2014/01/06

السيّافون وسياسة تقطيع الوقت

د. ليلى نقولا الرحباني
حسنًا فعل العراق، بأن بدأ حربه على الارهاب ولم ينتظر نتائج تسوية اقليمية قيل أنها ستبرز في جنيف 2، وكانت ستؤدي تلقائيًا الى فرز الارهابيين، وتطويقهم وبالتالي تجفيف منابعهم بتعهد الدول الاقليمية الراعية لهم.
منذ أن سقط المشروع الأخواني في حزيران 2013، وتصدّرت السعودية لمهمة اسقاط النظام السوري، تبدلت بعض المشاهد في الساحات الثلاث المترابطة: لبنان وسوريا والعراق. وما أن خذل الأميركيون حلفاءهم، بعدم توجيه ضربة عسكرية لسوريا، حتى زاد المشهد جنونًا، وتمدد الانتحاريون، خاصة بعدما تخلّت المملكة العربية السعودية عن دبلوماسية العجائز المعروفة، والتي كانت تحافظ على ماء الوجه بقوة، وتفعل في السر ما لا تقوله في العلن.
وهكذا، بتنا اليوم في مشهد جنوني قاتل، عانى منه العراق مبكرًا، فالأرواح البريئة التي حصدها الارهاب في العراق، بلغت حدًا غير مسبوق عام 2013، لم تبلغه في فترة الصراع الطائفي عام 2008، والارهاب المتنقل في لبنان بلغ أيضًا حدًا جنونيًا لم يبلغه من قبل، أما في سوريا، فتعيش المجموعات الارهابية صراعًا وجوديًا يجعلها تلغي الآخرين وتلغي بعضها بعضًا في أشرس معارك تشهدها المناطق التي تسيطر عليها.
وهكذا، نقف الآن أمام مشهد موت هائل، وماذا بعد؟
لا يبدو الغرب مستعجلاً لحسم الملفات، فهو يعتقد أنه يستفيد من المجموعات هذه، ومن حفلة الجنون القاتلة لتصفية القوى التي تناهضه، ومن المجموعات الارهابية على حد سواء. يعتقد الغرب، أن حروب الموت المتنقل هذه، ستؤدي الى اضعاف حزب الله والنظام السوري، والمجموعات التابعة للقاعدة على حد سواء، لذا لا بأس من اعطاء الوقت الكافي لها للتقاتل حتى الموت.
إنه مشهد مستعاد من إرث الامبراطورية الرومانية... مشهد حلبة الموت، حيث يتجمهر عشرات الآلاف على مدارج ملعب دائري ضخم في روما، وهم يهتفون و ‏يصرخون تفاعلاً مع وقائع المباراة التي تجري أمامهم، يهتفون ويشجعون، ويصفقون. شعور غامر بالإثارة والحماس والتشجيع لهذا وذاك، والدعوة الى عدم الاستسلام.. إنهم يشاهدون مباراة دموية لقتل البشر وتقطيع ‏أوصالهم وسط صرخات وهتافات الجماهير التي تحضّ اللاعبين على إزهاق الأرواح البشرية بدون رحمة، وكلما زاد العنف والجنون، كلما زادت صرخات الاستحسان...
لمن لا يعرف فقد تم قتل نصف مليون انسان داخل حلبة الموت الرومانية من اجل المتعة والتسلية، وها نحن اليوم، نمارس لعبة الموت نفسها في حلبة شرق أوسطية، من أجل مصالح دول اعتقدت أنه آلهة تأمر هذا فيطيع، وتأمر ذالك فيتراجع، ومن يتمرد فعقوبته الموت هو ومن يواليه أو يصدف تواجده في المكان.
ما زال الغرب يمدد فترات اللعب في حلبة الموت هذه، وكلما انقضت مهلة، يعطى اللاعبون مهلة أخرى لفناء بعضهم... اسبوعان وتمر المهلة المعطاة لجنيف 2، ويبدو أنها لم تكن كافية كما لم تكفِ مهلة السنوات الثلاث، وهكذا تمدد فترة اللعب ستة أشهر أخرى لحين الانتخابات الرئاسية السورية، وأن لم تكفِ، فلا بأس من تمديدها، طالما الغرب يستمتع برؤية "السيافين" Gladiators، تقطع أوصالنا، ويتلذذ بمشهد أشلاء أطفالنا تداس على زفت الطريق المحترق في سيارات الموت المتنقلة، ويثيره مشاهد قطع الرؤوس وأكل الأكباد... فيصفق.
ولكن، التاريخ لم يرحم الامبراطوية الرومانية، ولا يبدو أنه سيرحم ممولي الارهاب وداعميه، فكما قلنا سابقًا، إن لم تقرر السعودية بنفسها أن تجتث ممولي الارهاب ومشغليه من السلطة فيها، فسيكون فهناك ربيع خليجي لا محالة. وكما بدا واضحًا من قبل، ها هي تركيا، تعاني صراع أجنحة في داخلها لن ينتهي الا بسحق أرودغان الذي كان رأس حربة في معركة شرق أوسطية، خرج اليها وانهزم فيها.
أيام صعبة تنتظر الشرق الأوسط، لكن الوقت قد لا يخدم من يعتقدون أن بامكانهم منح المهل... ما الذي يمنع من أن يتمدد الارهاب الى اوروبا، ويأتي يوم يدفع فيه الاوروبيون ضريبة دعم الارهاب، ويبكون أطفالهم كما يفعل العرب والروس اليوم؟.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق