2014/01/30

سوريا- مونترو: بداية حل... للتفكير


د. ليلى نقولا 

يدرك المتابع لتطور الأوضاع في سورية، ولما يحصل في مونترو السويسرية، أن لا حل سيأتي مما يقوم به الطرفان السوريان في سويسرا، خصوصاً بعد رفض المعارضة الورقة أو ما سمي "البيان السياسي" الذي تقدم به الوفد السوري كأرضية للاتفاق على صيغة حل، ولعل الاطلاع على مضمون الورقة يشير إلى أنها تتضمن مبادئ عامّة لا يمكن لأي سوري أن يرفضها، لكن رفض "الائتلاف" لما ورد فيها، وبدون التطرق حتى لتبديل بعض العبارات فيها لتصبح صيغة مقبولة تعطي أملاً للشعب السوري، يجعله خاسراً أمام الرأي العام الذي ينتظر منه، كما من وفد السلطة، بعض التنازلات للوصول إلى حل أو بداية حل.

ولعل التعنت الذي يحصل في مونترو يشير إلى ما لا يقبل الشكّ بأن السوريين لم يصلوا إلى نقطة التعب بعد، والإدراك أن لا حلّ عسكرياً للأزمة، علماً أن الأخبار والتقارير التي تتناقلها وسائل الإعلام تشير إلى أن كرامة اللاجئين وبناتهم ونسائهم لم تعد محفوظة، فلا البرد ولا الهرب من جحيم الموت ولا الإنسانية يشفعون للسوريات اللواتي يتعرضن لانتهاك الكرامات، ففي لبنان وتركيا والأردن كما في معظم الدول التي لجأ إليها نازحو سورية، تتعرض النساء للابتزاز والاستغلال الجنسي، والزواج القسري، ولكثير من الحالات التي يمكن أن يطلَق عليها توصيف "الاتجار بالبشر"، بحسب القانون الدولي.

وفي مقابل ما يجري في مونترو، والذي يبدو بلا أفق سياسي أو دبلوماسي، يقوم كوفي أنان بزيارة إلى إيران، على رأس وفد من مجموعة "الكبار Elders"، حيث يطرح أنان مقاربات واسعة لحل الأزمة في سورية، منطلقاً من إمكانية أن تلعب إيران دوراً إيجابياً في حل النزاعات في المنطقة، وفي تخفيف التشنج المذهبي، ويدعو أنان إلى التفكير بجميع الخيارات الممكنة، لإضاءة بصيص نور على الأزمة السورية المستفحلة، بعكس بان كي مون الذي أقفل أي إمكانية لفتح كوّة في أجندة مؤتمر "جنيف 2"، للنفاذ منها إلى ما يمكن اعتباره أرضية مشتركة بين الطرفين يمكن الانتقال منها للقول إن هناك لبناء ثقة متبادلة، أو بداية حل.

وقد يكون الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة أكثر واقعية وأقل تعرضاً للضغوط من بان كي مون، الذي دعا إيران إلى مونترو، ثم عاد فسحب الدعوة، فأنان يدرك أن السلام والاستقرار في الشرق الأوسط يفترض انخراط جميع القوى الإقليمية الفاعلة فيه، ولإيران دور أكيد في ذلك، خصوصاً لما لها من نفوذ في سورية ولبنان، وفي مناطق عدّة من الأقاليم، كما لا يغيب عن ذهن أنان أن الحاجة الأميركية والأوروبية للتعاون مع إيران تزداد يوماً بعد يوم، فها هي إيران تثير اهتمام المستثمرين في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بعد دعوة الرئيس روحاني إلى الاستفادة من تخفيف العقوبات على بلاده والاستثمار فيها، ولا يمكن تجاهل عدم قدرة الأميركيين على توقيع اتفاقيات أمنية مع كرزاي في أفغانستان، تحدد أطر بقاء جنودهم بعد موعد الانسحاب المقرر في 2014، لذا سيحتاج الأميركيون إلى التفاهم مع إيران، التي رفع رئيسها السقف بإبلاغه كرزاي رفض بلاده الوجود الأميركي في أفغانستان.

بكل الأحوال، يبدو أنه رغم السقوف العالية وتعدد المسارات الدولية والإقليمية التي تحاول مقاربة الوضع السوري بما يخدم مصالحها، فإن ما حصل من تسويات ميدانية سابقة من في بعض مناطق النزاع السوري، كبرزة والمعضمية، يمكن أن يشكّل إطاراً مناسباً للبدء منه في تخفيف معاناة السوريين، وانطلاقاً من تمسك كل طرف بما أعلنه سابقاً من رؤيته لـ"جنيف 2" يمكن للإبراهيمي أو من يرعى المفاوضات في مونترو، أن ينطلق من قاعدة تشكيل قوى مشتركة من "الجيش السوري" و"الجيش السوري الحر" تؤدي إلى فكّ الحصار عن المناطق المحاصرة وتسليم السلاح الثقيل للجيش السوري، فينخرط الجميع في مكافحة الإرهابيين على الأراضي السورية، ويتم عزل "الجهاديين" القادمين من الخارج، والذين يمارسون التنكيل وقطع الرؤوس وتدمير مؤسسات الدولة ومقارها، وهكذا يكون الإعلان عن هذه القوى المتشكّلة انتصاراً للسلطة والمعارضة معاً، فيمكن للسلطة السورية أن تعلن نجاحها بفرض أجندتها لمكافحة الإرهاب على أرضها، ويمكن للمعارضة أن تتحدث عن أن هذه الهيكلية الأمنية المشتركة هي جزء من "هيئة الحكم الانتقالي" المطلوبة، وفيما لو صدقت النوايا فإن هذا الحل الذي طُبِّق في وقت سابق لمؤتمر "جنيف 2" وأثبت نجاحه في مناطق سورية عدّة، قد يكون بصيص نور للمواطنين السوريين الذي يعانون الأمرّين جراء الحصار والجوع والمرض، والتكفير الذي لم يعد يرحم حتى المتعاونين معه.


 

2014/01/26

سوريا: مسارات ثلاث لأزمة مستعصية


د. ليلى نقولا الرحباني

تشهد الأزمة في سوريا في هذه الأيام ثلاث مسارات منفصلة ستؤثر على مجرى النزاع بشكل كبير، الأولى حيث تتركز الأنظار على وفدي المعارضة والنظام السوري في مونترو السويسرية، أو ما بات يُعرف اصطلاحًا بمؤتمر جنيف 2، والثاني في دافوس الذي تغيب عنه سوريا مباشرة وتحلّ فيه ايران بقوة، وتفاوض بحنكة ودهاء وشراسة قد تكون أكبر من تلك التي يفاوض فيها النظام السوري بنفسه في جنيف 2، والثالث هو المسار الميداني في الداخل السوري.
- بالنسبة للمسار الأول في مونترو، يبدو أن السقوف العالية التي تحدث بها كل من الطرفين، طرحت جوًا من التشاؤم على المؤتمر. وكان اللافت التصعيد الأميركي غير المسبوق، عبر وزير الخارجية الأميركية جون كيري وبعض مساعديه في وزارة الخارجية. والمطلع على تحليلات داعمي الفريقين، يدرك أن كل فريق من الأفرقاء السوريين، يدّعي أنه ربح في الجولة الاولى، فالمعارضة السورية تتحدث عن ربح كبير، بسبب وضع وفد النظام السوري في منصة الاتهام، من قبل العديد من الدول ولأن الجربا أعلنها "الارهاب ارهابكم"، أما داعمي النظام السوري فيشيرون الى خطاب المعلم، والى تفكك الائتلاف السوري وتغيير ممثليه في المؤتمر والارباك الذين يعيشه، بالاضافة الى ما يشبه فكّ الحظر عن النظام السوري من خلال لقاء آشتون بالمعلم، وجو والارتياح والودّ والضحكات التي سادت لقاء المعلم بفيلتمان والابراهيمي.
- أما المسار الثاني، فتقوده ايران في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، حيث اجتمع وزراء من دول عربية وإيران وتركيا ودول أوروبية في دافوس لبحث الأزمة السورية في جلسات مغلقة ومفتوحة، يقودها الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان الذي يدعو الى التفكير في المسارات المتعددة التي يمكن اللجوء اليها لحلّ الأزمة السورية.
وهكذا يبدو أن الاحتفالات في مكان، والعرس في مكان آخر، فبينما يشترط بان كي مون أجندة مغلقة جدًا ومتزمتة على المفاوضين في مونترو- وهو أمر مستغرب في المفاوضات التي يجب أن يُترك فيها نافذة ولو محدودة للاختراق منها للوصول الى مبادئ مشتركة- يقوم كوفي أنان بطرح كل المسارات في دافوس، وهي الرؤية السليمة لمن يريد حلاً للأزمة السورية، ولتقريب وجهات النظر المتباعدة بين الأطراف الداعمة لكل من طرفي السلطة والمعارضة.
وهكذا، يبدو أن ايران قد أيقنت أن لا لزوم لتقديم تنازلات مجانية للمشاركة في مؤتمر معروف نتائجه سلفًا، وخاصة أن الائتلاف السوري المعارض بات ورقة بدون مضمون، فلا الفصائل المسلحة تعترف به، ولا يعترف به كثير من المعارضين السوريين في الداخل والخارج، بالاضافة الى أنه انهار من الداخل بعد قرار الذهاب الى جنيف 2، بانسحاب ست كتل أساسية منه.
- أما المسار الثالث الموازي، وهو ما يحصل في الميدان السوري، فيبدو أنه سيكون الحكم في المراحل المقبلة، بعدما تأكد أن له القدرة على التأثير على مجريات المسارات جميعها، فلم يكن الأميركيون وحلفائهم ليقبلوا بوجود النظام السوري على طاولة المفاوضات، لو لم تكن الظروف الميدانية قد انقلبت رأسًا على عقب بين حزيران 2012 وكانون الثاني 2014، واستعاد الجيش السوري المبادرة في العديد من المناطق وكبّد المقاتلين خسائر هائلة.

وبالرغم من الكلام هنا وهناك، والمسارات الدبلوماسية التي تسير جنبًا الى جنب مع محاولة الحسم الميداني، يبدو أن الوقت ما زال مبكرًا للتوصل الى اتفاق بشأن النزاع في سوريا، بالعكس، يبدو أن الميدان سيسشتعل اقتتالاً خلال الفترة الزمنية التي تسبق الانتخابات الرئاسية السورية، وبمجرد العودة من المفاوضات. سيحاول النظام السوري استعادة زمام المبادرة والتأكيد أن الشعب السوري هو من يقرر مصيره ومن يمثله، بينما يسعى الغرب الى فرض موازين قوى جديدة لمنع الأاسد من الترشح، لكنه محرج بالتأكيد بسيطرة القاعدة ( بمسمياتها المتعددة) على المناطق التي تغنّى المعارضون أنهم حرروها، علمًا أن "الجبهة الاسلامية" لا تقلّ تكفيرًا وارهابًا عن "داعش"... انطلاقًا من كل هذا، من خطورة التحالف مع الشيطان الذي بات يُقلق الاوروبيين، لا يبدو أن الوقت يلعب لصالح المعارضة السورية، وما لم تقبله اليوم، قد تكون مرغمة على قبول أقل منه بكثير غدًا.




 

2014/01/23

المسكوت عنه في محاكمة قتلة الحريري


د. ليلى نقولا الرحباني
تستمر المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في جلساتها، وكانت أمور عدّة قد لفتت المراقبين في مطالعة المدعي العام نورمان فاريل، الذي استند إلى دليل اتصالات أشبه بـ"فاتورة مفصّلة" من شركة "ألفا"، لإثبات التهمة على المتهمين الخمسة، بالإضافة إلى إعلان طائفة المتهمين، والإيحاء بأن المؤامرة لاغتيال الحريري بدأت مع استقالته من الحكومة، وفي ذلك إشارة إلى التوتر السياسي مع السوريين وحلفائهم اللبنانيين.

أما بالنسبة لإعلان طائفة المتهمين، فلم يكن ذلك خطأ  من المدعي العام كما اعتبر البعض، إذ نلاحظ من خلال قراءة القرار الاتهامي المعدّل الصادر في 21 حزيران 2013، وفي المقدمة تحت إطار (أولاً - المقدمة)، ص 2، يدرج المدعي العام أنه يتهم الأفراد الخمسة بموجب قانون العقوبات اللبناني، والقانون اللبناني المؤرخ 11 كانون الثاني 1958، بشأن "تشديد العقوبات على العصيان، والحرب الأهلية، والتقاتل بين الأديان".. وهذا يعني أن المدّعي العام يريد الإشارة إلى أن الجريمة حصلت بدافع طائفي، وهو ما يؤكده الملحق التابع لنص القرار الاتهامي نفسه، حيث قام الادّعاء بتمويه عبارة على الأرجح أن تكون مذهب الشخص "سُنّي"/ ماروني.. بعد اسم كل قتيل في العملية.

أما بالنسبة للتوتر السياسي، ورغم أنه فعلاً كان هناك توتر سياسي في المنطقة في تلك الفترة، خصوصاً بين السعودية وسورية، لكن ما لم ينتبه له الادعاء أن التوتر بين "القاعدة" والسعودية كان أكبر بكثير من التوتر السعودي - السوري، ونُدرج بعض تفاصيله فيما يلي:

 في 12 أيار 2003، حصل تفجير إرهابي كبير في الرياض نفّذه انتحاري فجّر نفسه في مجمّع فينيل، فقُتل 35 شخصاً، وجُرح 200 آخرين، وسرت شائعات في ذلك الوقت بأن الحرس الوطني السعودي كان متورطاً في مؤامرة أو محاولة انقلاب، لكن لم يُكشف أي شيء بعد ذلك عن نتائج التحقيق، وتمّت لفلفلة القضية.

ثم شهدت الأعوام من 2003 ولغاية 2006 العديد من العمليات الانتحارية وعمليات استهداف للأجانب وللشرطة السعودية، وتمّ اعتقال وقتل عدد كبير جداً من نشطاء القاعدة، معظمهم سعوديون، بالإضافة إلى جنسيات أخرى كالتشاد ومصر وغيرها، ودخلت السعودية في مرحلة عدم استقرار وحالة حرب حقيقية مع "القاعدة"، إذ تُسجّل التقارير استهدافاً يومياً للمدنيين والأجانب والشرطة بشكل خاص، وقتل واعتقال العديد من المسلحين، بالإضافة إلى تقارير عن قطع رؤوس، وانتحاريين وسيارات مفخخة وتعذيب في السجون.

وتذكر الصحف أن أحد الإرهابيين الكبار المدعو فايز إبراهيم أيوب، ورقمه 14 على اللائحة السعودية (ب)، سلّم نفسه إلى السفارة السعودية في بيروت في 1 تموز عام 2005، ولكن السلطات السعودية نفت ذلك، وفي آب من العام 2009 قام الانتحاري عبدالله حسن الأسيري بتفجير نفسه بحزام ناسف، في محاولة لاغتيال الأمير محمد بن نايف، الذي نجا من محاولة الاغتيال تلك.

هذه التفاصيل التاريخية تشير إلى إمكانية كبيرة لضلوع "القاعدة" بعمل انتقامي، فلماذا أغفل التحقيق أو تجاهل إمكانية قيام "القاعدة" بقتل رفيق الحريري لأسباب سعودية وليست لبنانية؟ وما الذي يمنع من أن تكون القاعدة قد قتلت الحريري انتقاماً من المملكة العربية السعودية، التي قتلت واعتقلت وعذّبت آلاف الناشطين من "القاعدة" في تلك الفترة بالذات؟

ثانياً: ما مدى صحة تسليم أحد أهم المطلوبين نفسه إلى السفارة السعودية في بيروت في تموز من السنة نفسها التي اغتيل فيها الحريري؟ وماذا كان يفعل هذا الإرهابي الكبير في بيروت؟ وكيف مرّ على الأمن العام اللبناني وهو مطلوب بتهم الإرهاب ومدرج على لائحة الإرهاب السعودية تحت رقم 14\ ب التي تمّ تعميمها؟ ولماذا لا يكون هو أحد منفذّي اغتيال الحريري؟ وإن صحت تلك الفرضية، هل التعمية على الأمر تعود إلى أن الاتهام كان قد وُجّه في ذلك الوقت إلى سورية، أو لأنه مرتبط بمؤامرات داخلية في السعودية؟

ثالثاً: هل قامت لجنة التحقيق الدولية بفحصDNA  لتكتشف إن كان هذا الانتحاري المجهول الهوية هو أحد المطلوبين على لائحة الإرهاب السعودية؟

كل هذه المعطيات يبدو أن الادعاء تجاهلها، كما تجاهل اعترافات "مجموعة الـ13"، وسار بمسار واحد نحو أدلة ظرفية حول تزامن اتصالات لخطوط هاتفية في مكان وجود الحريري، وعليه، لا يبدو أن المحكمة ستسير نحو معرفة الحقيقة الكاملة في اغتيال رفيق الحريري، طالما أنها لم تقم تحقيقاً شفافاً مهنياً، ولم تلتزم أعلى معايير العدالة الدولية، بل تبدو وكأنها أداة إضافية لتسعير الصراع السُّني الشيعي المستعر أصلاً في المنطقة منذ قدوم الأميركيين.


