2020/12/28

عرض اغتيال نصرالله: كيف ردّ الاسرائيليون؟

 

كان حديث السيد حسن نصرالله على قناة الميادين في "حوار العام" شاملاً صريحاً، فيه من الاستراتيجيا والمعلومات واستشراف المستقبل. ولعل اللافت ما كشفه الأمين العام لحزب الله حول أن السعودية حرّضت على اغتياله منذ وقت طويل خاصة بعد حرب اليمن. وبحسب قوله فإن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان طرح مسألة اغتياله - خلال زيارته لواشنطن - بعد انتخاب دونالد ترامب، وأن ترامب وافق على الأمر، واعدًا بأن يعهد الى الاسرائيليين تنفيذ هذا الطلب، بينما أكد السعوديون أنهم "حاضرون لدفع كامل تكلفة الحرب" التي سيسببها الاغتيال.

وهنا، يطرح موضوع الطلب السعودي وعرض البدل المادي على "اسرائيل" لتنفيذ المهمة على بساط البحث، فكرة وجود "اسرائيل ككل"، فهل هي مجرد منفذ اغتيالات مقابل بدل مادي، أم أن مصالحها الاستراتيجية والقومية ومصالح شعبها هي الأهم في خياراتها ومدى رغبتها في الذهاب الى حرب خارجية؟.

كما يظهر أن ولي العهد السعودي ومثله ترامب يقيسان جميع الأمور بتكلفتها المادية، بدون احتساب الأكلاف البشرية وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ككل، علماً ان السيد نصرالله لم يفصح عن ماهية الردّ الاسرائيلي على هذا العرض!.

تشير المقاربة العقلانية في العلاقات الدولية، أن صاحب القرار العقلاني قادر على اتخاذ القرار اذا واجه مجموعة من الخيارات؛ وهو يعمد الى تصنيف الخيارات المتوفرة بشكل تسلسلي، من الافضل الى الاسوأ؛ ثم يعمد الى اختيار الخيار الافضل استنادًا الى منطق "الربح المتوقع" أي أن جميع الخيارات والقرارات تبنى على أساس ان هناك ربح ما يتوقع تحقيقه مقابل خسائر يمكن تحملها. علماً أن مصلحة الدولة سواء الاقتصادية أو الأمنية أو الاستراتيجية هي ما يقيسه أصحاب القرار عندما يتخذونه بناء على تحليل يعتمد عملية تحليل "الربح – الخسائر" Cost – Profit analysis.

وانطلاقاً من تلك المقاربة، نفهم أن صانع القرار "الاسرائيلي" - في معرض ردّه على عرض ولي العهد السعودي- سيأخذ بعين الاعتبار الارباح التي سيجنيها "الاسرائيليون" من اغتيال نصرالله، لكن بدون أن يغفل ما يلي:

1- لقد أثبتت الشواهد التاريخية أن اغتيال قائد حزب الله السابق السيد عباس الموسوي قد أثّر بصورة عكسية عما كان يريده الاسرائيليون من ذلك الاغتيال، إذ ازداد حزب الله قوة وأتت شخصية السيد نصرالله القوية والانفتاحية والعقلانية الهادئة، لتوسع آفاق انفتاح بيئة حزب الله على المكونات اللبنانية الأخرى، وبات الحزب أكثر قوة على عهد نصرالله مما كان عليه خلال قيادة الموسوي.

2- إن تجربة حرب تموز وما تلاها، ثم انخراط حزب الله في الصراع الدائر في سوريا، قد أكسبه خبرة قتالية هائلة أضافت الى قوة الردع التي يملكها الحزب مقابل "اسرائيل" ، وبالتالي بات "الاسرائيليون" يتحسبون لرد الفعل كلما تسببوا بمقتل أحد أفراد حزب الله في سوريا، فكيف سيكون الأمر في حال قيام "اسرائيل" باغتيال نصرالله شخصياً؟ على الأرجح أن ضبط النفس والرد في المكان والوقت المناسب لن يكون خياراً متاحاً أمام الحزب، وأن الحرب ستقع لا محالة، ولكن من الصعب التنبؤ بتطورها ونتائجها.

3- إن الاستناد الى التقارير الاعلامية التي تشير الى ضعف حزب الله نتيجة الضغوط القصوى الأميركية على لبنان ككل، وإن انهيار القطاع المصرفي وانهيار سعر صرف الليرة أثرا سلباً على قدرة حزب الله المالية، قد أثبتت زيفها.

بات معروفاً أن الرواتب والأجور والمصاريف التشغيلية للحزب تدفع بالدولار الأميركي وأن الحزب لا يستخدم القطاع المصرفي اللبناني في تحويلاته ومعاملاته المالية، وبالتالي أن ارتفاع قيمة الدولار وانهيار سعر الليرة سيؤثر بشكل عكسي، علماً أن الحزب حوّل التهديد الى فرصة، إذ أن انهيار القطاع المصرفي اللبناني دفع مؤسسات القرض الحسن الى افتتاح ماكينات صراف آلي خاصة تدفع بالدولار الأميركي.

وهكذا، لا يبدو أن حسابات نتائج اغتيال نصرالله ستكون تماماً كما يريدها ترامب وولي العهد السعودي، كما أن ظروف اغتيال سليماني والمهندس وضبط النفس الذي مارسته طهران مع الولايات المتحدة الأميركية، لن يكون متوافراً في الحالة اللبنانية، فأي عقلانية في دفع المنطقة الى حرب قد تتدحرج لتصبح حرباً شاملة يُعرف كيف تبدأ ولا يُعرف كيف تنتهي؟ على الأرجح، أن الاسرائيلي بدا غير معني بالعرض السعودي لكلفته الكبرى غير المتناسبة مع المنفعة المحققة والبدل المادي المعروض.

بين ضفتي الأطلسي... بايدن سيحاول ترميم ما افسده ترامب

 

4 سنوات مضت على حكم  دونالد ترامب، شعر العالم الغربي خلالها بغياب القيادة الأميركية، ووجدت أوروبا نفسها أمام تحديات جمّة، بعد وصف الرئيس الأميركي الـ45 الأوروبيين بـ"الأعداء" (foes). وكان الألمان أكثر تأثراً بسوء العلاقة، فقد وصف ترامب المستشارة أنجيلا ميركل بأنها "غبية"، واعتبر ألمانيا "سيئة للغاية" بسبب فائضها التجاري مع الولايات المتحدة، وهدَّد بمعاقبة برلين ما لم تقم بزيادة مساهمتها المالية في حلف "الناتو".

 

ومع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، وإعلانه عن تغيير السياسات المتبعة عالمياً، لا بدّ من محاولة استكشاف استراتيجيته المتوقعة تجاه أوروبا عبر عنوانين:

 

1- العلاقة بين ضفّتي الأطلسي ضمن استراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة.

 

2- ما المتوقع أن يقوم به الرئيس الأميركي الجديد في السنة الأولى من عهده 2021؟

 

 

 

أولاً - في الاستراتيجية العامة للإدارة الأميركية الجديدة

استخدم ترامب على مدى أعوام أربعة استراتيجية "أميركا أولاً - جعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، بينما وعد بايدن بتنفيذ استراتيجية "عودة أميركا"، والتي تعني محاولة إعادة الهيمنة الأميركية على العالم.

 

هكذا، سيكون أمام بايدن القيام بخطوات أساسية تسمح له بالسير نحو إعادة الهيمنة، وأهمها إعادة وصل العلاقة مع الاتحاد الأوروبي لتحقيق الهيمنة السياسية التي تسمح له بإعادة زعامة الولايات المتحدة على العالم، عبر دعم أوروبي واضح في جميع القضايا العالمية، ومنها قضية إيران وفنزويلا وسوريا وغيرها، وفرض القيم الليبرالية في العالم، إضافةً إلى تفعيل حلف "الناتو"؛ الأداة العسكرية للهيمنة الأميركية.

 

- أوروبا أولاً

تفيد دراسة "الاستراتيجية الكبرى" الأميركية بأن من الأهداف الاستراتيجية الثابتة للأميركيين المحافظة على حرية وصولهم إلى المناطق الحيوية، وعلى نظام سياسي متوازن يضمن لهم نفوذاً في كل من أوروبا وشرق آسيا والشرق الأوسط (الخليج تحديداً). لذا، لم يترددوا في شنّ حرب عسكرية لحماية هذا الهدف الحيوي والرئيسي بالنسبة إليهم.

 

في مسار التاريخ الأميركي كله، كانت أوروبا أهم هذه المناطق الثلاث. وقد اعتمدت الولايات المتحدة سياسة "أوروبا أولاً" حتى قبل دخولها الحرب العالمية الثانية، فعلى الرغم من أن اليابان، وليس ألمانيا، هي الَّتي هاجمت بيرل هاربور، فقد حافظ الأميركيون على سياسة "أوروبا أولاً" طوال فترة الحرب. وخلال الحرب الباردة، كانت أوروبا ذات أهمية استراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة أكثر من آسيا. ولهذا السبب، كان الأميركيون يحوّلون القوات الأميركية من آسيا إلى أوروبا عندما يزداد التشنّج بين القطبين.

 

من هنا، كان الهدف الرئيسي الدائم للولايات المتحدة، ليس منع الآخرين من الاقتراب أو محاولة مدّ نفوذهم إلى الحيّز الأميركي فقط، بل أيضاً محاولة مدّ نفوذها إلى مناطق الآخرين ومنافستهم في حيّزهم الجغرافي، لضمان حرية الوصول والحركة في تلك المنطقة الحيوية، ولو كانت بعيدة جغرافياً عنها.

 

وعليه، انسجاماً مع استراتيجية "عودة أميركا"، ومن ضمن الهدف الأميركي العالمي الجديد "منع الصعود الصيني"، ستكون أولوية جو بايدن في البيت الأبيض إعادة العلاقات بين ضفتي الأطلسي، وإعادة ما انقطع مع أوروبا، ومنع كل من الصين وروسيا من التغلغل في المجال الحيوي الأوروبي.

 

- حلف "الناتو"

بخلاف الأمور الداخلية، كالصحة والتعليم وغيرهما، تتمتع العلاقة مع حلف "الناتو" بتأييد الحزبين في الولايات المتحدة. لذا، في موضوع تفعيل حلف شمال الأطلسي، من غير المتوقع أن يواجه بايدن أي معارضة داخلية من مجلس الشيوخ (في حال فاز الجمهوريون بالأغلبية).

 

إن مقاربة بايدن للعلاقة مع روسيا، وهي مختلفة عن نظرة ترامب الذي اعتبر الروس "شركاء" ومجرد "منافسين"، ستدفعه إلى الالتزام أكثر بالدفاع المشترك في حلف "الناتو"، وهو الحلف الضروري لحماية الأمن القومي الأميركي وحماية "القيم الليبرالية في جميع أنحاء العالم"، والأداة التي يمكن أن "تردع العدوانية الروسية" وتلجم "الصعود الصيني" في العالم.

 

ثانياً: ما الذي يمكن تحقيقه في العام 2021؟

- المناخ

وصف بايدن تغير المناخ بأنه "تهديد وجودي"، وتعهَّد بالانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ في أول يوم له في منصبه، وبخفض الانبعاثات الأميركية إلى الصفر بحلول العام 2050.

 

ستقوم إدارة بايدن بالتركيز على موضوع المناخ في السنة الأولى، لأن ذلك سيحقق له هدفين: فرصة عالمية للعودة إلى الطاولة العالمية، كما وعد، وفرصة لتطبيق ما تمّ التوافق عليه داخلياً في هذا الإطار (الاقتصاد البيئي) مع اليسار في الحزب الديموقراطي الذي يمثله بارني ساندرز.

 

- إعادة تأطير العالم الغربي

سيعمد بايدن إلى عقد "قمة عالمية للديموقراطية" لترميم صورة الولايات المتحدة التي تضررت في العالم بمجيء ترامب وسياساته العدوانية، وصياغة "أجندة مشتركة" لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وتشكيل خط دفاع أول ضد التحدي الذي تفرضه الصين اقتصادياً وتجارياً وأمنياً.

 

على الصعيد الداخلي، من مصلحة بايدن والأوروبيين أن يتم دعم القوى الليبرالية ضد اليمين الذي دعمه ترامب وأعطاه القدرة على تهديد السلطات السياسية الحاكمة في كل من أميركا وأوروبا، وخصوصاً في ظل توجّه الأوروبيين إلى صناديق الاقتراع في العامين 2021 و2022، وتمهيداً للانتخابات النصفية الأميركية للكونغرس الأميركي في العام 2022.

 

أما على الصعيد الخارجي، فيهدف ذلك إلى إرسال رسائل متعددة الاتجاهات إلى الصين وروسيا بأن الولايات المتحدة مستعدة للمواجهة عسكرياً واقتصادياً من أجل المحافظة على قيادتها للعالم، وإلى هؤلاء و"الديكتاتوريات" الأخرى بأن العالم الغربي سيعود موحداً لمواجهة تراجع الديموقراطية وحقوق الإنسان في العالم (إعادة الاعتبار إلى القوة الناعمة).

 

- مواجهة مشتركة للصّعود الصّينيّ

كما حلف "الناتو"، تعتبر "مواجهة الصعود الصيني" من المواضيع التي تتخطى الانقسام الحزبي في الولايات المتحدة الأميركية. يتبنى بايدن بوضوح المقاربة الأوروبية للعلاقة مع الصين، بوصفها "شريكاً مفاوضاً" و"منافساً اقتصادياً" و"منافساً منهجياً". وعلى هذا الأساس، ستحاول إدارته مبكراً بحث كيفية المواجهة المشتركة لازدياد التغلغل الصيني في أوروبا، والطلب منها تفضيل الشركات الأميركية والغربية على الصينية، ومنها شركة "هواوي" وغيرها.

 

 - مواجهة التهديد الروسي

يتلخَّص نهج بايدن في التعامل مع روسيا في ثلاثة أهداف: "الردع، والتعاون، والاستقرار الاستراتيجي".

 

سيحاول بايدن، ومع إعادة ما انقطع مع أوروبا، أن يرسل رسائل واضحة إلى موسكو بأنَّ زمن الانقسام الغربي الذي يمكن أن تستفيد منه قد انتهى، وأن على روسيا الوفاء بالتزاماتها.

 

سيحاول بايدن هذا العام السعي لتمديد معاهدة "ستارت" الجديدة للسيطرة على الأسلحة الاستراتيجية مع روسيا (تنتهي في العام 2021)، وتقليص دور الأسلحة النووية التي تعتبر أولوية للعديد من الأوروبيين.

