالاف من العسكريين، علمًا أن الاتكال على انشقاقات جديدة في ذلك الجيش والالتحاق بهذه المعارضة "المعتدلة" الأميركية، تبدو صعبة، لأسباب عدّة أهمها:
- إن الانشقاقات التي حصلت في الجيش في أوّج الثورة، قد طهرته تقريبًا من العناصر التي كان من السهولة الايقاع بها باغراءات مادية، أو بتحريض مذهبي، أو بدافع انتقامي أو غيرها.
- إن مسار المعركة في سوريا خاصة في مناطق المعارضة بات يأخذ منحى تدميريًا، ولقد استعاد الجيش السوري المبادرة، وبات الواقع الميداني مختلفًا، بحيث إن اي دعوة للانشقاق ستدفع الراغبين بها الى التفكير مليًا قبل تنفيذها، فلقد شاهد السوريون بأمّ العين، ماذا حصل للمنشقين السابقين، وأين أصبحوا، وكيف تمّ بيعهم وشراؤهم في سوق المصالح الدولية.
- إن الاتكال على العشائر السورية للإنضمام الى هذا الجيش المتواضع، ورفده بقوات اضافية تضاف الى الخمسة آلاف المنوي اختيارها، دونه عقبات عديدة، إذ يلزمه ثقة كبرى بأنه يستطيع أن يفرض واقعًا جديدًا، وبأنه لن يتشظى كما حصل مع الجيش الحر سابقًا، وإلا ستتردد جميع العشائر في الانضمام اليه، إما خوفًا من انتقام داعش والنظام السوري معًا، أو لخشية من أن يتخلى عنهم الغرب بعد أن يحقق مصالحه أو يقتنع بفشل الخطة.
وبالتزامن عن الحديث عن بدء اختيار المعتدلين لتدريبهم، بدأت التسريبات الأميركية بأن الولايات المتحدة تقوم بتدريب "طيارين من دول الشرق الاوسط" واعدادهم كنواة سلاح جوي مقاتل يتخذ مهامه في الاراضي السورية التي تستطيع المعارضة التحرك فيها بحرية خارج سيطرة الدولة.
وفي النتيجة، وبغض النظر عن صحة هذه الأخبار حول تدريب الطيارين، والأخبار التي تتحدث عن امتلاك داعش لطيران استخدمه فوق حلب، لكن الاخراج الذي تمت به توحي بأن هذه التسريبات هي نوع من الدعاية السياسية للحلف الدولي بعد أن تبين أن النتائج المتحققة على الارض بالنسبة لداعش هي صفر، كما تبدو نوعًا من الحرب النفسية التي يمارسها الأميركيون على الأصدقاء والحلفاء والأعداء معًا. إن هذه التسريبات، تأتي للإشارة الى أن الولايات المتحدة جادّة في تدريب المعارضة السورية ولم تتخلَ عن هدف اسقاط بشار الاسد بالتوازي مع الانتصار على داعش، كما تهدف الى إرسال رسائل سياسية، بأن الأميركيين سيتخلون في مرحلة لاحقة عن الطيارين المستخدمين من الدول العربية باستخدام طيارين سوريين وعراقيين، كما للايحاء بأن المعركة بين المعارضة والنظام السوري ستتخذ في المستقبل منحى آخر، بعد أن يتم كسر احتكار النظام السوري لاستخدام الطيران المقاتل... ولكن، واقعيًا، هل يمكن الانتصار في هذه الحرب الكبرى بدعاية سياسية وحرب نفسية فقط، وهل سيستمر مفعولها وقتًا أطول مما استمر مفعول التهويل بالضربات الجوية ضد داعش؟، لننتظر ونرى.