فجأة
، وبدون مقدمات، تمّ قطع الطرقات في لبنان وبدون تبنٍ واضح من أحد أو من قبل
"تنسيقيات" الثورة. وتشير التقارير الى أن قطع الطرقات بدأ في المناطق التي
لتيار المستقبل نفوذ فيها، وامتد الى المناطق الأخرى. وربط البعض هذا الأمر بجلسة مجلس
الأمن التي ستنعقد اليوم، بينما ربطها البعض بجولة الموفد البريطاني ريشارد مور اليوم
الى بيروت، وفي جعبته بعض الاقتراحات لتسوية الازمة الحاصلة، وجميعها لا يصبّ في مصلحة
الرئيس الحريري الذي ما زال يعلّي من سقف شروطه، وكأنه لا يدرك حجم التعقيدات التي
تطبع الساحة اللبنانية.
يشبه
الوضع في لبنان اليوم، الأزمات المفتعلة التي حاول بعض الخارج والداخل نقلها الى لبنان
تزامنًا مع الحرب السورية، فقد انقسم اللبنانيون ضمن محورين: جزء مع الدولة السورية
واستقرارها، والجزءالآخر أراد أن يكون من ضمن الحرب على سوريا، وجنّد نفسه في خدمة
مشروع "إسقاط الأسد"... كانت المشكلة حينها، كانت في انقسام المحور الخارجي
الأخير الى نظرتين في التعامل مع لبنان: جزء مع نقل المعركة الى الداخل اللبناني، وتصدّرت
هذا الخيار الدول الخليجية بشكل أساسي، بينما حرص الأميركيون والغربيون على إبقاء مظلة
فوق لبنان، تحرص على دعم الاستقرار وعدم انفلات الوضع الى مرحلة لا يمكن السيطرة عليه.
أما
اليوم، فنبدو أمام مشكلتين:
- الاولى تتجلى في
ممارسة الإدارة الأميركية الحالية سياسة "التصعيد ذا السقف الأعلى" في جميع
الملفات الدولية، وحتى في الصراع الداخلي في الولايات المتحدة. وقد رأينا مقدمات هذا
التصعيد في اختلاف رؤية الإدارة الأميركية للملف اللبناني عن الإدارات السابقة، فنرى
مثلاً أن الإدارات الأميركية السابقة - وبالرغم من كل المساعدات التي أعطتها للجيش
للبناني- لم تحاول الضغط على الجيش للوصول الى ما لا طاقة له على فعله، وأهمها التلويح
بتوكيله "نزع سلاح حزب الله" مقابل المساعدات العسكرية!.
- المشكلة الثانية،
تتجلى في توكيل الخليجيين بالموضوع اللبناني، والكلّ يعلم كيف حلّ هؤلاء مسألة اليمن
والمسائل الدولية الأخرى. واقعيًا، إن النظر
في الشروط التي يضعها الحريري لعودته الى السلطة تُظهر أن واضعها إما منفصل عن الواقع
اللبناني، أو يريد الذهاب الى خيار "لنا أو للنار" وهي الوصفة نفسها التي
استخدمها العاهل السعودي محمد بن سلمان في اليمن. وكلنا يذكر كيف تمّ تهديد لبنان بـ"
عاصفة حزم" أخرى خلال أزمة اختطاف الرئيس الحريري في السعودية، وإجباره على الاستقالة.
إن
أي عاقل يريد الوصول الى حلٍ سياسي للأزمة الراهنة، يدرك أن الاطراف الأخرى لن تقبل
شروط الحريري، بإعطائه "الحق الحصري" بتسمية الوزراء التكنوقراط جميعهم،
كما إعطاء حكومته ( أو مجلس إدارته) صلاحيات تشريعية استثنائية لتقوم "وحدها"
بدور المجلس النيابي والوزاري في آن!! على أن تكون أولى مهماتها وضع قانون انتخابي
جديد يمهد لانتخابات نيابية مبكرة (مفصلة على قياس المستقبل وحلفائه، بما أن القانون
القديم قد أطاح بغالبيتهم النيابية السابقة).
اليوم،
وبعد مرور ما يزيد على شهر من عمر الأزمة، يبدو أن الأوروبيين استدركوا خطورة تسليم
قيادة الملف اللبناني للسعودية وحلفائها الخليجيين، لذا يهرعون الى الإمساك به قبل
انفلات الوضع، فلبنان ليس اليمن، وإدخاله في
حرب أهلية ستنقلب على صانعيها حتمًا. يدرك الغربيون - خاصة الفرنسيين والبريطانيين-
أن الحفاظ على الاستقرار الهشّ، وتشارك النفوذ في لبنان مع قوى اقليمية، يبقى أفضل
من "الوصفات" التصعيدية، التي ستدفع الأطراف الداخلية المتضررة حتمًا الى
مقاومتها "مهما كلّف الأمر"، علمًا أن الرئيس الروسي ينتظر " الفرصة
الذهبية" التي ستسمح له بالدخول الى البوابة اللبنانية من الباب العريض كمنقذ
من "الفوضى المفتعلة أميركيًا " بحسب وصف السفير الروسي في لبنان.