د. ليلى نقولا
بالطبع لا تنفصل التفجيرات الارهابية في
العاصمة البلجيكية عن تفجيرات باريس وتركيا، وقبلها الارهاب الذي ضرب لبنان والعراق
وسوريا وتونس ومصر وليبيا وغيرها... واللائحة تطول، ولكنها تشير الى مسار واحد باتجاهين:
الى سوريا ومنها.
استفاض المسؤولون الاوروبيون والأميركيون
ومعهم بعض الدول الاقليمية كتركيا والسعودية وقطر وسواها، طيلة سنوات خمس، في محاولة
ابتداع أساليب للتخلص من النظام السوري ورحيل رئيسه الذي قال عنه وزير الخارجية الأميركي
يومًا، بأنه "مغناطيس جاذب للإرهاب". وبالرغم من مرور سنوات عدّة، على اندلاع
الحريق في الهشيم السوري، ورحيل مسؤولين اوروبيين، بقي الأسد، وعاد الارهابيون الى
بلادهم الأم، يفجرون حقدهم في الأبرياء. فهل باتت اوروبا هي المغناطيس؟
قد يقال كثيرًا في أسباب الهجمات الارهابية
في اوروبا، وسينقسم الرأي العام الاوروبي ويحتشد ويقيم المسيرات ليفّوت على اليمين
المتطرف إمكانية استغلال هذه الهجمات ضد اللاجئين، ولكن هل مَن يسأل ما دور السياسة
الخارجية الاوروبية؟ وما الذي جناه الاوروبيون من الحريق الذي ساهموا باشعاله في الشرق
الأوسط؟ ولماذا أقاموا بالأساس "جسرًا جويًا" ينقل الارهابيين من كل أنحاء
أوروبا عبر مطار بروكسل، الى تركيا، والدخول عبرها الى سوريا؟.
وبكل الأحوال، وبغض النظر إن كانت هذه الاسئلة
ستثار علنًا أم لا، يبقى أن مصير ما أسمي يومًا في اوروبا "ثورة حرية ضد الديكتاتور"،
وما يصرفه الاوروبيون على الاستثمار في "المعارضين المعتدلين"، سيكون على
المحك، ومن حق المعارضين السوريين أن يقلقوا كلما تقدم الوقت، وزاد التوحش توسعًا في
العالم، لأنه يعني باختصار سهولة التخلي عنهم، ولهذه الخلاصة دلائل عدّة:
- كلما ازداد الاحراج
الاوروبي بموضوع اللاجئين، كلما احتاج الاوروبيون الى مساحة سورية يعيدون اللاجئين
اليها، ولن تكون هذه المساحة أو المنطقة الآمنة أو سمّها ما شئت، إلا بالتوافق مع الروس
والدولة السورية كما أعلنت موغريني يومًا.
- كلما زاد التوحش
الارهابي داخل اوروبا، اقتنع المسؤولون الاوروبيون بعقم سياساتهم الأمنية، وأن الجسر
الجوي الذي فتحوه يومًا لترحيل التطرف الذي ترعرع في مجتمعاتهم وللتخلص من الخلايا
الارهابية النائمة لديهم، ورميها في الشرق الأوسط لتلقى مصيرها المحتوم موتًا، قد عادت
اليهم أكثر توحشًا وتطرفًا. سيقتنع الاوروبيون في النهاية، أن الفكر الشيطاني الذي
صوّر لهم إمكانية ارسال المتطرفين الى الشرق الاوسط للقتال الى ما لا نهاية، ولاستنزاف
متبادل بينهم وبين الجيش السوري، لم يحسب حساب أن }من يعمل مثقال ذرةٍ خيرًا يره، ومن
يعمل مثقال ذرة شرًا يره{.
وعندما يصل الاوروبيون الى هذه القناعة التامة،
سيهرعون مسرعين الى الدولة السورية للحصول منها على معلومات استخبارية وأمنية حول الارهابيين
العائدين الى اوروبا، والمجهزين للتفجير فيها ولقتل الابرياء في أنحاء القارة، وفي
مقابل هذا لن يتوانوا عن تقديم التنازلات السياسية للنظام، والتخلي عن المعارضة.
- هذا في ما خص الاوروبيين،
أما الأتراك الذين لم يجدوا حرجًا يومًا في التخلي عن قيادات حماس الإخوانية، فسيجدون
أنفسهم يومًا بعد يوم، محرجين بالارهاب في الداخل، وبحرب أهلية داخلية مع الأكراد،
وباقتصاد متردٍ، وانهيار مستمر في سعر صرف الليرة التركية، وبمليوني لاجئ سوري، يضاف
اليها التهديد الأكثر خطرًا على الأمن القومي التركي؛ قيام فيدرالية كردية سورية، على
حدودهم المباشرة مع سوريا. وقد يكون التلميح الذي أشار اليه السيد حسن نصرالله، حول
امكانية تراجع تركيا عن موقفها السابق حول مصير الرئيس السوري، قد قاله الأتراك في
طهران، ولكن هل سيقبل الروس بهذا الثمن الذي يعرضه الاتراك، مقابل انخراطهم في التسوية؟
بالتأكيد لا، سيطلبون أكثر بكثير من ذلك.
وهكذا، أكثر من يجب عليه القلق اليوم وغدًا
كلما تفاقمت المشاكل الأمنية والسياسية في العالم، هي المعارضة السورية في الخارج،
فكل عملية ارهابية ينفذها مجرم انتحاري، تسحب من رصيد هذه المعارضة الدولي والاقليمي،
فالدول في النهاية ليسات جمعيات خيرية، وحين يُعقد "البازار" في النهاية
سيساوم الاوروبيون ويشترون ممن يقدم لهم قيمة أفضل بسعر أدنى. والأهم، يبدو أن التاريخ
سيذكر يومًا، أن نارًا أشعلت في الثوب السوري، فامتدت الى السعودية والخليج العربي،
وتركيا واوروبا فأحرقتها معها.