 

2014/01/19

كيف كرّس الأسد نفسه في الحرب العالمية على الارهاب؟

د. ليلى نقولا الرحباني

يشير عدد من الباحثين والسياسيين المؤيدين للمعارضة السورية، أن "الحرب على الارهاب" التي باتت تتردد على أساس أنها الإطار الذي يجب أن تندرج تحته أي مفاوضات مقبلة في مدينة مونترو السويسرية أو ما بات يُعرف باسم جنيف 2، يشيرون الى أنها استراتيجية معتمدة من قبل النظام السوري وحلفائه لحفظ بقائه، وتصويره مدماكًا رئيسيًا لحفظ الاستقرار في المنطقة والقضاء على الارهاب الذي بات يهدد المنطقة وقد يمتد الى جوارها الروسي والاوروبي.
وقد يكون هذا الكلام صحيحًا، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الحملة الدولية على الارهاب، وما يطرحه الروس من عنوان أساسي وعريض يجب أن تندرج تحته أي مفاوضات بين المعارضة والنظام السوري، باعتبار أن الارهاب بات يهدد الجميع. ولكن، إذا عدنا بالذاكرة الى الوراء قليلاً، ودرسنا كيف سمحت المعارضة وداعميها للأسد بالوصول الى تكريس حكومته وجيشه كمعطى لا يمكن الاستغناء عنه في الحرب العالمية على الارهاب، نجد ما يلي:

أولاً: لقد أخطأت المعارضة السورية وحلفائها منذ البداية في تقديرها لمخاطر الاستعانة بالقاعدة وأخواتها في حربهم ضد النظام السوري، ولعل الخطأ العلني بدأ منذ الدفاع المستميت والشرس الذي قام به المعارضون السوريون عن "جبهة النصرة" حين أدرجها الأميركيون على لائحة المنظمات الارهابية. ومنذ ذلك الوقت، كان واضحًا جدًا أن من أسموا أنفسهم "أصدقاء سوريا" يلعبون لعبة خطرة جدًا من ضمن التحالف مع الشيطان، وها هي اليوم قد ارتدت سلبًا عليهم، وسمحت للنظام السوري بتأكيد نظريته بأنه لا يقاتل معارضة وطنية تطالب باصلاحات وإنما يقاتل مجموعات ارهابية تمارس القتل والتنكيل بالجثث وأكل الأكباد وقطع الرؤوس.

ثانيًا: لم تقم المملكة العربية السعودية بجهد للقيام بتمييز واضح بين الموقف الرسمي السعودي وبين تصرفات وتصريحات بعض الأمراء السعوديين، بالعكس إن السكوت السعودي الرسمي عن تصريحات بعض الأمراء أو سياساتهم الجنونية ترافق بسياسة "حرد" دفعته الى رفض مقعد غير دائم في مجلس الأمن، وكل ما جرى بعد الاتفاق النووي الايراني الغربي، دفع المراقبين الى عدم تمييز بين الموقفين، ما ساهم في إضفاء صدقية على ما يقوله الايرانيون وحزب الله والنظام السوري حول ضلوع السعودية في تمويل الارهابيين أو أكثر من ذلك، كما تمّ اعلانه من قبل السيد حسن نصرالله وآخرين عن التحقيقات في تفجير السفارة الايرانية في بيروت.
بالمقابل، تقوم ايران بسياسة دبلوماسية خارقة عنوانها "اليد الممدودة" للجميع، فها هو الرئيس روحاني يحضر القمم العالمية ويوزع الابتسامات والكلام الجذاب، ووزير خارجيته ظريف يقوم بجولات اقليمية وعالمية، ويتحدث بنفس انفتاحي، وضرورة الحفاظ على الاستقرار الاقليمي، ويمد اليد الى السعودية التي اتهمها الايرانيون في وقت سابق بدعم الارهاب. هذه السياسة الايرانية، تزيد في إحراج داعمي المعارضة السورية الذين يبدون وكأنهم ضد السلام والاستقرار بينما تسعى اليه ايران بقوة.

ثالثًا: قيام الاوروبيين بتسهيل مغادرة الارهابيين والمتطرفين من اوروبا الى سوريا، ضمن سياسة التخلص منهم وارسالهم للموت في سوريا، وهي سياسة تبدو مقصودة وممنهجة وليست أمرًا اعتباطيًا أو بصورة غير مقدّرة كما يتوهم البعض. ولعل مراجعة التقارير الاوروبية، ومنها تقرير رئيس البوليس السرّي السويدي السابق في عامي 2010 و2013، تشير الى ذلك بوضوح، فقد تمّ الاعلان عام 2010 عن وجود 200 أصولي متطرف قد يشكّلون خطرًا على السويديين في الداخل، أما في العام 2013، فقد تناقص العدد الى 125، بسبب ذهاب 75 منهم الى القتال في سوريا.
قد تكون هذه السياسة الاوروبية، هي بالتحديد، سبب إطالة أمد القتال في سوريا، فالدول الاوروبية لا تريد عودة هؤلاء الى بلدانهم بالتأكيد، وقد يناسبها أن يرحل المزيد منهم، وكلما طال أمد القتال في سوريا، كلما تمّ التخلص من هؤلاء وإبعاد خطرهم عن المجتمعات الاوروبية.

من كل ما سبق، نستنتج أن خسارة هذا الفريق ونجاح ذاك، وتكريس النظام السوري نفسه بأنه ضرورة لمكافحة الارهاب، وتكريس دور ايران الاقليمي كعامل استقرار في المنطقة لا يعود فقط الى كفاءة هذا الفريق وإنما الى الاستراتيجيات الخاطئة التي اتبعها الفريق الداعم للمعارضة السورية، فكما  كنا قد حذّرنا يومًا من أن فكر "القاعدة" ونهجها لا يمكن أن يبنيا ديمقراطية، ولا يمكن أن يبنيا دولة تطمح إليها شعوب المنطقة، ومن يريد أن يستعين بالشيطان سيجد نفسه في جهنم لا محالة، يبدو أنه يتحقق اليوم كمسار حتمي، فقد تتحول الارض السورية الى جهنم قاتلة للجميع، إن لم يتمّ الاستدراك والذهاب الى بداية حل في جنيف 2.

2014/01/15

مسار المحكمة الدولية بعد موت الماجد


د. ليلى نقولا الرحباني
تبدأ المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بلبنان أولى جلساتها اليوم الخميس في السادس عشر من شهر كانون الثاني الجاري، ومن المرجح أن يتم تأجيل الجلسات اللاحقة في حال تمّ الاتفاق على ضم قضية المتهم الخامس حسين مرعي إلى المتهمين الأربعة.
ولعل موت الإرهابي ماجد الماجد وعدم قدرة الجيش اللبناني على التحقيق معه قد فوّتا على اللبنانيين كنزاً من المعلومات في ما خصّ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والكثير من الاغتيالات الأخرى التي ارتكبتها "القاعدة" في لبنان، وحتى لو لم تكن المحكمة الدولية قد أشارت إليها، أو أنها - وفي تصرف مستغرَب من قبل لجنة التحقيق - قد أهملت فرضية الانتحاري أو قيام "القاعدة" بقتل رفيق الحريري، وما يدفعنا إلى الاستغراب ما يلي:

أولاً: إعلان المحكمة أن أحد أبرز الأدلة لدى مكتب المدعي العام قد فُقدت مؤخراً في أحد مختبرات دولة أوروبية، وهي من الأدلة المرتبطة بهوية أحد المنفذين، وقد ذكرت تقارير عدّة أن هذا الدليل هو جزء من سنّ الشخص الذي يُعتَقَد أنه الانتحاري الذي فجّر شاحنة محملة بالمتفجرات بموكب الحريري، وأن محققي لجنة التحقيق الدولية قد عثروا على جزء من سنّ الانتحاري المفترض عام 2006، فيما عثر أحد ضباط قوى الأمن الداخلي على جزء آخر من سن للشخص نفسه، بعد أسابيع على وقوع الجريمة.
وهنا، يكون السؤال البديهي: إن كان هناك فعلاً انتحاري في مسرح الجريمة، وقد احتفظت المحكمة بسنّ من أسنانه، فكيف يمكن للجنة التحقيق الدولية أن تُسقط هذا الاحتمال (ضلوع القاعدة) وتنفيه كلياً في قرارها الاتهامي؟

ثانياً: قد يكون موت الماجد أيضاً قد فوّت على المحققين فرصة معرفة الحقيقة حول المؤشرات التي تحدثت عن تزامن خطوط هاتفية "سلفية" في موقع اغتيال الحريري، لم يأتِ على ذكرها القرار الاتهامي، علماً أن الدليل الذي يستند إليه الادعاء في قراره الاتهامي ضد عناصر "حزب الله" يستند إلى "تزامن اتصالات" قام بها هؤلاء في محيط موقع الجريمة في ذلك الوقت بالذات.

ثالثاً: كان لافتاً من قبل لجنة التحقيق الدولية المستقلة والقوى المؤيدة لإنشاء المحكمة في لبنان، التشكيك الدائم بتحقيقات الأجهزة اللبنانية، علماً أنه تبيّن أن التحقيقات التي أجرتها الأجهزة اللبنانية - بشكل عام - قادت إلى كشف الحقائق بسرعة معقولة، وبشكل موضوعي أكثر مما فعلته لجان التحقيق الدولية التابعة للمحاكم الدولية، ومنها محكمة لبنان. على سبيل المثال، رفض فريق "المستقبل" وحلفاؤه نتائج التحقيقات التي أعلنتها الأجهزة اللبنانية في محاولة اغتيال المقدم سمير شحادة، والتي اتُّهمت جهات "أصولية" خرجت من مخيم اللاجئين الفلسطينيين، علماً أن إحدى وثائق "ويكليكس" نقلت أن برامرتس أبلغ فيلتمان بأن محاولة اغتيال سمير شحادة لا علاقة لها باغتيال الحريري، وهي إما حصلت لسبب شخصي، وإما من قبل "القاعدة"، أو منظمة فلسطينية.

رابعاً: إذا كانت العلاقة المتوترة بين الرئيس رفيق الحريري وبعض القوى السياسية اللبنانية وحلفائه السوريين هي المعطى الأساس الذي سيقدّمه المدّعي العام لدى المحكمة الخاصة بلبنان، على أنها الوقائع الأساسية السابقة الممهدة لعملية الاغتيال، فاللافت أن هذه المعطيات هي التي رسمها ديتليف ميليس بالتعاون مع بعض الشخصيات المنضوية تحت جناح "تيار المستقبل"، وهي نفسها الشخصيات التي يشار إليها بأنها فبركت شهود الزور وضللت التحقيق. كذلك، بإهمال التحقيق الدولي فرضية قيام جهات أصولية بهذه العملية، لم يقم بالتحقيق والتدقيق بعلاقة الرئيس الحريري بالجهات "الأصولية" التكفيرية قبل الاغتيال... من هنا، كان يمكن لماجد الماجد أن يكشف الكثير من أسرار هذه العلاقة، وهل كانت علاقة متوترة، علماً أن التطورات الأمنية في لبنان واغتيال الشهيد فرنسوا الحاج وتفجير عين علق وسواه من التفجيرات الارهابية بيّنوا أن تفجيرات "القاعدة" تحصل في كثير من الأحيان لأسباب أقل من توتر في العلاقة.

في المحصّلة، ورغم كل الوقت الذي استغرقه التحقيق في قضية اغتيال الحريري، واستغرقته المحكمة الدولية لبناء قرارها الاتهامي، تبدو المحاكمة - لغاية اليوم - عاجزة عن أن تكون مبنيّة على أعلى معايير العدالة الدولية، وعلى المحكمة العمل على تطهير مسارها من الانحرافات والشبهات التي طبعتها، وإلا لن تستطيع تحقيق العدالة المرجوَّة منها.


2014/01/13

محكمة لبنان: آداة أو نتيجة للفتنة السنية الشيعية؟

د. ليلى نقولا الرحباني

من المتوقع، أن تبدأ المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بلبنان، أولى جلساتها في السادس عشر من شهر كانون الثاني الجاري، مع بعض الاشكاليات القانونية المتعلقة بضم ملف المتهم الخامس الى القضية.  ولقد تزامن هذا الحدث مع "احتفالية" اعلانية في المحكمة، وجولة اعلامية للناطق باسم المحكمة مارتن يوسف لتسويقها داخل لبنان، ودخول اسرائيلي اعلامي على المشهد المتعلق بالمحكمة.
وما يهمنا في كل هذا أمران:
الأمر الأول- إعلان مارتن يوسف بأن "المحكمة غير مخوّلة اتهام حزب أو فريق أو جهة سياسية معينة بل الأفراد المنتمين للأحزاب وتحصر اهتمامها بالأدلة التي تثبت علاقتهم بالاعتداء". بالمبدأ، ما يقوله يوسف صحيح من ناحية أن المسؤولية في المحاكم الجنائية الدولية - ومنها محكمة لبنان- هي مسؤولية فردية وليست جماعية، وبالتالي هي توّجه لأفراد وليس لشخصيات معنوية. لكن يوسف لم يقل كل الحقيقة، وتعامى عن مبدأ أساسي طورته المحكمة الجنائية الخاصة بيوغسلافيا، وقد ادرجه نظام محكمة لبنان في مادته الثالثة، وهو مبدأ المشروع الجنائي المشترك، والذي يُعتبر بدعة في القانون الجنائي الدولي.
وبموجب هذا المبدأ الذي أكدت عليه المادة الثالثة من نظام محكمة لبنان، يمكن للمحكمة - حين تثبت الحكم على عناصر من حزب الله- أن تلجأ الى التوسع في التحقيق لتتهم من تشاء ضمن المجموعة التي ينتمي اليها هؤلاء، على أساس الجرم الجنائي بموجب الهدف المشترك، وحتى لو لم يكن هذا الهدف المشترك جرميًا بالأساس. ونلاحظ أن محكمة يوغسلافيا قامت- من ضمن هذا المبدأ- بالحكم جنائيًا على العديد من الأشخاص لمجرد تشاركهم بـ "النية الذهنية" مع الجاني، أو لأنهم انتموا الى نفس المجموعة التي انتمى اليها الجناة.
الأمر الثاني الذي يجب لفت النظر اليه، وهو في الفقرة الثانية ضمن المادة 3 ايضًا من نظام محكمة لبنان، أنه يمكن للمحكمة انطلاقًا من مبدأ مسؤولية الرئيس عن المرؤوس أن تطلب تحويل السيد حسن نصرالله وسائر قيادات حزب الله،  سواء بسبب الفعل أو عدم الفعل، وهذا يعني أن يُقدموا الى المحاكمة في حال كانوا يعلمون بالجريمة وأمروا بها، أو أنهم علموا ولم يمنعوا ارتكابها، أو ببساطة لأنهم كان من المفترض أن يعرفوا ولم يعرفوا، أو لم يبلغوا السلطات المختصة.
الأمر الثاني والأخطر، هو الدخول الاسرائيلي على المشهد من خلال بابين: أولاً تسريب إحدى الوثائق المتعلقة بالمحكمة، والثاني الاعتراف بأن اسرائيل كانت قد زودت المحكمة بأدلة تورط قادة من حزب الله بقضية اغتيال الحريري.
أ- بالنسبة لتسريب  ونشر وثيقة من الوثائق الرسمية التابعة للمحكمة، والادعاء بأن أحد الباحثين الاسرائيليين قد "عثر" عليها، فهذا يشير الى أمور عدّة أهمها:
محاولة اسرائيل تثبيت الاتهام على حزب الله اعلاميًا حتى قبل تثبيته قضائيًا وشحن الأجواء المذهبية في ظل الحرب السنية الشيعية الدائرة في المنطقة. بالاضافة الى تشويه صورة المحكمة أكثر مما هي مشوهة بالأساس، وفقدانها ما تبقى لها من مصداقية هشّة. ولعل عبارة "عثر عليها"، تشير الى أن ابسط معايير العدالة لم تطبق في هذه المحكمة، فكيف يمكن لوثائق مصنّفة سرّية، وتدخل في صلب القرار الاتهامي بأن يعثر عليها باحث وكأنها مرمية في المهملات، أو موضوعة في أرشيف علني، وهذا لا يجوز اطلاقًا.
ب- بالنسبة للإعلان الاسرائيلي بأن اسرائيل قد زوّدت المحكمة بالأدلة عن تورط عن حزب الله، فهذا ليس بالأمر الجديد، فقد كشف مساعد بلمار في وقت سابق بأن اسرائيل هي مصدر من مصادر القرار الاتهامي، وذلك بالرغم من أن جميع المحققين كانوا قد أقرّوا بأن اسرائيل لم تتعاون مع المحكمة بالنسبة لما طلبه المحققين منها من معلومات. إذًا، اسرائيل قدمت الدليل الاتهامي، وهذا يطرح شكوكًا كبيرة على القرار الاتهامي بحد ذاته المبني على الاتصالات بين المتهمين، وهذا الاعتراف الاسرائيلي يصعّب المهمة على المحكمة ويجعلها مطالبة بمزيد من الشفافية والصدقية، فكيف يمكن الوثوق بقرار اتهامي يدين حزب الله، قد قدمته عدوته اسرائيل، علمًا أن اسرائيل مدانة دوليًا باختراق الشبكة الخلوية والهاتفية اللبنانية.
بكل الأحوال، من المتوقع أن يتم تأجيل جلسات المحاكمة مرة أخرى، وكما معظم المحاكم الدولية في العالم، ستكون المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أداة بيد الدول الكبرى، تستخدمها في محاولة تغيير الموازين القوى في الداخل أو لسحق المهزومين، وبدون أن ينسحق أو ينهزم لن تستطيع أن تقوم بمهمتها تلك.

2014/01/09

لبنان في عين العاصفة... لكن الحل آتٍ

د. ليلى نقولا الرحباني
يعيش اللبنانيون يومياً على وقع التصريحات المتناقضة حول "حكومة الأمر الواقع" التي حاول الرئيس ميشال سليمان والرئيس الملَّكف تمام سلام أن يدفعا لإعلانها قبيل "جنيف-2"، مع إدراكهما خطورة الوضع الذي يمرّ به لبنان، حيث يبدو أن الإرهاب لا يوفر أياً من الأطراف السياسية ولا الطائفية.

ورغم الخطابات العالية النبرة التي تلت اغتيال الوزير السابق محمد شطح، ولكن سقفها بدا مضبوطاً - نوعاً ما - في ظل معرفة المعنيين أن ما يتمناه الرئيس السنيورة قد لا يكون مقبولاً أو مقدوراً على القبول به إقليمياً ودولياً، ولئن كانت الحركة الإقليمية الداعمة لفريق 14 آذار والمعارضات السورية تريد إحراج "حزب الله" وعزله في الداخل، لكن الهامش المعطى لهؤلاء يبقى عند حدود الاستقرار اللبناني، لإدراك الغربيين أن موازين القوى الداخلية ليست في صالح القوى التابعة لها في لبنان، ولعدم إعطاء فرصة نادرة لـ"حزب الله" للسيطرة على الوضع في لبنان تحت شعار الدفاع عن النفس.

لكن لا شكّ أن الاشتباك الإقليمي والدولي يجد له ساحة في لبنان، كما جرت العادة دائماً، وقد ظهر مؤخراً أن الجميع قد خلعوا قفازاتهم، فإيران التي سارعت إلى اتهام "إسرائيل" بتفجير السفارة الإيرانية عادت وتخلّت عن تحفّظها، وأعلنت صراحة على لسان المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، أن ماجد الماجد قد تمّت تصفيته "لما يملكه من معلومات مهمة عن العمليات الإرهابية، وارتباطه بمسؤولين سعوديين كبندر بن سلطان"، وهو ما يواكب الاتهام الصريح الذي أطلقه السيد حسن نصرالله سابقاً للسعودية بأنها وراء التفجيرات الانتحارية.

وبعد اتهام السيد نصرالله المباشر، والتصريحات الإيرانية، أعلنت موسكو على لسان مدير الأمن الفدرالي الروسي الكسندر بورتينكوف، الذي سلّم التقرير النهائي حول التحقيقات في تفجيرات فولغوغراد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن "التحقيقات كشفت أن أحد التفجيرات نفذها قيادي كان ينشط في جماعة مسلحة في سورية مدعومة من السعودية".

والسؤال: بعد كل هذه الصراحة، إلى أين تتجه الأمور في لبنان والمنطقة، خصوصاً أن للمملكة العربية السعودية حلفاء أساسيين في لبنان؟

لا شكّ أن الأمر يعود إلى الخيار الأميركي، كحليف للسعوديين، في هذه المعضلة الشرق أوسطية، وبهذا علينا أن نراقب حركة الموفدين الأميركيين إلى السعودية، التي زارها الأحد كل من قائد القيادة المركزية الأميركية الفريق أول لويد أوستن برفقة وفد عسكري، ثم جون كيري، الذي أشارت التقارير أن لقاءه بالملك عبدالله كان فاتراً جداً، وبحسب ما يمكن أن يكون قد قاله الأميركيون للسعوديين:

- الاحتمال الأول: أن تكون السياسة السعودية منسّقة مع الأميركيين، وما يحصل هو تنسيق وتوزيع أدوار بين الاثنين، فحينها يكون الأميركيون قد أتوا للتأكيد على الحلف الاستراتيجي واستمرارهم في حماية أمن الخليج، ولفت النظر إلى أن لا تؤدي الحركة السعودية إلى خدمة النظام السوري وحلفائه، أو خروج عن الخطوط الحمراء مع الروس، خصوصاً مع التهديدات التي صدرت عن بوتين بتغيير خارطة الشرق الأوسط رداً على تفجيرات فولغوغراد.

- الاحتمال الثاني: أن تكون السياسة السعودية قد بدأت تضرّ بالمصالح الأميركية في المنطقة، فحينها يكون لزيارة الوفد العسكري الأميركي معنى مختلف وخطير جداً، خصوصاً في ظل إعلان أميركي واضح عن دعمهم لما يقوم به المالكي في العراق، ومسارعة السفارة الأميركية في بيروت إلى إدانة تفجير حارة حريك ووصفه بالعمل الإرهابي، إضافة إلى ما يحصل على جبهة المنظمات المسلحة في سورية من تضافر وتجميع القوى في مواجهة "داعش".. ما يؤشر إلى توجّه أميركي للسير بما كان قد أعلنه لافروف سابقاً من ضرورة أن يكون "جنيف-2" نقطة انطلاق لحرب عالمية على الإرهاب، يلتزم بها كل من النظام والمعارضة السورية على حد سواء.

بكل الأحوال، وفي كلا الاحتمالين، سيتأثر لبنان بما ستكون عليه الحركة الإقليمية والدولية في المنطقة، فالأميركي غير مستعد للدخول مباشرة في حرب من أجل أي من حلفائه، في حال قرر بوتين وحلفاؤه تغيير سياستهم في المنطقة والانتقال من الدفاع إلى الهجوم، وفي الاحتمال الثاني، لن يكون لبنان بمنأى أيضاً، فماذا ستكون ردة فعل حلفاء السعودية في لبنان إن لم تنخرط الرياض في الحرب العالمية على الإرهاب؟

المنطقة تبدو على فوهة بركان، ولا شك أن الأشهر المقبلة ستشهد تغييرات دراماتيكية هائلة في المنطقة ككل، لكن يبدو أن اللبنانيين يشعرون بأنهم في جزيرة معزولة، وأنهم محور الكون، وأن الأرض تدور دورتها حولهم.. مع الأسف.

