2019/02/25

الاوروبيون والعرب: الاستثمار مقابل "غوانتانامو" عربي؟



انعقدت القمة العربية الأوروبية في مدينة شرم الشيخ، تحت شعار "الاستثمار في الاستقرار"، وعلى جدول أعمالها العديد من القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية، ولكن قد يكون الأبرز الذي يهم الأوروبيون في حديثهم مع العالم العربي اليوم على الإطلاق قضيتي اللاجئين غير الشرعيين الذين ينتقلون من شمال أفريقيا الى أوروبا عبر البحر المتوسط، وإرهابيي داعش الأوروبيين المعتقلين في أراضي الشمال السوري، والتي يطالب ترامب الدول الأوروبية باستردادهم ومحاكمتهم وإلا سيطلق سراحهم.
بالنسبة للقضية الأولى، فإن ما ظهر من خلاف بين إيطاليا وفرنسا يبدو مجرد قمة رأس جبل الجليد. وقد بدأت الأزمة على خلفية اتهام نواب رئيس الوزراء الإيطالي، فرنسا بترسيخ الفقر في أفريقيا والتسبب في تدفق المهاجرين بأعداد كبيرة إلى أوروبا، وأن فرنسا تنتزع الثروات من أفريقيا بدلاً من مساعدة الدول على تطوير اقتصادها. وهكذا، يهم الاوروبيون حثّ الدول العربية على منع هؤلاء اللاجئين من ركوب المتوسط للوصول الى أوروبا.
أما القضية الأخطر، فهي استعادة مقاتلي داعش من الجنسيات الأوروبية، والتي وصفها بعض الباحثين الغربيين، بأن الاوروبيين يريدون تكريس سوريا كـ "غوانتانامو". وقد يُفهم القلق الأوروبي، إذ إن التطرف "القاعدي" ما زال يشكّل خطرًا ارهابيًا على مجمل القارة، وهناك تخوّف دائم من قيام "ذئاب منفردين" بأعمال إرهابية في أي وقت.
ولعل المغالطات التي يوردها الاعلام الغربي، هي مقاربة موضوع الارهاب في أوروبا من منظار اللجوء الذي حصل بعد الأزمة السورية، إذ أن البحث المعمق في الأمر، يشير الى أن الغالبية العظمى ممن يقومون بأعمال إرهابية هم من أبناء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين الى تلك الدول، وليسوا من اللاجئين الجدد.
وبدراسة التطرف الارهابي في أوروبا، يجد الباحثون أنه ينقسم الى فئتين:
1)  إرهابيون من أصول مهاجرة، أي أنهم أبناء الجاليات الاسلامية من الجيل الثاني والثالث، والذين تربوا داخل أسر مهاجرة لم تستطع الاندماج بشكل تام في المجتمعات الأوروبية، وورثوا عن أهاليهم الدين والعادات والتقاليد.
2) إرهابيون أوروبيون متحوّلون عن المسيحية للإسلام.
أما بدراسة أسباب التطرف، انقسم الباحثون الأوروبيون في تفسير تلك الظاهرة الى تيارات ثلاث:
- المقاربة النفسية، والتي تشير الى خلل نفسي أو خلل في التصورات الإدراكية التي تصوّر له العالم في عالمين لا يلتقيان، عالم الشر وعالم الخير، المؤمنون والكفار الخ...
- المقاربة الاجتماعية، والتي تشير الى التهميش الإجتماعي كمصدر من مصادر التطرف. الفقر والبطالة، وقلة فرص العمل، والتهميش الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، تدفع هؤلاء الى تقبّل الفكر الديني المتطرف كردّة فعل ثورية غاضبة على التهميش الذي يعانونه.
- المقاربة الثقافية والتي تشير الى صراع الهويات والانتماء. ويشير هؤلاء الى أن الجيل الثاني والثالث من أولاد المهاجرين، يشعرون بصعوبة الانتماء الى المجتمع الأصلي الذي ينتمي إليه الأهل بسبب عدم نشأتهم فيه، ولكنهم في نفس الوقت يشعرون بعدم الانتماء الى المجتمع الأوروبي بشكل تام... صراع الهويات هذا، بالإضافة الى عيش الشباب في مجتمعات مغلقة على نفسها، تودي بهم الى السعي لإيجاد بديل هوياتي أعمّ وأشمل، فيلجأون الى الدين باعتباره إطارًا ما فوق القومية يمكن أن ينضوي تحته الاوروبي والعربي والأفغاني الخ بدون تمييز بينهم. وإذا أضيفت البطالة والفقر وانخفاض المستوى التعليمي الى فقدان الهوية، فإن هذا يحفّز على الانضمام الى المنظمات الراديكالية.
وبرأيي، إن تحليل الظاهرة الارهابية الأوروبية، يجب أن يأخذ المقاربات الثلاث بعين الإعتبار، وأي حلٍ أوروبي لهذه الظاهرة يجب أن يبتكر حلولاً عملية لهذه المشاكل بدون إغفال أي واحدة منها.
وهكذا، يبدو أن الاشكالية التي تعود لتواجه الأوروبيين باستمرار، هي التطرف الراديكالي الذي لم يجد له الاوروبيون حلاً في السابق، ولا يبدو أن باستطاعتهم إيجاد حلٍ له في الوقت الحاضر. فبغض النظر عن إستعادة مقاتلي داعش الاوروبيين أو إبقاؤهم في سوريا تحت سيطرة أردوغان في الشمال السوري، تواجه المجتمعات الأوروبية، مشكلة التحفيز على التطرف سواء الاسلامي الجهادي، أو التطرف اليميني العنصري الذي ترتفع أسهمه بشكل كبير في أوروبا... وهما مشكلتان أوروبيتان يجب التحلي بشجاعة كبيرة لمواجهتهما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق