2014/10/30

طرابلس: معركة غير منتهية لتسوية غير ناضجة

د. ليلى نقولا الرحباني
لم تكن واضحة معالم نهاية المعركة في طرابلس والشمال بين الجيش اللبناني والارهابيين الذين  ما انفكوا يحاولون إقامة الأمارة في طرابلس منذ زمن بعيد، ولقد حاولوا إعلانها بدون أن ينجحوا. ولكن بالرغم من النجاح الذي حققه الجيش اللبناني، والتبدل في اللغة المستعملة ضده من قبل تيار المستقبل، لكن يبدو أن الحرب على الجيش ما زالت مستمرة، وخاصة حرب الاستنزاف التي يحاول السياسيون إشغال الجيش فيها والتي باتت نوعًا من الخيانة العظمى، حيث أن التسويات والمعارك غير المنتهية باتت على حساب دماء الشهداء الأبطال الذين يسقطون دفاعًا عن الوطن ولحفظ كرامة اللبنانيين.
ومهما تكن بنود التسوية التي حصلت في طرابلس، وأدّت الى ايقاف اطلاق النار وهروب المسلحين أو على الأقل فرار قادتهم، فإن المعركة الطرابلسية غير المنتهية قد يكون لها أسباب عدّة أهمها:
أولاً: إن خروج تيار المستقبل ونوابه بخطاب داعم للجيش اللبناني وللعملية التي يشنّها ضد الارهابيين، بدا وكأنه تصفية حساب داخلية بين تلك الاطراف وداعميها، أو بالأحرى ضوء أخضر سعودي لتقليم أظافر جبهة النصرة التي تعتبر الذراع العسكري للإخوان المسلمين، التابعة سياسيًا وعسكريًا وماليًا للأتراك والقطريين، وهما الحليفتين الطامحتين الى دور اقليمي من بوابة النفوذ الاخواني على حساب النفوذ السعودي.
ثانيًا: كان واضحًا منذ البداية، وخاصة من مواقف وزير العدل أشرف ريفي، باعتباره من الصقور الداعمين لقادة المحاور الطرابلسية، أنه بالرغم من الضوء الأخضر السعودي لعملية الجيش، لكن المستقبل ورعاته الاقليميين، لا يريدون التخلص بشكل نهائي من التهديد الارهابي الذي تشكّله النصرة، بل ما زالوا يطمحون الى الاستفادة منها لفرض واقع عسكري ميداني في لبنان يكون له ارتداداته في سوريا، لكن بشرط أن لا تشعر بفائض قوة بحيث يجعلها تتمرد على الحلفاء وتعتقد بقدرتها على السيطرة على لبنان وإزاحة المستقبل وإضعافه في الشارع السنّي.
ثالثًا: لا تبدو السعودية الآن مستعدة لحسم المعركة السنية السنية في لبنان لصالحها، طالما لم تصل الى تفاهم مع ايران حول التسوية المفترضة في لبنان. الأكيد، أن السعودية تعتبر أن الخطر الاخواني ومتفرعاته العسكرية خطر حقيقي وجدّي عليها وعلى حلفائها، ولكنها ليست مستعدة أن تتخلص منه في لبنان طالما قد يؤدي هذا الى تقوية نفوذ حزب الله. لهذا، لن يكون هناك ضوء أخضر حقيقي وجدّي من قبل تيار المستقبل للجيش اللبناني باقتلاع الارهاب والتخلص منه نهائيًا في لبنان قبل حسم نتائج تقاسم النفوذ بين السعوديين والايرانيين.
رابعًا: يبدو أن جرعة القوة الاضافية التي أعطاها الأميركيون الى قائد الجيش في اجتماع أندروز العسكري، والضوء الأخضر الاميركي للجيش اللبناني بضرب الارهاب، جميعها لم تكفِ لجعل قيادة الجيش تأخذ خيارًا حاسمًا بالضرب من حديد مهما بلغت التكلفة والتضحيات المبذولة، بل عادت الأمور الى ما كانت عليه من خلال القبول بتسوية  بالسماح بفرار الشيخ حبلص من مخبأه على ان يتوارى عن الأنظار تمامًا كما الارهابيين أحمد الأسير وشاكر العبسي قبله، ومن ثم القبول بخديعة "الممر الآمن" لإخراج المدنيين وهو كما يعلم الجيش والجميع، مجرد تعمية على خروج المسلحين من أوكارهم الى مكان آخر في لبنان، لاستكمال ممارسة الارهاب على أبنائه.
في النتيجة، لا يبدو أي من الأميركيين أو السعوديين مستعد للتخلي عن ورقة جبهة النصرة وباقي المجموعات الارهابية في لبنان، والتي تشكّل نوعًا من الضغط على ايران وحزب الله فيه، بما يفيد المفاوضات الدائرة حول الملف النووي، ويريح اسرئيل، ويعطي المستقبل نوعًا من الشعور بالقدرة بموازاة قوة حزب الله العسكرية والتي جعلت ميزان القوى العسكري يميل لصالحه في الداخل.

2014/10/26

عصر الجيوش قادم: أين الجيش التركي؟

د. ليلى نقولا الرحباني
شهد النصف الثاني من القرن العشرين عربيًا، بروز نجم الجيوش العربية وتصدّر الحكم في كل من دول المشرق العربي قادة في الجيوش أدّوا أدوارًا هامّة في فرض الاستقرار في الدول الخارجة للتوّ من الاستعمار الأجنبي، وساهموا في خلق  حاجز صدّ عسكري أمام تمدد الاسلام السياسي في المجتمعات العربية، فمن جمال عبد الناصر الى أنور السادات وحسني مبارك، وحافظ الأسد ومعمر القذافي وغيرهم. والغريب أن الأمر لم يكن مرتبطًا فقط بالدول العربية، بل بالدولة التركية أيضًا، التي حافظ الجيش فيها على العلمانية بالقوة، وحفظ الاستقرار، الى أن سيطر الاسلاميون على الحكم، فقاموا بزعامة أردوغان بتحجيم دور الجيش والسيطرة عليه، والانقلاب على قياداته والزجّ بهم في السجون.
وفي هجمة مرتدّة - مماثلة للانقلاب التركي على الجيش- من قبل قوى الاسلام السياسي في العالم العربي، حصلت على أثر موجات ما سمي الربيع العربي، يُلاحظ أن الاسلاميون في العالم العربي صوّبوا بشكل رئيسي ومباشر على الجيوش العربية التي اعتبروا أن لهم ثأر قديم معها وحاجة لتفتييتها ليتسنى لهم الحكم، وأدّوا بذلك خدمة كبرى للمشروع الاسرائيلي في المنطقة. فنلاحظ أن الأميركيين - في وقت مبكر وقبل الربيع- قاموا بحلّ الجيش العراقي، الذي كان يُعتبر من أقوى الجيوش العربية وأكثرها تهديدًا لاسرائيل، ثم صوّب الإخوان المسلمين في مصر نارهم الى الجيش المصري، وأغرق الجيش السوري بحرب داخلية وارهاب يتنقل بين مناطق سوريا كافة، ويتعرض الجيش اللبناني بشكل يومي الى عمليات ارهابية ومكائد سياسية، تحاول فرطه أو هزمه أمام الارهاب.
والآن، وبعد أن تبين ان الارهاب بات يهدد الدول العربية والغربية التي رعته ومولته، وبدأت العمليات الارهابية في اوروبا وكندا من قبل داعمي "الثوار" السوريين الذين تغنّى بهم الاوروبيون والغرب باعتبارهم "دعاة الحرية والديمقراطية" في العالم العربي، عاد الأميركيون للأقتناع بأنه لا حلّ لضبط الارهاب والحدّ من حركته الا بإعادة الاعتبار للجيوش لمحاربة الارهاب.
وانطلاقًا من هذا الاقتناع، أعطي الضوء الأخضر لكل من الجيش العراقي والسوري والمصري واللبناني لمكافحة الارهاب، فعقدت واشنطن إجتماعًا تنسيقيًا لقادة الجيوش المشاركة في التحالف الدولي ضد الارهاب، وهنا تطرح بعض التساؤلات نفسها:
- إذا كانت المرحلة القادمة هي عصر الجيوش بامتياز وهي التي ستحمي الدول من الانهيار والتفتت، فكيف يمكن أن تنجو تركيا من كل هذه التهديدات المنتشرة في المنطقة، في ظل استمرار حزب العدالة والتنمية بتحجيم الجيش التركي، وآخرها قرار الحكومة لربط قيادة قوات الدرك (الجندرمة) وقيادة سلاح خفر السواحل بوزارة الداخلية، ووضعها تحت سيطرة السلطة السياسية لحزب العدالة والتنمية؟.
- ما الذي يمنع من أن ينقلب الارهاب على مموليه ومشغليه وداعميه الاتراك، وتتعرض تركيا لمثل ما تعرضت له السعودية بعد اجتياح الاميركيين للعراق، حيث عانت السعودية من ارهاب وعمليات انتحارية امتدت من عام 2003 ولغاية 2009؟
- كيف يمكن لتركيا، أن تواجه الاخطار الداخلية المتأتية من وجود اللاجئين السوريين، وتمرد الأكراد، ووجود بيئات تركية داعمة لداعش، بالاضافة الى انفلات الامن في المناطق الحدودية مع سوريا، بسبب قرار الحكومة التركية التسهيل للمقاتلين والسلاح بالتحشد فيها للمرور الى سوريا لقتال الجيش السوري؟
 كل هذه الاسئلة، تدفع الى القول بأن عصر الجيوش القادم لمحاربة الارهاب، سيبقي تركيا خارجه، ولا شكّ أن إضعاف الدولة التركية باضعاف جيشها لن يكون بدون ثمن سياسي وأمني قد يعيد رسم خريطة تركيا الجغرافية التي حافظ عليها أتاتورك في بداية القرن العشرين، فهل ينقلب السحر على الساحر التركي؟

2014/10/22

هل يلتهم الوحش تيار المستقبل؟


د. ليلى نقولا الرحباني
الخميس 22 - تشرين الأوّل - 2014
لم يكد الرئيس سعد الحريري يخرج من روما، منتقداً مَن يهاجم الجيش اللبناني، ويعتبر أن مهمة "تيار المستقبل" القادمة هي محاربة من يحارب الجيش اللبناني، مؤكداً "حتى لو كان منا من يهاجم الجيش اللبناني فسنحاربه.."، حتى خرج الوزير نهاد المشنوق بخطاب عالي المستوى أعاد تحريك عجلة التشنج السياسي الداخلي، بعد فترة من الركود الذي فرضته ظروف المعركة مع الإرهاب.
بغض النظر عن الدوافع والاعتبارات التي أملت على المشنوق هذا الكلام غير المتوقَّع، وهو الذي عُرف عنه فصل المشاعر الخاصة، أي الحقد على حزب الله، عن المصلحة العامة التي فرضت التنسيق مع الحزب والتعاون معه في المواضيع الأمنية الداخلية، وفي مسألة بلدة الطفيل تحديداً، إلا أن الخطابات المتباينة بين كل من نواب ووزراء "تيار المستقبل"، وبين بعضهم والنائب سعد الحريري، وبين الكتلة وسعد نفسه، تشير إلى أحد الاحتمالات الآتية:
الاحتمال الأول: أن يكون ما يحصل هو نوع من الخطة المرسومة بتوزيع الأدوار داخل "التيار"، فيقوم الصقور بشحن الخطاب المذهبي للحفاظ على الشارع السُّني الذي تمّت تعبئته وشحنه مذهبياً على مدى سنوات عدّة منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري ولغاية الآن، بينما يتكفّل البعض الآخر بمهمة مدّ اليد إلى الأطراف الداخلية، وذلك حفاظاً على مغانم السلطة، حيث يُدرك "المستقبل" وغيره من الأطراف الداخلية أنه لا بد من قبول مبدأ المشاركة، وأن لا أحد يستطيع أن يُلغي الطرف الآخر، وأن الطرف الذي يريد التشارك في السلطة ومغانمها محكوم عليه بحدٍّ أدنى من التوافق مع الفرقاء الآخرين.
الاحتمال الثاني: أن يكون ما يجري داخل "تيار المستقبل" هو نوع من صراع المحاور داخل "التيار"، فالخطابات المرتفعة السقف والحادة النبرة التي تأتي مباشرة بعد خطابات سعد الحريري، خصوصاً تلك التي تصوّب على الجيش اللبناني وتحرّض ضده، قد يكون هدفها التصويب على الحريري نفسه قبل أن يكون على الجيش اللبناني، باعتبار أن الحريري - ومن منطلق خلفيته العائلية والثقافية والسياسية - لا يستطيع أن يواكب الخطابات الشعبوية التحريضية المذهبية، وهذا يجعله خاسراً شعبياً، وهذا ما شهدناه من خلال اليافطات التي تمّ تعليقها، والتي انتقدت عودة سعد إلى لبنان والمساعدات التي قدمها إلى عرسال.
إن صحّ هذا السيناريو، فيكون ما يجري داخل "تيار المستقبل" وهذا التحريض المستمر ضد الجيش وهذا الدفع نحو فتنة مذهبية يتعهدها بعض نواب "المستقبل" ومسؤوليه، من أهدافه أيضاً قطع الطريق أمام رئيس "تيار المستقبل" للعودة إلى لبنان بزخم واستعادة ما خسره في الفترة الماضية خلال منفاه الاختياري.
الاحتمال الثالث: أن يكون "تيار المستقبل" - بحكم ارتباطه الخارجي والعضوي بالمملكة العربية السعودية - يربط وقع خطاباته بالحرب الدائرة في سورية، والتي تتدخل فيها المملكة من الباب العريض لإسقاط بشار الأسد، كما بالصراع الإقليمي بين السعودية وإيران، فحين يخفّ وقع التشنج يجد "تيار المستقبل" نفسه مضطراً لمواكبة الانفتاح بين الطرفين، وحين تتأزم العلاقات يرقص نواب "التيار" على الإيقاع السعودي.
الذي يدفع إلى هذا الاعتقاد بهذا الاحتمال إصدار وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل تصريحات متباينة بخصوص العلاقة مع إيران في أقل من شهر، فمن خطاب "التعلُّم من أخطاء الماضي وفتح صفحة جديدة مع إيران"، إلى خطاب "إيران جزء من المشكلة في المنطقة وليس من الحل"، يجد نواب "تيار المستقبل" أنفسهم أمام حالة مماثلة من الخطاب المتناقض، ربطاً بخطابات السعوديين أنفسهم.
والنتيجة أنه لا يمكن الجزم بأن أي احتمال هو الأكيد، وقد تكون الاحتمالات الثلاث موجودة ومتشابكلة، وهي التي تدفع "تيار المستقبل" إلى هذه السياسة المتناقضة شكلاً، مع العلم أن "المستقبل" يبدو في موقف لا يُحسد عليه ضمن بيئته، خصوصاً أن الإرهاب الذي يكبر يوماً بعد يوم في كل من عرسال وطرابلس وعكار وغيرها من المناطق السُّنية بات يشكلاً خطراً وجودياً على "تيار المستقبل"؛ تماماً كما يشكّل تهديداً للآخرين، فالوحش المذهبي الذي رعاه "المستقبل" وأعلن أنه ماردٌ استفاق ولن ينام بعد الآن، سيرتدّ على "المستقبل" لالتهامه قبل أن يحاول عضّ الآخرين.

طيران سوري معارض أو حرب نفسية؟


د. ليلى نقولا الرحباني
19 - تشرين الأوّل - 2014
انتشرت التصريحات الأميركية المعلنة عن البدء باختيار أفراد من المعارضة السورية "المعتدلة" للبدء بتدريبهم في السعودية، ليشكّلوا "الجيش" الذي سيكون من مهمته القضاء على داعش والجيش السوري معًا.
واقعيًا، أن رقم "الخمسة آلاف" الذي تمّ الحديث عنه، يبدو متواضعًا جدًا بالنسبة لحجم المهمة الموكلة إليه، وبالنسبة لحجم المساحة الجغرافية المفترض أن هذه المعارضة السورية ستضطلع بالقتال فيها والانتصار على داعش في المرحلة الاولى، وتأمين حمايتها لئلا تسقط من جديد، ثم الانتقال بعد ذلك لقتال الجيش السوري واسقاط بشار الاسد. ثم إن هذا العدد المتواضع مفترض به أن يقاتل الجيش السوري الذي يبلغ عديده مئات الالاف من العسكريين، علمًا أن الاتكال على انشقاقات جديدة في ذلك الجيش والالتحاق بهذه المعارضة "المعتدلة" الأميركية، تبدو صعبة، لأسباب عدّة أهمها:
- إن الانشقاقات التي حصلت في الجيش في أوّج الثورة، قد طهرته تقريبًا من العناصر التي كان من السهولة الايقاع بها باغراءات مادية، أو بتحريض مذهبي، أو بدافع انتقامي أو غيرها.
- إن مسار المعركة في سوريا خاصة في مناطق المعارضة بات يأخذ منحى تدميريًا، ولقد استعاد الجيش السوري المبادرة، وبات الواقع الميداني مختلفًا، بحيث إن اي دعوة للانشقاق ستدفع الراغبين بها الى التفكير مليًا قبل تنفيذها، فلقد شاهد السوريون بأمّ العين، ماذا حصل للمنشقين السابقين، وأين أصبحوا، وكيف تمّ بيعهم وشراؤهم في سوق المصالح الدولية.
- إن الاتكال على العشائر السورية للإنضمام الى هذا الجيش المتواضع، ورفده بقوات اضافية تضاف الى الخمسة آلاف المنوي اختيارها، دونه عقبات عديدة، إذ يلزمه ثقة كبرى بأنه يستطيع أن يفرض واقعًا جديدًا، وبأنه لن يتشظى كما حصل مع الجيش الحر سابقًا، وإلا ستتردد جميع العشائر في الانضمام اليه، إما خوفًا من انتقام داعش والنظام السوري معًا، أو لخشية من أن يتخلى عنهم الغرب بعد أن يحقق مصالحه أو يقتنع بفشل الخطة.
وبالتزامن عن الحديث عن بدء اختيار المعتدلين لتدريبهم، بدأت التسريبات الأميركية بأن الولايات المتحدة تقوم بتدريب "طيارين من دول الشرق الاوسط" واعدادهم كنواة سلاح جوي مقاتل يتخذ مهامه في الاراضي السورية التي تستطيع المعارضة التحرك فيها بحرية خارج سيطرة الدولة.
وفي النتيجة، وبغض النظر عن صحة هذه الأخبار حول تدريب الطيارين، والأخبار التي تتحدث عن امتلاك داعش لطيران استخدمه فوق حلب، لكن الاخراج الذي تمت به توحي بأن هذه التسريبات هي نوع من الدعاية السياسية للحلف الدولي بعد أن تبين أن النتائج المتحققة على الارض بالنسبة لداعش هي صفر، كما تبدو نوعًا من الحرب النفسية التي يمارسها الأميركيون على الأصدقاء والحلفاء والأعداء معًا. إن هذه التسريبات، تأتي للإشارة الى أن الولايات المتحدة جادّة في تدريب المعارضة السورية ولم تتخلَ عن هدف اسقاط بشار الاسد بالتوازي مع الانتصار على داعش، كما تهدف الى إرسال رسائل سياسية، بأن الأميركيين سيتخلون في مرحلة لاحقة عن الطيارين المستخدمين من الدول العربية باستخدام طيارين سوريين وعراقيين، كما للايحاء بأن المعركة بين المعارضة والنظام السوري ستتخذ في المستقبل منحى آخر، بعد أن يتم كسر احتكار النظام السوري لاستخدام الطيران المقاتل... ولكن، واقعيًا، هل يمكن الانتصار في هذه الحرب الكبرى بدعاية سياسية وحرب نفسية فقط، وهل سيستمر مفعولها وقتًا أطول مما استمر مفعول التهويل بالضربات الجوية ضد داعش؟، لننتظر ونرى.

