2018/06/28

هل انتهى مستقبل ميركل السياسي

نشر في الميادين بتاريخ 28 حزيران 2018
تباينت نتائج الزيارة التي قامت بها المستشارة الإلمانية أنجيلا ميركل الى المنطقة بين الأردن ولبنان، ففي حين أعلنت المستشارة عن قرض ميّسر للأردن بقيمة مئة مليون دولار، إكتفت في بيروت بإعلان الاستمرار في دعم لبنان، بعد النتائج السلبية التي حصدتها سواء من خلال عدم قدرتها على الاستثمار في الانقسام اللبناني اللبناني، وعدم انجرار اللبنانيين وراء الوعود الاقتصادية الالمانية لتغيير رأيهم بالنسبة لقضية النزوح السوري.
وواقعيًا، أتت الزيارة السريعة التي قامت بها ميركل الى المنطقة، ومحاولتها ربط وجود النازحين السوريين في لبنان بالحل السياسي النهائي، كجزء من محاولة لحلّ أزمتها السياسية المزدوجة؛ الداخلية والاوروبية:
- على الصعيد الداخلي، يداهم الوقت ميركل لإيجاد حل لأزمة اللجوء، بعدما أعطيت مهلة أسبوعين لإيجاد ذلك الحل، وإلا فإن حليفها البافاري في الحكومة الائتلافية، وزير الداخلية هورست زيهوفر سوف يقوم بترحيل اللاجئين المسجلين في بلدان أوروبية أخرى على الحدود الألمانية، أو سيعلن الاستقالة من الحكومة ما يهدد بفرط الائتلاف الحكومي القائم بين حزبي الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا، ما يعني عودة ميركل الى المربع الاول أي البحث عن تحالفات أخرى تسمح لها بتشكيل حكومتها أو الانتخابات المبكرة.
- أما على الصعيد الأوروبي، فقد ازدادت المشاكل  حول الهجرة في ظل انقسام واضح بين الاوروبيين الذين باتوا يعانون بشكل كبير من تدفق المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين الذين تدفقوا الى الدول الاوروبية بكثافة منذ عام 2015. ويتهم الاوروبيون أنجيلا ميركل بأن سياسة الابواب المفتوحة التي انتهجتها كانت المشجع لهذه الموجات.
وفي ظل ارتفاع أسهم اليمين الاوروبي ووصول اليمين الى مواقع القرار في عدد من الدول الاوروبية، تتابين نظرة الاوروبيين حول التعامل مع مسألة الهجرة، فمن الدول من يطالب بتطبيق اتفاقية دبلن أي توزيع اللاجئين على كافة دول الاتحاد، ومنهم من يطالب بأن تكون الدولة التي يتم تسجيل اللاجئين فيها عند وصولهم اليها كمحطة أولى هي المسؤولة عنهم، في ظل رفض واضح لهذا الخيار من قبل اليونان وايطاليا واسبانيا.
وفي ظل هذه الأزمة المزدوجة التي تعاني منها ميركل، أتت الى لبنان وفي جعبتها مساعدات مالية لإغراء اللبنانيين لإبقاء النازحين السوريين الى ما بعد الحل السياسي النهائي والشامل. ولعل المستشارة كانت قلقة من التقارير التي تتحدث عن مبادرات يقوم بها اللبنانيون لتأمين عودة طوعية وآمنة للنازحين المتواجدين على أرضه. ولعل ما يقلق أنجيلا ميركل في هذا الإطار ما يلي:
أولاً: تخشى ميركل من انهيار الوضع الاقتصادي اللبناني نتيجة الضغط المتزايد والأزمات التي سببتها أزمة النزوح السوري، ما يساهم في تفاقم الأوضاع الانسانية والاقتصادية السيئة للاجئين السوريين المتواجدين في لبنان، ما يدفعهم للتفكير بالهجرة الى اوروبا، وهو ما لا تريده ميركل بالتأكيد.
ثانيًا: تخشى ميركل من عودة النازحين السوريين المتواجدين في لبنان "طوعًا" الى بلادهم، ما يعني أن هناك مناطق آمنة يستطيعون العودة إليها، وهذا قد يغري الإلمان في الداخل والاوروبيين الى الطلب من ميركل التراجع عن سياساتها السابقة وإعادة اللاجئين الذين لا تتوفر فيهم شروط اللجوء الى العودة الى سوريا، باعتبارها باتت بلدًا آمنًا يستطيع السوريون العودة اليه.
ثالثًا: خلال لقائها مع الرئيس بوتين في شهر أيار المنصرم، ربطت ميركل مساهمتها في إعادة الإعمار في سوريا، بأن لا تضع دمشق عقبات أمام عودة اللاجئين إلى سوريا، اي أن ميركل تتصور مقايضة مرتبطة بالحل السياسي؛ مقايضة تتلخص بتقديم ألمانيا قروضًا لإعادة الإعمار في سوريا، مقابل أن تسهّل الحكومة السورية عودة اللاجئين غير المرغوب بهم في ألمانيا. ولكن، ميركل، وفي تصريح سابق، اعتبرت أن الرئيس السوري بشار الأسد هو "أقوى مما نرغب"، لذا هي تعتقد ميركل أن عودة النازحين السوريين الى بلادهم للمساهمة في إعمارها وعودة الأموال السورية للاستثمار في الداخل، سوف تجعل موقفها أضعف مقابل الأسد الذي تزداد قوته يومًا بعد يوم.
إذًا، لا يبدو أن الوقت يلعب لصالح المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل، فلا الاوروبيون مستعدون لتقديم المزيد من التنازلات لإنقاذها من تداعيات أزمة الهجرة واللجوء، ولم تستطع أن تحصد أي نتائج يبنى عليها في لبنان، وأسهم اليمين ترتفع في معظم أنحاء أوروبا... فهل تمتد "اللعنة السورية" الى إلمانيا وتطيح بمستقبل أنجيلا ميركل السياسي؟. يبدو هذا الأمر صعبًا في الوقت الحاضر، وستبقى ميركل في الحكم لأن حزبها ما زال يتمتع بنفوذ كبير، ولكن الأزمات المتلاحقة سوف تضعف ميركل وتضعف معها إمكانية بقاء الاتحاد الاوروبي متماسكًا، ما يجعل مستوى التشاؤم بمستقبل هذا الاتحاد يرتفع أكثر فأكثر.
       

 

2018/06/21

النازحون السوريون: حماية دولية أو مراهنة على التوطين؟

توتّرت الأجواء الدبلوماسية بين لبنان والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بعدما قام وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل بوقف العمل بالإقامات الممنوحة لمسؤولي المفوضية، على أثر قيام موظفين من المفوضية بترهيب وحثّ النازحين السوريين المتواجدين في عرسال اللبنانية على عدم العودة إلى وطنهم الأمّ، بعدما كان هؤلاء قد سجلّوا أسماءهم وأعلنوا أنهم يرغبون بالعودة "طوعاً" إلى سوريا.
ولقد أعلن لبنان أنه كان في أوقاتٍ سابقة، قدّ نبّه المفوضية وحذّرها من القيام بمُمارسات تخالف سياسة الدولة اللبنانية التي تعتبر "أن لبنان ليس بلد لجوء، وأن الهدف الأساسي للحكومة اللبنانية هو تأمين عودة طوعية آمنة وكريمة للنازحين السوريين على الأراضي اللبنانية"، وقد اضطر إلى اتخاذ هذا الإجراء التصعيدي ضد المفوضية بعدما استمرت بتجاهُل المطالب اللبنانية، وحجَبت عن الأمن العام اللبناني لوائح أسماء النازحين السوريين، وخاصة وأنه الجهاز المُكلّف رسمياً بمهمة الإحصاء والتدقيق في أسماء المتواجدين على الأراضي اللبنانية من غير اللبنانيين والإشراف على دخولهم وخروجهم.
من هنا، ما هي معايير القانون الدولي المُنطبقة على هذه القضية، خاصة وأن بعض اللبنانيين انتقد ما حصل وطالب "المجتمع الدولي بفرض عقوبات على وزير الخارجية اللبناني"؟!
بالمبدأ، تمّ إنشاء المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من قِبَل الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أجل "قيادة وتنسيق العمل الدولي الرامي إلى حماية اللاجئين وحلّ مشاكلهم في كافة أنحاء العالم... كما لتسعى لضمان قدرة كل شخص على ممارسة حقّه في التماس اللجوء والعثور على ملاذٍ آمنٍ في دولةٍ أخرى، مع إمكانية اختيار العودة الطوعية إلى الوطن أو الاندماج محلياً أو إعادة التوطين في بلدٍ ثالث".
إن التعريف الوارِد أعلاه لمهام المفوضية، يشير بما لا يقبل الشكّ إلى أن المفوضية خالفت القانون الدولي في أمرين أساسيين، الأول أنها أنكرت على النازحين السوريين في لبنان حقهم في اختيار العودة الطوعية إلى بلادهم وهو في صُلب توصيف مهامها، والثاني إخلالها بمعيار أساسي وهو ضرورة تعاونها مع الدول صاحبة السيادة لتنسيق العمل لحماية اللاجئين وحلّ مشاكلهم، وليس لتنصيب نفسها منظمة فوق الدول وسيادتها.
قانونياً، إن المفوضية - وهي جزء من المنظمات العاملة ضمن إطار الأمم المتحدة - لا تتمتّع بأية سلطة تقريرية أو تنفيذية تسمح لها بالمسّ بسيادة دولة من الدول، وذلك انطلاقاً من (المادة 2/فقرة 7) من الميثاق والتي تنصّ على أنه " ليس في هذا الميثاق ما يسوّغ "للأمم المتحدة" أن تتدخّل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي ‏لدولةٍ ما"...
وبما أن لبنان قَبِل طوعياً عمل تلك المنظمة على أرضه، ولم يكن عملها مفروضاً على لبنان بطريقةٍ إكراهيةٍ بموجب الفصل السابع من الميثاق، هذا يعني أن المفوضية وجميع أجهزة الأمم المتحدة يجب أن تخضع لإرادة وتوجّهات الدولة اللبنانية في ما يخصّ السياسة المُتبّعة للتعامُل مع النزوح السوري وسواه.
ثانياً؛ يحق للدولة اللبنانية صاحبة السيادة وبموجب القانون الدولي للعلاقات الدبلوماسية، أن تُعلِن أي دبلوماسي أو عامِل باسم منظمة الأمم المتحدة "شخصاً غير مرغوب فيه" نتيجة عدم احترامه لقوانين الدولة المُعتمَد لديها، أو قيامه بالتدخّل في شؤونها الداخلية الخ..
ونشير في هذا الإطار، إلى أن للدولة سلطة استنسابية في هذا المجال وليست بحاجة لتبرير إعلانها هذا. على سبيل المثال، اعتُبر أن الأمين العام السابق للأمم المتحدة كورت فالدهايم وزوجته "شخصين غير مرغوب فيهما" في الولايات المتحدة وبلدان أخرى، بعد اتهامه بحصوله على معلومات بخصوص جرائم حرب قام بها النازيون ولم يقم بما يلزم تجاه ذلك.
ثالثاً، إن المطالبة بفرض عقوبات على وزير خارجية لبنان لممارسته أمراً سيادياً بحتاً، هو أمر غير مسبوق في تاريخ العلاقات الدولية ولا في القانون الدولي. وهو أمر مثير للاستغراب، إذ لم يسبق للأمم المتحدة أن فرضت عقوبات على دولةٍ سيّدةٍ أو على أيٍ من العاملين باسم الدولة لممارستهم حقاً من حقوق السيادة المكفولة في القانون الدولي وفي ميثاق الأمم المتحدة.
مع العِلم أن العقوبات الدولية المفروضة على دول أو كيانات أو أشخاص، تحتاج إلى قرار من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع، الذي يشير إلى أن الفعل المُرتَكب يُهدّد السلم والأمن الدوليين أو أنه عمل من أعمال العدوان. أما العقوبات الفردية التي يفرضها مجلس الأمن على الأفراد والتي تتجلّى بمَنْعِ السفر وحجز الأموال، فهي تصدر بقرار من مجلس الأمن بحق مجرمين متّهمين بالإرهاب، أو بجرائم دولية كبرى وهذا أبعد ما يكون عن تصرّف وزير الخارجية اللبنانية الذي يُطبّق القانون الدولي ويحثّ على احترامه ولا يخالفه.
في النتيجة، إن تصرّفات المفوضية وتصريحات بعض الدول الأوروبية باتت تثير الشكوك والقلق بأن هناك مُخطّطات قد تؤدّي إلى أن يكون مصير النازحين السوريين كمصير اللاجئين الفلسطينيين الذين استغلّهم بعض اللبنانيين لمآربهم السياسية الداخلية، ولم تنفعهم قرارات دولية ولا مساعدات في تأمين حياة كريمة ولائقة لهم ولأطفالهم خارج وطنهم الأمّ.

2018/06/13

محاكمة اسرائيل على جرائمها: الى متى؟


في 7 كانون الثاني 2015 انضمت دولة فلسطين الى نظام روما الأساسي وقبلت فلسطين اختصاص المحكمة على الجرائم التي تمّ ارتكابها «في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن ضمنها القدس الشرقية، منذ 13 حزيران 2014». وبالرغم من الانضمام وتقديم الطلب الفلسطيني إلا أن المحكمة لم تبدأ إجراءات التحقيق تمهيدًا للمحاكمة.
ولقد تقدم الفلسطينيون خلال أيار الماضي، وبعد سلسلة من الارتكابات الاسرائيلية بحق الفلسطينين العزل، بطلب جديد الى المحكمةالجنائية الدولية للتحقيق في الجرائم المرتكبة من قبل الاسرائيليين؛ ومنها الاستيطان، والفصل العنصري، والقيام بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والتي تتجلى في تشريد الفلسطينيين، والقتل العمد، والاعدام خارج إطار القانون، والمصادرة غير القانونية للأراضي، وهدم منازل الفلسطينيين وممتلكاتهم، وكذلك ممارستها للاعتقال التعسفي والتعذيب على نطاق واسع.
وبالرغم من وضوح هذه الجرائم وارتكابها على الملأ وبطريقة علنية وقيام العديد من المنظمات الدولية والاقليمية بتوثيقها، تذرعت اسرائيل بأن الطلب الفلسطيني "سخيف" لأن "فلسطين ليست دولة" ولأن "اسرائيل ليست عضوًا في نظام روما الأساسي".
من هنا، كان لا بد من تفنيد الذرائع الاسرائيلية:
1- فلسطين "الدولة" كشرط لاختصاص المحكمة
في 22 كانون الثاني 2009 أودع وزير العدل في الحكومة الفلسطينية لأول مرّة اعلاناً يقبل بممارسة المحكمة الجنائية الدولية لولايتها القضائية بشأن «الافعال التي ارتكبت في الأراضي الفلسطينبة منذ الأول من تموز 2002» وذلك بموجب المادة 12 من نظام روما الاساسي التي تحدد الشروط المسبقة لممارسة اختصاصها.
وقد اختلفت الآراء القانونية بشأن الصلاحية القانونية للتحقيق في الجرائم الاسرائيلية؛ حيث اعتبر البعض في المحكمة ان المادة 12 من نظام روما لا تنطبق على فلسطين لأنها ليست دولة معترف بها دولياً، ودفع البعض الآخر باتفاقية أوسلو للقول إن السلطة الفلسطينية قد تنازلت عن حقها في مقاضاة اسرائيليين بموجب تلك الاتفاقية.

وكان على انضمام فلسطين الى الجنائية الدولية أن يتأخر الى 7 كانون الثاني 2015  حين أعلنت المحكمة انضمام دولة فلسطين إلى نظام روما الأساسي وقبلت فلسطين اختصاص المحكمة على الجرائم التي تمّ ارتكابها "في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن ضمنها القدس الشرقية، منذ 13 حزيران 2014".
وبناءً على ذلك بدأت المدعية العامة الدولية فاتو بنسودا دراسة أوّلية للحالة في فلسطين في 16 كانون الثاني 2015.
وفي 16 كانون الأول 2017، انتخبت جمعية الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، دولة فلسطين عضوًا في مكتب جمعية الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية.
وهذا يعني أن فلسطين هي دولة كاملة العضوية في نظام روما الأساسي وأن التذرع الاسرائيلي بعدم اختصاص المحكمة لأن فلسطين ليست دولة لا يمكن الاعتداد به بعد قبول المحكمة بعضوية دولية فلسطين، علمًا أن المحكمة لا تقبل عضوية غير الدول، وهذا يعني أن فلسطين استوفت شروط الانضمام للمحكمة ويمكن اعتبارها دولة.
2- اسرائيل ليست عضو في نظام المحكمة
بالمبدأ، تمارس المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بجريمة معينة: أ) إذا أحالت دولة طرف إلى المدعي العام حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر قد ارتكبت. ب) إذا أحال مجلس الأمن، متصرفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.
ج) إذا كان المدعي العام قد بدأ بمباشرة تحقيق فيما يتعلق بجريمة من هذه الجرائم وفقاً للمادة 15.
ولكن يضيف نظام روما الأساسي حالات أخرى يمكن الاستناد اليها من ضمن "الشروط المسبقة لممارسة الاختصاص"، وهي المدرجة في المادة 12(2)، فإنه يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إذا كانت "الدولة التي وقع في إقليمها السلوك قيد البحث" طرفُ في النظام الأساسي أو قبلت باختصاص المحكمة.
من هنا، فإن إدعاء اسرائيل بأنها ليست طرفًا وبالتالي ليس للمحكمة اختصاص عليها يصحّ فيما لو كانت الجرائم المرتكبة بد حصلت على أراضٍ "اسرائيلية، لكن وبما أن ممارسة اسرائيل للقتل العمد وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية قد حصلت على "الأراضي الفلسطينية" فهذا عامل يسمح لفلسطين بمقاضاة الاسرائيليين على ارتكابهم هذه الجرائم، استنادًا الى أن الجرائم قد حصلت على ارض دولة عضو في نظام روما الأساسي وقد قبلت اختصاص المحكمة للنظر في هذه الجرائم (المادة 12/ 2- أ).
بكل الأحوال، إن قبول المحكمة بالاضطلاع بمهمة التحقيق في تلك الجرائم التي حصلت على أرض فلسطين، لا يعني أن المعوقات السياسية والضغوط الدولية لن تكون عائقًا أمام تحقيق العدالة الدولية، لكن يبقى أن اثبات الحق الفلسطيني في هذا الشأن أساسي، عسى أن تتبدل الظروف الدولية يومًا فيكتسب الفلسطينيون القوة اللازمة لمحاسبة اسرائيل على جرائمها المرتكبة في غزة والضفة الغربية والتي تضاف يوميًا الى جريمة احتلال الأرض وتشريد أهلها في الأساس.

2018/06/07

الجنوب السوري: تباين روسي إيراني أم تقسيم أدوار؟


د. ليلى نقولا
نشرت وسائل إعلام غربية تقارير حول اتفاق الجنوب السوري، حيث اعتبرت أن الروس والأميركيين قد اتفقوا على إخراج القوات الإيرانية والقوى الرديفة، بالإضافة إلى "الميليشيات السورية وغير السورية" من تلك المنطقة، امتثالاً لخط أحمر "إسرائيلي" كان العدو قد وضعه للقبول بتسوية أوضاع المسلحين الموجودين على الحدود السورية الجنوبية، على أن يتمّ انتشار الجيش السوري فيها لتأمين الاستقرار وعودتها إلى حضن الدولة السورية.

هلّل العديد من الصحف لما اعتُبر أنه تبايُن روسي إيراني في ما يخص الوجود العسكري الإيراني في سورية، خصوصاً بعد تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال المؤتمر الصحفي الذي تلا الاجتماع مع الرئيس السوري بشار الأسد، وقوله "في أعقاب النجاحات الملحوظة التي حققها الجيش السوري في محاربة الإرهاب، ومع تفعيل العملية السياسية، سوف تشرع القوات الأجنبية المتمركزة في سورية في الانسحاب من البلد"، ثم قام المبعوث الروسي إلى سورية؛ ألكسندر لافرينتييف، بتوضيح ما كان يقصده بوتين بالقول "إن الرئيس كان يشير إلى كافة القوى العسكرية الأجنبية المتمركزة في سورية، بما فيها الأميركية، والتركية وحزب الله والقوات الإيرانية".

ولقد استوجبت التصريحات الروسية رداً من الإيرانيين، حيث اعتبر الإيرانيون على لسان أكثر من مسؤول أن الوجود الإيراني في سورية هو بطلب من الحكومة الشرعية في دمشق، وأن هذه المساعدة التي تقدّمها إيران للسوريين ستستمر مادام هناك إرهاب في الداخل السوري، ومادامت الدولة السورية راغبة بذلك.

لعل هذا التباين بين الطرفين أوحى بانتهاء التحالف الاستراتيجي بين الروس والإيرانيين، وأن الآوان قد حان للاقتتال بين الأطراف الداعمة للنظام في سورية على تقاسم النفوذ في هذا البلد المنهك بالحرب، فإلى أي مدى تصحّ فعلاً مقولة انهيار التحالف بين الروس ومحور المقاومة، وبدء عملية الاقتتال بين الطرفين؟

في البداية، لا يمكن إغفال تبايُن المصالح الاستراتيجية الطويلة الأمد بين كل من الروس والإيرانيين، إذ تتباين المصالح الروسية مع الإيرانية في موضوع تقاسم وتوسيع النفوذ في المنطقة، كما تتنافس خطوط إمداد الغاز الإيرانية، التي كان من المفترض مدّها عبر العراق إلى الساحل السوري لتزويد أوروبا بالغاز، مع رغبة الروس باحتكار إمداد الغاز إلى أوروبا، ورغبتهم بإقامة "السيل التركي" الذي يرفد أوروبا بالغاز عبر اليونان، ولقد قدّم الروس الكثير من التنازلات لأردوغان في سبيل التوقيع على خط الغاز هذا، خصوصاً بعدما ربط أردوغان التسريع بمدّ الأنبوب، بموافقة موسكو على صفقة "أس 400".

أما اليوم، فيستفيد الروس والإيرانيون من تقسيم الأدوار بينهما خلال فترة التفاوض مع الأميركيين و"الإسرائيليين"، فالروس يطلبون خروج جميع القوات الأجنبية من الجنوب السوري، بينما يرفض الإيرانيون تقديم "هدية مجانية" للأميركييين و"الإسرائيليين"، ويصرّون على مطلب انسحاب الأميركيين من التنف، مقابل ابتعادهم عن الحدود الجنوبية السورية (وهو ما أيّده الوزير المعلم في مؤتمره الصحفي).

إن التنصُّل الروسي من الموقف الإيراني، والدعوة الروسية العلنية لانسحاب الإيرانيين وحزب الله وباقي الميليشيات من الجنوب السوري، يمكن أن يخفف الضغوط التي يمكن أن يمارسها الأميركيون على الروس لتنفيذ التزاماتهم السابقة في اتفاق الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب نهاية العام الماضي.

وفي حال تمّت التسوية على هذا الأساس، يكون "اتفاق الجنوب" قد حقق مكاسب متعددة للدولة السورية، أهمها سيطرتها على المنطقة الواقعة في الجنوب، وفتح معبر نصيب الحدودي، وتفكيك قاعدة التنف، التي تقع في مثلث استراتيجي هام على تقاطع الحدود العراقية - السورية - الأردنية، والتي شكّلت لفترة طويلة عامل ضغط عسكري يهدد البادية السورية.

في النتيجة، لم تنتهِ الحرب بعد، ولا تستطيع روسيا إعلان انتصارها وبسط نفوذها في سورية، ولم يستتب الأمر للقوى التي تريد التنافس على النفوذ وعقود إعادة الإعمار.. لذا، من المبكّر القول بافتراق أطراف الحلف الداعم للدولة السورية، وهذا يعني أن كل ما يحصل، سواء كان تقاسماً للأدوار، أو تعنُّتاً إيرانياً - سورياً بضرورة تفكيك القاعدة الأميركية في التنف، فهو يصبّ في مصلحة السوريين أولاً وأخيراً.