2023/08/28

لبنان ودروس الانحياز الدولي


يعيش لبنان اليوم على وقع حدث جديد يتجلى في النقاشات التي تشهدها أورقة مجلس الامن الدولي، في معرض التجديد لقوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونفيل)، حيث تطالب بعض الدول الغربية ومنها فرنسا، بتحويل القرار 1701، الى الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة الذي يتيح للقوات الدولية استخدام القوة لتنفيذ مهامها.

وكان لبنان في السنة الماضية قد تقاعس عن مواجهة تعديل مهام اليونيفيل في القرار الذي صدر عام 2022، والذي أعطى اليونيفيل حرية الحركة وعدم التنسيق مع الجيش اللبناني في القيام بمهامها، أما هذه السنة فيحاول الوزير عبد الله بو حبيب أن يعيد الامور الى ما قبل سنة 2022، أي إلغاء الفقرة التي تمت إضافتها ومنع الدول الغربية من تحويل القرار من الفصل السادس الى الفصل السابع.

عملياً، من الصعب أن يستطيع لبنان هذه السنة إعادة الامور الى الوراء وإعادة النص السابق الى سابق عهده، بعدما وافق عليه أعضاء مجلس الامن الدولي بالاجماع، السنة المنصرمة.

 أما موضوع "الفصل السابع" فيبقى رهناً بالفيتو الذي يمكن أن يرفعه كل من روسيا والصين، في حال إصرار الدول الغربية على فرضه للتصويت، وهنا ندرج بعض الملاحظات:

1-  في حال الخلاف على موضوع الفصل السابع وممارسة حق الفيتو، سيصبح موضوع التمديد لليونيفيل موضوعاً إشكالياً بين الدول الكبرى، ومادة في الصراع الدولي الدائر بين محور الصين – روسيا ومحور الدول الغربية، وهذا سيضرّ بلبنان وبمهمة اليونيفيل في الجنوب اللبناني ككل.

2-  اللافت أن فرنسا التي يسعى اليها البعض اليوم، لتسوّق له مصالحه في لبنان ولدعمه دولياً وفي اللقاء الخماسي من أجل لبنان، هي التي تقدم قراراً لتعديل مهام اليونفيل ما قد يحوّل الجنوب اللبناني الى ساحة اقتتال بين الاهالي واليونيفيل في حال اقراره واصرار اليونفيل على تطبيقه.

3-  تشكّل حاجة لبنان لكل من الصين وروسيا لممارسة الفيتو على مشروع القرار الفرنسي الجديد بتحويل عمل اليونيفيل الى إطار الفصل السابع، إشكالية تنطّح وزارة الخارجية اللبنانية لإصدار بيان شديد اللهجة في 24 شباط/فبراير 2022، تدين فيه "الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية"، ودعت في البيان روسيا إلى "وقف العمليات العسكرية فوراً وسحب قواتها والعودة لمنطق الحوار والتفاوض كوسيلة أمثل لحل النزاع القائم".

وعليه، كيف يمكن لوزارة الخارجية اللبنانية أن تطلب الدعم من الروس الآن في وقت قامت باتخاذ موقف معادٍ للروس وهو لم يقم به العديد من الدول الكبرى الحليفة للولايات المتحدة الأميركية؟

وكيف لم تنتبه الخارجية اللبنانية الى أن لبنان الدولة الصغيرة التي تتجاذبها المصالح الدولية، ستحتاج الى كل الصداقات الدولية بدون استثناء، ولعل المعركة الدبلوماسية في الامم المتحدة اليوم، أحدها وليس نهايتها.

في المحصلة، يوماً بعد يوم يكتشف لبنان أن من مصلحته استخدام التوازن الدولي والنأي بالنفس وعدم زجّ نفسه بالصراعات الاقليمية والدولية التي لا تعنيه مباشرة، فباستثناء الصراع مع اسرائيل والخطر الأمني القادم من سوريا، من الافضل للبنان الابتعاد عن سياسة المحاور والاستقطاب الدولي لحفظ نفسه في نظام دولي فوضوي يتجه بسرعة الى التبدل. 

2023/08/21

هل تصبح السعودية دولة نووية؟

  

كشفت العديد من المصادر ان الممكلة العربية السعودية تسعى للحصول على تنازلات من الولايات المتحدة  مقابل موافقتها على التطبيع مع "اسرائيل" وذلك يشمل اتفاقية أمنية دفاعية بين السعودية والولايات المتحدة، يقدم فيها الأميركيون ضمانات أمنية للمملكة شبيهة بتلك الموجودة في اتفاقية الدفاع المشترك لحلف الناتو والمادة 5، بالاضافة الى موافقة ودعم أميركي على حصول السعودية على برنامج نووي مدني، وإعادة العمل باتفاقية الأسلحة والطائرات التي كانت قد جمدها الأميركيون رداً على مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في وقت سابق.

يضاف اليه ما يريده الأميركيون أنفسهم حيث قال وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن أن التطبيع قد يكون متعذراً في ظل التوتر الحاصل بين الاسرائيليين أنفسهم نتيجة الاصلاج القضائي.

ومؤخراً، قال مسؤولون سعوديون إن السعودية ستحتاج أيضاً إلى خطوة إيجابية كبيرة من "إسرائيل" تجاه الفلسطينيين، لكن لم يذكر السعوديون ماهيتها. وكشف توماس فريدمان بعد اجتماعه مع الرئيس جو بايدن، عن أن المطالب السعودية من إسرائيل يمكن أن تشمل وقف التوسع الاستيطاني، وتعهداً بعدم ضم الضفة الغربية.

ما احتمالات النجاح في أن تحصل السعودية على ما تريد ويجري الاتفاق على التطبيع؟

يوماً بعد يوم، يتكشف أن إدارة جو بايدن تسعى بكل ما تستطيع لتحصل على اتفاق تطبيع بين السعودية واسرائيل، وعليه ستحاول الادارة تقريب وجهات النظر بين السعوديين الاسرائيليين للتوصل الى اتفاق يستغله بايدن في الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2024.

-      بالنسبة للاتفاقية الدفاعية:

يفضل الأميركيون أن يقيم السعوديون معهم اتفاقية أمنية تحفظ لهم مصالحهم في منطقة الخليج، خاصة بعدما بدأت الصين تدخل بقوة الى المنطقة. وكان الرئيس الصيني شي جينبينع خلال زيارته الى المنطقة في كانون الاول/ ديسمبر عام 2022، قد دعا دول المنطقة للانخراط في مبادرة "الامن العالمي" الصينية.

وخلال تلك الزيارة، تمّ رفع العلاقات بين السعودية والصين الى مرتبة "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" وهي نفس المرتبة التي احتلتها ايران عام 2021، بعد تأخر لمدة 5 أعوام أي منذ طرح الصينيون تلك الشراكة مع ايران عام 2016 (بعد توقيع الاتفاق النووي) ولكن حكومة روحاني تريثت لأنها كانت تفضل تنويع شراكاتها وتفضّل منح الاستثمارات الايرانية للشركات الاوروبية.

-      بالنسبة للبرنامج النووي:

بالرغم من تباين المواقف الاسرائيلية حول القبول ببرنامج للطاقة النووية السعودية، لم يستبعد وزير الشؤون الإستراتيجية الاسرائيلي رون ديرمر في مقابلة أجراها في الولايات المتحدة مؤخراً وعلى أثر اجتماعات عقدها مع المسؤولين الأميركيين، ومنهم وزير الخارجية أنطوني بلينكن، حيث عبّر بشكل صريح عن إمكانية توفر الدعم الإسرائيلي لبرنامج الطاقة النووية المدنية السعودية الذي يتضمن تخصيب اليورانيوم.

وكان مستشار الأمن القومي السابق مئير بن شبات  حذر من أن انضمام السعودية إلى النادي النووي سيؤدي إلى انتشار نووي، لكن الأميركيين يجادلون بأن السعودية تستطيع أن تحصل على هذا البرنامج من الصين أو الفرنسيين أو الروس، وبالتالي يجب على الاسرائيليين الحصول على مكاسب من قيام الأميركيين بدعم هذا البرنامج.

 

في النتيجة، في ظل العجز الذي تعاني منه اسرائيل والاحراج الأمني في المنطقة، بالاضافة الى التوترات والانقسامات الداخلية، تجد حكومة نتنياهو نفسها بحاجة لتقديم تنازلات تؤدي الى اتفاق تاريخي مع السعودية، يعطيها مكاسب هائلة عبر ادماجها في المنطقة، وهروب حكومة نتنياهو الى الامام وحشر معارضيها عبر تحقيق "انجاز تاريخي" تواجه الداخل به.

2023/08/14

إدارة بايدن في السعودية: الصين وإيران وانتخابات 2024

مباشرةً بعد توقيع الاتفاق السعودي الإيراني في آذار/مارس من هذا العام، تكثفت الزيارات الأميركية إلى السعودية، وكان آخرها زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان، الذي أشار إلى أن زيارته تضمنت بندين: اليمن، والتطبيع بين السعودية و"إسرائيل"، وأشاد بـ"فوائد الهدنة في اليمن التي صمدت على مدى الأشهر الـ16 الماضية"، ورحب "بالجهود الجارية التي تقودها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب".

بالرغم من مرور فترة من الجفاء بين إدارة بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، نجد أنَّ هناك عودة قوية للدبلوماسية الأميركية في المنطقة لفرملة اندفاعة دول المنطقة نحو تطبيع العلاقات فيما بينها، والذهاب إلى الاستقرار والسلام بينها من دون رعاية أميركية، فما الذي تريده إدارة بايدن من فرملة الاندفاعة السعودية الانفتاحية في المنطقة؟

بدايةً، لا بدّ من الإشارة إلى أنَّ هناك تأثيراً وتفاعلاً بين السياسات الداخلية والخارجية الأميركية تحكم تصرف الإدارات الأميركية المتعاقبة. وعلى الرغم من أن الناخبين الأميركيين لا يصوّتون بتأثير السياسات الخارجية، فإنَّ قرارات السياسة الخارجية ترتبط باللوبيات المختلفة في واشنطن وبعض الناخبين من اليمين، ويمكن استخدامها في اتهامات الأحزاب لبعضها البعض خلال حملات الانتخابات.

فرملة الانفتاح السعودي في المنطقة

يسعى الأميركيون لتحصيل مكاسب سياسية في المنطقة لم يستطيعوا الحصول عليها في الميدان، وذلك عبر استخدام سياسات العقوبات والحصار الاقتصادي. وبناء عليه، وبما أن انخراط الجيش الأميركي عسكرياً متعذر في ساحات المواجهة منذ حربي العراق وأفغانستان، تحاول الولايات المتحدة أن تفرمل اندفاعة السعودية التسووية لتحصيل مكاسب سياسية من إيران في ملفات المنطقة المتعددة، أهمها اليمن وسوريا ولبنان، وذلك عبر الدفع إلى المطالبة بمزيد من التنازلات في ملفات المنطقة في مقابل تلك التسويات.

تحجيم النفوذ الصيني

منذ إعلان مبادرة "الطريق والحزام" الصينية عام 2013، تتطلع دول الخليج إلى أن تكون جزءاً من تلك المبادرة، ما يؤمّن لها منافع اقتصادية وتجارية، ويساهم في رؤيتها التنموية المستقبلية

في كانون الأول/ديسمبر 2022، زار الزعيم الصيني شي جين بينغ السعودية، والتقى الملك سلمان وولي العهد. وخلال الزيارة، تمّ توقيع العديد من الصفقات التجارية ورفْع العلاقة رسمياً بين الصين والسعودية إلى مرتبة "شراكة استراتيجية شاملة"، وهي أعلى مستوى في الترتيب الرسمي الصيني للعلاقات مع الدول الأخرى.

وبعد رعاية الصين للتفاهم السعودي الإيراني، برزت الصين كلاعب مرحب به لضمان الاستقرار والسلام في المنطقة، وعبّر العديد من المعلّقين الأميركيين عن أن الصين تؤدي دوراً بناءً في منطقة الشرق الأوسط لم تستطع الولايات المتحدة أن تؤديه، ونبّهوا إدارة بايدن إلى إمكانية أن تحلّ الصين مكان الولايات المتحدة كمهيمن على المنطقة في ظل انشغال الإدارة الأميركية باحتواء الصين في محيطها ومحاربة روسيا في أوكرانيا.

التطبيع بين السعودية و"إسرائيل"

من يراقب مسار الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجري عام 2024، يعرف أن الاتجاه يذهب إلى جولة انتخابية جديدة بين كل من بايدن وترامب في حال لم تطرأ أمور خارج الحسبان.

يحسب لترامب في "إسرائيل" أنه استطاع أن يحقق لها الكثير من المكاسب، وأهمها اتفاقيات التطبيع التي استثمرها في الداخل الأميركي لكسب تأييد اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، والأهم لكسب تأييد الكنائس الإنجيلية واليمين المسيحي الذي يؤمن "بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وإقامة دولتها"، انطلاقاً من إيمانه الديني بأنَّ "إقامة مملكة إسرائيل سوف تؤدي إلى ظهور المسيح مرة أخرى"، كما تقول النبوءات التي يؤمنون بها.

وبالمثل، يريد بايدن أن يحقق إنجازاً تاريخياً يحسب له في التاريخ الأميركي، وهو أنه استطاع أن يحقق اتفاق تطبيع بين السعودية و"إسرائيل"، فيحسب له انتصار يستثمره أيضاً في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

في النتيجة، ما زالت منطقة الشرق الأوسط في مرحلة شدّ وجذب، إذ يريد كل طرف أن يحقق مكاسب ويكسب أوراقاً يستخدمها لفرض تنازلات على الطرف الآخر حين يحين أوان التسويات. يضاف إلى ذلك وجود إدارة أميركية ضعيفة تخشى تأثير التسويات المرتقبة في حظوظ بايدن الانتخابية، فتماطل في التوصل إلى اتفاق مع إيران، وتضغط على حلفائها لفرملة اندفاعتهم التصالحية في المنطقة.

واقعياً، يشهد تاريخ العلاقات الدولية أنَّ التسويات يصنعها الأقوياء، فيما يبقى الضعفاء تحت تأثير ضغط الصقور على يمينهم، فيخشون الانتقاد، ويخشون تأثيره في قاعدتهم الشعبية وحظوظهم الانتخابية، وهي حال إدارة بايدن في الولايات المتحدة.

"اسرائيل" تكرّس نفسها... دولة فصل عنصري


يوماً بعد يوم تتزايد الآراء اليهودية التي تصف “اسرائيل” بأنها دولة فصل عنصري. ففي صحيفة هآرتس عدد 10 آب/ اغسطس 2023، كتب بنيامين بوغروند، مقالاً بعنوان " لعقود، دافعت عن اسرائيل ضد مزاعم الفصل العنصري. لم أعد أستطيع"، وفيه يقول: "في اسرائيل، أشهد الآن الفصل العنصري الذي نشأت معه في جنوب إفريقيا. إن انتزاع السلطة الفاشية والعنصرية من قبل الحكومة الاسرائيلية هو الهدية التي طالما انتظرها أعداء “اسرائيل”... لقد مررت به من قبل: الاستيلاء على السلطة، الفاشية والعنصرية، وتدمير الديمقراطية. تتجه “اسرائيل” إلى حيث كانت جنوب إفريقيا قبل 75 عامًا. إنه مثل مشاهدة إعادة فيلم رعب".

أما صحيفة جيروزاليم بوست، فنقلت من مقابلة لقائد القيادة الشمالية السابق في الجيش الإسرائيلي، أميرام ليفين، في 13 آب/ أغسطس، بأنه كان هناك "فصل عنصري مطلق في الضفة الغربية على مدار الـ 57 عامًا الماضية". وينتقد ليفين نتنياهو معتبراً أنه "على الجيش الاسرائيلي رغماً عنه أن يفرض سيادته في الضفة الغربية، ويقف متفرجاً ويراقب المستوطنين الهائجين، ويبدأ بالتواطؤ في جرائم الحرب.. امشِ حول الخليل وسترى شوارع لا يستطيع العرب السير فيها مثلما حدث في ألمانيا (النازية)".
يذكر أن ليفين خدم في الجيش الإسرائيلي من عام 1965 إلى عام 1998 ، بدأ كمظلي وانتهى كقائد للقيادة الشمالية، وشغل أيضًا منصب نائب رئيس الموساد.

وفي “اسرائيل” أيضاً، وقّع أكثر من 700 أكاديمي وشخصية عامة من “اسرائيل” والولايات المتحدة ودول أخرى، ومنهم أفروم بورغ، المتحدث السابق للكنيست ورئيس الوكالة اليهودية لإسرائيل، على رسالة مفتوحة تساوي احتلال “اسرائيل” للضفة الغربية بالفصل العنصري.
وجاء في الرسالة أن "الهدف النهائي من الإصلاح القضائي هو تشديد القيود على غزة ، وحرمان الفلسطينيين من حقوق متساوية خارج الخط الأخضر وداخله، وضم المزيد من الأراضي، والتطهير العرقي لجميع الأراضي الواقعة تحت الحكم الإسرائيلي من السكان الفلسطينيين".

والجدير بالذكر أن الرسالة أشارت بوضوح إلى "الفيل في الغرفة: احتلال اسرائيل طويل الأمد، نكرر أنه أسفر عن نظام فصل عنصري". وأضافت "لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية لليهود في اسرائيل طالما يعيش الفلسطينيون في ظل نظام الفصل العنصري".

هذا في "اسرائيل" نفسها، أما في الولايات المتحدة فيحاول مجلس النواب الأميركي طمر رأسه في الرمال، حيث أقر مجلس النواب الأميركي بأغلبية ساحقة قرارًا يعلن أن “اسرائيل” "ليست دولة عنصرية أو فصل عنصري"، وذلك عبر تصويت بأغلبية 412 مقابل تسعة أصوات، بعد ساعات من لقاء الرئيس الاسرائيلي إسحاق هرتسوغ مع الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض.

في النتيجة، يغالي الاميركيون في دعم “اسرائيل” وغض النظر عن الممارسات الاسرائيلية العنصرية ضد الفلسطينيين والتي ترقى الى مستوى جرائم ضد الانسانية بحسب نظام المحكمة الجنائية الدولية، وبحسب الاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري، والتي تشير اليه باعتباره "أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الاثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة".

وعليه، أين الكونغرس الأميركي من هذا التعريف ومن جرائم الفصل العنصري الممارس ضد الفلسطينيين؟ وهل محاباة المشرعين الاميركيين لاسرائيل يجعلها تنجو من توصيفها "دولة فصل عنصري" مكتملة الاركان والمعايير، كما يشير اليهود انفسهم؟

 

2023/08/08

المساعدات الخارجية للبنان لن تأتي.. لهذه الاسباب

في ذكرى مرور سنوات ثلاث على تفجير مرفأ بيروت في 4 آب / أغسطس عام 2020، وبالتزامن مع قرب انتهاء الاشكالات الامنية في مخيم "عين الحلوة" للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان، قامت سفارة المملكة العربية السعودية في لبنان بإصدار بيان تحذيري عند منتصف الليل، تدعو مواطنيها الى الى مغادرة الأراضي اللبنانية بسرعة، وتُحذّرهم من التواجد والاقتراب من المناطق التي تشهد نزاعاتٍ مسلحة. مباشرة، سارعت بعض الدول الأخرى الى مناشدة مواطنيها بالابتعاد عن مناطق النزاعات والتوترات ومنهم الكويت وألمانيا,

أثار البيان السعودي التكهنات والتحليلات حول المعطيات التي دفعت السفارة الى إصدار بيان كهذا، في ظل الحظر السعودي على سفر المواطنين الى لبنان إلا بإذن من السلطات المختصة  والصادر في أيار/مايو من عام 2021،  والذي ما زال مستمراً لغاية اليوم، كما أثار قلق العديد من اللبنانيين والخليجيين المتواجدين في لبنان، خوفاً من أن يكون هناك معلومات أمنية بقرب حصول اشكالات وفوضى أمنية في لبنان.

تؤكد المعطيات الأمنية والسياسية أن لا شيء يستدعي خروج الأجانب بسرعة من لبنان، فلا شيء يوحي بقرب فوضى أمنية ولا بوادر حرب اسرائيلية على لبنان في ظل الردع الذي حققه لبنان. وعليه، إن الأمر يبدو مرتبطاً بالضغوط السياسية التي تمارسها الدول الخليجية على لبنان، وتوتر العلاقات اللبنانية الخليجية والتي تمر بأسوأ مراحلها منذ بدء الحرب السورية.

وفي سياق آخر، شهدت نهاية الأسبوع الماضي، تصعيد كلامي بين وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام ووزير الخارجية الكويتي على خلفية مناشدة الوزير سلام أمير الكويت بمساعدة لبنان على بناء اهراءات القمح، وأنه قادر على ذلك بـ"شحطة قلم"، وهي العبارة التي أثارت استياءً كويتياً.

وبغض النظر عن الشكليات والبروتوكول، لا شكّ أن العلاقات اللبنانية الخليجية ليست طبيعية، وهذه المناشدات بالمساعدة سواء من رئيس الحكومة نجيب الميقاتي أو من بعض الوزراء لن تجد لها آذاناً صاغية في هذه المرحلة، لأسباب عدّة أهمها:

-        لن تقوم الدول في العالم بمساعدة لبنان مادياً، في وقت ترفض فيه الطبقة السياسية القيام بأي اصلاحات نقدية ومالية، وفي ظل التستر على تقرير التدقيق الجنائي الذي كان من المفترض أن يكشف مصير الأموال المنهوبة من مصرف لبنان ومن الوزارات اللبنانية كافة.

-        لن تقوم دول الخليج ولا دول العالم بمساعدة لبنان، في وقت تبدو فيه المالية اللبنانية كسلة مثقوبة، حيث تضيع الأموال لتجد ملاذها في النهاية في جيوب المسؤولين.

-        لن يساعد أحد لبنان، في ظل غياب المساءلة وحكم القانون، حيث حصلت فيه سرقة القرن لودائع الناس بدون ان يتمّ تحويل أي شخص على المحاكمة ولا مساءلة أي شخص، بل قامت الطبقة السياسية بحماية حاكم المصرف المركزي رياض سلامة من المحاكمة، وحمت البنوك من المساءلة وتهربت من أي تدقيق ومساءلة وحصل الافلات من العقاب.

هذا في الشق المالي والاصلاحي ومكافحة الفساد، أما في الشق السياسي، فلن تقوم دول الخليج بمساعدة لبنان بدون تنازلات سياسية لبنانية. لقد التزمت دول الخليج بشكل عام بالموقف السعودي تجاه لبنان، وبالتالي لن يكون هناك أي انفراج في العلاقات اللبنانية الخليجية بدون قيام تسوية سياسية تعيد توازن النفوذ الاقليمي في لبنان، ولو بحده الأدنى. لقد شعرت السعودية بأن نفوذها تآكل تدريجياً في لبنان منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ثم فيما بعد، خلال مرحلة الربيع العربي، والحرب السورية، وبالتالي لن تعيد علاقاتها مع لبنان بدون نفوذ سياسي لها فيه، تريد أن تحققه من التسوية المرتقبة بعد حصول الفراغ الرئاسي. 

2023/08/06

العلاقات السعودية اللبنانية: ماذا تريد السعودية من لبنان؟

 بعيد منتصف الليل، أصدرت السفارة السعودية في لبنان بياناً دعت فيه المواطنين السعوديين إلى الابتعاد عن مناطق التوتر ومغادرة لبنان بسرعة. أثار هذا البيان استغراباً سياسياً وشعبياً وأمنياً بسبب عدم وجود ما يشير إلى حدوث فوضى أمنية، ولأن لا وجود لسعوديين في لبنان خارج طاقم السفارة، بسبب الحظر الذي ما زال سارياً على قدومهم إلى لبنان منذ سنوات.

 

لا شكّ أن بيان السفارة السعودية يرتبط إلى حد بعيد بالعلاقات السعودية اللبنانية المتوترة منذ مجيء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الحكم في السعودية عام 2015، والذي ارتبط اسمه بسياسة خارجية سعودية متبدّلة، بدأت بسياسة "هجومية"، ثم انتقلت إلى "تصفير المشاكل" ثم إلى "الحياد الإيجابي" الذي يتطلّع من خلاله ولي العهد السعودي إلى أن تفرض السعودية نفسها قائداً إقليمياً لمنطقة ممتدة من الخليج إلى شمال أفريقيا.

 

ومن ضمن هذه المنطقة، لا شكّ أن السعودية وبسبب نفوذها التاريخي في لبنان تطمح إلى أن تكون أكثر من متفرّج في هذا البلد. وعليه، إنّ محاولة معرفة ما يريده السعوديون من لبنان يرتبط إلى حدٍ بعيد بمسار الأمور التي فرضت تبدّل العلاقات بين الطرفين، وهي على الشكل الآتي:

 

- تبدّل جوهر وشكل الحكم في السعودية مع وصول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كما تبدّلت السياسة الخارجية، فبدأ ما سماه "عاصفة الحزم" في اليمن، وكثّف الدعم للمجموعات المسلحة السورية. ورداً على تدخّل حزب الله في سوريا، طلبت السعودية في بداية عام 2016 من دول مجلس التعاون الخليجي منع مواطنيها من زيارة لبنان، وألغيت اتفاقية سعودية – فرنسية سابقة لتسليح الجيش اللبناني، ودفعت مجلس التعاون الخليجي إلى اعتبار حزب الله "منظمة إرهابية".

 

- عملياً، لم تؤدِ السياسة الخارجية السعودية "الهجومية" إلى نتائج مرضية منذ بداياتها، فتمّ توقيع الاتفاق النووي الإيراني (2015)، وتدخّل الروس عسكرياً في سوريا لدعم الحكومة السورية (2015)، وتمّ تحرير حلب (2016)، وحصلت محاولة الانقلاب في تركيا (2016) التي أفضت إلى دخول الرئيس التركي بمسار أستانة (2017) إلخ. أما في لبنان، فحصلت التسوية الرئاسية (2016) التي أتت بحليف حزب الله ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية. وبالرغم من أن السعوديين لم يعارضوا التسوية الرئاسية اللبنانية لكنهم لم يكونوا من الداعمين لها، بالرغم من قيام الرئيس ميشال عون بزيارة الرياض في أول زيارة خارجية له كرئيس للجمهورية.

 

- في صيف عام 2017، تخلّص لبنان من الخطر الإرهابي في الداخل وعلى الحدود، وذلك عبر تعاون عسكري ومعركتين قام بهما حزب الله والجيش اللبناني ضد جبهة النصرة و"داعش"، وذلك بدعم وغطاء من رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون. وفي تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه، تمّ احتجاز رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري في السعودية، وأعلن وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان بأن السعودية: "ستعامل حكومة لبنان كحكومة إعلان حرب بسبب مليشيات حزب الله".

 

- كان وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض حاسماً في تنامي النزعة الهجومية للسياسة الخارجية السعودية بسبب الدعم المطلق الذي أعطاه لولي العهد السعودي، حيث تمّ احتجاز الرئيس سعد الحريري في الرياض وجرت مطالبته بالاستقالة، وتمّ تكثيف الحملة العسكرية ضد اليمن، وحصل حصار قطر وسواها.

 

- أما في لبنان، فتبدّلت في تلك الفترة موازين القوى السياسية الداخلية للمرة الأولى منذ عام 2005. لقد بدّلت الانتخابات النيابية اللبنانية التي حصلت عام 2018 اتجاه الغالبية النيابية في لبنان، فحصد حزب الله وحلفاؤه غالبية مقاعد مجلس النواب، وباتوا يسيطرون على رئاسة الجمهورية، ورئاسة مجلس النواب، والغالبية النيابية، في وقت تتهم الرياض سعد الحريري (رئيس الحكومة) بأنه ضعيف وحليف لحزب الله أيضاً.

 

- وبالفعل، كان عام 2018، مفصلياً في لبنان والمنطقة. خلاله، خرج ترامب منفرداً من الاتفاق النووي الإيراني، وأعلن "سياسة الضغوط القصوى" على إيران وحلفائها في المنطقة، والتي تأثّر بها لبنان، لسببين: وجود حزب الله، واختلال موازين القوى السياسية نتيجة للتسوية الرئاسية، التخلّص من الإرهاب وتأمين الحدود اللبنانية السورية، نجاح لبنان في معركة إخراج الحريري من السعودية، والانتخابات النيابية لعام 2018.

 

- منذ ذلك الحين، تعاملت السعودية مع لبنان بالتصعيد، حيث تمّ استغلال أي كلمة صدرت من مسؤول أو وزير لتثير أزمة دبلوماسية بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي، منها تصريح جورج قرداحي الذي دفع كلّاً من السعودية والبحرين والكويت والإمارات إلى سحب سفرائها من بيروت، وطلبت البلدان الثلاثة الأولى من نظرائهم في دولها المغادرة.

 

اليوم، وبالرغم من كلّ الانفتاح السعودي الإيجابي في المنطقة، لا يبدو أن الانفتاح الإيجابي انسحب على لبنان، فماذا الذي تريده السعودية من لبنان لإعادة العلاقات إلى طبيعتها؟

 

من يريد أن يعرف ما الذي تريده السعودية من لبنان، يجب أن يعود إلى مضمون المبادرة الكويتية التي قادها وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح باسم دول مجلس التعاون الخليجي، في كانون الثاني/يناير 2022، بعد أزمة تصريحات جورج قرداحي، وفيها شروط لعودة العلاقات الخليجية مع لبنان، وحدّدت على الشكل الآتي:

 

- الالتزام باتفاق الطائف، وقف قوى لبنانية "العدوان اللفظي والعملي ضد الدول العربية وتحديداً الخليجية، والالتزام بسياسة النأي بالنفس" (بحسب النص) القيام بإصلاحات شاملة ومراقبة الحدود، ضمان ألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية تزعزع استقرار وأمن المنطقة، ضرورة حصر السلاح بمؤسسات الدولة الشرعية، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي (1559) و(1701) و(1680) والقرارات الدولية والعربية ذات الصلة إلخ... ولا شكّ أن البنود الأخيرة هي بيت القصيد.

 

لقد توهّم بعض اللبنانيين بأن التفاهم السعودي الإيراني، سيدفع السعودية إلى القبول بالمبادرة الفرنسية التي تدعو إلى انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية مقابل انتخاب نوّاف سلام رئيساً للحكومة، لكن بمراقبة لمسار التبدّل في السياسة الخارجية السعودية في المنطقة، وانفتاحها على التفاهم مع إيران، وقيامها بإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، نجد أن السعودية لن تقدّم تنازلات جوهرية في سياستها في لبنان.

 

النظرة الواقعية لمسار الأمور، تفيد بأن السعودية لن تقبل بإعادة العلاقات مع لبنان إلى سابق عهدها، من دون تسوية تكرّس نفوذها السياسي فيه، فيكون لها "رأي إيجابي" في مَن سيتولى منصب رئيس الجمهورية القادم، ولها "الرأي الحاسم" في اختيار رئيس الحكومة الذي سيكون الضامن لتشكيل حكومة لا تكون تابعة لحزب الله (بحسب وجهة النظر السعودية).

 

2023/08/01

التطبيع السعودي الإسرائيلي: فوائد محدودة للرياض

في إثر عودة مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان من السعودية، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أنَّ اتفاق التطبيع بين السعودية و"إسرائيل" قد يكون في الطريق، وعلّق المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني على ما قاله بالقول: "إن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل من شأنه أن يلحق ضرراً بالسلم والاستقرار في المنطقة".

وقد ذكرت بعض الوسائل الإعلامية، إضافة إلى السفير الأميركي السابق في "إسرائيل" مارتن أنديك، أنَّ المملكة وضعت شروطاً "باهظة" للموافقة على التطبيع مع "إسرائيل"، منها توقيع اتفاقية أمنية بين الولايات المتحدة والسعودية يقدم فيها الأميركيون ضمانات أمنية للمملكة شبيهة بالتزام الناتو بموجب المادة الخامسة من الدفاع المشترك بين أعضائه، إضافة إلى مساعدتها في تطوير برنامج نووي مدني مستقل، وإعادة الموافقة على صفقات الأسلحة التي كانت إدارة بايدن قد أوقفتها، بما في ذلك طائرات أف-35.

لا شكّ في أن التطبيع بين السعودية و"إسرائيل" ستكون له "فوائد محدودة" للسعودية، كما قال وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان في وقت سابق، فيما ستكون له فوائد كبرى لكلٍّ من "إسرائيل" وإدارة بايدن تحديداً، وذلك على الشكل التالي:

بالنسبة إلى "إسرائيل"

أ‌- تهدف اتفاقيات التطبيع إلى فرملة التقارب السعودي الإيراني، وذلك بعدما اعتبرت "إسرائيل" نفسها أكبر متضرر منه.

ب‌- بعد نجاحه في الانتخابات الأخيرة، وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه سيسعى لتحقيق هدفين في سياسته الخارجية، هما منع إيران من حيازة سلاح نووي وتحقيق تطبيع العلاقات بين "إسرائيل" والسعودية.

