2016/11/17

رسائل الشمال السوري الى ترامب


د. ليلى نقولا
يعيش الشمال السوري مرحلة مصيرية هامة، باعتبار أن الأشهر المقبلة التي تفصل الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب عن البيتالأبيض تشكّل أكثر من مسافة فاصلة بين عهدين في السياسة الأميركية، إذ أنها قد تكرّس - إن صدقت وعود ترامب الانتخابية - عهداً جديداً من التعاون بين الأميركيين والروس في سورية.

ويواجه الأميركيون مشاكل عدّة في الشمال السوري ينبغي حلّها في هذه الفترة الفاصلة، أهمها:

1-      السباق بين الأميركيين والروس على قلب موازين القوى الميدانية: يبدو من الواضح أن البنتاغون يسعى لتحقيق مكاسب عسكرية كاسرة للتوازن مع الروس وحلفائهم في سورية، خصوصاً في الشمال السوري، وذلك بعدما أفشل في وقت سابق اتفاق لافروف - كيري، وعطّل إمكانية عقد أي تفاهم بين وزارة الخارجية الأميركية والروس خلال الأشهر المتبقية من عهد أوباما.

في المقابل، يسعى الروس للحفاظ على تفوّقهم العسكري وقلب موازين القوى العسكرية لصالحهم، لفرض وجهة نظرهم على الإدارة الأميركية المقبلة، مع العلم أن المسار العسكري الروسي يقف إلى حد بعيد عند خطوط حمراء دولية لا يريد الروس أن يتجاوزوها، وهي الإبقاء على إطار للتعاون مع الأميركيين،وأن يصلوا في النهاية إلى أهدافهم السياسية برضى الولايات المتحدة وليس ضدها.

2-      الابتزاز التركي للأميركيين، من خلال الصراع بالوكالة، عبر المجموعات المسلحة السورية، بين الأميركيين والأتراك داخل الأراضي السورية؛ فالاقتتال بين الفصائل المنضوية في "درع الفرات" في مدينة "أعزاز" للسيطرة على المعابر، وإن لم يكن مفاجئاً في حصوله، لكنه هام في توقيته وأهدافه قبيل انطلاق الحملة التركية نحو مدينة "الباب" السورية. أما السبب المعلن لهذه المعارك فهو اتهام "أحرار الشام" (الموالية للأتراك) لبعض الفصائل الأخرى بالخيانة، من خلال تمرير السلاح والمعلومات لـ"وحدات حماية الشعب الكردية"، وهذا الاقتتال والسيطرة على المعبر يُعدّ انقلاباً على تفاهمات سابقة بين الأتراك والأميركيين بتسهيل مرور السلاح والعتاد إلى الفصائل المدعومة أميركياً، والتي تقاتل باسم "قوات سورية الديمقراطية".

وقد يكون الأتراك في هذه اللحظة قد استوعبوا أن الأميركيين محرَجين اليوم بين عهدين متناقضين، لذا يحاولون الضغط عليهم عسكرياً وابتزازهم من خلال معادلة: إما القبول بالاحتلال التركي لمدينة الباب ثم الرقة، وإلا تحريض الفصائل السورية على إخراج الأميركيين عسكرياً من الريف الشمالي لحلب بكاملها؛ تماماً كما فعل أردوغان مع الأوروبيين حين نجح في ابتزازهم من خلال الضغوطات الإنسانية وتدفُّق اللاجئين.

3-   الإحراج الأميركي بالتقاتل بين الحلفاء (الأتراك والأكراد)، والسباق المحموم لكل منهم نحو مدينة الباب الاستراتيجية لتحريرها، إذ يحتاج الأكراد للسيطرة على "الباب" لتحقيق التواصل الجغرافي بين كانتونَي "عفرين" و"عين العرب"، بينما تحقق تركيا من خلال الوصول إلى "الباب" والسيطرة عليها هدفين: الأول، منع الأكراد من تحقيق ربط جغرافي للإقليمين الكرديين اللذين تسيطر عليهما "وحدات الشعب الكردية"، أما الثاني فيكون في فرض الجيش التركي كمحرّر للرقة من "داعش"، ما يعني تحقيق المنطقة الآمنة التي لطالما نادى بها أردوغان، والتي تقدَّر مساحتهابنحو 5 آلاف كيلومتر.

وضمن هذا الصراع بين الحلفاء، لا يستطيع الأميركيون التخلّي عن "قوات سورية الديمقراطية"، التي أظهرت أنها قد تكون الحليف الأفضل للقتال البرّي، كما لا يستطيع الأميركيون أن يتخلوا عن الأكراد بالذات بعدما أقاموا قواعد عسكرية في مناطق الأكراد في الشمال الشرقي السوري، لكن في المقابل إن الأهمية الاستراتيجية لتركيا وقدرتها على الابتزاز وممارسة الضغوط من خلال تأثيرها على مسار الصراع برمّته في سورية، يجعل من الصعب تحدّيها بدون خسائر.

واقعياً، تُعدّ الأشهر الفاصلة بين انتهاء عهد أوباما وتسلّم دونالد ترامب مقاليد السلطة في الولايات المتحدة من الشهور الصعبة في سورية، فالجميع يسعى لأن يحجز له مكاناً مميَّزاً على طاولة المفاوضات، وأن يفرض وجهة نظره وتصوره للحلّ على الإدارة الأميركية الجديدة، والجميع ينطلق من فكرة أنه في حال سار قطار الحل السوري بقيادة أميركية - روسية، فمن الافضل أن يكون داخل القطار لا على سكة الحديد.

2016/11/10

ترامب رئيسًا.. ماذا عن الشرق الأوسط؟


د. ليلى نقولا
يعيش العرب والمسلمون قلقًا غير مسبوق بوصول دونالد ترامب الى السلطة في الولايات المتحدة الاميركية، بسبب تصريحات ترامب العنصرية تجاه المسلمين التي رافقت حملته الانتخابية والتي استاء منها الجميع وفضّلوا كلينتون التي عرفت بقدرتها على تدوير الزوايا أكثر.
وكما هومعروف دائمًا فإن خطاب المرشح يختلف عن خطاب الرئيس الذي يصبح رئيسًا مسؤولا عن شعب بكامله ولا يعود بحاجة للعب على الغرائز والعواطف لكسب الأصوات، لذا لن يكون هناك خوف على الأميركيين من أصول مسلمة الا لمن يثبت أنه يعيش بطريقة غير شرعية أو يقوم بأعمال غير مشروعة في الولايات المتحدة مثلهم مثل باقي المهاجرين غير الشرعيين الذين هددهم ترامب بمحاسبتهم وطردهم.
أما بالنسبة للشرق الاوسط، فيمكن التكهن بسياسة الولايات المتحدة في هذه المنطقة من خلال ما أعلنه ترامب عن سياسته الخارجية في وقت سابق خلال حملته، وبالاخص في ملفات ثلاث هي الاهم:
-الملف النووي الايراني: عارض ترامب الاتفاق النووي الايراني واعتبره مضرًا بالولايات المتحدة، وكسب بذلك تأييد اللوبي اليهودي في أميركا وتأييد نتنياهو أيضًا، ولكن تجدر الاشارة الى أن الاتفاق النووي الايراني هو اتفاق دولي صدر بموجبه قرار من مجلس الامن الدولي بموجب الفصل السابع أي انه ملزم لكافة الدول، كما يعني عدم قدرة الاميركيين على تعطيله، كل ما يمكن للأميركيين أن يقوموا به هو الضغط على شركاتهم لعدم الاستثمار في السوق الايراني، وهذا يضر بالشركات الأميركية بالدرجة الاولى، أو أن يقوموا بفرض عقوبات آحادية جديدة على ايران وهذا لن يؤثر كثيرًا على الايرانيين، لأن السوق العالمي مفتوح أمامهم.
-الموقف من الارهاب: تعتبر كلينتون أنه يمكن اعتماد "الصبر الاستراتيجي" مع الارهابيين في سبيل تحقيق مكاسب أكبر هي إعادة تشكيل الشرق الاوسط، والاطاحة بالنظام السوري و"منعه من قتل المدنيين" كما عبّرت هي في مناسبات عدة وكما عبرت المجموعات الموالية لها ضمن وزارة الخارجية الاميركية في رسالة اعتراضيةغير مسبوقة تمّ تسريبها الوسائل الاعلام لاحراج الرئيس الأميركي باراك اوباما.
بينما يعتبر ترامب ان كلينتون والادارة الاميركية هم من صنعوا الارهاب وقاموا بتكبيره الى أن أصبح وحشًا لا يمكن السيطرة عليه، لذا يجب القطع مع الممارسات السابقة ومحاسبة المسؤولين عن تمويل الارهاب من الدول الخليجية، والتي كما كشفت ويكليكس عن كلينتون"انها كانت تعرف ان الحكومات القطرية والسعودية نفسها هي من تموّل الارهاب، وليس بعض الافراد الاثرياء الخليجيين ولكنها غضت النظر وسهلت ذلك".
- الموقف من القضية السورية: أعلن ترامب صراحة أن أولويته القضاء على داعش وليس على الرئيس السوري بشار الاسد بعكس هيلاري كلينتون التي أعلنت أنها ستقطع مع سياسة اوباما المترددة، وستزيد من الدعم العسكري للمعارضة "المعتدلة" وخصوصاً الأكراد والمجموعات السنية كما أعلنت هي نفسها في تصريحاتها خلال الحملة، وقد ردّ ترامب خلال المناظرة التلفزيونية على كلينتون بقوله " من هم هؤلاء؟ أنت لا تعرفين من هي هذه المجموعات التي تريدين تسليحها، وهذا هو الخطأ نفسه الذي ارتكبتيه في السابق وساهم في نشوء داعش".
ويرى ترامب أن الحل في سوريا يجب ان يكون سياسيا بالتعاون مع الروس، وأن الأميركيين عليهم أن يتخلوا عن استراتيجية تغيير الأنظمة بالقوة.
انطلاقًا من كل ذلك، نجد أن القلق في منطقة الشرق الاوسط من وصول ترامب غير مبرر، بالعكس، فإن صَدَق ترامب في تنفيذ وعوده حول السياسة الخارجية في الشرق الاوسط، فقد يكون هذا الأمرمسهلاً للحل في سوريا،وقد نشهد حلاً للنزاع السوري في العام المقبل بالاتفاق بين الروس والاميركيين، لكن هذا التفاؤل قد يعرقله قدرة البنتاغون في هذه الفترة الفاصلة على قلب موازين القوى على الارض في سوريا، بحيث يصبح باستطاعته أن يفرض وجهة نظر مختلفة ضد روسيا على الرئيس الجديد. من هنا، فإن الأشهر الفاصلة بين 8 تشرين الثاني 2016 وشباط 2017، ستكون محفوفة بالمخاطر الميدانية في سوريا حيث سيعمد كل طرف الى محاولة قلب موازين القوى لصالحه، لكي يفرض وجهة نظره على الرئيس الأميركي الجديد.

2016/11/03

انتخابات الرئاسة: هل تكون 8 آذار الخاسر الأكبر؟

د. ليلى نقولا
وها قد انتهى الفراغ في سدة الرئاسة في لبنان، وبات العماد ميشال عون رئيساً للجمهوية اللبنانية، وكما في كل معركة انتخابية، سواء كانت رئاسية أو برلمانية أو غير ذلك، تنقسم الأطراف اللبنانية وتتحالف، وينتصر الأقوى شعبياً وتنظيمياً أو تحالفياً، ولا تنفصل معركة الرئاسة عن هذا المعايير.

ولعل المفارقة الأكثر غرابة في الانتخابات الرئاسية، هو تغيّر مسار الانقسام السياسي في البلد، فبعد أن اختلطت التحالفات السياسية بعد التفاهم الرباعي عام 2005 وتفاهم 6 شباط 2006 بين التيار الوطني الحر (القادم من تحالف 14 آذار)، وحزب الله (الركن الأساسي في قوى 8 آذار)، تعود الأمور اليوم لتختلط، فتقف قوى 8 آذار بمعظمها ضد وصول الرئيس ميشال عون إلى السلطة، بينما يُسجَّل الانتصار الفعلي لقوى أربعة على الساحة السياسية وهي: التيار الوطني الحر بوصول عماده، وحزب الله بإيصال مرشحه الأساسي والوحيد، والقوات اللبنانية التي رشّحت العماد عون ودعمته، والرئيس سعد الحريري، الذي سيعود إلى رئاسة الحكومة بعدما أُخرج منها سابقاً.

ومع الإشارة إلى أن الأزمة السياسية التي تضرب الكتل السياسية ليست وليدة اليوم، بل هي قد تآكلت خلال عقد كامل من الزمن، ثم أتت الانتخابات الرئاسية لتكشفها على حقيقتها، واقعياً، تشير المعركة الرئاسية الأخيرة إلى أن الخاسر الأكبر من تلك الانتخابات هي قوى 8 آذار، ليس لأن الرئيس الجديد ضدها، بل لأنها أصرّت على الوقوف في الموقع الخاسر، ولم تعرف كيف تقود معركة الرئاسة اللبنانية بحنكة وبراغماتية، وتبيّن أن مصالح كل طرف في تلك القوى أقوى من التحالف الذي ربطها ببعضها بعضاً منذ مظاهرة "شكراً سوريا" ولغاية اليوم، ولهذا مؤشرات عدّة، أهمّها:

1-   من المفترَض بقوى 8 آذار أنها تخوض معركة "وجودية" في سوريا، وأنها جزء لا يتجزَّأ من المعركة الدائرة في المنطقة، ومن المفترَض أيضاً أن وصول العماد عون يعني انتصاراً لهذه القوى، إذ يتحالف التيار الوطني الحر مع أهم مكوّن في هذه القوى ورافعتها (حزب الله)، لكن الواقع العملي يشير إلى أن "الرابط السوري" هو المعيار الوحيد الذي يجمع تلك القوى في إطار تحالف عريض، وأن العناوين اللبنانية لا تشكّل أي معيار يمكن التعويل عليه لبقاء هذا التحالف.

2-   بالرغم من إعلان بعض كتل 8 آذار النيابية عن رغبتهم بالتصويت للرئيس عون، لكن ذلك الإعلان يجب أن لايحجب فكرة أساسية، وهي أنهم أيدوا العماد عون بعد انسحاب فرنجية، وبعدما أعلنت الكتل الكبرى الأخرى دعمها للتسوية الرئاسية، وباتت المعركة محسومة لصالح العماد عون، ما يعني أنهم بالسياسة لم يساهموا فعلياً في المعركة الرئاسية، وأتى إعلانهم استلحاقياً لا يمكن صرفه إلا في احتساب الأصوات فحسب.

3-   بالنسبة للرئيس نبيه برّي، وبالرغم من أنه كان واضحاً بقوله إن مشكلته مع الرئيس سعد الحريري الذي خانه بعد الاتفاق بينهما على التنسيق في ملف الرئاسة، ولم ينسّق معه في إعلان ترشيحه للعماد عون، تتركّز حملات الجمهور السلبية على الرئيس عون وتياره، وتحيّد الحريري.

4-   بالرغم من أن الموقف من القضايا الجوهرية المشتركة، كالموقف من المقاومة والصراع مع "إسرائيل"، والموقف من القضية السورية، والإرهاب وغيرها، تجمع العونيين مع تلك القوى، إلا أن شعارات التخوين المتفلتة بدون ضوابط، والاتهامات بالعمالة، والتي ينشرها جمهور من 8 آذار بمجمله (من غير جمهور حزب الله)، تشير إلى أن هوّة سحيقة باتت تفصل جمهور التيار الوطني الحر عن تلك الجماهير، وإن استمرت تلك الحملات فقد تقوم بتدمير كل ما قام به العماد عون لوصل ما كان قد انقطع بين اللبنانيين خلال سنوات الوجود السوري في لبنان، خصوصاً بعدما مارست الوصاية السورية عبر عبد الحليم خدام وغازي كنعان وغيرهما، أشدّ أنواع التنكيل والتفرقة بين اللبنانيين، وبين اللبنانيين والسوريين.

يقول المثل الشعبي: "للنصر ألف أب، أما الهزيمة فيتيمة"، أما اليوم، فالنصر يبدو صافياً لأهله، ومن كان يمكنه الانخراط في الانتصار جعل نفسه خارجه دون أن يُخرجه أحد، وبهذا الموقف تعود بنا الذاكرة إلى الهدية - الانتصار الذي تحقق في تموز 2006، والذي أهداه السيد حسن نصرالله إلى جميع اللبنانيين، فقام بعض قوى 14 آذار برفضها وأصرّوا على الانهزام، واليوم تمارس بعض قوى 8 آذار نفس السياسة، بحيث تصرّ على الانهزام، بينما هي مدعوّة دائماً للاحتفال بالنصر، ولم تزل.