2023/09/24

الشراكة الصينية السورية: مشروع انفراج أو وعد مؤجل؟

خلال زيارة تاريخية  قام بها الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته الى الصين، تمّ الاعلان عن توقيع اتفاقيات "شراكة استراتيجية" بين البلدين، وصفها الرئيس الصيني شي جينبينغ بأنها "محطة مهمة في تاريخ العلاقات الثنائية". ودعا  شي جينبينغ إلى رفع جميع العقوبات "غير المشروعة والآحادية" المفروضة على سوريا فوراً، مؤكداً إن الصين تدعم التسوية السياسية للأزمة في سوريا، وتحسين علاقات دمشق مع باقي الدول العربية، كما تدعمها في إعادة الإعمار وتعزيز بناء القدرة على مكافحة الإرهاب.

ماذا تعني هذه الشراكة الاستراتيجية؟

 منذ الاعلان عن مبادرة الطريق والحزام الصينية، بات بناء "الشراكات الاستراتيجية" أحد أهم أبعاد الدبلوماسية الصينية، وقد زاد عدد الدول التي تقيم معها الصين الشراكات بشكل مطرد منذ عام 2016.

وبعكس السياسة الخارجية الأميركية التي تبنى على أساس استخدام وسائل صلبة وناعمة وعلى اعتماد وسائل الضغط المختلفة حتى على الحلفاء، تبنى السياسة الخارجية الصينية على أساس المصالح المشتركة مع الدول الاخرى، فتعمد الى استخدام مبدأ الشراكات كأدوات جيوسياسية للقوة والنفوذ العالمي والاقليمي بدلاً من التحالفات التي يستخدمها الأميركيون بشكل عام.

تدرك الصين أن بناء التحالفات بالشكل التقليدي للكلمة، قد تفرض على لاصين التزامات تعرض المصالح الصينية لمخاطر عالية، في حين أن الشراكات يُنظر إليها على أنها أكثر مرونة وقائمة على المصالح الاقتصادية المشتركة، وعلى الالتزام المشترك بإدارة الازمات التي لا يمكن تجنبها، بحيث تتمكن الصين من مواصلة التعاون الاقتصادي والتنموي وفي المجالات الحيوية ذات الاهتمام المشترك، بدون أي التزام أمني أو سياسي من قبلها.

تتضمن "الشراكات الاستراتيجية" الصينية مستويات متعددة، حيث تبدأ بالشراكة التعاونية في الحد الأدنى، وتصل الى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة في حدّها الأعلى من التنسيق والشراكة بين الدولتين وذلك على الشكل التالي من الأعلى الى الأدنى:

1-  الشراكة الاستراتيجية الشاملة: وتفترض التعاون الكامل والشامل في الشؤون الإقليمية والدولية.

2-  الشراكة الاستراتيجية، وتعتمد على التنسيق بشكل وثيق في الشؤون الإقليمية والدولية.

3-  شراكة تعاونية شاملة: وتقوم على تعزيز التبادلات رفيعة المستوى، وتعزيز الاتصالات على مختلف المستويات، وزيادة التفاهم المتبادل حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.

4-  الشراكة التعاونية: تسعى الى تطوير التعاون في القضايا الثنائية على أساس الاحترام والمنفعة المتبادلة.

5-  الشراكة التعاونية الودية (الصداقة): تعزيز التعاون في القضايا الثنائية مثل التجارة والاستثمارات وغيرها.

وهكذا، تعمد الصين الى تحقيق مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط عبر شراكات ثنائية بينية، دون تبني أهداف على مستوى المنطقة أو عقد تحالفات متعددة الأطراف. وتميل شراكات الصين مع دول المنطقة بشكل أساسي الى الفئات الثلاث الأعلى الرئيسية، باستثناء اسرائيل التي تعقد معها "شراكة استراتيحية مبتكرة"، وهو نوع استثنائي مبتكر.

-      بالنسبة لسوريا:

تشكّل هذه الزيارة وتوقيع اتفاقية شراكة استراتيجية مع الصين، استكمالاً للمسار الذي بدأته سوريا بفك العزلة التي فرضها عليها الغرب والذي بدأ بعودتها الى جامعة الدول العربية، وبدء المسار التفاوضي للمصالحة بين سوريا وتركيا.

ومن ناحية أخرى، يشكّل الموقع الحغرافي لسوريا أهمية استراتيجية – اقتصادية للدول التي تسعى الى الاستثمار في المنطقة وأهمها الصين، فهي من ناحية تجاور العراق الذي يساهم بنسبة حوالى 10 بالمئة من النفط الذي تستورده الصين، بالاضافة الى أهمية سوريا لطريق الحرير الصيني بوجودها على المتوسط، كونه حلقة الوصل الذي يمر عبره جميع مشاريع الممرات الاقتصادية التي تمر من آسيا الى أوروبا.

بالنسبة لإعادة الاعمار في سوريا، وحيث نقلت وسائل الاعلام الصينية عن الرئيس الصيني قوله بأن الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم ستدعم إعادة الإعمار في سوريا، فالأمر يرتبط الى حد بعيد بقدرة الشركات الصينية على تحدي العقوبات الغربية بموجب قانون قيصر، فالتجربة الايرانية مع الشركات الاوروبية والصينية في قدرتهم ورغبتهم في تحدي العقوبات حتى الآحادية منها، ليست مشجعة.

وعليه، يبدو توقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين سوريا والصين، والتفاؤل الصيني والوعد الذي قطعه الرئيس شي بإعادة الاعمار مرتبطاً أما بأحد سيناريوهين:

- الاول: تصور صيني أن تسهيلات تلوح في الأفق نتيحة تراجع الاميركيين عن سياستهم السابقة في تغيير الانظمة والدعوة الى الدبلوماسية والاستقرار في المنطقة، وبالتالي سيتاح للدول العربية والصين مساعدة سوريا مقابل خطوات سياسية مقابلة، يرافقه غضّ نظر أميركي عن العقوبات ولو بدون تحقيق تسوية شاملة.

الثاني: هو مشروع مستقبلي واعد ولكنه مؤجل الى حين نضوج التسوية الشاملة في المنطقة، وتبدل موازين القوى التي ستفرض التراجع الغربي عن العقوبات المفروضة على سوريا. 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق