2023/09/24

أرمينيا... أي ثمن لدخول الناتو؟

تبريراً للهزيمة التي منيت بها أرمينيا في اقليم كاراباخ، انتقد رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان تحالفات بلاده الحالية، وأكد "إن أنظمة الأمن الخارجي التي تنضوي فيها أرمينيا أثبتت أنها غير مجدية لحماية أمنها ومصالحها".
وخلال الأسبوع الماضي، شنّت أذربيجان هجوماً على اقليم ناغورنو كاراباخ المحاصر منذ فترة، ما دفع الأرمن في الاقليم الى الاستسلام بعد يوم واحد، بعدما رفضت السلطات في أرمينيا إرسال جيشها للدفاع عن الاقليم، وبعدما بات واضحاً عدم رغبة موسكو بالدفاع عن الاقليم أو منع إذربيجان من احتلال المناطق التي بقيت خارج نطاق السيطرة الآذرية بعد هزيمة عام 2020.
مؤخراً توترت العلاقات بين روسيا وأرمينيا، حيث طرح رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان في أيار/مايو 2023 احتمال انسحاب بلاده من منظمة "معاهدة الأمن الجماعي" التي ترأسها روسيا. وفي حين رفضت أرمينيا في كانون الثاني/يناير استضافة مناورات لهذه المنظمة، قامت باستضافة مناورات عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة خلال سبتمبر/ أيلول الحالي. كما أرسلت أرمينيا مساعدات لأوكرانيا نقلتها زوجة باشينيان بنفسها، ما أثار استياءً لدى الروس، وردت وزارة الخارجية الروسية باستدعاء سفير أرمينيا في موسكو للتشاور واتهام يريفان بمساعدة "نظام كييف النازي".
يتهم الروس ومعهم العديد من الأرمن المعارضين في الداخل باشينيان بأنه يريد التحوّل الى الغرب، بينما يقول المسؤولون الأرمن أن الهدف هو تنويع السياسة الخارجية لأرمينيا بعيداً عن اعتمادها السابق على موسكو.
عملياً، وبغض النظر عن التباين في وجهات النظر بين البلدين، إلا أن الواضح أن باشينيان يريد أن يقطع العلاقة مع الروس لصالح علاقة افضل مع الغرب، ولربما محاولة الدخول في حلف الناتو.
كما بات واضحاً أن المسؤولين الأرمن يقومون بكل ما من شأنه أن يستفز الروس، فبالاضافة الى ما سبق ذكره، أعلنوا نيتهم التصديق على نظام روما الأساسي، أي الدخول أطراف في نظام المحكمة الجنائية الدولية، وهذا يعني أن أرمينيا ستصبح ملزمة باعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، المطلوب لدى المحكمة.
وكان البعض من المسؤولين في الغرب قد تحدثوا أنه آن الأوان لأرمينيا لأن تدخل في حلف الناتو، وقد يكون هذا الهدف الذي جعل باشينيان يتحدى موسكو ويعلن أن "تحالفات أرمينيا لم تعد مجدية" وبالتالي عليها أن تفتش عن تحالفات جديدة. وقد يكن هذا أحد الأسباب لإعترافه في مايو/ ايار الماضي بإقليم كاراباخ كجزء من اذربيجان، في سعي منه الى إنهاء قضية أزمة اقليم ناغورنو كاراباخ نهائياً، إذ لا يمكن لأي دولة منخرطة في حرب أن يُقبل طلبها للدخول الى حلف الناتو.
في النتيجة، من حق أرمينيا أن تختار التحالفات التي تناسبها ولكن تجربة جورجيا المجاورة لأرمينيا للدخول في حلف الناتو عام 2008، كلّفتها خسارة اقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. وحلم أوكرانيا بدخول الناتو كلفها حرباً ما زالت مستمرة لغاية اليوم.
زد على ذلك، أن دخول أرمينيا في حلف الناتو لن يشكّل قلقاً امنياً لموسكو فحسب، بل سيشكّل قلقاً أمنياً أكبر لإيران الدولة المحاذية لأرمينيا، والتي لن تسكت على وصول قواعد حلف الناتو الى جوارها وتهديد أمنها القومي. فما الأخطار الأمنية والاقليمية التي ستتعرض لها أرمينيا في حال تحوّل جنوب القوقاز بؤرة توتر استراتيجي؟
بالاضافة الى الاخطار الأمنية المتأتية عن قلق كل من موسكو وطهران، وبما إن دخول حلف الناتو ليس بقرار يمكن ان ينفذ بين ليلة وضحاها، ويحتاج الى الكثير من الشروط والمساومات، ويحتاج الى إجماع من قبل "جميع" أعضاء الحلف الحاليين، ما الذي يمنع أن تُجبر أرمينيا على تقديم التنازلات (قد يكون لتركيا) للقبول بانضمامها الى الحلف في حال استوفت الشروط الأخرى؟.

الشراكة الصينية السورية: مشروع انفراج أو وعد مؤجل؟

خلال زيارة تاريخية  قام بها الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته الى الصين، تمّ الاعلان عن توقيع اتفاقيات "شراكة استراتيجية" بين البلدين، وصفها الرئيس الصيني شي جينبينغ بأنها "محطة مهمة في تاريخ العلاقات الثنائية". ودعا  شي جينبينغ إلى رفع جميع العقوبات "غير المشروعة والآحادية" المفروضة على سوريا فوراً، مؤكداً إن الصين تدعم التسوية السياسية للأزمة في سوريا، وتحسين علاقات دمشق مع باقي الدول العربية، كما تدعمها في إعادة الإعمار وتعزيز بناء القدرة على مكافحة الإرهاب.

ماذا تعني هذه الشراكة الاستراتيجية؟

 منذ الاعلان عن مبادرة الطريق والحزام الصينية، بات بناء "الشراكات الاستراتيجية" أحد أهم أبعاد الدبلوماسية الصينية، وقد زاد عدد الدول التي تقيم معها الصين الشراكات بشكل مطرد منذ عام 2016.

وبعكس السياسة الخارجية الأميركية التي تبنى على أساس استخدام وسائل صلبة وناعمة وعلى اعتماد وسائل الضغط المختلفة حتى على الحلفاء، تبنى السياسة الخارجية الصينية على أساس المصالح المشتركة مع الدول الاخرى، فتعمد الى استخدام مبدأ الشراكات كأدوات جيوسياسية للقوة والنفوذ العالمي والاقليمي بدلاً من التحالفات التي يستخدمها الأميركيون بشكل عام.

تدرك الصين أن بناء التحالفات بالشكل التقليدي للكلمة، قد تفرض على لاصين التزامات تعرض المصالح الصينية لمخاطر عالية، في حين أن الشراكات يُنظر إليها على أنها أكثر مرونة وقائمة على المصالح الاقتصادية المشتركة، وعلى الالتزام المشترك بإدارة الازمات التي لا يمكن تجنبها، بحيث تتمكن الصين من مواصلة التعاون الاقتصادي والتنموي وفي المجالات الحيوية ذات الاهتمام المشترك، بدون أي التزام أمني أو سياسي من قبلها.

تتضمن "الشراكات الاستراتيجية" الصينية مستويات متعددة، حيث تبدأ بالشراكة التعاونية في الحد الأدنى، وتصل الى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة في حدّها الأعلى من التنسيق والشراكة بين الدولتين وذلك على الشكل التالي من الأعلى الى الأدنى:

1-  الشراكة الاستراتيجية الشاملة: وتفترض التعاون الكامل والشامل في الشؤون الإقليمية والدولية.

2-  الشراكة الاستراتيجية، وتعتمد على التنسيق بشكل وثيق في الشؤون الإقليمية والدولية.

3-  شراكة تعاونية شاملة: وتقوم على تعزيز التبادلات رفيعة المستوى، وتعزيز الاتصالات على مختلف المستويات، وزيادة التفاهم المتبادل حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.

4-  الشراكة التعاونية: تسعى الى تطوير التعاون في القضايا الثنائية على أساس الاحترام والمنفعة المتبادلة.

5-  الشراكة التعاونية الودية (الصداقة): تعزيز التعاون في القضايا الثنائية مثل التجارة والاستثمارات وغيرها.

وهكذا، تعمد الصين الى تحقيق مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط عبر شراكات ثنائية بينية، دون تبني أهداف على مستوى المنطقة أو عقد تحالفات متعددة الأطراف. وتميل شراكات الصين مع دول المنطقة بشكل أساسي الى الفئات الثلاث الأعلى الرئيسية، باستثناء اسرائيل التي تعقد معها "شراكة استراتيحية مبتكرة"، وهو نوع استثنائي مبتكر.

