2012/10/11

انتخابات 2013.. مسؤولية المسيحيين التاريخية

على الرغم من كل المشاكل الأمنية والسياسية الاجتماعية المتراكمة، يتصدر الحديث عن القانون الانتخابي السجال السياسي الدائر في لبنان، في ظل حديث الأطراف السياسية عن أن اتفاق المسيحيين على قانون انتخابي واحد قد يجعله الأرجح للاعتماد.

مما لا شكّ فيه، يتحسب الفريقان اللبنانيان لانتخابات عام 2013، فهي من ناحية أولى الانتخابات التي سينبثق عنها المجلس النيابي الذي سينتخب رئيس الجمهورية عام 2014، والتي يسوّق فريق رئيس الجمهورية أن ذلك العام قد يشهد تمديداً للولاية، على الرغم من أننا لا نعرف ما هي الضروريات الوطنية والظروف القاهرة التي سترتب تمديداً مخالفاً للدستور اللبناني، ولا نعرف ما هي الموجبات التي ستدفع بأحد الفرقاء أو معظمهم إلى استخدام أساليب استخدمها السوريون خلال حكمهم للبنان، إلا أنه يُخشى أن يعمد هذا الفريق أو ذاك إلى دفع الأمور للانفجار، أملاً في استفادة من تمديد هنا، أو طمعاً في استئثار بالحكم هناك، أو إعادة إحياء أحلام قديمة باجتثاث المقاومة من لبنان.

ومن ناحية أخرى، يتحضر فريق 14 شباط لهذه الانتخابات، ليحقق ما عجز عن تحقيقه في انتخابات 2009، والتي حاول من خلالها أن يحصل على أغلبية الثلثين في المجلس، ليستطيع أن يتحكم بكل مفاصل البلاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهو إن استطاع اليوم أن يمرر القانون المفصل على قياسه - أي قانون الدوائر الصغرى الخمسين - فستكون مؤشراً لقيام حكم الفريق الواحد المستأثر الذي سيحاول إلغاء خصومه الداخليين، ويجعل النظام اللبناني شبيهاً بنظام دول الخليج العربي، حيث الحريات والأحزاب والقوانين تُعدّ "مكرمة" من الحاكم، يجب أن تقابل بالمديح والشكر والثناء.

وهكذا، وفي تحليل موضوعي لخيارات فريق المستقبل وحلفائه الانتخابية، نجد أنهم يسعون وبشكل حصري إلى أحد قانونين يحاولان تسويقهما:

1- قانون الستين الذي اختبروه في العام 2009 وحقق لهم ما أرادوه، وقد بات واضحاً للجميع أن قانون الستين، والذي أجريت على أساسه انتخابات 2009، كان قد زوّر الإرادة الشعبية، وأنتج أكثرية نيابية تعاكس حقيقة الأكثرية الشعبية، وقد ساهمت بذلك عوامل عدّة، منها المال السياسي، واستقدام المغتربين من الخارج، وتأثير الطائفية والعصبيات الدينية والعرقية، وهو ما حرم المسيحيين من انتخاب فعلي لنصف نوابهم على الأقل، وحرم مجموعات إسلامية كبرى معارضة لآل الحريري من إمكانية تمثيلها في الندوة البرلمانية، واليوم تبدو بكركي محقة برفض هذا القانون الذي ساهم بتهميش فئات كبيرة من المواطنين، وحرمها من أبسط حقوقها المشروعة.

2- قانون انتخاب أكثري على أساس الدوائر الصغرى، وهو يتيح من خلال المال الذي يملكون الكثير منه، ومن خلال السيطرة على الإعلام، والقدرة على استثارة الغرائز المذهبية وغيرها، يتيح لهم التحكم بالعملية الانتخابية ونتائجها، والفوز بأغلبية ساحقة في المجلس النيابي.

فعلياً، ترفض قوى 14 شباط قانون الانتخاب النسبي، رغم أنه أكثر عدالة وتمثيلاً، ويسمح بتمثيل معظم القوى ذات التمثيل الشعبي في البرلمان اللبناني، ما يجعل الصراع السياسي يخرج من الشارع إلى البرلمان، ويخفف من حدة الاحتقان الذي يسببه التهميش وإلغاء أقليات كبرى من المعادلة السياسية، ويخفف من قدرة المحادل الانتخابية على سحق الكثير من الأصوات المعارضة، وقد يعود الرفض إلى أسباب ذاتية وسياسية خاصة، أهمها علمهم بأن الأكثرية الشعبية لا تؤيدهم، وأنهم لن يحصلوا على الأكثرية النيابية بقانون يسمح بتمثيل عادل، أما الأسباب الأخرى فتعود إلى أن الدوائر الكبرى تعطل إلى حد بعيد سيطرة المال، وتجعل من الخطاب المذهبي مضراً انتخابياً بصاحبه، أكثر مما تفيده، وتكرس بصورة أو بأخرى قرار الأكثرية الشعبية، وهي ليست في صالحهم.

إذاً، رمى الأطراف السياسيون الكرة في ملعب المسيحيين، ورغم أن إلقاء الكرة في ملعب المسيحيين هدفه إحراجهم، خصوصاً لعلم مطلقي مقولة "اتفاق المسيحيين" بأنهم لن يتفقوا، إذ لا يمكن لأي مسيحي عاقل أن يقبل بما ذهبت إليه بعض الأطراف المسيحية في قوى 14 شباط من تبعية لتيار المستقبل حين تقدمت بمشروع لا يعطي المسيحيين القدرة على إيصال أكثر من 18 نائباً، ما يعني عدم قدرة موافقة ممثلي المسيحيين عليه، بالإضافة إلى كونه قانوناً لا يحظى بغطاء لبناني ولا إسلامي عام.

وهكذا، وبغض النظر عن البحث في الصيغ الانتخابية، وتقسيم الدوائر واحتساب أصوات الطوائف، وبغض النظر عن المناورات التي يقوم بعض الأطراف، بات من الضروري بمكان أن يتحمل المسيحيون مسؤولية تاريخية في بناء الدولة اللبنانية، فإذا كانت الأطراف السياسية في البلد قد أجمعت تقريباً أنها تقبل بأي قانون يتفق عليه المسيحيون، بات على المسيحيين أن يكونوا على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وعلى قدر الآمال المعلقة عليهم من قبل الأجيال الجديدة، وأن يقاربوا موضوع قانون الانتخاب من باب النظر إلى المستقبل وإلى غد أفضل، وليس من باب الزواريب الضيقة، والتاريخ المليء بالأحقاد، وأن يختاروا الصيغة النسبية التي تجعل من كل مواطن قيمة بحد ذاته، وتسمح بتمثيل معظم شرائح المجتمع اللبناني، ما يمنع التهميش وتخفف الاحتقان السياسي والمذهبي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق