2011/10/20

السوري المنتصر... لن يقدم تنازلات لـ"الأشقاء"

انتقلت المواجهة في سورية بين النظام السوري ومعارضيه من المسرح الداخلي المليء بالدماء، والخارجي الإعلامي والدبلوماسي الدولي إلى الإطار العربي الذي ناقش وعلى عجل في أروقة الجامعة العربية، إمكانية التدخل في الشؤون السورية، والضغط على النظام السوري ومحاولة تطويقه لتعديل مسار الأحداث في بلد يتبين يوماً بعد يوم، عدم القدرة على تغيير النظام فيه، ولا حتى "تعديل سلوكه" كما كان الأميركيون والغرب بشكل عام يطالبون.
وبالرغم من أن التدخل الخارجي في شؤون دولة مستقلة ذات سيادة بات أمراً مألوفاً في العلاقات الدولية، وبالرغم من ترحيب البعض بالمسعى العربي، إلا أن الجامعة العربية أو ما يسمى بالمقترح العربي للحل في سورية، والذي يسوّق وكأنه مبادرة إنقاذ "أخوية"، قد أتى متأخراً بعض الشيء، ولن يؤدي إلى أي تغيير في موازين القوى في سورية، أو إحراج الرئيس بشار الأسد، وذلك لأسباب عدة أهمها:
أولاً: يبدو واضحاً أن المسعى العربي أتى بعد أن استنفد الغرب آلياته ووجد نفسه محرجاً أو عاجزاً عن تغيير موازين القوى في سورية بالقوة. وهكذا يسعى العرب اليوم إلى الضغط على القيادة السورية التي ترى نفسها في وضع أفضل بكثير من الأشهر المنصرمة، فالنظام قد خرج منتصراً من معارك مصيرية عدة كادت تطيح به، أهمها:
-          حرب تقويض الاستقرار في الداخل والتي خرج منها النظام منتصراً بفعل تماسك جيشه وقوته وقدرته على فرض الأمن في فترة زمنية تعتبر قياسية نوعاً ما.
-         سقوط ورقة التهويل بـ"التدخل الأطلسي"، فبالرغم من كل التهويل بتدخل عسكري أطلسي تارة وتركي طوراً، عاد الجميع في الغرب للاعتراف بعدم إمكانية اللجوء إلى خيار التدخل العسكري المباشر في سورية، بسبب امتلاك النظام أوراقاً استراتيجية هامة تجعل من الصعب شن حرب أطلسية لاقتلاعه كما حصل في ليبيا.
-         المعركة الدبلوماسية في مجلس الأمن، والتي خرجت منها سورية أيضاً منتصرة بفعل الفيتو المشترك الصيني الروسي، وبروز الغرب بمظهر "العاجز" عن فرض عقوبات مؤلمة تطيح بالنظام السوري أو تجعل حياته قصيرة وصعبة.
لكل هذه الأسباب، يبدو من الحمق السياسي أن يُطالب النظام السوري بتقديم تنازلات لمعارضة خسرت أمامه جولات عدة، وحاولت استخدام الخارج لجذب تدخلات أجنبية عسكرية وسياسية واقتصادية في سورية، بذريعة "الحماية الدولية" وفشلت.
ثانياً: من الأساس، لا تبدو شخصية الرئيس السوري بشار الأسد، من النوع الذي يمكن أن يقبل الاستسلام بسهولة، أو من النوع المستعد للقيام بصفقات من تحت الطاولة، وقد برز ذلك من خلال مسار الأزمة السورية، والتي طالب الغرب فيها بداية بـ"تعديل سلوك النظام السوري"، وليس تغييره، والصفقة المقترحة كانت تفترض أن يتخلى النظام السوري عن تحالفه مع إيران، مقابل حفظ رأسه، لكن الضغوط الشديدة على الأسد ونظامه، عمّقت العلاقات بين الأسد وحلفائه بدل انهيارها.
وهنا قد يكون الغرب قد ساهم من حيث يدري أو لا يدري، ومن خلال ضغطه الشديد على الأسد، والدخول التركي كرأس حربة في هذه المشروع، بتقوية النفوذ الإيراني في المنطقة، وذلك من خلال سقوط شبه التوازن الذي أقامه النظام السوري في وقت سابق بين النفوذ الإيراني والنفوذ التركي في المنطقة، من خلال إدخال الأتراك إلى المنطقة من باب دمشق العريض. إذاً، ساهم الغرب بتعديل سلوك النظام السوري، ولكن في الاتجاه المعاكس أي باتجاه توثيق التحالف مع إيران والمقاومة، وهي معركة أخرى خسرها الغرب وسترتد سلباً عليه.
ثالثاً: يدرك النظام السوري تمام الإدراك، أن المهل المتوافرة أمام أعدائه لاستدراك فشلهم والتحضير لخطة بديلة للانقضاض عليه باتت تنفد. فالأشهر القليلة المقبلة مليئة بالتطورات والاستحقاقات الإقليمية، بدءاً بالعراق وأفغانستان والملف النووي الإيراني، وصولاً إلى دخول كثير من صقور الغرب في مرحلة التحضير للانتخابات الداخلية، فضلاً عن ضرورة إعادة تكوين السلطة في البلدان التي أُسقط رؤساؤها، والتي تعيش على فوهة بركان يُخشى انفجاره في أي لحظة.
رابعاً: لا يجد النظام السوري نفسه أمام معارضة قوية موحدة، تطالب بتغييره وتضع برنامجاً للحكم لتعرضه على الشعب السوري، بل مجموعة معارضات يخوّن بعضها البعض، وتتباين برامجها بين العلمانية وأقصى التطرف الديني، وبين رفض التدخل الأجنبي رفضاً مطلقاً واستجرار الأساطيل لاحتلال البلاد.. وهنا يجد نفسه أيضاً منتصراً بفعل تماسكه ووحدة صفه وتمسك شريحة كبيرة من الشعب السوري به، في مقابل خصوم وأعداء داخليين وخارجيين متبايني المنطلقات والأهداف والخطب والبرامج.
بنتيجة ما سبق، وانطلاقاً من معادلة جوهرية في العلوم السياسية، مفادها أن "القوي - المنتصر لا يحاور، وإن حاور فإنه لا يقدم التنازلات"، يمكن القول إن العرب تأخروا في محاولتهم دفع النظام السوري إلى محاورة خصومه من المعارضة الخارجية. فعندما يدرس النظام السوري وضعه المستجد بعد كل هذه المعارك التي خاضها، يجد نفسه وقد خرج منتصراً على الرغم  من جسده المدمّى. فالاقتصاد لم ينهار برغم العقوبات، والتدخل العسكري المباشر مستحيل، وطوق التخريب في الداخل حصر في بؤر صغيرة، والغرب فشل في استراتيجته المعدة لإسقاطه.. لذا نقول إن المبادرة العربية ستولد ميتة منذ الأساس، إذا كان هدفها الضغط على الرئيس السوري لتقديم تنازلات لمعارضة خارجية بدأت تخسر أوراقها، وفي مكان خارجي يمس بسيادة سورية كدولة قوية قادرة على إدارة شؤونها الداخلية.
كل ما يمكن أن يفعله العرب "الأشقاء" اليوم، وبحسب موازين القوى على الأرض، أن يباركوا الحوار الداخلي مع المعارضة والذي تقبل به السلطة السورية وتقوم به، للسير بإجراءات تعديل الدستور وإصلاح النظام واجتثاث الفساد، لأنه السبيل الوحيد لبناء سورية الجديدة بعد فشل جميع المشاريع التصادمية.
ليلى نقولا الرحباني
أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق