د. ليلى نقولا
يوماً بعد آخر تزداد الضغوط الأميركية على إيران، وتكثر الشروط والمطالب
والتهديدات الأميركية، معلنة نيّتها تغيير النظام في إيران، وذلك عبر فرض عقوبات
"غير مسبوقة"، وتشجيع المجتمع الإيراني على المطالبة بالتغيير، و"حقه
في اختيار نظام الحكم الذي يريده".
عملياً، يدرك الأميركيون عدم قدرة المجتمع الإيراني على التغيير من خلال
القيام بثورة "ملونة" كان قد جرّبها في وقت سابق، كما يعلمون أن التغيير
المنشود في إيران قد لا يكون لمصلحة الغرب، إذ إن الضغط المفرط على النظام من خلال
العقوبات الاقتصادية، قد يؤدي الى الإطاحة بحكومة روحاني الإصلاحية، من خلال قوى متشددة
تعيد علاقة إيران مع العالم إلى ما يشبه عهد أحمدي نجاد.
أما المطالب الإثنتي عشرة التي أعلنها وزير الخارجية الأميركي، والتي
تتلخص في حزمة شروط تعجيزية، فيمكن وضعها في سلات أربع:
السلة الاولى: حرمان إيران من أي قدرة على التخصيب النووي، حتى للاستخدامات
السلمية.
السلة الثانية: إيقاف البرنامج الصاروخي الإيراني، وحرمان إيران من قدرتها
الردعية، وعجزها عن تجنّب أي ضربة عسكرية مستقبلية.
السلة الثالثة: "اجتثاث" النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط،
وسحب قواتها من سورية، ووقف دعم حركات المقاومة، والموافقة على حلّ "الميليشيات"
التي تدعمها في المنطقة.
السلة الرابعة تتعلق بالصراع الفلسطيني- "الإسرائيلي"، ويُطلب
من إيران مهادنة "إسرائيل"، ووقف دعمها للفلسطينيين.
هي مطالب يدرك ترامب وإدارته عدم قدرة إيران على تلبيتها، ويدرك أنها
ليست شروطاً للتفاوض، بل هي أقرب إلى توقيع صكّ استسلام لن تقوم إيران بتلبيته، وهو
غير منطقي أصلاً: كيف يمكن لإيران أن تتخلى عن قدرتها الردعية، في وقت تتعرض بشكل يومي
إلى التهديد بضربات عسكرية "إسرائيلية" وأميركية؟ وكيف لها أن تتخلى عن حقّها
في المعرفة النووية السلمية وقدامتلكتها بعد سنين عجاف من العقوبات الدولية والحصار
الاقتصادي؟ وكيف لها أن تتخلى عما امتلكته من نفوذ في الشرق الأوسط، وهو ما جعلها تتحوّل
من دولة عادية إلى دولة إقليمية كبرى؟
بالتأكيد، يدرك ترامب وإدارته أن إيران لا تستطيع أن تلبّي هذه الشروط،
وهو لا يبدو أنه يطلبها بعينها، بل يبدو أن عقلية التاجر الأميركي، والمفاوض على الصفقات
الكبرى، يعرف أن دفع الجانب الإيراني إلى إعادة التفاوض على الاتفاق النووي الموقَّع
مع الدول الست، يجب أن يقترن بأمرين: تهديد بعقوبات اقتصادية كبرى (خصوصاً أن الخيار
العسكري غير متاح في هذه القضية)، وسقف شروط عالية جداً، بحيث إن أي اتفاق جديد على
ما دون هذا السقف ستعتبره إيران نجاحاً لها ولمفاوضيها.
وهكذا، ومن جملة التطورات التي حصلت في الأسابيع التي تلت إعلان ترامب
انسحابه من الاتفاق النووي، نجد أنه قد يكون هناك تقسيم للأدوار بين كل من الولايات
المتحدة وأوروبا وروسيا، لحشر إيران لتقديم التنازلات في بعض الملفات الأساسية، كشرط
لاستمرار العمل بالاتفاق النووي، وعدم انهيار الاقتصاد الإيراني، وذلك كما يلي:
- تضغط الولايات المتحدة على الاقتصاد الإيراني
بشدّة، وتهدد بعقوبات غير مسبوقة على الشركات العالمية العاملة والمستثمرة في السوق
الإيراني، ما يجعل استمرار أوروبا والعالم في الاتفاق حبراً على ورق.
ولقد بدأت تبرز مؤشرات هذا الضغط في انهيار سعر العملة الإيرانية، والقلق
الاقتصادي الذي ترافق مع التهديدات الجديدة بالعقوبات. ويراهن الأميركيون على أن يؤدي
هذا إلى تشجيع القطاعات المختلفة على التظاهر، مدفوعة بشبح الأزمات الاقتصادية التي
ما انفكت تعاني منها منذ عقود.
- في المقابل،
يُظهر الاتحاد الأوروبي تمسُّكاً بالاتفاق النووي، مع مطالبات أوروبية – فرنسية خصوصاً
–لتأمين مزيد من الضمانات الإيرانية والتنازلات في موضوع التخصيب النووي، وحشر الإيرانيين
بين أمرين: إما انهيار الاتفاق كلياً، أو تقديم مزيد من التنازلات.
- تمارس
الدول ضغوطاً مباشرة، وعبر وكلاء، لتحجيم دور إيران المتزايد إقليمياً، وفيها نفهم
المطالبات الروسية بانسحاب الإيرانيين وحزب الله من سورية، بالتوازي مع الانسحاب التركي
والأميركي، وندرك العودة المستجدّة للسعوديين لترميم تحالف"14 آذار"، في
مواجهة الانتصار الذي حققه حزب الله وحلفاؤه في الانتخابات اللبنانية، والترحيب الأميركي
بالدور السعودي العائد إلى لبنان بقوة، كما ندرك أهمية خلط الأوراق التي أفرزتها الانتخابات
العراقية على صعيد الكتل والتحالفات، بالإضافة إلى التقدُّم - ولو المحدود – الذي تحرزه
قوات التحالف الدولي في بعض أنحاء اليمن.
من خلال ماسبق، تبدو حكومة روحاني اليوم في وضع لا تُحسدعليه، والضغوط
تشتد في كل مكان، فهل سيؤدي هذا الضغط إلى انفجار داخل إيران، أو في الإقليم، أو تتجه
الأمور إلى تسويات صعبة؟ الأشهر المقبلة ستُظهر كل شيء.