2020/02/25

ما الَّذي يمنع عودة الخليجيين إلى سوريا؟

يسير الجيش السّوري بخطى ثابتة نحو تحرير أجزاء واسعة من محافظة إدلب، بعدما استطاع في وقت سابق، وبسرعة قياسية نوعاً ما، تأمين حلب وأريافها وفتح الطريق الدولي "أم 5". ويبدو أنَّ هدفه السّيطرة على الطريق الدولي "أم 4" وتأمينه بشكل نهائيّ.

ومع الإعلان التركي عن قمَّة رباعيّة في 5 آذار/مارس المقبل، بحضور كلٍّ من تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا، يبدو أنَّ الرئيس التركي يحاول أن يستدرج الدَّعم الأوروبي له في مواجهة روسيا، التي تتهمه بعدم الوفاء بالتزاماته بتحييد الإرهابيين، كما وعد سابقاً في اتفاقيات سوتشي.
وفي خضمّ هذا السباق العسكريّ المحموم بين الجيش السّوري وداعميه الإيرانيين والروس من جهة، والأتراك المدعومين "لفظياً" - لغاية الآن - من حلف الناتو والأميركيين، تشي المواقف المتعدّدة بتبدّل حقيقيّ وجذريّ في خريطة الصّراع السوريّ، فهل آن الأوان لعودة سوريا إلى الجامعة العربية أو عودة الخليجيين إلى سوريا؟
إنَّ ما يحصل في الشّمال السوريّ والمواجهة السّورية- التركيّة يريحان الخليحيين، الذين قد يجدون أنَّ تلك المواجهة مقدّمة إلزاميّة لعودة سوريا إلى الجامعة العربيَّة.
وقد ذكرت صحيفة "البيان" الإماراتيّة في إحدى افتتاحياتها، الأسبوع المنصرم، أنَّ "سوريا اليوم بحاجةٍ إلى موقف عربي موحَّد لنسف كلِّ المخطّطات الغربية على هذا البلد... العدوان التركيّ على شمال سوريا هو عدوان على دولة عربية شقيقة، واحتلال لأرضها، وتعريض لأهلها للقتل والتهجير... دمشق متيقّنة من أنَّ عزلها عن عروبتها هو هدف أنقرة".
هذا بالنّسبة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة التي عادت إلى دمشق، وأبدت استعدادها الكامل للانفتاح على الرئيس السوري بشار الأسد، وهي التي كانت في وقت سابق قد أعلنت خروج قواتها من اليمن، وأبقت قنوات الحوار مفتوحة مع الإيرانيين، لكنَّ المشكلة تكمن في قدرة السعوديين على العودة إلى سوريا، والانفتاح على الرئيس الأسد، والمساهمة في إعادة إعمار سوريا، وهو أمر متعلّق بشكل كبير برغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تلك العودة وتشجيعها.
خلال هذه السنة المصيرية في مسار ترامب السياسيّ السّاعي إلى إعادة انتخابه، ترتبط جميع قرارات ترامب المتعلّقة بالشرق الأوسط بمدى تأثير تلك القرارات في الانتخابات سلباً أو إيجاباً.
إنَّ دراسة الكتل الناخبة التي يتّكل عليها ترامب، ورؤيتها للصراع في الشرق الأوسط من زاوية الحفاظ على أمن "إسرائيل"، وتأمين قدرتها على التفوّق على أعدائها، تحقيقاً لنبوءات توراتية، يجعل من الصَّعب على ترامب أن يسير في أي حلٍّ سياسي في سوريا خلال هذه السنة. وبالتالي، سوف يستمرّ في سياسة العقوبات على سوريا ضمن استراتيجية إضعاف كلّ ما يشكّل تهديداً لـ"إسرائيل" وأمنها، ولأنه يعتبر الضّغط على سوريا جزءاً من حربه المفتوحة على إيران.
وعليه، إنَّ عودة السّعودية إلى تطبيع علاقاتها مع سوريا يبدو من الصّعب تحقيقه خلال هذه السنة، إلا إذا قام ترامب بدفع السعوديين إلى العودة أو غضّ النظر عن عودتهم، وذلك ضمن السيناريوهات التالية:
- حصول تطورات إقليمية واستراتيجية ميدانية، يحتاج معها ترامب إلى دفع لاعب جديد إلى الساحة السورية يثق به أكثر من الأتراك.
- خروج الإيرانيين العسكري من الجغرافيا السورية، لانتفاء الحاجة العسكرية إلى ذلك. عندها، يمكن لترامب أن يعتبر ذلك انتصاراً شخصياً له، فيدفع السعوديين إلى مساعدة سوريا، أملاً بإبعادها عن إيران.
- تسليم ترامب نهائياً بالنفوذ الروسي في سوريا، أملاً بمساعدة روسية له في الانتخابات. عندها، سيدفع الخليجيين إلى المساهمة في إعادة الإعمار في سوريا خدمةً للروس.
واقعياً، إنَّ عودة الخليجيين إلى سوريا، وإعادة علاقاتهم مع الحكومة السّورية، والمساهمة في إعادة الإعمار، ستكون مفيدة لهم بقدر ما هي مفيدة لسوريا. 

إنّ الفراغ الاستراتيجيّ الّذي تركه انهزام القوى المعارضة المسلَّحة المدعومة من الخليجيين في وقت سابق، دفع الروس إلى إعطاء المساحة الأكبر للتفاهم مع الأتراك الَّذين استفادوا إلى أقصى حدّ من تلك التفاهمات. 
واليوم، إنّ المواجهة مع تركيا ودخول الخليجيين مجدداً على خطِّ التفاهمات في سوريا، يعيدهم لاعباً أساسياً على طاولة مفاوضات الحلّ النهائيّ السّوريّ، ويفيد سوريا والخليجيين معاً.

2020/02/24

"حرب هجينة" على لبنان... ستفشل


ارتبط مفهوم "الحرب الهجينة" برئيس الأركان العامة الحالي لروسيا، الجنرال فاليري جيراسيموف. في مقال نشر عام 2013، نُشر في مجلة صناعة الدفاع الروسية، أوجز العناصر الرئيسية لما يُعرف - في الغرب- بمبدأ جراسيموف.
        حاول جيراسيموف في ذلك المقال، أن يشرح انطلاقًا من دروس "الربيع العربي"، كيف تطورت أساليب الحرب الشاملة التي تتجاوز الحدود بين السلام الحرب (حرب دائمة)، والتي توصف بأنها مزيج من عناصر مختلفة من القوة الناعمة والصلبة في مختلف المجالات.
شرح جيراسيموف كيف يتمّ استخدام قوات العمليات الخاصة والمعارضة الداخلية من أجل خلق جبهة عاملة بشكل دائم في أنحاء إقليم الدولة العدو كله، ووصّف كيف يختلط فيها استخدام المدني بالعسكري، والاقتصادي والعسكري والسياسي والثقافي، بالاضافة الى التكنولوجيا وحروب المعلومات والاستخبارات، واستخدام الآلة للتدمير والاغتيالات وسواها ... في هذه الحرب، يتم تسخير الآلة العسكرية للتهديد، ولكن أدواتها الحقيقية هي الاعلام والحرب النفسية والعقوبات الاقتصادية وحصار غير معلن.
وهكذا، نجد أن لبنان، الذي تعرّض في السابق لحروب من هذا النوع،  ما زال يعاني من محاولة اعتباره ساحة لتصفية حسابات خارجية اقليمية ودولية، وتستخدمه في حروب النفوذ في الشرق الأوسط. ويبدو أن فشل الآلة العسكرية وعدم قدرتها على تحقيق الأهداف في لبنان، قد دفع الى اعتماد وسائل أخرى؛ اعلامية، اقتصادية، ثقافية وغيرها...
لقد شهد الجميع كيف حاول البعض حرف التظاهرات التي قامت ضد الحكومة اللبنانية - والتي تطالب بحقوق اقتصادية واجتماعية وتطالب برفع الظلم عن اللبنانيين- الى عناوين سياسية خارجية، وعناوين خلافية أضرّت بالمتظاهرين أكثر مما خدمتهم.
وبالتوازي مع محاولة استغلال التظاهرات، عمّق الحصار المالي غير المعلن على لبنان أزمة اللبنانيين الاقتصادية بشكل غير مسبوق، زد على ذلك الشائعات والحروب النفسية الاعلامية المدفوعة والتي تموّلها أجهزة مخابرات وغرف سوداء لا تضمر سوى الشر للبنان وأهله.
لكن، صمود اللبنانيين وتعوّدهم على كافة أنواع الشائعات وتحمّل الضغوط، ورغبتهم في التحدي الدائم لما يراد أن يفرض عليهم من الخارج، جعلهم من أكثر شعوب العالم قدرة على الصبر والتحمل، والتكيّف مع الظروف.
ويمكن القول ان صمود اللبنانيين "الأوادم"، سيدفع الى تذليل العقبات التي يحاول البعض وضعها لمنع الاصلاح والتغيير الحقيقي، وتعطيل قدرة الحكومة الجديدة على تأمين الدعم الخارجي لتخطي الأزمة الاقتصادية والنقدية.
 ويمكن أن نذكر في هذا الاطار، المؤشرات الايجابية التي أتت من قبل كل من فرنسا والسعودية، حيث عبّر وزير المالية الفرنسي برونو لومير عن "استعداد بلاده لتقديم المساعدة المالية للبنان"، مشيرًا الى أنه "لا يجب خلط قضية تعافي الاقتصاد اللبناني بمسألة ايران". أما وزير المال السعودي محمد عبدالله الجدعان، فقال أن "السعودية على تواصل مع الدول المعنية بشأن لبنان وستواصل متابعة ما يحدث"، مؤكدا أن "السعودية كانت وما زالت تدعم لبنان والشعب اللبناني".
بالتأكيد، ستكرّ سبحة التصريحات الخارجية التي تعلن استعدادها لدعم لبنان (لأسباب متعددة)، وما على الدولة اللبنانية إلا أن تبرهن أنها جدية في استعادة الاموال المنهوبة ومكافحة الفساد ووقف الهدر، فلا يمكن أن نتصور أن أحدًا سيكون مستعدًا لدعم لبنان لتكرار نفس السياسات السابقة حيث قام المسؤولون بنهب الخزينة العامة وتهريب أموالهم الى الخارج في عزّ أزمة 17 تشرين. على الحكومة الجديدة، أن تبرهن للبنانيين والخارج، أنها على قدر الآمال المعقودة عليها، وتبدأ بالعمل الجدي للإصلاح، والبقية تأتي.


2020/02/17

الهدف افلاس لبنان أو أبعد من ذلك؟

ليلى نقولا
يومًا بعد يوم تتكشف فصول المؤامرات على لبنان، منذ قرر حاكم مصرف لبنان فجأة عام 2017 أن المصرف لن يدعم القروض الاسكانية بعد الآن، ثم اتخذ قرارًا موازيًا برفع أسعار الفائدة على الودائع، مما ضرب الاقتصاد اللبناني بالصميم... ثم توالت القرارات، مع استمرار تأكيد الحاكم على سلامة الليرة وسلامة الوضع النقدي.
وإذا كان رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، وخلال عودته من نيويورك، وعند سؤاله عن السبب في ارتفاع سعر الدولار اللبناني في السوق بدون مقدمات، كان جوابه "اسألوا رياض سلامة ووزير المال"... وهو جواب كان فيه من الدقة والشفافية ما لم يستطع فهمه بعض الإعلاميين والناشطين، حيث أن وزير المال وفي أوقات سابقة لم يكن شفافًا في مصارحته اللبنانيين حول وضع االخزينة، عندما تحدث عن إعادة جدولة الدين ثم تراجع، ولم يكن شفافًا وصريحًا في اعلان تكلفة سلسلة الرتب والرواتب، التي تبين أن لا إمكانية للخزينة بإيرادتها الحالية على تأمين تغطيتها.
وهكذا، نجد أن ما يحصل اليوم من خوف على أمن اللبنانيين الغذائي مقابل دفع الديون الخارجية، وكشف اللبنانيين أمام عدم القدرة على شراء الطحين والأدوية والمحروقات، كان يمكن تفاديه في وقت سابق، لو تمت مصارحة اللبنانيين بعمق الأزمة، ولو قامت الحكومات اللبنانية السابقة بإجبار رياض سلامة على تقديم كشوفات حقيقية، أو لو تمت إقالته قبل ثلاث سنوات حين كان طرح رئيس الجمهورية الجدّي بضرورة تغيير رياض سلامة بحاكم آخر.
اليوم، نجد أن ما يقوم به رياض سلامة يشبه الى حد بعيد ما قام به منذ ثلاث سنوات، حين دفع الأموال الطائلة للوبيات للضغط لبقائه في وظيفته وتلميع صورته، باعتباره "الحاكم الاستثنائي" الذي بدونه لا يمكن للبنان أن يستمر، وها هو اليوم يقوم بتشغيل نفس اللوبيات للتهويل على الدولة اللبنانية في حال لم تدفع استحقاق سندات اليوروبوند للدائنين في 9 آذار المقبل.
وهكذا، يتبين أن الضغط الداخلي والخارجي لدفع الاستحقاقات في آذار مصدره سلامة وأصدقائه المتمولين في رأس الدولة العميقة (البنوك)،  بالرغم من معرفتهم بأن هذه وصفة لإقلاس لبنان، ويبقى السؤال لماذا؟
الجواب الأوّلي يكمن في وجوب افلاس لبنان لتمرير صفقة القرن، فالهدف الذي سعى له الرئيس الراحل رفيق الحريري منذ التسعينات كان ملاقاة "السلام الآتي" بالاستدانة الهائلة من أجل أن يقوم المجتمع الدولي بشطب ديون لبنان مقابل توطين الفلسطينيين. واليوم، وفي عزّ الحديث عن تلك الصفقة لا يمكن إلا أن نفكر في هذا السيناريو.
والتحليل الأعمق يدفعنا الى مراجعة نشاط سلامة السابق في تطبيق عقوبات أميركية على لبنانيين من أفراد ومصارف (عقوبات غير أممية) والصلاحيات الاستثنائية التي طلبها ولم تقبل بها الحكومة اللبنانية (دافع عنها علنًا المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش!!)، بالاضافة الى تستّره على الأموال المهرّبة الى خارج لبنان بعد أزمة 17 تشرين، قد يدفعنا الى الشكّ بأن سلامة بالفعل يريد للبنان أن يعلن إفلاسه تمهيدًا لوضع اليد عليه من الخارج ووضعه تحت ما يشبه الوصاية  الدولية وإجباره على اتخاذ اجراءات ضد المقاومة ، فما عجزت عنه الحروب العسكرية والحروب الاقتصادية يريد سلامة تنفيذه عبر دفع لبنان الى الافلاس التام.
وسواء كان الهدف توطين الفلسطينيين أو إعلان افلاس لبنان لأهداف أخرى، يبقى ان على الحكومة اللبنانية ان تسائل رياض سلامة على كل ما فعله وتستّر عليه، وإلا سنجد أنفسنا أمام أخطار اقتصادية ونقدية أكبر عاجلاً أم آجلاً.

2020/02/11

سعد الحريري (2005- 2020): من الميليشيا الى الانقلاب

ليلى نقولا
في خضّم الأزمة المصيرية التي يعيشها لبنان منذ 17 تشرين الأول، وبعد استقالته من الحكومة، اعتمد الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري سياسة الاعتكاف والحرد، ومحاولة دفع البلاد للسقوط في الهاوية، علّ السقوط يدفع المعنيين الى محاولة الاستنجاد به "للانقاذ".
ويتجه الحريري هذا الأسبوع، كما يقول مقربون منه، لإطلاق مواقف نارية ضد التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية خلال ذكرى اغتيال والده في 14 شباط، واعلان "الطلاق النهائي" مع التسوية الرئاسية.
وقد يكون من المفيد في معرض هذه المناسبة، إجراء جردة حساب لمسيرة الحريري السياسية منذ اغتيال والده ولغاية اليوم، والتي يمكن ايجازها بالمراحل التالية:
1- المرحلة الأولى: ما بعد اغتيال الأب: تأسيس "ميليشيا"
بعد اغتيال والده في 14 شباط 2005، انساق الشاب اليافع الآتي من خارج الدائرة السياسية كليًا وراء مشاريع السنيورة وصقور المستقبل يضاف اليهم قوى 14 آذار وخاصة جنبلاط، التي أرادت تصفية حساباتها مع النظام السوري عبر تحميله مسؤولية اغتيال الحريري.
شكّلت تلك القوى حجر الزاوية في مشروع الرئيس الأميركي جورج بوش للمنطقة، فاستعانت بالخارج لتنفيذ أجندة تدويل الأزمة ووضع لبنان تحت ما يشبه الوصاية الدولية عبر قرارات الفصل السابع، ثم تمّ ربط لبنان بمشاريع خارجية لاجتثاث المقاومة في لبنان، عبر مشروع "الشرق الأوسط الكبير" والذي كانت حرب تموز إحدى تجلياته، كما قالت كوندوليزا رايس.
الفشل في حرب تموز لم يردع السنيورة وصقور المستقبل، بل تمّ السعي لتحويل تيار المستقبل من تيار العلم والكفاءات (كما أراده المؤسِس) الى "ميليشيا" تتلقى التدريب العسكري والسلاح والتمويل بهدف تحجيم حزب الله في لبنان (كما أعلن فيلتمان)، وذلك تحت نظر الحريري الشاب، فكانت نهاية هذا المسار في 7 أيار 2008.
وكشفت "ويكيليكس"  أنه في 12 أيار من ذلك العام، التقت السفيرة الاميركية سيسون مع سعد الحريري بحضور مستشاريه نادر الحريري وغطاس خوري. وخلال الاجتماع، اقترح الحريري أن تحلّق ولو "طائرة أميركية واحدة" فوق سوريا "تهديدًا" لها، أو تنشر أسطولها البحري السادس على طول الحدود الساحلية السورية، حيث أن قوى 14 آذار لا يمكنها أن تصمد طويلاً (عسكريًا) أمام "حزب الله"، وإلا فقد يضطرون إلى "إبرام اتفاق"...
وفي لقاء آخر بعد مؤتمر الدوحة (24 أيار 2008) التقت سيسون بسعد الحريري، و"كان مزاجه انهزاميًا جدًا"، وقال في معرض قيامه بمراجعة نقدية: "كان علينا أن نفعل ما فعلناه لإنقاذ لبنان".
2- المرحلة الثانية: مصالحة دمشق كبوابة للسرايا الحكومي
عام 2009، وبتشجيع من السعودية قام الحريري بزيارة سوريا، ومصافحة الرئيس السوري بشار الأسد. حصلت بعدها الانتخابات النيابية حيث حصد تحالف قوى 14 آذار الغالبية النيابية، وبنتيجة الزيارة والانتخابات تمّ تكليف الحريري تشكيل الحكومة الجديدة.
 عام 2011، وفي خضّم تطورات الربيع العربي، وبعد قرار الرئيس باراك أوباما التحالف مع "الاخوان المسلمين، ومحاصرة ما يسمى "حلف الاعتدال" الذي تتزعمه السعودية وإحلال "الاسلام التركي المودرن" مكانه، وعودة الحديث الى وجوب اسقاط النظام السوري، تمّت الاطاحة بالحريري في بيروت بعد خلاف مع شركائه في السلطة على المحكمة الدولية وقضية شهود الزور.
وفي مراجعة لتلك المرحلة (حوار مع صحيفة النهار في14 شباط عام 2019)، وحول زيارة دمشق، يقول الحريري: "من الصعب أن يسلّم الشخص على من قتل أباه، لكنني قمت بهذا الأمر من أجل بلدي وليس من أجلي. أعتبرها من أصعب اللحظات التي خضتها في حياتي. وشخصيًا لم أستفد من هذه المصافحة". وأضاف: "أقول لمَن يلومني على قيامي بهذا الأمر: ماذا استفدت أنا من الأمر سوى أني ذُبحتُ شخصيًا. كل ما قمت به هو للبنان"....
3- المرحلة الثالثة: التسوية الرئاسية "بوابة" السرايا بعد الافلاس
بعد انخراط قوى 14 آذار بشكل عام، وتيار المستقبل بشكل خاص في دعم "الثورة" السورية لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، تأخرت عودة الحريري الى الحكم في لبنان...
عام 2016، وفي لحظة مؤاتية اقليمية ودولية، في عزّ تراجع قوى 14 آذار، وبعدما تعرضت أعماله وشركاته في لبنان والخارج للافلاس، أجرى الحريري "تسوية" مع الوزير جبران باسيل، بموافقة حزب الله ومباركته، قضت بوصول الحريري الى رئاسة الحكومة مقابل وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية.
لم يمضِ الكثير على التسوية، حتى بدا أن السعودية تريد اسقاطها، فكانت عملية استدعاء الحريري الى السعودية واحتجازه لإجباره على الاستقالة في تشرين الثاني 2017، موجّهًا الاتهام الى حزب الله بمحاولة اغتياله كما حصل مع والده.
كانت تجربة قاسية على الجميع، قام خلالها الرئيس عون بتحدّي الإرادة السعودية، بعدم قبول استقالة الحريري واشتراط تقديمها بنفسه في بعبدا، أما وزير الخارجية جبران باسيل فطاف العالم لكسب الدعم ومحاولة الضغط على السعودية للافراج عن الحريري. وبالفعل، عاد الحريري الى بيروت، وتوعد بـ "بق البحصة" وكشف جميع المتآمرين، لكنه لم يفعل.
4- حراك 17 تشرين: الانقلاب!
باءت جميع المحاولات التي قام بها الحريري لتحسين علاقاته مع السعودية بالفشل. ولقد ظهر جليًا، بعد الانتخابات النيابية عام 2018، والتي حصد فيها التيار الوطني الحر وحزب الله وحلفائهما الغالبية النيابية، أن السعودية لن ترضى على الحريري الذي تتهمه بـ "الضعف" أمام جبران باسيل وحزب الله.
وكانت المظاهرات التي حصلت في 17 تشرين الاول فرصة ذهبية للحريري للانقضاض على حلفائه في السلطة، وتحميلهم مسؤولية الفشل، فاستقال محاولاً العودة على حصان أبيض باسم "الحراك"، من خلال تلبية مطالب الخارج باخراج حزب لله من الحكومة واضعاف التيار الوطني الحر. خطة لم يكتب لها النجاح، بسبب الفيتو السعودي على عودة الحريري والذي تمظهر بغياب الدعم القواتي لإعادة تكليفه. فكانت حكومة حسان دياب.
وهكذا، يتجه الحريري في 14 شباط 2020، للقيام بمراجعة شبيهة بالمراجعات النقدية السابقة، فيعلن أنه "اضطر" على عقد التسوية الرئاسية مع باسيل "من أجل لبنان"، وانه- شخصيًا- دفع ثمنها الكثير"، تمامًا كما وصّف كل ما فعله واتخذه من خيارات سياسية سابقة بأنه كان "مضطرًا... من أجل لبنان".
لكن، مهما يكن من أمر تلك المراجعات النقدية المتكررة، يبقى الأهم في نجاح المسيرة السياسية الداخلية للحريري وتيار المستقبل - المرتبط عضويًا بالمملكة العربية السعودية- مدى اقتناع الحكام السعوديين بقدرتهم على الاتكال عليه كحليف قوي قادر على الحفاظ على مصالحهم الحيوية في لبنان.

مهزلة "صفقة القرن".. "اسرائيل" تطالبنا بتعويضات


ليلى نقولا

من الناحية القانونية والسياسية، يرتبط "حق العودة"  للاجئين الفلسطينيين بحقهم في "تقرير المصير"، الذي تحوّل الى احدى القواعد الآمرة في القانون الدولي، بحيث يمكن إبطال أي اتفاق دولي يخالفه أو يعرقله.

  واذا اخذنا المادة 13 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان وبنود اتفاقية جنيف الرابعة وغيرها من اتفاقيات القانون الدولي الانساني، نجد أن حق اللاجئين الفردي والجماعي بالعودة إلى ديارهم والعيش في وطنهم هو حق طبيعي وأساسي من حقوق الإنسان، ويستمد مشروعيته من حقهم التاريخي في وطنهم، ولا يغيّره أي حدث سياسي طارئ، أو أي اتفاقية ثنائية، ولا يسقطه أي تقادم. وحقوق اللاجئين هذه في العودة الى "بلدهم" لا تنحصر في دولة "الجنسية" فحسب - كما تدّعي اسرائيل - انما تشمل مكان إقامتهم الذي تمّ تهجيرهم منه بالأساس.

كما أن مبادئ القانون الدولي أيضًا، تكفل للاجئ - سواء اختار العودة إلى دياره أم عدم العودة- حقّ الحصول على التعويض المناسب، فالتعويض هو حقّ ملازم لحقّ العودة الى الديار، يستفيد منه كل لاجئ أو مهجّر أو مبعد سواء عاد أم لم يعد إلى دياره، علمًا أن التعويض يعتبر عنصرًا مكملاً لحقّ العودة وليس بديلاً عنه بتاتًا كما كانت الدول الغربية واسرائيل تحاول أن تدّعي في معرض محاولات حلّ القضية الفلسطينية في السابق.

ومع طرح خطة ترامب للسلام المسماة  "صفقة القرن"، نجد أن كل ما يكفله القانون الدولي للفلسطينيين قد تمّ خرقه، وتراجعت الخطة حتى عن طرح مقابل مادي كبديل عن عودة الفلسطييين الى ديارهم، وتمادت لتطلب تعويضًا لليهود من الدول العربية والاسلامية!! فماذا في خطة ترامب؟

أدرج خطة ترامب تصورًا لحلّ قضية اللاجئين تقوم على ما يلي:

أولاً- بداية، تؤكد الخطة أن "المقترحات التي تطالب بأن توافق دولة إسرائيل على استقبال اللاجئين الفلسطينيين، أو الوعد بعشرات المليارات من الدولارات كتعويض للاجئين، لم تكن واقعية ولم يتم تحديد مصدر تمويل موثوق به".

ثانيًا- تعرض هذه الخطة ثلاثة خيارات للاجئين الفلسطينيين الذين يبحثون عن مكان إقامة دائم:

أ- الاستيعاب داخل دولة فلسطين وستكون عودة محدودة، مع استثناء اللاجئين الفلسطينيين في سوريا (التي مزقتها الحرب) ولبنان (لأنه معادي لاسرائيل).

ب- الاندماج المحلي في البلدان المضيفة الحالية (رهن بموافقة تلك البلدان).

ج-  قبول 5000 لاجئ كل عام لمدة تصل إلى عشر سنوات (50000 لاجئ إجمالي)، في كل دولة من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي الذين يوافقون على المشاركة في إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين.

ثالثًا: بعكس ما كان يطمح اليه بعض الساسة اللبنانيين في التسعينات من القرن العشرين وما بعدها، من الذين أفرطوا في الاستدانة طمعًا بتسديد ديون لبنان مقابل توطين اللاجئين، فإن خطة ترامب لا تعرض أي مقابل مادي مقابل توطين الفلسطينيين، كل ما تعرضه هو بعض القروض لتحسين البنى التحتية والقطارات وسواه وتحسين شروط التكامل الاقليمي (تمهيدًا لأن تصبح اسرائيل دولة طبيعية ضمنه).

رابعًا: واستكمالاً لخرق القانون الدولي ولتمييع قضية اللاجئين الفلسطينيين الى أقصى حد، تدّعي الخطة أن نفس العدد من اليهود والعرب شردهم النزاع العربي الإسرائيلي.، فتذكر حرفيًا؛ " كما تعرض اللاجئون اليهود الذين أجبروا على الفرار من الدول العربية والإسلامية. استقر معظمهم في دولة إسرائيل واستقر بعضهم في أماكن أخرى. يجب أيضًا معالجة قضية اللاجئين اليهود، بما في ذلك التعويض عن الأصول المفقودة".

وتؤكد أن " دولة إسرائيل تستحق التعويض عن تكاليف استيعاب اللاجئين اليهود من تلك البلدان. لذا يجب تنفيذ حل عادل ومنصف وواقعي للقضايا المتعلقة باللاجئين اليهود من خلال آلية دولية مناسبة منفصلة عن اتفاقية السلام الإسرائيلية الفلسطينية".!!

وهكذا، تكون خطة ترامب ليس فقط تراجعت عما يكفله القانون الدولي للاجئين الفلسطينيين من حقوق بالعودة والتعويض، بل قد تجد الدول العربية نفسها قريبًا مطالبة بسداد تعويضات بمليارات الدولارات لمواطنيها اليهود الذين هاجروا للاستيطان في فلسطين المحتلة، وقد تكون مطالبة بسداد تعويضات لاسرائيل نفسها، وقد يتم ابتزازها لعقود كما حصل مع المانيا بعد الحرب العالمية الثانية!.


2020/02/10

لبنان..."التكفير" و"التوطين" باسم الثورة!

ليلى نقولا
تتجه الأنظار الى الجلسة النيابية التي ستعقد في البرلمان اللبناني لمناقشة البيان الوزراي للحكومة الجديدة، والتي ستنطلق بعدها "الورشة" الحكومية الانقاذية وتطبيق بنود الورقة الاصلاحية والبنود التي وردت في موازنة 2020.

وقد يكون أخطر ما سيواجه هذه الحكومة، هو استحقاق الدفعة الأولى من دين الدولة بالدولار الأميركي لهذا العام، والذي يبلغ ما مجموعه ثلاث مليارات ونصف دولار أميركي، ويشير العديد من الاقتصاديين الى أنه من الأفضل للدولة اللبنانية ان تتخلف "إراديًا" عن الدفع مع التفاوض مع الدائنين على إعادة الجدولة، لكي تضمن القدرة على شراء الدواء والقمح والوقود وغيرها من مستلزمات العيش اللبناني.

وفي خضّم هذه الأزمة، تنقسم آراء الشارع اللبناني، بين مؤيدين للحكومة، ومعارضين لها، الذين بدورهم ينقسمون الى عدّة آراء فمنهم من يريد ان يعطي فرصة للحكومة خاصة في ظل أوضاع اللبنانيين الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، ومنهم من يريد اسقاطها مبكرًا معتبرًا أن لا أمل يرتجى بأي مقاربة انقاذية تأتي من نفس السلطة السياسية.

وبغض النظر عن صحة وجهات النظر أعلاه أو عدمها، يبقى أن هناك توجهًا خطيرًا تختزنه بعض القوى "الثورية"، يُخشى معه أن يتحول لبنان الى دولة قمعية ديكتاتورية، أين منها ديكتاتوريات العالم الثالث الثورية التي قتلت وقمعت معارضيها بحجة حماية الثورات ونقاوتها.

عمليًا، تشهد الساحة الاعلامية والسياسية اللبنانية، منذ اندلاع الثورة، اتجاهًا لتكفير وشيطنة وذمّ كل من يتجرأ وينتقد "الثورة". وبات على كل سياسي أو ناشط أو اعلامي، أن يردد "اللازمة الثورية" بأن الثورة محقة والناس نزلت بعفوية، ويرجم السلطة السياسية بأكملها... ليستطيع بعدها أن يعبّر عن رأيه الشخصي سواء كان مؤيدًا أو معارضًا للثورة.

وتأكيدًا على ما سبق، نجد أن "البيان الوزاري البديل" المقترح من أحد منظمات الثورة، وفيه جملة من المعايير الخطيرة على الديمقراطية والتي تنتهك الدستور اللبناني وتمسّ بمساواة اللبنانيين بدون تمييز بينهم، منها على سبيل المثال لا الحصر:

1- "المعايير الخاصة للوزراء والوزيرات ورئيس/ة الحكومة" التي يمكن أن تقبل بها الثورة،  ومن جملة الشروط:

- "أن يكون لديهم مواقف إيجابية من الثورة، أو على الاقل لم يكن لهم/ن مواقف سلبية من الثورة"!! وهذا يعني أن الموقف "الكلامي" هو جريمة تحرم صاحبها من أي طموح سياسي في المستقبل....

- وأن "لا يكون لديهم طروحات رجعية"! (من يصنّف الطروحات بأنها رجعية أو تقدمية؟.

- "من خارج المؤيدين بمواقفهم لأي من قوى السلطة"!! حتى التأييد بالموقف ولو لم تكن منتميًا أو منتفعًا أو مشاركًا بالسلطة، هو جريمة بنظر "القوى الثورية"!

وقد لا نستغرب أن يكون هناك فحص للنوايا والقلوب، فإذا تعاطفت قلبيًا مع أحد من المشاركين في السلطة فأنت مجرم ومحروم من حقوقك السياسية بالترشح لمنصب عام بنظر هذه القوى...

2- لا يكتفي البيان الوزاري البديل بسردية التكفير والارهاب الفكري تلك، بل يزيد عليها "وصفة جاهزة" للتوطين وملاقاة صفقة القرن، حيث يدرج في بند "الرعاية الاجتماعية اللبنانية"، النصّ التالي:

"توقيع المعاهدات الدولية الضامنة لحقوق اللاجئين والعمل على استقدام مساعداتٍ ماليّةٍ وعينيّةٍ فوريّةٍ لوزارة الشّؤون الاجتماعيّة؛ فعلى المجتمع الدّوليّ تحمّل مسؤوليّته إزاء اللّاجئين/ات السّوريّين/ات في لبنان، وستقوم الحكومة:

- بتجهيز مخيّمات اللّاجئين/ات بالبنى التّحتيّة اللّازمة،

- وبتأمين ضمانٍ صحّيٍّ شاملٍ للّاجئين/ات.

إعطاء الفلسطينيّين/ات المقيمين/ات على الأراضي اللّبنانيّة حقوقهم/هنّ المدنيّة الكاملة، كالحقّ بالعمل والتّملّك والتّأمينات الاجتماعيّة".

وهكذا نجد أن "التكفير" يقابله انخراط بعض الثوار بشكل كامل في مشاريع خارجية مشبوهة، فالنص السابق يبدو مقدمة لتوطين الفلسطينيين وتذويبهم في المجتمع اللبناني كما تبغي صفقة القرن تمهيدًا لاسقاط  حق عودتهم الى فلسطين المحتلة، بالاضافة الى محاولة إبقاء السوريين في المخيمات في لبنان كما تطمح الدول الكبرى التي تريد استخدامهم وسيلة للضغط على لبنان وسوريا خلال مفاوضات الحل النهائي.

