2016/03/24

سوريا واوروبا... "الجسر الجوي" مرتدًا!!



د. ليلى نقولا
بالطبع لا تنفصل التفجيرات الارهابية في العاصمة البلجيكية عن تفجيرات باريس وتركيا، وقبلها الارهاب الذي ضرب لبنان والعراق وسوريا وتونس ومصر وليبيا وغيرها... واللائحة تطول، ولكنها تشير الى مسار واحد باتجاهين: الى سوريا ومنها.

استفاض المسؤولون الاوروبيون والأميركيون ومعهم بعض الدول الاقليمية كتركيا والسعودية وقطر وسواها، طيلة سنوات خمس، في محاولة ابتداع أساليب للتخلص من النظام السوري ورحيل رئيسه الذي قال عنه وزير الخارجية الأميركي يومًا، بأنه "مغناطيس جاذب للإرهاب". وبالرغم من مرور سنوات عدّة، على اندلاع الحريق في الهشيم السوري، ورحيل مسؤولين اوروبيين، بقي الأسد، وعاد الارهابيون الى بلادهم الأم، يفجرون حقدهم في الأبرياء. فهل باتت اوروبا هي المغناطيس؟

قد يقال كثيرًا في أسباب الهجمات الارهابية في اوروبا، وسينقسم الرأي العام الاوروبي ويحتشد ويقيم المسيرات ليفّوت على اليمين المتطرف إمكانية استغلال هذه الهجمات ضد اللاجئين، ولكن هل مَن يسأل ما دور السياسة الخارجية الاوروبية؟ وما الذي جناه الاوروبيون من الحريق الذي ساهموا باشعاله في الشرق الأوسط؟ ولماذا أقاموا بالأساس "جسرًا جويًا" ينقل الارهابيين من كل أنحاء أوروبا عبر مطار بروكسل، الى تركيا، والدخول عبرها الى سوريا؟.

وبكل الأحوال، وبغض النظر إن كانت هذه الاسئلة ستثار علنًا أم لا، يبقى أن مصير ما أسمي يومًا في اوروبا "ثورة حرية ضد الديكتاتور"، وما يصرفه الاوروبيون على الاستثمار في "المعارضين المعتدلين"، سيكون على المحك، ومن حق المعارضين السوريين أن يقلقوا كلما تقدم الوقت، وزاد التوحش توسعًا في العالم، لأنه يعني باختصار سهولة التخلي عنهم، ولهذه الخلاصة دلائل عدّة:

- كلما ازداد الاحراج الاوروبي بموضوع اللاجئين، كلما احتاج الاوروبيون الى مساحة سورية يعيدون اللاجئين اليها، ولن تكون هذه المساحة أو المنطقة الآمنة أو سمّها ما شئت، إلا بالتوافق مع الروس والدولة السورية كما أعلنت موغريني يومًا.

- كلما زاد التوحش الارهابي داخل اوروبا، اقتنع المسؤولون الاوروبيون بعقم سياساتهم الأمنية، وأن الجسر الجوي الذي فتحوه يومًا لترحيل التطرف الذي ترعرع في مجتمعاتهم وللتخلص من الخلايا الارهابية النائمة لديهم، ورميها في الشرق الأوسط لتلقى مصيرها المحتوم موتًا، قد عادت اليهم أكثر توحشًا وتطرفًا. سيقتنع الاوروبيون في النهاية، أن الفكر الشيطاني الذي صوّر لهم إمكانية ارسال المتطرفين الى الشرق الاوسط للقتال الى ما لا نهاية، ولاستنزاف متبادل بينهم وبين الجيش السوري، لم يحسب حساب أن }من يعمل مثقال ذرةٍ خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره{.

وعندما يصل الاوروبيون الى هذه القناعة التامة، سيهرعون مسرعين الى الدولة السورية للحصول منها على معلومات استخبارية وأمنية حول الارهابيين العائدين الى اوروبا، والمجهزين للتفجير فيها ولقتل الابرياء في أنحاء القارة، وفي مقابل هذا لن يتوانوا عن تقديم التنازلات السياسية للنظام، والتخلي عن المعارضة.

