2014/11/30

أردوغان عدوّ المرأة المسلمة

30/  تشرين الثّاني /2014
د. ليلى نقولا الرحباني

يومًا بعد يوم، تتجه تركيا الى السلطوية، في ظل حزب العدالة والتنمية وخاصة في ظل الشخصية المعقّدة والتسلطية لرجب طيب أردوغان. و نقول سلطوية، باعتبار أنه لا يمكن بعد كل الإجراءات التي يتخذها أردوغان وحزبه، أن نطلق على تركيا صفة الديمقراطية، ولم تصل الى درجة الديكتاتورية بعد. علمًا أن السلطوية تعتبر حكم يتميز بدرجة عالية من قوة الدولة والغياب الغالب للإجراءات المتعلقة بالموافقة الشعبية أو حماية حقوق الأفراد، وأصحابها يعتبرون بأن على المواطنين طاعة السلطة وخدمتها وأن السلطة تسبق الفرد في ميزان قيام المجتمع.
وتظهر سلطوية الحكم التركي من خلال ما يقوم به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من ممارسات بعيدة عن النمط الديمقراطي المعروف باحترام رأي الشعب وحرياته وحقوقه، كما ضمان حقوق الأفراد، وحماية الأقليات وخصوصياتهم الثقافية، علمًا أنه يُشهد للإتراك وخاصة حزب العدالة والتنمية قدرته على خداع الغرب لسنوات، لدرجة أن الأميركيين طرحوا فرض "النموذج التركي" على الدول العربية التي كانت جزءًا مما يسمى الربيع العربي.
وقد يكون مفهومًا - نوعًا ما- هذا التصلب التركي، والحقد الذي بات شخصيًا على الرئيس بشار الأسد، باعتبار أن الأسد وصمود نظامه وجيشه قد يكونان السبب في انهيار مشروع السلطنة العثمانية الجديدة الذي حلم به أردوغان وكاد أن يتحقق، لولا أنه استفاق في حزيران 2013، ليجد أن كل شيء تبخّر. وقد يكون من الطبيعي، ان يكنّ أردوغان الحقد على المشير عبد الفتاح السيسي بنفس القوة والكراهية التي يكنّها لبشار الأسد، باعتبار أن الأسد صمد وخلخل أساسات المشروع الإمبراطوري الأخواني، وأتى السيسي فقضى عليه الى غير رجعة.
ولكن، ما هو غير مفهوم، هو هذا الحقد الذي يكنّه أردوغان للنساء بشكل عام، والذي يطرح علامات استفهام كبرى، إذ لم يكتفِ أردوغان بإنكار المساواة بين الرجل والمرأة، بل تدخل في الحرية الشخصية للمرأة وللعائلة ككل، عندما اعتبر أنه "يجب" على المرأة التركية أن تنجب أطفال ثلاث، وأن المرأة لا يجب أن تضحك في المكان العام، والأخطر والذي لا سابقة له، هو رفضه لمبدأ العملية القيصرية في الولادة!.
العجيب الغريب، أن أردوغان يعتبر الولادة القيصرية وكأنها ترفًا تقوم به المرأة، كعمليات التجميل وغيرها. وفي هذا إما جهل من قبل القائل، أو استهتار بحق المرأة في الحياة هي وجنينها في حال تعذرت عليها الولادة الطبيعية. وإذا كان لإردوغان أن يجد في تفسيراته الخاصة للدين الاسلامي، وفي استرجاعه للثقافة والعادات القرو- أوسطية بعض الدعم لنظرياته الفذّة، ولكن أنّى له أن ينصّب نفسه طبيبًا، وينكر على المرأة حقها في الحياة، وهو أبسط حقوق الإنسان الطبيعية الذي كفلته جميع الشرائع السماوية وغير السماوية، وكفلته المواثيق والاعلانات القانونية.
النتيجة، بات أردوغان بحاجة الى وقفة ضمير حقيقية مع نفسه، وبحاجة الى من يصدقه القول، بأن ما تشكّى منه أمام البابا فرنسيس من أن "العنصرية والتمييز وكراهية الآخر، والاسلاموفوبيا، تتنامى بشكل خطير في الغرب"، قد تكون تصرفاته وتصريحاته وتصرفات الاسلام السياسي الذي يديره سببًا رئيسيًا فيها، وخاصة أنهم يعيدون تصرفاتهم ويردونها الى الدين الاسلامي باعتبار أنهم يحتكرون تفسيره، ويصورون أنفسهم على أنهم "أصحاب الحقيقة الاسلامية" الوحيدة... نعم، يعاني المسلمون من بعض الممارسات في الغرب، ولكن السبب ليس داعش وبوكو حرام والقاعدة وحدهم، بل تصريحات اردوغان المسيئة للمرأة أيضًا. فهل ستكون نهاية 
الأردوغانية على يد المرأة التركية؟

2014/11/26

المحكمة الخاصة بلبنان: دواء لكل داء؟

د. ليلى نقولا الرحباني
لم تضف شهادة الوزير مروان حمادة  في المحكمة الخاصة بلبنان شيئًا الى ما يعرفه اللبنانيون عن الاتهام الذي وجهته قوى 14 آذار الى سوريا ثم حزب الله باغتيال الرئيس الحريري، وما كان قد تمّ تداوله لسنوات في حمأة الحديث عن ضرورة تأسيس المحكمة والوجهة التي ستركز عليها اتهاماتها، وخاصة حينما كانت الاتهامات موجهة الى النظام السوري آنذاك، أي في الفترة الممتدة من 2005 ولغاية أيار 2009، قبل أن ينتقل الاتهام الى الداخل اللبناني باتهام عناصر من حزب الله بذلك الاغتيال، عبر تسريب دير شبيغل، ثم في القرارات الاتهامية التي صدرت عن الإدعاء العام في المحكمة.
ويخشى البعض من أن تعيد شهادات المحكمة عقارب الساعة الى الوراء في لبنان بأن تعيد تأجيج الفتنة السنية - الشيعية، ولكن الواضح، من خلال شهادة مروان حمادة وما يقال عن شهادات أخرى ستليه، بأن كل ما يقال كان قد تمّ نشره سابقًا في الصحف وقيل عبر وسائل الاعلام المختلفة، ولم تضف أي جديد، أو تقدم أي دليل حسّي ملموس يثبت الاتهام ويضيف الى الأدلة الظرفية التي يستند اليها مدعي عام المحكمة. وعليه، إن بناء القضية  على أساس التوتر الذي كان سائدًا في علاقة الرئيس الحريري بالنظام السوري، لا يعني اثبات أنها انسحبت على علاقته بحزب الله، الذي شهد لقاءات عدّة بين السيد حسن نصرالله والرئيس الحريري امتد بعضها لساعات عدّة، كما أن التوتر السياسي لا يعني بالضرورة الوصول الى درجة الاغتيال.
ويبقى ما يُمكن أن يشار اليه في موضوع المحكمة الخاصة بلبنان، هو التقرير السنوي الخامس للمحكمة لسنة 2013- 2014 الذي رفعه رئيس المحكمة دايفيد باراغوانث معتبرًا أن المحكمة ستسهم في تعزيز سيادة القانون في لبنان... ولديها مهمة مساعدة حكومة لبنان وشعبه في جهودهما الحثيثة لإرساء سيادة القانون.... ومساعدة شعب لبنان ومؤسساته في جهودهم الرامية الى اعادة ارساء السلام وبسط الامن".
بداية، من المهم لفت نظر المحكمة ورئيسها، الى أن توسيع مهام العدالة الجنائية، لتضم بالاضافة الى تحقيق العدالة والانصاف للضحايا، مهام أخرى كإرساء السلام وبسط الأمن، ومساعدة الحكومة على بسط سيادة القانون، تعطي انطباعًا وكأن "العدالة الجنائية الدولية" هي الوصفة السحرية التي تعطى كدواء لكل داء في المجتمعات الخارجة من الصراع، أو أنها ترياق شافٍ يمنع العودة الى النزاعات ويبسط السلام والأمن ويؤدي الى المصالحة، وهذا غير صحيح وغير صحي على الاطلاق.
أما بالنسبة لسيادة القانون، فبالرغم من مساهمة المحاكم الجنائية الدولية في احترام حكم القانون باعتبار أن "لا أحد فوق القانون مهما علت مرتبته" وأن عهد الافلات من العقاب من خلال التذرع بالحصانة قد ولّى، ولكن يبقى أن سيادة حكم القانون في بلد ما لا تكفيه محاكمة واحدة ليتحقق.
إن سيادة حكم القانون في لبنان، يعني أنه لا يجب التمييز بين الضحايا، بل مساواة تامة للضحايا أمام القانون وإنصافهم بالتساوي وذلك عبر محاسبة مجرمي الحرب الاهلية عن الجرائم التي ارتكبوها، ومعرفة مصير 17000 مفقود ما زالت عائلاتها محرومة من أبسط حقوق الضحايا وهي الحق في معرفة الحقيقة.
إن سيادة حكم القانون في لبنان، تعني مساواة الجميع أمام القانون وفي القانون ذاته، وتعني أنه بات بامكان اللبنانيين محاسبة نوابهم المتورطين بالارهاب الذي تقاضيه المحكمة الخاصة بلبنان، وتعني أنه بالامكان اعتقال من يثبت تورطه سواء في التحريض أو التمويل أو الدعم أو المشاركة في أعمال إرهابية سواء ضد المواطنين الأبرياء أو ضد الجيش اللبناني أو ضد المسؤولين السياسيين الذين يتعرضون للاغتيال بسبب مواقفهم السياسية.
إن سيادة حكم القانون في لبنان، ليس شعرًا يُكتب على ورق، بل ممارسة عملية تمتد من أعلى الهرم حتى أسفله... هو إطار شامل يمتد ليشمل الى ما هو أبعد من المؤسسات والقوانين والمحاكم، ليصل الى مقاربة ثقافية ومواطنية شاملة ... وهذا أبعد بكثير مما تستطيع محاكمة أن تقوم به، مهما عظمت أهمية الضحية، ومهما توسعت عالمية التحقيق والمقاضاة.

