2012/02/29

المحكمة الخاصة بلبنان.. محكمة عكس السير

من ضمن التطور في علم السياسة الحديث، يقوم اللبنانيون بابتداع استراتيجية جديدة عنوانها "النأي بالنفس" في مواضيع "سيادية" أساسية، وهي استراتيجية نخشى أن الجامعات لم تكن تلحظها في تدريس طلاب العلوم السياسية للسياسيات المتبعة من الدول في تقرير مصير بلدانهم، بما تقتضيه متطلبات السيادة، والتي تتضمن إطارين اثنين: داخلي وخارجي.في إطار السيادة الداخلي، تعني السيادة أن لا قوة فوق سلطة الحكومة الفاعلة التي تقرر شؤونها بنفسها وبكل استقلالية وبدون ضغط، من جهات داخلية أو خارجية، ينتهك سيادتها ويفقدها استقلاليتها التامة في إدارة شؤونها الداخلية، أما في الجانب الخارجي فيعني الاستقلال عن كل رقابة ومنع أي تدخل خارجي من أية دولة أخرى أو منظمة دولية، واحتكار تقرير شؤونها في علاقاتها الخارجية بنفسها.
ويبدو أن هذه استراتيجية النأي بالنفس الفذّة، التي ابتدعتها الحكومة اللبنانية، بدأت تتطور لتتضمن تكتيكات وسياسات تندرج في إطارها، ويبرز منها اليوم تطبيق خطة "أخذ العلم"، فقد قرر المسؤولون الاكتفاء بـ"أخذ العلم"، بعزم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على التمديد لعمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والقضاة الملحقين بها مدة سنوات ثلاث، وذلك رداً على الكتاب الذي كان قد أرسله إلى السلطات اللبنانية طالباً "إبداء ملاحظاتها" في هذا الشأن.
وهكذا تمّ تمديد العمل بالاتفاقية التي أنشأت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بدون إبداء ملاحظات، ولو شكلية، على عملها وأدائها، وبدون حتى مجرد "لفت نظر" الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن، إلى أن المحكمة تلك لا تطبق "أعلى معايير العدالة الجنائية الدولية" كما تدّعي، ولو فعل المسؤولون ذلك، لحفظوا ماء وجههم على الأقل، في موضوع محكمة فريدة من نوعها، بدأ التسييس والتعسف في عملها منذ اللحظة الأولى ومنذ حمايتها شهود الزور، واعتقال ضباط أربعة ظلماً، وغيرها من الانتهاكات التي مارستها والتي لا يسعها آلاف الصفحات.
واللافت في موضوع التمديد للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، أنها تأخذ منحى مختلفاً عن الاتجاه الذي يسود المحاكم الجنائية الدولية في العالم اليوم، والذي ينحو إلى مزيد من أعطاء السلطات المحلية الصلاحية في النظر في المحاكمات خاصة إذا كان القضاء الوطني قادراً على القيام بتلك المحاكمات وراغباً بالقيام بدوره في هذا الإطار.
إن المطلع على تجارب المحاكم الجنائية الدولية، يعلم أن المجتمع الدولي وبعد التجارب والمشكلات التي رافقت عمل المحاكم الدولية الخاصة والمختلطة، بدأ ينحو لاعتماد آليات جديدة، تتجلى في العودة إلى العدالة الجنائية المحلية، من خلال تأسيس محاكم داخلية خاصة لمحاكمة جرائم الحرب، وهي مؤسسات قضائية محلية تطبق القانون المحلي، بينما تستعين بقضاة دوليين للمساعدة، على أن يتم تحويل الجرائم إليها من المحاكم الدولية الخاصة التي أنشأها مجلس الأمن، وهذه الآليات هي آخر ما توصل إليه تطور العدالة الدولية في الوقت الراهن، لأنها على ما يبدو هي الأقدر على حل مشكلة الشرعية الداخلية التي عانت منها المحاكم الدولية، بالإضافة إلى تخفيف الكلفة الاقتصادية والحد من الاستخدام السياسي الدولي للمحاكم الدولية.
وفي هذا الإطار، نذكر على سبيل المثال، المحكمة المختلطة التي أنشأت في البوسنة والهرسك في آذار من العام 2005، وهي غرف استثنائية ضمن المحاكم المحلية تتألف من قضاة دوليين ومحليين للتحقيق ومقاضاة الأشخاص الذين يشتبه بتورطهم في انتهاكات القانون الدولي الإنساني خلال حرب 1992-1995، وكان الهدف من تلك الغرف الاستثنائية إعطاء السلطات القضائية الوطنية القدرة على إجراء محاكمات جرائم الحرب ضمن استراتيجية مصممة من قبل المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة لإغلاق كافة القضايا المرتبطة بها بناء على طلب مجلس الأمن الدولي، علماً أن ما بدأ على شكل محاكم "مختلطة"، وبالرغم من المخاوف التي سادت في بادئ الأمر، من عدم شفافيتها وعدم عدالتها تبين أنها كانت نزيهة وأكثر شفافية وعدالة ومهنية واحترمت معايير العدالة الدولية أكثر بكثير مما فعلت المحاكم الدولية، ما أدى إلى تحوّلها إلى محاكم محلية مئة في المئة.
إذاً، في الوقت الذي تتجه في الدول التي عانت من إرث من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، إلى استعادة سيادتها القضائية من المحاكم الدولية، وذلك بعد أن تعافى قضاؤها وبات قادراً لوجستياً وبشرياً على الاضطلاع بمهمته الأساسية، في هذا الوقت بالذات، وفي موقف "تمييعي" كان متوقعاً، يأخذ لبنان علماً بالاستمرار في انتهاك سيادته والحط من كرامة وقدرة قضائه، من خلال التمديد لمحكمة أنشئت – كما تمّ الزعم – لأن القضاء اللبناني "عاجز" عن القيام بمحاكمة من خطط ونفّذ جريمة 14 شباط الإرهابية.
وبغض النظر عن التمديد الذي حصل للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان اليوم، وسواء مُدد لها أم لم يمدد، لا يبدو أن المحكمة تلك قادرة على القيام بمهمتها الأساسية المفترض أن تقوم بها، وهي كشف الحقيقة وإحقاق العدالة في جريمة 14 شباط، أولاً لأن التمديد بهذا الشكل وتمويلها وكأنها مؤسسة منكوبة لا يعني ضمناً الاعتراف بشرعيتها لبنانياً، وثانياً، لأن التعسف أفقدها صدقيتها منذ اللحظات الأولى، فالمجتمع الدولي سيتخلى عن دعمها عاجلاً أم آجلاً، حالما تفقد وظيفتها كأداة ضغط وابتزاز سياسية.
*أستاذة مادة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية


2012/02/23

تونس.. مؤتمر أصدقاء ضد سوريا

بينما تستمر الحركة الإقليمية والدولية متمحورة حول الوضع في سورية، يزداد الغرب اقتناعاً يوماً بعد يوم بعدم إمكانية إسقاط النظام السوري بالقوة العسكرية، فتتصاعد الحركة الدبلوماسية الدولية، ويستمر الغرب بمحاولاته الضغط على سورية من باب الدول العربية، وفي هذا الإطار، ينعقد مؤتمر "أصدقاء سورية" في تونس في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، في محاولة جديدة لإسقاط النظام السوري أو على الأقل كسب جولة ضده، من خلال دعوة المعارضة وعدم دعوة ممثلي السلطة إليه.ويبدو اختيار المكان في تونس ذا دلالات ورسائل، منها إعطاء الحكم الإخواني دفعاً جديداً من خلال منحه دوراً عربياً فاعلاً، خصوصاً أن تونس ببعدها الجغرافي ووضعها الجيوستراتيجي لا يسبب حرجاً ولا إشكاليات ولا منافسة للخليجيين العرب، الذين استاؤوا من محاولة العراق السابقة احتلال دور عربي إقليمي في المنطقة، من خلال طرح مبادرة وساطة بين السوريين، الأمر الذي أغاظ الجيران الخليجيين، وأقلقهم من دور عراقي محتمل، ما جعلهم يساهمون في تقويض الاستقرار العراقي وإدخاله، بعد الانسحاب الأميركي منه، في أتون نار مذهبية وأزمة سياسية لا تنذر بنهاية قريبة.
لكن ما هي النتائج المتوقعة من مؤتمر تونس بحسب ما تظهره معالم المرحلة الحالية في الأزمة السورية، والتي تبدو كما يلي:
أولاً: بعكس ما كان نبيل العربي قد أشاع، لا يبدو أن الموقفين الصيني والروسي قد تغيرا، أو هما في صدد التبدل فيما خص الحالة السورية، فقد أعلن الروس صراحة عدم تأييدهم لحضور المؤتمر، منطلقين من موقف ثابت لا يتزحزح بأن الحل في سورية يكون بحوار وطني، وإصلاحات شاملة، وقد كشف الروس عن أن مجموعة صغيرة من الدول تعمل على وضع الوثيقة الختامية للمؤتمر دون اطلاع المدعوين الآخرين الذين سيدعونهم بكل بساطة إلى التوقيع عليها، ما يشير إلى أن المدعوين سيكونون شهود زور على وثيقة معدّة سلفاً.
ثانياً: يزداد اقتناع الجميع يوماً بعد يوم باستحالة التدخل العسكري في سورية، وأن أي مواجهة عسكرية أو تدخل عسكري خارجي، من شأنه أن يشعل حرباً في المنطقة لن تبقى محصورة فيها، ومع كل المحاذير السابقة والتي أظهرت حجم الصراع الدولي في سورية، والذي أقام توازن ردع صارم بين الجبهتين المتصارعتين، دخل عنصر جديد إلى الساحة بدخول إيران على خط المواجهة بالإعلان عن عبور سفينتين حربيتين إيرانيتين قناة السويس، ووصولهما إلى ميناء طرطوس السوري.
ثالثاً: تراجع الحديث عن إمكانية تسليح المعارضة في سورية أو ما يسمى الجيش السوري الحر، وهو ما كانت كلينتون تمني النفس به منذ أشهر، كخطة لإدخال سورية في حرب أهلية تؤدي إلى إسقاط النظام، فبعد صمت مريب عن التفجيرات الانتحارية التي حصلت في سورية، وبعدما تحدثت البروباغندا الإعلامية عن أن النظام "ينحر نفسه"، عاد الأميركيون واعترفوا بوجود القاعدة في سورية، وأنها استطاعت أن تخترق المعارضة السورية المنقسمة، وأنه من السابق لأوانه الحديث عن تسليح المعارضة السورية المشتتة والتي لا برنامج واضح لديها.
رابعاً: إقفال أبواب مجلس الأمن أمام أي إطار لتدخل عسكري "إنساني" أو لإصدار قرار بإدانة النظام السوري، واستنفاد الجامعة العربية جميع السبل الممكن اتباعها للضغط على النظام السوري سواء من خلال العقوبات أم الضغط أم التهديدات المستمرة وغيرها.
خامساً: عدم إمكانية اختراق جبهة النظام الداخلية، لا من ناحية السلطة السياسية ولا العسكرية ولا القوة الشعبية المتشكلة حوله، والتي تزداد يوماً بعد يوم، خصوصاً في ظل تخوف جدي من تقسيم سورية إلى دويلات متناحرة، أو إقامة "إمارات" تعيد سورية إلى عصور الجهل والانحطاط، وتهجّر جميع الأقليات ومخالفي الرأي، فيما لو سقط نظام الأسد.
سادساً: ثبات التحالف الإقليمي والدولي الداعم للنظام، بالرغم من كل محاولات الإغراء والضغوطات التي حاول المعسكر الغربي أن يمارسها لفك هذا التحالف، في المقابل يبرز تراجع في مواقف المحور الآخر المعادي للنظام السوري، وتدرج في التنازل عن المواقف العالية النبرة التي طبعت شهور الأزمة الأولى في سورية، منها على سبيل المثال، التراجع في حدة المواقف التركية، وإعلان الرئيس الفرنسي ساركوزي أن "الثورة لا تكون إلا من الداخل وليس من الخارج"، وتأكيد راسموسن باسم الحلف الأطلسي أن الحلف ليس لديه خطط ولن يقوم بأي عمل يدعم فيه جماعات المعارضة السورية، ولن يقدم مساعدة من أي نوع كانت.
إذاً، مع كل المعطيات الميدانية والسياسية الدولية والداخلية، يبدو أن مؤتمر "أصدقاء سورية" في تونس لن يخرج بأي نتائج تعدّل في موازين القوى لا الداخلية ولا الدولية، وسيبقى مجرد أداة من أدوات التهويل والابتزاز، تترافق مع استمرار التحريض الإعلامي والمذهبي لتقويض الاستقرار الاجتماعي السوري، ومحاولات تقويض الاستقرار الأمني بالعمليات الإرهابية، والممارسات التخريبية لمنشآت الدولة كتفجير أنابيب النفط والمقار الحكومية بشكل يوحي بأن "المعارضين" لا يريدون أي شكل من أشكال الدولة فيما لو قيّض لهم ووصلوا إلى الحكم.
من كل ما سبق، يظهر أن المؤتمر الذي يعدّه الغرب تحت عنوان "أصدقاء سورية"، لن يعدو كونه استعراضاً خطابياً كما معظم المؤتمرات العربية الفندقية التي تنفق الأموال الطائلة على "خطابات بلاغية" لا تخرج بنتائج عملية، ولا يبقى منها سوى صورة تذكارية وبياناً إنشائياً، لا يقرأه إلا معدّوه في أكثر الأحيان.
- استاذة مادة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية

2012/02/20

النبي محمد وحقوق المرأة

محاضرة قدمت في ندوة الهيئات النسائية في حزب الله، بعنوان "النبي محمد: الرحمة المهداة" في 20 شباط 2012
يردّ البعض، بطريقة خاطئة ومجحفة، ظلم المرأة التاريخي الى الاسلام، وحمّلوا النبي محمد – صاحب الدعوة الاسلامية- المسؤولية عن ذلك. فهل صحيح أن النبي يتحمل هذه المسؤولية؟ وهل فعلاً الدين الاسلامي يهمّش المرأة ويجعلها في مستوى أدنى من الرجل؟ أم ان الأمر لا يعدو كونه صورة نمطية مشوهة عن المرأة المسلمة، تراكمت عبر الأجيال؟. وان كانت كذلك، مَن يتحمل المسؤولية عن هذه الصورة المنمطة؟
لكي نعرف ماذا أتى الاسلام للمرأة، وهل رفعها أم حطّ من قدرها، علينا أن نقيس وضعها قبله. فالمقارنة لا تصلح بالمطلق، بل يجب أن تحصل بين أمرين: ما قبل وما بعد. عندها فقط يمكن أن نجيب عما قدمه الاسلام لهذه المرأة بالفعل.

أولاً: وضع المرأة قبل الاسلام

لا يظهر من الدراسات المختلفة، عن عرب ما قبل الاسلام، أنهم اعترفوا بمكانة المرأة، أو حافظوا على كرامتها الانسانية، أو أنها أعطيت حقوقًا طبيعية أو حريات كما أعطي الرجل. كان العدل والحق والامتيازات في زمن الجاهلية لصاحب القوة، ولما كان الرجل بتركيبة جسمه الطبيعية أقوى من المرأة، وهو الأقدر على العيش في بيئة صحراوية قاسية وعادات اجتماعية مبنية على العنف والحروب، فقد منح لنفسه جميع الحقوق ورفع نفسه عنها في الأحكام وحرمها ميراثها وقايضها بديونه، ومتّع نفسه بها.
هذا ناهيك عن الرق ونظام الجواري الذي كان يستعبد المرأة استعبادًا كاملاً، وكان يمحو لها لكرامتها وانسانيتها بشكل تام، الذي استمر نظامًا اجتماعيًا معتمدًا الى أن أتى الاسلام فحرّم الرق والاستعباد بشكل تام.

بالمبدأ، كان الرجل  يملك كل شيء في العائلة والمنزل، فهو الذي يقرر مصير بناته وزوجاته (علمًا أن الرجل كان يحصل على عدد غير محدود من النساء والجواري لخدمته وللمتعة الجنسية).
نبدأ بالطفلة الصغيرة، مَن منا لم يسمع بعادة وأد البنات التي انتشرت لدى بعض القبائل في الجاهلية، والتي استمرت حتى عالج الإسلام أمرها بتحريمها في آيات واضحة وصريحة.
لم يكن مصير المرأة مستقرًا لا في زمن السلم ولا في الحرب، فمَن منا لم يسمع قصصًا عن مصير بنات او زوجات قررها الرجل نتيجة تجارة، أو على مائدة قمار، أو رهن أو مبارزة بالسيف، او لمجرد وعدٍ قدمه الأب بمنح ابنته لرجل آخر. أما في الحرب، فقد كانت النساء غنائم حرب، تؤخذ سبايا كما تؤخذ الغنائم المادية الأخرى. 
وان كانت ماسي المرأة في وجود زوجها، فكيف بها في غيابه. عند وفاة الزوج، تكون المرأة جزءًا من الميراث، يرثها الذكر كما يرث الأمور المادية الاخرى، فيتزوجها بدون مهر، أو يزوّجها ويقبض مهرها. الى ان أتى الاسلام وحرّم زواج الابن من امرأة ابيه .
إذًا، لم يكن للمرأة حقوق قبل الاسلام، بل ان كرامتها الانسانية كانت منتقصة بفعل العادات والتقاليد والأحكام الجائرة التي تنتقص من حقوقها وانسانيتها، فكيف أصبح وضعها بموجب نصوص القرآن والسنّة.

ثانيًا: وضع المرأة في الاسلام

بداية، بدّل النبي محمد الصورة التي كانت للمرأة في المجتمع الجاهلي، فقد أراد النبي أن يعطي المرأة دورًا مغايرًا للدور الذي حددته لها تلك البيئة الجاهلية وهو اشباع رغبات الرجل، فأناط بها دورًا مهمًا وعظيمًا : "الأمومة". ولحثّ أنصاره على تغيير النظرة الى المرأة - الأم، قال أن "رضوان الام هو طريق لرضوان الله".
وقياسًا وتكاملاً ، قلب الاسلام النظرة السائدة الى المرأة، رأسًا على عقب، وأعطاها الكثير من الحقوق الاساسية فساواها مع الرجل وحصّن وضعها  وحاول إعلاء شأنها على أكثر من صعيد، الامر الذي يُعتبر ثورةً حقيقة في ذلك الزمن والمجتمع الذي عاش فيه النبي محمد. وفي ما يلي ابرز ما أعطى الاسلام للمرأة:

1-    المساواة في أصل الخلق والكرامة الانسانية، وفي التكاليف الشرعية



لا شك أن المساواة في الخلق والكرامة الكيانية، وتكريم الله للأنسان أتت واضحة في القرآن للرجل والمرأة على حد سواء. فقد اقرّ الاسلام بوحدة الخلق الالهي، باعتبار أن الله خلق الرجل والمرأة من مادة واحدة وماثلهما في التكوين. ولم تفرق الآيات بين الرجل والمرأة في تكريم الله للانسان بعقله وحريته، ولم تختص أو تميّز الرجل بالتكريم دون المرأة.
تؤكد نصوص القرآن والسنّة على التكامل الفطري بين الرجل والمرأة من أجل القيام بوظيفتهما الوجودية،  فهما يشتركان ويتكاملان في القيام بالمسؤوليات والواجبات التي فرضها الله على المؤمنين والمؤمنات، إن كان من حيث الثواب والعقاب والجزاء على العمل في الدنيا والآخرة، بغض النظر عن الجنس.
ولعل الحديث الذي ينقل عن النبي بقوله: "إنما النساء شقائق الرجال"،  يشير الى أن لا ميزة تفاضلية بين الرجل والمرأة، وأنه ليس هناك من نص موحى به يقول أن الرجل خير من المرأة. 

2-    المساواة في الحقوق العامة والمدنية والجزائية


للمرأة والرّجل في الإسلام حقوق متساوية، فالإسلام لم يعطِ أدوارًاً منفصلة للرّجال والنّساء، ولا يوجد تمايز بينهما إلا فيما يتعلّق بالدّور الأسري.
وبعكس ما يشاع، لم يحصرالإسلام النساء في الإطار المنزلي، فلهنّ أن يعملن في الحقل العام، ويتعلّمن، ولهن كما للرجال حق متساوٍ في طلب العلم، ما لم يكن هذا العلم يؤدّي إلى الانحراف الأخلاقي.
كم ساوى الاسلام  الرجل والمرأة في الحقوق المدنية، كالاهلية المالية والذمة المالية وحق التعاقد وغيرها. كذلك في العقوبة الجزائية، فعلى سبيل المثال يعاقب الزاني والزانية بنفس العقاب أي ان الاثنان يتحملان المسؤولية بالتساوي.
بالنسبة للزواج: أكد النبي محمد على حق المرأة في اختيار الزوج وحرّم تزويجها بدون رضاها، حتى بعد الزواج تبقى لها شخصيتها المدنية الكاملة فلا تفقد اسمها ولا أهليتها في التعاقد، ولا حقها في التملك.

ثالثًا: استمرار التمايزات: نسبية المساواة عند الاسلام


لكن بالرغم من كل تلك الحقوق المتساوية، يبرز في النصوص القرآنية استمرار التمايزات بين الرجل والمرأة، ما يعني ان المساواة كانت مطلقة في حالات ونسبية في حالات أخرى أهمها:

أ‌-       قوامة الرجل على المرأة


{الرجال قوامون على النساء بما فضّل الله بعضًا على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}( سورة النساء، آية 34)
إن قوامة الرجل على المرأة مبدأ معلن في الاسلام، ولكن الواضح من النص أن هذه القوامة ترتبط بمؤسسة الزواج وبمعيل الأسرة تحديدًا.
وقد تكون هذه القوامة أعطيت للرجل داخل مؤسسة الاسرة لحسن قيادتها، فكل جماعة أو تنظيم يحتاج لقائد مسؤول يقوده، ويجب أن يكون لهذا القائد مكانته بين الجماعة حتى يكون مسموعًا ومطاعًا، وعليه هو بالمقابل أن يتحمل المسؤولية كاملة ومنها المسؤولية المادية مقابل الطاعة.

ب‌-   للذَّكَر مثل حظِّ الأُنثَيَيْن \ تعدد الزوجات

قد يكون التمييز الذي نراه في الاسلام في هذا المجال مرتبطًا بالعدالة أكثر من ارتباطه بالمساواة. فالاسلام يعتبر العدالة مبدأً أساسيًا يجب تحقيقه في كافة مظاهر النشاط الانساني، لا بل أنها المرتكز الاول من المرتكزات التي تعتبر أساسيّة في إنتاج الشخصيّة الإسلاميّة، سواء في المجال الإسلامي أو خارجه، فالقسط أو العدل، يؤكد على ضرورة أن يحدّد لكلّ ذي حقّ حقّه. وباعطاء كل ذي حق حقه، تبتعد العدالة في الاسلام عن المساواة، لتصبح  عدالة "تكليفية" وليست عدالة مساواة.
 ففي الاحوال الشخصية، اشترط الاسلام على المرء "العدل" معتبرًا أياه الشرط الرئيسي للتعامل بين البشر، وبين الرجل والمرأة لذا لم يساوِ بينهما.
-         من ناحية الارث، لم يقم الاسلام بمساواة بين الرجل والمرأة في موضوع الميراث وحق كل منهما في ميراث أهله، لأن الاسلام  شدد على ما اعتبره "عدالة" في هذا الشأن، من منطلق أن الشرع قد كلّف الرجل بمهام ومسؤوليات وأعباء مادية أكثر من المرأة، وفرض عليه النفقة وغيرها من المصاريف، لذا من الطبيعي أن تكون مساواتهما في الحقوق غير عادلة بما أنه لا مساواة في الواجبات. من هنا ركزّ الاسلام على مفهوم العدالة ولم يركز على المساواة باعتبار أن المساواة هنا قد تؤدي الى "عدم عدالة".
-          في حالة تعدد الزوجات، النص يقول: {فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة}(النساء/3)، والعدل هنا متعدد الأوجه، لأنّ بعض الناس يمكن أن يتزوَّج واحدة وإثنين وثلاثة وليس عنده ما ينفق عليهن، فإذا لم يكن عند الرجل ما يستطيع أن يقوم به من حقوق الزوجة في ما يطلب منه، فعليه أن يكتفي بواحدة فقط. كذلك في جانب الميل القلبي، الرجل لا يستطيع أن يعدل لأنه ليس بيد الإنسان. لذا، فان النص أباح تعدد الزوجات ولكن عندما ربطه بالعدالة، ظهر أن التعدد هو الاستثناء والآحادية هي الأصل.

ج- الشهادة

بالرغم من اطلاعي على كثير من المراجع التي ناقشت هذا الامر، لم أجد تفسيرًا مقبولاً ومنطقيًا – بالنسبة لي-  لتمييز النص القرآني بين شهادة المرأة وشهادة الرجل. ان التمييز هذا يطعن المرأة في أهليتها، وكرامتها وانسانيتها، في حين أتت نصوص قرآنية عديدة لتؤكد نقيض ذلك، وتؤكد مساواتهما في الحقوق والواجبات من الزاوية المدنية والدينية. 
خاتمة
أن البحث في القيم الاسلامية وللتاريخ الاسلامي يقودنا الى خلاصة مفادها ان القول بمسؤولية الاسلام عن وضع المرأة وتهميشها هو افتراء تام.
ولكن ان أردنا أن نفتش عن الاسباب الكامنة وراء تهميش المرأة المسلمة بشكل عام، وعدم حصولها على المساواة التامة مع الرجل والتي ينص عليها الاسلام فيعود – برأيي الخاص- الى أسباب عدة، منها أهمها:
 أولاُ: قد يعود الأمر الى تاريخ الفتوحات الاسلامية؛ فعندما غزا المسلمون مناطق شاسعة، وتوسعوا ليضموا بلادًا ذات عادات بربرية وثقافات مختلفة ومتباينة التطور والتقدم والرقي. سعت تلك المجموعات الخاسرة عسكريًا، من خلال انخراطها بالدين الجديد أن تعيد لنفسها القيمة والمكانة التي خسرتها، لذا استخدمته ولم تبقِ من الاسلام الحقيقي وقيمه الا ما تماشى مع معتقداتها السابقة وقيمها وثقافاتها البربرية، بل عمد بعضها الى تغيير ما يمكن أن يصطدم بثقافتها السائدة. ونتيجة لذلك، اختلط بالاسلام الكثير من التقاليد الحضارية والثقافية، وألصقت بعض القبائل والشعوب قيمها الثقافية الخاصة بالاسلام، وهو بريء منها. والادهى، ان بعض هذه التعاليم التي حرّفت وغيّرت في اتجاهات تفسير القرآن، كانت تُعلَن – في بعض الحالات- وكأنها حقائق ثابتة ومطلقة، وعلى كل مسلم القبول بها تحت طائل انتهاك المقدسات، أو العقاب بسبب الخروج عن الدين.
ثانيًا: عدم تطبيق المسلمين الصحيح لنصوص القرآن كما هي روح النص و مقاصد الشريعة. ونلاحظ في هذا المجال، اختلاف التطبيق بين بلد وآخر، وبين ثقافة وأخرى، مما يشير الى انه ليس امرأة مسلمة بشكل عام، بل نجد امرأة لبنانية مسلمة، وامرأة تركية مسلمة وامرأة افغانية مسلمة.. والاختلاف بينهن بقدر اختلاف الحضارات والثقافات واللغات.
في النهاية، نستطيع القول ان ليس في الاسلام وكتابه وسيرة رسوله ما يمنع تقدم المرأة واعلاء شأنها ومساواتها التامة بالرجل، لكن إن كانت المرأة المسلمة في بعض الحالات لم تصل الى هذه الكمال في هذه الأمور فيعود ذلك لاسباب ثقافية واجتماعية وحضارية وسياسية غير مرتبطة بالدين. وما على المسلمين سوى تطبيق احكام الاسلام الصحيحة حتى تحتل المرأة المكانة التي هي لها بموجب الشرع، وتزال النظرة النمطية للمرأة المسلمة من أدبيات الفكر والاعلام والسياسة. 

2012/02/15

الجيش ... وزمن الجحود السياسي

منذ أن بدأت الأحداث في سورية، وبالتحديد منذ الانفلات الأمني الخطير الذي تشهده الأراضي السورية، يتعرض الجيش اللبناني لضغوط متنوعة وحملات سياسية، ومحاولات إشغال تلهيه عن المهمات المفترض به القيام بها، للحفاظ على السيادة اللبنانية وحفظ الأمن والاستقرار.بالمبدأ، يضطلع الجيش بمقتضى القانون بمهمة الدفاع عن الدولة اللبنانية، أي مهمة الدفاع عن أرض لبنان وشعبه والسلطة القائمة فيه، فيحفظ السيادة اللبنانية من خلال منع أي جهة خارجية من انتهاك الحدود اللبنانية، ويقوم بمؤازرة الأجهزة الأمنية في الداخل لمنع أي قوة من المسّ بالسيادة اللبنانية، أو تهديد الاستقرار أو الانقلاب على السلطات الشرعية.
من هذا المنطلق، وبعد أن تفاقم الوضع على الحدود اللبنانية السورية، وتحوّلت مناطق لبنانية بأكملها، إلى مناطق تعجّ بمسلحين من جنسيات متعددة يتسللون إلى سورية، وبعد أن امتلأت صفحات الإعلام الأجنبي والمحلي بأخبار وصور المسلحين المدججين بالسلاح في مناطق عكار بحجة مناصرة "الثورة السورية"، وبعد أن تهاونت السلطة السياسية اللبنانية في الاضطلاع بمسؤولياتها في حفظ سيادتها، ومنع التسيب على حدودها، بذريعة "النأي بالنفس"، الأمر الذي دعا السفير السوري إلى إرسال تحذير واضح إلى السلطات اللبنانية يحثها فيها على الالتزام بمسؤولياتها القانونية والاتفاقية.. بعد كل هذه التطورات، قام الجيش اللبناني بمهمة ناجحة في تلك المناطق موجهاً رسالة إلى من يعنيه الأمر، أن التسيب ومحاولات تقويض الاستقرار في سورية انطلاقاً من الأراضي اللبنانية لم يعد مسموحاً به بعد الآن.
ورداً على النجاح الذي حققه الجيش اللبناني، استخدمت قوى المستقبل وحلفاؤه، استراتيجية سياسية ميدانية الأوجه يمكن استشراف بعض معالمها، أو ما ظهر منها لغاية الآن بما يلي:
- هجوم سياسي فاجر مبرمج على الجيش اللبناني، فقد استفاض المستقبل وحلفاؤه، كما رموز التيارات السلفية في الشمال في الهجوم على الجيش ونعته بأوصاف يندى لها الجبين، وكأنما ليس لهذا الجيش مواقف مشرّفة طوال تاريخه، بل كأنما هو جيش العدو الإسرائيلي، والأدهى، أننا لم نسمع صوت هؤلاء حين كان الجيش الإسرائيلي يقتل الأطفال في غزة، وينتهك الحرمات الفلسطينية، ولم يصفوه بالنعوت البشعة والحاقدة والدعوة إلى الجهاد ضده كما قرأنا وسمعنا الخطابات الحاقدة والمشينة والداعية إلى قتل أفراد وعناصر الجيش اللبناني.
- محاولة إلهاء ميدانية للجيش اللبناني، وذلك لمنعه من ضبط الفلتان الذي كانت تشهده الحدود الشمالية مع سورية، ولعل التفجير الأمني الذي شهدته طرابلس، والتوتير المتصاعد ميدانياً، والذي ترافق مع خطابات سلفية ومذهبية خطيرة جداً، كان يهدف إلى إلهاء الجيش اللبناني، ومنعه من تنفيذ عمليات الانتشار المقررة في أكثر من منطقة حدودية، وذلك لتغيير أولوياته وحضّه على الانتشار في مناطق وأحياء طرابلس لضبط الأمن، بدلاً من التوجه إلى الحدود اللبنانية السورية لضبطها.
إذاً، شنّ الحريريون والسلفيون هجوماً على الجيش، لا لشيء، إلا لأنه نفذ القانون، وحافظ على استقرار لبنان ومنع تحوّل جزء من الوطن إلى منطقة مستباحة لتهريب المال والسلاح والعتاد والرجال إلى سورية، لتهديد أمنها، أرادوا من خلال الهجوم السياسي الضغط على الحكومة لمنع الجيش من استكمال تدابيره بحفظ الأمن في منطقة عرسال – وادي خالد، وذلك للاستمرار في المخطط القائم بمحاولة إقامة منطقة لبنانية عازلة على الحدود السورية، تكون منطلقاً للاعتداء على سورية، لكن فشلهم في مسعاهم هذا جعلهم يتحولون إلى الضغط الميداني.
إن الخطط التي يدبرها الحريريون والسلفيون ضد الجيش اللبناني ليست جديدة، والهجوم على الجيش ليس جديداً أيضاً، فمَن منا ينسى محاولات تغيير العقيدة القتالية، ومن ينسى تصريحات تكفير الجيش والخطة الجهنمية التي أودت بحياة العسكريين بنهر البارد ومحاولة زج الجيش وإغراقه في حرب مخيمات جديدة، كل هذه الخطط تؤكد أن المستقبل وحلفاءه يريدون الجيش أداة في أيديهم، يقمعون بواسطته خصومهم، ويريدون منه أن يغض النظر عن مؤامراتهم العابرة للحدود، وفي النهاية، يريدون منه أن يضرب المقاومة، فإن لم يستطع نزع سلاحها، فعلى الأقل يحققون هدفاً آخر، وهو جر المقاومة إلى قتال الجيش اللبناني ما يفقدها شرعيتها، ويخسرها جمهورها الداعم، ويألب الرأي العام اللبناني ضدها.
إن ما يحصل اليوم على الجيش، يجعلنا نشعر كما في كل مرة أن العقلية الميليشوية التي تكره الجيش اللبناني لم تزل مسيطرة على الطبقة السياسية اللبنانية، وإن أمراء الحرب لبسوا شكلياً البزات وربطات العنق، لكنهم لم يخلعوا حقدهم على الدولة والمؤسسات والقوى الشرعية، يحقدون على الجيش الذي يشكّل سياج الوطن، والذي لم تلوثه لوثة النفاق والدجل والطائفية والمذهبية البغيضة، كما لوثتهم، لذا يريدون أن ينحروه في زواربيهم المذهبية، وفي أقبية جهلهم وحقدهم.
قد يكون التصرف الميليشوي لتيار المستقبل مفهوماً ومعروفاً، وسكوت حلفائه ممن يضمرون حقداً مزمناً على الجيش اللبناني منذ زمن الميليشيات مفهوماً أيضاً، لكن ما لا يُفهم هو سكوت السلطة السياسية و"رؤوسها" واعتماد سياسة النأي بالنفس في هذا المضمار، وإذا سلمنا جدلاً، أن الميقاتي ينأى بنفسه عن الدفاع عن الجيش اللبناني، وعن تحويل المعتدين على الجيش إلى القضاء، لأسباب مذهبية انتخابية ضيقة، فما الذي يجعل رئيس الجمهورية اللبنانية يعتمد أيضاً سياسة النأي بالنفس والصمت عما يحصل من مؤامرات وتحريض ضد الجيش اللبناني، وهو الخارج من رحم المؤسسة العسكرية، والتي يدين لها بالوصول إلى رئاسة الجمهورية، وما الذي يجعل وزير الدفاع وغيره يعتمدون مبدأ الصمت؟.. بالفعل، إنه زمن "الجحود" السياسي بكل ما للكلمة من معنى.

2012/02/09

اوروبا سفينة غارقة.. تهدد سوريا!!!