 

كما سيبحث بايدن مع الأوروبيين بشكل أساسي، ومع بداية أيامه الأولى في البيت الأبيض، كيفية مواجهة الحرب السيبرانية الروسية (وخصوصاً بعد اتهام الروس باختراق حسابات رسمية أميركية على نطاق واسع)، كما سيبحث مع برلين قضية السيل الشمالي 2 وإمكانية التخلّص من احتكار الروس لإمدادات الطاقة إلى أوروبا.

 

- الاقتصاد والتجارة

لا شكّ في أن الأميركيين لا ينظرون إلى الاتحاد الأوروبي كشريك استراتيجي فقط، بل كأكبر سوق في العالم أيضاً. لذا، سيكون من أولويات الإدارة تحسين العلاقة الاقتصادية والتجارية مع أوروبا، وإنهاء الحرب التجارية التي بدأتها إدارة ترامب، لكن ليس من دون ثمن.

 

في السنة الأولى من عهده، وضمن مقاربته لتحسين العلاقة التجارية مع أوروبا، سيعمد بايدن إلى استثمار ما قام به ترامب لفتح باب المفاوضات على شروط أفضل لأميركا في اتفاقية التجارة الحرّة، وخصوصاً في ما يتعلّق باختلال التوازن المستمر والمتزايد في تجارة السلع الزراعية، ولإعطاء أفضلية للبضائع والشركات الأميركية على الصينية.

 

- الأمن والدفاع

على الرغم من إيمان الإدارة الأميركية العميق بأهمية التحالف الدفاعي الذي ينخرط فيه الأميركيون والأوروبيون (حلف شمال الأطلسي)، فإنَ السنة الأولى من عهد بايدن ستشهد مفاوضات حثيثة لزيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي ضمن الحلف، وخصوصاً ألمانيا، التي يقل إنفاقها عن هدف 2% المنصوص عليه في إعلان قمة "ويلز" للعام 2014.

 

وكما هو واضح من التصريحات الألمانية، يعد الألمان بحلّ هذه المشكلة، إذ إنهم يدركون أنَّ المشكلة مع الأميركيين حول زيادة الإنفاق الدفاعي تتخطّى ترامب، فقد أشار أوباما سابقاً إلى الموضوع، واستكمله ترامب بأسلوبه العدائي، ومن الطبيعي أن يستمر مع جو بايدن. لذا، أبدوا استعدادهم لزيادة الإنفاق العسكري ضمن حلف "الناتو".

 

المشكلة التي ستعترض إمكانية الوصول إلى حلّ جذري لهذه المسألة في العام 2021 ترتبط بالركود الذي ستسببه جائحة كورونا، والأموال الحكومية التي سيضطر الأوروبيون إلى دفعها لتحفيز الاقتصاد وتفعيل القطاع الصحي والتعويض على الفئات المتضررة، ما قد يحجب الكثير من الأموال عن الموازنات الدفاعية، وخصوصاً في ألمانيا، التي تتجه إلى انتخابات فيدرالية مهمة في العام 2021، وما يتخلّلها من خطابات شعبوية وحاجة حزب ميركل وحلفائها إلى مواجهة المشاكل الداخلية المستجدة، لئلا يستغلها اليمين الألماني.

 

وهكذا، سيكون الحوار الاستراتيجيّ بين ضفّتي الأطلسي مختلفاً بالتأكيد في العام 2021 عن الأعوام الأربعة التي سبقته، وسيستفيد الأوروبيون والأميركيون من تجربتي عهد ترامب العدائي، وقبله عهد أوباما المتردّد، لتفعيل العلاقات عبر الأطلسي التي تهدف بالدرجة الأولى إلى تعويم القيادة الأميركية للعالم، بينما سيكتفي الأوروبيون بموقع التابع لأميركا، والسائر خلفها مكتفياً بقيادتها، وقد يكون أصدق تعبير عن الموقف الأوروبي في هذا المجال هو تصريح وزيرة الدفاع الألمانية التي رفضت دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى "استقلال استراتيجي" أوروبي، معتبرة أنه نوع من "الوهم".

 

2020/12/27

المخفي والمعلن في القانون الروسي لحصانة الرؤساء

 

تطبيقاً للتعديلات الدستورية التي تمّ إقرارها الصيف المنصرم، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قانوناً يمنح الرؤساء السابقين وأفراد عائلاتهم حصانة مدى الحياة بمجرد مغادرتهم منصبهم، وبالتالي تُمنع محاكمتهم على جرائم تمّ ارتكابها، كما يتمّ إعفاؤهم من الاستجواب والتفتيش والاعتقال وحجز الممتلكات أو غير ذلك. وتبقى الحالة الوحيدة التي يمكن تجريد رئيس سابق من الحصانة هي تهمة الخيانة العظمى أو اتهامه بجرائم خطيرة أخرى، وأن يتمّ تأكيد تلك التهم من قبل المحاكم العليا والدستورية.

 

واقعياً، إضافةً إلى أهميّته الداخليّة، يمكن لهذا القانون الروسيّ أن يخلق سابقة على صعيد القانون الدوليّ، ويحمي بوتين وميدفيديف من المحاكمة أمام المحاكم الخارجيّة (وخصوصاً المحاكم الأوروبيّة)، بتهمة تعذيب المعارضين أو تسميمهم وسوى ذلك من الاتهامات التي يسوقها الأوروبيون ضد بوتين نفسه.

 

كيف يمكن ذلك؟

 

أدّى التطوّر في القانون الجنائي الدولي إلى تكريس مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية الذي حوّل المسؤولية من الدولة إلى الأفراد، وبالتالي بات بإمكان محاكمة أي مسؤول في الدولة على جرائم دولية كبرى مرتكبة من دون الاعتداد بالحصانة، ولكن ذلك يكون أمام المحاكم الجنائية الدولية التي لها شروطها وإجراءاتها الخاصّة والمحدّدة.

 

أما الأمر الأخطر على سيادة الدول، فهو ما يُعرف باسم "الولاية القضائية العالمية" (Universal jurisdiction)، وهي ترمز إلى صلاحية بعض المحاكم الوطنية لمحاكمة مشتبه بهم من دول أخرى، لقيامهم بأعمال تعتبر جرائم دولية، كالإبادة، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، والتعذيب... بغضّ النظر عن المكان الذي حصلت فيه هذه الارتكابات، وبغضّ النظر عن جنسية المتهمين والضحايا.

 

يشترط لحصول مثل هذه الحالة أن تسمح قوانين دولة الادعاء بإقامة الدعوى استناداً إلى عالمية الاختصاص القضائي، وأن يكون لدى محاكمها صلاحية معاقبة من يرتكب جريمة في الخارج ضد أحد مواطنيها، وهو ما يسمى بالاختصاص القائم على أساس "الجنسية السلبية" أو "الشخصية السلبية".

 

المثال على تلك الحالة هو القضايا التي تمّ رفعها ضد بينوشيه في بلجيكا وفرنسا وسويسرا، وقدّمها أفراد من مواطني هذه الدول (أصحاب جنسية مزدوجة)، وزعموا فيها أنهم تعرّضوا للضرر على أيدي بينوشيه في تشيلي، كما كان الادّعاء ضد آرييل شارون أمام القضاء البلجيكي في مجازر صبرا وشاتيلا أحد تطبيقات هذه الولاية القضائية.

 

قضيّة بينوشيه كانت السابقة الأولى التي يقوم فيها قضاة أوروبيون بتطبيق مبدأ الولاية القضائية العالمية، معلنين أنفسهم أصحاب اختصاص في محاكمة جرائم ارتكبت من قبل رئيس دولة سابق، على الرغم من صدور عفو بحقّه من قبل السلطات التشيلية في وقت سابق.

 

وقد تطوَّر هذا المبدأ واستقر بالاعتداد بمبدأ الحصانة مع حكمين صادرين عن محكمة العدل الدولية، وذلك على الشكل التالي:

 

أ- قضيَّة الرئيس التشادي الأسبق حسين حبري المتهم بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والتعذيب، والذي فرّ إلى السنغال بعد انقلاب عسكري أطاح به في العام 1990.

 

قام الضحايا باللجوء إلى القضاء البلجيكي والادعاء عليه استناداً إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية، فتمّت إدانة حبري غيابياً، والطلب من السلطات السنغالية تسليمه، الأمر الذي رفضته السنغال. وبعد أن اعتبرت بلجيكا أن رفض داكار محاكمته بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية أو تسليمه يعدّ "انتهاكاً للالتزام العام بقمع جرائم القانون الدولي الإنساني"، رفعت الأمر إلى محكمة العدل الدولية في 19 شباط/فبراير 2009، مطالبة هذه المحكمة بأن تأمر السنغال بمحاكمته أو تسليمه.

 

أصدرت محكمة العدل الدولية حكمها في القضية في تموز/يوليو 2012 بالإجماع، فطالبت السنغال بمحاكمة حبري "من دون إبطاء" أو بتسليمه إلى بلجيكا للمحاكمة. بعد أخذ ورد استغرق أشهراً عدّة، رضخت السينغال، وقررت محاكمته على أراضيها.

 

ب- قضية وزير خارجية الكونغو عبد الله يروديا دومباسي.

 

قامت مجموعة من الضحايا في العام 2000 بالادّعاء أمام القضاء البلجيكي على وزير خارجية الكونغو عبد الله يروديا، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وصدر حكم الإدانة بحقه في 11 نيسان/أبريل 2000، وتمّ إصدار مذكرة دولية لاعتقاله وتسليمه إلى السلطات البلجيكية.

 

على إثرها، تقدمت الكونغو بشكوى ضد بلجيكا أمام محكمة العدل الدولية، بتهمة انتهاكها سيادة الكونغو والمسّ بحصانة وزير خارجيتها، فأصدرت حكمها في 14 شباط/فبراير 2002، وأعلنت أن مذكرة التوقيف البلجيكية الصادرة بحق وزير الخارجية الكونغولي السابق عبد الله يروديا دومباسي "غير قانونية"، وأكّدت ضرورة الاعتداد بحصانات المسؤولين السياسيين في مواجهة الدول الأجنبية، ولو بمناسبة الجرائم الدولية المنسوبة إليهم، ما دامت دولة جنسية الجاني لم تتنازل عن الحصانة التي كفلتها له، وما دامت صفته الرسمية تعطيه هذه الحصانة.

 

وهكذا، نستنتج أنَّ الحصانة التي تمنحها الدّولة لمسؤوليها لا يمكن تخطيها أمام المحاكم الخارجية، وهذا يعني أن الحصانة التي منحها الدستور الروسي الجديد للرؤساء السابقين مدى الحياة، ستمنع أي إمكانية للمقاضاة في الداخل، كما تمنع على أي دولة خارجية أو مواطنيها (أصحاب الجنسية المزدوجة مع روسيا) الادعاء على بوتين أو سواه بتهمة انتهاك حقوق مواطنيه الروس أو القتل أو التسميم أو التعذيب. 

2020/12/21

لا تنتظروا جو بايدن

 يعيش اللبنانيون يومياً على وقع الأخبار السيئة والتوقعات المتشائمة التي تعدهم بأوقات اقتصادية أصعب بعد رفع الدعم عن المحروقات وعن بعض السلع الأساسية التي ستزيد اسعارها وبالتالي سيكون من الأصعب على اللبنانيين تأمين الأمن الغذائي، والعيش بمستوى معيشة كريم ولائق بسبب الغلاء.

وبالرغم من كل ذلك، ما زالت الجهود الحكومية تراوح مكانها، في ظل تمسك الرئيس المكلف بتسمية الوزراء المسيحيين بنفسه. وكانت دعوة البطريرك الراعي الى تسمية أشخاص غير سياسيين وغير حزبيين ومن المجتمع المدني لافتة، باعتبارها طرح نظري غير قابل للتحقق لأسباب عدّة أهمها: أن من سيسمي هؤلاء هو سعد الحريري وهو سياسي حزبي، وبالتالي سيكون هؤلاء موظفون لديه. الأمر الثاني هو الثقة التي ستحصل عليها تلك الحكومة في مجلس النواب والتي ستكون اقرب الى المستحيل إذ لا يملك المجتمع المدني كتلة نيابية (ولا أصوات حتى) تؤهله الى تشكيل حكومة ومنحها الثقة.

وأمام هذه الطروحات النظرية غير القابلة للتطبيق، تبرز بعض التقارير الإعلامية التي تعتبر ان الحريري يحاول تمرير الوقت الى أن يأتي جو بايدن وينتهي عهد ترامب الذي يهدده بعقوبات إن هو قام بتشكيل حكومة تضم حزب الله، وبالتالي يعيد البعض المأزق الذي يجد الحريري نفسه فيه هو أنهم قام بإعطاء وعود للخارج لا يمكن تسييلها في الداخل.

وإذا كان انتظار تغيير الإدارة الأميركية فيه بعض الأحقية للتخلص من الضغوط القصوى التي يقوم بها ترامب لفرض التغيير في لبنان إلا أن قيام المسؤولين بتمرير الوقت بانتظار جو بايدن وكأن الأمور في لبنان ستنقلب رأساً على عقب، يبدو ساذجاً وخطيراً في آن، للأسباب التالية:

أولاً - العامل الاسرائيلي: من الخطأ الاعتقاد ان بايدن سيتراجع عما تمّ تحقيقه للاسرائيليين خلال عهد ترامب، بالعكس فإن تأييد اسرائيل في الولايات المتحدة يتخطى الانقسام الحزبي، ولقد حصل بايدن على ما يزيد عن 77 بالمئة من اصوات اليهود الأميركيين.

وعليه، إن اعتقاد البعض أن رغبة بايدن بالانفتاح على إيران ستقلب الأمور في لبنان وستغيّر نظرة إدارته الى "التهديد الذي يمثله حزب الله"، هو أمر خاطئ.

ثانياً- يرتبط الملف اللبناني بالملفين الايراني والسوري:

بالنسبة لإيران: قد تتأخر المفاوضات بين كل من إيران والولايات المتحدة الى ما بعد انتهاء الانتخابات الأيرانية في حزيران 2021، فإذا فاز الاصلاحيون، سيكون هناك بارقة أمل للشرق الأوسط بوجود قيادتين تعتمدان الدبلوماسية في كلا البلدين، أما إذا فاز المحافظون، فذلك قد يعرقل مفاوضات العودة الى الاتفاق النووي... وبكلا الحالتين، سيتأثر كل من لبنان والعراق بهذا الأمر.

بالنسبة لسوريا، من الصعب جداً أن نجد تغييراً في السياسة الأميركية تجاه سوريا بعد مجيء بايدن. من الصعب على بايدن أن يلتف أو يعطّل "قانون قيصر" هو قانون صادر عن الكونغرس الأميركي، هذا إذا كان يودّ ذلك بالفعل.

لن يكون هناك رغبة أوروبية أو أميركية لتخفيف العقوبات على سوريا بعد رحيل ترامب، بل سيبقى الأمر مرتبطاً بمطالب غربية (صعبة التحقق) وبوجود الأسد، بالإضافة الى نظرة إدارة بايدن للنفوذ الروسي في المنطقة، والتواجد العسكري الايراني الذي سيترك أمره لما بعد بدء المفاوضات مع إيران.

إذًا، إن قيام اللبنانيين بدفن الرؤوس في الرمال ومحاولة تقطيع الوقت الى كانون الثاني المقبل، يبدو نوعاً من الوهم... قد تكون الأمور أسهل بالنسبة للمبادرة الفرنسية وتشكيل حكومة، لكن الصعوبات الاقتصادية التي سببتها السياسيات المالية اللبنانية والفساد وتهب المال العام، وفاقمتها ضغوط ترامب القصوى تحتاج الى وقت أكبر بكثير لتجد طريقها الى الحلّ، وبالتالي على المسؤولين اللبنانيين محاولة التفكير بحلول جذرية، وليس انتظار الفرج من الخارج، والذي قد يتأخر أو قد لا يأتي أبدًا.

 

2020/12/19

10 أعوام غير كافية.. هل كان "الربيع العربي" ثورة؟

بمناسبة مرور 10 أعوام على بداية الثورات العربيّة، تتحدّث الانطباعات السائدة عن فشل تلك الثورات في تحقيق التغيير المطلوب، وأنَّ العشرية الأولى التي مضت منذ بداية اندلاعها في تونس ولغاية اليوم حوّلت "الربيع" إلى "شتاء" قاسٍ ساده الاحتراب ودفع الشباب إلى الإحباط والرغبة في الهجرة.

 

وإذا نظرنا إلى النتائج الظاهرة لغاية الآن، فهي تشير إلى فشل تلك الثورات في التغيير السياسي المطلوب وعدم قدرتها على تحقيق نهضة المجتمع، وأنّ النظام الرسمي العربي والتدخلات الخارجية استطاعت أن تلتفّ عليها وتمنع التغيير السياسي المنشود، بفعل الاقتتال الداخلي وانتشار الإرهاب، وتمّ وضع الشعوب العربية بين خيارين: الحرية أو الأمن.

 

لكن بخلاف الانطباعات السائدة، فإنَّ فشل الثورات في التغيير السياسي لا يعني فشل الثورة الاجتماعية، بل على العكس، إنّ مدّة السنوات العشر المنصرمة أحدثت تحولات اجتماعية في العالم العربي كان من الصعب تحقيقها لولا اندلاع الثورات. وإذا كان الإحباط مشروعاً لدى فئات الشباب بشكل عام، فذلك يعود في الدرجة الأولى إلى سرعة وسائل الاتصال والتدخلات الأجنبية التي أثارت نوعاً من الوهم بالقدرة على تحقيق التغيير السريع وخلخلة البنى السياسية السائدة.

 

وإذا أردنا أن ننظر بموضوعية إلى الثورات العربية بعد 10 سنوات من اندلاعها، يمكن الإشارة إلى أن المقاربة السوداوية - المشروعة - على المدى القصير والمتوسط ما زالت تركّز على الشق السياسي، متغافلة عن الحراك الذي يسود البنى الاجتماعية العربية التي ستؤدي إلى إيجابيات على المدى الطويل، لعل أبرزها:

 

1-                 مؤشرات ضعف النظام الرسمي العربي

لا شكّ في أن النظام الرسمي العربي احترف دائماً الهروب إلى الأمام لمواجهة احتمال التغيير الاجتماعي والسياسي، فمن الخمسينيات ولغاية السبعينيات من القرن العشرين، أجهض هذا النظام أي مطالب بالحرية والعدالة والمساواة، تحت عنوان الصراع العربي الإسرائيلي، وبات شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" مقدمة لفرض حالات الطوارئ في العديد من البلدان العربية.

 

واليوم، وبعد 10 سنوات من الثورات والحروب والأزمات الاقتصادية، يبدو النظام الرسمي العربي (أو ما كان يسمى بدول الاعتدال) في حالة وهن سياسي، جعلت أركانه يهرولون نحو التطبيع مع "إسرائيل"، لحماية عروشهم ودفع الأمور إلى الأمام، وبهدف تأمين مظلة حماية خارجية أمام التحولات الاجتماعية الداخلية التي ستؤدي إلى تغيير سياسي في نهاية المطاف.

 

2-                 جو أفسح من الحرية

باستثناء لبنان الذي تمتع دائماً بمنسوب أعلى من الحريات السياسية والاجتماعية، فإن العالم العربي شهد في السنوات العشر الماضية كسر حواجز كثيرة، منها حاجز الخوف من السلطة، وحاجز المحرمات السياسية، وحاجز المحرمات الثقافية المتوارثة منذ أجيال، والتي لم تعد تتلاءم مع متطلبات العصر الحديث.

 

وقد أظهرت المشاركة الفاعلة للمرأة والشباب في الثورة، وازدياد مساحة الحرية الفكرية وحرية الرأي والتعبير - على الرغم من استمرار القمع - أن البنى الثقافية العربية قابلة للتحوّل، وأن الثورة الاجتماعية الثقافية في طريقها إلى التبلور، ولو بعد حين.

 

3-                 السّيرورة التاريخيّة

خلال دراسة سيرورة الثورات عبر التاريخ، قلَّما نجد ثورة استطاعت أن تحقق تغييراً جذرياً بين ليلة وضحاها كما يراد للثورات العربية أن تفعل، ونبرز في هذا الإطار مثالين تاريخيين:

 

لقد شكّلت الثورة الفرنسية في العام 1789 إلهاماً كبيراً في مجال الحقوق والحريات العامة، لكنَّ الثورة في أوجها مارست الإرهاب والقتل، ونحرت العديد من الأبرياء، ثم أوصلت نابليون الذي حكم بالحديد والنار تحت عنوان حماية الثورة ومكتسباتها، ما أدّى إلى تراجع الحريات والدخول في العصر الإمبراطوري والحروب الخارجية... لكن نار الحرية التي أشعلتها الثورة الفرنسية بقيت تحت الرماد حتى امتدت إلى جميع أنحاء أوروبا، وحفّزت العديد من الثورات والتغييرات الاجتماعية والسياسية في ما بعد.

 

أما الثورة البلشفية في العام 1917، فقد أدخلت روسيا في مرحلة من الحرب الأهلية والاقتتال والاغتيالات، إلى أن نجحت في ما بعد في فرض الاستقرار، وأسَّست الاتحاد السوفياتي الذي حكم نصف العالم في ما بعد.

