2022/06/20

بريكس بلاس: الغرب يفقد حلفاءه؟

تعقد مجموعة بريكس اجتماعاتها بنهاية هذا الاسبوع أي في 24 حزيران / يونيو، وستترأس الصين الاجتماعات التي ستعقد افتراضياً للسنة الثالثة على التوالي.  من أبرز المواضيع التي ستناقشها القمة هي التداعيات الاقتصادية للصراع الروسي الأوكراني، والآليات المالية للتعامل مع العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، واستخدام العملات الوطنية للدول الأعضاء في البريكس، وإنشاء وكالة تصنيف مستقلة للبريكس.

وفي الاجتماع التحضيري، الذي حضرته دول عدّة من حارج المجموعة (الأرجنتين وإندونيسيا، ومصر وكازاخستان ونيجيريا والمملكة العربية السعودية والسنغال وتايلاند والإمارات العربية المتحدة)، دعا الرئيسي الصيني الأعضاء للتركيز على إرسال رسالة قوية حول ضرورة احترام المصالح والهواجس الأساسية للدول كافة، واحترام سيادة كل طرف ومصالحه الأمنية والتنموية، ومعارضة سياسة الهيمنة وسياسة القوة في العلاقات الدولية.

هذه السنة، يشجع كل من روسيا والصين أن ينتقل البريكس لأن يكون إطاراً دولياً واسعاً وليس نادياً مغلقاَ. وكانت فكرة توسيع البريكس وإنشاء ما يسمى "بريكس بلاس" قد نشأت في العام 2017، لكن مجيء دونالد ترامب الى الحكم في الولايات المتحدة بأجندة واضحة وهي تفكيك الأحلاف التي نشأت ضد بلاده خلال فترتي أوباما، بالاضافة الى جائحة كورونا، فرملت تلك الاندفاعة.

اليوم، وبعد التطورات العالمية، خاصة بعد الحرب الاوكرانية، يبدو أن كل من الصين وروسيا، راغبتان في التوسيع، بينما تسير الهند بحذر في هذه الخطوة. يتحدث الصينيون عن دعوة الدول التي تحمل نفس التفكير، بينما يشترط الروس أن تكون الدول المرشحة للدخول رافضة للعقوبات الغربية على روسيا. وعلى هذا الأساس، ومن ضمن الدول المرشحة للإنضمام، يبدو أن السعودية والارجنتين ستكونان الدولتان الأكثر احتمالاً للانضمام لمجموعة البريكس هذا العام، وأولى الدول التي ستدشن عصر "بريكس بلاس".

ماذا يعني انضمام السعودية الى "بريكس بلاس"؟

لا شكّ أن السعودية، ومنذ الحرب الاوكرانية قد اتخذت العديد من القرارات التي تميّزها عن الولايات المتحدة الاميركية، وخاصة رفض الدعوة الأميركية لزيادة انتاج النفط لتهدئة الأسواق ولجم ارتفاع الأسعار على أثر العقوبات الغربية على روسيا.

وكانت السعودية قد عانت الكثير من سياسات الولايات المتحدة خاصة في فترتي اوباما، حين دعم الأميركيون الربيع العربي على حساب حلفاء السعودية، وتفاجأ السعوديون بانكشاف الاجتماعات السرية الأميركية الإيرانية في سلطنة عمان منذ 2013، ثم توقيع الاتفاق النووي مع إيران عام 2015 بدون أخذ هواجس السعودية بعين الاعتبار.

لا شكّ أن وصول ترامب الى البيت الأبيض، وتواصله الجيد مع ولي العهد السعودي، بدد الكثير من التوتر السابق في العلاقة بين البلدين، ولكن خسارة ترامب ومجيء بايدن الذي هدد بأنه سيجعل السعودية دولة معزولة، وانه سيحاسب على مقتل خاشقجي وغير ذلك من التصريحات وآخرها أنه ذاهب الى السعودية وليس ليقابل ولي العهد محمد بن سلمان... كلها تصريحات، تجعل من الصعب عودة العلاقات الأميركية السعودية الى سابق عهدها، أقلّه في فترة بايدن.

إن انضمام السعودية الى مجموعة "بريكس بلاس"، سيكون تحوّلاّ هاماً في السياسة الخارجية السعودية، خاصة في حال تمّ الاتفاق على التبادل بواسطة العملات المحلية لدول البريكس، ما يعني أن النفط السعودي سيباع مقابل اليوان الصيني، وهو ما سيضرب قوة الدولار في الأسواق العالمية.

بالنتيجة، لقد انخرط الغرب في استراتيجية هجومية بقيادة الولايات المتحدة منذ مجيء بايدن الى البيت الأبيض. الهدف: إعادة الهيمنة الأميركية المطلقة، وتفوّق الغرب بقيادة الولايات المتحدة. هذه الاستراتيجية، وبالرغم من أن الغرب توحد خلف الولايات المتحدة لتطبيقها، إلا أنها – لغاية الآن- لا يبدو أنها تسير وفق الخطة المرسومة، بتأديب المتمردين (روسيا والصين). فكيف يمكن للغرب أن يكون قادراً على تركيع روسيا (كما أعلن العديد من القادة الاوروبيين) ويحتوي الصين ويضعفها، وهو يفقد الحلفاء من خارج الكتلة الغربية؟ 

2022/06/19

أوكرانيا: تعب الغرب ولم تخضع روسيا

ذكرت صحيفة دي فيلت الألمانية ذكرت صحيفة  الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتز، ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي، طلبوا من الرئيس زيلينسكي، "خلف الأبواب المغلقة"، استئناف المفاوضات مع فلاديمير بوتين. وكتبت الصحيفة أن الضرر الاقتصادي، الذي تعانيه بلدانهم بسبب العقوبات التي سببتها الحرب، أصبح أكبر ومن الصعب تعويضه، إذ "تباطأ النمو الاقتصادي على نحو حاد، ووصل التضخم إلى مستوى قياسي".

 وعلى الرغم من النفي الأوكراني، فإن  تصريحات المسؤولين الأوكرانيين، التي قالت إن "شركاء أوكرانيا الأجانب مهتمون فقط بامتلاك أوكرانيا الموقفَ التفاوضي الأكثر فائدة"، وإن "أوكرانيا ستعاود المفاوضات بحلول نهاية شهر آب/أغسطس"، تشير إلى أن الموقف الغربي بدأ يتبدّل، وأن العرض الأوروبي، بشأن وضع أوكرانيا في لائحة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ما هو إلّا جائزة ترضية للقبول بالتنازلات وإنهاء الحرب، مع إعطاء كييف مهلة لتحسين موقفها التفاوضي، عبر بعض المكاسب العسكرية، وهو ما دفع جونسون إلى القول إنه يجب استمرار دعم أوكرانيا، محذّراً العالم من "التعب من أوكرانيا".

لا شكّ في أن عدة مؤشرات سابقة كانت بدأت تشير إلى أن الغرب استنفد الخيارات المتاحة أمامه لإخضاع روسيا واستنزافها في الحرب الأوكرانية، وأن هزيمة روسيا عسكرياً، وإذلالها وتجويعها، كما توعّد الغرب، لا يبدو أنها خيارٌ متاحٌ. ومن تلك المؤشرات ما يلي:

1- التيقّن من عدم القدرة على هزيمة الروس عسكرياً:

 في وقت سابق، حمّل الرئيس الأميركي، جو بايدن، نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في أوكرانيا، معتبراً أن زيلينسكي "لم يُرِدْ سماع" التحذيرات الأميركية قبل التحرك العسكري الروسي، وأن الأميركيين كانوا يملكون "معلومات، مُفادها أن بوتين كان في طريقه من أجل عبور الحدود. لم يكن هناك شكّ (في هذا الأمر)، وزيلينسكي لم يرغب في سماع ذلك". وأتى الردّ الأوكراني سريعاً، عبر أحد مساعدي زيلينسكي، الذي عدّ أن هذا الاتهام "سخيف".

عملياً، بدأت الاتهامات تتصاعد من جانب حلفاء أوكرانيا، من أجل تحميل زيلينسكي والقوات الأوكرانية مسؤوليةَ الفشل العسكري. فلقد أكدت أفريل هينز، مديرة الاستخبارات الأميركية، خلال الإدلاء بشهادتها في جلسة استماع في مجلس الشيوخ، في أيار/مايو المنصرم، أن لدى الأميركيين "نظرة واضحة (إلى الأمور العسكرية) لدى الجانب الروسي أكثر مما لدينا لدى الجانب الأوكراني"، كما ذكرت "نيويورك تايمز"، نقلاً عن مسؤولين في البنتاغون، قالوا إنهم مستاؤون من عدم معرفتهم الاستراتيجيةَ العسكرية الأوكرانية، وإنها غير واضحة

2- الخطأ في تقييم قدرة الاقتصاد الروسي:

لطالما تحدّث المسؤولون في الغرب عن أن الاقتصاد الروسي ضعيف جداً، وأنه بحجم اقتصاد إيطاليا، أو أقل من حجم اقتصاد إسبانيا. انطلاقاً من هذا التقييم، عَدّ الغربيون أن العقوبات ستؤدي إلى تجويع الروس وتركيعهم بسرعة، وهو ما لم يحدث.

يعدّ الاقتصادي الفرنسي المعروف، جاك سابير، أن أحد الأسباب الرئيسة لسوء التقدير الغربي هو أسعار الصرفيقول سابير في مقابلة حديثة: "إذا قارنت إجمالي الناتج المحلي لروسيا عن طريق تحويله من الروبل إلى الدولار الأميركي، فستحصل بالفعل على اقتصاد بحجم الاقتصاد الإسباني. لكن هذه المقارنة لا معنى لها من دون احتساب معادلة القوة الشرائية، التي تمثّل الإنتاج ومستويات المعيشة... وهكذا، عندما تقيس الناتج المحلي الإجمالي لروسيا، بناءً على معادلة القوة الشرائية، حينها يصبح الاقتصاد الروسي بحجم الاقتصاد الألماني (نحو 4.4 تريليونات دولار لروسيا في مقابل 4.6 تريليونات دولار لألمانيا).

ويعدّ سابير أن الخطأ الغربي كان في التركيز على حجم قطاع الخدمات، على نحو مبالغ فيه، مقارنة بالقطاع الصناعي والسلع، مثل النفط والغاز والنحاس والمنتوجات الزراعية. فإذا قلّلنا الأهمية النسبية للخدمات في الاقتصاد العالمي، فسيصبح الاقتصاد الروسي أكبر كثيراً من اقتصاد ألمانيا، ويمثّل على الأرجح 5% أو 6% من الاقتصاد العالمي".

ويقدّر سابير أن روسيا "تمثّل ما يصل إلى 15%" من التدفقات التجارية العالمية، فهي أكبر مصدّر للنفط والقمح عالمياً. كما تسيطر على نحو 19.5% من الصادرات العالمية: النيكل (20.4%)، والحديد نصف النهائي (18.8%)، والبلاتين (16.6%)، والأسماك المجمّدة (11.2%)".

في النتيجة، كان واضحاً أن الاقتصاد العالمي، والاقتصاد الغربي تحديداً، تأثّر – لربما أكثر – من الاقتصاد الروسي نتيجة العقوبات، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة وارتفاع التضخم، الأمر الذي اضطر البنوك المركزية إلى زيادة أسعار الفائدة، وهو أمر سيؤدي إلى الركود الاقتصادي وتباطؤ النمو.

وهكذا، انطلاقاً مما سمّاه جونسون "التعب من أوكرانيا"، قد يكون من الأفضل للأوروبيين أن تنتهي الحرب الأوكرانية خلال الصيف، وقبل حلول فصل الشتاء، مع ما يترتب على ذلك من زيادة في استهلاك الطاقة. لذا، مطلوب من الأوكرانيين أن يتحضّروا لبدء المفاوضات، مع إعطائهم مهلة لمحاولة تغيير موازين القوى الميدانية

لكن، في المقابل، سيستغل الروس هذه المهلة أيضاً، وسيعتبرون أن عليهم أن يمتلكوا مزيداً من أوراق القوة قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وسيعمدون، خلال هذه المهلة، للحسم وضمّ مزيد من الجغرافيا الأوكرانية. وبالتالي، سيكون الصيف الأشد ضراوة عسكرياً، وسيكون العالم أمام مزيد من التصعيد، قبل حلول موعد بدء المفاوضات. 

 

2022/06/13

لبنان أمام الاستحقاق الأكبر: الغاز

تنطلق هذا الاسبوع جولة جديدة من التفاوض بين لبنان واسرائيل بطريقة غير مباشرة، وعبر الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، وحيث من المتوقع أن يكون لبنان أمام حلقة من أصعب المهمات التي يواجهها في المرحلة الحديثة، ويعود أسباب ذلك الى ما يلي:

-      الوسيط الأميركي نفسه :

وُلد هوكشتاين في "إسرائيل" لوالدين أميركيين مهاجرين من الولايات المتحدة الى فلسطين المحتلة. خدم في الجيش الإسرائيلي من عام 1992 حتى 1995، وانتقل الى الولايات المتحدة كمتدرب، على ان يعود الى اسرائيل لكنه بقي بعد أن حصل على مناصب عدّة.

من أبرز مواضع القلق التي تحتويها سيرة الوسيط الأميركي أنه– حين كان متدرباً في الكابيتول هول- شارك في المجموعة التي قادت المناقشات الدبلوماسية الأميركية والتي كانت تضغط على العراق لرفع العقوبات الأممية عنه، مقابل توطين اللاجئين الفلسطينيين وسط العراق، وإلا إبقاء العقوبات سيفاً مسلطاً على العراقيين، مع إضفاء بعض "الطابع الإنساني" عليها.

وهكذا، فإن الجنسية الاسرائيلية للوسيط الأميركي تجعله مفاوضاً مباشراً باسم اسرائيل، وليس وسيطاً محايداً كما تفترض بالوساطات أن تكون، علماً ان هوكشتاين بدأ مهمته بخصوص الغاز في تموز عام 2015، حين التقى عدداً من المسؤولين اللبنانيين، من بينهم رئيس الوزراء تمام سلام آنذاك، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ووزيري  الخارجية والطاقة جبران باسيل وآرثور نازاريان، وقد تحدثت بعض وسائل الاعلام أن هوكشتاين تحدث حينها عن دعوته للبنان لتأجيل التنقيب.

-      الموقف اللبناني المنقسم:

من أبرز ما يتحجج به الاسرائيلي حول عدم حسم الحدود مع لبنان، هو الموقف السياسي اللبناني المنقسم على نفسه، والذي يُعدّ من أهم نقاط الضعف اللبنانية على الاطلاق.

لا شكّ أن الاخطاء اللبنانية تبدأ بالاتفاق الذي وقعته حكومة السنيورة مع قبرص، والذي يعتمده الاسرائيلي كأساس لمطالباته، ولكن يمكن لمسألة الحدود والأخطاء في الترسيم أن تعدّل وتصحح، وهو أمر يمكن أن تقوم به الدول بإرادة منفردة كونها دول ذات سيادة. ولكن الانقسام اللبناني على نفسه والتخوين والمزايدات ونشر مداولات المفاوضات على الاعلام، وإعطاء هوكشتاين أسرار المفاوضات ذاتها، هو أمر غير مسبوق في تاريخ الدول خلال مفاوضات بهذه الأهمية، وهو أمر يثير الريبة والحزن والغضب معاً.

ويعود جزء من الانقسام اللبناني الى الضغوط الأميركية لمنع لبنان من استخراج الغاز وبالتالي إبقاء اللبنانيين تحت سيف الجوع والانهيار الاقتصادي، وذلك لأخذ مكاسب سياسية وقبوله بشروط خارجية، قد يكون منها التطبيع مع "اسرائيل" أو توطين الفلسطييين اللاجئين في أرضه ومنعهم من حق العودة الى ديارهم (كما كانت مهمة الوفد الاميركي للتفاوض مع العراق الذي شارك فيه هوكشتاين كمتدربٍ).

-      المزايدات الشعبوية:

تماشياً مع الضغوط الخارجية الأميركية، والتي منعت توتال وغيرها من الشركات من الاستمرار بالتنقيب والاستكشاف وإلا العقوبات، ما جعلها تخرج من المياه اللبنانية ولا تعود ولا تصدر أي تقرير حول وجود الغاز في البلوك رقم 4 البعيد جداً عن الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة.

وبالتوازي مع تلك الضغوط، تخرج اصوات لبنانية – أما عن غباء أو سوء نيّة أو عمالة خارجية- تريد ان تمنع اللبنانيين من استخراج الغاز (أو إعادة إعمار مرفأ بيروت أو الانطلاق بورشة النهوض)، وذلك لما يقولون: "لا نريد أن نستخرج الغاز في ظل هذا العهد لئلا نعطيه انتصار"، أو "فليبقى الغاز في البحر، لأن المنظومة ستسرق عائدته"...

واقعياً، إن التأخر في استخراج الغاز لا يبقي لبنان تحت رحمة الضغوطات الدولية بسبب الانهيار الاقتصادي فحسب، بل إن التطور العالمي واعتماد الطاقة البديلة، قد يجعل التأخر اللبناني في استشكاف الغاز أمراً غبياً جداً، فالاستكشاف والاستخراج الى وقت طويل قبل أن نصل الى مرحلة الانتاج والبيع،  وبالتالي، يمكن أن يصل الأمر، بعد عقود، أن تكون كلفة استخراج الغاز أكبر من قيمته في السوق، بسبب وجود بدائل "نظيفة" للطاقة.

في النتيجة، لا يمكن للبنان إلا أن يتعامل بمسؤولية ووعي في هذا التحدي الجديد الذي يواجهه، والذي منعه من القيام بالتنقيب خلال السنوات الماضية، أي منذ عام 2011، حين بدأت وزارة الطاقة باقرار مراسيم الطاقة للبدء بالتنقيب.

لقد تأخر اللبنانيون عشر سنوات، كانت اسرائيل خلالها تقوم بالتنقيب والاستكشاف، ووصلت الى مرحلة الاستخراج والبيع، ولبنان ما زال ينتظر على قارعة الطرق الدولية بانتظار قرار أميركي بالسماح بالبدء بالتنقيب. لن تنتهي هذه المسألة بسهولة، وبدون إستخدام عناصر القوة اللبنانية كافة، والتي يجب ان تسعى لتحصل على موافقة اميركية على البدء بالتنقيب وليس فقط حسم مسألة ترسيم الحدود البحرية.

  

2022/06/08

الحرب الأوكرانية: الحل النهائي - التقسيم

أعلن الأميركيون قرارهم بتزويد أوكرانيا بصواريخ دقيقة بعيدة ومتوسطة المدى، قادرة على إصابة العمق الروسي، وترافق ذلك مع إعلان الاستخبارات الأميركية أنها شاركت كييف معلومات استخبارية أدّت إلى تكبيد الروس خسائر ميدانية.

 

وكان العديد من القادة الأوروبيين والأمين العام لحلف الناتو قد توعّدوا روسيا بهزيمة كبيرة في أوكرانيا، وبحرب طويلة جداً يتم فيها "استنزاف روسيا وإخضاعها"، كما أعلن عدد من المسؤولين الأوروبيين أن هدف العقوبات هو "تجويع الروس". تُعتبر هذه التصريحات توجّهاً لانخراط غربي أكبر في الميدان الأوكراني ضد روسيا.

 

عملياً، وكما يبدو من مسار الأمور الميدانية والاقتصادية، فإن هذه التهديدات الأوروبية لا يمكن صرفها على أرض الواقع، لكن الانخراط العسكري الأميركي المباشر، وتزويد كييف بالصواريخ، قد يدحرجان الحرب إلى أبعد من الحدود الأوكرانية، وتجد أوروبا نفسها منخرطة في صراع عسكري مكلف.

 

لكن، كما في العقوبات الاقتصادية والمالية، التي اعتقد الأوروبيون أنها ستضرّ الروس، فأضرّت بالاقتصادات الأوروبية، حذّر كيسنجر من خطورة السياسات التي يقوم بها الغرب، داعياً الولايات المتحدة والناتو الى بدء مفاوضات مع روسيا في خلال شهرين، وأن يذهبوا إلى حلّ سلمي حتى لو اضطر الأمر إلى إعطاء روسيا بعض الأراضي. وقدم كيسنجر نظرة تشاؤمية لمسار الأمور، معتبراً أنه إذا لم تبدأ المفاوضات في الشهرين المقبلين فإن الأمور ستتدحرج و"تؤدي إلى اضطرابات وتوترات لن يتم التغلب عليها بسهولة... إن الاستمرار في الحرب بعد هذه النقطة لن يكون حول حرية أوكرانيا، بل حرباً جديدة ضد روسيا نفسها".

 

وهكذا، في حال قرّر الغرب والروس التفاوض، كيف يمكن أن تسير المفاوضات؟

 

بشكل عام، تشكّل أوكرانيا مثالاً حياً عن الدول - الحاجز، أي الدول الأضعف التي تجد نفسها على خط اشتباك بين قوتين، وهي عالقة في الوسط، حيث تطمع كل قوة في السيطرة عليها ومنع القوة الأخرى من ذلك.

 

وتراوح السياسة الخارجية لتلك الدول بين خيارات محدودة أبرزها:

 

-   أن تتفق القوتان المتصارعتان على تحييدها في الصراع. لا يكفي أن ترغب الدولة - الحاجز بذلك، بل يجب أن يحظى الحياد بموافقة الدول الكبرى. وهذا ما كان يطلبه الروس قبل بدء الحرب وتمّ رفضه من قبل حلف الناتو.

 

-   أن تقوم الدولة - الحاجز بعقد تحالف مع إحدى القوتين، وهذا يتطلب غضّ نظر أو قبول القوة الأخرى بهذا التعديل في موازين القوى وهو أمر صعب. وبالفعل، لم تقبل روسيا ولا أوروبا بالتخلي عن أوكرانيا (منذ قيام الغرب بدعم الثورة الملوّنة عام 2004...).

 

-   أن تتحوّل الدول الحاجز إلى ساحة اقتتال بين المحورين، وهو ما حصل بالفعل، حين تأرجحت أوكرانيا بين النفوذ الروسي والنفوذ الغربي، حتى تحوّلت إلى ساحة صراع بينهما.

 

-   أن يتمّ تقسيمها بين المحورين بحيث يسيطر كل محور على جزء من الجغرافيا، وهو ما سيكون النهاية المتوقعة لهذا الصراع الدائر بين الطرفين في الساحة الأوكرانية.

 

عملياً، بعد أن تيقّن الناتو من عدم قدرته على إغراق الروس في المستنقع الأوكراني، وبعد أن فشلت العقوبات الأوروبية والغربية في "تجويع روسيا وإخضاعها"، يحتاج الغربيون إلى خطة واضحة (بعد إطالة أمد الحرب) يواجهون فيها الشتاء المقبل، وازدياد الحاجة الأوروبية إلى الطاقة والغاز والكهرباء، ومواجهة ارتفاع الأسعار.

 

 ولكن يبدو أن الاتجاه النهائي للتسوية في أوكرانيا سيكون تقسيم أوكرانيا، بحيث تسيطر روسيا على دونباس (المناطق التي كانت جزءاً من روسيا تاريخياً) بينما يسيطر الناتو – عبر بولندا - على الأجزاء الغربية لأوكرانيا، علماً بأن العديد من الأقاليم الغربية، ومنها لفيف، كانت جزءاً من بولندا تاريخياً.

 

بالرغم من الإنكار البولندي لرغبة بولندا في السيطرة على الأجزاء الغربية لأوكرانيا، شهد شهر أيار/ مايو المنصرم توقيع اتفاقيات بين زيلينسكي والرئيس البولندي أندريه دودا، بقيت محاطة بالسرية، إلا ما رشح حولها من تصريحات الرئيسين. تحدّث كلّ من زيلينسكي والرئيس البولندي عن غياب الحدود بين الدولتين، والرقابة المشتركة على الحدود والجمارك، وفي تصريح متلفز تحدث الرئيس البولندي أندريه دودا، عن أنه لن تكون في الواقع حدود بين البلدين، و"سوف نعيش معاً على هذه الأرض، نبني ونعيد بناء سعادتنا المشتركة وقوتنا المشتركة معاً، ما سيتيح لنا صدّ أي خطر أو أي تهديد محتمل". وتحدثا عن حق البولنديين في تولّي مناصب قيادية وحكومية في أوكرانيا، وتمتّع الأوكرانيون بجميع حقوق البولنديين في بولندا.

 

من المفترض أن توقّع الاتفاقيات بشكل نهائي في كانون الثاني/ يناير عام 2023، حيث أشار دودا إلى أنه سيكون من الرمزية توقيع مثل هذه الاتفاقية في هذا التاريخ، بمناسبة الذكرى الـ 160 لانتفاضة كانون الثاني/ يناير، التي قاتل خلالها البولنديون والأوكرانيون ضد هيمنة الإمبراطورية الروسية.

 

في النتيجة، سوف تنتهي الحرب، ومن الصعب عودة أوكرانيا إلى ما قبل شباط/ فبراير 2022. لعل الخطأ الذي وقع فيه كل من الأوكرانين وحلف الناتو هو عدم القبول بتحييد أوكرانيا كما طالب الروس، فتحوّلت إلى ساحة صراع بينهما لن ينتهي سوى بالدمار والتقسيم، حيث يتشاطر الناتو وروسيا أجزاءً من أوكرانيا، وهذه هي النتيجة الطبيعية لدولة حكمها الخارج عبر سياسيين - أدوات.

  

2022/06/06

الاشتباك البحري اللبناني -"الاسرائيلي"

  

ينشغل لبنان بالتحدي الجديد الذي يتمحور بقدوم الباخرة اليونانية للانتاج في شرق المتوسط لانتاج الغاز في اراضي فلسطين المحتلة، في وقت لا يُعرف إذا كان الوسيط الأميركي هوكشتاين سوف يعود الى بيروت  أم لا. علماً أنه يبدو أن هناك موقف لبناني موحد متفق عليه بين الرؤساء الثلاثة ميشال عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي، كما أعلن وزير الخارجية اللبناني، لكن الوسيط الأميركي لم يعلن عودته بعد.

تبدأ مشكلة لبنان بالأخطاء التي ارتكبت في الترسيم والتعامل مع قضية حساسة كهذه بالآليات اللبنانية نفسها من حيث عدم الكفاءة والبازار السياسي والمناكفات، إذ اعتمد لبنان عدّة خطوط كما يلي:

أ‌-     خط السنيورة، وذلك عبر الاتفاقية  التي وقّعها السنيورة وحكومته عام 2007 مع قبرص لترسيم الحدود البحرية، واعتمدت خط النقطة البرّية رقم 1 بدون أي دراسات علمية أو قانونية. يخسر فيها لبنان أجزاء كبيرة من أرضه ومياهه.

ب‌- خط النقطة (23) اعتمدتها حكومة نجيب ميقاتي في العام 2011 وصححت خطأ السنيورة، ووضعتها في المرسوم 6433 وأودعته الأمم المتحدة.

ت‌- في حزيران 2011، وقبل 4 أشهر من إصدار المرسوم 6433، تبيّن أنّ الخط (23) غير دقيق ويحق للبنان بمساحة أكبر من 860 كلم2 جنوبي هذا الخط، فكلّفت الحكومة اللبنانية المكتب الهيدروغرافي البريطاني UKHO بإعداد تقرير حول تعيين الحدود اللبنانية. وقد صدر هذا التقرير بتاريخ 17/8/2011 مع اقتراح تعديل الخط (23) إلى آخر (يُعرف اليوم بالخط 29).

ث‌- خط (29) وهو خط أثاره الوفد العسكري المفاوض عام 2020 مرتكزاً على التقرير البريطاني، واتفاقية بوليه نيوكمب (الترسيم بين لبنان وفلسطين المحتلة خلال فترة الانتداب)، وقانون البحار (الذي يقول ان الصخور غير المأهولة لا تعتبر جزر، وبالتالي لا حدود إقليمية للصخرة الاسرائيلية).

المشكلة الثانية التي يعاني منها لبنان، هي الانقسامات السياسية والمزايدات الشعبوية. بدأت تلك المزايدات منذ بدء الجيش اللبناني بتولي مهمة المفاوضات،  فبدأت اتهامات التخوين منذ اللحظة الأولى للجيش والرئيس، وبات كل لبناني خبير، وانتشرت أخبار المفاوضات على صفحات الجرائد، بالرغم من أن هذه الموضوع يجب أن يتحلى بالسرية التامة لنجاح المفاوضات.

واليوم، يُتهم رئيس الجمهورية بعدم توقيع التعديلات على المرسوم وارساله الى الأمم المتحدة، علماً أن في هذا الاطار، هناك عنوانين إشكاليين:

1-  في القانون، وقع وزير الاشغال اللبنانية رمزي نجار القانون المعدّل، مشروطاً بموافقة مجلس الوزراء، الذي لم يجتمع، ورفض رئيس الحكومة آنذاك حسان دياب دعوة مجلس الوزراء، وبالتالي لا يوجد مرسوم جاهز للتوقيع من قبل رئيس الجمهورية كما يقال.

-      تريثت حكومة ميقاتي في التوقيع على المرسوم، لكي لا توقف المفاوضات، لأن التهديد الأميركي كان واضحاً، أن قيام لبنان باعتماد رسمي للخط 29، وإرساله الى الأمم المتحدة، سوف يوقف المفاوضات وبالتالي يذهب لبنان الى التحكيم الدولي الذي يحتاج الى سنوات طويلة، وغير مضمون النتائج بسبب الدعم الدولي لاسرائيل.

-      اكتفى لبنان بإرسال رسالة الى الأمم المتحدة والى مجلس الأمن، يعتبر فيها أن لبنان يعتبر خط 29 هو خط الحدود وبالتالي يطالب الأمم المتحدة بإيقاف اسرائيل عن العمل في الأراضي المتنازع عليها، قبل انتهاء التفاوض، وإن قيامها بذلك سوف يعتبر تهديد للسلم والأمن الدوليين ( كما أشار بيان رئيس الجمهورية أمس).

 

2-  في السياسة: يتعامل اللبنانيون بموضوع التفاوض على مبدأ "الكل أو لا شيء" وهو مبدأ خاسر في المفاوضات.

كما يظهر من تصريحات المسؤولين اللبنانيين، أن لبنان يعتبر الخط 29 هو خط تفاوض، وبالتالي لبنان منفتح على مقاربة "حقل قانا مقابل حقل كاريش" وهذه المعادلة تعطي لبنان حقل قانا كله، وهو ما لا يعطيها إياه خط هوف واتفاق الاطار (بل كانت اسرائيل تتقاسم حقل قانا مع لبنان)، ويُكسب لبنان مساحات كبيرة إضافية، ويسمح للبنان بالتنقيب عن الغاز في المدى المنظور. إن المزايدة حول المطالبة  بالسقف الأعلى - "الكل أو لا شيء" يعني تقاسم لبنان حقل كاريش مع اسرائيل،  وهذا لن يكون مقبولاً لدى الأميركيين والاسرائيليين، وقد يؤدي الى خسارة لبنان (في التحكيم الدولي) وتعطيل قدرته على التنقيب بسبب الضغوط الأميركية والتعسف الذي تستطيع اسرائيل أن تمارسه بمباركة دولية.

بالنتيجة، لا يبدو أن الأميركيين جديين في موضوع التفاوض، وهناك محاولة لمنع لبنان من التنقيب واستخراج الغاز لكي يبقى مرهوناً للضغوط من أجل أخضاعه وأخذ مكاسب منه، وأمام لبنان في هذا الاطار حلّين:

-      استقدام شركات تقبل بالتنقيب بحماية المقاومة كما طرح حزب الله.

-      تعديل المرسوم وارساله الى الامم المتحدة، ما يعني منع اسرائيل من التنقيب في حقل كاريش (عبر التهديد العسكري)، وهو ما سيدفع الأميركيين الى استئناف الوساطة خدمة لاسرائيل.