2012/10/18

هل يحترق الاتراك بالحل السياسي في سوريا؟

لم تكد الحرب على حلب تنتهي لصالح الدولة السورية وجيشها النظامي، حتى بدأ المشروع الغربي يبحث عن بدائل عسكرية وسياسية لتعويض الخسارة الميدانية التي حصلت، وإشغال الجيش السوري في مناطق أخرى، من أجل إطالة عمر الأزمة وكسب الوقت، ومحاولة القيام بهجوم مضاد يحاول تعويض ما فات سياسياً وعسكرياً وإعلامياً.
وفي ظل هذا التوتر الدائم على الأرض، تبرز - ولو بخجل - ما يقال إنها مبادرة للإبراهيمي، علماً أنها تبدو اقتراحات جزئية لا ترقى إلى مستوى المبادرة المتكاملة، وتتجلى في اقتراح تطبيق هدنة في سورية في عيد الأضحى، إذ إنّ وقفاً لإطلاق النار في العيد "سيساعد في إيجاد مناخ من شأنه أن يسمح للعملية السياسية بأن تتقدم"، بالإضافة إلى طرح لم يتبلور لدى الإبراهيمي بعد، حول وضع خطة لنشر قوة حفظ سلام دولية على الحدود التركية السورية.
ويبدو الإبراهيمي، من خلال أجزاء المبادرة تلك، والأفكار التي يتقدم بها، واقعياً وملمّاً بجميع الظروف المحيطة، والتي يمكن أن تُفشل مهمته في سورية، فهو أقدم على اقتراح هدنة كاملة، فيها وقف لإطلاق النار من جميع الأطراف المتقاتلة، ولم يقم كما فعل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من خلال عرضه الخارج عن أي إطار للواقعية السياسية؛ بمطالبة الحكومة السورية أن تعلن وقف إطلاق نار من جانب واحد، على أن يقوم بالبحث مع الدول النافذة في "إمكانية" أن تُقدم المعارضة على وقف إطلاق النار، وهو عرض لا يمكن لأي عاقل أن يقبله، أو حتى يفكر في طرحه.
أما الطرح الخجول الذي لم يعلن عنه بشكل رسمي، وظل ضائعاً بين التأكيد والنفي، فهو نشر قوات حفظ سلام دولية على الحدود بين تركيا وسورية، لحفظ الاستقرار ومنع تهريب السلاح والرجال، ولعل واقعية الإبراهيمي هي التي فرضت عليه أن يرمي الفكرة من دون أن يتبناها، ليدرس ردة فعل الأطراف عليها، والتي يبدو أنه لا حماسة سورية، ولا تركية ولا غربية لها.
في المبدأ، لن يقبل السوريون ولن يمرر الروس والصينيون قراراً في مجلس الأمن يقضي بوجود قوات أممية تحت إطار الفصل السابع على الأرضي السورية، وذلك لأنه يمكن أن يستغل الحلف الأطلسي هذه القوات للتدخل في سورية، أو لقلب موازين القوى العسكرية لصالح القوات المعارضة، أما من الناحية الغربية، فيبدو أعضاء حلف شمال الأطلسي غير مستعدين لإرسال قوات برية تغرق في المستنقع السوري المتفجر، وهم أساساً رفضوا فكرة القصف الجوي، فكيف يمكنهم القبول بإرسال جنودهم إلى الأرض، مع ما يكلف ذلك من أكلاف بشرية ومادية؟!
أما بالنسبة إلى تركيا، فهي تخشى أن تكون مهمة تلك القوة فقط للمراقبة، وليس للتدخل، فتسجّل ما يقوم به الأتراك من خرق للسيادة السورية، وما يقوم به الجيش التركي من ارتكابات بحق المدنيين الأكراد، وقد يؤدي ذلك إلى تكبيل يد تركيا في ما تقوم به اليوم حيال السوريين والأكراد في المنطقة.
ويظهر الأتراك الأكثر قلقاً اليوم من تداعيات تدخلهم السافر في سورية، في ظل ما يظهر من تراجع الدول الغربية عن الإصرار على تغيير النظام في سورية، خصوصاً ما بدأ يتحدث عنه الأميركيون من قلق من أن تكون مرحلة ما بعد الأسد هي مرحلة دموية، سيقوم خلالها تنظيم القاعدة والحركات الجهادية الأخرى بالقتال فيما بينها، من أجل السيطرة بالقوة على سورية، خصوصاً أن الأسلحة التي تصل إلى المتشددين الإسلاميين - وهم إما من تنظيم القاعدة أو من الذين يدورون في فلكه - قد بدأت تُوضّب في مخازن خاصة، استعداداً لحقبة ما بعد الأسد.
ولعل هذ التراجع عن إسقاط نظام الأسد بالقوة، هو ما جعل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ينتقد مجلس الأمن الدولي لعجزه عن مواجهة الأزمة السورية، ويدفع وزير اقتصاده إلى وصف الاتحاد الأوروبي بأنه أكثر مؤسسة نفاقاً في جميع العصور.
في المحصلة، تتجه جميع الأطراف الفاعلة إلى تبني حل سياسي في سورية، لأنه الأقدر على إنهاء نزاع يوفر أرضاً خصبة للإرهاب والأعمال الإجرامية بجميع أنواعها، وحرب قد تمتد نارها خارج الحدود السورية، وتهدد بإشعال المنطقة الإقليمية بكاملها، وهذا الاقتناع بضرورة إيجاد سياسي سيجعل المعارك تستعر في سورية، ويزيد من حدة الإرهاب لسببين:
أولاً: الأطراف المتضررة من الحل السياسي، وهي تركيا ودول الخليج والمجموعات الإرهابية، ستعمد إلى محاولة تفجير الأوضاع، ليتعذر معها الوصول إلى ذلك الحل.
ثانياً: سيحاول كل طرف أن يكسب في الميدان ما يخوّله طرح نفسه بقوة على طاولة المفاوضات، فالحل السياسي لا يمكن أن يكون إلا بين أطراف فاعلة في الميدان والتمثيل الشعبي، ومن يملك الأكثر من الأوراق يحصل على الجزء الأكبر من المكاسب.
ويبقى أن لعبة الأمم تكون على حساب الشعوب التي تدفع من دمائها وحياتها ومستقبلها ثمن السعي إلى السيطرة في لعبة الشطرنج الكبرى، وثمن السياسات الافتراضية والتجريبية للقيادة الأميركية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق