ليلى نقولا
ليس أمرًا جديدًا أن يلجأ
اللبنانيون الى الخارج كلما شعروا بأن ميزان القوى الداخلي ليس لصالحهم، وأن
"التغيير" المنشود من قبلهم لا يمكن تحقيقه بمفردهم، فيلجأون الى الخارج
يغرونه بمصالح ومكاسب، لمساعدتهم على أبناء وطنهم وخصومهم السياسيين، ثم يحمّلون هذا
الخارج نتيجة فشلهم ويعلّقون عليه كل مصائبهم.
لم يعد سرًا، أن
"الانقلاب" الذي حاولت قوى 14 آذار القيام به، مستغلة غضب الشارع اللبناني،
من الأزمات الحقيقية والمفتعلة التي سبقت حراك 17 تشرين الأول، قد فشل..علمًا أن الإدعاء
الآذاري والمستقبلي، بخيانة حصلت من قبل الولايات المتحدة كسبب لهذا الفشل ما هو إلا
مجرد تعمية لفشلهم الحقيقي في التعامل مع الوقائع، ونذكر منها على سبيل المثال ما يلي:
- الخطأ الأول، إن لم تكن الخطيئة الأولى، ارتكبها سعد الحريري بنفسه،
عندما وجد نفسه محرجًا في التعامل السعودي معه منذ عام 2017، وعدم قدرة السعوديين على
تخطي فكرة سوّقها بعض 14 آذار لديهم، بأن "الحريري ضعيف أمام جبران باسيل وحزب
الله". وهكذا، بقي الحريري مكبلاً خلال فترة حكومته بالحنق السعودي منه، لذا عرقل
كل إمكانية للسير بالمشاريع الاصلاحية التي من المفترض أن تقوم بها حكومته لإنقاذ الوضع،
وعطّل بالتعاون مع قوى أخرى أمور المواطنين في الوزارات التي يتولاها التيار الوطني
الحر، درءًا لشبهة الضعف أمام باسيل.
- الخطأ الثاني، استغلال بعض القوى السياسية من 14 آذار، التحولات الاستراتيجية
في المنطقة، ورغبة الأميركيين في تعديل توازن القوى في المنطقة بعد الانسحاب من سوريا،
وحاجتهم لاستخدام كل من لبنان والعراق لتشكيل كماشة للنفوذ الروسي في الشرق الاوسط،
وتقليص نفوذ ايران في كلا البلدين... تحيّنت قوى 14 آذار الفرصة لتسوّق نفسها
"الآداة" المناسبة لذلك.
المشكلة التي يقع فيها
دائمًا هؤلاء، أنهم يقعون ضحية الحرب النفسية التي يقومون بها للتهويل على خصومهم،
فيكذبون الكذبة ويصدقونها بأنفسهم.. فماذا يعني تسويق كذبة "أن حزب الله والتيار
الوطني لم يعد لديهما جمهور، وان الحراك سحب البساط كليًا من تحت أرجلهما وتمت تعريتهما
في الشارع؟" ومن يصدق كذبة "أن الشارع اللبناني الذي نزل في 17 تشرين الاول،
نزل من أجل نزع سلاح حزب الله"؟ التي تمّ تسويقها في الإعلام الغربي.
- الخطأ الثالث، وهو نفسه الذي وقعت فيه قوى 14 آذار من قبل، بين عامي
2005 و 2008، حين استمروا يتعهدون بالقضاء على حزب الله، ويتلقون الدعم الأميركي لذلك،
الى أن تلقوا هزيمة 7 ايار 2008... خطأ هؤلاء اعتقادهم أن الاميركيين لا يعرفون التشابكات
والتعقيدات اللبنانية ولا يدركون الأحجام الحقيقية للقوى اللبنانية.
بالنتيجة، إن صراخ قوى
14 آذار بخيانة أميركية لهم بعد زيارة هيل الى لبنان، مردود لأصحابه... واقعيًا، لقد
قدم الاميركيون الدعم الاعلامي والسياسي لهذه القوى وللحراك الشعبي، وساهموا بكل ما
يملكون من نفوذ في المؤسسات اللبنانية وفي الاقليم لمساعدة الحراك على تحقيق تغيير
شامل في السلطة و"النظام"، ولم يتحقق شيئًا بعد مرور 65 يومًا.. فما المطلوب
أميركيًا أكثر؟ هل المطلوب أن يضحي الأميركيون بكل مصالحهم في لبنان، وبكل ما قاموا
باستثماره على مدى عقود، للاستمرار في دعم قوى سياسية أثبتت أنها غير قادرة لا شعبيًا
ولا سياسيًا على تحقيق الأهداف التي نزلت من أجلها؟...
بالنتيجة، التاريخ يبدو
المعلم الأكبر، وهذا التاريخ يعلّمنا أن لبنان لا يُحكم انفراديًا، وأن الحوار طريق
الخلاص، وهي الدعوة التي وجهها الرئيس عون الى الجميع في بداية الأزمة، لكنها لم تلق
آذانًا صاغية من أحد.