-      بالنسبة لسوريا:

تشكّل هذه الزيارة وتوقيع اتفاقية شراكة استراتيجية مع الصين، استكمالاً للمسار الذي بدأته سوريا بفك العزلة التي فرضها عليها الغرب والذي بدأ بعودتها الى جامعة الدول العربية، وبدء المسار التفاوضي للمصالحة بين سوريا وتركيا.

ومن ناحية أخرى، يشكّل الموقع الحغرافي لسوريا أهمية استراتيجية – اقتصادية للدول التي تسعى الى الاستثمار في المنطقة وأهمها الصين، فهي من ناحية تجاور العراق الذي يساهم بنسبة حوالى 10 بالمئة من النفط الذي تستورده الصين، بالاضافة الى أهمية سوريا لطريق الحرير الصيني بوجودها على المتوسط، كونه حلقة الوصل الذي يمر عبره جميع مشاريع الممرات الاقتصادية التي تمر من آسيا الى أوروبا.

بالنسبة لإعادة الاعمار في سوريا، وحيث نقلت وسائل الاعلام الصينية عن الرئيس الصيني قوله بأن الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم ستدعم إعادة الإعمار في سوريا، فالأمر يرتبط الى حد بعيد بقدرة الشركات الصينية على تحدي العقوبات الغربية بموجب قانون قيصر، فالتجربة الايرانية مع الشركات الاوروبية والصينية في قدرتهم ورغبتهم في تحدي العقوبات حتى الآحادية منها، ليست مشجعة.

وعليه، يبدو توقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين سوريا والصين، والتفاؤل الصيني والوعد الذي قطعه الرئيس شي بإعادة الاعمار مرتبطاً أما بأحد سيناريوهين:

- الاول: تصور صيني أن تسهيلات تلوح في الأفق نتيحة تراجع الاميركيين عن سياستهم السابقة في تغيير الانظمة والدعوة الى الدبلوماسية والاستقرار في المنطقة، وبالتالي سيتاح للدول العربية والصين مساعدة سوريا مقابل خطوات سياسية مقابلة، يرافقه غضّ نظر أميركي عن العقوبات ولو بدون تحقيق تسوية شاملة.

الثاني: هو مشروع مستقبلي واعد ولكنه مؤجل الى حين نضوج التسوية الشاملة في المنطقة، وتبدل موازين القوى التي ستفرض التراجع الغربي عن العقوبات المفروضة على سوريا. 

 

2023/09/18

الحل في اليمن .. حاجة لجميع الاطراف

منذ إعلان التفاهم الايراني السعودي في آذار/مارس من هذا العام، ينتظر العالم والمنطقة نتيجة هذه التفاهمات وكيف ستنعكس على القضايا المتداخلة بين الطرفين وخاصة في اليمن ولبنان. وهكذا، يترقب العالم نتائج الزيارة الأولى لحركة أنصار الله الحوثية إلى السعودية بناء لدعوة من الرياض بعد سلسلة لقاءات كان أخرها في أبريل/نيسان في سلطنة عمان.

وبحسب التصريحات المعلنة، يناقش الطرفين السعودي واليمني، مواضيع عدة أبرزها الوضع الإنساني، ورفع الحصار، وصرف رواتب موظفي حكومة حركة أنصار الله، وإطلاق جميع الأسرى، ووقف إطلاق النار، والحل السياسي الشامل في اليمن وإعادة الإعمار. علماً أن رئيس الوفد اليمني، محمد عبد السلام، تحدث عن أن المفاوضات تتم مع دول "التحالف" والمجتمع الدولي والجانب السعودي.

وقد يكون التقدم اليوم يعود الى أسباب عدّة أهمها:

-        حاجة كل من السعودية وإيران الى الهدوء والاستقرار في المنطقة بعد سنوات من الاستنزاف المكلف للجميع. وقد عكست الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى السعودية المرونة والايجابية في التعامل مع الملفات العالقة، وإصراراً من الجانبين على دفع عملية التطبيع بينهما قدماً الى الامام.

-        الحاجة اليمنية للتقدم في الملفات العالقة. وكانت حركة انصار الله ثد طالبت بوضع حد نهائي للمماطلة وأعطت مهلة تنتهي في آخر أيلول/ سبتمبر الجاري لحلّ المسائل العالقة وإلا فإن الخيار العسكري يبقى مطروحاً على الطاولة. علماً أنه مر زمن طويل على المبادرة السعودية التي أعلن عنها في آذار/ مارس 2021،  والتي لم تؤدِ الى حلٍ نهائي للقضايا العالقة بالرغم من وقف إطلاق النار.

-        الأهداف والمشاريع الاستثمارية لولي العهد السعودي، ورؤية 2030. كان واضحاً أن الزيارة التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الى سلطنة عمان بعد مشاركته في اجتماعات قمة مجموعة العشرين التي عقدت في الهند، كانت تهدف الى تفعيل الوساطة العمانية في موضوع اليمن، خاصة أن الاتفاقيات الاستثمارية ومشاريع التنمية في المنطقة، والممر الكبير الذي تمّ الاعلان عنه، لا يمكن أن تتحقق بدون سلام واستقرار في منطقة الخليج ككل.

-        رغبة أميركية بالتهدئة ودعم الاستقرار في المنطقة، واعتماد الخيار الدبلوماسي بديلاً عن سياسة التدخلات العسكرية وسياسة تغيير الأنظمة التي فشلت (بحسب ما جاء في وثيقة الأمن القومي الأميركية التي أعلنها الرئيس بايدن عام 2022). وقد رحب مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان بالزيارة الحوثية، وقال إن بلاده تفخر بتقديم دعمها الدبلوماسي لجهود السلام في اليمن بالتنسيق مع الأطراف اليمنية والأمم المتحدة، ودعا جميع أطراف الصراع إلى وضع حد للحرب.

في النتيجة، إن المباحثات الجارية بين السعودية وحركة أنصار الله اليمنية، تؤكد أن الاتفاق السعودي الايراني الذي تمّ توقيعه في الصين، وبعكس ما اشيع، لم يتطرق في القضايا العالقة في المنطقة، بل كان عبارة عن اتفاق إطار بين البلدين لإعادة العلاقات بينهما وتعزيزها، على أن تترك خلافاتهما حول  قضايا المنطقة الى المفاوضات اللاحقة فيما بعد، وهو إطار مختلف عن المسار السابق الذي بدأ في العراق والذي كان يبحث في القضايا العالقة على أن يتم تتويج المباحثات بإتفاق وعودة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين. 

 

2023/09/17

لبنان: الشعبوية الطائفية خطر وجوديّ

 

 

انفجرت الشعبوية في العالم عام 2016، مع موجة الهجرة غير الشرعية واللجوء في أوروبا التي بدأت عام 2015، مع تدفّق اللاجئين من سوريا وأفريقيا وأفغانستان وغيرها من الدول، ومع وصول دونالد ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة الأميركية. بعدها، بدأت "العدوى" الشعبوية تضرب العالم، حيث بات كثيرون في العالم يجدون في الأساليب التي استخدمها ترامب وسيلة سياسية جيدة صالحة للتقليد للوصول إلى السلطة.

 

الشعبوية ليست أيديولوجية فكرية كما هي الليبرالية أو الرأسمالية أو الاشتراكية، بل هي أسلوب سياسي يقوم على تعزيز الأيديولوجية الأساسية للشخص الذي يستخدمها. وهي ببساطة، تقوم على فكرة استخدام الحسّ الشعبي الغرائزي والتصوّرات الشعبية السياسية وتضخيمها وتعزيزها، لتصبح خطاباً سياسياً موجّهاً ضد النخب الحاكمة.

 

ما يساعد الشعبوي هو أن احتياجات الناس أو مصالحهم عادة ما تتعارض مع احتياجات ومصالح أولئك الذين يحكمون، أو ما يصطلح تسميته بـ "النخب". فمن ناحية، يركّز الشعبويون على تصوير أنفسهم أنهم يمثّلون "الشعب" في مواجهة "النخب" التي تقوم بسحق مصالحه وتهديد وجوده من أجل مصالحها الخاصة.

 

تختلف الشعبوية عن الأنظمة السياسية الديمقراطية في النظرة إلى مفهوم علاقة الحاكم بالمحكوم، أو الشعب بممثّليه السياسيين. ففي الديمقراطيات الحديثة، تقوم النخب السياسية بتمثيل الشعب ومصالحه، حيث يقوم الشعب باختيار ممثليه في السلطة، وهؤلاء بدورهم يقومون بتمثيل المصالح العامة، وتتمّ محاسبتهم في الانتخابات.

 

أما الشعبوية، فتكرّس مفهوماً مختلفاً، عدائياً، للعلاقة بين الشعب والنخب السياسية. وهكذا، تبدو السمة الأكثر تميّزاً للحركات والأحزاب الشعبوية هي ولعهم بتقسيم المجتمع إلى مجموعتين متعارضتين: الناس من جهة، والنخب من جهة أخرى.

 

لا شكّ أن الدول الديمقراطية تشهد تنافساً بين النخب على تصوّراتهم في كيفية تمثيل الشعب، حيث تتنافس الأحزاب على تقديم برامجها لخدمة المواطنين، فيختار المواطن ما يناسب توجّهاته الفكرية والأيديولوجية. لكن الشعبوية، تقلب هذه المفاهيم رأساً على عقب، حيث تقدّم نموذجاً سياسياً، يركّز على "وحدة الشعب" في صراعه مع "النخب ككتلة واحدة" وهؤلاء يتم وصفهم بأنهم "فاسدون" و "فاقدو الوطنية".

 

2-الوسائل الشعبوية:

 

أ‌-خلق الأزمات.

 

ب‌-الفظاظة والتنمّر وعدم احترام القيم

 

ت‌-أنا الحزب والحزب أنا.

 

أ‌-واقعياً، من الصعب على الشعبوية أن تنمو من دون وجود أزمة. وعليه، تزدهر الشعبوية حيث تفشل السياسة "العادية" في تقديم حلول للمشكلات الحياتية والطارئة التي تهم المواطنين أو تحرّكهم.

 

 تعتمد الشعبوية في البداية على حصول أزمات اقتصادية أو سياسية، فتعمد إلى استغلالها مدّعية وقوفها إلى جانب الشعب ضد "مَن تسبّب بالأزمة"، أو أولئك العاجزين عن حلّ المشكلات، وهم بالطبع "الطبقة الحاكمة" بمجملها.

 

وبعد أن تستغلّ الشعبوية الأزمة الأساسية، يعمد الشعبويون إلى تضخيم الأزمة، وتأمين ديمومتها واستمرارها، والأهم تصوير أي أزمة اجتماعية أو سياسية وكأنها "مسألة أمن قومي" تهدّد وجود الدولة والوطن برمّته.

 

على سبيل المثال، استغل اليمين في أوروبا الأزمة الاقتصادية والهجرة غير الشرعية للتصويب على المسلمين ونشر الإسلاموفوبيا، وللادعاء بأن تزايد الأقليات المسلمة في القارة الأوروبية هو مسألة أمن قومي، حيث سيتغيّر وجه أوروبا المسيحي إلى الأبد، بالرغم من أن نسبة المسلمين في أوروبا لا تتعدى 6% من مجموع السكان

 

ب‌-الشعبوية هي سياسة عاطفية حيث يتم تصوير الشعبوي كمشروع بطولي يتناول أموراً وجودية، وليس شأناً سياسياً عادياً.

 

ويعتمد الشعبوي أسلوباً فظاً في الخطاب السياسي، ويمارس الازدراء والتنمّر وكيل الاتهامات لخصومه بانعدام الوطنية. عملياً، بات الأسلوب الخطابي الذي استخدمه ترامب، هو الدليل التوجيهي للشعبويين في العالم.

 

ت‌-تحوّلت الأحزاب الشعبوية إلى أحزاب الشخص، فبدلاً من المؤسسات الحزبية الديمقراطية التي تسهم في تقدّم الأعضاء وتحقيق برنامج الحزب، يختصر الزعيم الشعبوي حزبه، ويتحوّل الحزب إلى أداة لتقدّمه الشخصي، ويتمّ وصفه بأنه "بعيد النظر"، "الملهم" و"المخلّص".

 

أزمة لبنان

منذ حراك 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، يعاني لبنان من ارتفاع الشعبوية السياسية، حيث بات كلّ زعيم سياسي أو طائفي، يدّعي أنه من خارج "المنظومة" وأنه يعمل لتخليص "الشعب ككل" مما تسبّبت به النخب السياسية الحاكمة.

 

وبغض النظر عن صحة الادعاءات التي يطلقها هؤلاء، ومعظمهم إن لم نقل جميعهم هم من "النخب السياسية" نفسها التي يهاجمونها، لكن تكمن المشكلة الأساسية في لبنان في الطائفية التي هي أساس العمل السياسي والحزبي.

 

المشكلة أن الشعبوية في لبنان تحتاج الى تجييش مذهبي وطائفي وخلق أزمات طائفية تقتات عليها. وهذا، يؤدي إلى تعزيز الخطاب الطائفي على الخطاب الوطني الجامع، فتتقدّم العناصر الحزبية الأكثر تطرفاً والأكثر عنصرية على العناصر الأكثر رقياً وانفتاحاً وحرصاً على العيش اللبناني المشترك.

 

إن ارتفاع الشعبوية الشخصية – الطائفية على حساب المؤسساتية الحزبية يعني أن الأزمات التي بدأت في لبنان سياسية واقتصادية واجتماعية، سوف تتحوّل إلى أزمات عميقة بين مكوّنات المجتمع الثقافية، ما يجعلها تتسبّب بتشققات مجتمعية من الصعب ترميمها، وستؤدي الى أزمات عميقة من الصعب تخطّيها.

2023/09/11

بايدن في قمة العشرين: جذب السعودية لمواجهة الصين؟

"إذا لم تتذكر شيئاً آخر من خطابي، فتذكر I2U2، لأنك ستسمع المزيد عنها بينما نمضي قدماً"، بهذه العبارة ختم مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان حديثه أمام معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في أيار /مايو 2023 والذي استعرض فيه إنجازات إدارة بايدن في السياسة الخارجية.

مبادرة "I2U2" هي اتفاقية شراكة تضم كلاً من الولايات المتحدة والهند و"إسرائيل" والإمارات العربية المتحدة، وأعطيت اسم "المنتدى الدولي للتعاون الاقتصادي"، لربط جنوب آسيا بالشرق الأوسط ثم بأوروبا، عبر "طرق تخدم الاقتصاد والدبلوماسية الأميركيين" (بحسب تعبير جاك سوليفان).

وبالفعل، وتطويراً للمبادرة المذكورة، تمّ الإعلان خلال قمة العشرين هذا العام عن توقيع مذكرة تفاهم بين السعودية والولايات المتحدة لإنشاء ممر اقتصادي تنموي يربط الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط، ويهدف إلى تيسير عملية نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب، وكذلك إنشاء خطوط للسكك الحديدية.

ويهدف المشروع إلى تعزيز أمن الطاقة، ودعم جهود تطوير الطاقة النظيفة، إضافة إلى تنمية الاقتصاد الرقمي عبر الربط والنقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية، وتعزيز التبادل التجاري، وزيادة مرور البضائع من خلال ربط السكك الحديدية والموانئ. كما سيساعد الممر في تعزيز التجارة ونقل موارد الطاقة، عبر إنشاء سكك حديدية، وسيتضمن الهند والسعودية والإمارات والأردن و"إسرائيل" والاتحاد الأوروبي، عبر الموانئ البحرية الإسرائيلية، بالإضافة إلى روابط بحرية مع الهند.

قال الرئيس الأميركي جو بايدن خلال الإعلان عن ذلك التفاهم: "هذا استثمار إقليمي يغيّر قواعد اللعبة". ومما لا شك فيه أن هذا المشروع يخدم استراتيجية بايدن للشرق الأوسط، والتي تركّز على خفض التوتر وتخفيف النزاعات، وتعزيز أمن "إسرائيل"، وعدم السماح للصين بالهيمنة على المنطقة:

 خفض التوتر وتخفيف النزاعات

ترى الولايات المتحدة أن مبادرة I2U2 الموسّعة، ستعود بالنفع على الدول منخفضة ومتوسطة الدخل في المنطقة، عبر تجديد البنية التحتية اللازمة للنهوض والتبادل التجاري البيني، ما يتيح لدول الشرق الأوسط تحقيق التنمية عبر الاضطلاع بدور حاسم في التجارة العالمية.

