د. ليلى نقولا
تتشابه الازمات في كل من لبنان
والعراق، ويشهد البلدان تظاهرات مستمرة منذ شهر تشرين الأول الماضي، وإذا كان العراقيون
قد انجرفوا نحو العنف، فإن ميزان القوى اللبناني غير المتكافئ يجعل من الصعب الانجرار
الى العنف والفوضى، بالاضافة الى قرار حاسم للقوى الامنية بعدم التعرض للمتظاهرين أو
السماح بانفلات الامور نحو الفوضى والعنف.
فعليًا، هي ليست المرة الاولى
التي تتشابه فيها الاحداث في العراق ولبنان، ويمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر،
الانتخابات النيابية التي حصلت في أيار 2018، والتي أفرزت تغييرًا في موازين القوى
السياسية السياسية في كلا البلدين، ففي لبنان أعطت الانتخابات الغالبية النيابية لكل
من التيار الوطني الحر وحزب الله وحلفائهما، وفي العراق حصدت الاحزاب المتحالفة مع
إيران الحصة الأكبر.
لطالما عرف كل من لبنان والعراق،
شراكة نفوذ قسرية بين كل من الولايات المتحدة الاميركية وايران، حيث سيطر "التوازن
النسبي" على هذه الشراكة، وبقي الهامش -الذي يمكن للطرفين أن يتنافسا ضمنه- متقاربًا...
إلا أن الانتخابات العراقية، وتوزيع السلطات أعطت أرجحية واضحة للنفوذ الايراني في
العراق، حيث باتت الرئاسات الثلاث تدور في فلك النفوذ الايراني أوما يطلق عليه اصطلاحًا
في الداخل العراقي بمعادلة "3- صفر" لصالح إيران.
أما في لبنان، فبعد وصول العماد
عون الى رئاسة الجمهورية، نتيجة التسوية الرئاسية مع الرئيس سعد الحريري، أتت الانتخابات
البرلمانية لتقلب المعادلات النيابية المستمرة منذ عام 2005، وهو ما أعطى أرجحية سياسية
لتحالف (التيار الوطني الحر و8 آذار) على فريق 14 آذار.
مبكرًا، استشعر السعوديون ضرورة
تغيير موازين القوى، وأرادوا الانقضاض على التسوية الرئاسية، فكان خطف الحريري في السعودية
وإجباره على اعلان استقالته... ثم تطورت الأمور بعد الانتخابات النيابية في كلا البلدين،
فكانت تجربة القصف الاسرائيلي الذي طاول كل من الداخل العراقي والضاحية الجنوبية لبيروت
في نفس الفترة الزمنية. إلا أن التهديد بحرب اسرائيلية لم يستطع تغيير موازين القوى،
واستطاع حزب الله أن يرد ويهدد الاسرائيليين مدعومًا بموقف رسمي واضح من قبل رئيس الجمهورية
ووزارة الخارجية.
اليوم، تحاول بعض الأطراف الاقليمية
والدولية استغلال الحراك الشعبي في البلدين لتعديل موازين القوى السياسة أو على الاقل
إعادتها الى ما كانت عليه قبل تلك انتخابات عام 2018، ومن هنا نفهم الدعوة المتشابهة
في كل من العراق ولبنان الى إسقاط الحكومة، والدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة، على
أن يقوم البرلمان الجديد (حيث يتوهم البعض في لبنان أنه سيكون ذا غالبية من قوى 14 آذار) بانتخاب رئيس جمهورية جديد.
وهكذا تكون النتيجة لبنانيًا،
انعدام القدرة على الذهاب الى الفوضى والفتنة لانها ليس في صالح من يريدها، وانعدام
أفق التغيير في الشارع (الخطة الاولى) وانحسار هذا الخيار لصالح خيار التغيير عبر حكومة
تكنوقراط مستقلين (الخطة الثانية)، ولم يبق إلا محاولة الكسب عبر الضغوط الاقتصادية
والمماطلة السياسية وقيام الحريري بوضع شروط عالية، للوصول الى حكومة ذات أرجحية لقوى
14 آذار، وستسقط أيضًا ... وعليه، قد تطول الأزمة اللبنانية قليلاً، إلا أنها في النهاية
ستصل الى تسوية يرعاها الغربيون، تأخذ بعين الاعتبار موازين القوى الحقيقية على الارض
(التيار الوطني الحر وحزب الله وحلفائهم)، ولا تهمّش تيار المستقبل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق