2011/10/27

هل تركت أميركا العراق؟.. ولمن؟

بإعلان الرئيس باراك أوباما نيته سحب جنوده من العراق بانتهاء السنة الحالية وعدم تمديد العمل بالاتفاقية الأمنية الموقعة بين البلدين في عهد الرئيس جورج بوش، يكون الرئيس الأميركي قد وفى بوعده للأميركيين خلال حملته الانتخابية السابقة، وأزال من أمامه موضوعاً إشكالياً يمكن أن يثار في وجهه ووجه حزبه في الانتخابات القادمة، من خلال اتهامه بعدم الايفاء بوعوده، كما يمكن له أن يطل على الناخبين معلناً تحقيق "انتصار تقشفي" يسهم في تخفيف الأعباء عن الاقتصاد الأميركي، بعد أن رجحت مصادر اقتصادية مستقلة أن كلفة إبقاء كل جندي أميركي في العراق توازي ما متوسطه مليون دولار في السنة.
واقعياً، لقد أتى احتلال أفغانستان والعراق من قبل الأميركيين لمصلحة إيران الاستراتيجية، فقد قضى الأميركيون على حكم طالبان الذي سمح بامتداد النفوذ الإيراني في آسيا الوسطى، كما أطاحوا بعدو إيران الشرس صدام حسين الذي أقام معها حرباً امتدت ثماني سنوات، وشكّل حاجزاً أمام امتداد النفوذ الإيراني في المنطقة.
واليوم بلا شك، سيؤدي الانسحاب الأميركي من العراق إلى تقوية النفوذ الإيراني في المنطقة ككل، وخصوصاً بعدما بدأت السعودية تظهر انكفاء واضحاً في سياستها الخارجية من خلال الملف السوري والتطورات العربية الأخرى، وقد يعود ذلك لحاجة المملكة إلى الالتفات للشأن الداخلي بسبب الخوف من انقسام داخل العائلة المالكة يحصل بعد وفاة الملك، قد يؤدي إلى تفتيت المملكة إمارات متنازعة يحكم كل منها أمير من الأمراء الفاعلين.
لكن القول بأن الانسحاب الأميركي "العسكري" من العراق هو دليل انهزام أميركي وخروج منكسر من المنطقة، يبدو مغالياً نوعاً ما، فالأميركيون لا يحتاجون إلى بضعة آلاف من العسكريين  لحفظ مصالحهم في العراق، فالنفوذ الأميركي السياسي مستمر من خلال حلفائهم في الحكومة العراقية ومجلس النواب، أما النفوذ الاقتصادي فتحققه الشركات النفطية وشركات إعادة الإعمار، ويبقى التأثير العسكري الذي يمكن أن يتم من خلال إبقاء قوة أميركية تحت ستار "مدني"، أو من خلال شركات الأمن الخاص التي تنتشر بكثافة في العراق، والتي يمكن لها أن تعمل من خلال القواعد العراقية، بالإضافة إلى المدربين الذين سيشرفون على تدريب وتجهيز الجيش العراقي، والذين سيكون لهم تأثير قوي على الجيش بطبيعة الحال.
علماً أن الاستراتيجية العسكرية التي يطبقها الأميركيون في العراق اليوم، هي تحقيق لما كان قد أعلن عنه روبرت غيتس في مقال له في فورين افيرز عندما تحدث "أن بناء قدرات الحلفاء الأمنية والعسكرية أولويات استراتيجية الأمن القومي الأميركي"، فالولايات المتحدة وبسبب تغير طبيعة التهديدات تحتاج إلى "تطوير قدرات الشركاء" ومساعدة الدول الأخرى على الدفاع عن أنفسها، وتدريب قواتها على القتال إلى جانب القوات الأميركية في عملية مشتركة على أرضها، إذا دعت الحاجة.
وهكذا تستعد إيران اليوم إلى ملء الفراغ الاستراتيجي الذي قد يخلّفه الانسحاب الأميركي، وتقارب طهران الملف العراقي من زاوية استراتيجية أساسية في سياستها الخارجية الشاملة لأسباب عدة، تتعلق بمعادلة توزع القوى والصراع في المنطقة، وخصوصاً بعد تطورات "الربيع العربي" وصعود التيارات الإسلامية، وما هو متوقع من وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في كل من مصر وتونس، بالإضافة إلى الضغوط الشديدة التي يتعرض لها الحليف السوري. لذا ستعمل على تقوية نفوذها في العراق ومحاولة الاستئثار بالحصة الأكبر من التأثير في السياسات العراقية.
أما الأهداف التي تريد إيران تحقيقها من سياستها التدخلية في العراق ومن نشر نفوذها في الشرق الأوسط، فتتجلى فيما يلي:
1-  استقرار النظام: تعاني إيران من محاولات مستمرة من الولايات المتحدة وغيرها من الدول لزعزعة استقرار النظام الإسلامي منذ الثورة الإسلامية عام 1979، وقد تزايدت هذه المحاولات خلال السنوات المنصرمة في ظل ما عرف باسم الثورة الخضراء والتي سبقت الثورات العربية. لذا تسعى إيران من خلال سياستها الخارجية وتجميع الأوراق الإقليمية تحقيق حد أدنى من الحصانة في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية والغرب، تجعل النظام الإيراني شبيه بوضع النظام الشيوعي في الصين، أي بعبارة أخرى، أن يكون مسموحاً انتقاد النظام الإيراني، ولكن ليس محاولة الإطاحة به.
2-  تكريس حقها في الاستفادة من مواردها الطبيعية: من الأهداف الاستراتيجية الكبرى بالنسبة لإيران هو ضمان سيطرتها على مواردها الطبيعية ومصادر الطاقة وتكريس حقها في الطاقة النووية السلمية، وتأمين التمويل والتكنولوجيا اللازمة لاستغلال مواردها والحفاظ على قدراتها. وتحاول إيران استغلال مواردها إلى أقصى حد بما يعود عليها بفائض مالي يسمح بالتخفيف من وطأة العقوبات عليها، كما تحاول أن تستخدم ما لديها من أدوات قوة ونفوذ في العراق كأوراق في سبيل ضمان سلامة مواردها ومصادر الطاقة لديها.
3-  تكريس دورها الإقليمي: تقوم إيران بتبني كل ما يلزم من أدوات القوة الإقليمية في العراق وسواه، التي تؤمن لها القدرة والنفوذ للتأثير على جميع مجريات الوضع الإقليمي، كما يهم طهران أن تستخدم كل ما يمكن لها من أدوات القوة هذه للتأثير على التطورات السياسية الإقليمية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بما يتفق مع مصالحها الاستراتيجية والإيديولوجية.
والنتيجة، إنه بعد الانسحاب الأميركي من العراق، ستعمل إيران على أن يبقى العراق موحداً ومستقراً مع سيطرة لحلفائها على السلطة، ومن البديهي أن تعد العدّة لسد الفراغ الاستراتيجي ومحاولة استخدام البوابة العراقية "الصديقة" لتعزيز نفوذها وتعزيز قدرة حلفائها، والحفاظ على النظام السوري قوياً متماسكاً متكئاً على تحالفه مع قوة إقليمية كبرى باتت على حدوده المباشرة الآن.

أستاذة مادة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية

2011/10/20

السوري المنتصر... لن يقدم تنازلات لـ"الأشقاء"

انتقلت المواجهة في سورية بين النظام السوري ومعارضيه من المسرح الداخلي المليء بالدماء، والخارجي الإعلامي والدبلوماسي الدولي إلى الإطار العربي الذي ناقش وعلى عجل في أروقة الجامعة العربية، إمكانية التدخل في الشؤون السورية، والضغط على النظام السوري ومحاولة تطويقه لتعديل مسار الأحداث في بلد يتبين يوماً بعد يوم، عدم القدرة على تغيير النظام فيه، ولا حتى "تعديل سلوكه" كما كان الأميركيون والغرب بشكل عام يطالبون.
وبالرغم من أن التدخل الخارجي في شؤون دولة مستقلة ذات سيادة بات أمراً مألوفاً في العلاقات الدولية، وبالرغم من ترحيب البعض بالمسعى العربي، إلا أن الجامعة العربية أو ما يسمى بالمقترح العربي للحل في سورية، والذي يسوّق وكأنه مبادرة إنقاذ "أخوية"، قد أتى متأخراً بعض الشيء، ولن يؤدي إلى أي تغيير في موازين القوى في سورية، أو إحراج الرئيس بشار الأسد، وذلك لأسباب عدة أهمها:
أولاً: يبدو واضحاً أن المسعى العربي أتى بعد أن استنفد الغرب آلياته ووجد نفسه محرجاً أو عاجزاً عن تغيير موازين القوى في سورية بالقوة. وهكذا يسعى العرب اليوم إلى الضغط على القيادة السورية التي ترى نفسها في وضع أفضل بكثير من الأشهر المنصرمة، فالنظام قد خرج منتصراً من معارك مصيرية عدة كادت تطيح به، أهمها:
-          حرب تقويض الاستقرار في الداخل والتي خرج منها النظام منتصراً بفعل تماسك جيشه وقوته وقدرته على فرض الأمن في فترة زمنية تعتبر قياسية نوعاً ما.
-         سقوط ورقة التهويل بـ"التدخل الأطلسي"، فبالرغم من كل التهويل بتدخل عسكري أطلسي تارة وتركي طوراً، عاد الجميع في الغرب للاعتراف بعدم إمكانية اللجوء إلى خيار التدخل العسكري المباشر في سورية، بسبب امتلاك النظام أوراقاً استراتيجية هامة تجعل من الصعب شن حرب أطلسية لاقتلاعه كما حصل في ليبيا.
-         المعركة الدبلوماسية في مجلس الأمن، والتي خرجت منها سورية أيضاً منتصرة بفعل الفيتو المشترك الصيني الروسي، وبروز الغرب بمظهر "العاجز" عن فرض عقوبات مؤلمة تطيح بالنظام السوري أو تجعل حياته قصيرة وصعبة.
لكل هذه الأسباب، يبدو من الحمق السياسي أن يُطالب النظام السوري بتقديم تنازلات لمعارضة خسرت أمامه جولات عدة، وحاولت استخدام الخارج لجذب تدخلات أجنبية عسكرية وسياسية واقتصادية في سورية، بذريعة "الحماية الدولية" وفشلت.
ثانياً: من الأساس، لا تبدو شخصية الرئيس السوري بشار الأسد، من النوع الذي يمكن أن يقبل الاستسلام بسهولة، أو من النوع المستعد للقيام بصفقات من تحت الطاولة، وقد برز ذلك من خلال مسار الأزمة السورية، والتي طالب الغرب فيها بداية بـ"تعديل سلوك النظام السوري"، وليس تغييره، والصفقة المقترحة كانت تفترض أن يتخلى النظام السوري عن تحالفه مع إيران، مقابل حفظ رأسه، لكن الضغوط الشديدة على الأسد ونظامه، عمّقت العلاقات بين الأسد وحلفائه بدل انهيارها.
وهنا قد يكون الغرب قد ساهم من حيث يدري أو لا يدري، ومن خلال ضغطه الشديد على الأسد، والدخول التركي كرأس حربة في هذه المشروع، بتقوية النفوذ الإيراني في المنطقة، وذلك من خلال سقوط شبه التوازن الذي أقامه النظام السوري في وقت سابق بين النفوذ الإيراني والنفوذ التركي في المنطقة، من خلال إدخال الأتراك إلى المنطقة من باب دمشق العريض. إذاً، ساهم الغرب بتعديل سلوك النظام السوري، ولكن في الاتجاه المعاكس أي باتجاه توثيق التحالف مع إيران والمقاومة، وهي معركة أخرى خسرها الغرب وسترتد سلباً عليه.
ثالثاً: يدرك النظام السوري تمام الإدراك، أن المهل المتوافرة أمام أعدائه لاستدراك فشلهم والتحضير لخطة بديلة للانقضاض عليه باتت تنفد. فالأشهر القليلة المقبلة مليئة بالتطورات والاستحقاقات الإقليمية، بدءاً بالعراق وأفغانستان والملف النووي الإيراني، وصولاً إلى دخول كثير من صقور الغرب في مرحلة التحضير للانتخابات الداخلية، فضلاً عن ضرورة إعادة تكوين السلطة في البلدان التي أُسقط رؤساؤها، والتي تعيش على فوهة بركان يُخشى انفجاره في أي لحظة.
رابعاً: لا يجد النظام السوري نفسه أمام معارضة قوية موحدة، تطالب بتغييره وتضع برنامجاً للحكم لتعرضه على الشعب السوري، بل مجموعة معارضات يخوّن بعضها البعض، وتتباين برامجها بين العلمانية وأقصى التطرف الديني، وبين رفض التدخل الأجنبي رفضاً مطلقاً واستجرار الأساطيل لاحتلال البلاد.. وهنا يجد نفسه أيضاً منتصراً بفعل تماسكه ووحدة صفه وتمسك شريحة كبيرة من الشعب السوري به، في مقابل خصوم وأعداء داخليين وخارجيين متبايني المنطلقات والأهداف والخطب والبرامج.
بنتيجة ما سبق، وانطلاقاً من معادلة جوهرية في العلوم السياسية، مفادها أن "القوي - المنتصر لا يحاور، وإن حاور فإنه لا يقدم التنازلات"، يمكن القول إن العرب تأخروا في محاولتهم دفع النظام السوري إلى محاورة خصومه من المعارضة الخارجية. فعندما يدرس النظام السوري وضعه المستجد بعد كل هذه المعارك التي خاضها، يجد نفسه وقد خرج منتصراً على الرغم  من جسده المدمّى. فالاقتصاد لم ينهار برغم العقوبات، والتدخل العسكري المباشر مستحيل، وطوق التخريب في الداخل حصر في بؤر صغيرة، والغرب فشل في استراتيجته المعدة لإسقاطه.. لذا نقول إن المبادرة العربية ستولد ميتة منذ الأساس، إذا كان هدفها الضغط على الرئيس السوري لتقديم تنازلات لمعارضة خارجية بدأت تخسر أوراقها، وفي مكان خارجي يمس بسيادة سورية كدولة قوية قادرة على إدارة شؤونها الداخلية.
كل ما يمكن أن يفعله العرب "الأشقاء" اليوم، وبحسب موازين القوى على الأرض، أن يباركوا الحوار الداخلي مع المعارضة والذي تقبل به السلطة السورية وتقوم به، للسير بإجراءات تعديل الدستور وإصلاح النظام واجتثاث الفساد، لأنه السبيل الوحيد لبناء سورية الجديدة بعد فشل جميع المشاريع التصادمية.
ليلى نقولا الرحباني
أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية

2011/10/15

مناقشة كتاب "آبيات شعر مفخخة" للكاتب آلان صفا


مداخلة ليلى نقولا الرحباني
الاونيسكو في 14 تشرين الاول 2011

عندما طلب مني الاستاذ آلان ان اناقش كتابه "آبيات شعر مفخخة"، لم أتردد بالرغم من أن اختصاصي الاكاديمي وهو علم السياسة، بعيد جدًا عن الشعر والعواطف ووجدانيات اللغة والادب.
لم أتردد لأني كنت قد تابعت العديد من قصائده وقرأتها عبر الفيسبوك، واعرف أن الكاتب وطني ملتزم، مؤمن بلبنان التعددي، جنوبي الهوى والانتماء، مقاوم للظلم ونصير للحق والمظلومين والمظلومات... وهي صفات أجد نفسي، عاجزة الا أن أحييها واقدرها في أي لبناني صميم، وخاصة انه مهاجر منذ سنين.
أما بالنسبة للكتاب:
لفتني هذا الجمع من الشخصيات الانسانية في كتاب شعري واحد، ولم أعرف إن كان الشاعر هو نفسه مجموع هذه الشخصيات، أو أنه يقول: ها هي الشخصيات الانسانية أمامك، فاختر ما تجده قريب لشخصك واقرأ، ولا تخشى انفجار الابيات، ففي الانفجار لذة الخروج عن المألوف وروعة طيران ذا علو منخفض، بحيث ترى الارض من فوق وتستمع بمناظرها كاشفًا عيوبها ومفاتنها، وقارئًا ما بين سطورها متعلمًا من تجربتي التي قد تكون سبقتك.
وقبل أن افند الشخصيات التي لمستها في الكتاب، اود أن اشير الى حقيقتين لم تغيبا عن الكتاب لحظة، ولم نشعر انهما فقدتا في أي سطر من سطور الابيات الشعرية، بجميع تلاوين القصائد وتنوعها وهما:
شخصية المواطن الاصيل – وشخصية المؤمن الحقّ.
الحقيقة الاولى وهي التعلق بلبنان ... بالفعل كان حب لبنان لافتًا في جميع ثنايا الكتاب، في قصائد الغزل وقصائد الانتصار والحديث عن المرأة، وفي ذاكرة الجنوبي الذي لا ينسى، وفي بركان الغضب الثائر على الظلم والغاضب على ممارسات عدو لا تنتهِ ولا يعرف الا لغة الحقد والموت والدمار.
الحقيقة الثانية: المؤمن الفعلي بالله... المؤمن الذي لا يحتاج نصوصًا معلبة، ولا يؤمن بأن رجال الدين وسيط بيننا وبين الله... يُظهر إيمان بالله من كل قلبه وكل روحه وكل وجدانه.. وهو يعلم أن حب الله هذا، قد لا يدركه كثيرون ممن علّبوا انفسهم وأرواحهم في خدمة نصوص جامدة أنستهم وجه الله الحقيقي وأبعدتهم عن قلبه.
وهنا أنتقل الى الشخصيات الاخرى التي تنقلت بين القصائد:
1-    الشخصية الاولى: الابن المحب الوفي لأم ناضلت وعانت في مجتمع ذكوري ظلمها، كما ظلم الكثير من بنات جنسها.. ابن، وجد في عذاب نساء الارض، مثيلات لأمه، فاختار الطريق الاصعب وهنا يقول:
تركتيلي يا أمي عاطفي لاعطيها لكل بنت محرومه من العاطفه
تركتيلي يا أمي ضو تا ضوي عا كل بنت مظلومه
تركتيلي يا أمي دوا اسمو الحنان تا أعطيه لكل واحد ناقصو حنان
صعب كثير هذا الالتزام يا آلان!!!! وهذا التفاني في خدمة بشرية لا تعرف الا الحقد والطمع ولا تحترم الا القوة، وعادة ما تعتبر الحنان ضعفًا، فتقوم بسحق الضعفاء.
ثم تتبلور شخصية الابن الذي شاهد عذاب أمه في القصائد التالية، فيصبح نصير المرأة وسندها، يجعل من الدفاع عن المرأة وحقوقها قضيته، ويعتبر مساعدة المظلومات من باب عبادة الله...
وهنا، لا يكتفي الكاتب بالدفاع عن المرأة فقط، بل يجتهد لتعليم الرجل كيف يخاطب امرأته، وكيف يتعامل معها، وكيف يكسب رضاها.. الى ان يصل في قضيته المبدأية الى الذروة بقوله: أقصر طريق يوصلك إلى الله هو معرفة المرأة.
2-    الشخصية الثانية: نسر شامخ حر، مرفوع الهامة
لفتتني مجموعة من القصائد تشير الى نسر يحلق في رحاب الحرية، حدوده سماء ملؤها العنفوان والكرامة والشجاعة والثقة بالنفس، مبيته قمم جبال صنين البيضاء الشامخة، يخاطب امرأة تحلق الى جانبه ( ليست تحت، ولا وراءه)... وتطير معه في سماء لا تبدو قريبة الى هذا العالم، هو عالم خاص لا يدركه الا ارتفاع هامات شامخة، ويعجز عن إدراكه حقد بشري من هنا، ودناءة انسانية من هناك...
والملفت هنا، ان شخصية "المتفاني في حب الناس والمليء بالحنان"، لم تغادر النصوص مع بروز شخصية النسر، فلم نجده يتحدث عن انقضاض على طريدة، ولم نقرأ أنه نشب أظافره في عنق غزال، ولم تحدث معركة طاحنة في السماء أو على قمم الجبال... بقي النسر في كل النصوص مترفعًا محلقًا، يحمل من يريد أن يتعلق به، فيحضنه بحنان ويطير به فيرفعه عن الارض الى سماء الحرية والانتصار.

3-    الشخصية الثالثة: العاشق المتفاني الى درجة إلغاء الذات
ظهرت في القصائد الشعرية الغزلية الغرامية، نفحة قوية من التفاني التي جعلت العاشق يبالغ نسبيًا في اظهار الحب والتفاني للمحبوبة الى درجة الغاء الذات.
هنا في قصائد العشق والغزل، وعندما اصبحت المرأة عاشقة وتيقنت من حب الرجل لها وخضوعه، تبدلت صورة المرأة التي شهدناها سابقًا، فوجدنا نوعًا من السادية في تصرفاتها. فهي المتكبرة المتسلطة التي تسبب الالم والقهر، فتسجن، وتحطم وتسلخ جلد العاشق وتدمي شفاهه وتكتب بدمائه، وتجعله لا يعرف بيته، ويتمنى المنفى.. لكن، اللافت أن العاشق قانع ومتلذذ بساديتها، يطلب المزيد!!!!!!!!
وهنا السؤال الذي اوجهه للكاتب: هل بدّل الشاعر نظرته للمرأة وتخلى عن قضيته المبدأية؟ أو أنه أراد أن يقول لنا أنه يعرف أن ليس كل النساء مظلومات، وأراد أن يرسل درسًا تعليميًا آخر كما في القصائد المعنونة" لغة التواصل بين الرجال والنساء"؟ أو انه يقول ببساطة: يمكن للنسر أن يستريح وينزل عن عليائه وعنفوانه عندما يطرق الحب الجنوني بابه؟.
شكرًا استاذ صفا،على اتاحة الفرصة لي بأن أكون من مناقشي هذا الكتاب وهو يستحق بالفعل القراءة والتمتع  فلأول مرة في تاريحنا اللبنانيا لمليء بالحروب يكون هناك قنابل من ورود شعرية معطرة مليئة بالتفاؤل والامل وحب لبنان.


2011/10/13

استقالات المحكمة تتوالى.. فمتى دور بلمار؟

لم تكن استقالة القاضي أنطونيو كاسيزي عن منصبه لـ"أسباب صحية" مفاجئة لمتابعي عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، إذ يسُود أعمال المحكمة تلك الكثير من الغموض والشوائب والتسييس الواضح، ومخالفة القوانين وأعمال الفساد المفضوح، لدرجة أن الاستقالات تتوالى، وبشكل متسارع في جميع أطقم المحكمة الإعلامية والقانونية.
يدرك المطلعين على قضايا العدالة الجنائية الدولية، أن رئيس المحكمة القاضي أنطونيو كاسيزي يملك تاريخاً طويلاً من التعامل مع تلك القضايا، وله العديد من المؤلفات التي تجعله عَلماً من أعلام القانون الدولي الجنائي المحترمين، بالرغم من الشوائب والاجتهادات الفضفاضة التي اعتمدت خلال عمله في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا، ومنها التوسع في المسؤولية الجنائية الفردية، كما التوسع في مسؤولية الرئيس والمرؤوس، بشكل يجعل سيف العدالة مسلطاً على رؤوس الجميع بدون استثناء وبدون أدلة جنائية دامغة، وأحياناً عوقب بعض المتهمين استناداً إلى "تصور نية جرمية".
وبالرغم من ذلك ومن تاريخه الطويل وتعامله مع العدالة الدولية وآلياتها وانتقائيتها، لكن على ما يبدو من الاستقالة الحالية لكاسيزي، أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قد فاقت كل المحاكم الدولية الأخرى، سوءاً وفساداً وهدراً للأموال، وعلى ما يبدو أنه لم يعد يستطيع التغطية على الارتكابات التي يقوم بها المدعي العام الكندي دانيال بلمار. علماً أنه من المفترض بالقاضي كاسيزي أن يكون معتاداً على فساد المدعين العامين، فهو قد شهد في محكمتي يوغسلافيا ورواندا الكثير من الأخطاء والتعسف وتزوير الإفادات واتهام الأبرياء وأعمال الفساد التي قامت بها المدعية العامة كارلا ديل بونتي في تلك المحاكم، والتي تمّ الادعاء عليها بأنها قامت بترهيب الشهود ورشوتهم، كما قامت بتزوير الأدلة أو استخدام شهود زور لدعم قراراتها الاتهامية.
وكانت المحكمة الخاصة بيوغسلافيا قد أنشأت في العام 2010 لجنة مستقلة لتقصي الحقائق من أجل التحقيق في الممارسات التي قامت بها ديل بونتي وفريقها في الادعاء العام خلال عملهم في محكمة يوغسلافيا، وذلك بعدما قام العديد من الشهود بالادعاء عليهم بجرم تزوير شهادات الشهود وترهيب أو ترغيب البعض الآخر منهم للإدلاء بإفادات كاذبة تؤدي إلى اتهام أحد قادة الصرب "سيسيلاف" بارتكاب جرائم حرب في البوسنة.
ولا يبدو أن بلمار يختلف كثيراً عن نظيرته ديل بونتي، بل تبدو ممارساته قد فاقتها لدرجة أن خلافاته مع زملائه في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بدأت تقوّض المحكمة من الداخل، وقد افتتحت باستقالة رئيس قلم المحكمة البريطاني روبن فنسنت عام 2009 على خلفية إصرار بلمار على رفع ميزانية فريق التحقيق، وتخصيص مكتب للتواصل الخارجي يتبع له حصرياً، وبسبب الممارسات التي لا تتناسب مع  معايير العدالة الدولية. ثم طفا إلى السطح  الخلاف بين بلمار وقاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين، في قضية جميل السيد حيث رفض  بلمار الإجابة عن أسئلة القاضي فرانسين، ومن ثمّ الطعن بقراراته بشأن تسليم اللواء جميل السيد مستندات ليلاحق المسؤولين عن الاعتقال التعسّفي، ناهيك عن الاستقالات المتتالية والغامضة والمتسارعة لكل من: الناطقة باسم المحكمة، الفلسطينية سوزان خان في شهر آب 2009، ورئيس قسم التحقيق في مكتب بيلمار الأوسترالي من أصل مصري نيك كالداس في شهر كانون الثاني 2010، ورئيس قلم المحكمة المحامي الأميركي ديفيد تولبرت في شهر كانون الثاني 2010، والناطقة الرسمية باسم بيلمار التونسية راضية عاشوري في شهر أيّار 2010، والمساعد القانوني للمدعي العام بيلمار مواطنه برنار كوتيه في شهر حزيران 2010، والناطقة الرسمية باسم بيلمار، اللبنانية هنرييتا أسود في شهر أيلول 2010، والناطقة باسم المحكمة اللبنانية فاطمة العيساوي في شهر كانون الأوّل 2010.
إذاً، لا يبدو العمل مع بلمار سهلاً، ولا يبدو أن أحداً من المستقيلين المذكورة أسماءهم في الصحف، مستعد للتغطية على أفعال بلمار وارتكاباته. ولا يبدو أن القاضي كاسيزي مستعد للتضحية بتاريخ طويل من عمل القضاء الجنائي الدولي، وسجل أكاديمي حافل ومميز من أجل التغطية على التسييس الفاضح والتعسف الذي تقوم عليه المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وهي محكمة بدأت أعمالها استناداً إلى عمل لجنة تحقيق دولية يرأسها ديتليف مبليس المتهم في بلاده بالرشوة والفساد، وأرست دعائمها على آليات قانونية مطعون بقانونيتها، وتشير استطلاعات الرأي المختلفة أن غالبية الشعب اللبناني تطعن بشرعيتها ومصداقيتها وتشكك في قدرتها على إحقاق العدالة.
استقال رئيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان "لأسباب صحية" كما قيل، ولكن كما بات واضحاً من مسيرتها أنها أداة لتفتيت لبنان وإفقاره وخلق فتنة مذهبية بين طوائفه. واللافت أنه بالرغم من كل روائح الفساد المنبعثة من هذه المحكمة، والتي تتكشف يوماً بعد يوم أنها مؤامرة على شعب لبنان ومقاومته، فإن رئيسي الحكومة والجمهورية اللبنانيين ما زالا يعلنان رغبتهما والتزامهما بتمويلها من أموال الشعب اللبناني، في ظاهرة تدل على استهتار بالمال العام، والرغبة في كسب رضى الدول الكبرى على حساب المواطن اللبناني وأمواله وأموال دافعي الضرائب من اللبنانيين الذين - وكما يتضح من الخطط الاقتصادية العلاجية التي يتقدم بها وزير العمل اللبناني شربل نحاس - أن دافعي الضرائب الأكبر هم الفقراء ومتوسطو الدخل، بينما يتنعم الأغنياء بجنة ضريبية لبنانية تزيد الهوة بين الفقراء والأغنياء، في بلد لا يتأمن فيه الحد الأدنى من مقومات الأمن الاقتصادي والاجتماعي، لمواطن مطلوب منه اليوم تمويل مؤامرة دولية تهدف إلى قتله وتجويعه، بذريعة "العدالة".
ليلى نقولا الرحباني
  • · أستاذة مادة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية

2011/10/06

اغتيال ابن المفتي... بداية الصراع وليس نهايته

 لم تكن حادثة اغتيال ابن مفتي الجمهورية السورية، حادثة منفصلة عما تعيشه سورية منذ بداية الانتفاضة الشعبية فيها للمطالبة بالإصلاح، والتي سرعان ما تحولت إلى حركة مسلحة تضرب الجيش السوري، وتخرب منشآت الدولة، وتحاول أن تسيطر على بعض المناطق للانفصال عن الدولة الأم، تمهيداً لخلق ما يشبه سيناريو ليبي لتدمير سورية، بعدما تعذر على المحتجين الدفع نحو سيناريو شبيه بالسيناريو المصري، وذلك بسبب وحدة الجيش السوري وعقائديته، والتفاف غالبية الشعب السوري حول قيادته، وعدم إمكانية تحفيز مختلف الطبقات الاجتماعية الاقتصادية للانخراط في حركة تغيير النظام؛ كما حصل في مصر.
تبدو حادثة الاغتيال التي أودت بحياة الابن الأصغر للمفتي حسون مهمة، للفت النظر إلى ظاهرة الإرهاب الخطيرة التي تضرب سورية اليوم، والتي تنتشر كالأخطبوط في العالم، حيث يقوم الإرهابيون بترويع الآمنين والأبرياء وقتل المفكرين والأكاديميين والعلماء؛ تماماً كما حصل سابقاً في العراق ويحصل اليوم في سورية.
إن التاريخ الفعلي لعبارة "الإرهاب" بمفهومها السياسي لا يتعدى نهاية القرن الثامن عشر، حيث عُرفت أولاً إبان الثورة الفرنسية، وبالضبط ابتداء من عام 1794، حيث بدأت تستعمل في سياق سياسي بحت. وقد اكتسبت هذه العبارة مضموناً فكرياً سياسياً تاريخياً على عدة مراحل، ففي المرحلة الأولى من تطورها، لم تكن هذه العبارة تدل على أي معنى سياسي، بل كانت تتضمن معنى سيكولوجياً بحتاً دالاً على ما معناه حالة "الترويع"، ثم ما لبثت أن بدأت تأخذ بعض الملامح السياسية في استعمالها، ولو بشكل خجول، أما المرحلة الثالثة التي جاءت نتيجة تطور تاريخي في الفكر والاجتماع والسياسة، فبرز فيها المعنى السياسي بشكل واضح وجلي، بحيث باتت أي محاولة لتعريف الإرهاب أكاديمياً تتضمن محاولة الإقدام على ترويع المدنيين والأبرياء، وقتلهم لخدمة أهداف سياسية بالضرورة.
وتطلق صفة الإرهاب في عصرنا الحاضر على كثير من الجرائم الواقعة ضمن إطار الحق العام، وعلى أعمال العنف المختلفة التي يقوم بها الأفراد، كمحاولات الاغتيال التي يتعرض لها أشخاص لهم صفة سياسية أو معنوية أو أناس عاديون أبرياء، وعلى أعمال التخريب التي تتعرض لها الممتلكات الخاصة أو العامة، وتطلق أيضاً كلمة "إرهابي" أو "إرهابيون" على الأشخاص والمجموعات السياسية، والأقليات الإثنية التي تضرب من تعتبره عدواً لها، بشكل دموي رهيب. وعلى الرغم من عدم وجود توافق عالمي حول تعريف الإرهاب، إلا أن المعاهدة الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب، حددته بـ"كل فعل من شأنه التسبب بالموت أو بأي ضرر جسدي خطير يطال المدنيين، أو أي أشخاص آخرين لا يشاركون مباشرة في النزاع في حال المواجهة المسلحة، وذلك عندما يهدف هذا الفعل، إلى ترويع السكان أو إرغام الحكومات أو المنظمات الدولية على القيام أو الامتناع عن القيام بأعمال معينة"، ويمكن اعتبار هذه الصيغة، أول مشروع لتعريف الإرهاب على صعيد عالمي.
واللافت اليوم، وفي خضم الحديث عن صراع حضاري ثقافي بين الشرق والغرب، أو ما يسوّق له في الغرب من مفاهيم ثقافية حوّلت الحضارة الغربية من حضارة ذات أصول يونانية رومانية، كما كانت توصف حتى السبعينات من القرن الماضي، إلى حضارة مسيحية - يهودية، مقابل ثقافة إسلامية عربية، واللافت أن الإرهابيين يقومون بخدمة مشروع صراع الحضارات لصالح الغرب، وذلك من خلال تزويرهم لكثير من العناصر الثقافية والدينية السمحة، والداعية إلى السلام والعدالة بين البشر، من خلال فتاوى "غب الطلب"؛ بقتل كل مخالف للرأي، واستباحة الحرمات وقتل المفكرين والعلماء، في ظاهرة خطيرة تؤشر إلى عمق الأزمة التي يعيشها هؤلاء مع الفكر والعلم، أو كل إمكانية تفكير أو تطور اجتماعي أو ثقافي أو علمي.
لقد أدخل الإرهابيون و"شيوخ التكفير" في عقول العامة مفاهيم تتبنّى رؤية إيديولوجية للعالم، تتسم بالانغلاق الفكري والجمود النفسي، منطلقين من اقتناع عميق بامتلاك الحقيقة المطلقة، وتكفير الأديان والمذاهب الأخرى، وعدم القبول أو التسامح مع أي رأي آخر مختلف، ورفض الحوار رفضاً مطلقاً، والسعي إلى تغيير الواقع بالقوة المسلحة، زاعمين أن لهم أهدافاً ترتبط بتحقيق مثل عليا صاغتها أفكار "أمراء" الجماعات الإرهابية، وهم في سبيل تحقيق هذه الأهداف يقتلون من المسلمين ما يفوق عدده من الأديان الأخرى.
بالفعل، لقد أدت حادثة اغتيال الشاب البريء ابن المفتي حسون، وما نقرأه من حقد وشماتة على صفحات الفيسبوك والمواقع الإلكترونية، إلى لفت النظر إلى ظاهرة لم يكن الإعلام والرأي العام يعي خطورتها، أو لعله اعتقد بمبالغة إعلامية رسمية سورية لحجم وانتشار الحركات الأصولية، وإعلان "الإمارات" في الداخل السوري، إلى أن أتت حادثة الاغتيال هذه لتضيء على الموضوع، وتدق ناقوس الخطر، لما يتهدد سورية والمنطقة في حال انتشار هذا النوع من الإرهاب الأصولي، وقدرته على زعزعة استقرار سورية.
وهكذا، تبدو منطقة الشرق الأوسط اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، مقبلة على صراع خطير، بين مفاهيم التعصب والانغلاق واستباحة القتل والتدمير، ومفاهيم العقل والانفتاح والتسامح الديني الذي لا يمكن للشرق أن يستمر بدونه، وفي هذا الصراع، تغدو مسؤولية العقلاء من المسلمين شيوخاً وفقهاء ومدنيين، أكبر للاستمرار في مكافحة الجهل والتكفير، وإبراز الوجه الحقيقي للإسلام كدين للسلام والتسامح ومحبة البشر وخدمتهم وهدايتهم إلى طريق الله الحق. الطريق طويل وشاق، وفيه الكثير من التضحيات والبذل، ولعل ما بذله الشيخ المفتي حسون باستشهاد ولده في هذا الصراع، هو بداية الغيث وليس نهايته.
ليلى نقولا الرحباني
  • · أستاذة مادة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية