2012/02/20

النبي محمد وحقوق المرأة

محاضرة قدمت في ندوة الهيئات النسائية في حزب الله، بعنوان "النبي محمد: الرحمة المهداة" في 20 شباط 2012
يردّ البعض، بطريقة خاطئة ومجحفة، ظلم المرأة التاريخي الى الاسلام، وحمّلوا النبي محمد – صاحب الدعوة الاسلامية- المسؤولية عن ذلك. فهل صحيح أن النبي يتحمل هذه المسؤولية؟ وهل فعلاً الدين الاسلامي يهمّش المرأة ويجعلها في مستوى أدنى من الرجل؟ أم ان الأمر لا يعدو كونه صورة نمطية مشوهة عن المرأة المسلمة، تراكمت عبر الأجيال؟. وان كانت كذلك، مَن يتحمل المسؤولية عن هذه الصورة المنمطة؟
لكي نعرف ماذا أتى الاسلام للمرأة، وهل رفعها أم حطّ من قدرها، علينا أن نقيس وضعها قبله. فالمقارنة لا تصلح بالمطلق، بل يجب أن تحصل بين أمرين: ما قبل وما بعد. عندها فقط يمكن أن نجيب عما قدمه الاسلام لهذه المرأة بالفعل.

أولاً: وضع المرأة قبل الاسلام

لا يظهر من الدراسات المختلفة، عن عرب ما قبل الاسلام، أنهم اعترفوا بمكانة المرأة، أو حافظوا على كرامتها الانسانية، أو أنها أعطيت حقوقًا طبيعية أو حريات كما أعطي الرجل. كان العدل والحق والامتيازات في زمن الجاهلية لصاحب القوة، ولما كان الرجل بتركيبة جسمه الطبيعية أقوى من المرأة، وهو الأقدر على العيش في بيئة صحراوية قاسية وعادات اجتماعية مبنية على العنف والحروب، فقد منح لنفسه جميع الحقوق ورفع نفسه عنها في الأحكام وحرمها ميراثها وقايضها بديونه، ومتّع نفسه بها.
هذا ناهيك عن الرق ونظام الجواري الذي كان يستعبد المرأة استعبادًا كاملاً، وكان يمحو لها لكرامتها وانسانيتها بشكل تام، الذي استمر نظامًا اجتماعيًا معتمدًا الى أن أتى الاسلام فحرّم الرق والاستعباد بشكل تام.

بالمبدأ، كان الرجل  يملك كل شيء في العائلة والمنزل، فهو الذي يقرر مصير بناته وزوجاته (علمًا أن الرجل كان يحصل على عدد غير محدود من النساء والجواري لخدمته وللمتعة الجنسية).
نبدأ بالطفلة الصغيرة، مَن منا لم يسمع بعادة وأد البنات التي انتشرت لدى بعض القبائل في الجاهلية، والتي استمرت حتى عالج الإسلام أمرها بتحريمها في آيات واضحة وصريحة.
لم يكن مصير المرأة مستقرًا لا في زمن السلم ولا في الحرب، فمَن منا لم يسمع قصصًا عن مصير بنات او زوجات قررها الرجل نتيجة تجارة، أو على مائدة قمار، أو رهن أو مبارزة بالسيف، او لمجرد وعدٍ قدمه الأب بمنح ابنته لرجل آخر. أما في الحرب، فقد كانت النساء غنائم حرب، تؤخذ سبايا كما تؤخذ الغنائم المادية الأخرى. 
وان كانت ماسي المرأة في وجود زوجها، فكيف بها في غيابه. عند وفاة الزوج، تكون المرأة جزءًا من الميراث، يرثها الذكر كما يرث الأمور المادية الاخرى، فيتزوجها بدون مهر، أو يزوّجها ويقبض مهرها. الى ان أتى الاسلام وحرّم زواج الابن من امرأة ابيه .
إذًا، لم يكن للمرأة حقوق قبل الاسلام، بل ان كرامتها الانسانية كانت منتقصة بفعل العادات والتقاليد والأحكام الجائرة التي تنتقص من حقوقها وانسانيتها، فكيف أصبح وضعها بموجب نصوص القرآن والسنّة.

ثانيًا: وضع المرأة في الاسلام

بداية، بدّل النبي محمد الصورة التي كانت للمرأة في المجتمع الجاهلي، فقد أراد النبي أن يعطي المرأة دورًا مغايرًا للدور الذي حددته لها تلك البيئة الجاهلية وهو اشباع رغبات الرجل، فأناط بها دورًا مهمًا وعظيمًا : "الأمومة". ولحثّ أنصاره على تغيير النظرة الى المرأة - الأم، قال أن "رضوان الام هو طريق لرضوان الله".
وقياسًا وتكاملاً ، قلب الاسلام النظرة السائدة الى المرأة، رأسًا على عقب، وأعطاها الكثير من الحقوق الاساسية فساواها مع الرجل وحصّن وضعها  وحاول إعلاء شأنها على أكثر من صعيد، الامر الذي يُعتبر ثورةً حقيقة في ذلك الزمن والمجتمع الذي عاش فيه النبي محمد. وفي ما يلي ابرز ما أعطى الاسلام للمرأة:

1-    المساواة في أصل الخلق والكرامة الانسانية، وفي التكاليف الشرعية



لا شك أن المساواة في الخلق والكرامة الكيانية، وتكريم الله للأنسان أتت واضحة في القرآن للرجل والمرأة على حد سواء. فقد اقرّ الاسلام بوحدة الخلق الالهي، باعتبار أن الله خلق الرجل والمرأة من مادة واحدة وماثلهما في التكوين. ولم تفرق الآيات بين الرجل والمرأة في تكريم الله للانسان بعقله وحريته، ولم تختص أو تميّز الرجل بالتكريم دون المرأة.
تؤكد نصوص القرآن والسنّة على التكامل الفطري بين الرجل والمرأة من أجل القيام بوظيفتهما الوجودية،  فهما يشتركان ويتكاملان في القيام بالمسؤوليات والواجبات التي فرضها الله على المؤمنين والمؤمنات، إن كان من حيث الثواب والعقاب والجزاء على العمل في الدنيا والآخرة، بغض النظر عن الجنس.
ولعل الحديث الذي ينقل عن النبي بقوله: "إنما النساء شقائق الرجال"،  يشير الى أن لا ميزة تفاضلية بين الرجل والمرأة، وأنه ليس هناك من نص موحى به يقول أن الرجل خير من المرأة. 

2-    المساواة في الحقوق العامة والمدنية والجزائية


للمرأة والرّجل في الإسلام حقوق متساوية، فالإسلام لم يعطِ أدوارًاً منفصلة للرّجال والنّساء، ولا يوجد تمايز بينهما إلا فيما يتعلّق بالدّور الأسري.
وبعكس ما يشاع، لم يحصرالإسلام النساء في الإطار المنزلي، فلهنّ أن يعملن في الحقل العام، ويتعلّمن، ولهن كما للرجال حق متساوٍ في طلب العلم، ما لم يكن هذا العلم يؤدّي إلى الانحراف الأخلاقي.
كم ساوى الاسلام  الرجل والمرأة في الحقوق المدنية، كالاهلية المالية والذمة المالية وحق التعاقد وغيرها. كذلك في العقوبة الجزائية، فعلى سبيل المثال يعاقب الزاني والزانية بنفس العقاب أي ان الاثنان يتحملان المسؤولية بالتساوي.
بالنسبة للزواج: أكد النبي محمد على حق المرأة في اختيار الزوج وحرّم تزويجها بدون رضاها، حتى بعد الزواج تبقى لها شخصيتها المدنية الكاملة فلا تفقد اسمها ولا أهليتها في التعاقد، ولا حقها في التملك.

ثالثًا: استمرار التمايزات: نسبية المساواة عند الاسلام


لكن بالرغم من كل تلك الحقوق المتساوية، يبرز في النصوص القرآنية استمرار التمايزات بين الرجل والمرأة، ما يعني ان المساواة كانت مطلقة في حالات ونسبية في حالات أخرى أهمها:

أ‌-       قوامة الرجل على المرأة


{الرجال قوامون على النساء بما فضّل الله بعضًا على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}( سورة النساء، آية 34)
إن قوامة الرجل على المرأة مبدأ معلن في الاسلام، ولكن الواضح من النص أن هذه القوامة ترتبط بمؤسسة الزواج وبمعيل الأسرة تحديدًا.
وقد تكون هذه القوامة أعطيت للرجل داخل مؤسسة الاسرة لحسن قيادتها، فكل جماعة أو تنظيم يحتاج لقائد مسؤول يقوده، ويجب أن يكون لهذا القائد مكانته بين الجماعة حتى يكون مسموعًا ومطاعًا، وعليه هو بالمقابل أن يتحمل المسؤولية كاملة ومنها المسؤولية المادية مقابل الطاعة.

ب‌-   للذَّكَر مثل حظِّ الأُنثَيَيْن \ تعدد الزوجات

قد يكون التمييز الذي نراه في الاسلام في هذا المجال مرتبطًا بالعدالة أكثر من ارتباطه بالمساواة. فالاسلام يعتبر العدالة مبدأً أساسيًا يجب تحقيقه في كافة مظاهر النشاط الانساني، لا بل أنها المرتكز الاول من المرتكزات التي تعتبر أساسيّة في إنتاج الشخصيّة الإسلاميّة، سواء في المجال الإسلامي أو خارجه، فالقسط أو العدل، يؤكد على ضرورة أن يحدّد لكلّ ذي حقّ حقّه. وباعطاء كل ذي حق حقه، تبتعد العدالة في الاسلام عن المساواة، لتصبح  عدالة "تكليفية" وليست عدالة مساواة.
 ففي الاحوال الشخصية، اشترط الاسلام على المرء "العدل" معتبرًا أياه الشرط الرئيسي للتعامل بين البشر، وبين الرجل والمرأة لذا لم يساوِ بينهما.
-         من ناحية الارث، لم يقم الاسلام بمساواة بين الرجل والمرأة في موضوع الميراث وحق كل منهما في ميراث أهله، لأن الاسلام  شدد على ما اعتبره "عدالة" في هذا الشأن، من منطلق أن الشرع قد كلّف الرجل بمهام ومسؤوليات وأعباء مادية أكثر من المرأة، وفرض عليه النفقة وغيرها من المصاريف، لذا من الطبيعي أن تكون مساواتهما في الحقوق غير عادلة بما أنه لا مساواة في الواجبات. من هنا ركزّ الاسلام على مفهوم العدالة ولم يركز على المساواة باعتبار أن المساواة هنا قد تؤدي الى "عدم عدالة".
-          في حالة تعدد الزوجات، النص يقول: {فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة}(النساء/3)، والعدل هنا متعدد الأوجه، لأنّ بعض الناس يمكن أن يتزوَّج واحدة وإثنين وثلاثة وليس عنده ما ينفق عليهن، فإذا لم يكن عند الرجل ما يستطيع أن يقوم به من حقوق الزوجة في ما يطلب منه، فعليه أن يكتفي بواحدة فقط. كذلك في جانب الميل القلبي، الرجل لا يستطيع أن يعدل لأنه ليس بيد الإنسان. لذا، فان النص أباح تعدد الزوجات ولكن عندما ربطه بالعدالة، ظهر أن التعدد هو الاستثناء والآحادية هي الأصل.

ج- الشهادة

بالرغم من اطلاعي على كثير من المراجع التي ناقشت هذا الامر، لم أجد تفسيرًا مقبولاً ومنطقيًا – بالنسبة لي-  لتمييز النص القرآني بين شهادة المرأة وشهادة الرجل. ان التمييز هذا يطعن المرأة في أهليتها، وكرامتها وانسانيتها، في حين أتت نصوص قرآنية عديدة لتؤكد نقيض ذلك، وتؤكد مساواتهما في الحقوق والواجبات من الزاوية المدنية والدينية. 
خاتمة
أن البحث في القيم الاسلامية وللتاريخ الاسلامي يقودنا الى خلاصة مفادها ان القول بمسؤولية الاسلام عن وضع المرأة وتهميشها هو افتراء تام.
ولكن ان أردنا أن نفتش عن الاسباب الكامنة وراء تهميش المرأة المسلمة بشكل عام، وعدم حصولها على المساواة التامة مع الرجل والتي ينص عليها الاسلام فيعود – برأيي الخاص- الى أسباب عدة، منها أهمها:
 أولاُ: قد يعود الأمر الى تاريخ الفتوحات الاسلامية؛ فعندما غزا المسلمون مناطق شاسعة، وتوسعوا ليضموا بلادًا ذات عادات بربرية وثقافات مختلفة ومتباينة التطور والتقدم والرقي. سعت تلك المجموعات الخاسرة عسكريًا، من خلال انخراطها بالدين الجديد أن تعيد لنفسها القيمة والمكانة التي خسرتها، لذا استخدمته ولم تبقِ من الاسلام الحقيقي وقيمه الا ما تماشى مع معتقداتها السابقة وقيمها وثقافاتها البربرية، بل عمد بعضها الى تغيير ما يمكن أن يصطدم بثقافتها السائدة. ونتيجة لذلك، اختلط بالاسلام الكثير من التقاليد الحضارية والثقافية، وألصقت بعض القبائل والشعوب قيمها الثقافية الخاصة بالاسلام، وهو بريء منها. والادهى، ان بعض هذه التعاليم التي حرّفت وغيّرت في اتجاهات تفسير القرآن، كانت تُعلَن – في بعض الحالات- وكأنها حقائق ثابتة ومطلقة، وعلى كل مسلم القبول بها تحت طائل انتهاك المقدسات، أو العقاب بسبب الخروج عن الدين.
ثانيًا: عدم تطبيق المسلمين الصحيح لنصوص القرآن كما هي روح النص و مقاصد الشريعة. ونلاحظ في هذا المجال، اختلاف التطبيق بين بلد وآخر، وبين ثقافة وأخرى، مما يشير الى انه ليس امرأة مسلمة بشكل عام، بل نجد امرأة لبنانية مسلمة، وامرأة تركية مسلمة وامرأة افغانية مسلمة.. والاختلاف بينهن بقدر اختلاف الحضارات والثقافات واللغات.
في النهاية، نستطيع القول ان ليس في الاسلام وكتابه وسيرة رسوله ما يمنع تقدم المرأة واعلاء شأنها ومساواتها التامة بالرجل، لكن إن كانت المرأة المسلمة في بعض الحالات لم تصل الى هذه الكمال في هذه الأمور فيعود ذلك لاسباب ثقافية واجتماعية وحضارية وسياسية غير مرتبطة بالدين. وما على المسلمين سوى تطبيق احكام الاسلام الصحيحة حتى تحتل المرأة المكانة التي هي لها بموجب الشرع، وتزال النظرة النمطية للمرأة المسلمة من أدبيات الفكر والاعلام والسياسة. 

هناك تعليق واحد:

  1. غير معرف20/2/12 23:12

    اعجبتني كثيراً الله يعطيكي العافية

    ردحذف