2016/04/07

بين حلب وكاراباخ... فتّش عن أردوغان


د. ليلى نقولا
تتهيأ الوفود المشاركة في جنيف السوري للانطلاق في جولة جديدة من المفاوضات، على وقع تصعيد عسكري خطير قامت به الفصائل المسلَّحة المدعومة سعودياً وتركياً في حلب، والتي كانت قد أعلنت في وقت سابق التزامها بالهدنة، في محاولة منها لقلب موازين القوى العسكرية عشية التوجُّه إلى جنيف، وللانقلاب على مفاعيل تقدُّم الجيش السوري الميداني، خصوصاً انتصاره على "داعش" وتحريره تدمر والقريتين.

أما تحرير مدينة القريتين، والذي لم يأخذ حيّزاً إعلامياً كتحرير تدمر، لما لها من أهمية وقيمة عالمية، وكونها تُعتبر جزءاً من الإرث المشترك للإنسانية، فيعني انهيار مخطط "داعش" للسيطرة على  قلب المنطقة الوسطى في سورية، والذي سعى من خلالها التنظيم إلى التمدد نحو حمص، والوصول إلى حقول النفط والغاز في المنطقة، والأهم بالنسبة للبنان قطع إمكانية تمدد التنظيم الإرهابي باتجاه مناطق القلمون الشرقي، وصولاً إلى جرود رأس بعلبك.

أمام هذا المشهد الميداني، يبدو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأكثر رغبة وإصراراً على خلط الأوراق، بعدما تبيّن أن المشهدين السوري والتركي الداخلي لا يلعبان لصالحه، وبعدما تحوّلت بعض المناطق التركية إلى ساحة حرب حقيقية، وبعد الإشارات المتعددة التي تمّ تسريبها أميركياً حول نيّة الجيش التركي الانقلاب على أردوغان، وآخرها الحديث عن عدم القدرة على الانتصار على "داعش" وهزيمته في ظل وجود أردوغان في السلطة.

قد يكون الدفع التركي لخلط الأوراق الإقليمية لا يقتصر على خرق الهدنة سورياً ومعاودة القتال، بل أيضاً من خلال الحرب التي اندلعت فجأة في إقليم ناغورنو - كاراباخ بين أذربيجان وأرمينيا، ويمكن رؤية بصمات أردوغان الواضحة في التصعيد الخطير، والذي كاد يؤدي إلى حرب إقليمية في تلك المنطقة.

لقد أطلق الرئيس الأذري السابق حيدر علييف؛ والد الرئيس الحالي، عبارة "أمة واحدة في دولتين" لتوصيف العلاقة التركية - الأذرية، وكانت تركيا أول دولة تعترف باستقلال أذربيجان بعد سقوط الاتحاد السوفياتي واستقلال دوله، وكانت لأذربيجان دائماً حصة كبرى من المخططات التركية والأوروبية في محاولات التملُّص من الاحتكار الروسي لبيع الغاز لأوروبا، عبر مدّ الأنابيب من أذربيجان إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا، والتي لم يُكتب لها النجاح لغاية الآن لأسباب عدّة.

ويعيش إقليم كاراباخ المتنازَع عليه بين أذربيجان وأرمينيا هدنة هشّة منذ توقيع الاتفاق بينهما عام 1994، ولم يطرأ على القضية أي جديد، لتندلع الحرب فجأة بهذه الطريقة، إلا إذا نظرنا إلى أهداف أردوغان من التصعيد:

1-      التصعيد في أذربيجان يفتح جبهة جديدة لروسيا، التي ترتبط بعلاقات جيدة مع كلا البلدين، وتتخذ دور الوسيط بينهما، لكنها بالتأكيد ستجد نفسها مضطرة للدفاع عن أرمينيا فيما لو استمر القتال، لأنها ترتبط معها بمعاهدة دفاعية مشتركة، وهذا - برأي أردوغان - سيُغرق الروس في حرب جديدة تستنزف طاقتها وتخفف الضغط عن سورية، التي قد يسحب الروس جيشه منها، باعتبار أن الصراع الجديد هو على حدودها المباشرة، ولها أهمية أكبر.

2-      تسعى تركيا لهزيمة أحد حلفاء الروس في معركة طابعها الانتقام، مستندة في اختيار إقليم كاراباخ إلى أن أذربيجان وبالرغم من اضطرارها إلى تقليص موازنتها الدفاعية بسبب تدهور أسعار النفط، إلا أن قادة هذا البلد لطالما افتخروا بإنفاقهم العسكري، وهددوا - من ضمن الحرب النفسية - بأن "موازنة الدفاع لديهم تساوي موازنة أرمينيا بكاملها"، علماً أن قوات الجيش الروسي المتمركزة في أرمينيا تجعل من هذه المعادلة غير ذات قيمة، خصوصاً بعدما زوّد الروس قواعدهم الجوية في أرمينيا مؤخراً ببطاريات صواريخ "S400"، التي تشكل بالتكامل مع البطاريات من نفس النوع في قاعدة حميميم السورية تغطية رادارية وقتالية لحوالى 70 بالمائة من الأجواء التركية.

3-      أما إيران التي ترتبط بعلاقات مميَّزة تاريخياً مع أرمينيا، والتي حاول الرئيس حسن روحاني فتح صفحة جديدة مع أذربيجان وتنمية العلاقات الاقتصادية، إلا أن تصعيد الصراع بين أذربيجان وأرمينيا قد يسبب قلاقل واضطرابات داخل إيران نفسها، خصوصاً في محافظة أذربيجان الشرقية؛ شمال غرب إيران، والتي يطالب مواطنوها بالحقوق القومية للشعب التركي الأذري في إيران، ورفع التمييز والاضطهاد الثقافي عنهم.

4-      تحتاج تركيا إلى صراع جديد تجتذب إليه إرهابيي "القاعدة" و"داعش" الفارّين من القتال مع الجيش السوري، وذلك لئلا يتحولوا إلى قتال مجموعاتها المسلّحة داخل سورية أو إلى الداخل التركي، ومَن أفضل من أعدائهم التقليديين الروس والمسيحيين الأرمن لهذه الغاية؟

في المحصلة، قد تكون خطة جهنمية حاول أردوغان القيام بها، لكن حسابات التاريخ والجغرافيا والاقتصاد في القوقاز ما زالت تلعب لصالح الروس بقوة، وما وقف إطلاق النار الذي فرضه الروس في إقليم كاراباخ سوى دليل على أن "جنون العظمة" والهروب إلى الأمام قد يكون له دور في تسعير الحروب، لكنه لا يكون دائماً لصالح من يُشعلها.

2016/04/06

مقابلة د. ليلى نقولا مع راديو فان_ حول التصعيد في كاراباخ

http://www.voiceofvan.net/content/kel-youm-bi-youmo-06042016-dr-leyla-nicola

ماذا بعد تحرير تدمر؟


د. ليلى نقولا
في وقت يعيش العالم أجمع تداعيات الأزمة السورية، بعدما تناثر السوريون في شتى أنحاء العالم، مهاجرين ولاجئين يطلبون الأمن والاستقرار في بلاد الغربة القاتلة، تعيش سورية الوطن على وقع أخبار تقدُّم الجيش السوري وتحريره مدينة تدمر، التي سارعت إيطاليا إلى إعلان أنها مستعدّة لإرسال مجموعة من "القبعات الزرق الثقافية"، والتي كانت قد أسستها في شباط من عام 2016.

لا شكّ أن تحرير تدمر سيكون بمنزلة نقطة فاصلة بين مرحلتين في سورية؛ مرحلة الحرب العالمية المفتوحة على الجيش والنظام السوريين، ومرحلة التفاهم مع الجيش السوري في المعركة المفتوحة ضد الإرهاب، بعدما أثبت أنه "الجهة الوحيدة" المؤهَّلة لهذه المهمة في سورية، وقد تكون مؤشرات بروز هذه القناعة الدولية بضرورة التعاون مع الجيش السوري والقبول بخيار بقاء النظام قد سبقت مرحلة تحرير تدمر، لكنها بالتأكيد ستتخذ من تحرير تدمر نقطة مفصلية لتشجيع تعاون "ظاهر" بشكل أكبر.

واللافت في مسار الحرب السورية الطويلة الممتدة منذ سنوات خمس ولغاية اليوم، أنه ولأول مرة يعيش السوريون الموالون للنظام الأمل، بينما تغرق الجهة المقابلة بالقنوط والإحباط، في ظل توجّه حثيث لجبهة "أصدقاء سورية" للتأقلم مع خيارات أخرى، قد يكون "أهونها" التعاون مع الجيش السوري، لاسيما وهم يشاهدون القاطرة الأميركية قد بدّلت مسارها وانخرطت في مسار إيجابي مع الروس، مخلّفة العديد من المحبطين والشاتمين والمربَكين خلفها، خصوصاً بعدما تمّ الإعلان من موسكو أن الأميركيين اقتنعوا بعدم الحديث عن مصير الأسد في هذه الفترة الراهنة. ومن المفيد النظر إلى حال هؤلاء، وهي على الشكل الآتي:

-          تعيش أوروبا هاجس الإرهاب المتغوّل واللجوء غير المسبوق، والذي قد يطيح بالحكومات الأوروبية الحالية، ويؤدي إلى انهيار عقد الاتحاد الاوروبي، وقد يكون صعود اليمين المتطرف واستعداده لاكتساح الانتخابات الأوروبية هو الذي دقّ النفير في أوروبا، لضرورة تغيير حقيقي في السياسة الخارجية الأوروبية، والذي ستتبدى معالمه حتماً في التنسيق مع الجيش السوري؛ كنز المعلومات الاستخبارية، وستكون لهذا التغيير مسارات خجولة في البداية انطلاقاً من الترحيب بتحرير تدمر، تمهيداً لتعامل "واقعي" مع النظام السوري في جنيف، إلى أن يختفي الحديث كلياً عن "نظام ديكتاتوري فقد شرعيته"، فتغيب "المزايدات الإنسانية" عن ألسنة المسؤولين الأوروبيين، وتتحول إلى "حرص على مصير الشعب السوري وحقناً لدمائه"، ولولا خوف هؤلاء على خسارة السلطة لصالح اليمين وانهيار الاتحاد برمته نتيجة اللجوء والإرهاب، لما توانى الأوروبيون عن الاستمرار في سياسة حرق الشرق الأوسط وأهله وحضارته، خدمة لزبائنية يقيمونها مع السعودية وتركيا وقطر.

-          أما في الإقليم، فليس حال تركيا بأفضل بكثير من السعودية، التي تعاني من فشل حربها في اليمن واستعدادها للتفاوض مع "الحوثيين" ومبادلة مئات الأسرى، تمهيداً لوقف آلة الحرب العسكرية التي باتت تُرهق المملكة وتزيد في تركيز الأضواء العالمية على سجلّها في حقوق الإنسان، وقد يكون من المؤشرات المقلقة للمملكة، تزايد التركيز الإعلامي والسياسي في أوروبا على دور السعودية في تغذية الإرهاب، واتساع مساحة الانتقادات، وقد يكون أبرزها الوثائقي الذي عُرض في بريطانيا عن الحياة داخل المملكة وسجلها في حقوق الإنسان، والتعييب على حكومة كاميرون الصامتة، كما الحديث عن دور السعودية في بروز "التطرف الإسلامي" في أوروبا، وتزايد الدعوات إلى إغلاق المساجد المموَّلة سعودياً، والتي تسوِّق نسخة راديكالية للإسلام، والتي يلجأ إليها المهاجرون من أصول عربية ومسلمة غير القادرين على الاندماج، فتأخذهم إلى التطرف والعنف وتكفير الآخر، في ظلّ غض نظر واضح من السلطات الأوروبية لم يعد مقبولاً من شعوبهم.

وبالعودة إلى تركيا التي انتشر فيها الإرهاب وتعيش حرباً أهلية حقيقية في بعض مناطقها، بينما تنتشر الفوضى الأمنية على طول الحدود المشتركة مع سورية والعراق، وتدهور الاقتصاد وانتشار البطالة، وتقلُّص السياحة بعد موجة العمليات الانتحارية، وامتناع السيّاح الروس الذين يشكّلون النسبة الأهم من السياحة التركية، وعلى الرغم من مراهنة الإيرانيين على تحوّل ما في السياسة التركية تجاه سورية، عكسته تصريحات أحمد داود أوغلو في إيران، إلا أن التقارير تشير إلى أن الأتراك لم يستسلموا، وأن ما قاله أوغلو هو للاستهلاك الإعلامي، وأنهم مستمرون في حشد المسلحين وإدخالهم إلى الداخل السوري للقتال.

في المحصلة، تبدو استدارة الأميركيين واضحة في سورية، والحل السياسي الروسي - الأميركي سيفرض نفسه على الجميع، وبناء عليه سيستدير الآخرون تلقائياً، ومن لا يكون قادراً على التكيّف مع المرحلة المقبلة سيدفع الثمن غالياً.. استدارة الأوروبيين قد تكون سهلة،ولهم تاريخهم في البيع والشراء، لكن ماذا عن تركيا والسعودية؟ سلوك أصحاب القرار لا يدفع إلى التفاؤل، لذا ما على العالم سوى أن يتفرج على مشهد جديد بعد تدمر؛ صعود سورية مجدداً، وانهيار أعدائها.

من دمشق | د ليلى نقولا | nbn 01 04 2016