2016/02/25

الحرب السورية: هل بدأت مرحلة الجنون؟

د. ليلى نقولا
جاء الإعلان عن الاتفاق الروسي - الأميركي حول "وقف العمليات العدائية" في سورية بدءاً من 27 شباط الجاري، بمنزلة عامل تبريد لا يؤدي إلى إطفاء النار السورية بالكامل، بل يخفف من وهجها وقوتها، بحيث لا يؤدي إلى إشعال حرب عالمية لم تكن تحتاج إلا إلى لحظة جنون تركية أو سعودية لتشعل ناراً ستُلهب الشرق الأوسط وأوروبا معاً.

يوماً بعد يوم تتكشّف حقائق مخيفة حول قدرة الأطراف الداعمة للمجموعات المسلحة في سورية على الجنون، في ظل اشتباك إقليمي كبير قد يؤدي بخطأ ما إلى حرب عالمية كبرى ستجذب إليها كلاً من الأميركيين وحلف شمال الأطلسي، وحتى لو لم يكونوا راغبين فيها بالفعل. وبالرغم من أن التصوُّر المنطقي يقول إنه لا قدرة للأطراف الإقليميين على التصرف بدون ضوء أخضر أميركي، لكن ميادين الحروب عادة ما تكون مليئة بالمفاجآت، وقد يكون الغرور ووهم فائض القوة المدفوعَين بالخوف من الهزيمة، عاملاً تدميرياً يؤدي إلى خطوات جنونية لا يُعرف مدى حجمها ومستواها.

وفي تحليل سلوك اللاعبين الإقليميين في سورية، يمكن القول إنه باستثناء الأردن الذي يتهيّب تسعير الجبهة السورية، ويخشى انهيار حكمه فيما لو سقط الحكم في دمشق وسيطر "الإسلاميون" على السلطة، فإن سلوك القيادتين السعودية والتركية يعطي انطباعاً بأن الطرفين مستعدان للمقامرة بمصير شعوب وبلدان أخرى، ولا يضيرهم أن يقامروا بمصير بلدانهم أيضاً، لاتقاء هزيمة عسكرية باتت تلوح في الأفق في سورية.

ومن سلوكيات الجنون القاتلة تلك، رغبة أردوغان الحقيقية واستعداده لتدخّل برّي في سورية لاستنقاذ مسلحيه، لولا القرار الأميركي والأوروبي الحازم والمحذّر من الخطوة، والرسالة التي صدرت عن حلف "الناتو" الواضحة والصريحة بأنهم سيتركونه لمصيره فيما لو قام بالفعل بالتدخل برّياً في سورية.

أما بالنسبة للسعودية، وبالرغم من أن الحديث عن تدخل برّي سعودي في سورية انطلاقاً من تركيا بدا أنه مجرد مادة للاستهلاك الإعلامي والسياسي، لكن التقارير التي تحدثت عن الأسباب الحقيقية للتصعيد السعودي في لبنان، تشير إلى رغبة سعودية لم يتم تلبيتها بفتح جبهة لبنان مجدداً للانقضاض إلى الداخل السوري من خلال مقاتلين سوريين ولبنانيين موجودين في الشمال اللبناني، هي الجنون بعينه، وقد تكون هذه الهجمة السعودية لتوتير الأجواء في لبنان، والإعلان عن إلغاء الهبة للجيش اللبناني، واستقالة الوزير أشرف ريفي وإشكال السعديات، وابتزاز اللبنانيين بلقمة عيشهم، مردّها - كما تقول التقارير - إلى أن السعودية تقدّمت بطلبات أمنية وعسكرية "تعجيزية" من لبنان، تمّ رفضها، ومن هذه الطلبات: فتح جبهة على الحدود بين لبنان وسورية، وتحديداً عبر وادي خالد، للانقضاض على الداخل السوري، واستخدام مطار القليعات العسكري في تدخّل عسكري في سورية، وأن بعض المنظمات غير الحكومية العاملة في الشمال قامت بإحصاء السوريين القادرين على القتال لهذا الغرض. أما بالنسبة للجيش اللبناني فقد طلبت السعودية ضمانات من الجيش بأن لا يستخدم أسلحة الهبة فقط ضد الإرهابيين في عرسال، بل أن يقوم باستخدامها ضد حزب الله أيضاً.