وقال نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، جون فاينر، إن تلك الاستراتيجية الشاملة تركّز على خفض درجة الحرارة في منطقة كانت تاريخياً "مصدراً صافياً للاضطرابات وانعدام الأمن". وذكر سوليفان أن المشروع يعكس رؤية بايدن "لاستثمارات أبعد" معتبراً أن البنية التحتية المعززة ستدفع النمو الاقتصادي، وتساعد على التقريب بين الدول في الشرق الأوسط وتقديم تلك المنطقة كمركز للنشاط الاقتصادي بدلاً من "مصدر للتحديات والصراع أو الأزمات".

 تعزيز أمن "إسرائيل"

أكد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن التواصل بين حكومته والإدارة الأميركية مستمر حول تطوير هذا المشروع، معتبراً أنه سيؤدي إلى "تغيير وجه الشرق الأوسط"، وأكد أن "إسرائيل ستساهم بكل قدراتها، بكل خبرتها، والتزامها الكامل لجعل مشروع التعاون هذا الأكبر في تاريخنا".

عملياً، تسعى الإدارات الأميركية المتعاقبة إلى تطوير مروحة اتفاقيات التطبيع بين الدول العربية و"إسرائيل" وتوسيعها، لذلك تهدف من تلك الاستثمارات إلى تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي من ناحية، وتعزيز النمو والاستثمار في الدول المطبّعة مع "إسرائيل" من ناحية أخرى، لتكون حافزاً للدول غير المطبّعة لتحذو حذوها، طمعاً بالازدهار والنمو الاقتصادي، الذي تحاول أن تربطه الولايات المتحدة بالسير بعملية التطبيع.

ويتطلع بايدن إلى أن يحقق إنجازاً في الشرق الأوسط، يُحسب له قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2024، وذلك عبر التوصل إلى اتفاقية تطبيع بين السعودية و"إسرائيل".

مواجهة "طريق الحرير" الصيني

منذ عام 2021، أعلنت الدول الصناعية السبع مشروعاً للتنمية موازياً لطريق الحرير الجديد الصيني، بعنوان "إعادة بناء عالم أفضل" للاستثمار والتنمية في الدول الفقيرة، ويهدف إلى تضييق التفاوت الاجتماعي وتحقيق النمو الصديق للبيئة، وتشجيع الاقتصاد الرقمي.

ومنذ توقيع اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية بين الصين والسعودية وزيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية نهاية عام 2022، وبعدها رعاية الصين لمصالحة إيرانية – سعودية في بكين في آذار /مارس 2023، تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز روابطها مع السعودية، ومنع الصين من استخدام البنية التحتية والتنمية سبيلاً لفرض الهيمنة في كل من الشرق الأوسط وأفريقيا.

وبالفعل، وعد سوليفان بأن تقوم الولايات المتحدة "بتكرار هذه التجربة في أنحاء أخرى من العالم". وتحدثت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين عن مشروع آخر لإنشاء ممر عبر أفريقيا لتحسين اتصالات النقل بين منطقة كاتانغا في جمهورية الكونغو الديمقراطية وما يسمى بـ "الحزام النحاسي" في زامبيا إلى ميناء لوبيتو في أنغولا. وتدعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضاً هذا المشروع، المعروف باسم "ممر لوبيتو".

في كل الأحوال، لا شكّ أن المشروع كما يتمّ طرحه يشكّل تحولاً كبيراً في تاريخ المنطقة وعلاقاتها الاستثمارية والتجارية، ولكن الإعلان عن المشروع شيء، وتحقيقه أمر آخر، إذ إن الإعلان هو بداية لمسار طويل يبقى مرهوناً بتطورات سياسية واقتصادية وجيوبوليتكية لا يمكن التنبؤ بمسارها في منطقة محفوفة بالصراعات التاريخية والجغرافية.

 

الشرق الأوسط... الصين تجذب الأميركيين الى ساحتها

خلال قمة العشرين في نيودلهي هذا العام، تمّ التوقيع على اتفاق مبدئي بين الولايات المتحدة والسعودية والإمارات والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، لإقامة ممر اقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا مستخدماً الموانئ الاسرائيلية.

 

هذا الاتفاق هو تطوير وتوسيع إطار اتفاق سابق عقدته إدارة بايدن مع كل من الهند والامارات و"اسرائيل"، اعلن عنه باسم I2U2: ، ويهدف الى تطوير البنية التحتية وتنمية التبادلات التجارية بين آسيا وأوروبا عبر الشرق الأوسط، ويضم مشروع إقامة سكك حديدية.

 

وجاء في وثيقة نشرتها إدارة بايدن أن إعلان "الممر" الكبير بين الهند وأوروبا، هو "حقبة جديدة متصلة عبر شبكة سكك حديد، وربط الموانئ في أوروبا بالشرق الأوسط وآسيا". والهدف هو إنشاء "عقد تجاري"، مع "تشجيع تطوير وتصدير الطاقة النظيفة". وأكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أنّ المشروع "أكبر بكثير من مجرّد سكك حديد أو كابلات"، مشيرة إلى "جسر أخضر ورقمي بين القارات والحضارات".

 

واقعياً، استطاعت الصين أن تجذب الولايات المتحدة الأميركية الى منازلة في الشرق الأوسط في ساحة تمتلك فيها الصين نقاط قوة لا يستهان بها:

 

- عززت الصين صعودها الاقتصادي والدبلوماسي في العالم عبر اعتماد استراتيجية "المنفعة المتبادلة" التي تعتمد على تعزيز الشراكات الاقتصادية وتحفيز التنمية والاستثمار في البنى التحتية. وقد اندفعت الصين لزيادة نفوذها ومواجهة نفوذ الولايات المتحدة خارج اقليمها الجغرافي المباشر، وخاصة في الشرق الاوسط وافريقيا وسواها.

 

- منذ عام 2020، بدأت الدعوات الصينية الى "إعادة تشكيل هيكل الأمن الإقليمي" في منطقة الخليج، وقدمت لأجل ذلك مشروعاً طرحته في مجلس الامن الدولي، لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الخليج يسعى الى تأطير جهود دولية متعددة الأطراف، تؤدي الى أن تصبح المنطقة "واحة من الأمن".

 

- ومنذ ذلك الحين، استمرت المبادرات الصينية لتحقيق الاستقرار وتعزيز نفوذها في المنطقة، وكان منها زيارة الرئيس الصيني الى السعودية في نهاية عام 2022، والتي توجّها بعقد اتفاقيات تجارية واقتصادية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وترقية العلاقات السعودية الصينية الى مستوى الشراكة الاستراتيجية، وأخيراً، رعاية مصالحة تاريخية بين كل من السعودية وايران في بكين في آذار/مارس من عام 2023.

 

- وفقًا للفهم الصيني للمنطقة، فإن إيران والمملكة العربية السعودية هما "دولتان محوريتان" تجعلهما قوتهما السياسية والاقتصادية والعسكرية شريكين لا غنى عنهما لبكين. بالنسبة لكلا البلدين، تعد الصين أكبر شريك تجاري، علماً أن مستويات التجارة والتعاون الصيني السعودي تعدّ أكبر من الشراكات الصينية الايرانية بالرغم من التقارب السياسي بين الدولتين. ففي حين بلغت التجارة الصينية السعودية 87 مليار دولار في عام 2021، بلغت التجارة الثنائية بين إيران والصين 16 مليار دولار تقريباً في نفس العام.

 

- أدت الاندفاعة الصينية السياسية والدبلوماسية والتجارية تجاه المنطقة، وتعزيز شراكاتها مع حلفاء الولايات المتحدة الأساسيين الى أن يضطر الأميركيون الى تغيير أدوات تدخلهم التقليدية في الشرق الاوسط.

 

بعد مسار من الاستراتيجية الأميركية القائمة على التدخل العسكري المباشر واستخدام القوة الصلبة، ثم اعتماد استراتيجية "تغيير الأنظمة" في الشرق الاوسط، تتجه الاستراتيجية الأميركية في المنطقة اليوم، الى استخدام البدائل الاقتصادية وتحفيز مشاريع التنمية والاستثمارات والابتعاد عن سياسة "الاستثمار في الفوضى" التي اعتمدتها الادارات الأميركية المتعاقبة منذ جورج بوش الى اوباما وترامب.

 

وهكذا، تقوم استراتيجية إدارة بايدن في منطقة الشرق الاوسط على تعزيز الشراكات واعتماد الدبلوماسية، والاهم طرح مشاريع اقتصادية-استثمارية- تنموية كبدائل عن المشاريع الصينية، ومنها مشروع I2U2  الموسع الذي تمّ اعلانه في قمة العشرين من هذا العام.