2020/01/21

ليبيا: البوابة الجديدة لروسيا على أوروبا

ليلى نقولا
استضافت إلمانيا مؤتمرًا دوليًا شارك فيه 12 دولة، وممثلي خمس منظمات دولية، يهدف الى دفع أسس السلام قدمًا في ليبيا، والتوصل الى آلية لوقف إطلاق النار تمهيدًا لبدء مسار حلٍ سياسي. ومن أبرز ما توصل إليه المؤتمِرون في برلين، الالتزام التام بالتوصل إلى حل سلمي للأزمة في ليبيا، وتعهد قادة الدول المشاركة في المؤتمر بعدم التدخل في الحرب الأهلية الدائرة في ليبيا، وكذلك دعم حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.
وبالرغم من الآمال التي أشاعتها أجواء المؤتمر وقول السيدة أنجيلا ميركل أن "الحل في ليبيا سياسي وليس عسكري"، إلا أن الدعم الدولي والاقليمي لكلا الطرفين، بالاضافة الى القرار الذي اتخذه البرلمان التركي بالموافقة على مذكرة تفويض رئاسية لإرسال قوات تركية إلى ليبيا، لدعم الحكومة المعترف بها دوليًا في طرابلس برئاسة فايز السراج، بالإضافة الى انتشار صور وفيديوهات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تشير الى نقل جنود سوريين( من الجيش السوري الحر) من إدلب الى ليبيا للمشاركة بالقتال، بالاضافة الى تدخل روسي عسكري عبر مجموعات من المرتزقة (مجموعة فاغنر) لدعم حفتر...كلها، تؤكد أن مسار الحل السياسي سيكون بعيدًا، وإن السيناريو السوري قد يكون هو المرجح.
وعليه، ما هي الأهداف التي قد تدفع روسيا الى تكرار السيناريو السوري في ليبيا؟
بالرغم من أن الروس يعلنون أنفسهم كوسيط محايد في ليبيا، إلا أن الدعم الروسي للجنرال حفتر بات واضحًا (عبر فيتو روسي في مجلس الأمن). وقد يكون للروس أهداف عدّة في التدخل في القضية الليبية اليوم، أهمها:
أولاً، إن النجاح الذي حققوه في سوريا، يغري الروس للتدخل في أماكن أخرى في العالم، وقد شهدنا الدعم الذي قدمه الروس للرئيس الفنزويللي مادورو والذي كان من جملة الأسباب التي دفعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتراجع عن التهديد بالخيار العسكري.
ثانيًا؛ يشعر بوتين بالحاجة الى التدخل في ليبيا والتأثير على الأحداث فيها، بعد "الخطأ الاستراتيجي" الذي ارتكبه الروس خلال عهد الرئيس ميدفيديف بالامتناع عن ممارسة حق الفيتو في مجلس الأمن، لمنع إقرار القرار 1973، والذي أتاح لحلف الناتو بالتدخل عسكريًا في ليبيا والإطاحة بالقذافي.
ثالثًا، بالإضافة الى قيمتها الاستراتيجية في شمال أفريقيا، ووجودها على البحر المتوسط، تشكّل ليبيا بلدًا هامًا للدول الأوروبية، خاصة لإيطاليا، التي تعاني من الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط انطلاقًا من ليبيا. إن قدرة الروس على تكرار السيناريو السوري في ليبيا، وتكريس النفوذ الروسي هناك كضامن للاستقرار، يشكّل رافعة للروس في أي مفاوضات مستقبلية مع الاتحاد الاوروبي القلق أمنيًا.
رابعًا، لطالما تحدث الروس عن سعيهم لمحاربة الإرهاب المتطرف خارج الحدود الروسية، وقبل وصوله الى الداخل، وهو ما يجعل خيار التدخل العسكري مقبولاً ومحتملاً. واقعيًا، وبدون إغفال العامل الارهابي، إن احتمال أو إمكانية تأسيس قاعدة عسكرية روسية في ليبيا، تضاف الى قاعدة حميميم في سوريا، يجعل الروس منافسين خطرين لحلف الناتو في المتوسط.
خامسًا؛ كما باقي الدول الأخرى، يطمح الروس لاستثمارات هائلة في النفط الليبي. خلال عهد القذافي، قام الروس بشطب مليارات الدولارات من ديون ليبيا التي تعود إلى الحقبة السوفيتية في مقابل منحه الضوء الأخضر لشركات النفط الروسية لدخول قطاع الطاقة. في أواخر شباط من عام 2017 ، وقّع رئيس المؤسسة الوطنية الليبية للنفط اتفاقية تعاون مع شركة روسنفت. يطمح الروس اليوم الى حصة أكبر من تلك الاستثمارات.
في المحصلة، لا شكّ ان للدول الكبرى خياراتها واهتماماتها بليبيا كبلد نفطي وذا موقع استراتيجي، لكن ما يجعل القضية الليبية تختلف عن السورية، ويقلل من قدرة الروس الاستفراد بالنفوذ الدولي فيها، هو تباين التحالفات الدولية مع القوى المحلية، فالغرب منقسم في ليبيا بعكس ما كان عليه في سوريا، والدول الإقليمية التي تتصارع على زعامة العالم السنّي، متباينة الأهداف في ليبيا بعكس بداية الأزمة السورية... وهو ما يجعل قواعد اللعبة تتبدل وتختلف عما كانت عليه في سوريا.

2020/01/20

لبنان.. عنف ثوري أم دور مشبوه للحريري؟

لم يكن ينقص اللبنانيون إلا أن يتناتش الفريق السياسي الواحد على حصة من هنا، ومقعد من هناك لتكتمل لديهم فصول اليأس من كل الوضع الحالي الذي لا يعطي أي بصيص أمل في قدرة هذه الطبقة على ايجاد حلول سريعة للوضع الاقتصادي المتأزم.

لقد يئس اللبنانيون من كل هذا التردي، ومن كل الطبقة السياسية التي تتفرج على الانهيار بدون أن تفعل أي شيء لوقفه، فلا رئيس الحكومة سعد الحريري مستعد لفعل أي شيء ضمن آليات تصريف الأعمال لوقف هذا الانهيار، ولا قوى الثامن من آذار والتيار الوطني الحر مستعدون لتقديم التسهيلات اللازمة لولادة الحكومة.

واللافت، أن الحريري يبدو وكأنه يسير في رمال متحركة، منذ بداية الانتفاضة الشعبية، فكلما تحرك كلما خسر أكثر، ويمكن رؤية حركته كما يلي:

- في المرحلة الأولى؛ انخرط الحريري في مشروع الانقلاب على حلفائه وشركائه في السلطة، أملاً منه في الانقضاض على التسوية الرئاسية التي أوصلته الى رئاسة الحكومة وأوصلت الرئيس عون الى رئاسة الجمهورية.

مشاركة الحريري في الانقلاب، كانت مدفوعة بأمرين: الغضب السعودي منه، بعدما تمّ التسويق من قبل بعض قوى 14 آذار لدى السعودية بأن "الحريري ضعيف ومستسلم لما يريده حزب الله وجبران باسيل"، فكان هاجس الحريري  - منذ الأزمة التي حلّت به عام 2017 واعتقاله في السعودية- كيف يمكن له الحصول على رضى السعودية مهما كلف الثمن.

أما الهاجس الثاني لدى الحريري، فكان حديث مستشاريه من أن التسوية أنتجت ضعفًا له في الشارع السنّي. ذلك أن الشارع كان قد عبأه تيار المستقبل مذهبيًا منذ عام 2005، وإذ بالتسوية التي عقدها الحريري عام 2016، تفرض التعايش مع كل من حزب الله (المتهم باغتيال والده) والتيار الوطني الحر (صاحب الإبراء المستحيل).

إذًا، أراد الحريري في المرحلة الاولى أن يستثمر في الحراك، ليقطف الارباح الصافية، فلم تجرِ الرياح كما تشتهي سفن الحريري ومستشاريه.

- المرحلة الثانية، وبدأت بعد اعلان الاستقالة، حيث اعتقد الحريري أن العودة ستكون على حصان أبيض، متكلاً على دعم ثابت من قبل الثنائي الشيعي، فقام بإحراق كل الأسماء التي رشّحها من قبل المقربين منه. لم يرضخ الوزير جبران باسيل لشروط الحريري، فكانت العقدة الاولى ( لذا تعبّر خطاباته عن حقد غير مسبوق على التيار الوطني الحر)، أما العقدة الثانية فكانت في عدم رغبة السعودية بعودته، وهو ما أخرجه من السباق فعليًا.

لم يستستلم الحريري، فاعتكف أملاً في زيادة الانهيار الاقتصادي، ليكون هو الشخص المطلوب للانقاذ المالي بعد ستة أشهر كما توعّد. وما أن برزت بوادر تشكيل حكومة جديدة وبدأ الشارع التصويب على سياسات حاكم مصرف لبنان ومشاركة المصارف في نهب الخزينة العامة، حتى انتقل الى خطة أخرى، وهي استخدام الشارع مرة أخرى في تأجيج العنف في وسط بيروت.

 وبالفعل لقد حقق الحريري من خلال العنف المستورد من طرابلس الى ساحة الشهداء، عدّة أمور مهمة أهمها:

- حرف الانظار عما حصل أمام المصرف المركزي في الحمرا من سحل المتظاهرين، واستخدام العنف المفرط من قبل قوى الأمن الداخلي التي تأتمر بأوامر الحريري، وذلك بإعطاء ذريعة لتلك القوى بأنها تدافع عن نفسها أمام عنف مقابل من الشارع.

- وضع معادلة جديدة أمام القوى السياسية الأخرى، بأن التصويب على سياسات مصرف لبنان والمصارف (رأس الدولة العميقة) سوف يؤدي الى ردّ عنيف باستخدام الشارع، قد يدفع البلاد الى الفوضى.

- توجيه رسالة الى الشركاء والخصوم، بأن الحريري ليس ضعيفًا كما يتم الترويج له، وأنه ما زال يملك شارعًا يستطيع من خلاله قلب الطاولة في حال تمّ المسّ بالحريرية السياسية والأمنية والمالية.

للحريري الحق في استخدام كل الوسائل لتحقيق غاياته السياسية، لكن المشكلة التي تواجه اللبنانيين اليوم، هو عجز جزء من الطبقة السياسية عن الخروج من مصالحها الضيقة، بالاضافة الى رغبة البعض الآخر بقوة بعودة الحريري لممارسة نفس الممارسات القديمة، لذا تحاول تمرير الوقت أملاً في تغيير داخلي او اقليمي يعيد فرض الحريري على المشهد السياسي واستعادة الترويكا التي حكمت لبنان منذ التسعينات. مشكلة هؤلاء جميعهم، ضيق الأفق، وعدم قدرتهم على فهم التحولات التي حصلت داخل لبنان وفي المنطقة، والتي تبشّر اللبنانيين بأمل جديد من التغيير القادم والذي يحتاج لمخاض أليم، يبزغ بعده فجر جديد.


2020/01/14

بين ترامب وإيران: الحرب التي لا يخوضها العسكر؟

منذ دخوله الى البيت الأبيض، وبالرغم من عدم استخدام الخيار العسكري المباشر، بدأ ترامب حربًا حقيقية ضد الايرانيين مستخدمًا سياسة العقوبات الاقتصادية والضغوط القصوى، والهدف بحسب قوله، إعادة التفاوض على ملف إيران النووي، وأخذ تنازلات من إيران في ملفها الصاروخي، ونفوذها في الشرق الأوسط.
في العقود الثلاث الأخيرة، التي أعقبت إنهيار الاتحاد السوفياتي، تبدلت مفاهيم الحرب كليًا، ودخلت عوامل إقتصادية وإعلامية ونفسية وحتى قضائية الى ساحة الحروب التي تشنّها الدول ضد أعدائها، لهزيمتهم وإخضاعهم.
وإذا كانت الحروب قد أخذت شكل "الحروب بالوكالة" خلال الحرب الباردة، فإن التطور الكبير في مفاهيم الحرب قد حصل خلال العقود الثلاث المنصرمة، وأهمها التطور الذي حصل بعد موجات "الربيع العربي" حيث دخلت العلاقات الدولية في ما يسمى في العلم الاستراتيجي بالجيل الخامس للحروب.
يطلق اسم الجيل الأول على الحروب التقليدية بين الجيوش، وتستخدم فيه جميع أنواع الأسلحة والذخائر ما عدا أسلحة الدمار الشامل، بينما حروب العصابات هي حروب الجيل الثاني، أما الجيل الثالث فهو حروب المناورات وهي استراتيجية طُوّرت من قبل الألمان في الحرب العالمية الثانية استخُدم فيها عنصر المفاجأة، وكذلك الحرب وراء خطوط العدو. وما عرفناه في الشرق الاوسط خلال حرب تموز من قتال بين مجموعة صغيرة وجيش نظامي، هو نمط الجيل الرابع أي الحروب اللامتماثلة.
أما اليوم، فتشهد المعارك في الشرق الاوسط، خاصة في حرب ترامب ضد إيران، نوعًا جديدًا من الحروب يسمى "الحرب الهجينة"، وقد بدأه الأميركيون مع موجات الربيع العربي، وهو النمط الذي حاول توصيفه وشرحه الجنرال فاليري جيراسيموف - رئيس الأركان الحالي للقوات المسلحة الروسية-  في مقال نشر عام 2013، في مجلة صناعة الدفاع الروسية، وأوجز العناصر الرئيسية لما بات يُعرف - في الغرب- بمبدأ جراسيموف، للإشارة الى أنها القواعد التي يستخدمها الروس حاليًا في حروبهم.
وصف جيراسيموف ما يقوم به الأميركيون بالحرب الشاملة التي تتجاوز الحدود بين السلام والحرب (هي حرب دائمة).. ومن بين تلك العمليات استخدام قوات العمليات الخاصة والمعارضة الداخلية من أجل خلق جبهة عاملة بشكل دائم في أنحاء إقليم الدولة العدو كله... وهو، بالفعل، ما يحاول ترامب تشجيعه داخل إيران وفي الدول التي تدور في فلكها، فكلما خرجت بعض المظاهرات في الشوارع الإيرانية خرج كل من بومبيو وترامب لدعمها وتأييدها، ووعد الشعب الإيراني بالحرية.
إذًا، هي حرب يحاول ترامب أن يستخدم فيها استخدام وخلط المدني بالعسكري، والاقتصادي والعسكري والسياسي والثقافي، بالاضافة الى التكنولوجيا وحروب المعلومات والاستخبارات، واستخدام الآلة للتدمير والاغتيالات (الطائرات المسيّرة وهي التي استخدمها أوباما بكثافة)... في هذه الحرب، يتم تسخير الآلة العسكرية للتهديد، ولكن أدواتها الحقيقية هي الاعلام والحرب النفسية والعقوبات الاقتصادية وحصار غير معلن...
المشكلة التي تعترض الاستراتيجية التي يطبقها ترامب في هذا الإطار، هي عدم قدرته على امتلاك "الصبر الاستراتيجي"، فهو وبالرغم من اعتماده آليات غير عسكرية قادرة على إلحاق ضرر كبير بالخصم، مثل العقوبات الاقتصادية واستغلال التحركات الشعبية، إلا أن حاجته للإنجاز السريع وعدم إمتلاك القدرة على الانتظار بعد دخوله مرحلة حاسمة في انتخاباته الرئاسية، يعطّل تحقيق أكبر قدر ممكن من النتائج.
أن الوقت المتاح أمام ترامب ليس بالطويل، وهو سيحاول استخدام سياسة الضغوط القصوى لمحاولة جلب الايرانيين الى طاولة المفاوضات لكسب إنجاز في السياسة الخارجية يستثمره في انتخاباته القادمة. إن عامل الوقت هذا يلعب في صالح الإيرانيين الذين يستطيعون الصمود لمدة سنة إضافية في معركة مصيرية صمدوا فيها سنوات ثلاث لغاية اليوم. والى تشرين الثاني المقبل، قد يتبدل الكثير على الساحة الدولية، وقد يطيح الاميركيون بترامب بأنفسهم.

2020/01/13

هل ينجح دياب حيث فشل الحريري؟


كان واضحًا أن التطورات المتسارعة بعد اغتيال اللواء قاسم سليماني، فرضت نفسها على تشكيل الحكومة في لبنان، وتتابعًا على المسار الانحداري الاقتصادي الذي يزداد قتامة يومًا بعد يوم. ولقد تشابكت القضايا المحلية مع الاقليمية، وبات لبنان والعراق أمام واقع جديد عنوانه "التصعيد الأميركي الايراني في مرحلة انتخابية أميركية حسّاسة".
وتبدو السلطة السياسية اللبنانية غائبة وعاجزة في آن، في ظل التدهور الاقتصادي المتسارع، وفي ظل المشاكل التي يعانيها اللبنانيون يوميًا في المصارف لتسوّل أموالهم، ووقوفهم بإذلال أمام موظفي البنك للمطالبة بحقوقهم، وتحوّل بعض موظفي البنوك الى "بلطجية" مهمتهم ضرب الزبون الذي يتجرأ على رفع صوته والمطالبة بحقه.
وفي خضم هذه المعمعة، يغيب رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري ويتخلى عن مهماته في تصريف الأعمال، وذلك أملاً بتسريع الانهيار، ولتحقيق ما كان قد هدد به خلال أزمة المشاورات الحكومية، وهي عبارة "سيعودون بعد ستة أشهر، راكضين خلفي لتشكيل الحكومة".
والمشكلة التي تواجه اللبنانيين اليوم، لها وجوه عدّة أبرزها:
أولاً؛ سلطة سياسية تبدو بعيدة عن هواجس اللبنانيين، وعاجزة عن أن تشعر بأوجاعهم وقلقهم، تتناتش فيما بينها، ويحاول كل طرف رمي المسؤولية على الآخرين.
ثانيًا، فجور أركان الدولة العميقة، وضرب القانون عرض الحائط، ومخالفات مستمرة في ظل عجز واضح للسلطة القضائية عن الاضطلاع بدورها المطلوب.
ثالثًا، أوهام تملكت الرئيس المكلف حسان دياب، بأنه قادر أن ينتزع من الأحزاب السياسية ما عجز عنه الحريري. لقد وضع الحريري شرطين لعودته الى الحكومة، الأولى تشكيلة من "الوزراء المستقلين" يسميهم بنفسه، والثانية مطالبته بصلاحيات تشريعية استثنائية تضاف الى صلاحيات الحكومة التنفيذية.
واقعيًا، وقبل البحث بصلاحيات بإضافة صلاحيات تشريعية للحكومة،اختلف الحريري مع حلفائه وشركائه في السلطة على مبدأ جوهري وأساسي، وهو رغبة الحريري في تسمية الوزراء التكنوقراط بنفسه وفرض وزراء على الكتل السياسية المعنية، وهو ما دفع التيار الوطني الحر الى الإعلان بإنه سيتجه الى المعارضة وأنه غير معني بالدخول في حكومة الحريري المزمع تشكيلها.
لقد أخطأ دياب في القراءة الواقعية لجوهر السلطة في لبنان. إن السلطة السياسية وأحزابها، عادة ما تتكاتف مع بعض بعضها البعض ضد أي طرف جديد من خارج النادي السياسي وهو ما رأيناه في تكاتف وتكافل الترويكا "بري والحريري وجنبلاط" ضد التيار الوطني الحر منذ دخوله الى السلطة، وتعطيل المشاريع التي تقدم بها وزراء التيار، وهو ما أعلنه مرة أحد وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي علنًا، بقوله "دخلنا الى الحكومة لنعطّل مشاريع التيار الوطني الحر".
والنتيجة اليوم، أن الرئيس المكلف حسان دياب أضاع فرصة ذهبية لتشكيل الحكومة، حين كانت الكتل النيابية الداعمة له مستعدة لتقديم التسهيلات لتشكيل الحكومة، وذلك باعتقاده أن تلك الكتل ستعطيه ما لم تعطه الحريري. التيار الوطني الحر ما كان ليعطي دياب ما رفض إعطاءه للحريري، أما الرئيس برّي والثنائي الشيعي، فدياب ليس خيارهم بالأساس، وما زال الحريري لغاية اليوم هو الخيار الأمثل للرئيس برّي وحزب الله، أما الكتل الباقية فهي غير معنية بإنجاح مهمة دياب أصلاً. وعليه، من أقنع حسان دياب بقدرته على النجاح حيث فشل الحريري، قد باعه وهمًا.

