2019/02/25

الاوروبيون والعرب: الاستثمار مقابل "غوانتانامو" عربي؟



انعقدت القمة العربية الأوروبية في مدينة شرم الشيخ، تحت شعار "الاستثمار في الاستقرار"، وعلى جدول أعمالها العديد من القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية، ولكن قد يكون الأبرز الذي يهم الأوروبيون في حديثهم مع العالم العربي اليوم على الإطلاق قضيتي اللاجئين غير الشرعيين الذين ينتقلون من شمال أفريقيا الى أوروبا عبر البحر المتوسط، وإرهابيي داعش الأوروبيين المعتقلين في أراضي الشمال السوري، والتي يطالب ترامب الدول الأوروبية باستردادهم ومحاكمتهم وإلا سيطلق سراحهم.
بالنسبة للقضية الأولى، فإن ما ظهر من خلاف بين إيطاليا وفرنسا يبدو مجرد قمة رأس جبل الجليد. وقد بدأت الأزمة على خلفية اتهام نواب رئيس الوزراء الإيطالي، فرنسا بترسيخ الفقر في أفريقيا والتسبب في تدفق المهاجرين بأعداد كبيرة إلى أوروبا، وأن فرنسا تنتزع الثروات من أفريقيا بدلاً من مساعدة الدول على تطوير اقتصادها. وهكذا، يهم الاوروبيون حثّ الدول العربية على منع هؤلاء اللاجئين من ركوب المتوسط للوصول الى أوروبا.
أما القضية الأخطر، فهي استعادة مقاتلي داعش من الجنسيات الأوروبية، والتي وصفها بعض الباحثين الغربيين، بأن الاوروبيين يريدون تكريس سوريا كـ "غوانتانامو". وقد يُفهم القلق الأوروبي، إذ إن التطرف "القاعدي" ما زال يشكّل خطرًا ارهابيًا على مجمل القارة، وهناك تخوّف دائم من قيام "ذئاب منفردين" بأعمال إرهابية في أي وقت.
ولعل المغالطات التي يوردها الاعلام الغربي، هي مقاربة موضوع الارهاب في أوروبا من منظار اللجوء الذي حصل بعد الأزمة السورية، إذ أن البحث المعمق في الأمر، يشير الى أن الغالبية العظمى ممن يقومون بأعمال إرهابية هم من أبناء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين الى تلك الدول، وليسوا من اللاجئين الجدد.
وبدراسة التطرف الارهابي في أوروبا، يجد الباحثون أنه ينقسم الى فئتين:
1)  إرهابيون من أصول مهاجرة، أي أنهم أبناء الجاليات الاسلامية من الجيل الثاني والثالث، والذين تربوا داخل أسر مهاجرة لم تستطع الاندماج بشكل تام في المجتمعات الأوروبية، وورثوا عن أهاليهم الدين والعادات والتقاليد.
2) إرهابيون أوروبيون متحوّلون عن المسيحية للإسلام.
أما بدراسة أسباب التطرف، انقسم الباحثون الأوروبيون في تفسير تلك الظاهرة الى تيارات ثلاث:
- المقاربة النفسية، والتي تشير الى خلل نفسي أو خلل في التصورات الإدراكية التي تصوّر له العالم في عالمين لا يلتقيان، عالم الشر وعالم الخير، المؤمنون والكفار الخ...
- المقاربة الاجتماعية، والتي تشير الى التهميش الإجتماعي كمصدر من مصادر التطرف. الفقر والبطالة، وقلة فرص العمل، والتهميش الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، تدفع هؤلاء الى تقبّل الفكر الديني المتطرف كردّة فعل ثورية غاضبة على التهميش الذي يعانونه.
- المقاربة الثقافية والتي تشير الى صراع الهويات والانتماء. ويشير هؤلاء الى أن الجيل الثاني والثالث من أولاد المهاجرين، يشعرون بصعوبة الانتماء الى المجتمع الأصلي الذي ينتمي إليه الأهل بسبب عدم نشأتهم فيه، ولكنهم في نفس الوقت يشعرون بعدم الانتماء الى المجتمع الأوروبي بشكل تام... صراع الهويات هذا، بالإضافة الى عيش الشباب في مجتمعات مغلقة على نفسها، تودي بهم الى السعي لإيجاد بديل هوياتي أعمّ وأشمل، فيلجأون الى الدين باعتباره إطارًا ما فوق القومية يمكن أن ينضوي تحته الاوروبي والعربي والأفغاني الخ بدون تمييز بينهم. وإذا أضيفت البطالة والفقر وانخفاض المستوى التعليمي الى فقدان الهوية، فإن هذا يحفّز على الانضمام الى المنظمات الراديكالية.
وبرأيي، إن تحليل الظاهرة الارهابية الأوروبية، يجب أن يأخذ المقاربات الثلاث بعين الإعتبار، وأي حلٍ أوروبي لهذه الظاهرة يجب أن يبتكر حلولاً عملية لهذه المشاكل بدون إغفال أي واحدة منها.
وهكذا، يبدو أن الاشكالية التي تعود لتواجه الأوروبيين باستمرار، هي التطرف الراديكالي الذي لم يجد له الاوروبيون حلاً في السابق، ولا يبدو أن باستطاعتهم إيجاد حلٍ له في الوقت الحاضر. فبغض النظر عن إستعادة مقاتلي داعش الاوروبيين أو إبقاؤهم في سوريا تحت سيطرة أردوغان في الشمال السوري، تواجه المجتمعات الأوروبية، مشكلة التحفيز على التطرف سواء الاسلامي الجهادي، أو التطرف اليميني العنصري الذي ترتفع أسهمه بشكل كبير في أوروبا... وهما مشكلتان أوروبيتان يجب التحلي بشجاعة كبيرة لمواجهتهما.

2019/02/21

بن سلمان في باكستان: عينٌ على أفغانستان أم إيران؟

تأتي جولة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الآسيوية في وقت عصيب بالنسبة لباكستان، في ظل ما تعانيه من نفاد في الاحتياطيات الأجنبية، ومن عجز متزايد في الموازنة، ومن صراع لتأمين مستقبلها المالي بالاضافة الى تهديدات إيرانية وهندية مستجدة بالتدخل في باكستان، إثر هجومين ارهابيين انطلقا من الأراضي الباكستانية، استهدف أحدهما مجموعة من الحرس الثوري في إيران، أما الثاني فأودى بحياة العشرات من العسكريين الهنود في الشطر الواقع تحت سيطرة الهند من إقليم كشمير.
تشكّل زيارة بن سلمان لباكستان على أبواب الإنسحاب الأميركي من أفغانستان، مؤشرًا هامًا لرغبة سعودية لملء الفراغ الاستراتيجي الذي سيتركه الأميركيون في المنطقة. تدرك السعودية جيدًا أن رعاية قطر للحوار الذي تقيمه الولايات المتحدة مع حركة طالبان، ووجود فضاء طبيعي لكل من إيران وتركيا في آسيا الوسطى، سيجعل من إمكانية السعودية حفظ موقع لها في المنطقة أصعب من قبل، لذا تسارع الى رعاية باكستان إقتصاديًا وماليًا، لحجز موطئ قدم تمهيدًا لإنسحاب الأميركيين من المنطقة.
وبالرغم من الطابع الاقتصادي الذي غلب على الزيارة، وحاجة باكستان الماسّة الى المساعدات السعودية الاقتصادية والمالية، وإعلان ولي العهد أن المملكة وقعت اتفاقيات بـ20 مليار دولار مع باكستان، ووعده بأنه سيكون "سفير باكستان في السعودية"، إلا أن أهداف بن سلمان تندرج ضمن أطر استراتيجية، أبعد من الاستثمارات الاقتصادية، ويتمحور حول دور سعودي محوري في منطقة تعجّ بالتحولات، وتشكّل إيران فيه بعدًا حيويًا لا يمكن إغفاله، علمًا إن قيام ولي العهد السعودي بزيارة الهند بعد باكستان يقطع أي إمكانية للتفكير بانحيازه لباكستان، ولا يحرف الأنظار عن وجهة الصراع الأساسية: إيران.
يراهن الأمير محمد بن سلمان، على استثمار نفوذه ومساعداته لباكستان لإحتواء إيران أمنيًا وإقتصاديًا؛ من الناحية الأمنية كان الأمير قد هدد سابقًا بنقل المعركة الى الداخل الإيراني، لذا هو يحتاج لمناطق لا تتمتع باستقرار أمني كبير وتستطيع أن تشكّل بيئة حاضنة للمجموعات التي ستتغلغل في الداخل الايراني، وتبدو المناطق الحدودية بين باكستان وإيران مثالية لهذا الأمر.
أما من الناحية الاقتصادية، فإن مساهمة السعودية في بناء مصفاة نفطية بقيمة عشرة مليار دولار في ميناء جوادر الباكستاني، المطل على المحيط الهندي، حيث تقوم الصين ببناء ميناء في المياه العميقة، في إطار مبادرتها "الحزام والطريق"، يهدف الى قطع الطريق على إمكانية تصدير النفط الايراني الى كل من باكستان والهند ثم الصين، عبر "أنبوب السلام" الذي كانت إيران قد اتفقت على إنشائه مع باكستان ولم ينفذ لغاية الآن...وهكذا، ستشكل هذه المصفاة بديلاً محتملاً لإمداد النفط السعودي إلى الصين وباكستان وغيرهما من الدول.
ولعل الهدف الأهم استراتيجيًا بالنسبة لولي العهد، الذي يعاني من عزلة دولية بعد مقتل خاشقجي، ما يشكّله التزام باكستان التاريخي بالحفاظ على أمن المملكة واستقرارها، والممتد منذ العام 1984 حين وقّعت المملكة العربية السعودية اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع باكستان إبان حكم الجنرال ضياء الحق، والتي تضمنت تقديم باكستان كل قدراتها من أجل حماية المملكة في حال تعرضها لأي خطر.
وعليه، يهدف الأمير محمد بن سلمان من خلال مساعداته الإقتصادية لباكستان، الى تبديد هاجس القلق الأمني في الداخل السعودي، خاصة في ظل المطالبات الغربية بتنحيه، وبتحميله مسؤولية قتل خاشقجي. ففي ظل احتمال تحريض بعض أفراد العائلة المالكة على ولي العهد، ومطالبته بالتنحي، يستطيع بن سلمان أن يستند الى دعم الجيش الباكستاني لتأمين حماية أمنية لحكمه في حال أدّى الصراع على الحكم داخل المملكة، الى تهديد استقرار حكم آل سعود، وتهديد استقرار المملكة كما حذّر ترامب يومًا في حديثه مع ماكرون.
في المحصلة، تحتاج باكستان بشكل حاسم للمال السعودي، لكن من الصعب تحقيق أهداف بن سلمان بجعل باكستان منصة لإحتواء إيران ونقل المعركة الى الداخل الإيراني، إذ قد يشكّل ذلك إحراجًا داخليًا للحكم الباكستاني، ولا يمكن تصوّر أن تقطع باكستان علاقاتها مع إيران إرضاءً للحليف السعودي.

2019/02/17

سوتشي: كيف ابتز أردوغان كل من بوتين وروحاني؟

ليلى نقولا
خلال الاجتماع الذي تمّ عقده في سوتشي، استفاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من تزامن عقد هذا اللقاء مع مؤتمر وارسو الذي عقدته الولايات المتحدة الأميركية لجمع تحالف عريض ضد ايران، ولما لرمزية عقده في بولندا، والتي لها في الذاكرة التاريخية للصراع البارد بين الروس والاميركيين، ما يثير حساسية لدى الرئيس بوتين، خاصة في ظل حديث عن امكانية نشر الدفاع الصاروخي الأميركي في بولندا وبعض دول أوروبا الشرقية.
وبالرغم من أن أردوغان لم يستطع الحصول على دعم روسي ولا إيراني لخطته بفرض منطقة آمنة في الشمال السوري على عمق 30 كيلومترًا، إلا أن قلق شريكيه (في مسار آستانة) من التحركات الأميركية في المنطقة، وحاجتهما الى التوافق مع تركيا لترتيبات ما بعد الانسحاب الأميركي من سوريا، أعطته القدرة على ابتزازهما في موضوع ما سماه أردوغان "الارهاب".
شدد كل من الأطراف الثلاثة على موضوع الارهاب، وأكد كل من بوتين وروحاني ضرورة التخلص من البؤرة الارهابية في إدلب وتسليم المناطق المحررة الى الدولة السورية، إلا أن أردوغان "تشاطر" في موضوع الارهاب أيضًا، وأكد ضرورة التخلص من القوى الارهابية، وقد عنى بالتحديد، القوى الكردية وليس جبهة النصرة كما نظيريه... وهكذا استطاع أردوغان أن ينتزع من بوتين موافقته على التصنيف التركي للارهاب، حين اعتبر بوتين "إن اتفاقية عام 1998 بين دمشق وأنقرة حول مكافحة الإرهاب وضمان الحدود الجنوبية لتركيا لا تزال قائمة، مشيرًا إلى أنها قد تساعد في ضمان أمن تركيا".
أما الولايات المتحدة الأميركية، فلها تعريفها للمجموعات الارهابية المختلف عن تعريف القوى الضامنة في أستانا أيضًا، فبالنسبة لترامب، يُحصر التواجد الارهابي في سوريا بمجموعات داعش، التي يتجه الاكراد للتخلص منها نهائيًا، ليعلن ترامب انتصارًا مدويًا على الارهاب يستثمره في انتخاباته القادمة.
وكما أردوغان، لم يتوانَ ترامب عن ابتزاز حلفائه الأوروبيين، فطالب ترامب كل " بريطانيا وفرنسا وألمانيا ودولا أوروبية أخرى بالسماح بعودة أكثر من 800 عنصر من داعش يحملون جنسيات أوروبية اعتقلوا في سوريا، وإلا سيُطلق سراحهم... ولفت إلى أن بلاده لا تريد أن تقف وتشاهد مقاتلي التنظيم المعتقلين في سوريا يتغلغلون في أوروبا التي من المتوقع أن يذهبوا إليها إذا أطلق سراحهم.
وهكذا يكون أردوغان قد استغل الهجمة الأميركية على كل من ايران ( في الشرق الأوسط) وروسيا ( في أوروبا الشرقية) واستفاد من قلق أوروبي من انسحاب الأميركيين من سوريا، ليحاول ابتزازهما، فبالرغم من عدم قدرته على انتزاع موافقة منهما حول المنطقة الأمنية التي يريد تكريسها شمالاً أو حول منبج، لكنه تمكّن - في المرحلة الراهنة على الأقل- من الحفاظ على بنود الاتفاق حول المنطقة العازلة في إدلب، وتمكن من تأجيل التخلص من البؤرة الارهابية هناك متذرعًا بالكارثة الإنسانية (لتحفيز الحكومات والرأي العام الأوروبي)...
وهكذا، تكشف لنا نتائج مؤتمر سوتشي أن الحلّ السوري ما زال مؤجلاً الى أن تتكشف مفاعيل انسحاب الأميركيين، ليبنى على الشيء مقتضاه.

2019/02/14

ظريف في لبنان: توسيع الفضاء الايراني؟

ضمن إطار محاولة الدول الاقليمية التأثير في محيطها الجغرافي، تنظر الدول الى الفضاء الذي يمكن لها التأثير فيه والذي يقسم الى نوعين: فضاء طبيعي، وفضاء مكتسب. بالنسبة للفضاء الطبيعي، تشكّل الثقاقة والدين والتاريخ والهوية دورًا هامًا في إنشائه، خاصة أن التفاعلات ضمن هذا الفضاء تبدو طبيعية ومنطقية ولا تثير أي حساسيات. أما الفضاء المكتسب فهو ما تحاول الدولة الاقليمية أن تصنعه وتكتسبه بواسطة المساعدات التنموية والإقتصادية والتعاون العسكري والاستراتيجي وغيرها... ولا شكّ أن علاقات الفضاء الأول هي أعمق وأثبت وأكثر صلابة من علاقات وتفاعلات الفضاء الثاني التي تحكمها المصلحة المشتركة والتي عادةً ما تكون متبدلة بتبدل الأحداث والظروف الدولية والاقليمية.
من ضمن ما تقدم، يمكن أن نرى أن لإيران فضاءً طبيعيًا في لبنان، حيث يمثل العامل الثقافي والديني بعدًا هامًا في العلاقة بين إيران والشعب اللبناني، تمتد عبر التاريخ الى العهد الصفوي حيث قام العديد من رجال الدين اللبنانيين بالهجرة الى إيران، ثم مجيء علماء الدين من إيران الى لبنان، والذين كان لهم تأثير كبير على الحياة الدينية والسياسية في لبنان، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، الإمام موسى الصدر الذي أسس "حركة المحرومين" قبل اختفائه.
أما من الناحية السياسية، فتذكر المصادر التاريخية أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تعود إلى عام 1912 وهو تاريخ انشاء أول قنصلية إيرانية في لبنان، والتي تحولت عام 1927إلى قنصلية لكل من لبنان وسوريا وفلسطين وكان مركزها بيروت. وكانت إيران من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال لبنان عام 1943، وتوطدت تلك العلاقات في عهد الرئيس الراحل كميل شمعون بانضمام البلدين الى "حلف بغداد" وزيارة شاه ايران بيروت عام 1957.
بسقوط الشاه وقيام الثورة الاسلامية في إيران 1979، ثم نشوب الحرب العراقية الايرانية(1980- 1988)،  والاجتياح الاسرائيلي للبناني عام 1982، خرجت العلاقات اللبنانية الايرانية من إطارها الرسمي الوثيق الى إطار الفضاء الطبيعي، فأفتى "الخميني" بتشكيل مقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي، وقام الحرس الثوري الايراني بإنشاء مراكز في البقاع لتدريب عناصر لمقاومة اسرائيل، فتأسس "حزب الله".
وبالرغم من تطور العلاقات بين لبنان وايران خاصة بعد حرب تموز 2006، إلا أن العلاقة الايرانية مع فضائها الطبيعي في لبنان بقيت أكبر حجمًا وشأنًا من علاقاتها مع الدولة اللبنانية، بالرغم من زيارة الرئيس محمود أحمدي نجاد ومحاولات الايرانيين عرض المساعدات الاقتصادية والعسكرية على اللبنانيين كافة.
وكان لافتًا هذا الاسبوع وخلال زيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الى لبنان، تركيزه على العلاقات بين "دولتين"، ومحاولة تقديم المساعدات للبنان- الدولة، أي محاولة الانتقال بالعلاقات من الفضاء الطبيعي الأضيق الى فضاء مكتسب أكبر، قوامه دولة لبنان.
يحتاج اللبنانيون اليوم الى للمساعدة الايرانية في ملفات عدّة خاصة في مجالات تنمية البنى التحتية، والاقتصاد والمساعدة على عودة السوريين الى بلادهم وغيرها... لكن، بالرغم من أن هذه المساعدة قد تحقق مزيدًا من التعاون بين البلدين مستفيدين من الآلية التي أنشأها الأوروبيون للتعامل التجاري مع ايران، فإن هذا لا يعني أن لبنان بأكمله بات "فضاءً إيرانيًا" كما يحاول البعض توصيف هذه الزيارة، للتحريض على اللبنانيين في الخارج وخاصة في الولايات المتحدة، ولمطالبتها بفرض عقوبات على اللبنانيين والإحجام عن مساعدته ومساعدة الجيش اللبناني.
إن قبول لبنان بالمساعدة الايرانية، محكوم بالتوافقات الداخلية، وبالصراع في المنطقة، وبالرغم من حاجة لبنان للمساعدات، إلا أن من مصلحة لبنان وإيران معًا، أن يبقي لبنان على التوازن في علاقاته بين المحاور المتصارعة في المنطقة، ومن مصلحة اللبنانيين جميعًا، الحفاظ على علاقات جيدة مع كل من العرب وإيران، لأن أي انحياز الى هذا المحور أو ذاك، قد يدفع الى استيراد مشاكل الخارج الى الداخل اللبناني، ونحن بغنى عن ذلك.

2019/02/11

قضية خاشقجي: هل تلف الحبل حول رقبة ترامب؟ ليلى نقولا

تفاعلت قضية خاشقجي مجددًا في الولايات المتحدة نتيجة أمور عدّة:
-  أولاً انتهاء المهلة التي أعطاها الكونغرس لإدارة ترامب للرد حول القضية، وللتحرك لمحاسبة المتورطين في قتل خاشقجي بموجب قانون "ماغنيتسكي"، وقيام ترامب بتجاهل المهلة، وادعاء الديمقراطيين ان ترامب يخرق القانون بتجاهله الكونغرس وازدرائه.
- ثانيًا، قيام أثرى رجل في العالم ومالك صحيفة واشنطن بوست "جيف بيزوس" باتهام السعودية بأنها وراء عملية ابتزاز تعرّض لها، من قبل صحيفة "ناشونال انكويرر" وكشف رسائل نصية بينه وبين عشيقته، الأمر الذي أدى إلى طلاقه من زوجته، وذلك بسبب تغطية "واشنطن بوست" لقضية خاشقجي.
ثالثًا، نشر صحيفة "وول ستريت جورنال" تفاصيل تقرير سري بشأن رسائل "واتساب" زعمت أن الأمير محمد بن سلمان تبادلها مع سعود القحطاني، في اليوم الذي قُتل فيه جمال خاشقجي، واعتبرتها دليل على قيام بن سلمان بإعطاء الأوامر لقتل خاشقجي.
رابعًا، تصريحات محققة الأمم المتحدة "أغنيس كالامار" في مقتل خاشقجي بأن فريقها اطلع على بعض "المواد الصوتية المروعة" التي حصلت عليها من وكالة المخابرات التركية، وإن لديها بواعث قلق شديد حول نزاهة إجراءات محاكمة 11 شخص في السعودية متورطين بالجريمة. وكشفت في بيان رسمي إلى أن الأدلة تظهر أن خاشقجي كان "ضحية قتل وحشي ومتعمد خطط له ونفذه مسؤولون بالدولة السعودية"...
وبناءً عليه، تصاعدت الحملة الاعلامية والسياسية مجددًا في الولايات المتحدة ضد الرئيس الأميركي دونالد ترامب متهمة إياه بتغطية قتلة خاشقجي، فهل يستطيع ترامب الافلات من هذه القضية هذه المرة؟
يعدّ قانون "ماغنتيسكي" من القوانين الهامة في الولايات المتحدة، تمّ إقراره في الأصل عام 2012 لمحاسبة مسؤولين روس لعلاقتهم بوفاة محاسب الضرائب سيرغي ماغنيتسكي في سجنه في موسكو عام 2009، بعدما قدم شكوى بحق مسؤولين روس كبار لاختلاسهم الأموال العامة، فتمّ سجنه وتدهورت صحته وتوفي في السجن.
ثم توسع هذا القانون عام 2016، ليعطي الإدارة الأميركية القدرة على معاقبة مسؤولين حكوميين أجانب متورطين في انتهاكات حقوق الإنسان في أي مكان في العالم من خلال تجميد أصولهم وحظرهم من دخول الولايات المتحدة وقد تمتد العقوبات الى أكثر من ذلك.
لكن القانون هذا لا يعطي الحق للكونغرس بفرض وجهة نظره على الرئيس الذي يبقى يتمتع بصلاحيات دستورية هامة خاصة في ما يتعلق بالعلاقات الخارجية، إذ بموجب الدستور الأميركي لا يمكن للكونغرس أن يفرض قرارًا على الرئيس الأميركي إلا في حال حصولهذا القرار على موافقة أغلبية ثلثي الأصوات في المجلسين (الشيوخ والكونغرس) وهذا من المستبعد أن يحصل في قضية خاشقجي التي ستؤثر سلبًا على العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، والتي ستهدد بتوقف الاستثمارات السعودية في أميركا وتوقف صادرات الاسلحة، ما يعني القضاء على آلاف فرص العمل والوظائف في أميركا، وهو ما لن يقوم بتبنيه أي من الحزبين بشكل رسمي.
كما يبدو من خلال تهديدات وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، بأن اتهام ولي العهد هو "خط أحمر"، أن أي مناقشات أميركية سعودية حول تحميل ولي العهد المسؤولية واستبداله بشخص آخر، قد باءت بالفشل وأن السعوديين باتوا غير قادرين على تغيير ولي العهد بدون المسّ باستقرار المملكة في الداخل، وهو أمر لن يقبل به الأميركيون بسهولة، لأن ذلك سيقوّض قدرة الإدارة على احتواء إيران كما يمكن أن يقوّض استقرار الخليج برمّته.
في النتيجة، ستبقى قضية خاشقجي مرشحة للبقاء ضمن المزايدات الداخلية في أميركا، لكنها لن تتطور لتمسّ جوهر العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والمملكة، بغض النظر عن هوية الرئيس في البيت الأبيض.

2019/02/07

هل تصحّ المقارنة بين فنزويلا وسوريا؟

ليلى نقولا - الميادين
تتسارع التطورات في فنزويلا بشكل ينذر بحرب أهلية، يُخشى معها أن تبدأ باحتكاكات بين المتظاهرين المؤيدين والمعارضين لمادورو، أو أن يستغل طرف ثالث التشنج السياسي والاحتقان لاغتيال ما أو لافتعال حاثة أمنية كبيرة تكون شرارة الحرب الداخلية التي ستتطور بالتأكيد، لتتشابه في مقدماتها مع الحرب السورية.
وبالرغم من عدم تشابه المجتمع والثقافة بين سوريا وفنزويلا وغياب البعد الطائفي والديني عن الازمة الفنزويلية، إلا أن التطورات والأخبار المتسارعة والتصريحات الدولية، تجعل من الصعب عدم الانجرار الى المقارنة بين الازمتين، ونختار منها ما يلي على سبيل المثال لا الحصر:
1- في التشابه:
- تنقسم الدول الكبرى الى معسكرين متشابهين في التعامل مع القضيتين، فالولايات المتحدة الأميركية ومعها الاتحاد الاوروبي دعمت في السابق المعارضة السورية واعتبرت الرئيس السوري فاقدًا للشرعية، وبنفس الطريقة تعترف اليوم برئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية، خوان غاييدو، الذي أعلن نفسه رئيسًا مؤقتًا مسقطة الشرعية عن الرئيس المنتخب نيكولاس مادورو. أما روسيا والصين فتدعمان في القضيتين ما تعتبران أنه يحافظ على القانون الدولي وسيادة الدول أي الرئيسان المنتخبان، وتبدوان غير معنيتان بالانتقادات الموجهة للانتخابات وديمقراطيتها.
وبالرغم من محاولة غوايدو مدّ يده للصين وإطلاق الوعود بالتعاون مع الصين في المرحلة اللاحقة (كونها اللاعب القادر على تأمين التمويل للتنمية في بلاده)، إلا أن الصين تبدو - لغاية الآن - متمسكة بمادورو، وذلك لأن الصين تخشى من المشاريع الغربية لتقويض سيادة الدول تحت إطار الديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، إذ يمكن لسابقة فنزويلا أن تتكرر في كل من التيبت واقليم شينجيانع حيث يمكن أن يستغل الغرب رغبة بعض المجموعات بالإنفصال عن السيادة الصينية لتشجيعهم ثم الاعتراف الدولي برئيس يخرج من بينهم ويعلن نفسه رئيسًا...
- اللافت في القضيتين، موقف كل من السلطة والمعارضة من قضية فلسطين، فبعض الوجوه في المعارضة السورية أعلنت مبكرًا أنها سترفع العلم الاسرائيلي في دمشق وزار بعضهم اسرائيل ودعاها للتدخل لإيصاله الى السلطة، بينما قامت المعارضة الفنزويلية بالفعل برفع العلم الاسرائيلي في كاراكاس، بينما يجاهر مادورو وقبله هيوغو تشافيز بدعمهم للقضية الفلسطينية.
2- في الاختلاف:
بالرغم من أن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، تبدو دائمًا الشرارة المسببة للأزمات والحروب، لكن خلف هذه الواجهة تبدو القضايا المجتمعية أعمق بكثير، وهنا تختلف القضية السورية عن الفنزويلية في الصراع الطبقي والعرقي الذي تجسده الأزمة الفنزويلية:
لعل التوصيف الذي يمكن أن يطلق على الانقسام المجتمعي في سوريا والذي أدّى الى تفاقم الازمة، هو أبعد ما يكون عن الصراع الطبقي التقليدي أي فقراء ضد رأسماليين وبرجوازيين، بل لقد كان الفقراء والطبقات الوسطى والرأسماليون والبرجوازيون ينقسمون أفقيًا على خط الموالاة والمعارضة، بينما برزت حدة الانقسام بين ريفي ومدني أكثر وضوحًا في التأييد للمعارضة والسلطة، فالقوى الطائفية التكفيرية وجدت بيئة حاضنة لها في الأرياف أكثر مما استطاعت التجنيد في المدن (مع بعض الاستثناءات المحدودة).
أما في البحث عن أسباب الأزمة في فنزويلا، فيبرز الصراع الطبقي كعامل رئيسي (فقراء - أغنياء)، ويُبرز بعض الباحثين في الشأن الفنزويللي العنصرية والعرق (أبيض - أفريقي) كأحد أبرز القضايا المسببة للأزمات في فنزويلا منذ وصول هيوغو تشافيز الى السلطة. ويشير الباحثون الى أن الناظر إلى المستويات الاجتماعية الاقتصادية العليا للبلاد ، يرى إنها تميل إلى أن تكون أكثر بياضًا من المستويات الاجتماعية-الاقتصادية الدنيا.
وهنا تجدر الاشارة الى جذور هذه القضية، فخلال الاستعمار الاسباني لفنزويلا الذي بدأ أوائل القرن السادس عشر، تمّ جلب عشرات الآلاف من الأفارقة كعبيد، الى أن تمّ إلغاء الرقّ في فنزويلا عام 1854.

وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، شجّع الدكتاتور السابق ماركوس بيريز جيمينيز هجرة الأوروبيين والإيطاليين والبرتغاليين والألمان للمساعدة في تطوير البلاد كما زعم، وهي خطوة يقول الكاتب وينثروب رايت، مؤلف كتاب Café Con Leche ، "إنها  كانت خطوة متعمدة من أجل (تبييض) البلاد".
ولقد حاول دستور  فنزويلا عام 1999 التخفيف من هذا الأمر بتجريم العنصرية، وتمّ السماح للمواطنين في استفتاء عام 2011، بالتعريف عن أنفسهم بأنهم من أصل فنزويلي- أفريقي...  إلا أن العنصرية العرقية بقيت كالنار تحت الرماد. ولقد لفت تشافيز الى هذا الامر في إحدى المقابلات المتلفزة في 20 أيلول 2005، بقوله "الكراهية ضدي لها علاقة كبيرة بالعنصرية. بسبب فمي الكبير ، بسبب شعري المجعد. وأنا فخور جدًا بهذا الفم وهذا الشعر، لأنه أفريقي".