2014/11/20

التسوية: على حساب المسيحيين أو لصالحهم؟


د. ليلى نقولا الرحباني
وهكذا يقترب موعد الرابع والعشرين من تشرين الثاني، وينتظر العالم نتيجة التفاوض بين إيران والدول الست، أو ما تحوّل واقعياً بعد الحرب السورية ومتفرعاتها الشرق أوسطية وخروج المحافظين من السلطة في إيران ودخول "الاعتدال الروحاني" إلى مفاوضات بين محور غربي (أميركي - أوروبي) ومحور شرقي (روسي - آسيوي).
ومهما كانت نتيجة هذه الجولة "التشرينية"، فإن مسار المفاوضات بات أمام سيناريوهات ثلاثة هي:
- أولاً: أن تنهار المفاوضات كلياً، ويكون موعد الرابع والعشرين من تشرين موعداً لتصعيد خطير في المنطقة، وهذا سيناريو كارثي يبدو غير واقعي على الإطلاق، فبالرغم من كل التشنُّج الذي طبع العلاقات الإيرانية - الأميركية في السابق، استمرّت الأطراف في المفاوضات ولو من منطلق مبدأ "المفاوضات من أجل المفاوضات". واليوم، لا يبدو أحد من الأطراف مستعداً لسيناريو كارثي كهذا يعيد الأمور إلى نقطة الصفر بعد كل ما تحقق، علماً أن هذا السيناريو سينسحب بتداعياته الخطيرة على منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وسيؤثر على عمليات التحالف الدولي ضد الإرهاب في العراق ولبنان وسورية وغيرها، وسيكون مصير لبنان في هذا السيناريو عودة التشنُّج المذهبي، وإطلاق الخطابات عالية النبرة ضد حزب الله، والعودة إلى إدانة تدخُّله في سورية، ولا نستبعد المسّ بالاستقرار الأمني الداخلي كنتيجة لذلك، أو أن يفسح التشنج المجال لبعض المجموعات بأن تستغلّ الوضع السياسي المتوتر لهزّ الاستقرار الأمني.
- السناريو الثاني: أن لا تنتهي المفاوضات إلى نتائج نهائية إيجابية في هذه الدورة وتؤجَّل إلى موعد لاحق، وهو سيناريو مقبول وواقعي، وقد أقرّت الأطراف في وقت سابق أن مهلة الرابع والعشرين من تشرين ليست مقدَّسة، وقد تكون هناك جولات أخرى.
في هذا السيناريو الواقعي، ستستمر المفاوضات بين المحاور الدولية، وتستكمل إقليمياً من خلال شدّ وجذب في الميادين العراقية والسورية واليمنية واللبنانية وغيرها.. وهنا يكون على الحلول التسووية في المنطقة، خصوصاً في الأماكن التي نضج فيها نوع من التفاهمات الموضعية، أن تنتظر، لأن أياً من الأطراف لن يقبل بتقديم التنازلات قبل أوانها، وهنا سيكون على لبنان الانتظار لمواعيد أخرى لتحقيق التسوية المنتظَرة، وستسمرّ مرحلة تقطيع الوقت المضبوط سياسياً وأمنياً بانتظار نضوج التسويات الإقليمية والدولية.
- السيناريو الثالث: أن تُسفر هذه الجولة عن توقيع اتفاق نهائي بين الطرفين، وفي هذا السيناريو تدخل إيران في مرحلة انفراج اقتصادي؛ بالتحرر من العقوبات الدولية المفروضة عليها، وستبدأ مرحلة التنافس على توقيع الاتفاقيات التجارية مع الإيرانيين بين الغربيين أنفسهم، وبينهم وبين الروس والصينيين. أما بالنسبة إلى الأميركيين فيكون لأوباما ما يريده من هذا الحل الإيراني الذي طال انتظاره، أي أن يترك وراءه إرثاً يسجَّل له في تاريخه؛ عندما يذكره التاريخ مع رؤساء الولايات المتحدة الأميركية الآخرين، ويسمح لـ"الحزب الديمقراطي" باستثماره في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعدما مُني بخسارة انتخابية في الكونغرس بمجلسيْه.
وسواء تحقّق أي من السناريوهات الواقعية (الثاني والثالث)، فإن التسوية في لبنان لن تكون إلا لحساب الأقوى، وما طُرح حول وضع السعوديين "فيتو" على وصول العماد ميشال عون إلى الرئاسة، لن يكون له تأثير على مسار الأمور في الداخل، فلقد قطع السيد حسن نصرالله - من خلال خطابه في عاشوراء - الطريق على أي إمكانية طرح تسوية على حساب العماد عون، وقد تكون الرسالة التي أرسلها موجَّهة إلى الخصوم والحلفاء على حد سواء، وذلك من خلال رسم السقف الذي يمكن للحزب التفاوض عليه، وليقول للجميع إن أي تسوية على حساب الحليف المسيحي القوي لن تمرّ في لبنان، وأيّ طرح من قبَل الخصوم لتسوية لبنانية شبيهة بالتسوية العراقية لن يكون لها آذاناً صاغية في لبنان، ولن تمرّ.

2014/11/16

ارهاب باسم حقوق الانسان؟


د. ليلى نقولا الرحباني
يعيش العالم العربي منذ زمن، أزمات عدّة منها أزمة الهوية، والديمقراطية وحقوق الانسان، وأزمة حكم القانون وغيرها. ولقد استبشر كثيرون في المنطقة وفي العالم وبالغوا في الترحيب بالثورات التي حصلت في العالم العربي، باعتبار أنها ستكون فرصة للقيام بانتخابات حرّة نزيهة، تؤدي لوصول قوى التغيير الى الحكم في العالم العربي، ولتحقيق الديمقراطية.
ومع التعظيم للانتخابات التي حصلت في مصر، وبالرغم من نزول الملايين الى الشارع في مصر للإطاحة بمن يعتقدون أنه سرق ثورتهم وحرفها عن أهدافها، ما زال المفكرون والأطر الأكاديمية في الغرب، تتحسر على سقوط الاخوان المسلمين في مصر، باعتبارهم "الديمقراطية" التي سقطت، وحلّ مكانها "حكم العسكر الديكتاتوري".
وهكذا، يكون الغرب ومفكريه كعادتهم، يريدون أن يفرضوا على العالم تصوراتهم، باعتبارهم "أصحاب الطريقة الصحيحة"، في الحكم والديمقراطية والحريات وغيرها. ففي أميركا على سبيل المثال، وخاصة في الانتخابات الأخيرة للكونغرس الأميركي، تحدثت التقارير الصحفية، ومنها تقرير نشرته مجلة rolling stone الأسبوعية، شرحت فيه كيف تمّ تزوير الانتخابات في أميركا، من خلال الالاعيب التي لجأ اليها قادة الحزب الجمهوري، وكيف حصل قمع الناخبين واللجوء الى الاحتيال والنفاذ من خلال الثغرات القانونية لتحقيق مصالحهم. كما حصل إعادة تقسيم للدوائر الانتخابية، بحيث تصبح الأغلبية النيابية غير ممثلة للأكثرية الشعبية، وهكذا حاز الحزب الجمهوري على حق تمثيل ولايات لا أغلبية شعبية له فيها.
نعم، هذا الحديث عن أميركا، وليس عن بلد عربي أو عن لبنان بالتحديد حيث تمّ تقسيم الدوائر الانتخابية بحيث تأتي الأغلبية النيابية غير ممثلة للأغلبية الشعبية، ومع ذلك قام المجلس النيابي بالتمديد لنفسه مرتين، بدون الأخذ بعين الاعتبار برأي الشعب في ذلك.
أما بالنسبة لحقوق الانسان، فلقد سئم العالم، إدّعاءات التفوق الاخلاقي لدى الغرب وخاصة لدى منظمات حقوق الانسان، التي تقوم باعداد تقارير تصدر فيها توصياتها واقتراحاتها على شكل "أوامر" على الدول إطاعتها وتنفيذها تحت طائلة التشهير والضغوط الدولية. وهكذا، أصبحت المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الانسان في كثير من الأحيان أقوى من العديد من دول العالم الثالث، وهي تريد وضع نفسها مكان الدولة والمجتمع كناظم للعلاقات والمقرر لما يجب أن يكون بطريقة باتت تهدد سيادة العديد من الدول. على سبيل المثال لا الحصر، تحاول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين توطين النازحين السوريين في لبنان تحت مسميات عدّة، وقد اعترف ممثلوها أنهم تخطوا الدولة اللبنانية ولم ينسقوا معها في موضوع النازحين، لأن بعض سياسيي 14 آذار، حذروهم من إطلاع الدولة اللبنانية على أسماء النازحين وملفاتهم "لئلا تمررها السلطات اللبنانية الى النظام السوري".
أما بالنسبة لحكم القانون، فلطالما اعتمد الغرب على المقاربات المؤسساتية، التي تعني اعداد النصوص القانونية والدساتير بدون الالتفات الى الثقافة والممارسة السياسية في البلد المعني، فالقانون الجيد لا يعني تطبيقه بطريقة سليمة، كما لا يعني أن الجميع سيلتزم به خاصة المسؤولين الغارقين في الفساد، وفي ممارسة النفوذ على القضاء والمؤسسات والهيئات القضائية، ولا يعني أن المساواة بين المواطنين أمام القانون وفي القانون نفسه قد تحققت.
وفي النتيجة، يعيش العالم اليوم محاولات لفرض عولمة ثقافية وقانونية وحقوقية، تمامًا كما تمّ عولمة الاقتصاد والاعلام والقضايا والمنظمات والشركات حتى باتت أقوى من الدول. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن لعالمنا العربي التخلص من الهيمنة والارهاب بشقيه: الارهاب المتوحش الممارس علينا باسم الدين الذي يعتقد أنه يملك الحقيقة الدينية المطلقة، والارهاب الفكري الممارس علينا باسم حقوق الانسان والذي يعتبر أيضًا أنه لديه الحقيقة الانسانية المطلقة؟

2014/11/13

"لبننة" الحل السوري برعاية جنبلاط؟

د. ليلى نقولا الرحباني
عرض مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا ، تجميد القتال في بعض لإتاحة الفرصة لتقديم المساعدات الإنسانية، وقام بنشر التفاؤل من حوله، من خلال الإعراب عن اعتقاده بأن ثمة فرصة متاحة لحل الأزمة السورية، بسبب التهديد المشترك الذي يمثله مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية - داعش ، فضلاً عن تنامي التعب بين الأطراف من طول مدة النزاع.
وكان جواب الرئاسة السورية على مبادرة دي ميستورا، بأنها جديرة بالدراسة، ذكيًا، فالرئيس السوري لم يرفض ولم يقبل بشكل أكيد، فلو رفض لإنطلقت الأصوات الدولية والاقليمية والسورية لتقول ان الرئيس السوري يرفض تجميد القتال من أجل هدنة إنسانية، وإنه يريد الاستمرار في قتل شعبه. ولكن ما أن أعلن أنها جديرة بالدراسة بشكل يوحي أنه قد يكون مستعدًا للقبول بها، حتى انطلقت أصوات مسؤولي الجماعات المسلحة السورية، ومنها مسؤولي الجيش الحر، الذين وضعوا شروطًا تعجيزية، أقل ما يقال فيها أنها منفصلة عن الواقع.
اشترط الجيش الحر، كما أعلن أحد قادته، تسليم من أسماهم "مجرمي الحرب"، وخروج حزب الله  من سوريا، وإيقاف إلقاء “براميل الموت” والقصف الجوي وأخيراً الافراج عن المعتقلين من سجون النظام وخاصة النساء. وهكذا ظهر أن المعارضات السورية والفصائل المسلحة، تمامًا كما داعميهم في لبنان، وخاصة الأمانة العامة لقوى 14 آذار، باتت تعيش انفصالاًعن الواقع  غير مسبوق، فالقوى الغربية لم تعد تعوّل على المعارضة السورية لتحقيق أهدافها في سوريا، وما كان قبل "غزوة داعش" ليس كما بعده.
لقد اقتنع الجميع - تقريبًا- أن أي حلٍ عسكري غير ممكن في سوريا، وهو ما صرّح به مبعوث الرئاسة الأميركية في التحالف الدولي ضد داعش، جون آلن، حين أكد أن "ما تريده الولايات المتحدة الأميركية من تدريب خمسة آلاف عنصر ضمن "المعارضة المعتدلة"، ليس قتال النظام السوري، وإنما لكي يكونوا جزءًا أساسيًا من الحل السياسي لإنهاء الحرب... ندرّبهم لكي يعترف بهم النظام".
إنطلاقًا من هذا الإعتراف الأميركي الصريح، لا يبدو أنه هناك أي أفق للمعارضة السورية وجماعاتها المسلحة للاستمرار في العنجهية ورفض المبادرات، ولا يبقى لهم سوى السعي الى مصالحات سورية سورية، بدل أن يفرض على السوريين حلول بشروط تناسب الدول الكبرى، فتقدمهم كبش محرقة.
إن استمرار المعارضة السورية الخارجية في شروطها التعجيزية، أو في مقاربتها غير المنطقية لتصور الحل في سوريا، لن يؤدي إلا الى مزيد من الانهيار في الدولة السورية، ومزيد من الجراح وتفتيت المجتمع السوري. كما إن الاحلام التي ما زال بعض المعارضين يطلقونها حول "لبننة" الوضع السوري، والتي تعني  - بنظرهم- حلاً لمستقبل لسوريا بدون الاسد، ورعاية الوزير وليد جنبلاط لهذا المشروع وتسويقه لدى موسكو، لا يمكن اعتبارها إلا جزءًا من "ساعات التخلي" السورية.
إن أي حل سياسي في سوريا، يفترض على الجميع التواضع وتقديم التنازلات، فالنظام السوري بات ملزمًا بقبول المعارضة الداخلية الوطنية ورموزها كشركاء حقيقيين في الحكومة والسلطة، يقومون معًا بإعداد الخطط لإعمار سوريا، ونزع السلاح، وإعادة اللاجئين، والسعي الشامل الى المصالحات التي ستسهم ببناء سوريا الجديدة على أسس السلام والتنمية للجميع، وإنخراط الجميع في مسيرة بناء السلام. أما المعارضة فعليها التواضع والقبول بحل سياسي، لن يكون فيه محاكمات لرؤوس النظام كما يسوقون، وسيكون عليهم التخلي عن تلك المشاريع والاكتفاء بما قبضوه من الغرب ثمنًا لها لغاية الآن، كما لن يكون فيه "اجتثاث للبعث" كما حصل في العراق بعد سقوط صدام حسين، بل سيكون حزب البعث شريكًا في الحكم، ولكن بعد تنقيته من الفساد والمفسدين الذين اضرّوا بالنظام وبسوريا المجتمع والدولة.


2014/11/09

محاضرات الدكتورة ليلى نقولا في جامعة أكسفورد - بريطانيا

بدعوة من جامعة أكسفورد - بريطانيا، تحاضر الدكتورة ليلى نقولا في الجامعة وذلك ضمن:

1- ندوة حوار معها، حول التطورات في الشرق الأوسط، وذلك في 12 تشرين الثاني 2014 الساعة 5 مساء - الدعوة على الرابط التالي: 

2- محاضرة حول تصورات العدالة الانتقالية لسوريا في ما بعد الحرب، وذلك في مركز أكسفورد للعدالة الانتقالية، في 14 تشرين الثاني 2014، الساعة 12 ظهرًا -- الدعوة على الرابط التالي :




أميركا: المعركة داخلية والآداة إيرانية؟


د. ليلى نقولا الرحباني
لم تكن نتائج الانتخابات الأميركية مفاجئة، فقد توقع المراقبون منذ مدة أن الجمهوريون سوف يسيطرون على الكونغرس بمجلسيه وأنهم سينجحون في ولايات كانت محسوبة تاريخيًا على الديمقراطيين، بسبب فشل إدارة الرئيس باراك اوباما في العديد من القضايا الداخلية التي طرحها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، قضية اوباما كير، بالاضافة الى موضوع الارهاب في الشرق الأوسط والملف النووي الايراني.
الأكيد، أنه بعد هذه النتائج سيكون هناك صراع بين الرئيس وإدارته وبين الكونغرس، وبينه وبين الجمهوريين الذين سيحاولون منعه من تحقيق أي إنجاز في الفترة المتبقية من حكمه، لقطع الطريق على أي مرشج للحزب الديمقراطي للوصول الى البيت الأبيض.
ولكي تكتمل فصول الحرب الدائرة بين الاثنين، ستكون المواضيع السياسة الداخلية والخارجية  محور تنازع وأخذ وردٍ بين الاثنين، وسيطغى على مواضيع السياسة الخارجية مواضيع الحرب على الإرهاب، وموضوع العلاقة مع ايران والملف النووي الايراني الذي حُدد له الرابع والعشرين من تشرين الثاني لتوقيع الاتفاق، علمًا أن الجميع قد صرحوا بأن تلك المهلة ليست مقدسة ويمكن ان تمتد المفاوضات الى ما بعد هذا التاريخ.
وسيكون طبيعيًا انتقال هذه الحرب الى الاعلام، ومحاولة تشويه صورة الرئيس وإظهاره أنه "ضعيف الشخصية، متخاذل أمام الأعداء، متردد وعاجز الخ.."
ومن هذا المنطلق يمكن أن نفهم تسريب صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية عن مصادر مطلعة قولها، أن الرئيس الأميركي باراك أوباما بعث سراً برسالة إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية السيد علي خامنئي في منتصف تشرين الأول الماضي، وأن المرشد الاعلى لم يرد عليها.
وأضافت أن أوباما شدد لخامنئي على أن أي تعاون ضد «داعش» يتوقف إلى حد كبير على التوصل إلى اتفاق شامل بين إيران ومجموعة الدول الست الكبرى حول مستقبل البرنامج النووي لطهران.
قال مسؤولون أميركيون للصحيفة أنها الرسالة الرابعة التي يوجهها أوباما منذ توليه منصبه في العام 2009 إلى المرشد الإيراني، إن المرشد الاعلى للجمهورية الإيرانية «لم يرد أبداً شخصياً» على هذه الرسائل.
بالمبدأ، قد يكون موضوع الرسالة صحيحًا وليس مستغربًا، خاصة أن ايران قوة اقليمية يحسب لها حساب في منطقة الشرق الاوسط وآسيا الوسطى، والأميركيون يحتاجون الى التعاون الايراني في ملفات عدّة في العراق وأفغانستان والخليج وغيرها، وفي موضوع النزاع السوري والحرب على الارهاب. ولكن، لا يبدو أن الصحيفة كانت فقط تريد التركيز على موضوع التعاون الأميركي مع إيران، بل كانت تريد تمرير رسالة واضحة من خلال التسريب مفادها إن "رسائل أربعة أرسلت من قبل اوباما ولم يرد عليها المرشد"، وإن إهانات للرئيس الأميركي قد حصلت من قبل الايرانيين، وإن أوباما قد جعل كرامة الرئاسة الأميركية في الحضيض في تعامله مع إيران.

لا يمكن لعاقل يعرف السياسة الايرانية أن يتوقع أن المرشد قد وجّه إهانة شخصية للرئيس الأميركي، وليس مرة واحدة بل أربع مرات!! الإيرانيون أذكى من ذلك. ومن غير المعقول أن يكون الرئيس الأميركي قد تعرّض للإهانة مرة وأعاد الكرّة أربع مرات!! لهذا يبدو واضحًا أن جهات نافذة في الاعلام والسياسة الأميركية ومرتبطة بشكل كبير باللوبي اليهودي الداعم لإسرائيل، لا تريد للرئيس الأميركي أن يخرج بإتفاق مع إيران حول ملفها النووي، وإن حصل هذا الإتفاق، فهي تريد أن تمنع الرئيس من أن يظهره وكأنه إنتصار شخصي له ولإدارته، يتركه وراءه كإرث يذكره له التاريخ. لهذا، ستشتد المعركة الإعلامية كلما اقترب الملف من نهايات سعيدة، فنتنياهو الذي انتصر في معركة سابقة ضد الرئيس اوباما في الداخل الأميركي، سيحاول أن لا يدعه يفلت هذه المرة أيضًا.

2014/11/06

كيف أضاعت السعودية الفرصة التاريخية؟

د. ليلى نقولا الرحباني
تمرّ المملكة العربية السعودية اليوم بأصعب الأوقات وأحرجها في تاريخها الحديث، حيث تعيش تناقضات داخلية خطيرة قد لا يُكشف عن جميعها، كما تعيش تحديات أمنية خارجية وداخلية، تتمظهر في الخطر الذي يشكّله الفكر "الداعشي" في الداخل، وفي الجريمة الإرهابية التي حصلت في الإحساء هذا الاسبوع تزامناً مع ذكرى عاشوراء.

بدأت تحديات المملكة الفعلية منذ ما بعد أحداث 11 أيلول الإرهابية، حيث دخلت المملكة فترة قلق وتحديات لم تنتهِ لغاية اليوم، وذلك على الشكل الآتي:

1-     مباشرة بعد 11 أيلول، ارتفعت الأصوات في الولايات المتحدة الأميركية تشير إلى أن الغالبية العظمى من الانتحاريين هم من المملكة السعودية، وساد حديث أميركي جدّي حول ضرورة تعديل المناهج التربوية والدينية السعودية، لاحتواء بعضها ظاهرة الإرهاب.

2-     أعلن الأميركيون حربهم على الإرهاب وشنوّا حربين عسكريتين على كل من أفغانستان والعراق، وقد دعم السعوديون هذه الحرب لأسباب عدة، منها أنهم كانوا يريدون نفي صفة الإرهاب عنهم، بالإضافة إلى أنهم أساءوا التقدير، إذ اعتقدوا أن وجود القواعد العسكرية الأميركية في العراق سيشكّل تهديداً جديًا حقيقياً لإيران، وسيسرّع إمكانية التدخُّل العسكري وشنّ هجوم على الإيرانيين؛ كما كان يطمح السعوديون و"الإسرائيليون".. لكن الهجوم العسكري الأميركي لم يحصل، بل على العكس؛ تحوّلت إيران إلى قوة إقليمية كبرى، وامتد نفوذها من العراق إلى لبنان، مروراً بسورية، بالإضافة إلى نفوذها في الخليج.

3-     عاشت السعودية خطراً إرهابياً جدياً وحقيقياً في الداخل منذ عام 2003 ولغاية عام 2009، إذ انتشر الانتحاريون والانغماسيون في المملكة، وشنّوا هجومات إرهابية على الشرطة السعودية والأجانب، وأماكن التسوق وغيرها.

4-     بعد موجات ما سُمّي "الربيع العربي"، شعرت السعودية أنها مستهدَفة بشكل جدّي، بعدما تساقط حلفاؤها الواحد تلو الآخر، وبعدما تبين أن الدومينو "الإخواني" فيما لو استمرّ سيمتد إلى الخليج، وسيطيح بالمملكة نفسها، لذلك حاربته.

5-     وحين سقط المشروع "الإخواني" في حزيران 2013، شعرت السعودية بفائض قوة، فأرادت أن تستكمل الحرب حتى تُسقط المشروع المقاوم، بإسقاط إحدى أعمدته وهو النظام السوري، فتكون بذلك قد قضت على النفوذ الإيراني في المنطقة.

في هذه اللحظة بالذات أخطأ السعوديون، فلربما كانت لديهم اعتباراتهم الخاصة في سوء التقدير الذي وقعوا فيه خلال احتلال العراق، أو في أماكن أخرى، لكن في لحظة سقوط "الإخوان" بالذات، كان على السعوديين أن يتواضعوا، وأن يستغلوا الفرصة لفتح باب التسوية في الشرق الأوسط، من خلال دفع الأميركيين إلى مباركة التسوية بين النظام السوري ومعارضيه، لا أن يدفعوا الأمر إلى مزيد من التعقيد؛ بتشجيع الأميركيين على شن حرب عسكرية أخرى في المنطقة بذريعة الكيمائي السوري، والدفع إلى مزيد من القتل والدمار والإرهاب، وتدمير دولة عربية أخرى.

أضاع السعوديون فرصة تاريخية كان يمكن استغلالها لإنقاذ سورية والمنطقة من أتون الدمار والنار، وبدل أن يلبس الملك السعودي دور الأب الأكبر للدول العربية التي كانت - وما زالت - تعيش كوارث حقيقية نتيجة طموح "الإخوان" للتسلط على السلطة، فيسعى إلى رعاية تسويات، وتمويل الإعمار والنهوض باقتصاديات هذه الدول، سارع السعوديون إلى دفع الأمور إلى مزيد من التصعيد، وخرجوا عن طورهم، فاستمرّ الموت والدمار والإرهاب حتى وصلت شظاياه إلى لبنان بظاهرة الانتحاريين الغريبة عن هذا الوطن.

لطالما اعتمدت المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية على مقولة كلاوزفيتز "الحرب هي امتداد للسياسة، ولكن بوسائل أخرى"، بمعنى أن الحرب لا تُشَن إلا لهدف سياسي، وإذا كان من الممكن تحقيق هذا الهدف بغير الحرب فلما لا يكون ذلك.

الواضح أن الصراع السُّني - السُّني هو على قيادة العالم العربي، وكان بإمكان السعودية أن تصل إلى قيادة العالم العربي لو استخدمت السياسة العربية المعروفة بالمصالحة والمصافحة والرعاية المادية والسياسية.. لو استغلت المملكة الفرصة ورعت مصالحة تاريخية سورية، ودفعت الأميركيين إلى تسوية مقبولة في المنطقة، لا تستثني أحداً وتقبل الآخر، وتكرّس كلاً من إيران والسعودية قطبيْن إقليمين يحكم كل منهما حيزاً خاصاً يدين له بالولاء التاريخي والمذهبي، لوفّرت على الجميع نتائج هذا الصراع السُّني - السُّني، وهذا التوحُّش "الداعشي"، وحققت أهدافها من خلال فرض نفسها قوة إقليمية يُحسب لها حساب.