بالنتيجة، يبقى على الثورة أن تطهر نفسها بنفسها، ويبقى التعويل على الثوار الحقيقيين الذي نزلوا للاصلاح والبناء ولتأسيس دولة الحق والقانون التي تحترم جميع أبنائها وتعاملهم بمساواة وتكفل حقوقهم في التعبير والتجمع والنقد وحقهم في التغيير بالوسائل السلمية.

لبنان..."التكفير" و"التوطين" باسم الثورة!

ليلى نقولا
تتجه الأنظار الى الجلسة النيابية التي ستعقد في البرلمان اللبناني لمناقشة البيان الوزراي للحكومة الجديدة، والتي ستنطلق بعدها "الورشة" الحكومية الانقاذية وتطبيق بنود الورقة الاصلاحية والبنود التي وردت في موازنة 2020.

وقد يكون أخطر ما سيواجه هذه الحكومة، هو استحقاق الدفعة الأولى من دين الدولة بالدولار الأميركي لهذا العام، والذي يبلغ ما مجموعه ثلاث مليارات ونصف دولار أميركي، ويشير العديد من الاقتصاديين الى أنه من الأفضل للدولة اللبنانية ان تتخلف "إراديًا" عن الدفع مع التفاوض مع الدائنين على إعادة الجدولة، لكي تضمن القدرة على شراء الدواء والقمح والوقود وغيرها من مستلزمات العيش اللبناني.

وفي خضّم هذه الأزمة، تنقسم آراء الشارع اللبناني، بين مؤيدين للحكومة، ومعارضين لها، الذين بدورهم ينقسمون الى عدّة آراء فمنهم من يريد ان يعطي فرصة للحكومة خاصة في ظل أوضاع اللبنانيين الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، ومنهم من يريد اسقاطها مبكرًا معتبرًا أن لا أمل يرتجى بأي مقاربة انقاذية تأتي من نفس السلطة السياسية.

وبغض النظر عن صحة وجهات النظر أعلاه أو عدمها، يبقى أن هناك توجهًا خطيرًا تختزنه بعض القوى "الثورية"، يُخشى معه أن يتحول لبنان الى دولة قمعية ديكتاتورية، أين منها ديكتاتوريات العالم الثالث الثورية التي قتلت وقمعت معارضيها بحجة حماية الثورات ونقاوتها.

عمليًا، تشهد الساحة الاعلامية والسياسية اللبنانية، منذ اندلاع الثورة، اتجاهًا لتكفير وشيطنة وذمّ كل من يتجرأ وينتقد "الثورة". وبات على كل سياسي أو ناشط أو اعلامي، أن يردد "اللازمة الثورية" بأن الثورة محقة والناس نزلت بعفوية، ويرجم السلطة السياسية بأكملها... ليستطيع بعدها أن يعبّر عن رأيه الشخصي سواء كان مؤيدًا أو معارضًا للثورة.

وتأكيدًا على ما سبق، نجد أن "البيان الوزاري البديل" المقترح من أحد منظمات الثورة، وفيه جملة من المعايير الخطيرة على الديمقراطية والتي تنتهك الدستور اللبناني وتمسّ بمساواة اللبنانيين بدون تمييز بينهم، منها على سبيل المثال لا الحصر:

1- "المعايير الخاصة للوزراء والوزيرات ورئيس/ة الحكومة" التي يمكن أن تقبل بها الثورة،  ومن جملة الشروط:

- "أن يكون لديهم مواقف إيجابية من الثورة، أو على الاقل لم يكن لهم/ن مواقف سلبية من الثورة"!! وهذا يعني أن الموقف "الكلامي" هو جريمة تحرم صاحبها من أي طموح سياسي في المستقبل....

- وأن "لا يكون لديهم طروحات رجعية"! (من يصنّف الطروحات بأنها رجعية أو تقدمية؟.

- "من خارج المؤيدين بمواقفهم لأي من قوى السلطة"!! حتى التأييد بالموقف ولو لم تكن منتميًا أو منتفعًا أو مشاركًا بالسلطة، هو جريمة بنظر "القوى الثورية"!

وقد لا نستغرب أن يكون هناك فحص للنوايا والقلوب، فإذا تعاطفت قلبيًا مع أحد من المشاركين في السلطة فأنت مجرم ومحروم من حقوقك السياسية بالترشح لمنصب عام بنظر هذه القوى...

2- لا يكتفي البيان الوزاري البديل بسردية التكفير والارهاب الفكري تلك، بل يزيد عليها "وصفة جاهزة" للتوطين وملاقاة صفقة القرن، حيث يدرج في بند "الرعاية الاجتماعية اللبنانية"، النصّ التالي:

"توقيع المعاهدات الدولية الضامنة لحقوق اللاجئين والعمل على استقدام مساعداتٍ ماليّةٍ وعينيّةٍ فوريّةٍ لوزارة الشّؤون الاجتماعيّة؛ فعلى المجتمع الدّوليّ تحمّل مسؤوليّته إزاء اللّاجئين/ات السّوريّين/ات في لبنان، وستقوم الحكومة:

- بتجهيز مخيّمات اللّاجئين/ات بالبنى التّحتيّة اللّازمة،

- وبتأمين ضمانٍ صحّيٍّ شاملٍ للّاجئين/ات.

إعطاء الفلسطينيّين/ات المقيمين/ات على الأراضي اللّبنانيّة حقوقهم/هنّ المدنيّة الكاملة، كالحقّ بالعمل والتّملّك والتّأمينات الاجتماعيّة".

وهكذا نجد أن "التكفير" يقابله انخراط بعض الثوار بشكل كامل في مشاريع خارجية مشبوهة، فالنص السابق يبدو مقدمة لتوطين الفلسطينيين وتذويبهم في المجتمع اللبناني كما تبغي صفقة القرن تمهيدًا لاسقاط  حق عودتهم الى فلسطين المحتلة، بالاضافة الى محاولة إبقاء السوريين في المخيمات في لبنان كما تطمح الدول الكبرى التي تريد استخدامهم وسيلة للضغط على لبنان وسوريا خلال مفاوضات الحل النهائي.

بالنتيجة، يبقى على الثورة أن تطهر نفسها بنفسها، ويبقى التعويل على الثوار الحقيقيين الذي نزلوا للاصلاح والبناء ولتأسيس دولة الحق والقانون التي تحترم جميع أبنائها وتعاملهم بمساواة وتكفل حقوقهم في التعبير والتجمع والنقد وحقهم في التغيير بالوسائل السلمية.


2020/02/03

صفقة القرن"..هل هي خطة بيلين - أبو مازن 1995؟


في لحظة تاريخية هامة وخطيرة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحضور رئيس الوزراء "الاسرائيلي" بنيامين نتنياهو، بنود ما تمّ الاصطلاح على تسميته "صفقة القرن"، كمقدمة لمفاوضات مفترضة بين الاسرائيليين والفلسطينيين أعطاها ترامب مهلة 4 سنوات للنجاح.

وبالرغم من كل ما قيل عربيًا وعالميًا وفلسطينيًا، يبقى الأكثر غرابة على الاطلاق ما قاله الرئيس الفلسطيني محمود عباس في معرض ردّه على الصفقة، الذي لم يكن بمستوى الحدث الجلل ولا بمستوى المؤامرة على الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.

لقد اختصر أبو مازن رفضه لصفقة القرن بالقدس فقط، واعتبر أن "بداية الحديث كفر" وذلك لعدم اقرار الصفقة بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين. لم يتحدث أبو مازن مطلقًا عن اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، ولم يتحدث عن المستوطنات التي تقضم الجغرافية الفلسطينية، ولم يشر من قريب ولا من بعيد الى موضوع السيادة التي لا تتمتع بها الدولة الفلسطينية الموعودة، ولا حتى بعدم قدرتها على إجراء علاقات مع الخارج.

والمستغرب الأكبر، أن يختصر أبو مازن موضوع الصفقة بأمر كان قد فرّط فيه هو من قبل، حيث أن جميع الوثائق الفلسطينية والاسرائيلية والأميركية تشير الى قيام أبو مازن (بصفته أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية) نفسه بالتفريط بالقدس في ما سمي حينها "تفاهم بيلين - أبو مازن" والذي حاول الرئيس الأميركي بيل كلينتون البناء عليه لمفاوضات الحلّ النهائي.

وفي البحث عن تلك الوثيقة في الارشيف الصحفي والوثائقي، لا نجد أي حديث صريح لمحمود عباس ينفي فيه قيامه بالتفاهم مع يوسي بيلين على وضع خطة لتوسيع الحدود البلدية للقدس، وإنشاء مجلس مدينة شامل، وضم أبو ديس إلى قرية العيزرية وبعض القرى المجاورة، لتكون عاصمة للدولة الفلسطينية المزمع إقامتها... كما تنص التفاهمات على بقاء القدس موحدة وغير مقسمة، وتكون الأماكن المقدسة في وضع شبيه بالفاتيكان أما السيادة التي تتجاوز الحدود الإقليمية على جبل الهيكل فيتم نقلها إلى الفلسطينيين.

وتشير العديد من المراجع الى أن قيام السلطة الفلسطينية ببناء المقر البرلماني للمجلس التشريعي الفلسطيني في أبو ديس كان تنفيذًا للخطة (رفض أعضاء المجلس التشريعي بعد أول انتخابات جرت عام 1996 هذا المقر لأنه خارج القدس، والمطلوب أن يكون المقر داخل القدس، وطرحوا فكرة مقرّين مؤقتين في رام الله وغزة).

وفي مراجعة دقيقة لنص تلك التفاهمات نجد أن هناك قبولاً بضمّ إسرائيل بعض الكتل الاستيطانية التي يقيم فيها غالبية المستوطنين، في مقابل تبادل للأراضي ( وهو نفسه ما عبّر عنه ترامب بزيادة مساحة الأرض الفلسطينية في صفقة القرن).

كما تشمل التفاهمات أيضًا الاتفاق على الترتيبات الأمنية لمدة 12 عامًا، وحلًا لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يقوم على أساس تأسيس "اللجنة الدولية للاجئين الفلسطينيين" كهيئة دولية جديدة تعمل على إعادة تأهيل اللاجئين، وتأمين استيعابهم في دول وأماكن إقامتهم،  وتحسين أوضاعهم المعيشية والاقتصادية والاجتماعية، وتذويبهم في الحياة اليومية للمجتمعات التي يعيشون فيها، وبالتالي تحلّ وكالة الاونروا.

وبالرغم من إنكار أبو مازن للتفاهمات، وقبل شهرين من قمة كامب ديفيد، قام ساندي بيرغر، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي بيل كلينتون، بزيارة إسرائيل والتقى المسؤولين الفلسطينيين والاسرائيليين، وكان استنتاجه أنه سيكون من المفيد اقتراح أن تستند المفاوضات حول التسوية الدائمة إلى تفاهمات بيلين - أبو مازن.

إذًا، هي أفكار قديمة كانت قد طرحت عام 1995، أعاد الرئيس ترامب إحيائها في ما سمي "صفقة القرن"، وضمّ على أساسها القدس كاملة الى السيادة الاسرائيلية في أخطر خطوة تنتهك القانون الدولي. لكن المستغرب، أن يكون الرئيس محمود عباس، وبالرغم من اقراره في مؤتمره الصحفي بأن بنود الصفقة قد اعطيت له قبل سنتين، فلماذا بقي ينتظر اعلانها بدون أي خطة مضادة؟ ولماذا رفضها ولم يعلن أي خطة واقعية عملية هجومية الآن لإفشالها؟.