2015/05/28

عرسال والرمادي.. مصير مشترك؟


د. ليلى نقولا الرحباني

في الوقت الضائع والخطر الإرهابي الماثل على الأبواب، يتسلّى نواب "14 آذار" المسيحيون بمحاولات تفجير السجال السياسي الداخلي، بطرح مبادرات غير ميثاقية ولا دستورية، فيحاولون تمريرها لدى البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي إما أن يكون قد أجاب جواباً مبهماً فهم منه النواب الذين زاروه أنه يؤيد طرح سمير جعجع السابق بانتخاب رئيس للجمهورية بالنصف زائداً واحداً، أو أنهم كذبوا في تصريحاتهم على منبر بكركي فقالوا عنه ما لم يقله، مما اضطره ليصدر بياناً توضيحياً استدراكياً قبل تفاقم المشكلة.

نقول الوقت الضائع، لأن الجميع يعلم أن لا حلّ في لبنان مادامت المنطقة تغلي على نار حامية في سباق بين الحرب والحرب، وتعيش حروب الإلغاء المتبادَلة بين الطوائف والمذاهب، وضمن المذهب الواحد. وفي حمأة هذا السجال تتفاعل قضية عرسال وجرودها، بعد مواقف السيد حسن نصرالله الأخيرة في عيد المقاومة والتحرير، والتي دعا فيها الدولة اللبنانية إلى القيام بمسؤولياتها تجاه أراضٍ لبنانية يحتلها الإرهابيون، وتحريرها، وإلا سيقوم اللبنانيون بأنفسهم بتحريرها، كما فعلوا حين تقاعست الدولة اللبنانية عن تحرير أراضيها في الجنوب اللبناني من الاحتلال "الإسرائيلي"، بينما يرفض "تيار المستقبل" هذا الأمر بشكل قاطع، مصرّحاً بأن عرسال خط أحمر ولن يقبل بدخولها تحت أي ذريعة، بدون أن يقدّم أي حلول للتخلص من السيطرة الإرهابية على عرسال، بشكل يشي وكأن هناك قوى في الداخل اللبناني تريد استمرار المسلحين في التواجد في عرسال وجرودها؛ لاستخدامهم أداة ضغط في الداخل اللبناني.

لعل هذا المشهد العرسالي يدفعنا بشكل أو بآخر للتفكير بما حصل في مدينة الرمادي العراقية، التي اجتاحها "داعش" وسبى نساءها وقتل 500 مدني عراقي من أهلها في اليوم الاول من احتلالها، بينما العراقيون مشغولون بالسجال المذهبي حول الجهة المخوَّلة بقتال "داعش" في تلك المناطق، ومنعه من احتلال المزيد من الأراضي العراقية. واللافت أيضاً أن السُّنة العراقيين من أهل الأنبار، أو على الأقل من يتكلم باسمهم، رفضوا - بتحريض من الأميركيين - مساعدة "الحشد الشعبي" في القتال ضد "داعش"، إلى أن استباح "داعش" مناطقهم وارتكب المجازر بحقهم، ولم يشفع لهم مذهبهم ولا دينهم ولا مهادنتهم، فعادوا إلى نقطة البداية متأخرين جداً، فدعوا "الحشد الشعبي" إلى مساعدتهم في تحرير أراضيهم وعودة مهجريهم إلى أراضيهم، بعدما حصلت المجازر وتمّ التهجير والسبي، وكان ما كان..

وبالعودة إلى عرسال، ما يقوم به "تيار المستقبل" يشبه تماماً ما قام به العراقيون قبل سقوط الأنبار والرمادي، أي التلطّي وراء سياسات طائفية وكلام مذهبي رخيص، وتفضيل الشيطان على المواطن العراقي الآخر، إلى أن أذاقهم الشيطان الأمرّين، فهُرعوا إلى طلب المساعدة، بعدما صارت كلفة استئصال الإرهاب من مناطقهم مكلفة جداً بشرياً ومادياً. وهكذا، نخشى أن يكون مصير عرسال كمصير الرمادي، أي السماح للإرهابيين باستباحتها وقتل أهلها وسبي نسائها، بحجة رفض مساعدة "حزب الله" في تحريرها، إلى أن ينقلب السحر على الساحر، فيُهرع "تيار المستقبل" مفجوعاً بحجم المجازر التي يرتكبها الإرهابيون بحق العراسلة الذين استقبلوهم وفتحوا لهم بيوتهم، فيطلب مساعدة الحزب بعد فوات الأوان.

هل يكون مصير عرسال كمصير الرمادي العراقية؟ نتمنى أن لا يكون ذلك، ونتمنى أن يستيقظ اللبنانيون قبل فوات الأوان، فلا يرتكبون نفس الأخطاء التي ارتكبها العراقيون والسوريون بممالأة الشيطان التكفيري، إما خوفاً أو نصرة لما اعتقدوه وحدة المذهب ضد المذاهب "الكافرة" الأخرى.

في المحصلة، يتبين أن "داعش" وبالرغم من استقدامه آلاف المقاتلين من أنحاء العالم، يبقى "بضاعة بَلَدية"، ولولا وجود هذا البضاعة المعبأة مذهبياً، ولولا دناءة بعض السياسيين المحليين وطمعهم، ولولا سياسات دفن الرؤوس في الرمال والادعاء بأن لا خطر من حولنا، وتصديق أكذوبة لننأى بأنفسنا طالما "الشيعة والعلويون والمسيحيون" هم المستهدَفون وحدهم، لما وجد "داعش" وغيره من الجماعات الإرهابية التكفيرية أي موطئ قدم لهم في أي شبر من أرض العرب، ولما استطاع "داعش" أن يستبيح أراضي العراق وسورية ولبنان واليمن وليبيا ومصر وغيرها.

2015/05/14

المعركة المؤجلة... في عرسال


د. ليلى نقولا الرحباني
يعيش اللبنانيون اليوم على وقع صوت المعارك التي لا تكاد تصل أسماعهم من القلمون السوري، والتي يبدو واضحاً أن الجيش السوري وحزب الله يحققان نجاحات هامة عسكرياً، بالإضافة إلى الانهيار المعنوي والعسكري في صفوف المسلحين، ناهيك عن قتال الإرهابيين بعضهم بعضاً، خصوصاً بعد البيان "رقم واحد" الذي أعلنته "جبهة النصرة" الإرهابية باسم "جيش الفتح"، وأعلنت فيه قتال "داعش"، بالإضافة إلى أخبار صحفية تتحدث عن هروب المسلحين إلى جرود عرسال.

وتزامناً مع المعركة الحاصلة في القلمون، ترتفع أصوات لبنانية داخلية للحديث عن المعركة وإدانة حزب الله، كما برز تصريح جديد للسفير الأميركي ديفيد هيل، قال فيه إن "داعش" لم تهدد لبنان لولا تدخّل حزب الله في سورية.

التصريحات والتطورات الحاصلة على السلسلة الشرقية للحدود اللبنانية تفرض بعض الملاحظات الأساسية، أهمها:

1-      بخصوص التهديد "الداعشي" للبنان، يجدر التذكير بأن "داعش" التي نشأت في العراق تحت شعار «جماعة التوحيد والجهاد» لتتحول لاحقاً إلى تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» بعد تولي "أبي مصعب الزرقاوي" قيادته في 2004 ومبايعته زعيم «القاعدة» السابق أسامة بن لادن، ثم بعد مقتل "أبي مصعب الزرقاوي" عام 2006 في ديالي بالعراق، تأسّس تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" في تشرين الأول 2006 بقيادة "أبي عمر البغدادي"، حتى مقتله عام 2010. ولغاية نيسان 2013 لم يكن التنظيم يعمل علناً في سورية، ولم يكن لـ"القاعدة" في سورية سوى فرع واحد هو "جبهة النصرة"، إلى أن أعلن "أبو بكر البغدادي" قائد تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" عن دمج تنظيمه مع "جبهة النصرة"، ليصبح "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام"، أو ما يطلَق عليه "داعش"، الأمر الذي رفضته "جبهة النصرة"، وأبقت على استقلالها تحت راية "القاعدة".

انطلاقاً من هذا السرد التاريخي الموجز، يتبين أن "داعش" لم يكن ليستطيع تهديد لبنان أو تحييده قبل نيسان 2013، بسبب بُعده الجغرافي عنه، علماً أن انخراط حزب الله العلني في المعارك في سورية كان في شباط 2013، وهذا إن دلّ على شيء فيدلّ على أن الحديث عن "داعش" كتنظيم إرهابي هدّد لبنان كـ"نتيجة" لتدخل حزب الله في سورية هو أمر مشكوك فيه.

2-      ويبرز بقوة بيان "تيار المستقبل" في التصريح الأسبوعي لكتلته، لناحية أن "مهمة حماية الحدود الشرقية والشمالية للبنان مع سورية في مواجهة المسلحين، كما هو الحال بالنسبة لكل الحدود اللبنانية، هي مهمة الجيش اللبناني، وليست مهمة أي فريق آخر". كلام "المستقبل" هذا هو كلام حق، ويكون منطقياً وواقعياً لو لم تكن كتلة "المستقبل" ورئيسها فؤاد السنيورة بالذات قد منعوا التسليح عن الجيش اللبناني، واقتطعوا من موازناته على مدى العقود المنصرمة، وحاولوا تحجيم دور الجيش اللبناني على الحدود منذ بدء ما سُمّي "الثورة السورية"، وكان نواب "تيار المستقبل" أنفسهم يحرّضون على الجيش ويغرقونه في حروب عبثية في الداخل، ويحاولون إخراجه من عكار وعرسال والمناطق التي لجأ إليها الإرهابيون من سورية.

لكن الخشية أن يكون كلام "المستقبل" هذا مقدّمة لتوريط الجيش اللبناني في معركة مقبلة في عرسال، إذ إن هروب المسلحين الفارّين من القلمون إلى عرسال يجعل المعركة القادمة مع الجيش شبه حتمية، مع العلم أن المعركة ستكون أصعب على الجيش اللبناني؛ بعد تجمّع أعداد كبيرة من المسلحين في جرود عرسال من كافة المناطق المحررة من قبَل الجيش السوري وحزب الله.

والخشية الأكبر أن تكون المعركة المؤجَّلة مع الجيش مطلوبة داخلياً إلى أن يحين أوانها بالتزامن مع معركة التمديد لقادة الأجهزة الأمنية، لإحراج الجميع، خصوصاً التيار الوطني الحر وتكتل التغيير والإصلاح؛ بأن الوقت الآن ليس مناسباً لتغيير قادة الأجهزة في ظل الحرب المستعرة بين الجيش والإرهابيين في عرسال.

في النهاية، لا نستطيع سوى التمني بأن ينجي الله اللبنانيين وعرسال والجيش اللبناني من معركة يتمّ تأجيلها إلى وقت مناسب سياسياً، فتزيد كلفتها البشرية والوطنية.

2015/05/06

قمة "كامب ديفيد" تحسم الخيارات الخليجية.. أميركياً

د. ليلى نقولا الرحباني
 6 أيار 2015
يتحضّر الحُكام الخليجيون للذهاب إلى قمة "كامب ديفيد" للقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما وفريق إدارته، وكان من ضمن سياق التحضير لهذا اللقاء التاريخي، سلسلة تحضيرات أميركية وخليجية - خصوصاً سعودية - تسبق موعد اللقاء المرتقَب.
تحاول السعودية في هذا الوقت المنتظَر أن تجمّع قدر المستطاع من أوراق القوة لديها، لذلك ستحاول أن تقوم بما يمكنها القيام به في اليمن، لتحقيق إنجاز عسكري مهما كان شكله وحجمه، وهذا ما دفعها إلى تسريب قيام إنزال برّي في اليمن، وإعلان أن القوات الخاصة التي تمّ إنزالها هي قوات يمنية كانت قد طلبت اللجوء السياسي في الخليج في تسعينيات القرن الماضي، وانضمت إلى القوات السعودية أو الإماراتية، ثم تمّ نفي الأمر جملة وتفصيلاً فيما بعد.. وفي التسريب والنفي، إما محاولة القيام بحرب نفسية، والإيحاء بقدرة الخليجيين على القيام بإنزالات برية في حال تعذّر القيام بهجوم برّي شامل، أو لجسّ نبض الأعداء والأصدقاء على حدّ سواء، لمعرفة تطورات الأوضاع وردات الفعل تجاه أي عمليات إنزال في المستقبل.
هذا في اليمن، أما في الداخل السعودي، فيستكمل الملك سلمان تغيير هيكلية السلطة في السعودية، من "باب توحيد البندقية"، و"توحيد الرأي وتجانس السلطة"، والتمهيد لحكم يكرّس قبضته وقبضة كل من ابنه محمد والوزير محمد بن نايف على مقدرات الحكم، فكانت سلسلة التعيينات التي حصلت، والتي طالت أعلى قمة في الهرم (ولي العهد، وولي ولي العهد) إلى أصغر منصب في هرم السلطة في الممكلة، ويبقى من الحرس القديم الأمير متعب بن عبدالله على رأس وزارة الحرس الوطني، ما يجعل القرار بالاستعانة بالحرس الوطني وإرساله إلى الحدود اليمنية للمشاركة في "عاصفة الحزم" قبل إعلان توقّفها بلحظات هو من قبيل زجّ الرجل في مستنقع اليمن، للتخلّص منه، من خلال تحميله وزر أي فشل سعودي في اليمن، أو التخلص منه بإلغاء وزارة الحرس الوطني، كما أعلن أحد الباحثين البريطانيين؛ ديفيد هيرست، الذي قال إن "الملك سلمان بن عبد العزيز سيُلغي وزارة الحرس الوطني قريباً، والتي يتولاها الأمير متعب بن عبد الله، وسيُعيد الحرس الوطني إلى وزارة الدفاع، والتي يرأسها ابنه محمد بن سلمان".
كل هذه التطورات، بالإضافة إلى القمة الخليجية المسبَقة والتمهيدية لـ"كامب ديفيد"، تفيد بأن الخليجيين يتهيبون لحظة اللقاء بالرئيس الأميركي، خصوصاً بعدما كان قد أرسل لهم تهديدات علنية ومبطّنة، من خلال مقابلته مع الكاتب توماس فريدمان بقوله إن "الخطر الأكبر على هذه الدول ليس تهديد الاجتياح الإيراني، بل من عدم الرضى المتأجّج داخل هذه الدول ذاتها"، فهناك - حسب وصفه - "مجتمعات داخل الشعب السعودي تواجه الإقصاء في بعض الحالات، وسوء توظيف الشباب، وايديولوجية هدامة ومنعدمة".. لذا ستعمد إدارته إلى "العمل مع هذه الدول على تطوير قدراتها الدفاعية في مواجهة التهديدات الخارجية، والعمل على تقوية السياسة الداخلية في هذه الدول، كي يشعر الشباب السُّني أن لديه شيئاً عدا عن الدولة الإسلامية للاختيار".
ومع كل هذا المخاض والتحولات الخليجية، يبقى المستقبل الخليجي بيد صاحب القرار الأميركي، وذلك من خلال مقاربات ثلاث، على الإدارة أن تختار فيما بينها:
1- الإبقاء على السعودية قطباً أساسياً وشريكاً وازناً في المنطقة، وهذا يتطلب أكثر من إعلان مبادئ فضفاض بدعم الأميركيين لـ"الحلفاء الخليجيين في حال تعرّضهم لعدوان خارجي"، بل يتطلب التوقيع على اتفاق دفاعي بين أميركا ودول الخليج، مقابل دعم الخليجيين للاتفاق النووي مع إيران، وهو ما عرضه ولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على الرئيس أوباما في نيسان المنصرم.
2- الإبقاء على السعودية مستقرة وفاعلة إقليمياً، لكن أضعف من أن تعرقل أي تفاهم نووي مستقبلي مع إيران، وهذا يعني عدم إعطاء السعودية وباقي الدول الخليجية ما تطلبه، والاكتفاء ببيان رسمي شامل لا يُسمن ولا يُغني.
3- الفوضى وعدم الاستقرار السعودي، وهو خيار قد يكون غير مطلوب أميركياً إلا في حال شعر الأميركيون بعدم قدرتهم على لجم الاندفاعة السعودية، وعدم قدرتهم على ضبط حركة الحلفاء في ظل التوجّه للتفاهم مع إيران، وهو ما قد يدفع السعوديين إلى خفض مستوى تمثيلهم في القمة.
كل السيناريوهات الآنفة قد تكون واردة، لكن يبقى الخيار الثاني هو الأقرب إلى الواقع، فما زال أمام الأميركيين تحدّيات كبيرة في مناطق عدّة في الشرق الاوسط، وللسعودية نفوذ في العديد من المناطق الحيوية، ومن المبكّر التخلّي عن حليف يؤدي للأميركيين خدمات جمّة وثمينة في هذا الوقت؛ قبل نضوج التسويات في المنطقة.