2011/03/31

هل يمكن اسقاط النظام الطائفي في لبنان؟


بلا شك لا يتصور حتى أكثر المتفائلين في قيادة التظاهرات المطالبة باسقاط النظام الطائفي في لبنان بأن السقوط سيكون سريعًا، وأن مجرد نزولهم الى الشارع سيجعل من تمرسوّا في قيادة هذا النظام وإدارة اللعبة الطائفي في لبنان يتخلون عن عروشهم لدولة مدنية.

تاريخيًا، شكّل الكيان اللبناني ساحة صراع تتنافس فيها الدول الكبرى المسيطرة على المنطقة وتتبادل الرسائل عبرها، وقد أدخلت الطوائف الدينية اللبنانية ومذاهبها المختلفة في شبكة نفوذ تلك الدول مبكرًا منذ عهد السلطنة العثمانية وما بعدها. وقد تدخلت الدول الكبرى في شؤون الامبراطورية العثمانية بذريعة حماية الاقليات الدينية فروسيا القيصرية مثلاً حمت الطائفة الأرثوذكسية، وفرنسا حمت الطائفة المارونية، والإمبراطورية النمساوية حمت الروم الكاثوليك، والإنكليز حموا الدروز، أما السلطنة العثمانية فحمت الطائفة السنّية.

ومنذ تلك الفترة وحتى يومنا هذا انتشرت ثقافة سياسية زبائنية عُرفت بـ "ثقافة القناصل" الذين استخدموا "الاعيان والوجهاء" لتكريس نفوذهم، والتدخل في الشؤون اللبنانية، وتحريض الطوائف على بعضها البعض، وهو ما ينبئ بأن ثقافة النميمة والاستعانة بالخارج ضد الفرقاء الداخليين الذي أكدته وثائق ويكيليكس هو ثقافة موروثة، تدخل في جينات تلك الطبقة السياسية التي تتوارث النظام اللبناني جيلاً بعد جيل.

وهكذا، ومع تأسيس الكيان واعلان الدولة، تنازلت الدولة عن صلاحياتها للطوائف، أو بالاحرى إن الطوائف التي سبق وجودها وجود الدولة أسست دولة هشّة ومحدودة القوة وتركت لنفسها الكثير من الاستقلالية والصلاحيات المفترض بالدولة الاضطلاع بها. وهكذا قامت علاقة عكسية بين سيادة الدولة وقوة الطوائف في لبنان، فكلما زادت قوة الطوائف تقلصت سيادة الدولة والعكس بالعكس.

وهكذا حوّل الصراع الدولي على أرض لبنان، والذي اتخذ شعارات "غلبة الطوائف لبعضها" او خوفها من بعضها البعض"، حوّل الدولة الى مجرّد حَكَم في صراع الطوائف فيما بينها، وهو في الحقيقة والواقع "صراع الدول الحامية لتلك الطوائف". واتخذت الطوائف من خوفها ذريعة لتكريس نظام وصاية على الدولة ومواطنيها، وصاية كرستها من خلال نظام المحاصصة الطائفية الذي بدأ مؤقتًا عام 1943 وتحول الى عرف دائم، كرّسه الدستور بعد التعديلات التي أقرّت عام 1990 بناءً على اتفاق الطائف.

جعل نظام المحاصصة هذا، الدولة مساحة لتحاصص الطوائف المختزلة بزعمائها، وجعل التناقضات والصراعات بينهم تأخذ طابعًا طائفيًا ومذهبيًا مقيتًا، فتعيق عمل السلطة، وتعرقل بناء دولة القانون والمؤسسات، وتفتح المجال لاستخدام الدين و"الخوف على الوجود والمصير" غطاءً للولاءات غير الوطنية، والاستقواء بالخارج لقلب موازين القوى الداخلية لصالحها، ولحماية وتفشي الفساد والفاسدين وانتشار الزبائنية، وانتاج فتن وحروب أهلية متكررة، وجعل لبنان ساحة مفتوحة لصراع تتداخل فيه العوامل الخارجية مع الداخلية، فتضعف سيادة الدولة الخارجية والداخلية المنقوصة أساسًا.

وهكذا تحولت الطائفية نظام حياة الشعب اللبناني بأكمله، تخترق بناه الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية وتدخل في تركيبة مؤسساته، وتخترق أحزابه واعلامه ومدارسه وجامعاته، وتدخل في نسيج تكوين الفرد والمجتمع كما في نسيج الدولة.

واليوم، وتزامنًا مع شعار التغيير وإسقاط الأنظمة المنتشر في العالم العربي، طرحت بعض القوى اللبنانية شعار"اسقاط النظام الطائفي" ، داعية الشباب اللبناني الى اللقاء في الساحات للتعبير عن سخطهم من الحالة التي أوصلهم اليها "نظام المحاصصة الطائفية في لبنان"، ممنين النفس بأن تشكّل التظاهرات وعيًا اجتماعيًا وخلق بيئة مناسبة للتغيير.

بشكل عام، هناك قوى عدة تتضرر من سقوط نظام المحاصصة الطائفية في لبنان ، ولا بد من تحديدها لمعرفة ما الذي يمكن أن يواجهه هذا الشباب الثائر:

- الاقطاع السياسي وزعماء الحروب الطائفية الذين تحوّلوا الى سياسيين، وهؤلاء تمدهم الحالة الطوائفية في لبنان بذخر استراتيجي كبير لممارسة نفوذ على الطوائف والادعاء التكلم باسمها للسيطرة على الدولة ومرافقها، وتعبئة المناصرين وتجييش الناخبين باسم الدفاع عن الطائفة والدين وحمايتهم من "الآخر".

- نظام التبعية والعمالة، الذي يتفشى في معظم الطوائف اللبنانية بدون استثناء، والذي يستخدم الحالة الطائفية والمذهبية مبررًا لعمالته، وفي كثير من الاحيان، يجد هؤلاء في المتكلمين باسم الطوائف من الفئة الاولى حاميًا ومنجيًا من العقاب.

- نظام الفساد المستشري في جميع هيكليات الدولة ومرافقها، وفي القطاعين العام والخاص. هؤلاء يجدون في الحالة الطوائفية ملاذًا وداعمًا، خاصة عندما يصبح المساس بهم، مساسًا بالطائفة بأكملها.

- طبقة أصحاب الصفقات من رؤوس الاموال، التي تحالفت مع الفئات السابقة وسيطرت على الدولة ومؤسساتها، خاصة بعد انتهاء الحرب الاهلية في التسعينات. تستخدم هذه الفئة التعابير الطائفية حجابًا للتستر على سرقتها للمال العام من خلال السياسات المالية التي أفقرت الشعب وجوعته، ورهنته ورهنت مصيره لأجيال مقبلة عدة.

من هنا، فان الداعين لاسقاط النظام الطائفي في لبنان، عليهم أن ينتقلوا الى استراتيجية أشمل من المسيرات الجوالة وشعاراتها، استراتيجية تقوم على تقويض أسس النظام التي اوردناها أعلاه تمهيدًا لاسقاطه. استراتيجية تقوم على البدء بدك أسس الفساد والافساد من خلال كشفهم وتعريتهم، والمطالبة بمحاكمتهم، ومحاكمة جميع العملاء، والمطالبة بإنهاء جميع سياسات التمييز المجحفة، وانهاء ثقافة العفو العام والخاص وطمس الحقائق وتعمية الرأي العام.

وهكذا، لا يمكن لنظام المحاصصة الطائفية ان يسقط، بدون اقتناع تامٍ بضرورة العيش معًا كمواطنين تامّين، نستمد حقوقنا من مواطنيتنا وليس من كوننا رعايا هذه الطائفة أو تلك. وذلك من خلال العمل على ترسيخ فكرة الانتماء الوطني: اي تحرير الوطن اللبناني من مشنقة الطائفية والمذهبية الملتفة على عنقه، وذلك من خلال اعادة الاعتبار الى المفهوم العالمي الذي يحدد مفهوم الوطن بوجود شعب مكوّن من أفراد قاموا بعقد اجتماعي فيما بينهم وارتضوا العيش معًا ضمن اقليم معين، ما يسمح بإحلال الانتماء الوطني مكان الانتماء الطائفي، مع الابقاء على حرية العقيدة والايمان الديني والتدين. ويعني هذا في ما يعنيه اقتناع تام بأن لا مفر لنا من العيش معًا، كما نحن بجميع تلاويننا الدينية وأن لا قدرة لطائفة ما مهما كبرت أو علا شأنها بأن تلغي الآخرين ليتنعم النافذون فيها بمغانم السلطة وحدهم، حاجبين لقمة العيش عن ابناء دينهم ومذهبهم قبل أن يحجبوه عن الآخرين.


2011/03/29

هلموا نسير الى فلسطين

بمناسبة يوم الارض، أقام حزب الاتحاد لقاءً تضامنيًا، وكان للباحثة ليلى نقولا الرحباني الكلمة التالية:



أيتها الارض المقدسة، مبارك لك يومك، وقليل عليك الاحتفاء بك كل ايام السنة الاخرى.

يا أرض القديسين المباركة، ما أحوجك اليوم الى جيل يشبه ذلك الجيل ... جيل تلك الملحمة البطولية التي خطّها فلسطينيون في يوم الارض الذي نستعيد اليوم ذكراه السادسة والثلاثون.

ما أحوجنا اليوم الى جيل،يسير من جميع الاقطار العربية في مسيرة لا تتوقف الى فلسطين.. جيل يخرج بمسيرات عفوية لملاقاة الارض، فلا ينتظر مؤتمرات نخبٍ خطابية، ولا قمم تبويس عربية، ولا مفاوضات تبعية ، ولا خرائط طريق خيانية..

جيل يقرر، فيواعد أقرانه على اللقاء في القدس... وتنطلق المسيرات من مخيمات اللجوء في لبنان والاردن وسوريا، داعيًا الشعب العربي للزحف نحو فلسطين، متعهدًا بعدم التوقف ولو قتل منا الآلاف ومئات الآلاف.. لا يتوقف إلا وقد عادت الارض الى أهلها، والقدس الى مقدساتها...

أين نحن اليوم من سمات ذلك الجيل؟

جيل عبّر عن نفسه، استعصى على قاتليه، تضامن، توحد وأعلن بصرخة واحدة :"أرضنا حياتنا، لن نقتلع ولن نرحل"..

أين جيل اليوم من جيل ذلك الزمان؟

لو قيض لهذه الأرض أن تنجب أجيالاً تشابه ذلك الجيل لما كنا اليوم نحتفل بعيد الارض بعيدًا عن الارض... ولما كنا اليوم نطل على فلسطين والدموع تملأ مآقينا، والحرقة تتملك قلوبنا.

أين أجيال اليوم، وأرض القدس تنهش نهشًا، تقضم وتهوّد.. أين أجيال اليوم وغزة تحت الحصار، والسلطة تجوب العالم عارضة الأرض على كشّة، تفاصل وتقايض وتتذلل.

أما من صرخة تدوّي، تجرح ضمير العالم وتنتصر لفلسطين؟

أما من مغيث لتلك الارض أم أن العرب مشغولون بشرق أوسطهم الجديد، واحتفالاتهم بتدخلات الاطلسي وكيد المكائد للمقاومة ومن يحالفها ومن يدعمها؟.

هل من عاقل في أرض العرب، يمكن أن يصدق أن طائرات الفانتوم وجيوش الاطلسي قادمة لنشر الحرية وحماية الانسانية في ليبيا؟.

هل من واعٍ في أرض العرب يمكن أن يصدق أن اسرائيل يمكن ان تذهب للسلام؟

ان طائرات الأطلسي التي تخترق الارض العربية بقذائفها، لا تهدف فقط للنفط وعقود شركات الاعمار وما سوى ذلك من مصالح اقتصادية ...بل هي جزء من ثورة مضادة تحاول وقف تلك الثورة العربية الكبرى التي اشتعلت في تونس ومصر وذهبت متنقلة في الأرض مشرقاً ومغرباً..

إن الإنسانية النفطية الأطلسية هذه تستهدف فيما تستهدف، إلى جانب تشويه الثوار وترويض النظام في ليبيا، هدفًا رئيسياً هو ربيع هذه الأمة المتمثل في هذه الثورة الشعبية الكبرى، هذا التحول التاريخي، الذي ما ان هلّت بشائره حتى تآمرت عليه كل دول العالم مستخدمة أساطيلها ومنظماتها الدولية، ووكلائها وعملاءها في الداخل.

أيها العرب، يا أبناء الارض

الحياة ميدان صراع وتنازع، يثبت فيها القوي ويدفع الضعيف الثمن…

ربيعكم أمامكم... والارض على مرمى أبصاركم.. فأما أن تقاوموا، أو تساقون الى الذبح سوقًا...

الخيار خياركم.. لا.. لم يعد لديكم خيار: سوى المقاومة.







2011/03/24

ويكليكس.. وثقافة الافلات من العقاب

 لم يكن ما كشفته وثائق ويكليكس "اللبنانية" عن حرب تموز خاصةً، أمرًا سريًا جدًا، فقد كان ما كُشف هو لسان حال اللبنانيين ووشوشاتهم في صالوناتهم، وكان كثر يتحدثون عن تواطؤ لبناني واستدراج للاسرائيلي لغزو لبنان، وعن تحريض ومعلومات استخبارية ورصد تحركات المقاومة قام بها أحد الوزراء تسببت في مقتل اللبنانيين والاغارة عليهم، ولو أن ما كان يقال لم يكن مثبتًا أو معلومًا بتفاصيله.

وبعد التسريبات المتعددة لويكيليكس، حددت المقاومة عبر أمينها العام السيد حسن نصرالله، خطتها للتعامل مع ملفات ويكليكس اللبنانية وخاصة في مسألة ما كشف من وثائق عن حرب تموز 2006، حددته بأمرين: المسامحة والعفو عن المتورطين في شق منها، والمقاضاة في الشق الثاني التحريضي على القتل.

بالنسبة للشق المتعلق بالادعاء أمام القضاء اللبناني، فان المقاومة المتمثلة بحزب الله، وأهالي الضحايا المتضررين من العدوان الاسرائيلي على لبنان، يمكن لها أن تلجأ الى القضاء لانصافهم في هذه القضية، ولتحديد الجرم الذي اقترفه هؤلاء ومدى تورطهم في التآمر على الوطن وابنائه، وبالتالي الفصل في مدى "صدقية" هذه الوثائق وصدقية ما نقل عن اللبنانيين فيها، بالرغم من أن بعض ممن اشارت اليهم الوثائق اعترفوا بصحتها، كوليد جنبلاط الذي لم ينفِ بل أكدها معتبرًا ما قيل هو من ضمن مرحلة شكّلت نقطة سوداء في تاريخه، أما سمير جعجع والسنيورة فقد أكدا ما ما نُسب اليهما، بل ان جعجع تمسك به واعتبره مفخرة على قاعدة انه لا يقول كلامين ولا يملك موقفين، بالاضافة الى عدم صدور نفي جدّي عن الآخرين وإن كان بعضهم قد حاول أن يدلي بتوضيحات ويصدر بيانات تؤكد صحة الوثائق أكثر مما تنفيها.

أما الشق الآخر من "خريطة طريق" تعامل المقاومة مع تسريبات ويكليكس، فيتضمن مسامحة وعفوًا من قبل حزب الله، عن بعض الاشخاص الذين حددهم السيد نصرالله بمن تورطوا في تحليلات ومواقف ونصائح للاميركيين في كيفية التعامل مع المقاومة وتصور لحلول أنسب لكسب الحرب واحتواء حزب الله وتجريده من سلاحه. لكن المسامحة والعفو لها شروطها، ومعاييرها القانونية والدولية، وخاصة ضمن ما يعرف بآليات العدالة الانتقالية التي باتت تستخدم عالميًا، في فترات الانتقال السياسي في بلدان عانت من ارث من انتهاكات حقوق الانسان.

واذا كان لا بد من عفو ومسامحة عن الجرائم المرتكبة بحق الوطن، التي كشفتها وثائق ويكليكس وبالرغم من تباين الافعال الجرمية المرتكبة من هؤلاء، فلا بد للعفو من أن يقترن بشروط وعوامل عدة أهمها:

أولاً: لا يمكن العفو المسبق عن هذه الجرائم بدون تحويلها الى القضاء، لتحديد مدى خطورة الجرم المرتكب، وتحديد المسؤوليات لان ذلك يخرق حق الضحايا في الانصاف، ويشجع ثقافة الافلات من العقاب.

لطالما ارتكز داعمو المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، على فكرة أساسية جوهرها أن انشاء المحكمة يقوض مبدأ الافلات من العقاب الذي كان سائدًا في لبنان، مرجعين ذلك الى تاريخ طويل من الجرائم التي ارتكبت في لبنان والتي بقيت من دون عقاب اما لغياب الإرادة السياسية لمحاكمة مرتكبيها او لغياب النصوص القانونية التي تجرّم هذه الأفعال او لعدم استقلال القضاء الوطني وقدرته على مباشرة إجراءات المحاكمة ...

لكل هذه الاسباب أيضًا، ولمواجهة ثقافة الافلات من العقاب السائدة، يحتاج الشعب اللبناني الى فتح ملف وثائق حرب تموز الويكليكسية أمام القضاء، لتحديد المسؤوليات، ومحاسبة ومساءلة وكشف كل متورط أظهرته الوثائق مقدمًا النصح والارشادات والاقتراحات للعدو الاسرائيلي أو لداعميه الاميركيين.

ثانيًا: لا يمكن العفو عن هذه الجرائم بدون كشفها أمام الرأي العام من قبل هيئة قضائية مستقلة وموثوقة، فمنذ عام 2005 ولغاية الآن، تطرح على الساحة السياسية اللبنانية عناوين، وتنظم تظاهرات تحت شعارات "الحقيقة" وضرورة معرفتها. وتأييدًا لهذه المطالب والعناوين، الشعب اللبناني يطالب أيضًا بمعرفة الحقيقة، كل الحقيقة، حول من استدعى اسرائيل لاحتلال لبنان، ومن حرّض ومن سهّل وحتى يريد أن يعرف من أعطى الاقتراحات والنصائح لنجاح العدوان. هناك حاجة لبنانية لمعرفة الحقيقة في من تسبب بقتل المواطنين اللبنانيين في عيتا وبنت جبيل ومارون الراس وبيروت والضاحية وسواها، ومن شجع وساهم وحرّض على تدمير البنية التحتية اللبنانية... هي حقائق تهم الشعب اللبناني تمامًا كما أهمية معرفة الحقيقة في من حرّض ونفذ جريمة اغتيال رفيق الحريري.

ثالثًا: لا يمكن العفو مسبقًا عن هؤلاء، لأن ذلك قد يعطي انطباعًا بأن التعامل مع العدو على مستويات عليا مسموح، بينما العمالة "الاصغر" فهي مدانة وتعرّض صاحبها للاشغال الشاقة او الاعدام.

كما ان العفو المسبق عن الجرائم قبل تقديم مرتكبيها للمحاكمة يمكن أن يقوض أسس الردع من خلال نشر فكرة مفادها أن الجرائم الخطيرة يمكن ارتكابها دون التعرض للعقاب مما يؤدي بالتالي الى تكرارها. ولنا عبرة في ما نشر في الوثائق الصهيوينة منذ فترة عن تعامل بعض اللبنانيين مع الوكالة اليهودية، وقيام بعض سياسيي فترة الاستقلال اللبناني في خمسينيات القرن الماضي، بدعوة اسرائيل الى اجتياح لبنان للانقلاب على بعضهم البعض. فلو تمّ محاكمة هؤلاء وفضحهم أمام الرأي العام اللبناني في تلك الفترة، لما تجرأ سياسيو اليوم على القيام بنفس الفعل بدون خشية من عقوبة أو فضيحة سياسية.

رابعًا: إذا كان العفو والمسامحة عاملان ضروريان للمصالحة الوطنية في لبنان، ولارساء السلام والاستقرار، لا يجوز الصفح والعفو عن أناس لم يعترفوا بجريمتهم أو يتوبوا عنها ولم يتقدموا من الشعب اللبناني بطلب المغفرة عما سببوه، بل هم يفاخرون كل يوم بما فعلوا، مستعدين لتكرار الفعل. فكيف يمكن العفو عن اشخاص لم يطلبوا العفو اصلاً؟

لا يمكن بأي حال من الاحوال، العفو عن تلك الجرائم المرتكبة بحق الوطن من أجل مد اليد لمصالحة من لا يريد مصالحة، ولا يجب ان تصبح المصالحة في بعض الأحيان بمثابة كلمة السر التي تعني الإفلات من العقاب. فالسلام والاستقرار لا يمكن أن يبنى على طمس الحقائق ومقولات "عفا الله عما مضى" التي يتقنها اللبنانيون حتى باتت جزءًا أساسيًا من ثقافة الفساد لديهم. كما إن المصالحة في مفهومها الحقيقي لا تعني النسيان والتستر على الافعال الجرمية المرتكبة وطمسها، بل تعني تمحيصًا ناضجًا وواعيًا وعلنيًا للماضي من أجل الاعتراف وإدانة الانتهاكات وتغيير السلوك للحيلولة دون ارتكابات مماثلة في المستقبل.

2011/03/19

Revolutions via Facebook?
Article published in “AUL University Journal” – March issue 2011

Leila Nicolas Rahbani
The role of Internet in protests and revolutions has increased in recent years. This was realized especially after what happened in Iran 2009, Tunisia and Egypt 2011. However, an important question should be asked: did the latest developments and incidents in the Arab world reveal that internet can usher in a new wave of democratization around the globe?

In fact, internet proved itself as a useful tool in increasing awareness, promoting democracy and human rights, and facilitating revolutionary groups’ abilities to lower the costs of participation, organization, recruitment and training through the social media networks like facebook, twitter and others. But like any other tool of communication, social media networks have inherent weaknesses and strengths, and their effectiveness depends on how can leaders use them effectively, how accessible they are, and the percentage of people who know how to use them.

Lately, situations in Tunisia and Egypt have both shown an increased use of social networking media such as Facebook and Twitter to help organize, communicate and ultimately initiate civil-disobedience campaigns and street actions. The Iranian “Green Revolution” in 2009, also, was closely followed by the Western media via YouTube and Twitter, and the latter even gave Moldova’s 2009 revolution its name, the “Twitter Revolution.”

In general, The Internet offered revolutionary groups worldwide to widely spread not just their ideological messages but also their training programs and operational plans. The social media, specifically, broadened their exposure, increased its speed, and lowered costs through networks of friends and associates sharing the information instantly and rapidly.

Lowering the costs of communication through usage of internet and social media networks in revolutionary acts seems to be a double edged sword:

a- With lower organizational and communications costs, a movement can depend less on outside funding, which also allows it to create the perception of being a purely national movement without foreign supporters. But at the same time, it diminishes operational security. Facebook messages can be open for all to see, and even private messages can be viewed by authorities through search warrants in more open countries or pressure on the Internet social media firms in more closed ones. Indeed, social media can quickly turn into a valuable intelligence-collection tool.

b- A reliance on social media can be exploited by a regime willing to cut the country off from Internet or domestic text messaging networks altogether, as has been the case in Egypt. Even though the shutting down of Internet did not reduce the numbers of Egyptian protesters in the streets. In fact, the protests only grew bigger as websites were shut down and the Internet was turned off.

c- Regimes can use social media also. One counter-protest tactic may be used by regimes is to spread disinformation, whether to scare protestors or lure them all to one location where the police wait for them.

d- The most obvious obstacle the revolutions face is the access rate to internet. Eventually, a successful revolutionary movement has to appeal to the middle class, the working class, retirees and rural segments of the population, groups that are unlikely to have Internet access in most developing countries.

In most Arab countries, the access to internet among population is below 35 percent, so if a movement wants to grow large enough to make effective change, it will have to use traditional media like TV and radio. Social media represent only one tool among many for an opposition group to employ. It should use other means for mobilization like face to face communications, phone calls and other means of direct communications, not through social networking only.

No one can deny that social media (facebook) offers advantages in circulating messages quickly and broadly, allowing organizers of protests to involve like-minded people in a movement at a very low cost. However, we should not overestimate the role of social media in breaking up the revolutions. Facebook messages alone did not prove to make Egyptian and Tunisian people move to the streets to protest and join the street actions. Social and economic conditions were the basic motives to revolutions, and social media just facilitated protests. Social media do not create protest movements; they only allow members of such movements to communicate more easily.

Eventually, the role and presence of charismatic leaders in revolutionary groups should not be ignored. Protest movements are rarely successful if led from somebody’s basement in a virtual arena or unknown person communicating with supporters through internet or facebook specifically.

Any revolutionary group is usually inspired by a leader, who does the most part of mobilization. Besides the internet, it has to use different means for interest aggregation, motivation, recruitment and communication. In this sense, internet or social media networks can be seen as a part of the overall strategy, but it cannot be the sole strategy.

2011/03/04

نتائج أولية للثورات العربية

في الوقت الذي تعمّ فيه الثورات مختلف أرجاء العالم العربي، يبدو من المبكر الحكم على نتائجها قبل انقشاع الغبار، خاصة في ظل تخوف مشروع من محاولات اختطاف للثورات وسرقتها، وفي ظل انعدام الثقة من أن الثورات قد لا تأكل أبناءها كما فعلت الثورة الفرنسية من قبل.

ولكن، إذا كان لنا أن نلحظ بعض النتائج المبكرة لهذه الثورات، فيمكن إدراج بعضها كما يلي:

أولاً: كرست الثورات سقوط "النموذج العراقي" للتغيير

لا يمكن فصل الثورات الحاصلة عما جرى في العالم العربي منذ عام 2003، أي منذ الاحتلال الاميركي للعراق. لقد أدركت الشعوب العربية ان التغيير القادم من الخارج على الدبابات الاميركية، والمغلف بشعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، لم يجلب للعراقيين سوى الدمار والتفتيت والتهجير والقتل، لذلك فهو نموذج غير صالح للتقليد، بالمقابل، ان انتصار المقاومة في لبنان عام 2006 وبعده صمود غزة عام 2008 أثبت أن الشعوب متى امتلكت زمام المبادرة وارادت التغيير، فهي تستطيع ذلك بالفعل. وهكذا أكدت الثورات النتيجة التي أرستها تجربة العراق، وهي سقوط مبدأ تغيير الانظمة من الخارج.
ثانيًا: أسقطت الثورات "النموذج السوداني" في مصر

كان لافتًا تزامن الهجمات ضد المسيحيين الاقباط في مصر مع تقسيم السودان، وما يجري في العراق من قتل للمسيحيين وتهجيرهم المتعمد. وإذا عطفنا تلك الهجمات ضد المسيحيين في المنطقة ككل، مع ما كشف من تورط لوزير الداخلية المصري، لتبين لنا أن بعض الانظمة العربية، ومنها النظام المصري السابق، كانت ضالعة في مخطط منهجي لتهجير المسيحيين، وتقسيم الدول العربية دويلات طائفية متناحرة تريح اسرائيل وتجعل من وجودها كدولة يهودية أمرًا طبيعيًا ومألوفًا في المنطقة العربية .

وهكذا، فان النتائج الاولية للثورة المصرية هي الاطاحة بالمخطط الذي كان معدًا لاثارة الاحقاد الطائفية لدى أقباط مصر، تمهيدًا لتهجيرهم أو تجميعهم داخليًا في منطقة واحدة كما كان يحاول البعض أن يفعل في لبنان تمهيدًا للتقسيم، وهكذا، حمت الثورة مصر من التقسيم وحمت الاقباط من التهجير.

ثالثًا: كرست الثورات سقوط "نموذج الدولة - السوق"

أتت الثورات العربية اليوم لتكمل ما كانت قد أظهرته الازمة الاقتصادية العالمية عام 2008 ، من سقوط للنظريات الليبرالية التي تدعو الى تقليص دور الدولة وبروز السوق مكانها. نزلت الجماهير العربية الغاضبة لتطالب بسقوط نموذج الدولة- الحارس وسيطرة طبقات رجال الاعمال، وخصخصة القطاع العام، وقد ظهر جليًا من خلال ما رفعه الثوار من مطالب اقتصادية واجتماعية، تعلّق الفئات الشعبية وخصوصًا المحرومة منها بالدولة الاجتماعية التي عرفوها بعد الاستقلال، والتي جرى تفكيكها على نطاقٍ واسعٍ في العقود الأخيرة.

رابعًا: وجود أزمة ثقة بنيوية بين الجماهير وقوات الشرطة

أظهرت الثورات بشكل لا لبس فيه، أن الكره والنظرة السيئة للشرطة والامن الداخلي تشبه الى حد كبير النظرة الشعبية للجباة والعسكر ايام الحكم الاجنبي. وهذا يعني ان دولة ما بعد الاستقلال في العالم العربي لم تستطع إزالة الاثار النفسية والثقافية للذاكرة الجماعية العربية المثخنة بذكريات الاستعمار، فبدت هذه الدولة في ذهنه كاستمرار لحكم أجنبي مستعمر بواسطة وكيل محلي متسلط يمارس نفس السياسات.

قد يكون السبب ان الشرطة تحولت الى أداة قمع مستمر للمواطنين تمامًا كما كانت مهمة "الجندرما" أو "الانكشارية" خلال الاستعمار، زد على ذلك التطور الذي طرأ على دور أجهزة المخابرات العربية التي تحوّلت إلى ما يُشبه الطبقة الإجتماعية، حيث أنها مارست سيطرة أمنية وسياسية واقتصادية، وحققت اختراق واسع النطاق للمجتمعين المدني والسياسي، ثم تطورت الى ممارسة هيمنة ثقافية وفكرية واعلامية، تماماً كما تفعل الطبقة الرأسمالية المُسيطرة.

لذا، أظهرت الثورات حاجة المجتعات العربية الى انتاج ثقافة سياسية جديدة، تعيد هيكلة وبناء نظرة المواطن العربي الى النظام، وتفعيل حس المواطنية لديه، واحترام الدولة ومؤسساتها وآلياتها.

خامسًا: بوادر بروز دول مدنية

لقد تحولت المؤسسات الدينية الاسلامية والمسيحية الرسمية على امتداد العالم العربي، الى أشبه بوزارات حكومية ناطقة باسم الحكام ومستفيدة منهم تمارس الزبائنية السياسية معهم، في تنكر رئيسي لمهامها وهي الاهتمام بالناس ومصالحهم وصلاحهم .

في مصر، صدم البابا شنوده بموقفه المؤيد لنظام حسني مبارك، الاقباط انفسهم ومسيحيي المشرق بشكل عام، كذلك صُدم العالم الإسلامي من موقف شيخ الأزهر، ومختلف الشيوخ مع بدايات الثورة المصرية وهو ما جعل الأنظار تصوّب إلى هذا الصرح الإسلامي الكبير الذي قاد في يوم من الايام ثورة المصريين ضد نابليون، وقدم ست شهداء من الشيوخ. وهذا ما يدفع البعض الى اقتراح تعديل القوانين بحيث يتم انتخاب شيخ الأزهر بدل تعيينه، وهذا ما قد يؤدي عمليًا الى انتهاء المزاوجة بين السلطة السياسية والمؤسسات الدينية في مصر وقد يمتد الى انحاء العالم العربي، وسيؤدي الى تأسيس دول مدنية بطبيعة الحال، وهو ما دعا اليه الشيخ القرضاوي في مصر.

سادسًا: بوادر نهضة عربية

لطالما شكا المثقفون من أن ثقافة المجتمعات العربية السياسية، تتمتع بميل كبير للخضوع وتهميش الذات، وأن الفئات المشاركة في المجتمع قليلة، لذا فان التغيير يبدو صعبًا وحتى مستحيلاً في بعض البلدان. لكن الثورات أظهرت أن المجتمعات العربية تتمتع بقدر كافٍ من الشرائح "المشاركة"، لا بل ان الفئات "الخاضعة والهامشية" تقلصت الى حدها الادنى خلال الثورات.

لذا، إن نهضة عربية أكيدة بصدد البروز في ما لو قدر للثورات العربية ان تحقق قدرًا كافيًا من الطموحات الشعبية، وتخلق فارقًا نوعيًا في الحياة الاجتماعية والسياسية، وان لم تستطع تحقيق ذلك، فقد تعيد الثقافة السياسة انتاج نفسها، وتعيد الشرائح الاجتماعية الى الخضوع وتهميش الذات.
في النهاية، وأن كان الحديث عن نتائج سياسية كبيرة يبدو مبكرًا، ولكننا نعتقد أن المطالبات بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية التي نزلت الشعوب العربية تحت راياتها لا يمكن فصلها عن الاصلاح السياسي، فالتنمية الاقتصادية والإصلاح السياسي توأمان لا ينفصلان.

وهكذا، تواجه المجتمعات العربية الثائرة اليوم، تحديات داخلية عدة بالاضافة الى التحديات الخارجية، تعيق انطلاقتها في عملية الاصلاح أهمها:

- الطبقات المتسلطة المتجسدة بالاقطاع السياسي والمالي والديني المتحالف مع بعضه البعض والذي تلغي امكانية التنوّع السياسي والتقدم والتغيير؛

- البيروقراطية المتجذرة التي تعتاش على الفساد؛

- عدم تمكين المرأة التي تشكل نصف المجتمع العاجز عن المبادرة؛

- الفجوة المعرفية بين العالم العربي وبقية العالم.

لذا لا بدّ للأنظمة السياسية التي ستفرزها الثورات من أن تعتمد عملية مستدامة قد تمتدّ الى عقود من الزمن، وهذه العملية لا بدّ أن تتم من الأسفل إلى الأعلى، ومن الأعلى إلى الأسفل. وإذا لم تتمّ بهذه الطريقة، فإن التغيير القادم لن يكون على قدر الآمال المعقودة عليه، وسيتحول ما نشهده اليوم الى مجرد انتفاضات شعبية غيّرت وجه الانظمة وأعادت التأسيس لأنظمة أتعس مما سبق، وقد يأتي يوم نترحم فيه على أنظمة كنا نرجمها ليل نهار ونتهمها بفقدان الشرعية.