إن صحّت هذه التقارير، يمكن القول إن الجنون قد بلغ مستواه الأخطر لدى السعوديين، فهم يدركون أكثر من سواهم أنه لا طاقة ولا قدرة للبنان على تلبية هذه الطلبات، وأن تلبيتها يُعدّ بمنزلة انتحار محتَّم، علماً أن فتح جبهة لبنان خيار تمّت تجربته في السابق خلال السنوات الأولى من الحرب السورية، وسقط.

في المحصلة، تبدو تصريحات الرؤوس الحامية التي تعيب على الولايات المتحدة عدم تدخّلها العسكري في سورية، والتي تصرخ مدّعية أن الأميركيين خذلوهم ولم يدعموا المعارضة السورية بما يكفي، وأن السعودية وتركيا تنتظران تغيير الإدارة الأميركية لتحقيق انتصار في سورية، يبدو جنوناً أكثر من محاولات إشعال حرب عالمية، إذ لا يبدو أن أياً من المرشحين للرئاسة الأميركية مستعداً لإرسال جنوده إلى الشرق الأوسط لتلبية طموحات السلطان التركي، ولا الملك السعودي.. في كل الأحوال، وحتى ذلك الحين، إن بقي للجنون قدرة في سورية، يمكن معالجتها في حينه.

2016/02/17

التصعيد الحريري... ماذا تريد السعودية من لبنان؟


د. ليلى نقولا
بالرغم من الضجيج اللبناني الداخلي المتصاعد، والتلهّي بالرئاسيات، وصرف الكثير من الحبر على موضوع الرئاسة وإحصائيات غبّ الطلب، يبقى المسرح الحقيقي لكل ما يمكن أن يحصل في المنطقة ولبنان ونتائج الشغور الرئاسي مرتبطاً بما سيحصل في معركة حلب الكبرى، التي يمكن أن يقال إن نتيجتها سترسم بحق خريطة المنطقة الشرق أوسطية، وخرائط النفوذ العالمية فيها.

لعل عودة الرئيس الحريري، وإعلانه عن نيّته البقاء في لبنان مدة طويلة، والسهام التي أطلقها على حزب الله في ذكرى اغتيال والده، تندرج جميعها في الحرب الكبرى القائمة في المنطقة وفي الشمال السوري، والتي تدرك السعودية وتركيا جيداً أن نتائجها سترسم معالم الحل السوري برمّته.

خلال الحرب القائمة مع إيران، تحرص السعودية على أوراقها في لبنان، وتحاول - من خلال المتاح لبنانياً - أن تُبقي الجبهة اللبنانية مشتعلة لاستخدامها في تلك الحرب، تماماً كما في اليمن وسورية والعراق والنفط وسواها، ويمكن قراءة التصعيد الحريريّ كجزء من تصعيد سعودي ممتد من حدود باب المندب جنوباً حتى الحدود التركية شمالاً، والذي يتجلى في:

1-      إطلاق تدريبات "رعد الشمال"، والتي أعلنت السعودية أن جنوداً من عشرين جيشاً من بلدان عربية وإسلامية سوف يشاركون في تلك التدريبات، إضافة إلى قوات درع الجزيرة. ولعل اختيار منطقة "حفر الباطن" شمال شرق المملكة، القريبة من الحدود العراقية والأردنية معاً، تشي بأن الرياض تريد أن ترسل رسائل قريبة وبعيدة المدى بأنها مستعدة للحرب، ولا تخشى المنازلة في كلا البلدين، ولديها من الحلفاء بما يمكّنها من الانتصار.

2-      التهديدات السعودية بتدخُّل برّي في سورية، وإعلان أن المملكة نقلت طائرات إلى قاعدة انجرليك التركية تمهيداً لحرب برّية ستقوم بها تركيا والسعودية تحت ستار قتال "داعش"، بينما هي في الحقيقة ردّ على تبدل موازين القوى الميدانية في الشمال السوري وانهيار المسلحين فيها.

هذه التهديدات السعودية تأتي في وقت كشفت حرب اليمن ضعف الجيش السعودي عموماً، وعدم امتلاكه الخبرة الكافية للانتصار في حرب بريّة، وأنه امتلك فقط تفوقاً عسكرياً جوياً على اليمنيين، لكن هذا التفوق الجوّي في اليمن لا يقارَن بما يملكه الروس من سلاح جوّي استطاعوا من خلاله فرض سيطرتهم وتفوّقهم حتى على نظرائهم الأوروبيين فوق سورية.

