2018/01/18

سوريا 2018: حلّ سياسي وعودة اللاجئين؟


تشير المعلومات القادمة من الميدان السوري إلى تقدّم حثيث للجيش السوري وحلفائه في المناطق التي تسيطر عليها جبهة النصرة ومن يتحالف معها من المجموعات المسلحة التي رفضت الانخراط في الحل السياسي أو ما يُطلَق عليه إسم مسار أستانة. وهذا التقدّم والحسم الميداني، في ما لو استمر على هذا المنوال، يدفع إلى الاعتقاد أن عام 2018 قد يشهد تباشير الحل السياسي السوري.

وبدء مسار الحلّ السياسي الفعلي، يعني أن ملف النازحين السوريين سيكون على الأرجح موضوع تجاذب لبناني لبناني، أو لبناني دولي، إذ لطالما علت أصوات من هنا وهناك من المستفيدين من الأزمة السورية سياسياً ومالياً وعسكرياً، تربط حلّ موضوع النازحين السوريين بالحل النهائي الشامل للأزمة السورية، وكلنا يذكر الطرح الذي تضمّنه خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الأمم المتحدة والذي دعا فيه إلى توطين اللاجئين السوريين في دول الجوار السوري وفي أماكن لجوئهم، وهذا إن دلّ على شيء، إنما يدل على أن موضوع عودة اللاجئين المؤجّل اليوم، سيظهر إلى الواجهة من ضمن صراع المحاور المُتقاتِلة في المنطقة، مع بدء مسار الحل السياسي الفعلي.

إنسانياً وسياسياً وأمنياً، على الدولة اللبنانية الدفع لبتّ هذا الملف ما أن يتقدّم الحلّ السياسي في سوريا، إذ أن إبقاء اللاجئين مادة للسِجال والابتزاز السياسي، سيدفع إلى مزيد من المشاكل بين هؤلاء والمجتمعات المُضيفة، إذ يتمركز معظم النازحين في المناطق اللبنانية الأكثر فقراً كالبقاع وعكار، والتي تعاني أساساً من الفقر وندرة الموارد والبطالة وغياب الخدمات التنموية الأساسية.

ومؤخراً، نشرت الأمم المتحدة تقريراً يفيد بتردّي حال اللاجئين السوريين في لبنان الاقتصادية والاجتماعية، وأن أكثر من نصفهم (58%) يعيشون في فقر مُدقع، بينما يعيش أكثر من ثلاثة أرباعهم (75%) تحت خط الفقر، بزيادة 5% عن السنة السابقة. وهذه المؤشّرات بالإضافة إلى انعدام الأمن الغذائي والبطالة والظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها اللاجئون منذ سنوات، والتي ساهمت في تفشّي ظواهر الاتّجار بالبشر، وشبكات الجريمة والالتحاق بالإرهابيين وغيرها، تجعل من عودتهم الى بلادهم أمراً واجباً للحفاظ على كرامتهم ومستقبل أطفالهم.
وبحسب الصليب الأحمر الدولي، أعرب 80% من اللاجئين السوريين عن رغبتهم بالعودة إلى بلادهم إذا ما توافرت الظروف لذلك، ما يعني أن هناك أهدافاً تُرتجى من الضغوط السياسية والدولية التي تريد بقاءهم في لبنان ودول الجوار، ولعلّ أبرزها وأخطرها ما يلي:‏

- تفكيك وحدة نسيج المجتمع السوري، وإبقاء خطاب العنصرية والكراهية قائماً، وإبقاء الشرخ المجتمعي إلى ما لا نهاية لكي لا تستطيع سوريا استخدام خزّانها البشري الأساسي في النهوض مجدّداً.

- محاولة إبقاء النازحين في مواقعهم خارج سوريا للتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستجرى كنتيجة للاتفاق على الدستور والانتخابات التي سيفرزها الحل السياسي، وذلك من خلال الضغط عليهم سواء بالمساعدات أو بالإقامات أو غيرها. ‏

- محاولة الضغط على لبنان وعلى حزب الله لتقديم تنازلات، وفي هذا الإطار نذكر ما قاله أحد الكوادر في أحد الأحزاب التابعة لقوى 14 آذار، من أن النازحين السوريين يجب أن يبقوا في لبنان إلى أن تتم المُقايضة: السماح بعودتهم مقابل عودة حزب الله إلى لبنان‏.

- إعادة إنتاج أكثريات وأقليات طائفية معبّأة ومجيّشة طائفياً تنتشر على مساحة الوطن العربي، وتعاني من الفقر والتهميش، لكي تكون أرضاً خصبة للتطرّف والتجنيد من قِبَل جهات خارجية.

- إبقاء المخيمات العشوائية المنتشرة في لبنان بحيث يسهل الضغط على لبنان أمنياً واقتصادياً كلما احتاجت بعض الدول لذلك.

في المحصّلة، إن عام 2018 سيشهد بدء مسار الحل السياسي السوري، لكن لا حلّ يُرتجى ولا إعادة إعمار ونهوض حقيقية في ظل وجود خُمس السكان السوريين خارج منازلهم وأراضيهم، يعيشون ظروفاً معيشية صعبة، لذا على الدولة السورية، وما أن تنتهي من الملف العسكري ومكافحة الإرهاب، أن تجعل هذا الموضوع أولى أولوياتها، فتعقد المُصالحات وتعطي الضمانات وتقدّم المساعدات لعودة كريمة لمواطنيها إلى أراضيهم.


الشمال السوري: حان وقت المعارك المؤجلة؟


ليلى نقولا
اختلطت الأوراق مجدداً بعد إعلان التحالف الدولي نيّته تشكيل وتدريب قوة أمنية حدودية سورية جديدة بالتعاون مع "قوات سورية الديمقراطية"، تسمى"حرس الحدود"، على أن يكون قوامها 30 ألفًا. ومباشرة بعد ذلك، صرّح مصدر كردي رسمي قائلاً إن "تشكيل قوة عسكرية حدودية بدعم من قوات التحالف الدولي في شمال سورية، فضلاً عن إرسال دبلوماسيين أميركيين، سيليه خطوة الاعتراف بشرق الفرات وفيديراليته التي قررتها مكونات هذه المنطقة من الأكراد والعرب وغيرهم".. وأكد أن "قوات التحالف الدولي ستبقى في سورية، لأن وجودها يشكل حاجة محلية وإقليمية ودولية لحماية مكونات سورية من الإرهاب من جهة، ومنع هيمنة دول مثل إيران وتركيا على سورية من جهة أخرى".

قد تكون هذه الأخبار متوقَّعة، فالأميركيون اضطروا أن يكشفوا عن خططهم المقبلة بتقسيم سورية، خصوصاً أنهم كانوا يتوقعون إطالة أمد الحرب مع "داعش" و"جبهة النصرة" في إدلب، لكنهم لم يستطيعوا تأخير الحسم الذي قام به الجيش السوري وحلفاؤه في إنهاء المعارك على الحدود السورية العراقية، ولم يستطيعوا تأخير الحملة العسكرية على إدلب، والتي سارت بسرعة غير متوقَّعة في مرحلتها الأولى، والتي يستعدّ الجيش السوري لإطلاق مرحلتها التالية، والتي ستعيد تحرير كامل المساحة الممتدة حتى اتوستراد دمشق - حلب، كمرحلة ثانية.

وانطلاقاً من فشل الاستراتيجية الأميركية لاستنزاف القوى المتقاتلة في سورية، الواضح أن الأميركيين يريدون إنشاء "حرس الحدود" لينتشر على كامل الأرض التي يسيطر عليها الأكراد، والتي توجد في قواعد عسكرية أميركية تحميها، وهذا تكون على حدود الكونتون الكردي، أي على طول الحدود السورية التركية، والحدود العراقية باتجاه الجنوب الشرقي، وعلى طول وادي نهر الفرات الذي وضعه الأميركيون في وقت سابق كخط فاصل بين "قوات سورية الديمقراطية"والجيش السوري وحلفائه.

إذاً، توضحت الخطة الأميركية الجديدة بتقسيم سورية واقتطاع جزء كردي في الشمال السوري، يعترفون باستقلاله، ويؤمّن شرعية لوجودهم العسكري في سورية، فكيف ستكون مواقف الأطراف الأخرى؟
لن تقبل كل من تركيا وسورية وإيران وروسيا بالترتيبات الأميركية الجديدة، وإن كان الروس-بالمبدأ-  يتركون الباب مفتوحاً للمفاوضات وتكريس أنفسهم كوسيط بين الأطراف المتقاتلة، لكن الدول الثلاث الأخرى لن تقبل مطلقاً بهذا الأمر.
بالنسبة لتركيا، يدرك الأتراك أن الأميركيين، ومن خلال هذا الإعلان، قداختاروا دعم الحليف الكردي على حساب الحليف التركي، ولهذا فإن التصعيد التركي اليوم ضد عفرين لا يأتي من باب التصعيد الكلامي فقط، بل إن الأتراك باتوا ملزمين بإجراء عسكري ضد الأكراد، للقضاء على أي أوهام انفصالية، ولتوجيه رسالة حاسمة إلى حلفائه الأميركيين يردعهم عن السير بخيار التقسيم.

لعل أردوغان اليوم يبدو في أسوأ مراحل تدخُّله في سورية، إذ لم يستطع منع الجيش السوري من التوجُّه لتحرير إدلب، بالرغم من كل ما قام به من تصريحات وتوجيه المجموعات الموالية له للقتال إلى جانب "جبهةالنصرة" ضدالجيش السوري، وهاهو يتجه لخسارة إدلب، ويشهد على محاولة تأسيس كونتون كردي انفصالي على حدوده الجنوبية.

أما إيران وسورية فهما يرفضون الإجراء الأميركي بالتأكيد، لكنهم يأجّلون العمل العسكري ضد الأكراد إلى مرحلة لاحقة، كون تحرير إدلب يبدو اليوم أكثر أهمية، خصوصاً بعدما كان أحد المسؤولين الإيرانيين قد اعتبر في وقت سابق أن تحرير الرقة سيكون الخطوة التالية بعدالانتهاء من"داعش"، لكن تراجع أردوغان عن الوعودالتي قطعها بإنهاء "جبهة النصرة"، واستغلال الأتراك فرصة الانخراط في تأمين مناطق خفض التوتر للتوغُّل عسكرياً في سورية، فرض على الحلفاء تغيير الخطة والاتجاه إلى إدلب بدل الرقة.

إذاً، تبدوالأيام المقبلة مليئة بالتطورات في الشمال السوري، ويبدو التهديد التركي لعفرين جدياً هذه المرة، وتشير كل التطورات إلى أن القوات الكردية ستُترك لمصيرها في عفرين، ولن يدافع عنها الأميركيون ولن يحميها الروس، وهكذا يكون أمام الأكراد حل من إثنين: إما القتال حتى النهاية في منطقة يطوّقها الأتراك من جهات ثلاث، أو التوسُّط لدى الروس لتأمين دخول الجيش السوري إلى المنطقة واستلامها ،وإبعاد شبح التدخل التركي عنها،وهو الخيار الأقل كلفة والأكثر ربحاً.

حديث الساعة : #ترامب وعام في البيت الأبيض