- هذا في ما خص الاوروبيين، أما الأتراك الذين لم يجدوا حرجًا يومًا في التخلي عن قيادات حماس الإخوانية، فسيجدون أنفسهم يومًا بعد يوم، محرجين بالارهاب في الداخل، وبحرب أهلية داخلية مع الأكراد، وباقتصاد متردٍ، وانهيار مستمر في سعر صرف الليرة التركية، وبمليوني لاجئ سوري، يضاف اليها التهديد الأكثر خطرًا على الأمن القومي التركي؛ قيام فيدرالية كردية سورية، على حدودهم المباشرة مع سوريا. وقد يكون التلميح الذي أشار اليه السيد حسن نصرالله، حول امكانية تراجع تركيا عن موقفها السابق حول مصير الرئيس السوري، قد قاله الأتراك في طهران، ولكن هل سيقبل الروس بهذا الثمن الذي يعرضه الاتراك، مقابل انخراطهم في التسوية؟ بالتأكيد لا، سيطلبون أكثر بكثير من ذلك.

وهكذا، أكثر من يجب عليه القلق اليوم وغدًا كلما تفاقمت المشاكل الأمنية والسياسية في العالم، هي المعارضة السورية في الخارج، فكل عملية ارهابية ينفذها مجرم انتحاري، تسحب من رصيد هذه المعارضة الدولي والاقليمي، فالدول في النهاية ليسات جمعيات خيرية، وحين يُعقد "البازار" في النهاية سيساوم الاوروبيون ويشترون ممن يقدم لهم قيمة أفضل بسعر أدنى. والأهم، يبدو أن التاريخ سيذكر يومًا، أن نارًا أشعلت في الثوب السوري، فامتدت الى السعودية والخليج العربي، وتركيا واوروبا فأحرقتها معها.

2016/03/17

حوار اليوم 11-3-2016 مقابلة د. ليلى نقولا

صدمة الانسحاب الروسي.... ماذا في النتائج؟


د. ليلى نقولا
خُلطت الأوراق التفاوضية في جنيف، باعلان الرئيس الروسي نيّته سحب بضع قطعات من قواته العسكرية، واعلان المعارضة أنها تؤيد مفاوضات مباشرة مع الحكومة، وعلى الرغم من أن مسار المفاوضات الجارية كان قد حدد من قبل، إلا أن مسارها لا يمكن إلا أن يسير على وقع الاعلان الروسي المفاجئ للجميع.

قد تكون التحليلات تباينت في تحليل أسباب هذه الخطوة الروسية المفاجئة وهل هي موجّهة ضد الحلفاء أو ضد الخصوم في المنطقة، أو الاثنين معًا، ولكنها بكل الأحوال، وكما حصل في التدخل العسكري الروسي المباشر منذ أشهر، تعود لتخلط الأوراق من جديد، وتثبت أن بوتين من أمهر "لاعبي الشطرنج" السياسي الدولي على الاطلاق.

وبغض النظر عن الأسباب التي دفعت الروس الى إعلان هذه الخطوة، وقد صُرف الكثير من الحبر والجهد لتحليلها، فما الذي يمكن أن تكون عليه نتائجها، على الصعيدين العسكري والسياسي؟

بداية، إن تهليل بعض المعارضين بأن الرئيس الروسي قد خاف وتراجع، وهذا "بداية نصر للمجاهدين" يبدو سخيفًا جدًا، ومنفصلاً عن أي منطق، فلا الحقيقة العسكرية على الارض تشي بهزيمة أو تراجع، ولا شخصية الرجل تعرف أي نوع من الخوف أو الجبن أو امكانية التراجع أمام الأخطار. لذلك، فإن الحديث عن انكسار روسي وتراجع وتخلٍ عن دعم النظام السوري لا يمكن أن يترافق مع تحليل النتائج.

واقعيًا، فرض الروس وجهة نظرهم في الصراع السوري بتدخلهم، وشكّلوا الرافعة للجيش السوري وحلفائه في المنطقة، وهم باعلان الانسحاب الجزئي، يفرضون وجهة نظرهم على العملية السياسية برمتها، ويهددون المعرقلين من القوى الاقليمية والدولية. فهم قد أجبروا المعارضة وداعميها على القبول بالذهاب الى المفاوضات والقبول بالجلوس على الطاولة مع ممثلي الأسد في السلطة وهذا يعدّ بمثابة اعتراف بشرعية النظام بعد سنوات خمس من الحديث عن عدم شرعيته. واليوم، بات الجيش السوري والنظام السوري- باعتراف الجميع- جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية مكافحة الارهاب في المنطقة، وضروري لبقاء الدولة السورية وعدم انهيارها.



ثانيًا- حقق الروس من تدخلهم العسكري ثم اعلان بوتين الانسحاب مع استمرار "تأمين قاعدتي طرطوس وحميميم بشكل محكم من البحر والبر والجو" ، نتائج دولية هامة، على صعيد تكريس نفوذهم الدولي وفرض روسيا لاعبًا دوليًا لا يمكن تخطيه في الشرق الاوسط. وبات على الاميركيين وحلف شمال الأطلسي التعامل بواقعية مع وجود قبة عسكرية محصنة في المتوسط، تضاف الى قبتين سابقتين؛ الأولى والأكبر أنشأها الروس في كالينغراد على بحر البلطيق، والثانية تمّ تطويرها في شبه جزيرة القرم بعد ضمّها، على البحر الأسود.

ولقد أعطى الأتراك- بتهورهم- للروس ذريعة كبرى لفرض مثل هذه القبة الدفاعية، بعد اسقاطهم الطائرة الروسية وقتل طيارها فوق سوريا. أما الكلفة المادية والعسكرية لهذا الانجاز التاريخي العسكري، فتبدو هامشية، إذ أن الروس جرّبوا أسلحتهم وطائراتهم، وعرضوا منتجاتهم في سوق السلاح بدون كلفة، وكما ذكرت "وول ستريت جورنال" إن ما أفرغته الطائرات الروسية كان سيتم استخدامه في التمارين العسكرية بكل الأحوال".

ثالثًا- وضع الروس باعلان الانسحاب الجزئي، كلاً من الأميركيون والاوروبيين أمام مسؤولياتهم، فالأميركيين باتوا مجبرين اليوم على الضغط على حلفائهم للقبول بالشروط التي تسهّل الحلّ السياسي، وإقفال المعابر المفتوحة التي يقوم الاتراك من خلالها بدفع المقاتلين الى الجبهة لمقاتلة الجيش السوري وحلفائه. أما الاوروبيون، فيفترض أن يكون القرار الروسي بالانسحاب، مبعثًا للقلق الجدّي لديهم، لأن الانسحاب وابقاء الحرب مشتعلة الى ما لا نهاية، سيدفع بالمزيد من اللاجئين الهاربين من الحرب والجوع الى حدود اوروبا ولن ينفع معها أي خطط مشتركة مع تركيا. وعليه، فليخفف الاوروبيون من مزايداتهم "الانسانية" وممالأتهم للأتراك، لأن ما يقوم به الروس في سوريا يصبّ في مصلحتهم المباشرة بكل المقاييس.

إذًا، لا يبدو الاعلان الروسي انفصالاً أو تخلٍ عن حلفائه، فمعروف عن بوتين أنه لا يتراجع عن دعم حلفائه مهما كانت الضغوط والخسائر، وهذا ما بينته الحرب في الشرق الاوكراني. وبالرغم من التباين الروسي الايراني حول الجهة الاقليمية "السنية"؛ التي من المفترض التعامل معها لتسهيل الحل في سوريا، إلا أن خريطة الطريق الروسية والايرانية للحل في سوريا تتقاطعان بشكل كبير، ولا تتباينان في رؤيتهما، كما أن بقاء النظام السوري ضروري للروس للحفاظ على مكتسباتهم ونفوذهم في الشرق الاوسط، والتي لن يتخلى عنها الروس بسهولة خوفًا أو كرمى لعيون الاوروبيين والأتراك أو سواهما.

2016/03/11

تقسيم سوريا: طرح جدّي أم تهويل؟

د. ليلى نقولا
كانت الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي إلى إيران منطقية، بعد الهلع الذي انتاب الأتراك على أثر حديث تمّ تناقله سياسياً وإعلامياً عما يبدو أنه توافق أميركي روسي على تقسيم سورية، والذي يضرّ بالأتراك أكثر من غيرهم، باعتبار أن أي تقسيم سيؤدي إلى إعطاء الأكراد حكماً ذاتياً يُغري الأكراد في الداخل التركي، ويجعل من تقسيم تركيا بحكم الممكن جداً.

لجأ الأتراك إلى الايرانيين، إذ إنهم شعروا بحاجة إلى من ينقذهم من مأزق إقليمي كبير أوقعوا أنفسهم فيه، باعتبار أن العلاقة بين الأتراك والإيرانيين لم تنقطع يوماً، بالرغم من التناحر الذي عاشه البَلَدان، خصوصاً بعد تبايُن مصالح الطرفين في سورية، ولأن الإيرانيين راهنوا دائماً على استطاعتهم على التفاهم مع الأتراك، وعبّروا عن اقتناعهم بإمكانية إقناع الأتراك بالدخول في تسوية تحفظ مصالح الاثنين معاً، لكن أردوغان لم يستطع مواكبة الإيرانيين في رهانهم، ولم يستطع النزول عن الشجرة في الملف السوري، فقد تعنّت إلى أقصى حد، مدفوعاً برغبة عارمة باستعادة الإمبراطورية العثمانية، ومعتبراً بقاء الأسد في الحكم بمنزلة هزيمة شخصية له.

بالعودة إلى موضوع تقسيم سورية، فلا شكّ أن الأميركيين كانوا قد أعلنوا منذ زمن أن الحلّ في العراق والمنطقة - في نظرهم - هو التقسيم الذي يحفظ مصالح جميع الطوائف بعد الانقسام المذهبي الذي حصل، أما الجديد اليوم فهو أن الروس أعلنوا - ولأول مرة - أنه من ضمن الحلول المقبولة لديهم في سورية، حل يقوم على الفيدرالية، أو ما سمّوه تأسيس "سورية الاتحادية".

ما هي إمكانية نجاح التقسيم في سورية؟ وهل هو طرح جدّي أو مجرد تهويل يلجأ إليه الأميركيون والروس للتهويل على الأتراك ودفعهم للدخول في حل سلمي في سورية؟

بداية، يمكن القول إن مشروع التقسيم يبدو مشروعاً أميركياً جدياً، فطروحات تقسيم العراق ما انفكت تُطرح في مراكز التفكير الأميركي، تضاف إليها حاجة الأميركيين إلى الأكراد كجيش برّي يُعتمد عليه في قتال "داعش" بعد فشل برامج التدريب الأميركي للمقاتلين السوريين، زد على ذلك التقارير التي تتحدث عن قيام الأميركيين بإنشاء قواعد أميركية في الشمال السوري، أي في منطقة سيطرة مناطق الأكراد، وهذا يعني فيما يعنيه أنه بات للأميركيين موطئ قدم عسكري في سورية، ولن يقبلوا بالتنازل عنه بسهولة، وأي حل سياسي يُبقي الأسد في الحكم بدون تقسيم سورية قد يؤدي إلى الطلب من الأميركيين بإزالة القواعد الأميركية من سورية؛ حفاظاً على السيادة السورية، وهو أمر صعب القبول به.

أما بالنسبة للروس، فهم يدركون أكثر من غيرهم أن المنطقة لن تكون مناطق نفوذ خاصة بهم وحدهم، ويدركون أن أي حل سياسي في سورية سيكون بالتوافق مع الأميركيين وليس بالتصادم معهم، وبعد إسقاط الأتراك للطائرة الروسية فوق سورية ومحاولتهم حشر الروس في القرم بتحريض التتار ضدهم، بات الروس مدفوعين برغبة قوية للانتقام من الأتراك، بالإضافة إلى رغبتهم في إضعاف أحد أعضاء حلف "الناتو" في منطقة الشرق الأوسط، وأحد الدول المرشَّحة لأن يستخدمها الأميركيون في تقويض النفوذ الروسي في منطقة آسيا الوسطى، كل هذه الأسباب وغيرها قد تدفع الروس إلى الموافقة على طرح فدرالية سورية، أو اتحاد سوري شبيه بالاتحاد الروسي، لأن في ذلك ربح استرايتجي لهم بتقويض الدولة التركية نفسها.

أمام هذه الخيارات، تعيش جميع دول المنطقة هاجس التقسيم، لأنه سينسحب على الجميع ولن تسلم منه حتى السعودية نفسها، التي تكابر في الملف السوري لدرجة الانتحار، أما الأتراك والإيرانيون فقد يكونون من المتضررين الأكبر، وسيحاولون منع هذا التقسيم، فتركيا لن تتقبل وجود كيان كردي على حدودها يغري أكراد الداخل بالانفصال، ما يعني تهديد خطير للأمن القومي التركي لم تواجهه تركيا منذ مئة عام، أما إيران التي لديها أقليات كردية أيضاً، فتريد أن تحافظ باستمرار على الربط الجغرافي الممتد من حدودها الإقليمية إلى العراق فسورية ولبنان، لما لذلك من أهمية اقتصادية واستراتيجية مرتبطة بإمدادات الغاز الطبيعي التي يطمح الإيرانيون بمدّها إلى شواطئ البحر المتوسط لتصديرها إلى أوروبا، كما ترتبط بالعمق الاستراتيجي للمقاومة وإمداد السلاح الذي تحصل عليه المقاومة، خصوصاً في ظل الحصار الذي فرضه القرار 1701على إمدادات السلاح من البحر والجو.

ويبقى السوريون الذين فقدوا السيطرة على مسار الأوضاع في بلادهم، فبالرغم من رفض السوريين بمعظمهم لخيار التقسيم أو الفيدرالية، وبالرغم من التقاء المعارضة والسلطة على رفض هذا الخيار، وبالرغم من تشديد القرارت الدولية الخاصة بسورية على وحدة الأراضي السورية، لكن التعنّت ورفض الحلول المنطقية البراغماتية بتحريض من الدول الإقليمية، سيدفع في نهاية المطاف إلى فرض حلول خارجية قد تشبه في خطورتها ما حصل في بداية القرن العشرين من تغييرات تجلّت تداعياتها في اتفاقية سايكس - بيكو.. ولات ساعة مندم.

2016/03/03

قانون العفو السوري... قوة أو ضعف للنظام؟


د. ليلى نقولا
أعلن الرئيس السوري بشار الأسد أن الحكومة السورية ستمنح العفو التام لكل مسلّح يعلن عن تخليه عن القتال ويسلّم سلاحه للدولة السورية، في خطوة تُعتبر مسهِّلة لأي مفاوضات مستقبلية للحل السياسي الذي سينطلق قطاره - بصورة مبدئية - في التاسع من شهر آذار الحالي؛ كما أعلن دي ميستورا.

وبالرغم من أن انطلاق المفاوضات بين السلطة والمعارضة السورية لا يعني أن الحل السياسي بات قريباً، خصوصاً في ظل تصاعُد مواقف الأطراف الإقليمية الداعمة للمجموعات المسلحة، وعدم تنازل السعودية وتركيا عن السقوف المرتفعة التي وضعتها للاشتراك في الحلّ، فإن العفو المعلَن عنه يُعدّ خطوة أساسية في أي حل سياسي سيأتي عاجلاً أم آجلاً.

ويثير هذا العفو الممنوح إشكالية كبيرة على الصعيد السياسي والقانوني، فالبعض قد يعتبره ضرورياً وأساسياً للسلام، ويمكن التضحية بحقوق الضحايا وحق الدولة في مساءلة من حمل السلاح من أجل تحقيق المصالحة الوطنية، بينما قد يجده البعض الآخر "وصفة" للإفلات من العقاب وعدم مساءلة مجرمي الحرب، وفي هذا مسّ بأسس العدالة والإنصاف، وإبقاء للجروح المفتوحة بين السوريين، بسبب العفو عن قتلة حملوا السلاح ودمّروا الدولة وقتلوا مواطنيهم.

بالمبدأ، يُعدّ العفو من الأعمال الشائعة التي تقوم بها السلطات على أثر حرب أهلية مدمرة، وتتراوح أنواع العفو الشائعة وتختلف ومنها:

1-   العفو الذاتي "Self-accorded" الممنوح من قبَل القادة السياسيين لأنفسهم، أو للقوى الأمنية الموالية لهم، على اعتبار أن موظفي الدولة كانوا يأدّون "واجبهم الوطني" عندما ارتكبوا تلك الجرائم.

2-   العفو الواقعي "De facto"، وهو عفو غير معلَن، وحين تكون هناك سياسة رسمية أو غير رسمية بـ"عدم فعل أي شيء".

3-   العفو الشامل "blanket"، وتمنحه السلطة لمجموعة كبيرة من الأشخاص عن مجموعة من الجرائم، ويصدر هذا بقانون عفو عام عادة ما يصدر عن البرلمان.

4-   العفو المحدود "Limited"، وهو العفو الممنوح من السلطة لمجموعات محددة أو بعض الأشخاص المحددين عن فئة خاصة من الجرائم المرتكبة.

5-   العفو المشروط "Conditional"، وهو العفو الذي تمنحه السلطة لشخص مقابل القيام بأعمال محددة.

وهذا النوع الأخير، أي العفو المشروط، هو بالتحديد ما منحه الرئيس السوري للمقاتلين السوريين، وربَطه بتسليم سلاحهم للجيش السوري.

عملياً، تحقق السلطة السورية من خلال العفو المعلن عنه أهداف عدّة، أهمها:

1-   تستبق الحكومة السورية ما يمكن أن ينتج عن مفاوضات السلام بينها وبين المعارضة؛ فعادة، عمليات الانتقال من الحرب إلى السلام تترافق مع مجموعة من آليات العدالة الانتقالية، التي تتضمن عادة إلقاء السلاح وتسريح المقاتلين وإعادة إدماجهم، تمهيداً لإحلال الاستقرار، وجرت العادة في كل أنحاء العالم أن يصدر قانون عفو عن المقاتلين مقابل التزامهم بإلقاء السلاح، مما يمهد للمصالحة ويؤسس للسلام.

2-   أن يُظهر الحكم السوري أنه ملتزم بالحل السياسي، وأنه يفعل كل ما يمكن فعله لإنجاح المبادرة السياسية التي قد تنقذ بلاده من الحرب.

3-   العمل على خرق صفوف المقاتلين وإرباكهم، فقد يؤدي الإحباط الذي تعيشه مجموعات المعارضة السورية اليوم، إلى رغبة بعض المسلحين بتسليم سلاحهم والتخلي عن القتال، وهكذا يكون الرئيس السوري قد فتح لهم باباً للدخول منه مجدداً إلى الدولة.

4-   إحراج بعض المجموعات المسلحة السورية وداعميها  الإقليميين بالقول إن النظام قد قدّم الكثير لتسهيل الحلّ السياسي ولكنهم رفضوا، لأنهم لا يريدون حلاً سياسياً بالأساس.

بالنتيجة، قد تكون نتائج هذا العفو الممنوح من قبل الرئيس السوري متواضعة في هذه الفترة بالذات، بسبب تعنُّت كل من السعودية وتركيا، ومراهنتهم على الاستمرار بالخيارات العسكرية، لكن رسائل  الروس والأميركيين واضحة بأن الحل السياسي ضرورة في سورية، ولا خيارات عسكرية، وقد يكون آخرها التلويح بالفدرالية أو التقسيم، التي تبدو رسالة لتركيا قبل غيرها؛ بأنه في حال لم ينخرط الأتراك في الحل السياسي في سورية، فإن الخيارات المتاحة الأخرى والخطط البديلة قد تكون مدمِّرة للأتراك، فقد يؤدي تعنت أردوغان إلى خيارات مُرّة، منها نشوء كيان كردي ذي حكم ذاتي على الحدود الشمالية لسورية، ما سيؤدي في النهاية إلى تقسيم تركيا نفسها.