تستمر التهديدات الأوروبية بمزيد من العقوبات على سورية، خصوصاً في أعقاب الفيتو الروسي الصيني المزدوج في مجلس الأمن الذي أخرج القضية السورية من دوائر مجلس الأمن ليعيدها إلى الساحة السورية والعربية، وبالرغم من تأكيد الجميع على عدم قابلية تحقق "خيار عسكري" في سورية كما حصل في ليبيا، يبقى بعض الإعلام العربي وبعض السوريين "المعارضين" يمنّون النفس ويجوبون أوروبا للتسويق لأمر كهذا، متناسين أو متجاهلين أن أوروبا تبدو أشبه اليوم بـ"سفينة غارقة" تحاول أن تغيّر القبطان علّه يخرجها بسلام من جبل الجليد الذي وجدت نفسها فيه.أما سيناريو تدخل عسكري للناتو في سورية، والذي سيؤدي للإطاحة بالأسد ويقيم حكماً بديلاً من معارضي الخارج، الذين سيأتون على الدبابة الأطلسية، فيبدو ضرباً من ضروب الخيال، لأن الواقع الأوروبي المدعو للتدخل عسكرياً في سورية هو بعيد جداً عن هذه الإمكانية، لا بل إن الصورة الأوروبية الحقيقية لأوروبا قاتمة جداً، وهي كما يلي:
- أزمة اقتصادية كبرى تجتاح منطقة اليورو، تؤدي إلى تقشف في الموازنات، وخصوصاً في موازنات الدفاع، وتعلن كثير من الدول الأوروبية اليوم وبشكل واضح عن خشيتها من الذهاب إلى عمليات خارج الحدود لا تراها ضرورية، خصوصاً مع الشح الهائل بالموارد، واختلاف الاستراتيجيات والطموحات العالمية، واختلاف الآليات القانونية لتشريع التدخلات العسكرية، وبحسب تعبير أحد الخبراء الأوروبيين: البنوك وليس الدبابات هي الأهم بالنسبة لأمن أوروبا في الوقت الحاضر.
من هذا المنطلق، يكبح الأوروبيون اندفاعة ساركوزي تجاه سورية، والتي يحتاجها لكي يؤمن لنفسه انتصاراً ما في السياسة الخارجية على أبواب انتخابات فرنسية غير مضمونة النتائج، وفي ظل تدني نسب مؤيديه في استطلاعات الرأي.
- بانتظار قمة الناتو التي ستنعقد في شيكاغو في أيار من السنة الحالية، يعيش الأوروبيون قلقاً على مستقبل الناتو بعد الرغبة الأميركية المتزايدة بسحب الجنود من أوروبا، ودعوات تدعو الأوروبيين للاهتمام بأمنهم الخاص والأمن في حديقتهم الخلفية، وكما صرّح روبرت غيتس سابقاً: "بعد انتهاء الحرب الباردة، لا تستطيع الولايات المتحدة أن تصرف أموال دافعي الضرائب لحماية أوروبا، على أوروبا أن تقوم بذلك بنفسها".
- ينظر الأوربيون بقلق إلى مستقبل الاتحاد الأوروبي، خصوصاً بعد قيام الولايات المتحدة الأميركية بإعادة تقييم خياراتها الاستراتيجية، وإعادة ترتيب أولوياتها الجغرافية نحو آسيا والمحيط الهادي. وهنا، وبسبب العجز المالي والاقتصادي، والضعف الذي يبرز في الخيارات السياسية المتباينة، والتي ظهرت بشكل واضح في الأزمة الليبية، يجد الأوروبيون أنفسهم غير قادرين على لحاق ركب الولايات المتحدة لحجز مقعد لهم في السياسات العالمية الجديدة في القرن الحادي والعشرين، حيث انتقل المركز من المحيد الأطلسي إلى المحيط الهادي، كما أن ما يشاع عن إمكانية حرب باردة جديدة، وسباق تسلح بين الصين والولايات المتحدة، يؤدي إلى زيادة شعور الأوروبيين بالعجز، مما يفاقم قلقهم على مستقبل الاتحاد.
- في ظل توجه حثيث نحو حرب باردة جديدة بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية، يشعر الأوروبيون بثقل حول المسؤولية الملقاة على عاتقهم أميركياً، لاعتبارات عدة متعلقة بعلاقتهم بروسيا، منها اعتمادهم على الغاز الروسي، وخشية من رد روسي قاسٍ في أوروبا بسبب بناء الدرع الصاروخي، الذي تعتبر موسكو أنه موجه ضدها، وفي حال استمرار الأميركيين بالتدخل بالشؤون الروسية من خلال تشجيع التظاهرات المناوئة لبوتين، ودعم دول أوروبا الشرقية الخارجة من كنف الاتحاد السوفياتي السابق.
- بعكس كل التاريخ الأوروبي السابق، يتطلع الأوروبيون اليوم إلى قيادة ألمانيا للاتحاد الأوروبي، ويخشى الأوروبيون أن تتخلى ألمانيا عن التزاماتها تجاههم، فعام 2012 هو عام مفصلي بالنسبة للاتحاد الأوروبي ومستقبله، وهم ينظرون بأمل أن يتم انقاذهم عبر ألمانيا، ويعوّل الأوروبيون على مصلحة ألمانيا في ذلك، فلطالما حلم الألمان بقيادة أوروبا سياسياً، كما أن ألمانيا لها مصلحة في استقرار الاقتصاد الأوروبي، لأن ما يقارب 60 في المئة من الصادرات الألمانية، هي مع الشركاء الأوروبين، وهكذا، إما أن تصبح ألمانيا قائدة أوروبا عام 2012 وتنقذ السفينة الأوروبية من الغرق، أو تتخاذل فيكرهونها.
في المحصلة، إن المشاكل الاقتصادية والسياسية والديمغرافية التي تعيشها أوروبا، واستراتيجية التقشف التي أعلنها أوباما، والتي تجعل من حلف الناتو اليوم أضعف من أي وقت في تاريخه، بالإضافة إلى ما ظهر من تحالف ثابت داعم للنظام السوري، وعدم رغبة أي من الدول بدفع تكاليف إشعال حرب إقليمية في منطقة عائمة على النفط، ستؤدي إلى إشعال لهيب يمتد إلى الجوار الأوروبي.. كل هذا وغيره، يجعل الحديث عن خيار تدخل عسكري أطلسي في سورية، أو تكرار سيناريو عراقي بقيام "تحالف الراغبين" أبعد ما يكون عن الواقع، هو تهويل أو وهم موجود في مخيلة مطلقيه.

2012/02/06

حوار مع موقع تواصل اونلاين

ليلى الرحباني في حوار مع تواصل اون لاين
 
 الدكتورة ليلى الرحباني

متفائلة بمستقبل الشباب العربي، ولكنها تعتقد أن جيلنا الحالي لن يعيش الحرية السياسية والاجتماعية بكل أبعادها، فالأجيال اللاحقة هي التي ستحصد ثمار ما يحصل اليوم من حراك عربي شامل. لا تخفي ليلى الرحباني نقدها السياسي حتى مع المتحالفين مع اتجاهها، ولكنها تعتقد أن حزب الله والتيار الوطني الحر أصبح تحالفهما خارج دائرة النقاش. لبنان (هشّ) ولكنه لا يستطيع النأي بنفسه والهروب الى الامام، فاللهيب الآتي من المنطقة سيصيبه عاجلاً أم آجلاً. غائرة في تفاصيل السياسة، تعشقها، ولكنّ عشقها لمبادئ العماد والتيار الوطني الحر لا يعادله شيء، تُحدّثكَ بفرح المنتصرين، لم تعبثْ بقلبها أدرانُ الطائفية، ولا هي عبأتْ بأتعاب سنين القهر والحرمان. لم نذهب إليها، كانت تحبّ أن تأتي إلى حيث مقرّ الإنسان الذي حلمتْ بأن تراه قبل أن يغادر هذه الأرض، المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله، فكان أن حثّت خطاها نحونا الى المركز الإسلامي الثقافي وأجرت مع موقع تواصل أون لاين هذا الحوار:
1- تواصل أون لاين: من لبنان إلى سوريا إلى العالم العربي إلى ما أبعد من ذلك... حلقات مترابطة ومتشابكة فيما بينها... لنبدأ بالوضع اللّبناني فيما يتعلّق بدوره في هذا الصراع العالمي الموجود والذي بدأت تتحرّك ثورات من هنا وهناك... البعض ينجح والبعض يفشل... هناك أمور كثيرة..
اليوم إذا قرأتِ لبنان من خلال هذا الوضع العربي والعالمي.. ما هي رؤيتك للبنان على هذا الصعيد؟

ليلى الرحباني: بداية.. وكما هو واضح أنّ هناك شيئاً جديداً يُعتمد في السياسة اللّبنانية وهي سياسة النأي بالنفس... وأنا برأيي أنّ هذه السياسة، سياسة النأي بالنفس تشابه سياسة الكتائب اللّبنانية التي كانت تدعو إلى حياد لبنان.. وكانت الكتائب اللّبنانية في وقت ما أيّ عندما كانت الكتائب اللبنانية في أوج عزّها، كانت تريد للبنان أن ينأى بنفسه عن الصراع العربي الإسرائيلي وكأن لبنان جزيرة معزولة وكانت تتحدّث عن أنّ قوّة لبنان في ضعفه وكانت تعتبر أنّه علينا أن لا نراكم القوّة وأن لا نستند إلى القرارات الدوليّة وأنّ علينا أن نحترم الشرعية الدولية وإلى ما هنالك من أوصاف تطلق على القرارات التي تصدر من الأمم المتّحدة أو مجلس الأمن..
أنا برأيي أنّ لبنان لا يستطيع أن يُكمل بسياسة النأي بالنفس، فهي سياسة النّعامة التي تدفن رأسها في الرّمال في كلّ الأحوال خاصةً في الموضوع السوري... لبنان لا يستطيع أن ينأى بنفسه عن هذا الموضوع لأنّ مصير لبنان وسوريا مترابط.. لبنان ليس جزيرة معزولة، لم يكن قبلاً جزيرة معزولة في قضيّة الصراع العربي الإسرائيلي.. بل كان معنيّاً بشكلٍ مباشر وبالتالي لم يكن ملائماً طرح الحياد سابقاً والآن في القضية السورية وفي الحراك الذي يحصل في سوريا لا يستطيع لبنان أن ينأى بنفسه طويلاً عن الحراك الذي يحصل في سوريا.. فما يحصل في سوريا يؤثّر بطريقة مباشرة وليس غير مباشرة على لبنان...
نحن ندعم النظام السوري ليس حباً بالنظام السوري وليس حبّاً ببشار الأسد ولكن نحن نقف مع النّظام السوري لكي نقف مع أنفسنا ولكي نقف مع لبنان... لأنّ وصول المتطرّفين إلى الحكم في سوريا ووصول كما يبدو الآن الجماعات المتطرّفة التي لا تقبل أيَّ رأيٍ آخر والتي تعتبر أنّها تملك الحقيقة المطلقة وأي رأي مخالف لها حتى لو كان من نفس طائفتها فهو يُكفّر ويُعزل أو نطرد من البلاد...
بطبيعة الحال لا يستطيع لبنان أن يتحمّل المجازر في سوريا إذا حصلت... الوضع اللّبناني الهشّ لا يستطيع أن يتحمّل هذه المجازر ولا يستطيع أن يتحمّل تهجير مسيحيّين من سوريا ولا يستطيع بطبيعة الحال أن يصل حكم متطرّف أصولي إلى الحكم في سوريا لأنّه سيكون له حتماً امتدادات في السّاحة اللبنانية مع هذه التوازنات الهشّة التي نعيشها في لبنان.. وأنت تعرف أننا في لبنان نعيش صيغة توازن هشّة جداً وعلى ميزان الذهب قمنا بوزنها... وبالتالي أي حركة في هذا الميزان تلاحظ أنّ الكلام المذهبي والطائفي يستعرّ مباشرة..

2- تواصل أون لاين: أمام توصيفك للبنان كهشّ.. هذه الفكرة هي التي جعلت سياسة لبنان بهذا الشكل... أيّ بناء على هذه الهشاشة فإن اتخاذ لبنان موقف حاسم وقويّ تجاه قضيّة ما  سيدمره أكثر مما يفيده.. وأنا أستذكر مقولة لكمال الصليبي في كتاب تاريخ لبنان الحديث يقول: "قلّما أفاد بلدٌ صغير في نزاعات كبيرة".. بمعنى أنَّ البلد الصغير لا يستفيد من أيِّ نزاع كبير... واليوم دائماً هناك نزاعات كبيرة ولبنان دائماً هو صغير... فكيف نستطيع أن نضع لبنان بموقف صعب وأمام صراع قويّ جداً... مَنْ يتكلّم بسياسة النأي عن النّفس واقعي أكثر لأنّ لبنان هش وصغير؟
ليلى الرحباني: دعني أقول لك أمراً... عندما ننأى بأنفسنا ... ننأى بأنفسنا سياسياً من أن نتدخل بشؤون الدول الأخرى ولكن هذا لا يمنع الدولة اللّبنانية من أن تتحمّل مسؤولياتها... وكذلك عندما نسمع وزير الداخلية مروان شربل يقول بأنّ للقاعدة ممراً وليس مقرّاً في لبنان.. وهل أنّ مرورهم في لبنان لا يحتّم مسؤولية على الدولة اللبنانية؟ أين السيادة؟
بطبيعة الحال.. الدولة اللبنانية مسؤولة عن أرضها... أنا لا أقول إنّ على الدولة اللبنانية أن تتدخل في الشؤون السورية أو تتدخّل في النزاع الداخلي السوري... بالعكس.. أنا أريد من الدولة اللبنانية أن تأخذ موقفاً مع نفسها... علينا أن نقف مع أنفسنا وليس مع النظام السوري.. بأن نحفظ حدودنا وأن نحفظ سيادتنا وأن نحافظ على أمننا وأن لا نسمح لا بمرور ولا بعبور من لبنان إلى سوريا لا للأموال ولا للمسلّحين ولا للقاعدة ولا لزوارق تهريب الأسلحة..
علينا، نحن كدولة لبنانية، أن نحفظ حدودنا وأن نؤمّن سيادتنا وعندها فليفعل النظام السوري ما يريد وليحقق الحراك السوري ما يشاء... ولكن أن تقف جهات لبنانية وأن تكون معبراً للتآمر على سوريا فأنا لا أعتقد بأنّ هذا عمل منطقي..
الأطراف اللّبنانية كأطراف لبنانية عليها أن تقول نحن لا نتدخل وننأى بأنفسنا عن الصراع الداخلي في سوريا ولكن الحكومة اللّبنانية مسؤولة وبالتالي لا تستطيع أن تنأى بنفسها عن كلّ القضايا... ولاحظ أن سياسة النأي بالنفس عن المحكمة الدولية، والمحكمة موضوع داخلي وسيادي.. التمديد للمحكمة نأي بالنفس... بروتوكول المحكمة الذي سيجدد في أول آذار فلننأى بأنفسنا وليقوموا بما يريدون.. والحدود المفتوحة في البقاع فلننأى بأنفسنا... الزوارق التي تهرّب الأسلحة والمسلحين إلى سوريا فلننأى بأنفسنا ... القاعدة التي يأتي عناصرها إلى لبنان للتنزّه فلننأى بأنفسنا... أين السيادة إذاً؟ أين سيادتك كدولة لبنانية؟
ثم لا تستطيع الدولة اللّبنانية أن تقول إنّني أنأى بنفسي عن الصراع في سوريا ثم تسمح وتسهّل مرور "المجاهدين" كما يسمّونهم أو القاعدة التي يأتي عناصرها من كلّ أطراف العالم ليمرّوا من لبنان إلى سوريا..
ماذا فعلت الدولة اللبنانية عندما أشارت تقارير صحفية بأنّ هناك بعض اللّبنانيين يأتون بذريعة أنّهم يتعالجون في المستشفيات الحكومية ثم ذهب بعض الصحفيين للسؤال عنهم في المستشفيات وإذا بهم غير موجودين في المستشفيات بل كانوا في الفنادق.. ثم بعد المزيد من البحث تبين أنّهم من القاعدة وأتوا إلى لبنان بحجّة أنّ لديهم أمراضاً نفسية وأتوا للعلاج ولكن بطائرات خاصة إلى لبنان ومنه إلى سوريا... أين الدولة اللبنانية هنا؟

3- تواصل أون لاين: هنا نتكلّم عن الدولة اللبنانية التي تمثلها الحكومة... وحسب ما يدّعي البعض أنّ هذه الحكومة فيها الأكثرية ممن هو حليف للنظام في سوريا.. أين دورهم؟ ولماذا لا يحرّكون ساكناً؟ وهل موضوع النأي بالنفس يؤخّر تفجير اللّغم الحكومي الكبير؟
ليلى الرحباني: أنا أعتقد وأريد أن أقولها بصراحة... بأنّ الحكومة اللبنانية الآن رهينة...