2014/10/16

الحرب الأميركية... والصراع السنّي السنّي

د. ليلى نقولا الرحباني

يكن هجوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على "أمثال لورانس العرب الجدد" الذين قال "إنهم مصممون على إحداث الاضطرابات في الشرق الأوسط، وإنه رمز للتدخل الخارجي غير المرغوب فيه في المنطقة التي يجب أن يكون لتركيا نفوذ فيها"، خارجاً عن السياق العام للصراع الدائر في المنطقة اليوم، وعن حرب النفوذ الدائرة بشراسة بين كل من تركيا والسعودية.

اللافت أن أردوغان استعار في خطابه إشارات تشير إلى حقد تاريخي على إسقاط الإمبراطورية العثمانية، ورغبة منه في عدم تكرار الماضي، لا بل استعادة ما قد يعتبره "سُلب" من تركيا العثمانية في أوائل القرن المنصرم.

وللتذكير، فإن "لورانس العرب" هو الضابط البريطاني الذي شجّع الثورة العربية المشتعلة في شبه الجزيرة العربية، ضد الإمبراطورية العثمانية، ما أدّى - من جملة أسباب - إلى سقوطها، وتقسيم المناطق العربية الخاضعة لها ضمن اتفاقية "سايكس بيكو"، التي أشار إليها أردوغان في خطابه أيضاً.

المتابع للحراك الإقليمي الدائر في المنطقة منذ بروز "دولة داعش" الإرهابية واحتلالها أجزاء كبيرة من العراق، وتهديدها المناطق الكردية، يجد أن الصراع التركي - السعودي المتفجّر منذ سقوط مشروع "الإخوان المسلمين" في المنطقة، قد اتخذ منحى تصاعدياً، وبات يتخذ من سورية والعراق مسرحاً لعملياته الإلغائية، وذلك من خلال أوراق عدّة، منها "قتال داعش" و"المعارضة السورية المعتدلة"، ضمن الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط.

كشف الأميركيون عن استراتيجيتهم الجديدة للشرق الأوسط خلال مؤتمر جدّة لمكافحة الإرهاب، فكان الاعلان عن خطة لتدريب وتجهيز المعارضة السورية "المعتدلة"، والتي سيكون من مهمتها التخلص من "داعش" والنظام السوري معاً، وأوكلت مهمة تدريب وتجهيز هذه المعارضة إلى السعودية.

امتنع الأتراك عن التوقيع على البيان الختامي لمؤتمر جدّة، لأنهم وجدوا في مكان انعقاده والإعلان عن قيام السعودية بتلك المهمة نوعاً من التهميش المقصود لدور أنقرة في المنطقة، وإعادة تعويم "محور الاعتدال"، في محالة لإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل الحراك العربي، خصوصاً مع الإعلان السعودي عن حظر جماعة "الإخوان" باعتبارها إرهابية.

وفي خطوة مرتدّة، حاولت تركيا أن تستخدم موقعها الاستراتيجي لإعادة فرض نفسها لاعباً إقليمياً، وقطباً أساسياً في الحرب الأميركية على الإرهاب، فقامت بخلط الأوراق في سورية، من خلال التخلص من الأكراد والحديث عن ضرورة فرض منطقة عازلة يسيطر عليها الجيش التركي، وتقوم فيها تركيا بتدريب المعارضة السورية "المعتدلة".

وبالرغم من عدم قدرة وعدم رغبة الأميركيين في السير بخيار المنطقة العازلة، لما لها من محاذير دولية وإقليمية، وصعوبة فرضها، والخطوط الحمر الروسية والإيرانية، إلا أنهم رحّبوا بتولي كل من السعودية وتركيا تدريب "معارضة خاصة معتدلة"، وذلك يعني أن تركيا ستقوم بتدريب المعارضة المنتمية إلى "الإخوان المسلمين"، بينما تقوم السعودية بتدريب المعارضة المنتمية إلى الفكر الوهابي، أو تلك المنتمية إلى الفكر العروبي الذي يرفض الفكر "الإخواني"، ما يعني حُكماً عودة المجموعات المسلحة العاملة في سورية إلى الخيارات الإلغائية لبعضها البعض، بسبب تعدّد الولاءات الخارجية.

في النتيجة، ستكون الخطة الأميركية الحالية للقضاء على "داعش" والنظام السوري غطاء لحرب سُنية - سُنية في منطقة تتطاحن فيها كل من السعودية وتركيا على سباق النفوذ؛ تركيا تحاول إعادة عقارب الزمن قرناً إلى الوراء، وتحاول أن تعيد صياغة القرن الحادي والعشرين منتقمة أو مسترجعة ما خسرته في بدايات القرن العشرين، وباتت تتحدث علناً أنها لن تكتفي بالوقوف متفرجة على تنصيب السعودية مجدداً راعية لعالم إسلامي سُنّي ممتد على مساحة جغرافية استراتيجية هائلة.. بينما تعرف السعودية أن الخطر الماثل أمامها أو أي خطأ أو تنازُل أو سوء تقدير منها يجعلها دولة من التاريخ، وقد يقضي على وجودها كدولة موحَّدة بشكل نهائي.. وهكذا، سيكون على المنطقة أن تعيش تداعيات صراع سُنّي - سُنّي إلغائي عنفي، سيُغرق المنطقة في مزيد من العنف والدمار والدماء لمدة طويلة جداً، بحسب ما "بشّرنا" به الأميركيون.

2014/10/12

كوباني وبعدها الحسكة: تحوّل الربيع الكردي الى كابوس


د. ليلى نقولا الرحباني
كان اجتياح داعش للموصل وبعدها تهجير العراقيين من مسيحيين ويزيديين وباقي الاقليات العراقية، ثم توجهها لاجتياح مناطق الأكراد في شمال العراق، سببًا من الأسباب التي دفعت الى تأسيس تحالف دولي عريض لمكافحة الارهاب ، بحجة منع داعش من ارتكاب مجازر بحق شعوب المنطقة.
ولم تكد تمر أسابيع على اعلان التحالف وبدء ضرباته الجوية في كل من سوريا والعراق، حتى ظهر أن هذه الضربات لم تؤثر على قوة التنظيم الارهابي، لا بل تبين أن قدرته التوسعية في المنطقة قد ازدادت، واستطاع أن يحاصر كوباني الكردية في سوريا، من جهات ثلاث بينما قام الجيش التركي باطباق الحصار عليها من الجهة الرابعة.
وبدا من اللحظات الاولى، أن التحالف الدولي لن ينقذ الاكراد من مجزرة قادمة، وهو ما أعلنته الأمم المتحدة على لسان مبعوثها ستيفان دي ميستورا، الذي دعا تركيا للسماح للمقاتلين الأكراد بالعبور من تركيا الى كوباني للمساعدة أنسباءهم، وحذّر من أن آلاف الأشخاص سيذبحون، إذا سقطت كوباني في أيدي مقاتلي داعش.
ونلاحظ، أنه وبالرغم من التحذيرات المتعددة من سقوط كوباني بيد داعش، تنصّلت دول التحالف الدولي من المسؤولية في إنقاذ كوباني، وصمّت تركيا آذانها، واشترطت ايران طلبًا رسميًا سوريًا للتدخل لانقاذ المدينة من السقوط.
بالنسبة لتركيا المشاركة في حصار كوباني، فإنه من الطبيعي أن لا تتحرك لإنقاذ المدينة وسكانها، وذلك لعدة أسباب أهمها:
- تشكل كوباني إحدى المقاطعات الثلاث التي أعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي سابقًا من ضمن الإدارة الذاتية، لذلك فإن سقوطها مطلوب تركيًا لمنع قيام هذا الحلم الكردي، وفي ذلك منفعة استراتيجية تركية، بالرغم من أن سقوطها يعني أن داعش سيجعله على الحدود مع تركيا مباشرة، ويكون قد سيطر على العديد من نطاق العبور الرئيسية بين كل من تركيا وسوريا.
- تتوسط منطقة كوباني المنطقتين الكرديتين في سوريا، أي محافظة الحسكة بمدنها القامشلي ورأس العين وعاموده ودرباسيه في الشرق، ومنطقة عفرين في الغرب، لذا فإن سقوطها يعني فصل المناطق الكردية السورية عن بعضها البعض، ويعزل محافظة الحسكة - المحافظة الثانية ذات الكثافة الكردية - ما يعني محاصرتها لتلقى نفس مصير كوباني، ويتم اضعاف الاكراد بشكل لن تقوم قائمة لهم في سوريا بعد الآن.
أما بالنسبة للنظام السوري، الذي لم تقم طائراته بقصف داعش ولم يطلب من الايرانيين مساعدة الأكراد، فيبدو أن الأمر يعود الى عدم الثقة بالأكراد السوريين أنفسهم، ولتدفيعهم ثمنًا باهظًا نتيجة للخيارات التي اتخذوها والتقلّب الذي مارسوه من بداية الحرب في سوريا ولغاية اليوم وذلك على النحو التالي:
في بداية الحرب السورية، غضّ النظام السوري، لا بلّ سهّل للأكراد إعلان الإدارة الذاتية لمناطقهم، مقابل أن يحافظوا عليها، ومنعها من السقوط بيد المجموعات المسلحة، وهذا ما حصل بالفعل. لكن، ما أن أعلن الأميركيون نيّتهم تشكيل تحالف دولي مهمته القضاء على داعش والنظام السوري معًا، حتى هرول الأكراد السوريون الى التنسيق مع "أعداء الامس" من فصائل الجيش السوري الحرّ وباقي الفصائل "الجهادية" والاعلان عن تأسيس ما أسموه "بركان الفرات" في محاولة منهم لتقديم أوراق اعتماد للأميركيين بصفتهم "المعارضة السورية المعتدلة" التي يبحث عنها الأميركيون في سوريا.
وهكذا، دفع الأكراد السوريون ثمنًا باهظًا لحلم راودهم بالاستقلال، ولوثوقهم بقدرتهم على اللعب بتوازنات دولية في منطقة قد تطاح فيها دول، فكيف بأقليات لن تُعتبر أكثر من مجرد أضرار جانبية في صراع الجبابرة في الشرق الأوسط.

2014/10/02

لماذا لم تعارض سوريا التدخل الأميركي؟

د. ليلى نقولا الرحباني
منذ منتصف شهر أيلول، تقوم طائرات التحالف الدولي ضد الارهاب بقصف مواقع داعش والنصرة في كل من سوريا والعراق، في ظل موافقة علنية من الحكومة العراقية، وقبول مضمر من قبل الدولة السورية.
بالمبدأ، واستنادًا الى القانون الدولي، يقابل قانونية الضربات العسكرية في العراق، لا قانونية الضربات العسكرية على الأراضي السورية، باعتبار ان الدول السيدة هي من تمنح الغطاء القانوني لأي تدخل عسكري على أراضيها، أما الشرعية التي يكتسبها ذلك التدخل العسكري على الصعيد الدولي، فهي تُمنح له من قبل قرارات مجلس الأمن حصرًا.
وفي تحليل قانونية وشرعية الضربات العسكرية الجوية على الأراضي السورية، نجد أن الغطاء القانوني للضربات الجوية، لم يكن واضحًا، وإن كانت الدولة السورية قد اعتمدت مبدأ "السكوت علامة الرضى"، وأعلنت أنها أعلمت بالضربات قبل حصولها، فالاعلام شيء وأخذ الموافقة المسبقة شيء آخر. أما بالنسبة للشرعية الدولية، فالضربات العسكرية - بحسب القانون الدولي - هي غير شرعية، ولو تمّت الإشارة من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، الى أنها حصلت بموجب القرار 2170، لكن القرار لم ينّص على تلقائية الخيار العسكري  في تطبيق مكافحة الارهاب، بل اشترط الرجوع الى مجلس الأمن لأخذ الموافقة على هذا الخيار وتحديد آلياته.
وهنا، كان التباين العلني في المواقف من الضربات الجوية لطائرات التحالف في سوريا، بين كل من دمشق وحلفائها الايرانيين والروس، فبينما أعلن الروس عدم قانونية ولا شرعية التدخل العسكري، وطالبوا بالعودة الى مجلس الأمن، باركت سوريا الضربات ولو بشكل غامض، وأعلنت استعدادها للتعاون. وفي تحليل لهذا التناقض، قد نجد ما يلي:
أولاً: أكسب السوريون الضربات الجوية على داعش ضمن اراضيهم نوعًا من الغطاء القانوني المضمر، باعلانهم أن الاميركيين أعلموهم بالضربات، ولكنهم لم يعلنوا موافقتهم العلنية، وهذا إن دلّ على شيء، فهو يدل على أن الدولة السورية صاحبة السيادة تريد أن تتخلص من الخطر الارهابي على أرضها، وترحب بالمساعدة الدولية في ذلك، ولكنها في الوقت نفسه، تخشى من ان تمنح التدخل العسكري في أرضها، غطاء قانونيًـا قد يرتد عليها فيما بعد، فيما لو قام الاميركيون بخديعة وقصفوا مواقع الجيش السوري.
ثانيًا: تحاول الدولة السورية أن تظهر نفسها، ملتزمة بالقرارات الدولية حول الارهاب، وخاصة القرار 2170، الذي يمنع الدول من أن تقدم دعمًا، بأي شكل من الأشكال، للتنظيمات الارهابية وخاصة "الدولة الاسلامية - داعش" وجبهة النصرة وغيرها. وبسبب القدرة الاعلامية الفائقة القدرة، كان يمكن للأميركيين وحلفائهم، أن يظهروا للرأي العام العالمي أن الدولة السورية تمنع محاربة الارهاب والقضاء عليه، ولا تمتثل للقرارات الدولية  فيما لو رفض السوريون توجيه ضربات لداعش والنصرة على أرضهم، وكانت المعارضة السورية ستتحدث عن صحة ما كانت قد أعلنته " أن داعش هي صنيعة النظام السوري" لذلك لا يريد القضاء عليها، بذريعة السيادة.
ثالثًا: يسعى السوريون الى تظهير مقولة مفادها " أن ما كانت الدولة السورية تحذّر منه وتسعى اليه، وما كانت تعتبره أولوية في مؤتمر جنيف، قد أثبت صحته، وها هو العالم يعتبر مكافحة الارهاب أولوية على تشكيل الحكومة الانتقالية في سوريا". من هنا، فإن السوريون يعتبرون أنه لا يمكنهم التخلي عن محاربة الارهاب على أرضهم، بعدما اقتنع العالم بمنطقهم وصحة توصيفهم لما يجري على ارضهم.
رابعًا: بسبب عدم الثقة بالنوايا المبيتة للأميركيين، ولأنهم كانوا قد أعلنوا مسبقًا أنهم ما زالوا مستمرين بمحاولة اسقاط الأسد، يبدو أن تباين المواقف بين السوريين وحلفائهم، هو نوع من توزيع الأدوار، فالروس والايرانيون يرسمون خطوطًا حمر لأي محاولة لتوسيع التدخل العسكري ليشمل مقرات الدولة السورية وجيشها، بينما يحاول السوريون دخول التحالف الدولي لمكافحة الارهاب من البوابة الخلفية، فيمهدون الطريق أمام أي تغيير في المواقف الأميركية، وملاقاتهم في منتصف الطريق في حال قرروا التخلي عن المجموعات السورية المسلحة، والاعتماد على الجيش السوري في فرض الاستقرار في سوريا. وهكذا يكون النظام قد حفظ نفسه، وأعاد تظهير نفسه "عامل استقرار" في المنطقة، لا بديل عنه لمكافحة الارهاب والقضاء عليه.