2014/01/06

السيّافون وسياسة تقطيع الوقت

د. ليلى نقولا الرحباني
حسنًا فعل العراق، بأن بدأ حربه على الارهاب ولم ينتظر نتائج تسوية اقليمية قيل أنها ستبرز في جنيف 2، وكانت ستؤدي تلقائيًا الى فرز الارهابيين، وتطويقهم وبالتالي تجفيف منابعهم بتعهد الدول الاقليمية الراعية لهم.
منذ أن سقط المشروع الأخواني في حزيران 2013، وتصدّرت السعودية لمهمة اسقاط النظام السوري، تبدلت بعض المشاهد في الساحات الثلاث المترابطة: لبنان وسوريا والعراق. وما أن خذل الأميركيون حلفاءهم، بعدم توجيه ضربة عسكرية لسوريا، حتى زاد المشهد جنونًا، وتمدد الانتحاريون، خاصة بعدما تخلّت المملكة العربية السعودية عن دبلوماسية العجائز المعروفة، والتي كانت تحافظ على ماء الوجه بقوة، وتفعل في السر ما لا تقوله في العلن.
وهكذا، بتنا اليوم في مشهد جنوني قاتل، عانى منه العراق مبكرًا، فالأرواح البريئة التي حصدها الارهاب في العراق، بلغت حدًا غير مسبوق عام 2013، لم تبلغه في فترة الصراع الطائفي عام 2008، والارهاب المتنقل في لبنان بلغ أيضًا حدًا جنونيًا لم يبلغه من قبل، أما في سوريا، فتعيش المجموعات الارهابية صراعًا وجوديًا يجعلها تلغي الآخرين وتلغي بعضها بعضًا في أشرس معارك تشهدها المناطق التي تسيطر عليها.
وهكذا، نقف الآن أمام مشهد موت هائل، وماذا بعد؟
لا يبدو الغرب مستعجلاً لحسم الملفات، فهو يعتقد أنه يستفيد من المجموعات هذه، ومن حفلة الجنون القاتلة لتصفية القوى التي تناهضه، ومن المجموعات الارهابية على حد سواء. يعتقد الغرب، أن حروب الموت المتنقل هذه، ستؤدي الى اضعاف حزب الله والنظام السوري، والمجموعات التابعة للقاعدة على حد سواء، لذا لا بأس من اعطاء الوقت الكافي لها للتقاتل حتى الموت.
إنه مشهد مستعاد من إرث الامبراطورية الرومانية... مشهد حلبة الموت، حيث يتجمهر عشرات الآلاف على مدارج ملعب دائري ضخم في روما، وهم يهتفون و ‏يصرخون تفاعلاً مع وقائع المباراة التي تجري أمامهم، يهتفون ويشجعون، ويصفقون. شعور غامر بالإثارة والحماس والتشجيع لهذا وذاك، والدعوة الى عدم الاستسلام.. إنهم يشاهدون مباراة دموية لقتل البشر وتقطيع ‏أوصالهم وسط صرخات وهتافات الجماهير التي تحضّ اللاعبين على إزهاق الأرواح البشرية بدون رحمة، وكلما زاد العنف والجنون، كلما زادت صرخات الاستحسان...
لمن لا يعرف فقد تم قتل نصف مليون انسان داخل حلبة الموت الرومانية من اجل المتعة والتسلية، وها نحن اليوم، نمارس لعبة الموت نفسها في حلبة شرق أوسطية، من أجل مصالح دول اعتقدت أنه آلهة تأمر هذا فيطيع، وتأمر ذالك فيتراجع، ومن يتمرد فعقوبته الموت هو ومن يواليه أو يصدف تواجده في المكان.
ما زال الغرب يمدد فترات اللعب في حلبة الموت هذه، وكلما انقضت مهلة، يعطى اللاعبون مهلة أخرى لفناء بعضهم... اسبوعان وتمر المهلة المعطاة لجنيف 2، ويبدو أنها لم تكن كافية كما لم تكفِ مهلة السنوات الثلاث، وهكذا تمدد فترة اللعب ستة أشهر أخرى لحين الانتخابات الرئاسية السورية، وأن لم تكفِ، فلا بأس من تمديدها، طالما الغرب يستمتع برؤية "السيافين" Gladiators، تقطع أوصالنا، ويتلذذ بمشهد أشلاء أطفالنا تداس على زفت الطريق المحترق في سيارات الموت المتنقلة، ويثيره مشاهد قطع الرؤوس وأكل الأكباد... فيصفق.
ولكن، التاريخ لم يرحم الامبراطوية الرومانية، ولا يبدو أنه سيرحم ممولي الارهاب وداعميه، فكما قلنا سابقًا، إن لم تقرر السعودية بنفسها أن تجتث ممولي الارهاب ومشغليه من السلطة فيها، فسيكون فهناك ربيع خليجي لا محالة. وكما بدا واضحًا من قبل، ها هي تركيا، تعاني صراع أجنحة في داخلها لن ينتهي الا بسحق أرودغان الذي كان رأس حربة في معركة شرق أوسطية، خرج اليها وانهزم فيها.
أيام صعبة تنتظر الشرق الأوسط، لكن الوقت قد لا يخدم من يعتقدون أن بامكانهم منح المهل... ما الذي يمنع من أن يتمدد الارهاب الى اوروبا، ويأتي يوم يدفع فيه الاوروبيون ضريبة دعم الارهاب، ويبكون أطفالهم كما يفعل العرب والروس اليوم؟.