بيد مَن؟
ليلى الرحباني: رهينة لأنّ الذي يمسك بقرار الحكومة يعرف أنّه ليس من مصلحة أحد في هذا الظرف بالذات أن يُسقِط الحكومة بسبب الوضع الإقليمي وبسبب الوضع الدولي وبسبب الحِراك في سوريا أو ما يحصل في سوريا.. ليس من مصلحة أحد في هذا الظرف بالذات لا الذهاب إلى تصريف أعمال ولا إسقاط الحكومة أو فرط الحكومة كما يقال..
لذلك أعتقد أنّ هناك مَنْ يأخذ الحكومة رهينة...

4- تواصل أون لاين: دائماً نتكلّم عن جهة مجهولة؟ لماذا لا نسمّي الأشياء بأسمائها؟
ليلى الرحباني: أنا لم أقل بأنّ الجهة مجهولة أنا لم أجهّل الفاعل.. هناك بطبيعة الحال المتحالفين مع سوريا هم الموجودين بالحكومة.. التيار الوطني الحر.. حزب الله وحركة أمل...

5- تواصل أون لاين: ولكن هؤلاء هم الحكومة.. هذه هي الأطراف التي تدعم النظام السوري..
ليلى الرحباني: الحكومة ليست من لون واحد... فأنت لديك فريق الرئيس ميقاتي... لديك جنبلاط وفريق رئيس الجمهورية.. هؤلاء هم الذين يمسكون أو يخطفون الحكومة من أجل تمرير مصالح دولية على حساب المصالح اللّبنانية... ما حصل في موضوع تمويل المحكمة بتهريب الأموال... أولاً أتت من الهيئة العليا للإغاثة ثم أتت من جيوب المصارف.. فتمرير المحكمة الدولية بهذه الطريقة تشير إلى أنّ الحكومة مخطوفة ومرهونة لقرار دولي كبير لا يستطيع الأفرقاء الداخليون أن يحرّكوا ساكناً لأنّهم لا يريدون أن تسقط الحكومة..
عندما يهدّد رئيس الحكومة حلفاءه ولنقل أنّهم حلفاؤه... عندما يهدّدهم بالقول إمّا تموّلون المحكمة وإما أستقيل... يحضرني هنا الطفل الصغير المدلّل عندما يدلّله أهله كثيراً فهو عندما يكبر سيقول لهم إمّا أن تفعلوا لي ما أريد وإمّا أخرج من البيت..

6- تواصل أون لاين: برأيك اليوم سقوط الحكومة أو الفراغ الحكومي.. ألا يُعتبر كارثة على الجميع؟
ليلى الرحباني: بالطبع..

7- تواصل أون لاين: إذاً... الكلّ يتمسّك بالحكومة وليس فئة معيّنة وبالتالي الكلّ يريد أن تبقى هذه الحكومة على علاّتها وتناقضاتها...
ليلى الرحباني: بالطبع..

8- تواصل أون لاين: إذاً ليس هناك من يخطف هذه الحكومة فعلياً..
يخطف قرار الحكومة بالطبع..
ليلى الرحباني: أنا أقول إنّنا سنصل إلى التمديد.. أوّل آذار لدينا استحقاق جديد... وتمديد ما يسمّونه اصطلاحاً "بروتوكول" هو اتّفاقية في النهاية وهو معاهدة دوليّة وقّعتها حكومة السنيورة الفاقدة للشرعية مع الأمم المتّحدة من دون توقيع رئيس الجمهورية ومن دون مرورها بمجلس النواب، ولم تمرّ في الأطر الدّستورية اللّبنانية لذلك اضطرّ مجلس الأمن إلى أن يصدرها بناءً للفصل السّابع.. ولكن هي اتفاقية قامت بها حكومة لبنان الفاقدة للشرعيّة مع الأمم المتّحدة تنتهي مدّتها بأوّل آذار... أنا أعتقد وحسب تصوّري الشخصي إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه في سوريا إلى أول آذار سوف يُخطَف قرار لبنان بسياسة النأي بالنفس وسيفعل مجلس الأمن ما يشاء... أي التخلّي عن السيادة اللبنانية سوف يحصل إذا بقيت الأوضاع في سوريا كما هي عليه.. إذا حُسمت في سوريا سيكون هناك موقف جديد، ولكن إذا لم تحسم في سوريا سيستمرّ الوضع على ما هو عليه.. لا أحد يقترب من الحكومة واتركوها لكي لا تسقط..

9- تواصل أون لاين: بخصوص الوضع الحكومي.. نجد أنّ الشعب فقط يدفع الثمن؟
ليلى الرحباني: لا ليس الشعب فقط.. أنا أعتقد أنّ التيار الوطني الحرّ وتكتّل التغيير والإصلاح يدفعان من رصيدهما الشعبيّ ومن مصداقيّتهما في هذه الأزمة الحكوميّة وبدخوله في هذه الحكومة...

تواصل أون لاين: هي بالنتيجة سياسة... لا أحد يدخل في السياسة ويبقى دون أن "تتّسخ ثيابه" كما يقال... ولو بسبب الآخرين... هناك ملفات صعبة اليوم.. والتحالفات متشعّبة بحيث إنّها ليست من نمط واحد... هناك تحالفات اقتصادية وتحالفات سياسية... أي إن هناك أولويات.. فماذا يحصل داخل التيار الوطني الحر في موضوع الحكومة والتحالفات؟
ليلى الرحباني: موضوع فك التحالف... أكثر منه تفاهم.... فك التحالف بين التيار الوطني الحر وحزب الله.. هو موضوع خارج النقاش.. بالتأكيد سوف تسألني عن موضوع الأزمة التي حصلت سابقاً مع شربل نحاس والتصويت على الأجور..
هذه الأزمة مرّت... المواضيع الداخلية قد نتباين فيها ولكن خيار المقاومة والخيار الاستراتيجي في مقاومة إسرائيل والوقوف مع سيادة لبنان وقوّته في مواجهة الأطماع الإسرائيلية ومواجهة الخطط الأميركية المعدّة للمنطقة ... هذا لا مساومة عليه ولا خلاف.. ولكن المقاربة التي ننطلق منها في التيار الوطني الحر قد تختلف عن المنطلقات التي ينطلق منها حزب الله مثلاً أو الرئيس بري...
برأي التيار الوطني الحر إنّ حماية المقاومة تكون أيضاً في إصلاح الدولة وفي استئصال الفساد ولا يمكن لمقاومة أو لدولة أن تكون قوية بمقاومتها وهي مهترئة من الداخل وينخرها الفساد ويتآكلها، والقوى الطائفية والزبائنية وأخطبوط المال يسيطر على الاقتصاد..
بالنهاية أنت تريد أن تقاوم ولكن عليك أن تحافظ على جبهتك الداخلية أو كما يقول الإسرائيليّون المناعة الاجتماعية... الإسرائيليون في كلّ سنة في مؤتمر "هرتزيليا" يصدرون دراسات تقيس مستوى المناعة الاجتماعية... لكي يواجهوا الخارج يجب أن تكون مناعتهم الاجتماعية أو جبهتهم الداخلية قوية... وهذا لكي يستطيعوا أن يواجهوا ما يعتبرونه العدو الذي هو بطبيعة الحال المقاومة في لبنان والعالم العربي..
نحن.. لا نستطيع أن نقول إنّ هناك هيكلاً اسمه المقاومة وأعمدته منهارة...
الفساد يأكل الإدارة اللّبنانية... الأخطبوط المالي يأكل الاقتصاد اللبناني.. الضرائب تأكل المكلّف اللّبناني الفقير... بينما الغني غير مكلف بضرائب...
مثلاً، الموضوع الذي طرحه الوزير شربل نحاس حول عدم دفع من يبيع العقارات للضرائب... بينما الذي العمل في الفرن مثلاً يدفع ضريبة وهو يأخذ ثمن المنقوشة 1000 ليرة بينما صاحب العقارات يربح مليون دولار من البناية التي يقوم ببنائها ولكنه لا يدفع ضريبة....
جاء رفيق الحريري في أوائل التسعينيّات وأراد أن يعمل جنّة ضريبية وفتح تملُّك الأجانب... وهنا لم يعد الشاب اللّبناني قادراً على شراء شقة... وبالتالي كان عليه أن يرحل وهنا بدأت هجرة الأدمغة والكفاءات..
الجنّة الضريبية ألغت الطبقة الوسطى فأصبح هناك فقراء مُعدَمين وأغنياء مُترَفين..
بلد بدون طبقة وسطى لا يستطيع أن يكون... وهكذا دواليك...
أما ملف الكهرباء الكهرباء... الجميع يعرف وضع الكهرباء... وهذا وضع لا يتحمّله الوزير باسيل... مشكلة الكهرباء لم تحصل فقط الآن.. هي مشكلة موجودة منذ زمن طويل فوضع الكهرباء مهترىء من أساسه..
حتى بيت الأشرفية (الذي انهار)... هل الصاعقة أتت وأنزلته؟ لو لم تكن الأساسات مهترئة...
بناية الأشرفية التي سقطت هي نموذج الدولة اللبنانية... الأساسات تسقط وهناك مَنْ يصيح انتبهوا الأساسات تسقط.. ولكن لأنّها بعيدة عن رأسي لا بأس.. وفي النهاية تقع البناية!
الدولة اللّبنانية مؤهّلة للسّقوط... وإذا استمررنا على هذه الحالة بأنّ الصراع مع إسرائيل هو الأولوية.. وهذا صحيح... الصراع مع إسرائيل أولوية ولكن المناعة الاجتماعيّة أولوية أيضاً.. وأنت لا تستطيع أن تفصل المناعة الاجتماعية عن امتلاكك للقوة العسكرية والصواريخ..
 
ليلى الرحباني تحاور الزميل محمد طراف
10- تواصل أون لاين: واضح تماماً أن العماد عون يقف مع حزب الله في هذا الموقف الاستراتيجي... وحزب الله يقف مع ميشال عون وهو قد أعطاه وزراء... بدل الاثنين خذ ثلاثة..
ولكن بالمقابل ليس هناك ملف واحد لحدّ اليوم يظهر أنّ حزب الله يجاري فيه  بطريقة واضحة منطق التيار الوطني الحرّ..
ليلى الرحباني: من ناحية مبدئية.. وأنا صريحة... نحن نجزم أنّ حزب الله مقتنع بالموضوع ومقتنع بأنّ علينا أن نسعى لإصلاح الدولة ولاجتثاث الفساد وبل أعتقد أنّه يؤمن بأنّه إذا استمرّ الحال على ما هو عليه فإنّ المقاومة لن تكون قوية بما فيه الكفاية... بالنهاية هذا شعبه... ولكن هناك قضايا استراتيجية في المنطقة... قد نتفهّم وضع حزب الله في هذا الصراع الذي يحصل في المنطقة وبطبيعة الحال ما يحصل في المنطقة الآن هو من أخطر المراحل التي حصلت في هذه المنطقة منذ (سايكس ـ بيكو) إلى الآن... المنطقة قادمة إما إلى التقسيم وإما إلى نوع من الاستعمار الجديد وهناك كما يبرز من الحراك العربي ونتائجه سيكون هناك تدخّل أجنبي للّعب على وتر السّني الشيعي... الفتنة السّنية الشيعية... توازن سنّي شيعي في المنطقة هو توازن رعب... إيران تسيطر على جزء من العراق أو على الحكومة العراقية أو لها نفوذ على العراق... وحليفة لسوريا ولحزب الله في لبنان، هذا يقابله صعود التيارات الإسلامية في المنطقة والإسلام السنّي السياسي... فهناك سيحصل توازن رعب في المنطق ويهدّد إذا لم نتدارك وإذا لم نفهم الخلفية التي يأتي بها الغرب ليزرع أو ليحقن هذا الخلاف السني الشيعي أو الفتنة السنية الشيعية ويلعب على وتر الخلاف السني الشيعي... نكون ندفن رأسها في الرمال أو ننأى بأنفسنا عن قراءة المعطيات الجديدة..
إذا أردنا أن ننظر إلى الخليج.. الفيلم الأميركي الذي قيل بأنّ الإيرانيّين يريدون أن يغتالوا السفير السّعودي في الولايات المتحدة الأميركية.. نفس المعطيات حول الملف النووي الإيراني... ونفس الموجودات بُني عليها تقرير جديد باستنتاجات جديدة بناءً لتقرير الاستخبارات الأميركية وظهر تقرير الطّاقة الذرية وهو تقرير يشبه تقارير السي آي إيه وكل هذا التعظيم وكل هذا الحديث عن تدخّل إيراني في شؤون البحرين والسعودية وكلّ هذا التضخيم للخطر الإيراني.. وحتى الدّعوة في مجلس التعاون الخليجي لإقامة كيان موحّد.. بين مجلس للتعاون الخليجي الذي أُعلن عنه في قمّة مجلسي التعاون الخليجي له فقط هدف بموازاة الخطر الإيراني أو التهديد الإيراني...
فعلى مستوى المنطقة ككلّ.. الحرب غير واردة لأنَّ كلفة الحرب لا أحد يستطيع أن يتحمّلها وأيّ حرب سوف تنشأ بين دولتين في المنطقة سوف تتحول إلى حرب عالمية ولذلك الحرب غير واردة ولكن قد نلجأ إلى فتن متنقلة وأزمات متنقلة داخل البلد بذاته.. بين علويّين وسنّة بين سنّة وشيعة وبين المسيحيّين والمسلمين...
إذا عدنا إلى استراتيجية حلف الأطلسي التي أُعلنت سنة 2010... والأطلسي يُعلن كلّ عشر سنوات استراتيجية لعشر سنوات مقبلة..من يقرأ وثيقة الأطلسي 2010 سيلاحظ أننا كنّا قادمين على هذه المرحلة.. وثيقة الأطلسي تلخَّص تحت عنوان: (إدارة الأزمات)... والآن على الأطلسي وعلى الأميركيّين وعلى الجميع أن يديروا الأزمات بأن يقاتلوا بالآخرين...الأميركيون مستعدّون بأن يقاتلوا إلى آخر سوري و آخر لبناني... ليس لديهم مشكلة.. طالما هم قد سحبوا جنودهم... الجنود عادوا إلى الداخل وأصبحوا بمنأى... وليقاتل العراقيون بعضهم حتى يفنوا عن آخرهم..
إذا أخذت هذه الصورة.. أنا ربّما أتفهّم منطلقات حزب الله الذي يعتبر ربما أن الموضوع الداخلي يمكن أن يتأجل حتى يرى ماذا سيحصل من خلال هذا الحراك... خاصّة وأنّ المقاومة مستهدفة من قبل الـ 2006 وبعد الـ 2006...
هنا يختلف التيار وحزب الله.. بالمنطلقات... ولكن الأهداف البعيدة المدى لا أعتقد بأن هناك خلاف..
لذلك أعتقد بأنه علينا أن نتحمل بعضنا قليلاً... فنحن في مرحلة مطوّقون كتيار وطني حر.. فهو مطوّق بشكل كامل كما كانت المقاومة مطوّقة.. وهناك كلّ القوى تتكالب على المقاومة لقطع رأسها... الآن يعيش التيار الوطني الحر وأيضاً تكتل التغيير والإصلاح لكي لا نظلم حلفاءنا في التكتّل.. في هذه اللّحظة واستغلالاً مع مرحلة تاريخيّة لا يستطيع حلفاؤنا أن يقفوا معنا للنهاية... تتكالب كلّ القوى الطائفيّة وكلّ مصالح الأخطبوط المالي الذي يعيث فساداً في هذه الدولة... يتكالبون لكي يجتثّوا مبدأ التيار الوطني بفكرة الإصلاحي.. كما أرادوا أن يقطعوا رأس المقاومة لكي يُنهوا موضوع المقاومة، والصراع مع إسرائيل يحلّ بالسلام والمفاوضات وتُحَلّ المسألة عبر حماية المجتمع الدولي والقرارات الدولية... الآن نفس الأمر يحصل... فهم يريدون رأس تكتّل التغيير والإصلاح لكي يقولوا لا فساد في لبنان ولا داعي للإصلاح وبأنّ الدولة ماشية والبلد ماشي والشغل ماشي..
هذه نفس السياسة...
إذا استطاعوا.. ولن يستطيعوا وأنا أؤكد ذلك.. إذا استطاعوا أن يقضوا على ظاهرة التيار الوطني الحرّ وظاهرة تكتّل التغيير والإصلاح... بمفهوم السعي نحو الدولة.. دولة المواطن ودولة الإنسان فسنحتاج إلى 25 أو 30 سنة ليظهر أحد جديد ويقول بهذه المبادئ...

10- تواصل أون لاين: دعينا نقيّم الثورات... عربياً... هل هناك حِراك شعبي حقيقي وواقعي.. هل هناك شعب آمن بالتغيير ويريد التغيير فعلاً أم لا .. هناك خريطة للمنطقة تُرسم أميركياً لتغيير المنطقة... من أين أتى التغيير هل هو من خلال هذا الحِراك العربي الشعبي؟ أم بفعل قوى خارجية
ليلى الرحباني: كلّ بلد له خصوصيته وله واقعه والذي يأخذ نموذج واحد ويعمّمه على الكل...

·       تواصل أون لاين: ولكن التوقيت واحد... مفاجئ...
ليلى الرحباني: لا ليس مفاجئاً..
·       تواصل أون لاين: التجزئة أيضاً مشكلة في التحليل السياسي...
ليلى الرحباني: أنا لا أجزّئ ولكن أنا أقول بأننا لا نستطيع أن نأخذ نموذجاً ونعمّمه، ولكن إذا كنتَ تتحدّث عن التوقيت وأنّ الثورات حصلت مثل العدوى... فهذا ليس مفاجئاً...
هناك دائماً في العلاقات الدوليّة نوع من العدوى.. الدول تقلّد بعضها أو الظروف تكون مهيّأة فتتكرّر النماذج إضافةً إلى أنّ التدخّل الدولي يؤثّر أيضاً بالموضوع..
الثورات العربية... الجماهير التي نزلت إلى الميادين كانت تريد الإصلاح والتغيير وحتى الذين نزلوا في بداية الحِراك السوري الذي حصل... جزء كبير منهم كان يريد الكرامة وإصلاح الدولة... يريد دولة على أُسس حديثة ودولة مواطنية لا يوجد فيها فساد وزبائنية.. ولكن المجرى الذي اتّخذته هذه الثورات هو الخطر... في ليبيا كان هناك تدخّل أطلسي ولم يكن هناك حِراك شعبي... بمصر اختُطفتْ خطفاً.. ولكن المتابع للأحداث يعرف أنّه  في مصر لم يكن مفاجئاً هذا الاختطاف لأنّه في الفترة التي كان الثوار في ميدان التحرير.. كان الإعلام الغربي والأميركي بشكل خاص يضخّم حركة (الإخوان المسلمين) بالرغم من أنّ (الإخوان المسلمين) تأخّروا في أن يلتحقوا بالثورة ولكن كان يضخّم حجم حركة الإخوان المسلمين وكأنّه يستشرف بأنّ المستقبل سيكون للإخوان المسلمين أو من سيحكم مصر بعد مبارك وهم الإخوان المسلمين..
وهنا تحضرني مقابلة كنت قد قرأتها في "الفارم بولسي" لمسؤول في الإخوان المسلمين في مصر... حيث ذهبت إليه الصحافية وسألته عن موقفهم من إسرائيل وكانت المقابلة في 30 ك2 2011 وقد تحدّث عن حقّ إسرائيل في الوجود وبأنّهم يعترفون بحقّ اليهود بوجود دولة لهم في إسرائيل على شرط أن يكون للفلسطينيّين دولة... كان هناك نوع من التمهيد للعقل الأوروبي والعقل الأميركي بأنّ هناك دوراً للإخوان المسلمين وتدريجياً كانت في الغرب الحرب على الإرهاب.. وكان هناك ما يُسمّى :"الإسلاموفوبيا" أو المسلمين الإرهابيين.. في إعادة صياغة المنطقة بشكل جديد.. كانوا بحاجة إلى أن يخفّفوا من "الإسلاموفوبيا".... لذلك جاء أوباما بوقت تاريخي إلى القاهرة وتحدّث عن إسلام معتدل... ثم فيما بعد بدأ هذا الحراك مع الحراك الشعبي يتحدّثون عن إسلام مودرن وإسلام يؤمن بالديمقراطية وإسلام غير متخلّف... ثم كانوا بحاجة إلى أن يقتلوا بن لادن ليقولوا للناس بأنّ الإسلام الإرهابي قد قُتل وانتهى وجاءت الصّورة السّمحة للإسلام التي يتحدّث عنها أوباما... فهناك إسلامان.. هناك الإسلام الإرهابي الذي انتهى مع بن لادن ونحن نكافحه، وهناك الإسلام المعتدل والذي نتحالف معه والذي سوف يأتي راكباً الحراك الشعبي والثورات الشعبية وبناء على انتخابات ديمقراطية.. سيتحدّثون عن ديمقراطية..
إذا أردنا أن نتحدّث بالعموم.. فأنا أقول إنّ هذه هي الموجة الأولى... وهذا تقدير شخصي منّي... هذه أول موجة للعالم العربي بالتحرّك... سوف تأتي بالإسلام السياسي إلى الحكم.. مع الوعود الشعبية بمزيد من الديمقراطية وبحرّيات سياسية وبإصلاح وبعدالة اجتماعية واقتصادية... وبعد فترة سوف يفشل الإسلاميون.. الإسلاميون الذين ركبوا الموجة سوف يفشلون وعلى العرب أو على الشعوب العربية أن تنتظر الإحباط الثاني والموجة الثانية لتحقّق الآمال بالديمقراطية والحرية... أما الآن فلن يحصل لا حرية ولا ديمقراطية ولا حقوق إنسان ولا عدالة إنسانية أولا اقتصادية على عهد هذه الحركات الإسلامي التي وصلت إلى السلطة..

11-        تواصل أون لاين: هل الهدف الرئيسي للولايات المتحدة الأميركية هو ضرب إيران؟؟
ليلى الرحباني: ليس ضرب إيران وإنما احتواء إيران...

12-        تواصل أون لاين: ما نراه اليوم هو تركيز على إيران... يريدون أن يجعلوا المنطقة هادئة.. بمجيء إسلام سياسي.. وبهذه الطريقة.. يبدأ هذا الإسلام السياسي بإنعاش المجتمعات.. المشكلة هنا... إن أميركا إذا أرادت أن تضرب إيران فإنّ المجتمعات العربية سوف تقف مع إيران ضدّ أميركا.. اليوم هذا الذي يحصل وكأنه مؤشّر بأن ضرْب إيران اليوم مؤيّد حتى شعبياً.. التحليل أن وراء كلّ هذه الثورات فعلاً هو الولايات المتحدة وليس هناك حراك شعبي حقيقي... المحرك الأساسي واضح تماماً ويسيّر هذه المنطقة كما يريد... فمن أين نأتي بكلمة الثورات العربية والثورات الشعبية في المنطقة؟
ليلى الرحباني: أنا تحدثت عن حراك...

13-        تواصل أون لاين: هذا الحراك مسيّر.. ولا يوجد حراك غير مسيّر..
ليلى الرحباني: بالطبع مُسيّر...!

14-        تواصل أون لاين: إذاً.. هناك خريف عربي وليس ربيعاً عربياً..
ليلى الرحباني: لم يحصل ربيع عربي.. أنا قلت إنّ العرب الآن والذين نزلوا إلى الميدان وحلموا بأحلام الديمقراطية وبالربيع وبالزهور  لم يحصل في هذه الموجة وربّما لم يحصل في عهدنا نحن...
على الدول العربية أن تنتظر  الموجة الجديدة أي بعد الإحباط الذي سيحصل من هذه القيادات التي وصلت الآن.. لأنه سيحصل إحباط كما حصل  في الستينيّات والخمسينيّات... حيث ركب القوميّون الموجة وأطاحوا بالمَلكيات وأتوا بأحلام جديدة للعالم العربي.. وأحلام الديمقراطية وأحلام الاشتراكية والكفاية وهذه الأحلام.. فشلت...
ما الذي جعل الإسلام السياسي ترتفع أسهمه إلى هذه الدرجة؟؟ نتيجة فشل المشاريع الأخرى! سواء كانت الاشتراكيّة أو الناصرية أو القومية وكل هذه الحركات.. التي أتت بوعود كبيرة.. كلها فشلت... فبدأ الإسلام السياسي أو حركات الإسلام السياسي تقوى في المجتمعات بسبب فشل وخيبة أمل المجتمعات من التجارب السّابقة.. الآن.. سوف يفشل الإسلاميون في الحكم وسوف ينتظر العرب للديمقراطية إلى أن يثور الشعب (وليس على دورنا) ويؤمن بأنّ عليه أن يطيح بهذه القيادات كما أطاح من كان قبلها حتى يستطيع أن يحقق عندها النهضة العربية الموعودة..
15- تواصل أون لاين: لو أخذنا النموذج التونسي والنموذج المصري... تحدثت بأنّهم سوف يقومون بإطاحة هذه القيادات من جديد.. وقد بدأ يحصل هذا الآن..
ليلى الرحباني: لن يُسمح لهم بالإطاحة بالقيادات الآن بل على العكس سوف يُفرض هذا الحكم..
تحدّثتُ عن شرعية أو عن أنّ الشعب هو الآن سوف يقوم ضدّ إيران.. هناك أمر أهمّ بالنسبة للشرعيّة.. أيّ الحكم الآن وخاصةً في مصر والكلّ يعرف مصر وأهمّيتها الاستراتيجية.. الحكم الذي ينبثق من الثورة ويعترف بإسرائيل وباتفاقية كامب دايفيد أعطى إسرائيل شرعية إضافية.. كنّا في السابق نقول إنّ الأنظمة أقامت تحالف مع إسرائيل أو معاهدات سلام مع إسرائيل ولكنها لا تمثل شعوبها... فهل من يتجرّأ الآن ويقول بأنّ هذا الحكم الذي سوف يأتي الآن ويُقيم علاقات جيدة مع إسرائيل والتطبيع مع إسرائيل لا يمثّل الشّعب؟ وهنا اكتسبت إسرائيل شرعيّة إضافيّة بأنّ الشّعوب العربيّة أفرزت قياداتها وهذه القيادات التي تمثّل هذه الشّعوب تريد السّلام مع إسرائيل.. وهنا تكمن الخطورة... نحن نشهد منذ حرب لبنان ومنذ حرب غزّة بالتحديد وظهور التقارير الدوليّة التي تتحدّث عن إسرائيل وانتهاكها للقانون الدولي وبروز الكثير من الأصوات في أوروبا وفي أميركا خاصّة "دايفيد بترايس" وغير بترايس الذين تحدّثوا عن أن السياسات الإسرائيليّة تمسّ بالمصالح.. وهناك بالرأي العام العالمي من بعد التقارير الدوليّة التي أدانت إسرائيل بجرائم ضدّ الإنسانيّة.. هناك توجّه وتوجّه حقيقي.. وهناك خوف إسرائيلي من نزع الشرعيّة عن إسرائيل أو تآكل شرعيّة إسرائيل على الصعيد العالمي.. الآن بعد الحِراك العربي وبعد وصول الإسلاميّين إلى الحكم ومنحهم شرعيّة إعادة إحياء كامب دايفيد وغيرها سوف تعود إسرائيل لتكتسب شرعيّة وسوف تتخلّص مِنْ ما كانت تتحدّث عنه وهو خطر وجودي بتآكل شرعيّتها.. أعتقد أن إسرائيل سوف تلتفّ على تآكل الشرعيّة في العالم وسوف تقول انظروا هؤلاء إسلاميون وهم يمثلون شعوبهم وأتوا بناء على تطورات وعلى ربيع وعلى ثورات وحراك شعبي وهم يعترفون بي ويمنحونني الشرعية... وبالتالي أنا لست مثل ما تقولون: كيان مغتصب وأنتهك القانون الدولي بل أنا دولة محبّة للسّلام وأريد أن أتعاون مع جيراني... هنا الخطورة..
16- تواصل أون لاين: هل سوريا تسير ليبيّاً ومصريّاً ويمَنيّاً.. أم لا؟ بمعنى أنّ الوضع في سوريا مشابه أم لا في ظلّ التحالفات السورية؟ هل تَرَين أنّ النظام السّوري آيل إلى مصير أقرانه في الدول العربية أم لا... وبأنّ وضعه أفضل وما هو دليلك على ذلك؟
ليلى الرحباني: أنا أريد أن أفصل الموضوع السوري... وأن أُجزّئه إلى جزأين: الجزء السياسي وهو النظام والحفاظ على النظام والجزء الأمني..
أنا أقول بأنّه في الموضوع السياسي أعتقد بأنّ النظام سوف يستمرّ في سوريا وسوف يبقى.. وسوف تحصل تسوية وسوف يبقى هذا النظام مع بعض التعديلات بأن يُدخلوا بعض المعارضة إلى الحكم ويغيّروا الدّستور ويقيموا الإصلاحات التي وعد بها الرئيس بشار الأسد.. من الناحية السياسية أنا أعتقد بأنّ الملف السوري تقريباً منتهٍ سياسياً..
ولكن أنا أريد أن أفصّل في الموضوع الأمني... فالموضوع الأمني لن ينتهي بسرعة في سوريا.. كلّ هذه القاعدة وكلّ هذا السلاح وكل هذه الأموال التي صُرفت وكل هذا الضّخ الإعلامي والتحريض المذهبي لن ينتهي بسرعة في سوريا وسوف يبقى الملف الأمني قائماً.. أنا أتصوّر بأنّه سوف يمتدّ سنة أو سنتين على الأقل.. وسوف يبقى هناك عدم استقرار أمني في سوريا ولكن من الناحية السياسية أنا مطمئنّة على بقاء النظام السوري..
17- تواصل أون لاين: الكثير من الأنظمة العربية كانت مطمئنّة على استمرارها ولكنّها سقطت..
 ليلى الرحباني: أنا لم أكن مطمئنّة لأيّ نظام من الأنظمة... إذا كنا نريد أن نأخذ النموذج اللّيبي فهذا النموذج غير صالح أبداً في سوريا لأن الناتو كما أعلن دائماً لا يستطيع ولن يأتي للتدخّل في سوريا عسكرياً.. بالنسبة للأوراق التي تملكها سوريا... فهي تملك الكثير من الأوراق الاستراتيجيّة ولها الكثير من النفوذ الإقليميّ في المنطقة والوضع في سوريا بالوضع في المنطقة بشكل كامل..
ما يحصل في سوريا يؤثّر بطبيعة الحال على الأردن وإسرائيل وفلسطين المحتلّة وعلى لبنان وعلى تركيا وعلى العراق أيضاً..
ثم عندما يدافع الروس أو عندما يكون الموقف الروسي مدافعاً عن سوريا وثابتاً بهذا الشكل فإنّما الرّوس يدافعون عن أنفسهم وعن مصلحتهم..
18- تواصل أون لاين: آخر موقع قدم لهم في الشرق الأوسط؟
ليلى الرحباني: ليس فقط آخر موقع قدم لهم في الشرق الأوسط.. إذا سقط النظام السوري فسوف تعود الولايات المتّحدة إلى الأحادية.. الآن المعركة العالميّة الفاصلة بين إعادة هيمنة القطب الأميركي الواحد على السّاحة الدوليّة أو إعادة تشكّل نظام عالمي جديد بناء على عدّة أقطاب أو قوى استراتيجية.. هذه هي المعركة الفاصلة في سوريا... المعركة في سوريا هي معركة عالميّة تحصل في سوريا وبأيدٍ سورية ولكنّها ليس أيادٍ سورية صائبة..

19- تواصل أون لاين:  برأيكِ هل التحالف الروسي الصيني الإيراني لدعم سوريا قادر على الوقوف بوجه الهجمة الأوروبيّة الأميركيّة..؟ دائماً هناك تصريحات روسيّة أو إيرانية فيها نوع من الالتباس...
  ليلى الرحباني:  أولاً: التحالف ثابت.
 ثم إنّ أي تصريح قد يضخَّم وأحياناً وقد تُجتزَأ الأحاديث ولكن في كلّ الأحوال... عندما تدافع إيران فهي تدافع عن نفسها أيضاً وعن نفوذها ليس فقط في سوريا ولكن أيضاً في المنطقة ككل... وإذا كان النظام السوري يتعرّض لما يتعرّض له من هجمة فهو أيضاً بسبب تحالفه من إيران.. فمن مصلحة الاثنين أن يكونا بتحالفٍ ثابت وهو تحالف ثابت.. وأيضاً الرّوس بموقف ثابت من القضيّة السوريّة ولكن الدّعم الخارجي لا يكفي للحفاظ على نظام معين... لقد استطاع النظام السوري أن يحافظ على نسبة جيدة جداً من التأييد الداخلي الشّعبي لأنّ جزءاً كبيراً من الشّعب معه وأيضاً تماسك الجيش السوري.. ونحن نلاحظ مثلاً في ليبيا أنّ معظم الدبلوماسيّين اللّيبيّين والوزراء قد أعلنوا انقلابهم عن معمر القذافي كما أنّ الجيش اللّيبي قد انشقّت صفوفه... أما الجيش السوري فلا تلاحظ انشقاقات واضحة فيه حتى الآن رغم مرور السّنة تقريباً على بدء الحراك في سوريا.. وقد واجه الأميركيّون نفس المشكلة مع العراقيين... فالجيش العراقي كان له عقيدة أيضاً..وقد حاولوا أن يقوموا بإغراء بعض الضبّاط للانقلاب على صدام حسين ولكنّهم لم ينجحوا... ولذلك حلّوا الجيش العراقي وكانت الكارثة ولن تتكرّر تجربة العراق في سوريا.لا مصلحة لأحد أن يكرّرها.. كلّ التجارب وكلّ الأزمة الاقتصاديّة العالميّة وكلّ هذا الحِراك العالمي والإقليمي له ساحة هي السّاحة السورية.. حرب عالمية إقليميّة تحصل الآن في سوريا وبأدوات سورية وبالنتيجة إمّا ينبثق عن هذا الحراك في سوريا أو هذه المعركة في سوريا عودة الأحادية الأميركية ونظام الهيمنة الأميركية على المنطقة وإما يبرز نظام عالمي جديد.. وأنا أعتقد بأنه سيبرز نظام عالمي جديد ولن تستعيد أميركا هيمنتها على العالم من البوابة السورية وإذا كنت تريد أن تقول بأنّ هذه الهجمة الأميركية والأوروبية وحلف الأطلسي وهذه الأموال.. أنا أحيلك إلى كثير من الحروب المماثلة.. حرب 2006 حرب كونيّة كانت على (حُفنة) من المقاتلين الذين استطاعوا أن يهزموا أعتى جيش في الشرق الأوسط وهو الجيش الإسرائيلي.. وهذه منقولة حرفياً من فينوغراد...

20- تواصل أون لاين: هناك من يتحدّث عن إرباك في الحسم العسكري السوري ويرى أنّ الوقت يضيق  وحتى الشّعب السوري يطالب الرئيس والسّلطة بالحسم العسكري السريع لأنّ الأمور بدأت تتفلّت من أيديهم.. ما سرّ هذا الإرباك ولِما لا يكون هناك حسم ولا سيّما في حمص التي هي بؤرة الهجمة على النظام؟

ليلى الرحباني: أنا أعتقد أنّ النظام السوري سابقاً في أيام حافظ الأسد واستمراراً مع بشار الأسد والحرس القديم الموجود معه يتقون ممارسة سياسة حافة الهاوية ويعرفون كيف يقتنصون الفرص.. أعتقد أنّ السوريين سوف يحسمون ولكنّهم لا يريدون أن يُحرِجوا حلفاءهم الدوليّين...
...حافظ الأسد أبادهم بأوائل الثمانينيّات ولم يكن هناك إعلام وكانت سوريا دولة مغلقة ولم يكن هناك تطوّر ولم يكن الوضع الدولي كما هو الآن.. وهناك أيضاً الحرب الباردة وصراع القطبَين وكان يستطيع أن يلعب حافظ الأسد على هذا التوازن.. التوازن بالحرب الباردة. ولكن الوضع الدولي مختلف والنظام السوري يحرص كثيراً على عدم إحراج حلفائه وخصوصاً الروس والصينيّين في مجلس الأمن... لأنّ أيّ إحراج لهما سوف يؤثّر سلباً وهنا يدفع المواطنون العُزّل الثمن ويدفع الثمن الجيش السوري أو قوات حفظ النظام الذين يعتدي عليهم المسلحين...

21- تواصل أون لاين: ولكن بالمقابل يحصل صعود وإرباك وجمود بالوضع النظامي العسكري... فهناك الجيش السوري الحر والمجموعات المسلّحة..
ليلى الرحباني: الصعود الذي تتحدّث عنه هو إعلامي أكثر مما هو حقيقي وفعلي ولكن بالنهاية دعني أقول لك أمراً، بغض النظر عن حجم القوة العسكريّة التي تقاتل في سوريا ضدّ النظام.. أنت تعرف أنّ شخصاً مسلحاً معه قنبلة يستطيع أن يرهب حيّاً بأكمله.. وليس بالضرورة أن تكون هناك فرقة لإرهاب حيٍّ من الأحياء... شخص واحد يستطيع أن يرهب حياً.. لهذا قلت إنّ الموضوع الأمني سوف يستمر سنةً أو سنتين... الموضوع الأمني في الأحياء صعب... فليس من السهل أن تُحسَم في الأحياء.. إسرائيل وعظمتها وجبروتها وهي التي لا تسأل عن مواطنين ولا عن عزّل ولا عن شرعية دولية غرقت عندما دخلت في وحول وزواريب غزّة.... لا يستطيع الجيش السوري أن يدخل بدباباته إلى الأحياء ليدمّر.. وفي النهاية سوف ترتدّ عكسياً عليه لأنّ عدد الضحايا من المدنيين سيكون كبيراً...

22- تواصل أون لاين:  الحديث دائماً عن الحرب... اليوم هناك حاملة طائرات أميركية في هرمز وإيران تهدّد بإغلاق المضيق وأوروبا تقطع الصِّلة الاقتصادية بإيران... هذه مؤشّرات يقول عنها السياسي الواقعي بأنّ هناك حرباً.. وأنتِ تقولين بأنّه لا يوجد حرب في المنطقة... ولكن المعطيات تأتي خلاف تحليلك..
ليلى الرحباني: عندما تشتدّ التصريحات وتغلي... إمّا يكون تمهيداً لحرب وإما تكون الأطراف ذاهبة إلى طاولة مفاوضات... ويريد كلّ طرف في أن يزيد سعره وأن يظهر بأنّ أوراقه متماسكة لكي يفرض شروطه على الطاولة... لماذا أقول بأنه ليس هناك حرب؟ الوضع الدولي اقتصادياً لا يسمح بحرب بدايةً لأنّ أوروبا مفلسة وهم ينهارون وأيضاً أميركا تعيش حالة إفلاس وتنهار أيضاً والعرب غير مستعدّين أن يدفعوا الثمن لأنّ الحرب سوف تحصل على أرضهم.. قد يموّل العرب بالمال ولكنّهم غير مستعدين لدفع أثمان باهظة...
اليوم حذّر صندوق النقد بأنّ أيّ عقوبات إضافية على إيران سوف ترفع أسعار النفط 30% أو 40% بشكل إضافي... فأسعار النفط العالمي سوف تلتهب وتلهب معها اقتصاديّات كبيرة ولا سيّما أميركا وأوروبا..
بالنسبة لحلف الناتو... الأميركيون يشكون بأنّ الأوروبيّين فقراء عسكرياً أو بخلاء عسكرياً وفي أكثر من مرّة جاء روبيرت غايتس وقال بأنّ عليكم أن تتكفلوا وتساهموا بالمصاريف ونحن لا نستطيع بشكل دائم أن نتكفّل بكلّ المصاريف وبكلّ سياسات الناتو. وأن تدافعوا عن أنفسكم إذا ما حصل شيء في محيطكم الجغرافي..
بالنسبة للجيوش... الحرب بطبيعة الحال لا تحصل في السّماء فقط... إسرائيل قصفت لبنان وقصفت بعض الأهداف.. ماذا بعد؟ الحرب لا تنتهي إلا بنزول الجيوش البرّية إلى الأرض.. مَن يستطيع أن يقدّم فاتورة الجيوش البرية؟ مَنْ مِنَ الدول؟ أميركا رحلت من أفغانستان والعراق متقهقرة... الفرنسيون الآن سوف ينسحبون من أفغانستان لأنّهم يحصدون الكثير من القتلى.. لا أحد مستعدّ أن يُنزِل الجيوش البرّية لا داخلياً يستطيعون تسويق هذا المشروع سواء أميركا أو الدول الأوروبية... مع كلفتها الاقتصادية ومع الخسارة..
بالنسبة للنووي... أو ما يتحدثون عنه... قد تستطيع إسرائيل أن تضرب الضربة الأولى ولكن ماذا بعد؟ الضربة الأولى بطبيعة الحال لن تستطيع أن تقضي على البرنامج النووي الإيراني أو على إيران... من يقوم بالضربة الأولى هل يكفل ما هي النتائج؟ وهل يتحمل التبعات؟ تستطيع أن تسدّد ضربة لإيران ولكن ماذا بعد؟؟ الحرب في المنطقة أي حرب.. سوف تشعل المنطقة.. وليس فقط منطقتنا بل سيمتدّ لهيبها إلى أوروبا... والجوار المجاور... سوف تلتهب أوروبا والشرق الأوسط والخليج ولذلك لا أحد مستعد أن يذهب إلى الحرب... كلفة الحرب كبيرة جداً وأصعب من أن يتحمّل تكلفتها وبدئها أحد... مثل هتلر...

23- تواصل أون لاين: بالنسبة لوضع العراق وخاصة بعد الانسحاب الأميركي... ماذا سيكون دوره؟ هل سيستعيد دوره المحوريّ في المنطقة أم أنّه سوف ينشغل بالصراعات الداخلية؟ هل سيكون هناك تقسيم وفدرلة كما حصل في كردستان؟
 ليلى الرحباني: في البداية أريد أن أشدد بأنه الانسحاب لم يحصل بشكل تام... ولم يحصل العراق على سيادته بشكل ٍكامل..
لقد قرأنا الكثير من التقارير عن عقود النفط وعن الشّركات التي تسيطر على النفط... كلها شركات أميركية... هناك 16 ألف جندي ما زالوا تحت مسمّيات عدّة، منهم بصفة مراقبين ومنهم بصفة مدرّبين للجيش العراقي... ومنهم بصفة الشركات الأمنية الخاصّة وأيضاً هناك تصريح للعراقيين يقول بأنّ السيادة الجوية والبحرية ما زالت للأميركيين لغاية 2020 فإذا أردنا أن نتحدّث عن سيادة عراقية كاملة فليس هناك سيادة كاملة ولكنّه أعطي بعض الحرية ولكن أنا ليس من باب صنع المؤامرة أو وهم المؤامرة بل أعتقد بأنّ كل ما حصل كان مدروساً... الإشكالات التي برزت فجأة في العراق... الإشكال السياسي والتفجيرات التي تحصل مباشرة بعد انسحاب الأميركيين من العراق ليست من باب الصدفة... وأنت تعرف أن العراق دولة مركزية ومحورية في منطقة الشرق الأوسط ولكن من بعد 2003 خفّ وهجه... ويخشى المحيطون بالدولة العراقية من جيش عراقي قويّ لأنّه سيهدّد جيرانه..
الأتراك لهم مصلحة بأن تبقى الدولة العراقيّة مفتتة ومهدّدة وأن لا يقوى العراق بشكل كامل لكي تستطيع التدخّل بشؤونه ولكي تفرض شروطها ولكي تسيطر على الأكراد إذا ما تحرّكوا..
السعوديّة ليس من مصلحتها أن يقوى العراق... وكما تشير التقارير بأنّ هناك دور فعلي وبارز في الأزمة السياسيّة المستجدّة للسعودية، وخاصة أن السعوديّين أرادوا بتخفيف الدور العراقي بعدما طرح العراق بأنّه سوف يقوم بوساطة بالموضوع السوري... خشي المحيطون بالعراق ومنها السعودية وقطر أن يعود دور العراق ويتخلّى الأميركيون عنهما لصالح دور مستجد في العراق وخاصة أنّ العراق يستطيع أن يكون صلة وصل ما بين إيران وما بين الغرب...
أعتقد بأنّ القوى الإقليمية لن تسمح للعراق في الفترة الراهنة والقريبة بأن يستعيد دوره كدولة فاعلة في منطقة الشرق الأوسط وللأسف إنّ الصراع يأخذ طابعاً مذهبيّاً..
المنطقة قادمة على مزيد من الصراعات التي تأخذ طابعاً دينياً وطائفياً وأنا هنا بدوري أريد أن أشير إلى موضوع بما أننا شارفنا على الانتهاء... وهو أنني أخشى بشكلٍ فعليّ وحقيقيّ أن يكون مصير الأقلّيات...وخاصة الأقليات المسيحية كما مصير المسيحيّين في العراق.. هناك خطة منهجية ومبرمجة لتهجير المسيحيين من الشرق... هي ليست وهم وليست من باب نظرية المؤامرة..

24- تواصل أون لاين: مَنْ هو صاحب هذا المشروع... ومَنْ هو المستفيد... معظم المسيحيين في الشرق هم حلفاء لأميركا وفرنسا تاريخياً على الأقلّ؟ أوروبا بدون شكّ تتعاطف مع المسيحي أكثر مما تتعاطف مع المسلم..

ليلى الرحباني: مَن هم معظم المسيحيين في الشرق حلفاء أميركا؟ هذا خطأ شائع..
بداية عندما بدأ الأميركيون يبسطون نفوذهم وهيمنتهم في الشّرق لم يتحالفوا مع المسيحيّين... تاريخياً أوروبا هي من تحالفت مع المسيحيّين.. ولكن الأميركيون تحالفوا مع السنّة... مع السعوديّين ومع رفيق الحريري... وإذا أردنا أن ننظر إلى السياسة الأميركية في الشرق الأوسط فهم يحمّلون المسيحيّين ولا سيما التيار الوطني الحر مسؤولية فشل مشروع الشّرق الأوسط الجديد.. وقد سمعنا هذا في كثير من التقارير والكثير من التصريحات الصحفية... هم يحمّلوننا نحن اللبنانيين المسيحيين ولا سيّما التيار الوطني الحرّ والعماد ميشال عون مسؤولية كبرى في هزيمتهم في مشروع الشرق الأوسط الجديد وفي منع عزل المقاومة الإسلامية أو حزب الله..
هذا بدايةً إذا أردنا أن نتكلّم عن علاقة الأميركيّين بالمسيحيّين وحتى إذا أردنا العودة إلى التاريخ السابق سنة 1990، فالخلاف الذي حصل بين المسيحيّين كان سببه الأميركيين.. فقد تكلّم "مورفي" بموضوع لماذا لا يشن سمير جعجع هجوماً على ميشال عون ولماذا يتأخر؟.. وحصل ما حصل وتحالف السوريون مع الأميركيّين مع القوات اللّبنانية وقضوا على ظاهرة ميشال عون في عام 1990.. هذا إن أردنا أن نتحدّث تاريخياً.. وحديثاً لم يكن الأميركيون يوماً من الأيام مع المسيحيين..
أما إذا أردنا الحديث عن أوروبا وأنا هنا لن أتحدّث تحليلاً... بل سأتحدث عن معلومات...  أنا شاركت في مؤتمر حصل في ستوكهولم في شهر تموز وهذا المؤتمر كان عن العلاقات العربية الأوربية بعد الربيع العربي... وكان هناك مجموعة من الخبراء.. وكان هناك حديث جدّي وحقيقي عن الأقليات... كلّ محور كان يحوَّل إلى الحديث عن الأقليات.. في مصر وفي إيران حتى... وأنا لمست ذلك لأنّني قرأت تصريحات رسمية وسياسية رسمية معتمدة أوروبياً بتسهيل حركة مرور الأقليات إلى أوروبا وكانت هذه التصريحات تقول بأنّ من يريد من الأقليات الإيرانية أو العربية... بالتحديد الأرمن والمسيحيون، المجيء إلى أوروبا سوف يُسهّل لهم عمليات منح الإقامة وسُبل العيش...ما أريد أن أقوله وما لمسته من خلال دراسة الموضوع... بداية هناك في أوروبا.. وهي قارة عجوز كما هو معروف ويريدون الشباب من الشّرق... وكانوا يأتون بالشباب المسلم ولكن هذا الشباب المسلم لا ينخرط.. ثقافته ولباسه يختلف عن اللّباس الأوروبي وحصل خلال العشر سنوات الماضية ارتفاع في أسهم اليمين الأوروبي المتطرّف.. مثلاً في السويد على سبيل المثال آخر برلمان ولأوّل مرة في تاريخ السويد يصل 23% من النواب من اليمين المتطرّف الذي يكره الغرباء... هناك أيضاً ظاهرة "الإسلاموفوبيا"... فهم يريدون العمالة والعنصر الشاب ولكنهم لا يريدونه مسلماً...
هم يتحدّثون أو يبنون تصوّراتهم على نوع من "الترانسفير"... لماذا لا يأتي المسيحيّ من الشّرق ويذهب المسلم إلى الشّرق... المسيحيّ ينخرط... وهو يشبه الأوروبي في ثقافته ولباسه... وبالتالي لا يعود هناك مشكلة ثقافات ولا يعود هناك هذا الخوف من الإسلام أو من "الإسلاموفوبيا"... وليبقى الشرق للمسلمين وتبقى أوروبا للمسيحيّين وهكذا... بنوع من الأنواع... ترتاح أوروبا...
ثم هناك التدخّل الفاتيكاني لحماية المسيحيين... وهكذا يحدّون من سياسية التدخل وليتدبر المسلمون أمورهم... وبالتالي تصبح المنطقة من المسلمين الصرف... المسلمون من السنّة والشيعة وبالتالي الحديد على الحديد ولا يبقى هناك مناطق فاصلة بين السنة والشيعة...
حاورها:
عباس النابلسي
محمد طراف