2017/05/25

هل يكون أمن الخليج منقذًا لترامب من العزل؟


كان من حسن حظ الاصلاحيين في ايران ان زيارة ترامب كل من السعودية واسرائيل أتت بعد الانتخابات الايرانية وليس قبلها، فلو حصلت قبلها كان استفاد المحافظون من تلك الخطب النارية التي أطلقها دونالد ترامب في كل من السعودية واسرائيل وتوجيهه الاتهام لايران بدعم الارهاب ودعوته لمحاربتها، ولكانوا ركزوا على الخطر الخارجي لتحفيز الناخبين للتصويت لصالحهم.

في الواقع لقد اثبتت الانتخابات الايرانية أن مسار ايران الدولي قد اتخذ حالة من الصعب الرجوع عنها، فلقد حققت ايران الكثير باتفاقها مع الدول الست ولا يبدو أن كلاً من الشعب الايراني أو "الدولة العميقة" الايرانية مستعدة للتنازل عما حققته لغاية الآن، بل هي تريد أن تدفع الأمور قدمًا نحو الامام الى المزيد من التحسن ورفع العقوبات واستخدام اللغة الدبلوماسية الهادئة مع المجتمع الدولي.

وبالرغم من الدعم الذي استطاع السعوديون شراءه بمليارات الدولارات من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فإن التسويق الذي استبق زيارة ترامب حول تأسيس حلف ناتو عربي لمواجهة ايران اقتصر على بعض الدعم الكلامي واللفظي واتهامات لايران بدعم الارهاب من قبل ترامب، وتأكيده على أن صفقات التسليح الأميركي للسعودية والذي كلّف مليارات الدولارات سوف تساعد الجيش السعودي على لعب دور في المنطقة، اي أنه تنصّل من فكرة تأسيس تحالف عسكري يضطلع بتنفيذ الأجندة السعودية  في تحقيق احتواء الايرانيين وشنّ حرب على كل من يناوئ المملكة السعودية في حربها المعلنة ضدهم، ودفع الكرة الى ملعب السعوديين ليقوموا بالمهمة بأنفسهم بواسطة جيشهم.

واقعيًا، لقد استفاد ترامب الطامع بالمال الخليجي من الوضع الذي يعيشه الخليج اليوم والذي يتجلى بوضعية المأزق الأامني، وهي نظرية في العلاقات الدولية يشار اليها بالدوامة. ويعني هذا المأزق وضع اقليمي أو دولي يتسم بالفوضوية والصراع حيث تحاول كل دولة أن تزيد من أمنها النسبي فتقوم بزيادة قدراتها العسكرية، وزيادة التسليح وعقد الاحلاف العسكرية لتشعر بتفوقها الأمني على جيرانها، مما يدفع الدول الأخرى في النظام الاقليمي الى الرد بالمثل فتعود الدولة الاولى الى نقطة الصفر أي عدم الشعور بالامن، وهكذا دواليك الى أن تندلع حرب اقليمية وحتى لو لم يكن أحد يريدها أو يتمناها.

وانطلاقًا من المخاوف الأمنية التي تطبع الخليج بضفتيه العربية والفارسية،  يعمد أطراف النزاع الى زيادة قوتهم الأمنية عبر محاولات زيادة القوة العسكرية وتوسيع النفوذ الاقليمي وعقد الاحلاف، وهو ما حاولت السعودية شراءه من الأميركيين ومن اغراء ترامب بالمال وعقود السلاح. أما على الضفة الايرانية، فتدير الدولة العميقة الايرانية الأمور بذكاء خاصة بعدما واجهت العديد من السنوات العجاف اقتصاديًا بعد العقوبات الدولية التي فرضت على الاقتصاد الايراني بسبب البرنامج النووي. واليوم، بعد الانتخابات،

واستمرارًا للسياسة الممتدة منذ ما بعد انتهاء عهد أحمدي نجاد ولغاية اليوم، يضطلع التيار الاصلاحي الايراني بمهمة مد الجسور وتحقيق الازدهار الاقتصادي، في وقت يلعب فيه الحرس الثوري الايراني مهمة حماية الفضاء الطبيعي الايراني وتأمين فضاء مكتسب في كل أنحاء الشرق الأوسط يحقق له مكاسب أمنية ونفوذًا اقليميًا بات من الصعب ازاحته.



عمليًا، وفي تقييم نتائج الربح والخسارة في جولة ترامب الشرق أوسطية الى كل من السعودية واسرائيل نرى أن ترامب يحاول تعويم نفسه داخليًا عبر جلب الاموال والصفقات لشركات السلاح الكبرى لإرضاء المجمع الصناعي العسكري، بدون أن يعد بتدخل عسكري مباشر او تورط للجيش الأميركي في الحروب الدائرة في المنطقة أو تحويله الى القتال بالنيابة عن السعوديين، كما حاول استرضاء اللوبي اليهودي في أميركا بقيامه بزيارة حائط المبكى وخطاباته النارية في اسرائيل، فهل سيمنع عنه هذا اجراءات العزل التي يعدها له أعداؤه في الداخل؟ من الصعب التكهن بذلك في ظل الصراع الكبير للمؤسسات الحاكمة والاعلام في الولايات المتحدة.

2017/05/12

خطاب السيد نصرالله: تطمينات ولا اطمئنان


د. ليلى نقولا
أطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أمس، مطلقًا جملة من المواقف الهامة حول اسرائيل ولبنان والمنطقة، وكان أبرزها ما أعلنه في ما يخص تأمين الحدود اللبنانية من الخطر الارهابي، ومشكلة عرسال والنازحين السوريين فيها.
وتزامن إلقاء الخطاب مع اختراق للخطوط الهاتفية للعلاقات الاعلامية في حزب الله، وإجراء عشرات آلاف الاتصالات بأرقام هواتف المواطنين وإرسال رسائل نصيّة من تلك الخطوط تشهّر بالسيد نصرالله، وتطلق الشتائم بحق المقاومة.
ولعل ما حدث بالأمسمن اختراق لشبكات الاتصالات، وما أعلنه السيد نصرالله يثير الملاحظات التالية:

- إن اختراق خطوط الشبكة الثابتة لأوجيرو، وارسال رسائل وإجراء اتصالات من هواتف حزب الله، يعيدنا بالذكرى الى ما كان قد أعلنه يومًا الوزير شربل نحاس ورئيس لجنة الاتصالات والاعلام النيابية النائب حسن فضل الله عن عمق الاختراق الإسرائيلي وإمكان تعديل داتا المعلومات بكل ما يتعلق بشبكات الهاتف واستباحتها وأن الموساد تمكنّ من زرع خطوط سرية كان يشتريها له عملاؤه داخل خطوط هاتفية لمقاومين. إذًا ما حصل بالأمس، يعيد التأكيد على اختراق الشبكات الهاتفية، ما يعني أن ما قدمه الادعاء في المحكمة الخاصة بلبنان من الادلة المتصلة بشبكة الاتصالات والهواتف وصولا الى يوم تنفيذ الجريمة، وهو ما استند اليه بلمار لبناء القرار الاتهامي  ضد"عناصر من حزب الله" ومنهم مصطفى بدر الدين باتت أوهن من قبل، ولن تستطيع المحكمة أن تكمل مسار الحكم استنادًا الى هذا الدليل وحده  وإلا فقدت ما تبقى لها من مصداقية قانونية ودولية وشعبية في لبنان.

- إن ما أعلنه السيد نصرالله حول اتمام المهمة على الحدود الشرقية للبنان، وأن الحزب سيسلّم مواقعه للجيش اللبناني الذي سيقوم بمهمة حماية الحدود اللبنانية السورية، يؤشر الى نجاة لبنان نهائيًا من خطر الاقتطاع والتقسيم الذي لطالما سمعناه في بداية الأزمة السورية، حيث هدد التكفيريون والمجموعات المسلحة - أو على الأقل حلموا - بإنشاء إمارتهم الممتدة من سوريا الى ساحل البحر الأبيض المتوسط، معتبرين أن بإمكانهم اختراق الحدود وتهجير اللبنانيين، واقتطاع خط جغرافي يمتد من البقاع الى طرابلس لتأمين منفذ على البحر لإمارتهم الموعودة. ومع تحقيق حزب الله منطقة حماية على الحدود اللبنانية مع سوريا، يكون لبنان بمنأى عن تداعيات المخططات التي ترسم لسوريا والتي تهدف الى تقسيمها الى دويلات طائفية ومذهبية بحكم الأمر الواقع.

- أما الملاحظة الثالثة، فتتعلق بموضوع النازحين الموجودين في عرسال، ودعوة السيد نصرالله للدولة اللبنانية للتفاهم مع الدولة السورية لإعادتهم الى سوريا، وبهذا يكون السيد نصرالله قد وضع المسؤولين اللبنانيين أمام مسؤولياتهم الوطنية، والتي - برأيي الخاص- لن يكونوا على مستوى الآمال لأسباب عدّة أهمها:

أولاً؛ الضغوط الاقليمية والدولية التي تريد أن تبقي هذا الملف عالقًا لابتزاز لبنان في أي مفاوضات مستقبلية،

ثانيًا؛ إبقاء عوامل عدم الاستقرار في الداخل اللبناني ومحاولة خلق عامل ضغط على حزب الله من خلال الايحاء بأن هناك مئات الآلاف من السوريين المتدربين على القتال والذين يمكن أن يشكّلوا ضغطًا عسكريًا داخليًا في حال احتاجت لذلك الدول الكبرى،

ثالثًا؛ المكاسب المادية التي تجنيها المنظمات الدولية من إبقاء اللاجئين في أماكن لجوئهم وعدم عودتهم الى بلادهم.

رابعًا؛ عدم رغبة الحكم في سوريا بعودتهم بدون أن يقبض ثمنًا سياسيًا مقابل تلك العودة، إذ لا شيء مجاني وإذا أراد لبنان أن يتخلص من عبء اللاجئين على المسؤولين فيه أن يقوموا بالتفاهم مع الحكومة السورية وإقامة علاقات طبيعية معها، وهذا ما لا يستطيع تقديمه تيار المستقبل وحلفاء السعودية في لبنان في هذا الوقت بالذات.

في هذا الملف بالذات أي ملف اللجوء السوري في لبنان، وما يحيطه من تحديات للبنان على الصعيد الاقتصادي والأمني والمعيشي والبيئي، يكون السيد نصرالله قد وضعه بيد الدولة اللبنانية، ما يعني أن على اللبنانيين أن ينتظروا أوامر خارجية لحلّه، وهذا لن يتحقق قبل جلاء الحلّ السياسي في سوريا، وهذا لا يُطمئن أبدًا.

2017/05/04

مبادرة "مناطق التهدئة": ما لها وما عليها


د. ليلى نقولا

تلتقي وفود من الدولة السورية والمعارضة في آستانا، برعاية اقليمية ودولية وذلك لبحث إمكانية تثبيت وقف اطلاق النار، ولمناقشة مبادرة تقدم بها الروس تفضي الى إنشاء 4 "مناطق تهدئة" تهدف الى وقف التصعيد، وتفترض حظر الطيران الجوي السوري فيها، على أن يكون الاتحاد الروسي وجمهورية تركيا وجمهورية إيران الإسلامية ضامنون لمراعاة نظام وقف إطلاق النار في الجمهورية العربية السورية.
أما المناطق المشار اليها، والتي ستكون مناطق آمنة،  فهي محافظة إدلب، ريف حمص الشمالي، الغوطة الشرقية، ومناطق في جنوب سوريا.
وبرعاية القوى الضامنة، سوف يكون هناك منع استخدام أي نوع من أنواع الأسلحة، وعودة الحياة المدنية، وتأمين استعادة المرافق الحيوية، وتأمين البنى التحتية، وغيرها من أدوات دعم الحياة، اي قابلية تلك المناطق للعيش المدني.
ومن النقاط الهامة في المبادرة، تهيئة ظروف العودة الآمنة والطوعية للاجئين، وعمل هيئات الحكم المحلي.
وستقوم كل من الحكومة السورية، ومجموعات المعارضة المسلحة، بمهام التفتيش والمراقبة على حدود تلك المناطق، في المناطق الفاصلة، وستنتشر قوات فصل عسكرية (مراقبة) من الدول المعنية، لمراقبة الامتثال لوقف اطلاق النار.
تقوم كل من الحكومة والمعارضة بالقتال ضد تنظيم داعش وجبهة النصرة وغيرها من المجموعات المسلحة التي لا تقبل التسوية ولا تلتزم بوقف اطلاق النار.

وبالرغم من موافقة الحكومة السورية على هذه المناطق، واعلان المجموعات المسلحة المتواجدة في أستانا، قبولها بتلك المناطق "بشكل مؤقت" لئلا تؤدي  في النهاية الى تقسيم سوريا، فإن هذه المبادرة قد تحتوي على نقاط ايجابية ونقاط سلبية، نذكر منها ما يلي:

1- إن مناطق التهدئة المشار اليها، قد تكون هي نفسها المناطق الآمنة التي نادى بها كل من أردوغان والرئيس الأميركي دونالد ترامب، مع تبدل التسمية فقط.

2- أن فرض حظر الطيران فوق تلك المناطق، ووجود مناطق فصل تتواجد على حدودها قوى تفتيش تضم كل من الجيش السوري والمعارضة المسلحة، يعني أن تلك المناطق عمليًا خرجت من سيطرة وسيادة الدولة السورية. ولنا في النموذج العراقي خير شاهد، حيث تمتعت المناطق الكردية بحكم ذاتي خلال عهد صدام حسين بعدما استطاع الأميركيون عبر مجلس الأمن من فرض مناطق حظر طيران فوق تلك المناطق.

3- تقوم المبادرة على إعادة سبل الحياة الكاملة الى المناطق التي تسيطر المعارضة المسلحة، بعدما عجزت المنظمات الاوروبية عن القيام بهذه المهمة وتحقيق ما يشبه هيكلية  "دولة" فيها، وبعدما قام الجيش السوري ولمدة سنوات عدة بمنع إمكانية الحياة في تلك المناطق لئلا تخرج من كنف الدولة السورية، ولئلا يستقر فيها المسلحون واقتطاع أجزاء من الأراضي السورية وتأمين حياة فيها بحيث تخرج من السيادة السورية الفعلية.

4- قد يكون لهذه المبادرة ايجابيات لناحية عودة المهجرين واللاجئين، وهو ما يريده المجتمع الدولي باعتبار أن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية للاجئين السوريين باتت تثقل كاهل المجتمعات المضيفة، علمًا أن المنظمات الانسانية تبرر عدم عودة اللاجئين بأنهم يخشون العودة الى مناطق النظام قبل الحل السياسي النهائي، وعليه، فإن هؤلاء سيكون أمامهم خيار العودة الى مناطق المعارضة في حال كان ادعاؤهم صحيحًا.

5- إن الوضع المؤقت هذه المناطق، وإنشاء قوات فصل عسكرية داخلية، ورقابية دولية، تشير الى أن هذه المناطق إن تحقق تأسيسها بشكل جدّي، ولم تعمل التباينات الاقليمية بين الدول الراعية للمجموعات المسلحة في إفشال هذا المشروع واجهاضه، قد تكون مقدمة لتقسيم مؤقت لسوريا، لا يُعرف مداه، ولا يُعرف متى تعود الى حضن الدولة السورية بعدما يكون الحكم قد استقر للمسلحين وعادت الحياة بشكل طبيعي الى تلك المناطق، فما الذي سيقنعهم بالتخلي عن مكاسبهم والعودة الى حضن الدولة؟