 

إذاً، إنّ فترة 10 سنوات ليست كافية لنعي الثورات العربية ودفن الأحلام بالتغيير، بل إن من واجب القوى الحيّة في العالم العربي البناء على ما تحقق من خلخلة البنى الاجتماعية المانعة للتغيير والتقدم، وأهمها المطالبة بالدولة المدنية، وعدم الانجرار وراء الغرائز المذهبية التي يتم استخدامها لمنع عجلة التقدم وفرملة اندفاع الشباب نحو التغيير السياسي. 

2020/12/14

بايدن في الشرق الأوسط: ماذا في يد إيران؟

كان لافتاً التصريحات الإلمانية المبكرة حول الملف النووي الإيراني والتي أعادت التركيز على "مطالب" يريدها الغرب من إيران في صيغة اتفاق نووي معدّل يريد الغرب فيه أن تقوم إيران بالتنازل عن برنامجها الصاروخي بالإضافة الى التفاوض حول دورها الإقليمي، وذلك في إشارة واضحة الى أن بايدن ومعه الغرب سيحاولون استثمار سياسة الضغوط القصوى التي قام بها ترامب، لتحقيق مكاسب استراتيجية من الايرانيين.

لكن، المطالب الإلمانية هي نفس المطالب التي طلبها دونالد ترامب ولم تقبل بها إيران، بل اعتبرت أن العودة الى الاتفاق النووي الأساسي مرتبط برفع العقوبات كلياً عن إيران، وعدم قبولها بمجرد الحديث عن برنامجها الصاروخي.

فماذا في يد إيران للتفاوض؟

أولاً؛ الأكيد، وكما أعلن بايدن أنه يريد العودة الى الاتفاق النووي. المشجع في الأمر ان مستشار الامن القومي لبايدن جايك ساليفان هو أحد مجموعة المفاوضين السريين ثم العلنيين بين ادارة اوباما وايران من فترة 2013 ولغاية 2015، كما أن وزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينكن هو أحد مهندسي الاتفاق في عهد أوباما، بالإضافة إلى وجود كل من سوزان رايس وجون كيري وغيرهم من فريق إدارة أوباما الذي ينسب له الفضل في أن يبصر الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران النور.

ثانياً؛ بالنسبة للعقوبات؛ قد يكون من الصعب إزالة العقوبات المفروضة من الكونغرس وهذا يحتاج الى وقت وجهد وتوازنات ليست في صالح إيران، ولكن كمرحلة أولى يمكن لبايدن ان يلغي القرارات التنفيذية التي وقعها ترامب، وهذا أمر مقدور عليه ويمكنه كسر الجليد بينه وبين الايرانيين، لتنطلق المرحلة الثانية من المفاوضات والتي من المقدر أن تكون في خريف عام 2021، أي بعد انتهاء الانتخابات الايرانية واستقرار الحكم الجديد في كل من إيران والولايات المتحدة.

سيحاول بايدن أن يبدأ من حيث انتهى ترامب وليس من حيث انتهى اوباما، ولذا قد يعمد الى مفاوضة الايرانيين لأخذ مكاسب في ملف الصواريخ الباليستية وملف النفوذ الاقليمي، علماً أن موضوع الصواريخ هو خط أحمر إيراني، وليس بيد السلطة السياسية بكل الأحوال. أما في موضوع النفوذ الاقليمي، فيمكن للإيرانيين التفاوض على تقديم بعض المكاسب لبايدن في بعض الساحات مقابل انسحاب أميركي أو تنازلات أميركية مقابلة.

ثالثاً؛ الضغوط من اسرائيل والدول الخليجية ستكون عائقاً امام الانفتاح لكنها لا تستطيع أن تعطله كلياً، لأن هناك مكاسب استراتيجية لادارة بايدن في الانفتاح على ايران، أهمها نظرة الادارة الجديدة الى التهديد الروسي وخطره ومحاولة احتواء روسيا، إذ أن بايدن يعتبر التوسع الروسي خطر على المصالح الأميركية وتوسعها في الشرق الأوسط يضرّ بالمصالح الأميركية، بينما أعتبرها ترامب شريك وساهم في تقوية النفوذ الروسي في سوريا، وهذا سيلعب لصالح ايران في بعض المجالات، خصوصاً اذا عاد الحديث عن مشروع مد أنابيب الغاز من بحر قزوين عبر تركيا الى أوروبا، وحاجة الخط هذا الى الغاز الايراني لتشغيله.

رابعاً؛ يمتلك الايرانيون أوراق قوة يمكنهم استخدامها، أبرزها:

- مستوى التخصيب: سيفاوض الايراني على العودة الى مستوى تخصيب منخفض كان قد اقرّه الاتفاق النووي السابق، ما يعني أن محاولة الغرب الكسب من عقوبات ترامب سيقابلها تمسك إيراني بما تمّ تحقيقه خلال فترة ترامب.

- الرد على اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، إذ أن التريث الإيراني في الردّ واعتماد سياسة "الصبر الاستراتيجي" ستمكّن إيران من التفاوض على كيفية ونوعية الرد الحتمي، فيمكن لها أن تأخذ تنازلات معينة مقابل ردّ مضبوط.

- عدم الاستمرارية الأميركية: سيتسلح المفاوض الايراني بخطورة عدم الاستمرارية وبقاء السياسة الاميركية تجاه ايران رهن رغبات الرئيس وقراراته التنفيذية، ما يعني عدم استقرار الأمر وعودة الخطر عام 2024، بقدوم رئيس جديد، لذا سيطالب الايرانيون بإلتزامات أكثر وضوحاً واستمرارية.

إذاً، سيكون عام 2021 عام الشدّ والجذب في المنطقة حيث سيحاول كل طرف أن يحصّل مكاسب على حساب الطرف الآخر، وستكون مرهونة بتطورات انتخابية أبرزها الانتخابات الايرانية في حزيران 2021.

ترامب: من "زير نساء" الى "يد الله"

أضاءت الانتخابات الأميركيّة الرئاسيّة 2020 على أهميَّة ومركزية تداخل الدين بالسياسة في الولايات المتحدة الأميركية، ومدى تأثير ذلك في السياسة الداخلية والخارجية للإدارات الأميركية المتعاقبة، وخصوصاً في الشرق الأوسط.

 

بخلاف النّظرة الشائعة التي ترجع التأييد الأميركي لـ"إسرائيل" إلى نفوذ اللوبي اليهوديّ في أميركا، كشفت الانتخابات الأميركيّة ودراسة السّلوك الانتخابيّ للأميركيين أنَّ الكنائس الإنجيلية "المتصهينة" هي القاعدة الأكثر ثباتاً في دفع المسؤولين إلى تأييد "إسرائيل"، وهي التي تفرض نفوذها في ولايات "حزام الإنجيل".

 

وفي دراسة متأنّية لتوزّع الأصوات الانتخابيّة، وجدت مراكز الدراسات الأميركيّة أنَّ ترامب فاز بغالبيّة ساحقة من أصوات الكنائس الإنجيلية المتشدّدة، بينما فاز بايدن بحوالى 77% من أصوات اليهود الأميركيين (يشكّلون 2 – 3% من الناخبين)، وهي أعلى من النسبة الّتي يمنحها اليهود للديموقراطيين عادةً منذ عقود، على الرغم من كلّ "الخدمات" التي أداها ترامب لـ"إسرائيل"، والتي جعلته في العام 2018 يعتبر أنّ اليهود الأميركيين "غير أوفياء لإسرائيل".

 

وفي وثائقي بعنوان "إلى أن يأتي الملكوت؟"، أضاءت المخرجة الإسرائيلية – الأميركية مايا زينشتاين على دور الكنائس الإنجيلية "المتصهينة" في العلاقة غير العادية بين الولايات المتحدة و"إسرائيل"، والتي "تبدأ من ولاية كنتاكي الريفية إلى قرارات الحكومة في واشنطن، مروراً بنقل السفارة الأميركية إلى القدس وخطة ضمّ الضفة الغربية"، وكشفت "كيف تتقاطع الدوافع الماليّة والسياسيّة والمسيانيّة"، والتي استفاد منها كل من ترامب ونتنياهو لتنفيذ سياسات تدميرية في الشرق الأوسط، فمن هم هؤلاء؟ ولماذا يؤيدون "إسرائيل"؟

 

حضرت الأفكار الصّهيونية لدى العديد من الطّوائف البروتستانتيّة في أوروبا خلال القرن السادس عشر، من خلال القراءات التي حاولت إصلاح الكتاب المقدس وتجديده، فبرزت النقاشات حول "نبوءة نهاية الزمان"، ما أدى إلى فهم مختلف لدور الشّعب اليهودي في التاريخ المسيحيّ، وضرورة عودته إلى الأرض المقدسة، وقيام "إسرائيل" من أجل استكمال سيرورة عودة المسيح مرة أخرى.

 

ومع هجرة البروتستانت إلى الولايات المتحدة نتيجة الاضطهاد الديني، حمل الإنجيليون المتشدّدون هذه الأفكار معهم إلى البلاد الجديدة. وبعد العام 1948 فقط، تطوّر هذا اللاهوت إلى حركة سياسية، إذ إنَّ إعلان "دولة إسرائيل" أعطى شعوراً للإنجيليين المتشددين بأنَّ نبوءات كتاب حزقيال بدأت تتحقّق.

 

ولعلَّ حرب 1967 وانتصار "إسرائيل" فيها تركا انطباعاً لدى هؤلاء بأنّ "هذه الدولة" تتمتع بدعم من الله، فبدأت النواة المؤيدة لـ"إسرائيل" داخل الكنائس الإنجيلية تتوسّع، وخرجت ببطء من الدوائر الأصولية التي كانت مقيّدة بها سابقاً، وباتت المساعدات التي تقدّمها الكنائس (حتى في الأحياء الأميركية الفقيرة) ترسل إلى "إسرائيل" لبناء المستوطنات، وصار يتمّ تنظيم زيارات سياحية دينية لتعميد المؤمنين وترسيخ الفكرة الدينية الداعمة لـ"إسرائيل" (تشكّل 40% من السياحة الإجمالية في "إسرائيل").

 

من الناحية العقائدية الدينية، يستند دعم "إسرائيل" لدى هؤلاء إلى العديد من الأسس الدينية المستمدة من العهد القديم (التوراة)، والتي تدّعي أن الله أعطى وعداً لإبراهيم ونسله بهذه الأرض المقدسة، وأنه لم يستبدله مع باقي البشر، كما يؤمن المسيحيون الآخرون من الإنجيليين وغير الإنجيليين (أكثر من ثلثي المستطلعين في دراسة حديثة وافقوا بشدة على أنَّ الوعد هو وعد أبدي من الله)، والمستمدّة من "عقيدة البركات" المقتبسة من تكوين 12: 3 ("سأبارك أولئك الذين يباركونك، وكل من يلعنك سألعنه")، و"عقيدة النبوة" التي تتوقّع أن تظهر نهاية الزمان بمجرد عودة الشّعب اليهودي إلى الأرض المقدّسة (77% من هؤلاء يعتقدون أننا في مرحلة نهاية الزمان).

 

أما الأمر الّذي يجعل اليهود الأميركيين "يتحسَّسون" من هذا الدعم وهذه المحبة لـ"إسرائيل"، فيظهر في السردية الإنجيلية لنهاية الزمان، التي تشير إلى أن نهاية الزمن الموعودة وعودة المسيح مرة ثانية ستجعل اليهود يهتدون ويؤمنون به.

 

أما أولئك الذين لا يفعلون، فسوف يموتون في تلك الحرب بين الخير والشر، وينتهي بهم المطاف في الجحيم (وجد استطلاع للرأي أجرته مجموعة الضغط الإسرائيلية "جي - ستريت" أن 80% من اليهود الأميركيين يعارضون أي نوع من التحالف بين الجماعات اليهودية المؤيدة لـ"إسرائيل" والحركة المسيحية الصهيونية).

 

وعلى الرغم من الحساسية اليهودية، ووعياً منها بأهمية وتوسّع سيطرة هذه الكنائس في الداخل الأميركي (25% من الناخبين المسجلين)، أقامت "آيباك" تحالفاً مع هذه المجموعات الدينيّة، ما جعل التأييد السياسي لـ"إسرائيل" أمراً مربحاً لكل مرشح أميركي. ولهذا السبب، حظيت التشريعات المؤيدة لـ"إسرائيل" بدعم واسع من الحزبين، مثل قانون نقل السفارة الأميركية إلى القدس في العام 1995، والذي تم تبنّيه بأغلبية (93 مقابل 5) في مجلس الشيوخ، و(374 مقابل 37) في الكونغرس.

 

وعلى الرغم من ذلك، وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، وبتأثير القاعدة المحافظة لهذه الكنائس، أصبح دعم الجمهوريين لـ"إسرائيل" أكثر وضوحاً، إلى أن أتى ترامب وجعله أكثر فجاجة، فسيطر الإنجيليون المؤيدون لـ"إسرائيل" على قرارات إدارة ترامب الخاصّة بالشّرق الأوسط، وقد صرّح نائب الرئيس الأميركي مايك بنس: "ينبع شغفي لإسرائيل من إيماني المسيحي... إن النظر إلى إسرائيل هو رؤية أنَّ إله إبراهيم وإسحق ويعقوب يفي بوعوده".

 

إذاً، يرتبط التأييد الأميركي لـ"إسرائيل" بفكرة توراتيَّة متشدّدة يستغلّها السّاسة الأميركيون لحصد تأييد الفئات الناخبة في الداخل، وهو ما أيقنه ومارسه فعلياً دونالد ترامب أكثر من سواه، إذ قام بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وقطع التمويل عن الأونروا، وأغلق المكتب التمثيلي الفلسطيني في واشنطن، واغتال الفريق قاسم سليماني، وضغط على الدول العربية للقيام بالتطبيع مع "إسرائيل"... وكما اعتبر ممثّل "مسيحيون متحدّون من أجل إسرائيل" سابقاً أنَّ الله "استخدم هتلر والمحرقة لإجبار اليهود على العودة إلى إسرائيل"، يعتبر هؤلاء اليوم أنَّ الله يستخدم ترامب لتنفيذ وعده وللسير نحو نهاية الزمان" على الرغم من سلوكياته غير الأخلاقية السابقة، وأن "يد الله" تتجلى في قراراته الخارجية والداخلية، لذا عليهم تأييده بكلّ  زخم. 

2020/12/08

الانتخابات الايرانية 2021: هل يتريث بايدن في رفع العقوبات؟

 

في مؤشرات واضحة لرغبته بالعودة الى الاتفاق النووي، تحدث الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن عن رغبته بالعودة الى الاتفاق النووي، معتبراً أن الحد الأدنى الذي من المفترض الوصول له هو "منع ايران من امتلاك السلاح النووي"، معتبراً ان خروج ترامب من الاتفاق كان خطيئة فبدلاً من ان يمنع ايران من ممارسة أنشطتها النووية وبدل أن يدفعها بفعل الضغوط القصوى والعقوبات للعودة الى طاولة المفاوضات، ساهمت سياساته في رغبة ايران في التخلي عن التزاماتها الدولية والعودة الى التخصيب النووي فوق السقف المتفق عليه.

 

عملياً، باشتراط إيران العودة عن جميع العقوبات التي فرضت في هذه الفترة لقبولها بالعودة الى اتفاق عام 2015، تدور الكثير من التكهنات حول تصرف إدارة جو بايدن ومدى سرعتها ومرونتها في العودة الى الاتفاق النووي مع ايران، خاصة في ظل اتجاه الايرانيين الى انتخابات في حزيران من العام القادم، وحيث تدخل الحماسة الانتخابية أوجها بدءًا من أواخر آذار 2021. وفي هذا الاطار يمكن الحديث عن خيارات ثلاث:

 

- الخيار الاول: أن ينتظر بايدن نتائج الانتخابات الايرانية كما انتظر الايرانيون نتائج الانتخابات الأميركية، فيقرر على ضوئها، فليس من المنطقي منح مكاسب لسلطة إيرانية قد لا تبقى في الحكم.

 

- الخيار الثاني: أن يعمد بايدن الى التسريع بالعودة الى الاتفاق مع ايران، لاستغلال زخم رفع العقوبات والعودة الى الاتفاق للتأثير على نتائج الانتخابات الايرانية الداخلية.

 

- الخيار الثالث: أن يعتمد بايدن سياسة "خطوة خطوة"، فيتدرج في رفع العقوبات في مرحلة أولى قبل الانتخابات وصولاً الى المفاوضات في فترة ما بعد الانتخابات الايرانية.

 

عملياً، إن الظروف المحيطة بالعودة الى الاتفاق النووي لعام 2015، قد تكون معقدة ومتشعبة، ومرتبطة بظروف دولية واقليمية لعل أبرزها:

 

1 - ظروف الانتخابات الإيرانية القادمة، وحيث سيكون أي أمر داخلي أو خارجي مثاراً للاستثمار انتخابياً من قبل المرشحين المتنافسين.

 

أثار اغتيال العالم النووي الايراني موجة من الانتقادات الداخلية للحكومة الاصلاحية، حيث أشار البعض الى أن الاتفاق النووي وسماح طهران بمقابلات لوكالة الطاقة الذرية مع فخري زادة هو من ساهم بكشفه ثم اغتياله، وهو الأمر الذي نفته السلطات الحكومية بشدة، نافية أن يكون فخري زادة قد قابل موظفي الوكالة.

 

وبالمثل، إن مجيء بايدن الى البيت الابيض في الولايات المتحدة وقيامه برفع العقوبات التي وضعها دونالد ترامب على ايران سوف يقوي موقف الاصلاحيين في الانتخابات القادمة، بينما وضع شروط تعجيزية كمثل التفاوض على الصواريخ الباليستية الايرانية وبقاء العقوبات وبالتالي بقاء الازمة الاقتصادية والاجتماعية على أشدها، سوف يدفع المحافظين الى استغلال الوضع لمصلحتهم في الانتخابات القادمة.

 

2- الموقف الاسرائيلي الذي سيضغط على إدارة بايدن لعدم التنازل في الموضوع الايراني، ولاستثمار الضغوط القصوى التي فرضها ترامب من أجل إجبار إيران على تقديم التنازلات في ملف الصواريخ الباليستية ولتقليص نفوذها الاقليمي ودعم قوى مثل حزب الله وحماس وغيرها.

 

هذا الموقف الاسرائيلي وجد صداه مبكراً في تصريح الخارجية الألماني هايكو ماس الذي اعتبر إن الاتفاق النووي السابق مع إيران لم يعد كافياً، ودعا إلى توسيعه ليشمل البرامج الباليستية الإيرانية والدور الإيراني في المنطقة، مؤكداً أنه تفاهم بشأن هذه النقاط مع نظيريه الفرنسي والبريطاني.

 

3- الموقف الخليجي المدعّم اسرائيلياً بالمصلحة المشتركة وباتفاقيات التطبيع التي عززت وضع الخليجيين مع أي إدارة أميركية مقبلة، حيث سيتذرع الخليجيون بالقلق الأمني الذي تشكّله ايران عبر شبكة صواريخها وأسلحتها، ووكلائها في المنطقة خاصة الحوثيين وحزب الله والحشد الشعبي في العراق.

 

وعلى هذا الأساس، ستجد إدارة بايدن نفسها مضطرة للموازنة بين هذه الضغوطات، إذ ليس من مصلحة الغرب والأميركيين ان يتم هزيمة الاصلاحيين في إيران وعودة التشدد الى السياسات الايرانية، خاصة في ظل وضع صعب انتخابياً عاشه الاصلاحيون بعد مجيء دونالد ترامب وتراجعه عن الاتفاق النووي والعودة الى العقوبات، كانت مؤشراته واضحة في الانتخابات البرلمانية الايرانية عام 2020، التي فاز فيها المحافظون بأغلبية ساحقة، وتدنت نسبة المشاركة فيها الى حوالي 40% بينما لم تقل هذه النسبة عن 50% طيلة 40 عاماً.

 

ويحتاج التيار الاصلاحي الى رافعة انتخابية حقيقة مثل رفع العقوبات، خاصة في الظل التردي الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه البلاد، وقوة التيار المحافظ داخلياً، والمعارضة الايرانية للثورة في الداخل والخارج التي كانت "تأمل" ان تؤدي عقوبات ترامب على المجتمع الايراني الى تقويض الحكم الديني برمته، وإسقاط النظام الايراني. 

 

وعليه، وفي دراسة للخيارات المتاحة أمام بايدن، نتوقع أن تعتمد الإدارة الأميركية القادمة مبدأ "التقدم خطوة خطوة"، بحيث:

 

-  تؤجل التفاوض على العودة الى الاتفاق الى ما بعد الانتخابات الايرانية في حزيران 2021، وأن تقوم برفع العقوبات الجديدة التي فرضها ترامب بصورة تدريجية.

 

- تعمد الإدارة الجديدة الى رفع بعض العقوبات لتحفيز جهود مكافحة كورونا، ولدواعٍ إنسانية وسواها، تريح المجتمع الايراني وتخدم التيار الاصلاحي مقابل تعهد ايراني بوقف زيادة التخصيب النووي والعودة الى بعض شروط اتفاق 2015 التي كانت ايران قد خرقتها نتيجة لعقوبات ترامب.

 

- تبقي بعض العقوبات التي فرضها ترامب للمساومة في مرحلة لاحقة، حيث يتم استثمارها بعد الانتخابات للعودة الى المفاوضات على الاتفاق النووي، ستكون نتائجها مرتبطة بقوة المفاوض الايراني والأوراق التي يملكها في مقابل الضغوط الخليجية والاسرائيلية وتوزيع الادوار بين الأميركي والأوروبي.