2017/03/30

الخطر الماثل أمامنا في سوريا


د. ليلى نقولا
تشير الاستراتيجية التي تعتمدها الإدارة الأميركية الجديدة في سوريا، بشكل واضح الى أن الأميركيون يسيرون بخطى حثيثة نحو تطبيق خطة تقسيم سوريا، وذلك من خلال تحرير مناطق من التنظيم الارهابي داعش واستلامها بالاشتراك مع قوات سوريا الديمقراطية، والمؤلفة بشكل أساسي من الأكراد  وبعض المجموعات العربية.
ومع العلم أن خطة تقسيم المنطقة أو على الاقل سوريا والعراق، هي خطة أميركية قديمة، إذا لطالما صرّح العديد من المسؤولين الأميركيين أن تقسيم العراق بين السنّة والشيعة والأكراد هو الحل الأمثل للمنطقة، وعليه فإن التصور بأن الاتجاه الاميركي يسير نحو التقسيم في سوريا قد يكون هو الأقرب للتصور.
وبنظرة على الخريطة السورية الحديثة للمعارك، يظهر أنه يتم إشغال الجيش السوري بالمعارك في داخل المناطق لما سمي يومًا "سوريا المفيدة"، على أن يقوم الأميركيون بمنع الأتراك من التقدم الى مناطق الأكراد، والقيام بتحرير مناطق الشرق والشمال الشرقي من داعش وتسليمها الى سلطات محلية وإخراجها من سيطرة الدولة السورية.
وبالنظرة الى هذه الخريطة، يظهر بشكل واضح، أن الأميركيين يريدون قطع التواصل الجغرافي بين سوريا والعراق، بما يعاني قطع التواصل الجغرافي بين ايران وسوريا وبالتالي لبنان، لما لذلك من فوائد استراتيجية تمنع تشكّل "الهلال الشيعي"، كما تقلّص من قدرة ايران على مدّ نفوذها الاقليمي، وتمنعها من إمداد حلفائها بالسلاح عبر البر، وتريح اسرائيل وتفيدها، خاصة إذا كانت المنطقة المقتطعة من الاراضي السورية تشمل المثلث الجغرافي الذي قد يمنع تشكّل المقاومة في الجولان المحتل.
وبالنظر الى المصالح الروسية الاستراتيجية في المنطقة، يمكن القول أن ما يقوم به الروس والدعم الذي يقدمونه للأكراد، وبالنظر الى مصالحهم الحيوية في  المنطقة واوروبا، فإن مشروع التقسيم الاميركي لا يضرّهم بشي، بل بالعكس، يحقق لهم العديد من المكاسب الاستراتيجية، على المدى الطويل وأهمها:
- منع الغاز الايراني من الوصول الى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، للتصدير الى اوروبا، باعتبار أن اتفاقية الغاز الموقعة بين الدولة السورية والدولة الايرانية عام 2010، تقضي بمد خط أنابيب من ايران عبر العراق، فالشمال السوري، الى الساحل. وبوصول الغاز الى الساحل السوري يمكن للغاز الايراني منافسة الغاز الروسي في اوروبا، وبالتالي خسارة اقتصادية واستراتيجية للروس، باعتبار أن ذلك يمنع الاحتكار الروسي لامداد الغاز الى اوروبا، مع ما يعنيه ذلك من نفوذ استراتيجي في المنطقة.
- باعطاء الأميركيين ما يريدون في سوريا والعراق، وبتقاسم نفوذ روسي أميركي يكون الروس قد ضمنوا ما حصلوا عليه من مكاسب في منطقة الشرق الاوسط، بالوصول الى المياه الدافئة، وبنشر قواعد عسكرية في سوريا، ولا يضير الروس شيئًا وجود قواعد عسكرية أميركية في الشمال الشرقي السوري، اي في منطقة الأكراد، الذين عرفوا كيف يكسبون ثقة الأميركيين والروس معًا.
- بالرغم من اعلان البنتاغون عدم الرغبة في التعاون مع الروس في سوريا، إلا أن تخلي ترامب عن استراتيجية "الاستنزاف" التي حاول أوباما تطبيقها، تفيد الروس بشكل أكيد.
تفاءل الروس بإمكانية الوصول الى تفاهم مع ترامب على حلول في الشرق الاوسط وشرق اوروبا، بسبب تصريحات ترامب خلال حملته الانتخابية. لكن مشكلة ترامب تكمن في الداخل وفي المكارثية الجديدة التي انتشرت في أميركا من خلال الحرب التي شنتها وكالات الاستخبارات ضده، ومولتها شركات سيليكون فالي، وسوّقها الاعلام الأميركي الموالي للفرع القديم للدولة العميقة.
ومع هذه الضغوط والحرب الداخلية ضمن الدولة العميقة، أصبح من الصعب على ترامب وفريقه الاستمرار بمتابعة إغواء الروس لفصلهم عن حلفائهم، لذا عاد ورضخ وأطلق البنتاغون إشارات تشير الى عدم الرغبة بالتعاون مع روسيا في سوريا.


يعلن الأكراد السوريون بشكل دائم، أن طموحهم الوصول الى فيدرالية تسمح لهم بحكم ذاتي ضمن الوحدة السورية، وهذا ما يتصوره الروس لمستقبل سوريا. لكن واقعيًا، إن التقسيم الواقعي ولو لم يكن بشكل جغرافي ثابت هو ما سيحصل في سوريا، خاصة في حال استطاع الأميركيون تحرير المناطق من داعش وسيطروا عليها، وسيطرت الدولة السورية على أجزاء الساحل والمدن الكبرى، واستمر الأتراك وحلفاؤهم في حكم الجزء الذي احتلته القوات التركية تحت مسمى "درع الفرات".... ومع تطبيق الهدنة، يكون هناك تقسيم واقعي لسوريا، وحتى لو لم يثبت بخرائط ثابتة تقسم سوريا الى دول بشكل نهائي.

2017/03/23

تعقّد الميدان السوري: ما هو دور"الدولة العميقة" الاميركية؟

د. ليلى نقولا
بتكثيف التواجد العسكرى الأميركي البرى فى سوريا بعد إرسال إدارة الرئيس دونالد ترامب قوات جديدة قوامها 400 للانضمام للقوات التى تقاتل تنظيم داعش، بدأت مراسم الاستراتيجية الأميركية في سوريا تتضح شيئًا فشيئًا، خاصة بعدما كان الجميع ينتظر ما سيكون عليه موقف الرئيس الأميركي الجديد من التطورات السورية بشكل عام.
ولعل تراجع الحديث عن "المناطق الآمنة" التي كان ترامب قد اقترحها، وأعتبر البنتاغون أن كلفتها عالية، ولا تحقق النتائج المرجوة منها، كما نشر القوات الاضافية، وحديث الاستراتيجيين العسكريين الأميركيين عن بدء معركة تحرير الرقة من داعش، وتشديدهم في تصريحات إعلامية مختلفة على عدم التعاون مع الروس، يعني أن الخطة التي وضعها البنتاغون قد أخذت بعين الاعتبار، الضغوط الداخلية الاعلامية، وضغوط المجمع الصناعي العسكري، وأطراف أخرى في "الدولة العميقة" الأميركية والتي تبني مكاسبها على تاريخ من العداء لروسيا ولا تستطيع أن تخرج منه.
يشير البعض الى أن "الدولة العميقة" الأميركية هي مجرد اختراع من اختراعات نظريات المؤامرة، ولكن الوقائع تشير الى أن هناك قوى فاعلة في النظام الأميركي تستطيع أن تؤثر على اتخاذ القرارات، ويُجمع النواب الأميركيون على تأثير المال واللوبيات على المؤسسات الأميركية كافة، وأن عمليات جمع التبرعات تستنزف الجهد الأكبر منهم خلال حملاتهم الانتخابية، إن لم يكن كله.
كما يشير العديد من الباحثين المرموقين في الولايات المتحدة، ومنهم على سبيل المثال الاكاديمي فرانسيس فوكوياما، على أن المؤسسات الأميركية فشلت في ايجاد نظام متوازن صالح للحياة، كما فشل النظام الأميركي في منع المصالح الخاصة من أن تتضارب، وسمح لمجموعات المصالح تلك بأن تمارس الفيتو على كل ما يضر بمصالحها.
أما آلية استعمال الفيتو، والتي كرّسها الواقع الأميركي، فتعني أن المجموعات النافذة  -سواء تمت نسميتها دولة عميقة أو غير ذلك - تستطيع ان تضع فيتو على أي اجراء أو رسمي قد يضرّها، مما يجعل امكانية تحقيق الصالح العام صعبة جدًا، وبات النظام يعمل لصالح قوى المال والاعمال وليس لأجل الشعب أو المصلحة العامة ككل.
ويخطئ من يعتقد أن "الدولة العميقة" هي فقط وكالات الأمن والاستخبارات المركزية، بل هي مجموعة مختلطة من مجموعات حكومية وجماعات صناعية ومالية تحكم الولايات المتحدة الأميركية تحقيقًا لمصالحها بدون العودة أو الاهتمام بمصالح المحكومين كما هو معبر عنها في العملية السياسية الرسمية، كما يشير مايك لوفغرين، في كتابه الصادر عام 2017.
وعليه، فإذا كانت هذه "الدولة العميقة" - كما يصفها لوفغرين- تتركز بشكل أساسي في ؛ المجمع العسكري الصناعي، سيليكون فالي، وول ستريت، البنتاغون ووكالات الأمن القومي، فيكون مفهومًا ما تراجع ترامب وإدارته، عن التفاهم مع الروس بناءً على اعتراض البنتاغون والمجمع الصناعي العسكري. كما تشير الموازنة التي طرحتها إدارة الرئيس الأميركي الجديد والتي تتجلى في زيادة الانفاق العسكري وتضخم موازنة الدفاع مقابل اقتطاع تاريخي كبير لموازنة وزارة الخارجية ووكالة التنمية الأميركية Usaid، والمساعدات الاجتماعية في الداخل، أن ترامب يسترضي البنتاغون والمجمع الصناعي العسكري الذي سيحصل على أموال طائلة من موازنة الدفاع الأميركية.
وبالرغم من الطموحات الكبيرة التي أعلنها البنتاغون، لتزايد الوجود العسكري في كل من سوريا والعراق، والاعلان عن التوجه ال ارسال حوالى 1000 جندي اضافي الى القواعد الاميركية في الكويت ضمن استراتيجية محاربة داعش، إلا أن المسار الذي يتبعه ترامب، والوقائع الميدانية على الارض، تشير الى أن هذا التصعيد الميداني يهدف الى اكتساب أوراق اضافية في مسار الحل التفاوضي وإكتساب أوراق قوة تعطي الاميركيين قدرة على فرض رؤيتهم للحل في كل من سوريا والعراق، وليس بهدف تسعير الصراع للوصول الى المواجهة مع الروس في نهاية المطاف.
يشير الباحثون الى أن استراتيجية "التصعيد من أجل التهدئة"، هي استراتيجية لطالما استخدمها ترامب في مجال الأعمال، أي مواجهة الخصم بشكل صريح وعلني للحصول على اليد العليا في اي مفاوضات قبل التوصل إلى اتفاق.
إذًا، ترامب محكوم بصراع الأجنحة داخل الدولة العميقة، والحرب في سوريا استعرت بشكل كبير على محاور عدّة كانت مجمدة في وقت سابق، والطيران الاسرائيلي يقصف قاسيون لمساندة هجوم الارهابيين على دمشق، وغرفة الموك تحركت، والأميركيون يتوجهون لتحرير الرقة بمساعدة قوات سوريا الديمقراطية، فهل ستعطي استراتيجية ترامب ثمارها في الوصول الى اتفاق؟
الجواب بسيط؛ صعب الاتفاق والحل السوري مؤجل في ظل العداء الأميركي المتجذر ضد روسيا وايران.

2017/03/16

استانة 3: أردوغان يلعب على بوتين؟!

د. ليلى نقولا
تتكدّس الأزمات وتتراكم على السلطة في تركيا، بحيث تشعر أن الوقت الذي تمرّ فيه تركيا منذ سقوط مشروع "الإخوان المسلمين" تحوّل إلى مسار من التناقضات والخيبات والكبوات التي لم تستطع - أقلّه لغاية الآن - أن تُسقط غرور السلطة الأردوغانية وتدفعها إلى إعادة النظر في ما تقوم به.

ففي موازاة قيام الرئيس التركي بزيارة رسمية لموسكو، تغيب المعارضة المسلحة السورية عن مباحثات "استانة 3"، عازية الأمر إلى تزايُد العنف، وقصف الجيش السوري لحي الوعر في حمص، وعدم قيام الروس بمنع الجيش السوري من القيام بالعنف، لكن المرجح أن يكون أردوغان قد أوعز إلى المجموعات المسلّحة بعدم المشاركة، وذلك لسبيين: الأول لأن هدف هذه المباحثات هو تحديد الخرائط التي تفصل بين المجموعات المسلحة والمجموعات الإرهابية، وهو ثمن لا يريد أن يقدّمه أردوغان في هذه الوقت، والثاني بسبب الحنق التركي من التقدّم العسكري السوري في الشمال السوري، ومنع القوات التركية التي تحتلّ مدينة الباب من التقدّم باتجاه منبج أو الرقة.

إن قيام الجيش السوري بالتقدم الميداني والسيطرة على كامل المنطقة الممتدة من مطار كويرس لغاية الضفة الغربية لنهر الفرات، وتشكيله عائقًا أمام القوات التركية التي تحتل الباب، لاستكمال تقدمها نحو الرقة، بالإضافة إلى الاتفاق مع "قسد"، والذي قامت بموجبه "قسد" بتسليم الجيش مناطق في منبج، مما شكّل عائقًا أمام القوات التركية المتمركزة في الباب من التوسع شرقاً إلى منبج، يكون قد أفرغ احتلال مدينة الباب من قبَل الأتراك من أهميتها الاستراتيجية، ومنع الأتراك من التقدّم الميداني للتوسّع في الشمال السوري تمهيداً لإنشاء المناطق الآمنة، وهو من الأسباب التي تجعل أردوغان يُحجم عن جلب المعارضة المسلحة إلى "استانة 3".

ولعل غياب المعارضة يشير إلى حجم المأزق الذي يواجهه أردوغان على مستويات عدّة:

1-     على الصعيد الأميركي: قد يكون الجموح ازداد بعد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى الحكم، بحيث شعر أردوغان أن أحلامه التي استعصت على التحقّق في سورية قد حان أوانها، وأنه يستطيع أن يُقنع الإدارة الأميركية الجديدة بالوقوف إلى جانبه، عارضاً خدماته في تأمين احتلال جزء من الشمال السوري بذريعة المناطق الآمنة التي يريدها ترامب تحت ستار "الإنسانية".

واقعياً، لم تُبدِ الإدارة الأميركية رغبة بشراء ما يعرضه التركي في بازار الحرب السورية، فترامب الآتي من عالم الأعمال، لم يتخلَّ عن الورقة الكردية التي تؤمّن حضوراً أميركياً عسكرياً فاعلاً في الميدان السوري، ويمكن استخدامها لكسب مكاسب أميركية صافية، مقابل تقاسم أرباح غير مضمونة مع التركي، وقد أدرك أردوغان بعد أزمة منبح، أن الأميركيين مستعدون لعقد تفاهمات ميدانية جزئية مع الروسي على حسابه، وقد يكون القصف التركي على القوات السورية في منبح دليلاً واضحاً على كمية الغضب التي تحتقن لدى القادة الأتراك.

2-     على الصعيد الأوروبي: كشفت الأزمة الأخيرة التي نشبت بين الأتراك وهولندا، عمق الأزمة وعدم الثقة بين الاثنين، وإن كان أحد يعتقد أن الأوروبيين ينسون لأردوغان ومخابراته مساهمتهم في فتح باب اللجوء وتأمين تدفقات اللجوء الجارفة إلى الاتحاد الأوروبي يكون واهماً. بشكل أساسي، تخشى الحكومات الأوروبية من تنامي "اليمين" في بلادهم، ويأتي أردوغان اليوم بشتائمه وصراخه ليزيد الحنق الشعبي ويعطي استفادة لـ"اليمين" في الانتخابات المقبلة، وعليه، يستفيد أردوغان داخلياً من هذا الصراع، ويستفيد منه "اليمين" الأوروبي أيضاً، والخاسر الأكبر هي الحكومات الأوروبية التي خضعت للابتزاز الأردوغاني وأغدقت عليه الأموال ضمن إطار سياسة "وقف زحف اللاجئين" إلى أوروبا.

3-     على صعيد العلاقة مع الروس: يدرك الروس جيداً أن أردوغان شخص لا يؤتمَن له، لذا يقومون بإعطائه المكاسب نقطة نقطة، وتسليمه "مكافأة" كلما أثبت حسن سلوكه، وبالرغم من كل الأحلام الأردوغانية بصفقات أسلحة وطائرات وامتلاك صورايخ "أس 400"، يعده الروس بدرس الموضوع، ويكتفون بفكّ الحظر على استيراد البصل والزهور والقرنبيط.

يريد الروس من أردوغان أن يوافق على مشروع "السيل التركي" الذي يعطي الروس أرجحية اقتصادية واستراتيجية في أي صراع مستقبلي على إمداد الغاز إلى أوروبا، لذا يغضّون النظر عن الكثير من تقلباته في سورية، وفي المقابل يدرك أردوغان أن اللعب مع الروس ليس بالأمر السهل، لذا يحاذر اللعب على المكشوف، ويبدي حرصاً مضاعَفاً باعتبار أن العلاقة مع الروس تبدو كمن يسير في حقل ألغام؛ يخشى في أي لحظة أن ينفجر به لغم فيطيح به.

ومن أكبر تجليات الغرور والوهم أن يؤمن أردوغان بتفوق ذكائه على ذكاء الرئيس بوتين، فيعطّل مؤتمر "أستانة 3"، ويمنع المعارضة المسلّحة من المشاركة فيه، في الوقت نفسه يذهب إلى موسكو مصافحاً الرئيس بوتين، وفاتحاً أبواب التعاون الاقتصادي والاستراتيجي!.

2017/03/09

خطة لتقسيم سوريا مجددًا!!


د. ليلى نقولا
انتهى مؤتمر جنيف السوري الرابع، ويتجه المتفاوضون الى الانتقال الى أستانة للمرة الثالثة في منتصف شهر آذار الحالي، على أن تبحث في أستانة الاستمرار في الهدنة ووقف اطلاق النار وتثبيت ما تمّ الاتفاق عليه سابقًا.
ولا شكّ، ان الانتقال بين جنيف واستانةـ لا يلغي حقيقة أن المعارضة السورية بجزأيها السياسي والعسكري، تعيش أوقاتًا صعبة جدًا، يجعلها في موقف المفاوض الضعيف وليس القوي القادر على فرض شروط تجعل بالامكان الادعاء بانتصار ما في تلك المفاوضات، وأهم ما واجهته في جنيف يبدو كما يلي:
- عدم قدرتها على التوافق مع المعارضات الأخرى، وبقاء منصة الائتلاف وكل من منصتي القاهرة وموسكو متمسكين بمواقفهم بدون تعديل أو تبديل طيلة المحادثات وعدم استطاعتهم اختراق السقوف التي وضعوها سابقًا.
- إصرار منصة الائتلاف على فرض شرط تعجيزي غير قابل للتحقق، وغير مناسب للتطورات وهو "الانتقال السياسي" بما يعنيه تنحي الأسد عن الحكم لصالح المعارضة خلال فترة انتقالية محددة. وبالرغم من أن هذا المطلب يعتبر خارج سياق التطورات العسكرية والميدانية والدولية وحتى الاقليمية، فإن إصرار وفد الرياض عليه، يشير بما لا يقبل الشكّ أن المعارضة تدرك بأنه لا إمكانية لهزيمة الأسد في أي انتخابات مقبلة لذلك يحاولون إزاحته بالضغوط الدولية قبل الوصول الى تلك الانتخابات، وهو ما لن يقبل به وفد الحكومة السورية ولا حلفاء الأسد بأي شكل من الاشكال.
- عدم القدرة على الحسم الميداني لإجبار وفد الحكومة السورية على تقديم التنازلات، علمًا أن الهدنة التي تمّ التوافق عليها في أستانة بعد انتصار الجيش السوري في حلب، جعلت من الصعب على وفد المعارضة العسكري الادعاء بانتصارات ما يريد تسييلها في جنيف.
- ويبقى الاهم، هو عدم نضوج موقف الولايات المتحدة الأميركية بإدارتها الجديدة، حول الحلّ المتصور لديها في سوريا.
لقد أعطى ترامب إشارات متناقضة في الملف السوري، ففي حين أعلن مرارًا نيته التعاون مع الروس على  ايجاد حلٍ سوري، وأشاد مرارًا بالرئيس بوتين، إلا أن الضغوط الداخلية، والحملة "المكارثية" الجديدة في الولايات المتحدة الأميركية، تجعل من الصعب عليه تخطيها والذهاب نحو أي تفاهم من هذا النوع.
أما بالنسبة للمناطق الآمنة التي اقترحها، فقد أعطت إشارات للأتراك بأن ترامب قد عاد أخيرًا ووافق على ما كانت إدارة اوباما ترفضه. لذا سارع الاتراك الى كل من السعودية وقطر، للتنسيق فيما خص تلك المناطق وتمويلها وقام أردوغان باطلاق المواقف النارية ضد ايران ليلاقي الخليجيين وترامب ويعلن نفسه في معسكرهم. لكن الأميركيين عادوا ووضعوا خطوطًا حمراء لأحلام أردوغان، من خلال دعم الاكراد، والسماح لحلفائهم من قوات سوريا الديمقراطية بتسليم بعض المناطق للروس والجيش السوري، لمنع الجيش التركي من التقدم باتجاه منبج.
المشكلة التي تواجه الاتراك، هي أن اعلان المناطق الآمنة قد يوافق عليه الأميركيين، يتجلى في تحرير الاراضي السورية من داعش وتسليمها الى المعارضة السورية، أي أنه بمعنى من المعاني، يعني تقسيم سوريا، خاصة في ظل الهدنة المعلنة بين الجيش السوري والفصائل المسلحة التي وافقت على مخرجات أستانة. والتقسيم، مع استمرار الأكراد في السيطرة على جزء من الاراضي السورية،  يعني حصول كونتون كردي واقعي، سيهدد بشكل أكيد الأمن القومي التركي في الصميم، ولن يسمح به الاتراك بأي شكل من الاشكال.
أمام هذه المعضلات، تعود الكرة الى ملعب الجيش السوري، والى كل من روسيا وايران لمنع التقسيم المحتمل، والذي سيكون وصفة كارثية للجميع وحتى بالنسبة لتركيا للمعارضة السورية. وإن كان مفهومًا التوجه التركي لدعم تلك المناطق واحتلال أجزاء من سوريا، فالمستغرب أن يحلم جزء من السوريين المعارضيين باقتطاع جزء من الدولة السورية لحكمها! والاغرب، قبولهم بها مع العلم أن تاريخ السنوات الست من عمر الأزمة السورية، يشير الى عدم قدرة تلك المعارضة على فرض "سلطة فاعلة" على المناطق التي سيطروا عليها، فلا المدارس استمرت، ولا أجهزة الدولة استمرت، ولا البنى التحتية ولا أمن ولا استقرار، وبالرغم من كل الجهود التي بذلها الاتحاد الاوروبي، لإمداد تلك المناطق المقتطعة من سيطرة الدولة السورية وتأمين بنى تحتية لسلطة مقبولة، باءت كل محاولاتهم بالفشل.
في المحصلة، قد تكون تصريحات ترامب قد حفزت الاحلام الخليجية والاردوغانية باقتطاع أجزاء من سوريا، لكن تبقى في النهاية، أكلاف هذا الاحتمال، أعلى بكثير من فوائده سواء للمعارضة أو للأتراك.

2017/03/02

إدارة ترامب: حركة تصحيحية من ضمن النظام الأميركي؟


د. ليلى نقولا
فوجئ الجميع في الولايات المتحدة وحول العالم، بالخطاب المتوازن والمنمق للرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام الكونغرس، في 28 شباط المنصرم. وقد أشادت الصحف الأميركية المعارضة والموالية على حد سواء، بهذا الخطاب التاريخي، كما أشارت استطلاعات الرأي - التي أوردتها سي أن أن المعارضة- أن 7 من 10 من المستطلعين أعتبروا الخطاب ايجابيًا. ولعل نشوة الانتصار التي ساقها معارضوه من الديمقراطيين خاصة بعد استقالة مستشار الأمن القومي مايكل فلين، وتعيين ترامب لماكماستر والذي يعدّ نقيضًا ايديولوجيًا لفلين في هذا المنصب، قد تبخرت بعدما عاد ترامب واستعمل مفردات "الاسلام الراديكالي المتشدد" بعد كل النصائح التي ساقها ماكماستر لرئيسه في الاعلام، وكرر جميع الوعود التي أطلقها في جملته الانتخابية ولكن بلغة أكثر سلاسة هذه المرة.

وكما كان واضحًا منذ البداية، فإن ترامب الذي أثار الكثير من الانتقادات والسخرية، ليس مجنونًا، بل هو يستعمل تكتيكات تجعل مناوئيه وأعداءه وحتى حلفاءه يتحسبون له باعتباره "خطيرًا" لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، بعكس اوباما العقلاني الذي كان من الممكن بسهولة التنبؤ بما ينوي القيام به، أو يخطط له.

ويخطئ من يعتقد أن ترامب وفريقه هم ضد ما يسمى الدولة الاميركية "العميقة"، والتي يسيطر عليها مجموعة من النافذين في مجال الشركات العملاقة، والمجمع الصناعي العسكري، والجيش. بل إن فريق ترامب وإدارته، مكون من مجموع هؤلاء معًا، يضاف اليهم بعض القوميين المؤيدين لمجموعات البيض الاميركيين. فبعكس إدارة أوباما، تحتوي إدارة ترامب على عدد لا بأس به من الاثرياء النافذين في الشركات العملاقة، منهم وزير التجارة، وزيرة المشروعات الصغيرة، وزير الخزانة، وزير الخارجية، وزيرة التعليم، وزيرة النقل، وزير الاسكان، وزير العدل، وزير الطاقة الخ... بالاضافة الى مجموعة من الجنرالات الأميركيين المشهود لهم.

أما اختياره للعناوين الشعبوية والقومية المؤيدة للمجموعات البيضاء من الأميركيين، فليس أمرًا عشوائيًا أيضًا.
يعاني النظام الأميركي من جملة ما يعانيه من مشاكل، ازدياد نفوذ رجال المال واللوبيات وتأثيرهم على السياسات، ويعترف الكثير من النواب والعاملين في الأجهزة الرسمية الأميركية بأن المال أفسد النظام. أما  المشكلة الأكبر التي يعانيها المجتمع الأميركي - بالاضافة الى انقسامه الشديد - فهو عدم المساواة.

بالرغم من العديد من الأميركيين يشكون من عدم المساواة المتجذرة في المجتمع والنظام منذ قرون، ويعتبرون أن التمييز هو بشكل أساسي ضد الأميركيين السود، والمهاجرين غير الشرعيين، والاقليات المهمشة، لكن معايير عدم المساواة الجديدة والتي ضربت فئات جديدة من الأميركيين البيض، والتي سادت في العقدين الاخيرين وتفاقمت بعد الأزمة العالمية الكبرة 2008، فهي التمييز على أساس المستوى التعليمي، بعدما ضُرب الاقتصاد الاميركي بغياب الصناعة المحلية وهجرتها الى الخارج طمعًا بالربح السريع وسعيًا نحو اليد العاملة الرخيصة.

بتركيز الديمقراطيين على عدم المساواة، أغفلوا الطبقات الفقيرة والمهمشة من البيض الأميركيين، فأقاموا تحالفًا مع الاقليات العرقية الأخرى، وهو ما استطاع ترامب استغلاله بذكاء خلال حملته، وما زال مستمرًا بعناوينه الاساسية، وهو ما بدا واضحًا في خطابه في الكونغرس.

إذًا، تبدو المعركة التي يقودها ترامب وفريقه من ضمن "الدولة العميقة" وليس من خارجها. وما العناوين الشعبوية التي يطرحها سوى محاولة من جزء من هذه الدولة لتصحيح الأخطاء التي أرتكبها جزء آخر وأدت الى إضعاف الامبراطورية الأميركية في العالم. أدى سوء الادارات السابقة للولايات المتحدة، بخسارة حربين عسكريتين (أفغانستان والعراق)، بالاضافة الى إنهيار أسواق المال (2008)، ويبدو أن جزءًا من هذه الدولة العميقة يحاول القيام بحركة تصحيحية للنظام، تجعله يستعيد عافيته مستندين الى أفكار قومية شعبوية، تختلف في جوهرها عن الأفكار النيوليبرالية السابقة حول تشجيع العولمة وفتح الحدود الخ.

هل تنجح الحركة التصحيحية داخل النظام الأميركي؟
لا شكّ أن الصراع بين الجناح الجديد والحرس القديم، لن يبقي الولايات المتحدة كما كانت عليه في السابق، فإذا لم يستطع الطرفان الوصول الى تفاهم ما، فنكون أمام سيناريوهات ثلاث: إما أن تنجح الترامبية وتغير وجه أميركا الذي نعرفه، وأما أن تفشل مما يؤدي الى إسقاط هيبة الرئيس ومعه أميركا في العالم. وأما أن يستمرا بالقتال الى ما لا نهاية، فيكون مصير الولايات المتحدة مشابهًا لمصير الاتحاد السوفياتي في نهاية الثمانينات من القرن الماضي.