2014/11/02

مقال الأحد: الناخب الأميركي: ظالم أم مظلوم؟


د. ليلى نقولا الرحباني

تشير نتائج استطلاعات الرأي الى تدهور شعبية الرئيس باراك اوباما والحزب الديمقراطي في أميركا، ولقد أبرزت نتائج أحد استطلاعات الرأي نشرته صحيفة "واشنطن بوست ان 60% من المستطلعة آراؤهم "لا يثقون بالحكومة الفيدرالية" وقدرتها على معالجة التحديات الراهنة بما فيها الارهاب، أما صحيفة "نيويورك تايمز" فقد بينت نتائج الاستطلاع الذي قامت به عن عدم رضى 50% من الناخبين لآداء الرئيس في معالجة "التهديدات الارهابية،" مقارنة مع 41% نسبة التأييد له، علمًا استطلاع "اسوشيتدبرس" تحدث عن خشية 53% من الناخبين الأميركيين من ارتفاع خطر هجوم ارهابي داخل الولايات المتحدة.
يحق للأميركيين العاديين القلق من التهديدات الارهابية، لكن الواقع يشير الى أن الخطر الارهابي لم يأتِ من الفراغ، وقبل دخول الولايات المتحدة الى المنطقة لم يكن الارهاب بهذه القوة والوحشية، وقبل الدعم الذي أمّنه الأميركيون الى مجموعات "المعارضة السورية" - بالرغم من معرفتهم أنها تحتوي عناصر متطرفة، فاستخدام التوحش المذهبي في الصراع السوري كانت حاجة لقوى التحالف ضد الرئيس السوري بشار الأسد لمحاولة الاطاحة به.
وبالرغم من كل ذلك، إن نظرة على الواقع في الشرق الأوسط، وانتشار هذا التهديد الارهابي الذي يخشاه الأميركيون، والذي نعيشه كل يوم، ولم يعد مجرد تهديد بالنسبة للمواطنين في هذه المنطقة بل بات خبزًا يوميًا يقتسمه أهل العراق ولبنان وسوريا ومصر يوميًا، كل هذا يشير بما لا يقبل الشكّ الى تحسن وضع الأميركيين في المنطقة وليس العكس، خاصة بعد غزوة داعش للموصل وما بعدها ، وذلك كما يلي:
- قبل الحرب السورية، وقّع الأميركيون الاتفاقية الأمنية مع العراقيين، وانسحب بموجبها الجيش الأميركي من العراق وأبقى على جزء من المدربين والمتعاقدين والمستشارين وحماية أمن السفارة، وهو عدد ليس بقليل. كما أعلن الأميركيون نيّتهم الانسحاب من افغانستان، وباشروا باجراء الترتيبات لذلك.
- دخل الأميركيون في نهاية عام 2010، في مشروع لتنصيب "الاخوان المسلمين" على جميع الدول العربية، وتأمين السيطرة التركية على تلك الدول من خلال حكام موالين لها.... فشل المشروع، وسقط الأخوان.
- تدخل الأميركيون في الحرب السورية بواسطة مجموعات مسلحة مناهضة للرئيس بشار الأسد، وحين قامت داعش بغزوة الموصل، وارتفع التهديد الارهابي الذي يخشاه الاميركيون، كانت الحرب السورية تسير بما لا تشتهي سفت التحالف الغربي ضد النظام، وتحدث الأميركيون عن وجود نفط صخري لديهم، ونيّتهم ترك المنطقة والتوجه نحو المحيط الهادئ لإحتواء تصاعد النفوذ الصيني هناك.
وما أن برزت داعش كتهديد ارهابي كبير، حتى "برم الدولاب"، وعاد الأميركيون الى المنطقة من الباب العريض لمكافحة الارهاب، وباتت الدول في المنطقة تتسابق لطلب المساعدة الأميركية، وقاد الأميركيون تحالفًا عريضًا يضم 62 دولة، منها 20 دولة شريكة، ومؤسسات مثل الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية.
وهكذا، يتبين أن الحرب على الارهاب، قد أعادت تعويم "الأمبراطورية الأميركية" في المنطقة، وجعلت من الأاميركيين خشبة الخلاص بالنسبة للدول التي تعاني من خطر الارهاب.
انطلاقًا من هذا العرض لمسار تطور النفوذ الأميركي في المنطقة خلال عقد من الزمن، يبدو الناخب الأميركي ظالمًا بحق الإدارة الأميركية وقدرتها على الاستفادة من التطورات أو خلق تلك التطورات لتحقيق المصالح الكبرى للولايات المتحدة. فمن إرث متهالك للامبراطورية أورثه جورج بوش لباراك اوباما ودفعه للانسحاب من المنطقة، الى عودة مظفرة للجيش الأميركي باسم محاربة الارهاب، تقدم هام حققته إدارة اوباما، يفترض إعادة تعويم حزبه وليس العكس، إلا اذا كان للناخب الأميركي اعتبارات أخرى غير موضوع الارهاب.