2015/07/30

هل يزج أردوغان تركيا في حرب مثلثة الاضلاع؟


د. ليلى نقولا الرحباني

كما كان متوقَّعاً، استغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحادثة الإرهابية التي حصلت في منطقة سوروتش - تركيا، لينطلق بسياسة هجومية لطالما حاول اعتمادها منذ بدء الحرب على سورية، بعد أن منعته المحاذير الدولية والإقليمية، وأعاقت قوة الخصم تقدّمه نحو تحقيق حلم اقتطاع منطقة من سورية، لإقامة شريط حدودي على الحدود بين البلدين، يشبه إلى حد بعيد الشريط الذي أقامته "إسرائيل" خلال احتلالها للبنان.

ولعل المسارعة التركية للاستفادة من الحادثة الإرهابية يضفي ظلالاً من الشكّ حول الجهة التي قامت بالعملية الإرهابية، خصوصاً أن المستهدَف بها هم أعداء أردوغان من الأكراد وبعض الناشطين الأتراك المتعاطفين معهم في الداخل التركي. وهكذا نجد أن الأتراك، خصوصاً "حزب العدالة والتنمية" يحاول الاستفادة مما سمّاه "الحملة على الإرهاب"، على عدة صعد، لتعويم نفسه في الداخل وتعويم شعبيته من خلال ما يلي:

1-    الهروب إلى الأمام في الأزمة السياسية الداخلية، وذلك من خلال العودة إلى قتال الأكراد، تمهيداً لعزل "حزب الشعوب الديمقراطية الكردي" في الداخل، وتأليب الرأي العام ضده، وهو ما ظهر في خطاب أردوغان الذي دعا إلى رفع الحصانة عن بعض البرلمانيين الأتراك، بحجة "دعمهم للإرهاب"، في إشارة غير مباشرة إلى بعض برلمانيي "حزب الشعوب الديمقراطية". ويهدف أردوغان من هذه الحملة إلى رفع أسهم حزبه، والاستناد إلى تراجع شعبية "حزب الشعوب الديمقراطي" للدعوة إلى انتخابات مبكّرة، يستطيع من خلالها النفاذ من النظام الانتخابي التركي للعودة إلى السلطة بشكل منفرد، وعدم الحاجة إلى عقد ائتلاف حكومي.

2-    التعمية على التراجع الاقتصادي الذي تشهده تركيا نتيجة سياسات "حزب العدالة والتنمية" في السنوات الأخيرة، والذي أعطى مؤشرات سلبية، منها ما ورد في تقرير البنك الدولي حول تراجع قيمة الناتج المحلي التركي عام 2014 بنسبة 2.9 %عن نهاية عام 2013، وتراجع معدّل النمو إلى 2.9% خلال عام 2014، وارتفاع مستوى البطالة إلى 11.2% خلال الربع الأول من عام 2015، وارتفاع نسبة التضخم إلى 8.09% خلال شهر أيار 2015، يضاف إلى ذلك تراجع قيمة الليرة التركية إلى 2.73 نسبة للدولار الأميركي في تموز 2015.

3-    القضاء على أي حلم كردي بوصل المناطق الكردية في سورية بعضها ببعض، وتشكيل كيان كردي ذي حكم ذاتي، ما يغري أكراد تركيا بمحاولة الانفصال لتأسيس دولة كردستان التاريخية.

4-    محاولة إقامة منطقة عازلة أو "آمنة" - كما يسميها الأتراك - في الشمال السوري، لتكون منطلقاً للعمليات العسكرية ضد الجيش السوري، والتي ستعطي أردوغان أرجحية تفاوضية لتحقيق المكاسب في أي حل سياسي يمكن أن يتّجه إليه العالم لحل الأزمة السورية، أو ضمّها إلى تركيا فيما لو طال أمد الحرب على سورية.

لكن، هل هذا يعني أن الفرصة قد حانت لتحقيق هذا الحلم الأردوغاني؟

أمام تحقيق هذا الأمر موانع جوهرية عدّة، أهمها:

1-   الرفض الأميركي لقيام المناطق العازلة، لما تحتاجه من مقومات عسكرية غير متوفرة.

2-   الحلف الأميركي - الكردي الجديد، إذ يُعتبر الأكراد الآن جزءاً أساسياً من الاستراتيجية الأميركية لمكافحة "داعش".

3-   قوة حلفاء سورية، وقدرتهم على الردّ في تركيا فيما لو حاول الأتراك القيام بقصف الجيش السوري.

4-   عدم القدرة على فرض حظر طيران جوي، وعدم رغبة "الناتو" في الدخول في هذا المحظور الدولي.

5-   يحتاج فرض منطقة آمنة إلى قوات عسكرية برية، بالإضافة إلى حظر الطيران الجوي، وما من قوة عسكرية معارضة على الأرض مؤهَّلة للعب مثل هذا الدور العسكري.

في المحصلة، لا تبدو حرب الأتراك على "داعش" سوى "واجهة إعلانية" يريد أردوغان أن يتخفى وراءها لخوض معاركه الحقيقية ضد الأكراد والجيش السوري، فالتحالف مع "داعش" أعطى أردوغان مكاسب حقيقية وهامة، سواء في سورية أو العراق، ويأمل أردوغان من إعلان الحرب على "داعش" بأن يحقق مكاسب إضافية داخلية وخارجية، تتجلى في احتلال جزء من الأراضي السورية، لكن من يضمن ألا ينقلب السحر على الساحر بأن يزجّ الجيش التركي في حرب مثلثة الأضلاع، ويقاتل على جبهات ثلاث: "داعش"، والأكراد، والجيش السوري؟

2015/07/09

عرقلة التفاهم النووي الايراني... استراتيجيا أم اقتصاد؟


مقال الخميس 9 تموز 2015
د. ليلى نقولا الرحباني
تتوارد المعلومات الآتية من فيينا، والتي تتحدث عن عقبات ما زالت متواصلة قبل توقيع الاتفاق النهائي بين إيران والدول الست، وعن تأجيل لمُهل التفاوض، لإعطاء فرص أكبر لتوقيع الاتفاق. ولعل هذه المعلومات والتأجيل المتواصل يشون بأن الاتفاق بات حاجة للجميع، وأن الجميع سيستفيد منه بطريقة أو بأخرى، لكن يبدو أن هناك أموراً أخرى قد تدفع إلى التأجيل، ولو إلى أجل محدود، للوصول إلى تفاهمات أخرى غير معلَنة في مجالات أخرى غير متعلقة بالملف النووي بالتحديد.

نعم، الجميع يتحدث عن أن هناك حاجة لانخراط إيران الإيجابي مع الدول الكبرى في حل القضايا العالقة في المنطقة، وهناك حاجة غربية لفك الحظر عن الصادرات الإيرانية من النفط والغاز، لمنع الاحتكار الروسي لبيع الغاز إلى أوروبا، وتلهث الشركات الغربية لتنافس الشركات الصينية في الاستثمار في السوق الإيراني الواعد، كما لإيران حاجة ماسّة لرفع العقوبات عنها، لتحفيز اقتصادها واسترجاع أموالها، وتوسيع نفوذها الإقليمي في المنطقة.. ولكن!

بالرغم من كل هذه الحاجات المتبادَلة، وأهمية التفاهم النووي بالنسبة للجميع، تبقى بعض الأمور التي لا يتمّ الحديث عنها، وتحتاج إلى تطمينات إيرانية، أو على الأقل يحتاج الآخرون إلى تأجيل التفاهم من أجلها، منها الشق الاقتصادي على سبيل المثال، والذي لا يتم التطرق إليه علناً:

1-   بالنسبة إلى روسيا، فقد استفادت من قربها الجغرافي من كل من الصين والاتحاد الأوروبي، ومن العقوبات المفروضة على إيران لتصبح أكبر مصدّر للغاز الطبيعي إلى أوروبا، وبخروج إيران من العزلة الدولية، سيتنافس البلدان في أسواق بيع الغاز الطبيعي، ولهذا وجدنا أن روسيا سارعت إلى توقيع الاتفاقيات مع كل من تركيا واليونان لمدّ أنبوب الغاز الطبيعي في البلدين لتصديره إلى أوروبا، وبدا الاستعجال الروسي متزامناً مع الأحداث في أوكرانيا والحديث عن قرب توقيع التفاهم مع إيران.

2-   بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية، من الجدير ذكره أن فرض العقوبات الأميركية على إيران ليس جديداً، بل بدأ في العام 1979؛ على أثر قضية الرهائن الأميركيين، حيث أصدر الرئيس الأميركي جيمي كارتر قراراً جمّد فيه الموجودات الإيرانية في البنوك الأميركية، وقد قُدِّرت حينها بـ12 بليون دولار أميركي، في حين يقول الأميركيون إن لذوي ضحايا تفجيرات بيروت والأعمال "الإرهابية" التي قام بها "وكلاء إيران" مستحقات مالية من الأموال الإيرانية، تبلغ قيمتها بلايين الدولارات.

وتقول التقارير إن هناك خلافاً مالياً بين البلدين، يعود أساسه إلى عقود، حيث كانت هناك أسلحة دفعت إيران ثمنها ولم تكن قد سُلِّمت حين سقوط الشاه، ويقدر الإيرانيون ثمنها بـ12 بليون دولار، بينما يقول الأميركيون إنها تبلغ 500 مليون دولار فقط، بالإضافة إلى مطالبة إيران بأموال الشاه الخاصة، والتي تبلغ 24 بليون دولار؛ باعتبارها أموال الدولة، ويرفض الأميركون الاعتراف بها.

3-   بالنسبة إلى الصين، تقول إيران إن لديها ما يقارب 100 مليار دولار مجمًَّدة في بلدان مثل الصين والهند واليابان، وإن الصين مَدينة لإيران جراء بيع النفط بـ22 مليار يورو، تمّ الاتفاق سابقاً على تسديد الجزء الأكبر منها عن طريق تنفيذ مشاريع اقتصادية واستثمارية في الداخل الإيراني.

بعد هذه الأرقام، تحضرنا بعض التساؤلات:

1-   بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، ليس من الواضح بالنسبة إلى المراقب من الخارج إن كانت هناك حاجة أوروبية لعرقلة التفاهم إلى أن يصار حلّ القضية اليونانية أولاً، فالأوروبيون بحاجة إلى أجواء إيجابية مع إيران، لرفع الأسواق المالية مقابل الأجواء السلبية التي يمكن أن يشيعها خروج اليونان من منطقة اليورو، لكن ما هي كمية الأموال التي يحتجزها الأوروبيون في بنوكهم ويفترض بهم إعادتها إلى أصحابها بعد رفع العقوبات، وهل تشكّل خطراً على البنوك الأوروبية يضاف إلى خطر إفلاس اليونان؟

2-   هل يريد الأوروبيون منافسة الصينيين داخل السوق الإيراني، والمطالبة بالقيام بمشاريع استثمارية؛ كبديل عن الأموال الإيرانية المجمَّدة في البنوك الأوروبية؟

3-   هل تأجيل التفاهم مع إيران مرتبط فعلاً بموضوع الأسلحة التي تقلق كلاً من "إسرائيل" والخليجيين؟

4-   هل الإجراءات الأميركية حول ضرورة مراجعة الكونغرس لرفع العقوبات عن إيران، أسبابها سياسية استراتيجية متعلقة بأمن "إسرائيل" ونفوذ اللوبي الصهيوني في أميركا فحسب، أم يعود بجزء منه إلى رغبة الأميركيين في الاحتفاظ ببلايين الدولارات المجمَّدة من عام 1979، وتأخير تسديدها مع ما يترتب عليها من فوائد؟

أسئلة من الصعب معرفة إجاباتها بسهولة، لكن يبقى الأكيد أن ما يظهر من المفاوضات في فيينا هو رأس السطح، ويبقى ما خفي هو الأعظم.