2011/04/27

لهذه الأسباب سقطت "الثورة" في سورية

فرض النظام السوري واقعًا جديدًا بإحلال الأمن، بعدما فلتت زمام الأمور لفترة طويلة، وقامت مجموعات مسلحة بعمليات قتل وقنص ضد المواطنين وقوى الأمن، واعتداءات طالت الجيش السوري، وعشرات المواطنين، وعدداً لا يستهان به من المرافق العامة والخاصة.
هكذا حسمت الدولة السورية الأمر لصالحها على الأرض، وفقاً لما يستجيب للشرائح الأساسية من الشعب، وقد ساعدها على ذلك ما يلي:
 
أولاً: ظهور السلاح بشكل كثيف، وانتشار القناصة على السطوح، ودفع "الثورة" نحو أعمال إجرامية تجلت في قتل ضباط الجيش السوري، والتمثيل بجثث الضحايا، الأمر الذي تدينه جميع الديانات السماوية والشرائع والمواثيق الدولية، ويحظره القانون الدولي الإنساني.. وهنا، كان القتل الذي مورس على الأرض تشويهًا لكل ما أتت به شعارات "الثورة"، من إصلاح وحرية وكرامة.. 

الشعب السوري ينشد الإصلاح والحرية من دون شك، ويريد أن ينتقل إلى دولة عصرية شفافة فيها جميع معايير المواطنية التامة، وحقوق الإنسان، ومكافحة الفساد، لكنه لا يريد لأمنه أن يهتز، ولا لاستقراره أن يكون عرضة لخضّات أمنية، ولا يريد بطبيعة الحال أن ينخرط في حرب أهلية، لن تؤدي إلا إلى تدمير البلد وتقسيمه. 

ثانياً: الخطوات الإصلاحية التي قام بها الرئيس بشار الأسد، والتي أسقطت من يد هؤلاء جميع الذرائع الإصلاحية، وساهمت في إيجاد شرخ بينهم وبين الإصلاحيين الحقيقيين في البلاد. والسؤال الذي يتبدى للمراقب: هل الإصلاح ومكافحة الفساد هما مطلب حقيقي يراد تنفيذهما، أم مجرد شعار لتحقيق أهداف أخرى؟ وإن كان الهدف هو الإطاحة بالنظام الذي حكم سورية لمدة عقود، فلماذا لم يلجأ هؤلاء إلى نفس الأساليب اللاعنفية التي اعتمدها الشعبان التونسي والمصري، واستطاعت أن تصنع ما كان يُعتقد أنه من "المعجزات"، أم أنهم خشوا انكشاف حجمهم الشعبي، فمارسوا العنف بدلاً من المظاهرات السلمية؟
 
ثالثاً: خطاب الفتنة المذهبية الذي ساقه عدد من رجال الدين، الذين ساهموا في تأجيج الاحتجاجات، وبروز مشروع الإمارات السلفية، جعل فئات الشعب السوري كافة تخشى نجاح المخطط الإسرائيلي الذي كشفته الوثائق بالدفع نحو تقسيم سورية إلى دول أربع، ونجاح هذا المخطط سيجعل الدولة والشعب السوري خاسرين، وحتى الفئات الطائفية الكبرى في سورية ستكون خاسرة من دون شك.
 
رابعاً: يخشى السوريون تحول بلدهم إلى عراق آخر، وبلا شك ما زالت مشاهد العنف الطائفي الدموي وفظاعاته في العراق ولبنان خلال الحرب الأهلية ماثلة أمام أعين السوريين، كما أن السوريين يدركون أكثر من غيرهم نتائج "الديمقراطية" الأميركية في العراق، التي قتلت شعبه واستباحت ثرواته وهجّرت ما لا يقل عن مليوني عراقي من مختلف الفئات، والتي كان لسورية النصيب الأكبر من المهجرين.
 
خامساً: الخوف من مصير ليبي، وخشية الشعب السوري من أن يكون ما يقوم به هؤلاء هو استدراج للتدخل الأجنبي لاحتلال وقصف سورية؛ كما حصل في ليبيا، ويكون ثمرة "الاصلاح" المنشود، احتلال أجنبي يستبيح البلاد ويغرقها في التخلف والجهل، ويعيش على إذكاء الخلافات الدائمة بين أبناء الشعب الواحد.
 
سادساً: خشية السوريين المسيحيين من مصير يشابه مصير مسيحيي العراق، الذين تآمرت عليهم القوى الدولية بالتعاون مع القوى الظلامية، فاستباحتهم واستباحت دماءهم وكنائسهم ومقدساتهم، وحولتهم إلى دياسبورا، تشبه الدياسبورا اليهودية التي تشتت في أقاصي الأرض.
 
سابعاً: لا يعوّل السوريون كثيراً على مواقف الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية المعروفة بمقايضتها الدائمة على حقوق الإنسان من أجل مصالحها، وما الحديث الأميركي عن ضغط على الرئيس الأسد ومطالبته بتغيير سلوكه، إلا انكشاف لزيف الادعاءات الإصلاحية، فما يطلبه الأميركيون - حسب ما أعلنوا - هو تغيير سلوك النظام من المقاومة في لبنان، وفك تحالفه مع إيران، والذي سيؤدي بشكل غير مباشر إلى توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل، وهي مطالب أثبتت أنها ضد الوجدان الشعبي السوري.
 
ثامناً: بالنسبة إلى الدول الإقليمية والعربية، وعى السوريون أن لا مصلحة للدول العربية في إظهار سورية منتصرة في خياراتها الاستراتيجية في العداء لإسرائيل، وأنهم يكنون العداء للنظام السوري منذ انتصار لبنان ضد إسرائيل خلال عدوان تموز 2006، وظهور سورية كشريك أساسي في النصر المحقق ضد العدو الإسرائيلي.. لذلك كان التحريض الإعلامي والسياسي المكشوف ضدهم. 

أما تركيا، فقد استفزت الشعب السوري بمواقف "تطلب" فيها و"تدعو" و"تأمر".. بمشهد يعيد إلى الأذهان طلبات الباب العالي من "الولاة" الخاضعين لحكمه.. لا يمكن أن يُصرف التهويل التركي عند الشعب السوري، الذي يعرف أن تركيا التي تتصرف كدولة عظمى "مفترضة" وتتدخل في الشؤون الداخلية لسورية، لم تستطع أن تحصل على مجرد اعتذار من إسرائيل على قتلها مواطنيها العزّل في سفينة مرمرة، ولم تمنح مواطنيها الأكراد أبسط حقوقهم المواطنية المشروعة.
 
في علم العلاقات الدولية، يُعرف أن النظرية لا تشبه الواقع الدولي، فبينما ينص ميثاق الأمم المتحدة على حظر التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، واحترام سيادتها، تقوم الدول الكبرى بتدخلات لا حصر لها في شؤون الدول الأخرى الأضعف، وتستغل الدول الكبرى بشكل دائم أي تحركات شعبية أو اختلال أمني في بلد من البلدان للتدخل في شؤونه، خصوصاً إذا كانت حكومة الدولة المستهدفة ضعيفة، أو تمّ إضعافها من خلال افتعال مشكلات داخلية وتغذية النزاعات في البلد المعني.. وتطبيقاً للحالة السورية على هذا الواقع الدولي، وفي ظل الخيار الأمني الذي قام به الجيش السوري في الداخل، والذي أظهر فيه ولاء لقيادته وحرصاً على الأمن والاستقرار وقدرة على فرضهما، يظهر أن النظام السوري يملك من القوة الفاعلة داخلياً، والاوراق الاستراتيجية خارجياً، ما يجعل من قدرة الدول الكبرى على كسر إرادته صعبة ومكلفة جداً.
•·       أستاذة مادة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية

2011/04/21

هل تخرج الرئاسة الاولى الى دور الحَكم؟

بغض النظر عن نتائجه السياسية التي تحتاج الى أكثر بكثير من لقاء صلاة وحوار في بكركي، كان اللقاء الذي عُقد بين السياسيين المسيحيين بدعوة من البطريرك الماروني بشارة الراعي خطوة جيدة في مسيرة الالف ميل، التي قد لا تنتهي في مدى منظور أو قريب.

ومهما تكن النتائج المباشرة وغير المباشرة لذلك اللقاء، يمكن القول أن مجرد اللقاء يجعل من البطريرك الراعي ومن البطريركية المارونية بالتحديد، تضطلع بدور مختلف يرسم لمرحلة ما بعد البطريرك صفير ويحتوي تداعياتها ويحاول أن يؤسس لمرحلة جديدة من العلاقة الافضل بين بكركي وجزء كبير من مسيحيي لبنان بشكل خاص والمشرق بشكل عام، كما ومسلميه ايضًا.

ما يحاول ان يقوم به الراعي من حركة انفتاحية تحت شعار شركة ومحبة، واللقاءات السياسية التي يعتزم القيام بها، تبدو ضرورة وحاجة وطنية ومسيحية في زمن يعيش فيه المسيحيون المشرقيون ما يمكن ان يُعتبر أخطر فترة في تاريخهم الحديث. فما كان يُحكى عن ترحيل للمسيحيين في البواخر في السبعينيات، وما قيل يومها أنه نوع من نظريات المؤامرة المختلقة، بات اليوم يقينًا. فها هم المسيحيون في العراق يتعرضون لأسوأ أنواع الاضطهاد ومحاولات الترحيل الجماعية القسرية، وها هي فلسطين تفرّغ من مسيحييها، ناهيك عما حصل في مصر وسواها. وهكذا، يحتاج هذا الخطر الداهم على المسيحيين الى دور جامع تقوم به مؤسساتهم الدينية والزمينة وخاصة في لبنان، الامر الذي لم يستطع أن يفعله كل من البطريرك صفير والرئيس ميشال سليمان، باعتبار الاول كان المسؤول الروحي عن موارنة انطاكيا وسائر المشرق، والثاني يمثل أعلى سلطة سياسية خصصت للمسيحيين في لبنان.

سابقًا، لم تستطع المرجعيتان أن تكونا على مستوى التحدي والخطر الذي يعيشه المسيحيون في المشرق، واذا كان البطريرك الجديد يحاول أن يلعب دور الراعي ويفتح صفحة جديدة تؤسس لعهد ما بعد البطريرك صفير وتزيل تداعيات انحيازه الى فريق سياسي معين، لا بل انخراطه كليًا في المشروع الاميركي في المنطقة، فإن دور رئاسة الجمهورية اللبنانية الحالية ما زالت ترتسم حوله الكثير من علامات الاستفهام.

بلا شك إن موقع رئاسة الجمهورية هو موقع وطني لجميع اللبنانين، أو هكذا يفترض ان يكون. ولكن، شئنا أم أبينا، فالرئاسة الاولى تمثل الدور المسيحي في النظام الطائفي اللبناني، وعليه، إن رئيس الجمهورية اللبنانية مدعو دائمًا لتحمل مسؤوليات دوره الجامع كضامن للوحدة وخاصة في زمن الازمات الوطنية والاقليمية التي ترخي بنتائجها على الوطن اللبناني، وهذا ما لا يظهر بوضوح أن سليمان مدركه.

لا يبدو الرئيس ميشال سليمان مدرك أن اتفاق الدوحة الذي أتى به، والطائف الذي تحوّل دستورًا للبلاد في التسعينيات لا يسمح له بالأحلام التي تراوده، بل تفرض عليه الالتزام بدور الحكم الوفاقي المحافظ على التوازن الهش في البلاد وهو ما يتطلع اليه الافرقاء السياسيين للعبه.

لقد تمخض اتفاق الدوحة الذى أتى كتسوية مقبولة بعد تبدل ميزان القوى في 7 أيار 2008، عن انتخاب قائد الجيش ميشال سليمان رئيسًا للجمهورية متعهدًا بلعب دور الحكم الضامن، على ألا ينخرط في المحاور المتقابلة. وعليه، كان من الممكن لرئيس الجمهورية ان يتنصل من التنازلات والوعود السابقة التي قدمها للأميركيين وبالتحديد للسفير الاميركي جيفري فيلتمان للقبول به مرشحًا لرئاسة الجمهورية، فيخرج من الصراع الدائر وينأى بنفسه عن المحاور.

لكن "الهدية" التي قدمها له حزب الله- كما ورد في وثيقة ويكليكس- لم تشبع نهم الرئيس للسلطة، بل كان يريد من المقاومة ان تمده بكتلة نيابية وازنة، تسمح له بمواجهة العماد عون ومنافسة تكتل التغيير والاصلاح. وعندما لم تطابق حسابات بيدر سليمان حسابات الحقل السياسي اللبناني، ولم يستطع فن الاقناع والاغواء الذي مارسه سليمان مع فيلتمان، في النجاح مع المقاومة بابعادها عن العماد عون، قرر سليمان أن "يحارب المقاومة حتى النهاية" كما ورد في نفس الوثيقة.

وهكذا دخل سليمان كما سبق للبطريرك صفير أن فعل قبله، الى طرف في الصراع الدائر، يحاول فرض نفسه لاعبًا سياسيًا رئيسيًا على الساحة المسيحية، معاديًا بذلك التيار الاقوى على تلك الساحة. ولعل الاثنان اقتنعا بما كان روّجه فيلتمان ووكلائه من شعار"عونيون بلا عون".

اليوم، لا يبدو أن الرئيس سليمان درس تجربة البطريرك صفير جيدًا، فقد وضع الرجلان نفسيهما في مواجهة الغالبية العظمى من المسيحيين، وانخرطً كل منهما بحسب موقعه في المحور المعادي للمقاومة، يسعى لأن يقتطع من حصة العماد عون والتيار الوطني الحر النيابية. لكن صفير انهى حياته السياسية مقدمًا استقالته، بعدما أتعب نفسه وبكركي بوضعها رأس حربة في المشروع الاميركي، جاعلاً من نفسه عروبيًا عندما يريد مهاجمة ايران، وغربيًا في مواجهة سوريا، ومسيحيًا في مواجهة المسلمين، وأميركيًا في مواجهة المقاومة....

في تقييم تجربة الرجلين، نجد أنه:

- شعبيًا، لم يستطع لا سليمان ولا صفير أن يحصلا على تأييد مسيحي ينافسون به التيار الوطني الحر، بسبب تاريخ من النضال والصدقية والرؤيوية تحلى بها العماد عون. ولأن خيارات المسيحيين اللبنانيين وتجربتهم أثبتت فشل الرهانات على الخارج، كما أثبتت خطورة الاتكال على الغرب والاميركيين. وايقن المسيحيون أن لا مفر لهم من العيش مع اخوانهم المسلمين في هذا الشرق، وإن الانفتاح على المشرق والتجذر فيه هو الحل الوحيد والانسب لمشاكلهم المتراكمة والمتوارثة منذ عقود.

- سياسيًا، لم يستطع أي منهما فرض نفسه لاعبًا حقيقيًا لا على الساحة الوطنية ولا على الساحة المسيحية. فقد تخلوا طوعًا عن دور الحَكم المنوط بهما الاضطلاع به، بالمقابل ان المحور الذي انخرطا به له قادته ومحرّكيه ولن يسمح لهما بدور قيادي فاعل فيه، وما الآمال التي بنياها بمنافسة ما على الساحة المقابلة الا من نتاج أوهام فيلتمان المستمرة لغاية اليوم.

في المحصلة، كان بامكان رئيس الجمهورية أن يحصل على الصورة الجامعة التي رآها اللبنانيون في بكركي، لكن خيارات الرئيس، وتعطيل البلد الذي يمارسه طمعًا في مقاعد وزراية بالاضافة الى التمحور الذي أدخل نفسه فيه، جعل موقع الحَكم في حالة فراغ، والطبيعة تكره الفراغ...

2011/04/15

التضامن مع المعتقلات البحرينيات

أقيم في فندق الماريوت في بيروت، مهرجان تضامني نسائي مع المعتقلات البحرينيات، وقد ألقت ليلى نقولا الرحباني الكلمة التالية:


السلام عليكن

لا أدري يا أخواتي.. هل مطلوب منا اليوم في هذا اللقاء أن نبكي وننوح؟ أو أن نصيغ عباراتٍ تثير الشفقة والبكاء على البطلات المعتقلات في السجون تعسفًا؟

هل مطلوب منا أن نراهن على ضمير حكام استبدوا، وعلى قليل من مروءة لم يتملكها حكام هذا الزمان؟

هل مطلوب منا هنا أن نطلب رحمة ممن غلظت قلوبهم واسودّت أفئدتهم وفُقدت لديهم الرحمة؟

لا ... هذا لن ينفع...

ماذا نفعل؟

أنتحدث عن الاعلان العالمي لحقوق الانسان؟ أنذكّر العالم بأن هذا الاعلان في مادته التاسعة يقول: "لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفًا"؟.

أنذكّرهم بأن ما قاموا به من اعتقال للنساء في البحرين، هو اعتقال تعسفي تدينه جميع الشرائع السماوية والقوانين والمواثيق الدولية؟

هل نخبرهم بأن الحق في الحرية هو حجر الزاوية في اعلان أدرجت فيه حقوق الانسان الاساسية، وبدون هذه الحق تسقط جميع الحقوق الانسانية الاخرى؟

أنعلّمهم بأن هناك حقًا عالميًا كفلته المواثيق الدولية موضوعه حق التعبيرعن الرأي والتظاهر؟

من سنخاطب بهذا المنطق؟

أنخاطب ضمير الأمم؟ أنخاطب دولاً تحاضر فينا بنظريات حقوق الانسان وحرياته الاساسية والديمقراطية، وتنتهكها على مذابح مصالحها كل يوم؟

أم نخاطب حطام سلطةٍ داستها الاقدام في ميدان اللؤلؤة وعرّتها وكشفت شرعيتها؟

لا – لا يا أخواتي

لن اقف هنا لأطلب رحمة بالاسيرات من حكام جائرين،

ولا لأطلب شفقة، ولا لاستجدي عطفًا على المعتقلات البطلات

لن أخاطب حاكمًا ولن استعطف متجبرًا

ولن أناشد مجتمعًا دوليًا، يصم آذانه عن صرخات المظلومين والمظلومات

لا – لن اقوم بذلك

بل سأخاطب تلك البطلات وراء القبضان

واقول لهن:

السلام عليكن ولكنّ ايتها الصابرات

السلام لكنّ من لبنان

من قلعة المقاومة الصامدة التي هزت عروش المستكبرين

السلام عليكن من لبنان

من وطن انكسرعلى أبوابه جميع الغزاة

السلام لكنّ وعليكن أيتها البطلات

ارفعن رؤوسكن- فانتن وراء القبضان أكثر حرية من حكام هذا الزمان

أنتنّ في المعتقلات رافعات الرؤوس شامخات بينما رؤوسهم مطأطأة ذليلة

أنتن كرامة الشعب الثائر في البحرين، الذي أحييه وأقول له:

خسرت معركة ولكن الحرب لم تنتهِ

خسرت معركة الاصلاح... هي خسارة دون ندم وذلٌ للرابحين.

2011/04/14

الحريري والرسائل الفاشلة.. سقوط "لبنان أولاً"

منذ الانقسام الذي شهدته الساحة اللبنانية عام 2005 وما تلاها، استفاض “المستقبل” وحلفاؤه في طرح شعارات جذابة، مصنّفين أنفسهم من فئة "الاستقلاليين السياديين" الداعين إلى تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية التي لا يقوى على تحمل تبعاتها، ومتهمين المعارضة السابقة بزجّ لبنان بمحاور إقليمية، وأنها تنفذ أجندة خارجية، وهكذا كان طرحهم عنوان “لبنان أولاً”، والذي أرادوا له أن يعني كل هذه الشعارات الرنانة.

لكن مسار الأحداث، وما يتكشف في وثائق “ويكليكس” يوماً بعد آخر، يشير إلى أن الشعار المطروح لم يكن يوماً مطابقاً للأفعال التي يقوم بها “المستقبل” وحلفاؤه، بل يأتي مجافياً لمسيرتهم السياسية؛ منذ نشأتها وحتى اليوم.

يمكن للمراقب الموضوعي أن يرصد العديد من المحطات القريبة والبعيدة الدالة على ذلك، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، الخطاب الهجومي الذي تبرّع به رئيس حكومة تصريف الأعمال؛ سعد الحريري، ضد إيران، مستدرجاً بذلك لبنان إلى ساحة الصراعات والمحاور الإقليمية، خدمة لمصالح بعيدة كل البعد عن الاعتبارات اللبنانية ومصالح اللبنانيين، الذين ساعدتهم إيران ووقفت إلى جانبهم في أحلك الظروف وأصعبها، وأهمها مرحلة إعمار ما بعد حرب تموز 2006.
ثم كيف تتطابق شعارات “المستقبل” وحلفائه أيضاً مع ما يقومون به ضد سورية، وهم على مدى سنوات ست، ملؤوا الشاشات إعلانات حول "وجوب إقامة علاقات ندية بين لبنان وسورية"، واحترام سيادة كل من البلدين، وعدم التدخل السوري في الشؤون اللبنانية؟! كيف هذا والتدخل اللبناني في الشؤون السورية فُتح على مصراعيه خلال الأحداث الأخيرة التي تحصل في سورية، وإن لم يكن التدخل الحريري بالمال والسلاح، كما تقول التحقيقات السورية وينكر هؤلاء، فعلى الأقل من خلال التحريض الإعلامي المفضوح ضد النظام السوري الذي تشهده المحطات الإعلامية الموالية لـ”المستقبل” وحلفائه، وجميع مواقعهم الإلكترونية، وعلى صفحات “الفيسبوك”، بالإضافة إلى ما كشفته الاعترافات التي بثها التلفزيون السوري لثلاثة من المتورطين، والتي تشير إلى دور أساسي لعضو كتلة “المستقبل”؛ جمال الجراح، في مدّ الإرهابيين والمخربين داخل سورية بالمال والسلاح.

من دون شك، لم يظهر الحريري وحلفاؤه سياديين أبداً في وثائق “ويكيليكس”، التي استدعوا فيها الإسرائيلي لاحتلال لبنان، ولا في النصائح التي قدموها للإدارة الأميركية وللإسرائيليين؛ خلال الحرب وما قبلها وما بعدها، ولا يبدو الحريري كذلك في الرسائل التي طُلب منه توجيهها إلى الخارج والداخل عبر البوابة اللبنانية، وحيث تبرع الحريري مجدداً، كما قام خلال السنوات الماضية منذ مقتل والده، في جعل لبنان ميداناً تتبادل فيه الأطراف الإقليمية والدولية رسائلها بالواسطة، وساحة إلهاء يستخدمها الأميركيون للإلهاء عما يحصل في المنطقة.

واليوم، كما في السابق، يبدو أن هناك استحقاقات أميركية تحتاج إلى دخان هنا، وفي أماكن متفرقة في الإقليم للتعمية عليها، خصوصاً التعمية على تنفيذ الثورة المضادة التي يقومون بها.

أما أهم الاستحقاقات الأساسية في المنطقة التي تستلزم التغطية، فهي:

- الاستحقاق الأول في ليبيا، وما يقوم به حلف شمال الأطلسي من قصف للمدنيين والثوار وقوات القذافي معاً، واعتماد استراتيجيات تظهر أن هناك مخططَاً ما أو خريطة طريق تنفذ قد تؤدي إلى تقسيم ليبيا بين القذافي والثوار.

- الثاني في العراق، وما يقوم به الأميركيون من ضغوط على المسؤولين العراقيين لطلب تمديد بقاء قسم من جنودهم إلى ما بعد نفاذ الاتفاقية الأمنية العراقية الأميركية، التي تنهي الاحتلال العسكري الأميركي في كانون الأول 2011.

 
- الاستحقاق الثالث، ما يحصل في الخليج، والتدخل العسكري الذي حصل في البحرين، وازدواجية المعايير الدولية والعربية في التعامل مع الثورات الشعبية، وتحويل الأنظار عما يجري من خلال اتهام إيران بالضلوع في أحداث البحرين، التي لم يثبت أي مؤشر لعلاقة الإيرانيين بها حتى الآن.

تريد أميركا الإلهاء عن هذه الأحداث والثورة المضادة التي تقوم بها في المجتمعات العربية الثائرة، من خلال إثارة الفوضى في المنطقة، وتقويض الاستقرار في سورية، من خلال العصابات المتنقلة التي تروّع المواطنين وتخلّ بالأمن، ولا شك أن هناك مبررات كثيرة تجعل أميركا تراهن على النجاح في خطتها للثورة المضادة لثورة الشعوب في العالم العربي، منها وجود عملاء لها في الحكم في معظم الدول العربية، وأيضاً وجود دول عربية كبرى تطوعت لإنجاح الخطة بكل ما لديها من قدرات إعلامية تعمل ليل نهار، أو من خلال الحركة السياسية، أو الدعم الميداني اللوجستي من خلال الإمداد بالسلاح والتجهيزات والمال.

لكن، أين الحريري الشاب من كل هذا في خطابه التصعيدي ضد إيران، وحركته السياسية المستمرة، هو وحلفائه، بالتحريض ضد سلاح المقاومة وسورية؟

في تقييم حركة الحريري الاستعراضية منذ شباط الماضي، خصوصاً خطابيْه التحريضييْن ضد السلاح وإيران، نراه يعمل على خطين متقاربين: سعودي خاص.. وأميركي عام.

لدى الحريري وحلفائه تكليف أميركي دائم لإشغال المقاومة في الداخل، وإغراقها بفتن داخلية تلهيها عن التفرغ للصراع مع العدو، وذلك من خلال فتح جبهات داخلية دائمة لا تسمح للبنانيين ولا للمقاومة بالتقاط الأنفاس، ويأتي في هذا السياق حملته الإعلانية والإعلامية ضد السلاح خلال الشهرين الماضيين. أما خطابه الأخير، والذي حمّل فيه إيران مسؤولية "خطف المجتمعات العربية"، وشنّ عليها هجوماً لاذعاً محملاً إياها مسؤولية ما يحصل في البحرين والكويت ولبنان، فيبدو رسالة سعودية بامتياز.

من المؤكد بعد الرسالة السعودية تلك التي تلاها الحريري، أن شعارات السيادة والاستقلال وإخراج لبنان من صراع المحاور، لم تعد تنطلي على أحد من اللبنانيين. لذلك، سواء كانت سعودية أم أميركية أم غير ذلك، لم تكن رسالة سعد الحريري موفقة، فقد زجت لبنان في صراعات لا دستوره ولا توازنه ولا وحدته الداخلية الهشة تسمح بها، أضف إليها أنها عرّته (مجدداً) وفريقه، وكشفت زيف شعاراتهم.

•• أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية

2011/04/07

مقال غولدستون الاعتذاري: مغالطات بالجملة

لا يبدو المقال الاعتذاري الذي تقدم به القاضي ريتشارد غولدستون في الواشنطن بوست نهاية الاسبوع المنصرم، سوى محطة من محطات النزاع العربي الاسرائيلي الطويل، والصراع المستمر بين الحق والقوة في منطقتنا منذ عقود.

وبغض النظر عن الاحتفاء الاسرائيلي "بالانتصار"، والبيانات الشاجبة التي صدرت من جهات عربية عدة، وبمعزل عن القيمة القانونية للمقال الصحفي للقاضي غولدستون الذي لا يلغي وثيقة قانونية تبنتها هيئة دولية، ومع التأكيد أن التقرير المسمى "تقرير غولدستون" هو نتيجة عمل لجنة كاملة من القانونيين الدوليين، حتى لو تحفظ أحد أعضائها على صيغته، يبقى ساري المفعول. بالرغم من كل هذه المعطيات القانونية، يبدو من المفيد ادراج بعض الملاحظات الموضوعية على المقال وتفنيد ما ورد فيه من مغالطات وقع فيها القاضي اليهودي:

أولاً: يقول غولدستون في بداية مقاله: "لو كنت أعرف آنذاك ما أعرفه الآن لكان تقرير غولدستون وثيقة مختلفة"، وهي عبارة توحي للقارئ أن التوصيات والخلاصات التي صدرت في التقرير الذي سُمي اصطلاحًا "تقرير غولدستون" وكأنما هي توصيات شخصية كتبها صاحب المقال بناء على مشاهداته وتحقيقاته، والحقيقة أن التقرير هو نتاج تحقيقات متكاملة قامت بها لجنة تقصي حقائق مستقلة ترأسها غولدستون بعدما تمّ تعيينها تطبيقًا لما ورد في توصيات قرار مجلس حقوق الانسان في الأمم المتحدة رقم S-9/1، حول الانتهاكات التي ارتكبت في غزة. بالتالي ان آراء غولدستون الحالية أو ما يقول انه "بات يعرفه اليوم"، لا يمكنه أن يغيّر نتيجة تقرير دولي لمجموعة من الخبراء الدوليين والذي صدر بعد سلسلة طويلة من التحقيقات التي تمت في فلسطين وخارجها.

ثانيًا: لتبرير اعتذاره، يستشهد غولدستون في المقال بالتقرير النهائي للجنة الدولية للخبراء المستقلين برئاسة القاضية ماري ماك دافيس، والذي صدر في 18 آذار 2011، وهو التقرير النهائي للجنة التي كلفتها الأمم المتحدة "متابعة تطبيق التوصيات الواردة في تقرير غولدستون". ولنا على اقتباس غولدستون من التقرير المذكور ملاحظات عدة:

1- يشير غولدستون الى ان اسرائيل قامت بما عليها من تحقيقات ويستند في ذلك الى الفقرة 78 من تقريرالخبراء الاخير، واللافت أن غولدستون تعمد أن يخفي الخلاصة التي أتت بها اللجنة في فقرتها 79، والتي تقول فيها حرفيًا: "تعيد اللجنة التأكيد على الخلاصة التي أتت في تقريرها السابق بأنه لا يوجد مؤشر على أن إسرائيل قد فتحت تحقيقات في تصرفات هؤلاء الذين صمموا وخططوا وأمروا وأشرفوا على عملية الرصاص المصبوب". ( انظر الفقرة 79 من التقرير A/HRC/16/24 ، ص 22).

وهذا يعني أن اسرائيل اكتفت بالقيام بتحقيقات شكلية مع بعض الجنود المنفذين للأوامر، لا بل أن اللجنة تشير في فقرات أخرى في التقريرالى عدم الشفافية الاسرائيلية في التحقيقات، وأن الاحكام كانت مخففة جدًا ومعظمها أتت مع وقف التنفيذ.

2- أشار غولدستون الى حادثة قتل عائلة "السموني" التي راح ضحيتها 29 شخصًا من عائلة واحدة وجرح 19 آخرون، فاعتبر "أن قصف المنزل جاء نتيجة الفهم الخاطئ لصورة التقطت بواسطة طائرة من دون طيار من أحد القادة الإسرائيليين".

كيف استنتج القاضي هذا، ومن أين أتى بالمعطيات التي تجعله يبني هذا الاعتقاد، علمًا أن تقرير خبراء الامم المتحدة حول الموضوع يقول "ان لا معلومات لديه حول القضية التي ما زالت التحقيقات فيها جارية"، ويتحدث التقرير عن "تناقض خطير في أقوال الضباط المسؤولين عن هذه القضية، فبينما اعتبر الضابط المسؤول بأنه لم يكن يعرف أن هناك مدنيين في المنزل، أعترف آخرون من وحدته، بأنهم هم الذين أمروا المدنيين بالتجمع في ذلك المنزل"، كما يؤكد تقرير الخبراء أنه لغاية تاريخه "لم يكن قد تقرر إحالة ذلك الضابط المسؤول الى المحاكمة".

ان تبرير القاضي للمجزرة بحق "آل السموني" بما اعتبره "الفهم الخاطئ للصورة التي التقطتها الطائرة"، يبدو تشويهًا للحقائق وتزويرها، وتحايلاً جليًا على الرأي العام العالمي، وهو ما يمكن أن يدحضه المحترفون العسكريون، كما تدحضه التقارير والتحقيقات التي قامت بها منظمات غير حكومية في حرب غزة. نذكر على سبيل المثال لا الحصر، التقرير الدولي الذي نشرته هيومن رايتس واتش بعنوان "عين الخطأ"، والذي حقق في مقتل مدنيين فلسطينيين بواسطة الصواريخ التي تطلقها طائرات الاستطلاع الاسرائيلية، يقول التقرير:

"... إن ما يفاقم من جسامة الانتهاكات الاسرائيلية، وجود الإمكانات التكنولوجية المتقدمة لطائرات الاستطلاع (الزنانة) والصواريخ التي تطلقها هذه الطائرات... فهي توفّر صورة جيدة للأشخاص على الأرض ليلاً ونهارًا، مع القدرة على التمييز بين الأطفال والكبار، كما أن الصاروخ الذي تطلقه طائرة الزنانة يحمل كاميرات خاصة به تسمح لمُشغل الطائرة أن يراقب الهدف منذ لحظة إطلاق الصاروخ وحتى ارتطامه، وإذا انتابته الشكوك حول الهدف في أي وقت بعد إطلاقه؛ فإن بإمكانه إبعاده عن هدفه إلى أي مكان آخر".

وكان هناك اعتراف واضح وصريح من قبل أحد التقنيين العاملين في تشغيل طائرة استطلاع إسرائيلية وشارك في الهجمات خلال حرب غزة ، فقد قال لصحيفة عسكرية إسرائيلية إنه "كان قادرًا على تمييز ألوان الثياب ووجود راديو كبير وسلاح مع أحد الأشخاص على الأرض".

في هذه الشهادات والتقارير، كما في آراء الخبراء العسكريين ما يكذّب ادعاءات غولدستون في مقاله من أن هناك فهمًا خاطئًا للصورة، وان الخطأ قد يكون نتج عن "تقصير" الضابط أو "اهماله".

كما إن صدور استنتاجات كهذه عن قاضٍ دولي أصدر أحكامًا قضائية دولية هامة، وعمل في المحكمة الدستورية في جنوب إفريقيا وترأس هيئة الإدعاء العام في المحاكم الجنائية الدولية لكل من يوغسلافيا السابقة ورواندا، يثير الريبة والشكّ في مصداقية الاحكام التي أصدرها سابقًا، وفي مصداقية المحاكم الدولية التي عمل فيها.

ثالثًا: يتراجع غولدستون في مقاله عما جاء في تقرير لجنته من أن الاسرائيليين "تعمدوا" استهداف المدنيين مستندًا بذلك الى ما سماه "التحقيقات التي نشرها الجيش الإسرائيلي وجاء بها تقرير خبراء الأمم المتحدة والتي تؤكد أن استهداف اسرائيل للمدنيين لم يكن سياسة متبعة".

في هذا التراجع المستند الى "تأكيد" أوقع القاضي غولدستون نفسه في خطأ تبرير أفعال اسرائيلية كان الاسرائيليون أنفسهم قد تباهوا بها، وكذلك تحدثت عنها وأدانتها جميع التقارير الدولية الصادرة حول حرب غزة:

- لطالما اعترف الاسرائيليون وتباهوا بسياسة "تعمد استهداف المدنيين"، وذلك كجزء من سياسة الردع التي يعتمدونها. وهنا يمكن أن نشير الى ما كان الجيش الاسرائيلي قد أعلنه من عقيدة عسكرية أسماها "عقيدة الضاحية"، والتي تعني بأن الجيش الاسرائيلي يعتمد سياسة الارض المحروقة، فيستعمل قوة غير متماثلة، ويتسبب أضرارًا بالغة في الارواح والممتلكات، وبحسب تصريح لأحد المسؤولين الاسرائيليين لصحيفة يديعوت احرونوت، لقد "تمّ تشريع تلك العقيدة التي تعتبر أنه لا يوجد أي أهداف مدنية او قرى مدنية.. كل ما هناك يشكّل أهداف عسكرية" .

ان عقيدة الضاحية هذه وتصريحات المسؤولين، وشهادات الجنود الاسرائيليين التي نشرتها الصحافة الاسرائيلية تثبت ان ما تحدث عنه غولدستون من "عدم وجود نية متعمدة" لاستهداف المدنيين هو غير صحيح، وذلك باعتراف الاسرائيليين أنفسهم.

أما بالنسبة للتقارير الدولية الاخرى التي تزامنت مع تقرير غولدستون، ومنها تقارير منظمات العفو الدولية وهيومن رايتس واتش، وتقرير مقرر حقوق الانسان للاراضي الفلسطينية ريشارد فولك، وتقرير جون دوغارد، والتقرير الذي صدر عن اللجنة التي كلفتها الامم المتحدة بالتحقيق في قصف مقرات الامم المتحدة والاونروا وغير ذلك من التقارير، أجمعت على اعتبار ان اسرائيل "تعمدت" قصف المدنيين، وانها استخدمتهم دروعًا بشرية، ولم تحترم معايير القانون الدولي الانساني، وأهمها مبدأي التمييز وعدم التناسب.

بكل الاحوال، لا يتسع المجال هنا لتفنيد كل الادعاءات الاسرائيلية حول حرب غزة، ولكن يبدو من المفيد التنبه الى أن مقال غولدستون يبدو كبداية لحملة اسرائيلية سياسية اعلامية دبلوماسية عالمية ، لاقناع الرأي العام العالمي بصحة الادعاء بتفوقهم الاخلاقي، وان اسرائيل ضحية ميزان قوى غير متناسب في مجلس حقوق الانسان، ومنظمات حقوق الانسان الدولية الاخرى.

وقد يكون الضغط الاسرائيلي زاد على غولدستون، عندما صادق مجلس حقوق الإنسان في جنيف في آذار الماضي على مشروع قرار يقضي بإصدار تعليمات إلى المحكمة الجنائية الدولية بأن تستخدم تقرير غولدستون من أجل محاكمة جنود وسياسيين إسرائيليين شاركوا في عملية "الرصاص المصبوب" في غزة، ولا نستبعد أن يزداد الضغط الاسرائيلي على غولدستون لتحويل مقاله الى رسالة رسمية إلى الامين العام للأمم المتحدة والى مجلس حقوق الانسان، من أجل السعي لاستصدار قرار جديد في الجمعية العامة للأمم المتحدة يقضي بأن القرار السابق المستند الى تقريرغولدستون لم يعد ساري المفعول، بسبب ظهور أدلة جديدة تدحض ما ورد في التقرير السابق من معطيات، والخشية من ان تتكرر تجربة ابطال قرار "اعتبار الصهيونية نوع من العنصرية" الذي تبنته الامم المتحدة ثم عادت عنه بفعل الضغوط الدولية عام 1991.