2020/01/08

تغطية خاصة | 2020-01-06 | الرد الحتمي - التضليل الإعلامي

الأهداف المخفية في حرب ترامب ضد إيران؟


 ليلى نقولا
فاجأ ترامب العالم بإعطائه الأوامر للبنتاغون باغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، ومرافقين لهم.
كان الأمر مفاجئًا لأن شخصية ترامب وسلوكه الدولي على مدى أعوام من وجوده في البيت الأبيض لم تكن توحي مطلقًا بأنه "رجل حرب"، بل إن دراسة شخصيته تشير الى "تاجر" يحاول تهديد خصومه لدفعهم الى مفاوضات يحاول من خلالها الكسب تحت وطأة إفلاس الخصم وإحراجه وخوفه. وبالرغم من أن جميع الأزمات الخارجية التي انخرط فيها وفرض عقوبات اقتصادية موجعة على خصومه، إلا أن معظم أعدائه لم يستسلموا بسهولة للضغوط الإقتصادية التي فرضها ترامب عليهم.
والسؤال الطارئ اليوم: ما الذي دفع ترامب الى تعديل سياساته السابقة واستعداده لإعلان حرب في الشرق الأوسط؟.
من خلال دراسة شخصية ترامب، يمكن القول أن أمورًا عدّة قد تكون وراء التصعيد الخطير الذي لجأ اليه باغتيال سليماني، ومنها:
- بعد هجوم العراقيين على السفارة الاميركية في بغداد ردًا على المجزرة التي ارتكبتها الأميركيون باللواء 45 من الحشد الشعبي، غرد ترامب محملاً ايران المسؤولية ومهددًا... ردّ عليه المرشد علي خامنئي، بتغريدة قاسية، تضمنت عبارة "لا تستطيع فعل شيء".
إن شخصية ترامب، التي تحتاج دائمًا الى إظهار القوة وتحقيق الانجازات، لا تتحمل الوصف بالعجز وعدم القدرة، وقد يكون هذا الامر النفسي هو الذي دفع ترامب للقبول بالضغوط التي مارسها عليه كل من بومبيو ومايك بنس للموافقة على عملية اغتيال سليماني بتحريض من اسرائيل (كما ذكرت واشنطن بوست).
- اجراءات العزل المتسارعة: وبالرغم من إعلان ترامب عن ثقته بأن محاولة العزل ستبوء بالفشل، إلا أن الاجراءات غير المسبوقة التي قام بها الكونغرس الأميركي، دفعت ترامب الى توتر شديد نتيجة الشعور بالخطر والخوف من "خيانة" قد يتعرض لها من قبل الجمهوريين أو من بعض مساعديه المعزولين. (ترامب ولأنه شخصية لا تلتزم الوفاء لمن يخدمها، يتولد لديه شعور بعدم الثقة بولاء أحد أيضًا).
- الحاجة الى كسب ودّ القاعدة الانجيلية المؤيدة لاسرائيل: قبل عطلة الميلاد، وبعد تصويت الكونغرس الأميركي على قرار محاكمة ترامب بهدف عزله، نشرت مجلة "كريستيانتي توداي"، افتتاحية كتبها رئيس التحرير مارك غالي، يحث فيها على إقالة الرئيس، معتبرًا أنه "شخصية غير أخلاقية على نحو فاضح"، كما وصف طرده من منصبه في البيت الأبيض بأنه "ضرورة حتمية مسيحية"، وأدان الإنجيليين الذين مازالوا يدعمون الرئيس "على الرغم من سجله الأخلاقي الأسود".
استدعى المقال ردودًا عنيفة من قبل بعض الأسماء الإنجيلية المهمة، وتحدثت وسائل الاعلام عن انقسامات في صفوف القاعدة الانجيلية الموالية لترامب والتي أعطته 80 بالمئة من أصواتها في انتخابات 2016.
وبمراجعة للخطابات في المهرجان الانجيلي لتشكيل ائتلاف "إنجيليون من أجل ترامب" كمقدمة لبدء السباق الرئاسي، (والذي حصل في نفس اليوم الذي اغتيل فيه سليماني والمهندس) نجد أن الخطابات احتوت على الكثير من الرسائل الدينية الموجهة والمرتبطة بالشرق الأوسط، ومنها ربط الأمر بأنه "تنفيذ لإرادة الله"، وأن "الله في صفنا" كما اعلن ترامب. أما بولا وايت، والتي تُذكر في كثير من الأحيان على أنها المستشار الروحي لترامب، فقد اعتبرت أن "كل مذبح شيطاني تم رفعه ضده سيتم هدمه".
أما الإشارة الى الرقم 52  في معرض تهديده لايران، وبالرغم من ان الاعلام الاميركي ربطها بعدد الرهائن الأميركيين الذين احتجزتهم إيران عام 1979، إلا أن المناسبة والمكان التي قيلت فيه، قد تدفع الى الشكّ بوجود رمز ديني نجده في العهد القديم؛ مثلاً (نحميا 15:6-16) وفيها إشارة الى النبي عزرا ودفاعًا عن اورشليم ضد أعدائها، وبعد خروج اليهود من بابل، بنى حائطًا للمدينة في 52 يومًا... كما نجد (اشعيا 52) وفيها دعوة لاورشليم كي تستيقظ، لأن الله افتقدها وطرد الانجاس منها...
إذًا، كل التطورات تدفع للقول أن أسبابًا داخلية خاصة بترامب وحملته الانتخابية، بالاضافة الى قيامه بإحاطة نفسه بمستشارين "انجيليين محافظين" يؤمنون كما يؤمن اليهود بتعاليم التوراة التي تقول أن يجب الدفاع عن اسرائيل ضد إعدائها وإنه يجب التحضير للمعركة الأخيرة التي ستمهد لعودة المسيح... كل هذه الأمور، تدفعنا الى القول، أن المنطقة قد تكون قادمة على أيام عصيبة خلال فترة حملة ترامب الانتخابية، فترامب (وكما تشير شخصيته) لن يتوانى عن فعل أي شيء للوصول الى البيت الابيض مجددًا، مهما كانت التكاليف. ولكن التجارب علمتنا، أن المخططات الدولية ليست قضاءً وقدرًا، ولن تنجح اسرائيل في استخدام ترامب لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه تجاه دول المنطقة.

2020/01/06

طبول الحرب تقرع .. ماذا عن لبنان؟

خُلطت الأوراق في المنطقة بعد قيام الأميركيين بناءً على تعليمات من الرئيس باغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي عبد المهدي المهندس، في غارة جوية بواسطة طائرة بدون طيار قرب مطار بغداد.
ومنذ تلك اللحظة، يعيش العالم ترقبًا محفوفًا بالقلق بعد التصريحات الغاضبة من الايرانيين ومحور المقاومة الذي توعد بالانتقام، في مقابل تغريدات لترامب تهدد بردّ قاسٍ في حال فكّر الايرانيون بالانتقام، وتهديد للعراق بفرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة في حال قرروا انسحاب الجنود الاميركيين من بلادهم.
أمام هذه التطورات الخطيرة، عاش اللبنانيون قلقًا كبيرًا من أن يتحوّل لبنان الى ساحة للقتال، فهل هذا القلق مشروع؟
بالبداية، لا بدّ لنا من الإشارة الى التباين بين كلام الرئيس الأميركي ترامب وكلام السيد نصرالله أمس، في التعامل مع موضوع القانون الدولي الإنساني، فبينما حدد السيد حسن نصرالله، بأن الانتقام سيوجّه الى "الجنود والعسكريين الأميركيين" محيّدًا المدنيين والدبلوماسيين والشعب الأميركي التزامًا بالقانون الدولي الإنساني الذي يحظّر "عدم التمييز بين المدنيين والعسكريين" كما يحظّر استهداف "غير المشاركين مباشرة في العمليات العدائية"، أعلن ترامب أن المواقع التراثية والثقافية الإيرانية ستكون من ضمن الأهداف المحتملة للردّ الأميركي، وهو ما يُعتبر جريمة حرب في القانون الدولي الإنساني، باعتبار أن هذا الأعيان هي ملك للشعوب كافة.
أما فيما يخصّ لبنان، يمكن أن نلفت الى أن السمة العامة لتصرف حزب الله في لبنان، تعرف عادة بالواقعية والبراغماتية، فهو يدرك تعقيدات الساحة اللبنانية وتشابكها، وتشابك النفوذ الاقليمي والدولي، ومواقف الأطراف الداخليين وحدود قدراتهم، لذا نراه يعمد الى تدوير الزوايا في كل مفصل أساسي سياسي.
على سبيل المثال،  وحفاظًا على الداخل اللبناني من الانجرار الى فتنة مذهبية، استمر حزب الله وحليفه حركة أمل بالتمسك بالرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة - بالرغم من كل التطورات في الشارع وبالرغم من عدم تنسيق الحريري معهم في استقالته وإحراجهم في مواضع عدّة - الى أن قرر الحريري بنفسه هو الخروج من حلبة السباق على رئاسة الحكومة.
وكما في موضوع الفتنة المذهبية، يظهر من خلال سلوك حزب الله السياسي الداخلي أنه يحاذر أن يُحرج حلفاءه في موضوع استدراج الازمات الاقليمية الى الساحة اللبنانية، وبالتالي لن يكون من السهل تسويق فكرة الانتقام لسليماني في الداخل اللبناني سواء عند الخصوم الذين يتحيّنون الفرصة للانقضاض على الحزب ولا على حلفائه الذين سيكونون محرجين في تغطية أي ردّ عسكري من لبنان. علمًا أن الصراع المقبول داخليًا ويحظى بشبه إجماع داخلي هو الصراع مع العدو الاسرائيلي وليس مع الولايات المتحدة التي يُنظر اليها لدى فئات من اللبنانيين كدولة صديقة للبنان وليست عدّوة.
في النتيجة، يبدو (لغاية الآن) أن الساحة اللبنانية محيّدة عما ينتظر المنطقة من انتقام وردود متبادلة، والساحات المرجّحة هي العراق بالدرجة الاولى، والقواعد الأميركية قرب النفط السوري في الدرجة الثانية (الأمر مرتبط بالموقف الروسي)... ويأتي هذا التحييد انطلاقًا من الكلفة العالية لعدم تحييد الساحة اللبنانية، بالاضافة الى تعامل حزب الله الواقعي مع النفوذ الأميركي في لبنان. فبالرغم من محاولة كل من إيران والولايات المتحدة السباق على النفوذ في المنطقة، إلا أن لبنان كان دائمًا ساحة لنفوذ مشترك قَبِل الطرفان بوجوده على الدوام، ولو حاول كل طرف توسيع رقعة نفوذه على حساب الآخر، ولكن بدون أوهام "الإزالة الكليّة".