2012/10/30

المرأة في السياسة اللبنانية: مواطنة درجة ثالثة!

أقامت هيئة المرأة في التيار الوطني الحر ندوة بعنوان "المرأة والسياسة في زمن الارشاد الرسولي"، شارك فيها كل من المونسينيور كميل مبارك والدكتورة ليلى نقولا الرحباني، التي كان لها المداخلة التالية:

المرأة في السياسة اللبنانية: مواطنة درجة ثالثة!

مقدمة
        واقعيًا، لا زلنا اليوم غير مدركين ما سيكون عليه مصير القانون الانتخابي، وهل ستحصل انتخابات 2013 بظل القانون الحالي، أو سيكون لنا قانون انتخابي عصري يحاكي تطلعات وآمال الأجيال الصاعدة، أم سنبقى على قانون أًعدّ وأقرّ لزمان ليس كزماننا، وعهود سابقة أدخلت البلاد في نفق الطائفية والمذهبية البغيضة؟.
        بالمبدأ، إن الاتجاه السائد اليوم، بعد الانفجار الذي حصل، يدفع الى القول أن مقاطعة اللجان النيابية من قبل قوى 14 شباط قد يكون هدفه الإبقاء على القانون الحالي، أي قانون الستين الذي رفضته بكركي، والذي سمح سابقًا، أي في العام 2009، لهذه الفئة بالسيطرة على أكثرية المجلس النيابي من خلال المال والاعلام والتحريض المذهبي. لكن، بالرغم من ذلك، هذا لن يثننيا عن مقاربة موضوع المرأة اللبنانية في الحياة السياسية، خاصة في الفترات الأكثر تأثيرًا سياسيًا وهي فترة الانتخابات.

أولاً- انتخابات 2009: تراجع نسائي دراماتيكي
        بالرغم من أن لبنان كان أول بلد عربي يعطي المرأة الحق بالترشّح والتصويت عام 1953، إلا أن الأمر توقف عند هذا الحد ولم تستطع المرأة اللبنانية إلا في حالات نادرة وكوريثة لزوج أو أب أو أخ، أن تجد لها موقعًا في نادي السياسة اللبنانية، بالرغم من أن عددًا من النساء اللبنانيات تمكّنّ من اختراق الحواجز والممنوعات، وتوصلن الى مواقع هامة قيادية ومواقع في المجالات الفكرية والتعليمية والسياسية والنقابية. ويُذكر أنه كان للمرأة دورها الرائد في معارك الاستقلال اللبناني وفي مسيرة التحرر والنضال، نذكر منهن على سبيل المثال إميلي فارس ابراهيم عضو اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي اللبناني، التي قادت أوّل تمرّد على عبادة الفرد والتبعيّة ضد قيادة الحزب في سورية ولبنان، وخاضت أوّل إنتخابات نيابية للمرأة في لبنان عام 1953، في وقت مبكّر بالنسبة لإمرأة.
        واللافت أنه في المجال البرلماني، لم تستطع النساء اللبنانيات أن تصل الى الندوة البرلمانية إلا عبر الوراثة السياسية، فقد كانت ميرنا البستاني أول إمرأة تدخل البرلمان اللبناني (28 آذار 1963) بعد فوزها بالتزكية في دورة فرعية لملء المقعد الشاغر بوفاة والدها اميل البستاني، ثم نهاد سعيّد التي ترشحت لانتخابات فرعية لمقعد جبيل اثر وفاة زوجها النائب أنطوان سعيّد (في 25 أيار عام 1965) لملء المقعد الشاغر، لكنها فشلت أمام عميد الكتلة الوطنية الراحل ريمون اده، واستمرت بتكرار المحاولة حتى استطاعت الوصول إلى البرلمان في دورة العام 1996، لتعيد توريث المقعد عام 2000 لابنها النائب السابق فارس سعيد.  ومن  لم تصل بالارث وصلت بوهج زوج او شقيق كما هو حال البرلمانيات نايلة معوض أرملة الرئيس رينيه معوض
، ونايلة تويني هي الشهيد جبران تويني، وبهية الحريري شقيقة الراحل رفيق الحريري، وستريدا جعجع هي زوجة قائد القوات اللبنانية سمير جعجع الذي لا يستطيع الترشّح.
        وقد استمر الوضع على هذا الحال من حصر تمثيل المرأة بوراثة سياسية الى يومنا هذا، فخلال التحضير لقانون انتخابي عام 2009، اعتبر العماد ميشال عون ان تكتله يرفض التصويت على الكوتا، لأنه مع المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، ولأن ميثاق التيار الوطني الحر ينصّ على هذه المساواة، وعليه وبما ان المرأة تشكّل نصف المجتمع، فلها الحق في أن تتمثل بنسبة 50% في البرلمان... كلام لم يترجم عمليًا على أرض الواقع بترشيح نسائي على لوائح التغيير والاصلاح، إذ تمّ ترشيح سيدة واحدة على مجمل اللوائح التي فاق عدد الذكور فيها 60 مرشّحًا. وبما أن حلفاءه لم يرشحوا أي امرأة على لوائحهم، كان  مجموع حصيلة الترشيحات النسائية لتكتل التغيير والاصلاح وقوى 8 آذار مجتمعة، سيدة واحدة.
        أما قوى 14 شباط، وبالرغم من تصريحاتها المتكررة بوجوب المساواة بين الرجل والمرأة أيضًا، وبالرغم من ردّهم على التيار الوطني الحر بحملة اعلانية تقول "كوني متساوية وانتخبي"، إلا ان عدد الترشيحات النسائية على لوائحهم جميعها من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب والبقاع، لم تتعدَ الثلاثة، وهؤلاء تمّ ترشيحهن أيضًا لأسباب عائلية ووراثية ولقدرتهن على استعطاف الرأي العام من خلال أقربائهن الشهداء.
        وهكذا، يكون مجموع النساء الواصلات الى البرلمان اللبناني عام 2009،  قد تراجع الى أربعة فقط، بعد أن وصل العدد  الى ستة في انتخابات 2005 التي حصلت في ظل انقسام سياسي حاد عكس الظروف المحلية والاقليمية الدقيقة والاستثنائية لتلك المرحلة، والتي انتجت استثناءً في عدد النساء اللواتي دخلن الى المجلس النيابي، علمًا أن انتخابات 2009 سجّلت إقبالاً لافتًا للنساء على الاقتراع، وعلى المشاركة في التنظيم وفي الماكينات الانتخابية، ما يعني أن اللبنانيات مارسن واجباتهن كاملة كمواطنات، لكن كانت تنقصهن الحقوق، الحقوق السياسية على وجه الخصوص.

ثانيًا: أسباب ضعف الدور النسوي السياسي
        بالمبدأ ساوى الدستور اللبناني بين المواطنين اللبنانيين في الحقوق والواجبات[1]، ولا يميّز قانون الانتخاب اللبناني بين رجل وامرأة في الانتخاب وحق الترشيح، ولكن كما رأينا، هناك عوامل ثلاث منعت المرأة من ممارسة حق كفله القانون، وهي المرأة بذاتها التي لا تبادر، والمجتمع الذي لا يساند، وخشية الطبقة السياسية من الاختراق والتغيير بما يفقدها السيطرة وهذا في كل الطوائف بدون استثناء.
        وهكذا نلاحظ أنه في الاطار السياسي، بات هناك فئات ثلاث من المواطنين: مواطنون درجة أولى وهي تتكوّن من النافذين ورؤساء الطوائف الكبرى، ومواطنون درجة ثانية وهؤلاء المدعومون ومعظمهم من الرجال الذكور، ومواطنون  درجة ثالثة وهي الفئات المهمّشة ومعظم النساء التي تقوم بواجباتها المواطنية ولا تحصل على حقوقها كاملة.
        إن قراءة لأرقام نتائج الانتخابات النيابية والبلدية، قد تعطينا فكرة عن الأسباب وراء إنحسار دور المرأة اللبنانية السياسي، والذي لا يتلاءم مع أدوارها الأخرى الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والتي تسجل فيها حضورًا مميزًا يتفوق أحيانًا على الرجال، وذلك على الشكل التالي :
1- العقدة الفوقية الذكورية لدى معظم السياسيين بتأثير من البيئة العامة، يضاف اليها النظرة "الدونية" للمرأة لدى معظم زعماء الأحزاب، الذين يحددون وجود المرأة في الصف الثاني والثالث بينما يحجمون عن تعيينها في المراكز الاولى حتى لو أثبتت كفاءتها وتفوقها على أقرانها الذكور، وهذا ما أدى الى تراجع نسبة عدد البرلمانيات في برلمان 2009 بنسبة 35% عن برلمان عام 2005.[2]
2- القانون الانتخابي الطائفي وتكاليف الترشيح والحملة الإعلامية الانتخابية، يضاف اليها الاصطفاف السياسي الحاد الذي يحدّ من قدرة المرشحات والمرشحين المنفردين على خرق اللوائح الكبرى أو على تحدي المحادل الكبرى. وهذا ما أدى الى تراجع نسبة مشاركة النساء في الترشح للإنتخابات النيابية، من 34 إمرأة في انتخابات العام 2000 إلى 14 إمرأة فقط في دورة العام 2005 (أي ما نسبته 3.5 % من مجموع عدد المرشحين) وصولاً إلى 12 إمرأة في الدورة الانتخابية لبرلمان 2009، أي ما نسبته أقل من 2% .
3- غياب سياسة عامة وتشريعات وبرامج إعلامية هادفة إلى حثّ المرأة للمشاركة في الحياة العامة والمجال السياسي، وغياب القوانين التي تجبر قادة الاحزاب والكتل على ترشيح النساء على لوائحهم أو ما يقال عنه الكوتا النسائية. وهنا نشدد على أن الكوتا، ليست الحل المرجو ولكنها قد تكون الخطوة الأفضل في هذه الظروف للسير في حل تلك المشكلة. علمًا أن رفض الكوتا قد يكون نتيجة عدم فهمها بشكل صحيح؛ فالكوتا فقط تحدد الحد الأدنى للمشاركة النسائية ولا تحدّها عند نسبة معينة كما يفهمها البعض.
4- -  الذهنية الشرقية والتربية الأسرية التي تعطي الأفضلية للذكر عند الاقتضاء، والعلاقة السلطوية داخل الأسرة حيث الرجل هو رب الأسرة في حال حضور الزوجين، بالاضافة الى عدم تشجيع الأهل للمرأة عامة بتعاطي السياسة والانخراط في الأحزاب والنقابات.
5- القيم الحضارية والثقافية بما فيها الدينية، التي تجعل دور المرأة أساسيًا في إدارة شؤون الأسرة ورعاية الأولاد وتربيتهم وخدمة الزوج وتدبير شؤون المنزل، بينما الدور الخاص بالرجل يتجاوز حدود هذه المساحة ليشمل الساحة العامة كالانخراط في سوق العمل والتعاطي مع المؤسسات الاقتصادية والتعاطي بالشأن العام والمجال السياسي.
 6-  شخصية المرأة ومسلكها وظروفها، والتي تتجلى في قلة ثقتها بنفسها وببنات جنسها، وعدم وعيها لحقوقها السياسية، وعدم اقتناعها عامة بأهمية المشاركة في الحياة العامة بما فيها القرار السياسي، بالاضافة الى عدم اندفاع معظم السيدات إلى خوض معارك سياسية حادة.
وهنا سأسجل مفارقات في العمليات الانتخابية  النيابية والبلدية الأخيرة:
        أ- المرأة اللبنانية لا تقلّ تسييسًا وحماسة عن الرجل: فإن احجام النساء عن الترشح في انتخابات 2009 قابله إقبال لافت على الاقتراع فاق نسبة اقتراع الرجال، والدليل على ذلك نسب التصويت في الدوائر التي شهدت معارك انتخابية حامية وتسييسًا كبيرًا كزحلة والبقاع الغربي وراشيا وغيرها[3].
        ب- نلاحظ بداية تغيير جدية في الثقافة السياسية لدى المجتمع اللبناني وتقبله وصول المرأة الى المناصب القيادية، ففي الانتخابات البلدية 2010، وبالرغم من أن الاحصاءات الرسمية تشير الى أن نسبة النساء الناجحات في تلك الانتخابات لا تتعدى 4.7% من المجموع العام، ولكن لا يمكننا أن نغفل أن هذه النسبة تمثل تقريبًا 40% من مجموع المرشحات الى الانتخابات، ما يعني أن المشكلة هي في نسبة الترشيحات المتدنية وليس في عدم ثقة الناس وانتخابهم للنساء[4].
ج- عدم صحة ولا واقعية الصورة النمطية السائدة بأن أهل بيروت هم أكثر انفتاحًا وقبولاً للتغيير وللأفكار الجديدة الوافدة ولحقوق المرأة من أهالي المناطق. فنتائج الانتخابات البلدية عام 2010، تشير الى أن أهل المناطق هم أكثر تقبلاً لتولي النساء المناصب القيادية أكثر من أهل المدن. لقد شهد الجنوب أعلى نسبة نساء ناجحات في الانتخابات البلدية (66 ناجحة من أصل 149 مرشحة)، يليها الشمال(206 من 478) ثم جبل لبنان ( 188 من 466)، ثم النبطية (25 من 103)، وفي أسفل السلم أتت بيروت بوصول 3 سيدات فقط من أصل 21 سيدة ترشحن الى المقاعد البلدية.

ثالثًا- هل من حل؟
لكن، هل هناك حل؟ وهل هناك نافذة للتفاؤل؟
نعم بالتأكيد، فلكل تغيير بداية. وهنا سأورد قصة تاريخية قد نتعظ منها في مسيرتنا نحو احقاق حقوق المرأة اللبنانية المختلفة:
        في العام 1944، تقدم عشرة نواب لبنانيون باقتراح قانون لمنح المرأة اللبنانية حقوقها السياسية- أي ان تنتخب وتُنتخب- وقد رفضت اللجنة البرلمانية هذا الاقتراح، معللة بما يلي:
 إن اعطاء المرأة هذه الحقوق [5] يتنافى مع التاريخ والثقافة والدين والقيم والتقاليد والحضارة ، والأهم انه يتنافى مع طبيعة المرأة، فالامور السياسية فيها مشقة وتعقيد وخطر وهذا يتنافى مع طبيعتها كمخلوق لطيف ظريف، كذلك يتنافى مع مشكلة البطالة والعمل، فعمل المرأة بالسياسة يزيد في بطالة الشباب، كما إن نزول المرأة ميدان السياسة، يؤدي الى تفكك الاسرة وفساد المنزل وبالتالي تفكك الوطن وفساد الدولة، الخ...
لكن، كل هذه التبريرات لم تمنع النساء من الحصول على حقوقهن السياسية عام 1953 أي بعد تسع سنوات فقط من هذا الرفض القاطع.
        من المؤكد أن المرأة اللبنانية اليوم، لا تتعرض الى مثل هذا الحظر، ولا يُنظر اليها بمثل هذه النظرة الدونية، ولا تُحمّل كل المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية إن هي بادرت للعمل السياسي، لذا أن ظروف المعركة قد تكون افضل من تلك التي خاضتها النساء في منتصف القرن الماضي.
وعليه، إن مسيرة تتسم بالثبات والاصرار، والضغط على الكتل النيابية المختلفة وعلى رؤساء الأحزاب قد يمكّن المرأة اللبنانية من الوصول الى المساواة مع باقي المواطنين الآخرين، وقد تصل الى تغيير الأنماط التقليدية السائدة التي تعتبرها قاصرة عن العمل السياسي، ولا يمكنها أن تكون في المواقع القيادية سواء في الأحزاب أو في البرلمان أو الحكومة.
ولئلا يتحول شعار "اعطِنا صوتكِ.. واكتفِ بجمالك"، شعار دائم يتم التوجّه به الى النساء في السياسة اللبنانية وبالاخص خلال الانتخابات النيابية كل أربعة أعوام، يجب الانطلاق من هنا، من التيار الوطني الحر باعتباره أملاً للشباب ولتلك الفئات المهمشة التي تحدثنا عنها، هو أملها في التغيير والاصلاح وإن فشلت التجربة فالسلام على لبنان.




[1]  نص الدستور اللبناني في المادة 7 منه على «أن كل اللبنانيين سواء لدى القانون يتمتعون على السواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم»... كما يعترف أيضاً في المادة 21 منه بـ<المساواة السياسية بحيث إنه لكل مواطن بلغ من العمر 21 عاماً الحق في أن يكون ناخباً»، وللمرأة اللبنانية كالرجل الحق بالترشح للانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية. كما يضمن الدستور الحريات العامة والشخصية وحرية المعتقد وحرية التعليم وإبداء الرأي ( في المواد 2 و 9 و10و12 منه).
[2]  سُجل خروج ثلاثة من النائبات السابقات، فقد استبدل تيار المستقبل النائبة غنوة جلول بمرشح الجماعة الاسلامية في بيروت عماد الحوت، وتخلت صولانج الجميل، زوجة الرئيس الراحل بشير الجميل، عن مقعدها لصالح نجلها نديم، كذلك خرجت من المجلس نائلة معوض، أرملة الرئيس الأسبق رينيه معوّض، محاولة تجيير مقعدها لنجلها ميشال الذي خسر الانتخابات.
[3]  في زحلة مثلاً صوّت 60 % من الإناث مقابل 56% من الذكور، بينما كانت النسب في دائرة البقاع الغربي وراشيا على الشكل الآتي: 58% من الإناث و49 % من الذكور، وتعادل الطرفان في دائرة المتن الشمالي بـ55 في المائة لكليهما. أما في دائرة بيروت الاولى، فقد كانت نسبة اقتراع النساء،على غير حالها في معظم الدوائر الأخرى، اي أقل بشكل بسيط من نسبة الرجال، حيث صوّت 40% من النساء و41 % من الرجال.
[4]  ترشح الى الانتخابات البلدية ما مجموعه 1346 أمراة، وقد نجح منهن 526 امراة.
[5]  انظر النص الكامل لتقرير اللجنة البرلمانية، في مجلة الحديث عدد تموز 1944، ص 333.

2012/10/18

هل يحترق الاتراك بالحل السياسي في سوريا؟

لم تكد الحرب على حلب تنتهي لصالح الدولة السورية وجيشها النظامي، حتى بدأ المشروع الغربي يبحث عن بدائل عسكرية وسياسية لتعويض الخسارة الميدانية التي حصلت، وإشغال الجيش السوري في مناطق أخرى، من أجل إطالة عمر الأزمة وكسب الوقت، ومحاولة القيام بهجوم مضاد يحاول تعويض ما فات سياسياً وعسكرياً وإعلامياً.
وفي ظل هذا التوتر الدائم على الأرض، تبرز - ولو بخجل - ما يقال إنها مبادرة للإبراهيمي، علماً أنها تبدو اقتراحات جزئية لا ترقى إلى مستوى المبادرة المتكاملة، وتتجلى في اقتراح تطبيق هدنة في سورية في عيد الأضحى، إذ إنّ وقفاً لإطلاق النار في العيد "سيساعد في إيجاد مناخ من شأنه أن يسمح للعملية السياسية بأن تتقدم"، بالإضافة إلى طرح لم يتبلور لدى الإبراهيمي بعد، حول وضع خطة لنشر قوة حفظ سلام دولية على الحدود التركية السورية.
ويبدو الإبراهيمي، من خلال أجزاء المبادرة تلك، والأفكار التي يتقدم بها، واقعياً وملمّاً بجميع الظروف المحيطة، والتي يمكن أن تُفشل مهمته في سورية، فهو أقدم على اقتراح هدنة كاملة، فيها وقف لإطلاق النار من جميع الأطراف المتقاتلة، ولم يقم كما فعل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من خلال عرضه الخارج عن أي إطار للواقعية السياسية؛ بمطالبة الحكومة السورية أن تعلن وقف إطلاق نار من جانب واحد، على أن يقوم بالبحث مع الدول النافذة في "إمكانية" أن تُقدم المعارضة على وقف إطلاق النار، وهو عرض لا يمكن لأي عاقل أن يقبله، أو حتى يفكر في طرحه.
أما الطرح الخجول الذي لم يعلن عنه بشكل رسمي، وظل ضائعاً بين التأكيد والنفي، فهو نشر قوات حفظ سلام دولية على الحدود بين تركيا وسورية، لحفظ الاستقرار ومنع تهريب السلاح والرجال، ولعل واقعية الإبراهيمي هي التي فرضت عليه أن يرمي الفكرة من دون أن يتبناها، ليدرس ردة فعل الأطراف عليها، والتي يبدو أنه لا حماسة سورية، ولا تركية ولا غربية لها.
في المبدأ، لن يقبل السوريون ولن يمرر الروس والصينيون قراراً في مجلس الأمن يقضي بوجود قوات أممية تحت إطار الفصل السابع على الأرضي السورية، وذلك لأنه يمكن أن يستغل الحلف الأطلسي هذه القوات للتدخل في سورية، أو لقلب موازين القوى العسكرية لصالح القوات المعارضة، أما من الناحية الغربية، فيبدو أعضاء حلف شمال الأطلسي غير مستعدين لإرسال قوات برية تغرق في المستنقع السوري المتفجر، وهم أساساً رفضوا فكرة القصف الجوي، فكيف يمكنهم القبول بإرسال جنودهم إلى الأرض، مع ما يكلف ذلك من أكلاف بشرية ومادية؟!
أما بالنسبة إلى تركيا، فهي تخشى أن تكون مهمة تلك القوة فقط للمراقبة، وليس للتدخل، فتسجّل ما يقوم به الأتراك من خرق للسيادة السورية، وما يقوم به الجيش التركي من ارتكابات بحق المدنيين الأكراد، وقد يؤدي ذلك إلى تكبيل يد تركيا في ما تقوم به اليوم حيال السوريين والأكراد في المنطقة.
ويظهر الأتراك الأكثر قلقاً اليوم من تداعيات تدخلهم السافر في سورية، في ظل ما يظهر من تراجع الدول الغربية عن الإصرار على تغيير النظام في سورية، خصوصاً ما بدأ يتحدث عنه الأميركيون من قلق من أن تكون مرحلة ما بعد الأسد هي مرحلة دموية، سيقوم خلالها تنظيم القاعدة والحركات الجهادية الأخرى بالقتال فيما بينها، من أجل السيطرة بالقوة على سورية، خصوصاً أن الأسلحة التي تصل إلى المتشددين الإسلاميين - وهم إما من تنظيم القاعدة أو من الذين يدورون في فلكه - قد بدأت تُوضّب في مخازن خاصة، استعداداً لحقبة ما بعد الأسد.
ولعل هذ التراجع عن إسقاط نظام الأسد بالقوة، هو ما جعل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ينتقد مجلس الأمن الدولي لعجزه عن مواجهة الأزمة السورية، ويدفع وزير اقتصاده إلى وصف الاتحاد الأوروبي بأنه أكثر مؤسسة نفاقاً في جميع العصور.
في المحصلة، تتجه جميع الأطراف الفاعلة إلى تبني حل سياسي في سورية، لأنه الأقدر على إنهاء نزاع يوفر أرضاً خصبة للإرهاب والأعمال الإجرامية بجميع أنواعها، وحرب قد تمتد نارها خارج الحدود السورية، وتهدد بإشعال المنطقة الإقليمية بكاملها، وهذا الاقتناع بضرورة إيجاد سياسي سيجعل المعارك تستعر في سورية، ويزيد من حدة الإرهاب لسببين:
أولاً: الأطراف المتضررة من الحل السياسي، وهي تركيا ودول الخليج والمجموعات الإرهابية، ستعمد إلى محاولة تفجير الأوضاع، ليتعذر معها الوصول إلى ذلك الحل.
ثانياً: سيحاول كل طرف أن يكسب في الميدان ما يخوّله طرح نفسه بقوة على طاولة المفاوضات، فالحل السياسي لا يمكن أن يكون إلا بين أطراف فاعلة في الميدان والتمثيل الشعبي، ومن يملك الأكثر من الأوراق يحصل على الجزء الأكبر من المكاسب.
ويبقى أن لعبة الأمم تكون على حساب الشعوب التي تدفع من دمائها وحياتها ومستقبلها ثمن السعي إلى السيطرة في لعبة الشطرنج الكبرى، وثمن السياسات الافتراضية والتجريبية للقيادة الأميركية.

2012/10/11

انتخابات 2013.. مسؤولية المسيحيين التاريخية

على الرغم من كل المشاكل الأمنية والسياسية الاجتماعية المتراكمة، يتصدر الحديث عن القانون الانتخابي السجال السياسي الدائر في لبنان، في ظل حديث الأطراف السياسية عن أن اتفاق المسيحيين على قانون انتخابي واحد قد يجعله الأرجح للاعتماد.

مما لا شكّ فيه، يتحسب الفريقان اللبنانيان لانتخابات عام 2013، فهي من ناحية أولى الانتخابات التي سينبثق عنها المجلس النيابي الذي سينتخب رئيس الجمهورية عام 2014، والتي يسوّق فريق رئيس الجمهورية أن ذلك العام قد يشهد تمديداً للولاية، على الرغم من أننا لا نعرف ما هي الضروريات الوطنية والظروف القاهرة التي سترتب تمديداً مخالفاً للدستور اللبناني، ولا نعرف ما هي الموجبات التي ستدفع بأحد الفرقاء أو معظمهم إلى استخدام أساليب استخدمها السوريون خلال حكمهم للبنان، إلا أنه يُخشى أن يعمد هذا الفريق أو ذاك إلى دفع الأمور للانفجار، أملاً في استفادة من تمديد هنا، أو طمعاً في استئثار بالحكم هناك، أو إعادة إحياء أحلام قديمة باجتثاث المقاومة من لبنان.

ومن ناحية أخرى، يتحضر فريق 14 شباط لهذه الانتخابات، ليحقق ما عجز عن تحقيقه في انتخابات 2009، والتي حاول من خلالها أن يحصل على أغلبية الثلثين في المجلس، ليستطيع أن يتحكم بكل مفاصل البلاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهو إن استطاع اليوم أن يمرر القانون المفصل على قياسه - أي قانون الدوائر الصغرى الخمسين - فستكون مؤشراً لقيام حكم الفريق الواحد المستأثر الذي سيحاول إلغاء خصومه الداخليين، ويجعل النظام اللبناني شبيهاً بنظام دول الخليج العربي، حيث الحريات والأحزاب والقوانين تُعدّ "مكرمة" من الحاكم، يجب أن تقابل بالمديح والشكر والثناء.

وهكذا، وفي تحليل موضوعي لخيارات فريق المستقبل وحلفائه الانتخابية، نجد أنهم يسعون وبشكل حصري إلى أحد قانونين يحاولان تسويقهما:

1- قانون الستين الذي اختبروه في العام 2009 وحقق لهم ما أرادوه، وقد بات واضحاً للجميع أن قانون الستين، والذي أجريت على أساسه انتخابات 2009، كان قد زوّر الإرادة الشعبية، وأنتج أكثرية نيابية تعاكس حقيقة الأكثرية الشعبية، وقد ساهمت بذلك عوامل عدّة، منها المال السياسي، واستقدام المغتربين من الخارج، وتأثير الطائفية والعصبيات الدينية والعرقية، وهو ما حرم المسيحيين من انتخاب فعلي لنصف نوابهم على الأقل، وحرم مجموعات إسلامية كبرى معارضة لآل الحريري من إمكانية تمثيلها في الندوة البرلمانية، واليوم تبدو بكركي محقة برفض هذا القانون الذي ساهم بتهميش فئات كبيرة من المواطنين، وحرمها من أبسط حقوقها المشروعة.

2- قانون انتخاب أكثري على أساس الدوائر الصغرى، وهو يتيح من خلال المال الذي يملكون الكثير منه، ومن خلال السيطرة على الإعلام، والقدرة على استثارة الغرائز المذهبية وغيرها، يتيح لهم التحكم بالعملية الانتخابية ونتائجها، والفوز بأغلبية ساحقة في المجلس النيابي.

فعلياً، ترفض قوى 14 شباط قانون الانتخاب النسبي، رغم أنه أكثر عدالة وتمثيلاً، ويسمح بتمثيل معظم القوى ذات التمثيل الشعبي في البرلمان اللبناني، ما يجعل الصراع السياسي يخرج من الشارع إلى البرلمان، ويخفف من حدة الاحتقان الذي يسببه التهميش وإلغاء أقليات كبرى من المعادلة السياسية، ويخفف من قدرة المحادل الانتخابية على سحق الكثير من الأصوات المعارضة، وقد يعود الرفض إلى أسباب ذاتية وسياسية خاصة، أهمها علمهم بأن الأكثرية الشعبية لا تؤيدهم، وأنهم لن يحصلوا على الأكثرية النيابية بقانون يسمح بتمثيل عادل، أما الأسباب الأخرى فتعود إلى أن الدوائر الكبرى تعطل إلى حد بعيد سيطرة المال، وتجعل من الخطاب المذهبي مضراً انتخابياً بصاحبه، أكثر مما تفيده، وتكرس بصورة أو بأخرى قرار الأكثرية الشعبية، وهي ليست في صالحهم.

إذاً، رمى الأطراف السياسيون الكرة في ملعب المسيحيين، ورغم أن إلقاء الكرة في ملعب المسيحيين هدفه إحراجهم، خصوصاً لعلم مطلقي مقولة "اتفاق المسيحيين" بأنهم لن يتفقوا، إذ لا يمكن لأي مسيحي عاقل أن يقبل بما ذهبت إليه بعض الأطراف المسيحية في قوى 14 شباط من تبعية لتيار المستقبل حين تقدمت بمشروع لا يعطي المسيحيين القدرة على إيصال أكثر من 18 نائباً، ما يعني عدم قدرة موافقة ممثلي المسيحيين عليه، بالإضافة إلى كونه قانوناً لا يحظى بغطاء لبناني ولا إسلامي عام.

وهكذا، وبغض النظر عن البحث في الصيغ الانتخابية، وتقسيم الدوائر واحتساب أصوات الطوائف، وبغض النظر عن المناورات التي يقوم بعض الأطراف، بات من الضروري بمكان أن يتحمل المسيحيون مسؤولية تاريخية في بناء الدولة اللبنانية، فإذا كانت الأطراف السياسية في البلد قد أجمعت تقريباً أنها تقبل بأي قانون يتفق عليه المسيحيون، بات على المسيحيين أن يكونوا على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وعلى قدر الآمال المعلقة عليهم من قبل الأجيال الجديدة، وأن يقاربوا موضوع قانون الانتخاب من باب النظر إلى المستقبل وإلى غد أفضل، وليس من باب الزواريب الضيقة، والتاريخ المليء بالأحقاد، وأن يختاروا الصيغة النسبية التي تجعل من كل مواطن قيمة بحد ذاته، وتسمح بتمثيل معظم شرائح المجتمع اللبناني، ما يمنع التهميش وتخفف الاحتقان السياسي والمذهبي.

2012/10/04

أردوغان - مشعل.. خذوا أسرارهم من صغارهم



عكس مؤتمر حزب العدالة والتنمية التركي، وما قيل في دلالاته وإشاراته، الحال الذي وصلت إليها تركيا بقيادة أردوغان، خصوصاً بعد النتائج التي بدأت تظهر للحراك في الدول العربية، وأهمها سورية.
وبغض النظر عن الإشارات الداخلية للخطاب، والتي حاول فيها أردوغان أن يرهن مستقبل الأجيال التركية لعقود طويلة مقبلة، وهي تعني الشعب التركي بشكل خاص، يمكن أن
نلفت إلى بعض الإشارات السياسية الهامة للمؤتمر، وفي هذه الإشارات ما يلي:
1- إشارات تركية واضحة بالتوجه نحو الشرق بدلاً من الغرب، والابتعاد عن الحلم التركي بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فالخطاب الأردوغاني خلا من أي إشارات إلى الموضوع، كما خلا الحضور من أي مسؤول أوروبي، وقد يكون ذلك لسببين: أولهما اقتناع تركي بأن صعود اليمين المتطرف في كل أنحاء أوروبا، والسياسات الأوروبية المستجدة النابعة من "إسلاموفوبيا" قاتلة، يجعل من المستحيل - أقلّه في المدى المنظور - قبول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، مقابل عدم حماسة تركية للانضمام إلى اتحاد أوروبي غارق في الكثير من المشاكل الاقتصادية والمالية، والمهدد بالغرق والتفكك.
هذه المستجدات والتطورات على الساحة الدولية منذ عام 2008 ولغاية اليوم، جعلت أردوغان يحلم بالسيطرة على الشرق واستعادة مجد الإمبراطورية "العثمانية"، بدلاً من التوجه إلى الغرب، وكان هذا قد برز في مجالات عدة منها:
- التحقير الذي أبرزه أردوغان لجزء من الحضارة الأوروبية في خطابه في القاهرة، حين اعتبر أن السلطان العثماني محمد الفاتح، الذي فتح القسطنطينية، أنهى "حضارة سوداء".
- التخلي التركي عن السياسات السابقة بالانفتاح على الأقليات واحترام حقوقهم، والتي كان الاتحاد الأوروبي قد فرضها كمدخل لقبول الانضمام، فظهر الأمر على حقيقته في المجازر التي قام بها في وقت سابق، والإعلان في المؤتمر الأخير عن تفرّغه لمحاربة الأكراد، والقضاء على أي مطالبة لهم بحقوق مشروعة، من خلال الحديث عن موقعة "ملاذكرد" في العام 1071، حين قضى السلاجقة والسلطان ألب أرسلان، الذي تمثل به أردوغان، على الدويلات الكردية التي كانت قائمة في شمال كردستان، قبل أن ينتقل إلى محاربة الروم.
وقد انعكس هذا الطموح الأردوغاني المستجد باستعادة مجد الإمبراطورية ، وهذه الرغبة بتزعّم العالم الإسلامي في خطاب خالد مشعل؛ في مشهد يذكّر بالمثل الشعبي القائل "خذوا أسرارهم من صغارهم"، حيث بايع مشعل التركي "زعيماً على العالم الإسلامي"، في انحياز واضح للفلسطيني إلى جانب التركي في صراع طاحن يدور في المنطقة، وحيث لا مصلحة للفلسطينيين ولا للمقاومة الفلسطينية في الانحياز إلى طرف لديه اتفاقيات سياسية وعسكرية واقتصادية مع "إسرائيل"، وعضو في حلف شمال الأطلسي.
2- انحسار المزايدات التركية في القضية الفلسطينية، فلم يشر أردوغان في خطابه إلى الاحتلال "الإسرائيلي"، ولا إلى المستوطنات، ولا إلى تهويد القدس، ولا إلى حصار غزة، فخلال خطابه في القاهرة اعتبر أردوغان أن "بكاء طفل فلسطيني في غزة يوجع قلب أم في أنقرة"، وعلى الرغم من أن بكاء الأطفال الفلسطينيين لم يتوقف، لم يقم لا هو ولا خالد مشعل بالطلب من الرئيس المصري فك الحصار عن غزة، علماً أن الأصوات ضد سياسات مصر ما بعد الثورة بدأت تتزايد في غزة، إلى الحد الذي جعل موسى أبو مرزوق؛ نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يتحدث بصراحة أكثر من مرة عن أن إغلاق الأنفاق في عهد الرئيس محمد مرسي أكثر من عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.
3- العداء الواضح لسورية، التي قطعت على أردوغان أحلامه التوسعية، ورغبته بتكرار تجربة الإمبراطورية "العثمانية"، علماً أن هذا الكره والعداء يزداد يوماً بعد يوم، خصوصاً بعدما عجز أردوغان عن إسقاط النظام السوري، على الرغم من كل الدعم والتحشيد للمقاتلين الذي قام به، كما فشل في دفع حلف شمال الأطلسي إلى التدخل عسكرياً في سورية، وأخيراً فشل الأتراك في جميع معاركهم الميدانية، ابتداء بجسر الشغور، وانتهاء بمعركة حلب، التي تحولت إلى معركة مفتوحة ومعلنة بين سورية وتركيا، ولعل إعلان المسلحين أن المعركة في حلب هي معركة حياة أو موت، يؤكد أن حلب باتت "أم المعارك"، فالفائز في تلك المعركة سيحسم الأمر لصالحه في سورية لعقود مقبلة، فإما يستعيد السوريون سيادتهم على أرضهم، ويوجهون ضربة قاصمة للأتراك ومن ورائهم للمشروع الغربي في المنطقة، وإما تُفتح للتركي بوابة حكم الشرق، بتعيين "والٍ" على حلب، وبعدها تحقيق حلم الإمبراطورية التي يمتد نفوذها على مناطق شاسعة في العالم العربي، مستفيدة من تبعية "الإسلاميين الجدد" للوالي العثماني، وتحقيق المشروع الغربي من خلال تعيين حراس جدد للمصالح الغربية في المنطقة.
وكما أردوغان، كذلك مشعل وغيرهم على امتداد العالم العربي، نجد أن سياسة الجحود تبدو سياسة متجذرة لـ"الإسلاميين الجدد"، فكما استفاد أردوغان من البوابة السورية ليطل على الشرق من بابه العريض، كذلك مشعل الذي غرف من الصحن السوري لمدة طويلة، والذي تحملت سورية الكثير من الضغوط لدعم حماس والقضية الفلسطينية، وقد يضاف إلى تلك السياسة الشاملة عوامل شخصية لدى مشعل، بعدما تمّ الإعلان أن لا عودة له لقيادة حركة حماس، فأراد أن يسجّل نقاطاً إما لإحراج من بعده في القيادة ورهن خياراتهم لما أعلنه من مواقف، أو لتسجيل مواقف نارية يذكرها التاريح لهذا "المجاهد" في سبيل القضية الفلسطينية، فيذكر له التاريخ مثلاً أن طريق القدس الذي كان يمر سابقاً في جونيه يوماً، بات - على عهده - يمر في دمشق وحلب.