في الواقع، فإن حرب اليمن تلك كشفت أن المملكة خلال تاريخها لم تبنِِ جيشاً سعودياً قوياً، إما لاتكالها على الاتفاقيات المعقودة مع الأميركيين لحفظ أمن المملكة، أو لأن الأسرة الحاكمة خشيت من أن يتكرر معها سيناريو الانقلابات العسكرية التي حصلت في العالم العربي في منتصف القرن الماضي، بعدما قامت الجيوش بتسلُّم السلطة في كل من مصر والعراق وسورية وليبيا، فكان القرار بتأسيس جيش يقوم بحماية الأسرة المالكة، ولا يتمتع بالقوة الكافية للمراهنة على الانقلاب عليها.

3-      أما في لبنان، فتدرك السعودية جيداً أن خسارتها في سورية سترتدّ سلباً على حلفائها في لبنان، لكنها في الوقت نفسه متيقّنة من أن موازين القوى اللبنانية، وعدم قدرة طرف لبناني - مهما عظمت قوته - على إلغاء دور الأطراف الأخرى، بالإضافة إلى الترتيبات الدستورية التي أرستها السعودية بنفسها من خلال اتفاق الطائف، لا تسمح بإلغاء دورها بشكل كامل، حتى لو خسرت ميدانياً في سورية. لذلك، تهدف المملكة إلى إبقاء فتيل التوتر قائماً في لبنان، لكي تبقي الساحة اللبنانية ساحة ضغط على حزب الله ومن ورائه إيران، بالإضافة إلى محاولة لملمة صفوف حلفائها، وإجبارهم على عدم فرط تحالفهم، بالرغم من كل ما حصل من تصدّعات في صفوف "14 آذار" بعد تفاهم الحريري - فرنجية.

وإلى أن يحين أوان التسوية في سورية، والتي لن تأتي إلا بانكسار عسكري لأحد الطرفين المتصارعين - ويبدو لغاية الآن أنه سيكون من نصيب تركيا والسعودية - ستبقى الساحة اللبنانية عرضة للتسخين السياسي الكلامي المضبوط، والذي لن يقدم ولن يؤخّر في النتائج الرئاسية، ولا في الأحجام، ولا على الشكل الخارجي لكل من "8 و14 آذار"، الممنوعَيْن من الانفراط بقرارات إقليمية.

2016/02/11

التدخل السعودي في سورية... بين الميدان والقانون الدولي

د. ليلى نقولا
أعلنت السعودية عن رغبتها في المشاركة في حملة برّية بقيادة أميركية لمهاجمة "داعش" في سورية، وصدرت تسريبات صحفية أشارت إلى أن التدريبات العسكرية التي تجري في المملكة هي جزء من خطة يجري إعدادها للتدخُّل في سورية لمكافحة التنظيم، مع العلم أن الجميع يدرك أن التدخّل السعودي فيما لو حصل سيكون ضد الجيش السوري وليس "داعش" بطبيعة الحال.

الحق يقال إن المملكة في الإعلان المبدئي لرغبتها تلك، كانت تجيب على تصريحات أطلقها وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر في معرض توجُّهه إلى بروكسل للقاء أعضاء حلف "الناتو"، والذي أعلن فيه أن "الولايات المتحدة ستقود حملة ضد داعش، ويُطلب من الجميع القيام بما يتوجّب عليهم"، وأكّد أن دول الخليج وتركيا لا يقومون بما هو كافٍ، وأن "الحضارة (الإسلامية) عليها أن تقاتل من أجل نفسها".

وبهذا المعنى، يكون القرار بما سيقوم به الحلف والسعوديون معلقاً إلى يوم الخميس 11 شباط الجاري، موعد انعقاد اجتماع وزراء دفاع "الناتو" الطارئ، والمخصَّص لبحث "مكافحة الإرهاب"، علماً أن المنطق والعقلانية والموضوعية تجعلنا نميل إلى قول إن الحلف لن يمنح غطاء دولياً للسعودية، ولا لتركيا، ولا لأي جهة تُعرب عن نيّتها شنّ حرب برّية داخل الأراضي السورية، مهما تكن الذرائع، فلا الميدان السوري بعد الإنجازات التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه تشي بإمكانية انتصار سهل للغربيين، ولا نسبة المخاطر المحتمَلة يمكن تحمُّل تكلفتها، بالإضافة إلى أن التدخّل العسكري سيجرّ الغربيين إلى مواجهة مباشرة مع الروس، يتحاشونها، لأنها قد تؤدي إلى حرب عالمية ستكون عواقبها وخيمة على الجميع.

هذا في الميدان، أما في القانون الدولي، فيمكن الإشارة إلى بعض الإشكاليات التي تعترض هذا التدخل:

1-      إن تدخُّلاً عسكرياً سعودياً في الأراضي السورية بدون رضى الدولة السورية وموافقتها العلنية، يشكّل عدواناً وانتهاكاً للسيادة السورية، توجب مقاومته واعتباره احتلالاً، ما يعني أن قصف هذه القوات المتدخّلة هو حق مشروع للدولة السورية، انطلاقاً من حق الدفاع عن النفس، وهو حق مشروع كفله القانون الدولي والمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تنصّ على الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء "الأمم المتحدة".

2-      بالرغم من صدور العديد من القرارات الدولية المخصَّصة لمكافحة الإرهاب في سورية، ومنها القرار 2249 والقرار 2253، لكن أياً من القرارين المذكوريْن لا يمنح الدول تفويضاً عسكرياً بمحاربة "داعش" في سورية أو في العراق بدون إذن الدولتين.

مباشرة بعد صدور القرار 2249، سارع بعض الداعمين للمجموعات المسلحة في سورية إلى قول إن القرار شرّع تدخلاً عسكرياً في سورية والعراق، وذلك من خلال الفقرة الخامسة، والتي يدعو فيها مجلس الأمن الدول الأعضاء التي لديها القدرة على القيام بذلك إلى "اتخاذ جميع التدابير اللازمة" لمنع وقمع الأعمال الإرهابية التي تقوم بها "داعش" و"النصرة" في كل من سورية والعراق.

بداية، إن تشريع التدخّل العسكري على أراضي دولة سيّدة يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع، لكن القرار المذكور آنفاً لم يُشر لا صراحة ولا تلميحاً إلى استناده للفصل السابع، ما يعني أن لا شرعية دولية لأي تدخُّل لحلف "الناتو" أو للسعودية أو سواها في سورية، لا بذريعة مكافحة "داعش" ولا غيرها. يضاف إلى ذلك أن الفقرة الخامسة نفسها اشترطت أن تُتخذ تلك التدابير "وفقاً للقانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة"، أي أنها عادت وأكدت مبدأ سيادة كل من الدولة السورية والعراقية التي هي ركن أساس من أركان القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

إذاً، كل المؤشرات الميدانية والسياسية وحتى القانونية تجعل من الصعب لا بل من المتعذر على حلف "الناتو" أن يمنح غطاءً لتدخُّل عسكري سعودي برّي في سورية، ما يعني أن الكلام السعودي يبقى مجرد تهويل يريده الأميركيون لفرض وقف إطلاق نار على الروس، اللهم إلا إذا كان الأميركيون يريدون للسعودية أن تغرق في وحول الشام؛ فأيّ أمل للسعوديين في معركة في مواجهة الدب الروسي، في وقت عجزوا - بعد مرور سنة تقريباً - عن إنهاء حرب شنّوها ضد فقراء اليمن لـ"تأديبهم" على تمرُّدهم؟

2016/02/04

تطورات الشمال السوري..هل حسبها فرنجية جيدًا؟

د. ليلى نقولا
فجأة ساد التوتر أطراف قوى 8 آذار، بعدما استطاع الرئيس سعد الحريري أن يسدد ضربة "معلم" في مرمى التحالف الذي وُلد في 8 آذار 2005، خلال مظاهرة "شكرًا سوريا" التي أطلقت قبيل انسحاب الجيش السوري من لبنان.
على عكس قوى 14 آذار، التي خانت بعضها، وتآمرت على بعضها، وسارت في أحلاف لعزل بعض مكوناتها، استمر تحالف 8 آذار منذ عام 2005 صلبًا ومتماسكًا، الى أن سدد له سعد الحريري ضربة قاضية من خلال تلويحه بترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية اللبنانية، ولو أنه لم يرشحه رسميًا لغاية الآن.
وبغض النظر عن المبررات السياسية وأرقام الخطط، والحديث عن الأحجام والكلام القاسي بحق كل من يرفض ترشيحه أو بحق كل من يتجرأ على التلميح بأن الترشيح في غير مكانه، فإن زعيم تيار المردة يبدو كمن يتمسك بسفينة غارقة؛ لمحاولة إنقاذها أو لإعتقاده بأن معجزة ستحصل وتعود السفينة الى الإبحار بكامل قوتها في محيط تضربه الأنواء والأعاصير، وفي كلا الحالتين، يبدو زعيم تيار المردة لم يحسبها جيدًا في تمسكه "بالصداقة التاريخية" مع آل عبد العزيز بن سعود، وفي رمي "ورقة التفاهم" المعقودة بينه وبين سعد الحريري في وجه حلفائه.
لا شكّ أن سفينة السعودية التي تحاول أن تفرض فرنجية رئيسًا للبنان مقابل ورقة تفاهمه مع الحريري، تبدو في أسوأ أوضاعها وأحرجها، منذ عقود، أو على الأقل منذ أحداث 11 أيلول 2001، حين ساد كلام في الاوساط السياسية والإكاديمية الأميركية عن ضرورة تحميل السعودية "مسؤولية " أحداث 11 أيلول بسبب مناهجها التي أثبتت أنها مصدر الفكر الارهابي،  ولتمويلها المدارس الراعية للإرهاب.
فماذا في السفينة السعودية التي يحاول فرنجية القفز اليها؟
1- تشهد العلاقات السعودية - الأميركية توترًا متزايدًا، بسبب ما تقول المملكة أنه تراجع أميركي في الموضوع السوري وتخليها عن فكرة الاطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لصالح تفاهمها مع الروس على الحل السياسي.
2- الأزمة الاقتصادية الهائلة التي تعيشها السعودية، ويذكر أن تقريرًا نشر في مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، مؤخراً، أشار إلى أنَّ التكلفة العالية للسياسة الخارجيّة وكلفة الحروب السعودية على اليمن وسوريا، إلى جانب تراجع أسعار النفط، تجبر السعودية على سحب 12 إلى 14 مليار دولار شهرياً من صندوقها السيادي، ما سيؤدي، في نهاية المطاف، إلى خسارتها احتياطاتها النقديّة في غضون ثلاث سنوات.
3- إفلاس سياسي للمعارضة السورية المدعومة سعوديًا يضاف الى هزائم عسكرية بالجملة، فها هو "الائتلاف" يخسر حصرية تمثيل المعارضة السورية، بعد أن قام دي ميستورا بدعوة أطراف عدة من المعارضة السورية للمشاركة في جنيف 3، كوفد المعارضين العلمانيين، ووفد المجتمع المدني وممثلي المرأة. علمًا أن المراوغة وتهديد المعارضين بالانسحاب، لم تستطع تغطية أن تصريحات وزير الخارجية السعود عادل الجبير بضرورة الاتفاق على رحيل الأسد قبل أي مفاوضات، قد طواها النسيان وأصبحت مثارًا للتندر.
هذا ناهيك عن غض النظر الأميركي - إن لم نقل مباركة-  التدخل العسكري الروسي الذي أطاح بكل من زهران علوش وجماعته، ويطيح الآن بكل تلاوين المعارضة التي سماها الغرب يوم ما "معتدلة"، ويبدو أنه سيحقق بالنار ما وعد به كيري يومًا من إغلاق للحدود التركية السورية لمنع تمويل الارهاب ومدّه بالسلاح والرجال والعتاد.
4- فكّ الحصار عن نبل والزهراء يعني بما يعنيه أن مشروع الفرز المذهبي وتقسيم سوريا على أساس طائفي قد طوته التطورات، وأن من حاول اقتطاع جزء من سوريا تحت عناوين "منطقة آمنة" أو منطقة عازلة، أو على الأقل السيطرة على أجزاء من سوريا لإقامة دويلة طائفية سنية بين العراق والشام، قد تراجع لصالح سوريا العلمانية التي نصّ عليها إعلان فيينا، وهذا يعدّ ضربة قوية لكل من تركيا والسعودية معًا.

في المحصلة، إن تمسك فرنجية بـ "حلفه التاريخي" المستجد مع السعودية، بالرغم من العواقب التي ينتجها هذا التفاهم المستحدث على تحالفه السابق مع مكونات 8 آذار والتيار الوطني الحر، وبالرغم من الحرب المفتوحة بين السعودية والمقاومة في لبنان، يشي بأن الزعيم الزغرتاوي قد يكون قد أخطأ أما في الحساب، أو في الجغرافيا والتاريخ، أو التربية الوطنية أو جميعها معًا.