هكذا، وبعد الضغوط الشديدة التي يتعرض نتنياهو في الداخل، سوف يكون التطبيع مع السعودية أحد أكبر الإنجازات التي سيتباهى بها، لكونها ستجعل "إسرائيل" أكثر مقبولية في المنطقة، فيدفع بها ضد خصومه في الداخل، ويتذرع بها لتخفيف شروط اليمين المتطرف في حكومته.

ت‌- بعد الإحراج الدولي والضغوط الأميركية التي تعرض لها نتنياهو بسبب توسيع المستوطنات الذي يصر عليه حلفاؤه من اليمين المتطرف في حكومته والاعتداءات المتكررة على الفلسطينيين، يمكن له أن يضغط على حلفائه لتأجيل مشاريع الضم والاستيطان الواسعة التي وعدوا بها، محاججاً بأن التطبيع مع السعودية "يستحق هذا الثمن".

وكان موقع "والاه" الإسرائيلي قد كشف أنّ بلينكن أبلغ وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين بأنّ تعزيز اتفاقيات التطبيع أو توسيعها من خلال التطبيع مع السعودية، "أصعب كثيراً بالنسبة إلى واشنطن، وربما مستحيل، في وقت تشتعل فيه الساحة الخلفية لإسرائيل"، في إشارة إلى التصعيد في الضفة الغربية.

ث‌- مباشرة بعد إعلان بايدن عن قرب التوصل إلى اتفاق التطبيع بين السعودية و"إسرائيل"، سارع نتنياهو إلى الإعلان عن مشروع سكة حديد تهدف إلى ربط "إسرائيل" بالسعودية وشبه الجزيرة العربية.

وهكذا، يحقّق التطبيع مع السعودية حلماً لطالما راود الإسرائيليين. عام 2019، ومباشرة بعد توقيع اتفاقيات أبراهام، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس أنه اقترح على الإمارات ما سمي بـ"قطار الازدهار الاقتصادي"، وهو "مبادرة تربط بين السعودية ودول الخليج مروراً بالأردن بشبكة السكك الحديدية الإسرائيلية وميناء حيفا في البحر الأبيض المتوسط. تتمخض المبادرة عن طرق تجارة إقليمية أقصر وأرخص وأكثر أماناً من شأنها دعم اقتصادات الدول".

بالنسبة إلى إدارة بايدن

- تحتاج إدارة بايدن إلى إنجازات يمكن استثمارها في الانتخابات الرئاسية المقبلة، علماً أن عام 2024 سيشهد انتخابات رئاسية وانتخابات الكونغرس، إذ سيتم انتخاب كل أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 435، إضافةً إلى 34 مقعداً في مجلس الشيوخ من مجموع 100 مقعد.

ومن المعلوم أن أي إنجاز تحقّقه الإدارة لـ"إسرائيل" يمكن استثماره من قبل الحزب الديمقراطي في انتخابات الكونغرس ومجلس الشيوخ، إضافة إلى انتخابات إعادة التجديد لبايدن.

- تحاول إدارة بايدن تقليص قدرة الصين على التغلغل في المنطقة. وقد زاد القلق الأميركي من تأثير الصين ونفوذها في الشرق الأوسط بعد قيامها برعاية التفاهم السعودي الإيراني في آذار/مارس من العام الجاري. لذلك، فإن التطبيع السعودي الإسرائيلي سيسمح بتوسع مبادرة I2U2، التي تُعرف باسم مبادرة "الشراكة من أجل المستقبل".

هذه المبادرة التي تضم كلاً من الهند و"إسرائيل" والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة أعلنت في تشرين الأول/أكتوبر عام 2021، وهي تهدف إلى ربط جنوب آسيا بالشرق الأوسط والولايات المتحدة بطرق تعزز التقنيات الاقتصادية والدبلوماسية والتنموية، وتريد الولايات المتحدة منها أن تكون إطاراً لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد عبر أساليب مشابهة للمشاريع التنموية الصينية.

هكذا، تريد الولايات المتحدة أن تضم السعودية إلى تلك المبادرة لإبعادها عن الصين، ولامتلاكها قدرات اقتصادية وفيرة، ولا يمكن تحقيق ذلك من دون تطبيع العلاقات بين السعودية و"إسرائيل".

بالنسبة إلى السعودية

تبدو الاستفادة السعودية من اتفاق التطبيع "محدودة" مقارنة بالاستفادة الإسرائيلية، إذ إن التهديد الأمني الذي كانت المملكة تستشعره تراجع بعد سياسة الانفتاح التي اتبعتها في المنطقة وبعد التفاهم الإيراني السعودي الأخير. وبناء عليه، سيكون المردود الأمني لصفقات الأسلحة والاتفاقية الأمنية ضعيفاً حالياً مقارنة بالفترات السابقة الممتدة منذ بداية القرن الحادي والعشرين.

أما الاستفادة الحقيقية، فهي امتلاك برنامج نووي سلمي مستقل يسمح فيه للسعودية بامتلاك التقنية النووية، في حال قبل الأميركيون والإسرائيليون بهذا الشرط.