2012/12/21

النموذج اللبناني في الحلول العربية

كما في سورية ومصر وتونس، كذلك في لبنان، يبدو الطرف المدعوم أميركياً رافضاً لفكرة الحوار، متشبثاً بمواقفه الرافضة لأي تنازل يمكن أن يؤدي إلى تسوية سياسية تحفظ الوطن وتحافظ على حقوق للجميع، مقابل أطراف تدعو إلى الحل السياسي والحوار حول مستقبل البلاد، وهكذا نرى الحكومة اللبنانية بأطرافها كافة تحاول دفع عجلة الحوار في لبنان، ما قد يؤدي إلى إراحة الجو السياسي المشحون، وتحريك العجلة الاقتصادية في البلاد، مقابل رفض المعارضة، التي تتذرع بذرائع شتى لرفض الحوار وعرقلة إقرار قانون انتخابي عصري يلائم تطلعات الأجيال الجديدة.. ومثلهم المسلحون في سورية؛ يرفضون الذهاب إلى حوار وتسوية سياسية، واضعين الشروط السياسية التي يمكن أن تفجّر أي حوار قبل بدايته، وأن تقضي على أي آمال بتسوية سياسية ممكنة.
 وإذا كان النمط العقائدي لأطراف المعارضة في سورية يتسم بالفكر الإلغائي للآخر، والتكفيري لأي مختلف بالرأي، فإن المؤسف أن الأطراف اللبنانية الخارجة من تجربة شبه ديمقراطية، لم تصل لغاية الآن إلى اقتناع بأن السياسات الاستئثارية الديكتاتورية التي اعتُمدت في الدول العربية لا يمكنها أن تطبَّق في لبنان، الذي يتسم تاريخه بكثير من الحرية وعدم قدرة أي طرف على إلغاء الأطراف الأخرى، مهما استقوى بالخارج، فمحاولات المارونية السياسية للاستئثار أدّت إلى احتقان سياسي ساهم في تأجيج الحرب، التي أدّت إلى تهميش المسيحيين في النظام، ثم محاولة "تيار المستقبل" تقليد المارونية السياسية بالاستئثار بحكم لبنان بعد اغتيال الحريري، أدّت إلى ما وصل إليه الوضع اللبناني اليوم على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، والتسيب الأمني.
 ومن العجيب أن النظام اللبناني القائم على التوافق وتقاسم السلطة بين الطوائف (والذي أدى إلى إضعاف الدولة لصالح حكم الطوائف، والذي سمح للدول الغربية والعربية بالتدخل بالشؤون اللبنانية وتغذية الصراعات) يبدو الحل الأنسب المطروح في العالم العربي اليوم، الذي تعاني دوله من انقسامات طائفية ومذهبية وإثنية وعرقية تؤجج الصراع، وتجعل من التداخل بين المكونات يحتاج إلى "صيغة فريدة" كالصيغة اللبنانية، التي تسمح للجميع بالمشاركة في السلطة، والحصول على حق الفيتو في القرارات المصيرية الكبرى، فلا حل لمصر إلا بقبول "الإخوان" بالتعددية المصرية، التي تجعل من الجميع شركاء في الدولة وفي صنع السياسيات، كما أن بوادر التسوية السورية لا يمكن أن تكون إلا من خلال "طائف" سوري يسمح بتقاسم السلطة بين النظام والمعارضة غير المحظورة أميركياً، ويحفظ حصة الجميع في التركيبة الحكومية، ويعطي الطوائف الكبرى قدرة على وضع فيتوات متبادلة خلال صنع القرار.
مع الأسف، إن المسار الذي تسيره الدول العربية على أثر الحراك الشعبي والعسكري الذي حصل، ينبئ بأن المجتمعات العربية لن تخرج بسهولة من صراعاتها التي ترتدي لباساً دينياً، إلا بتقوية الجماعات على حساب الدولة، وتقويض الانتماءات الوطنية لصالح الانتماءات القبلية والطائفية والمذهبية، ما يعني إضعافاً شديداً لمفهوم الدولة ككل، وهو ما قد يؤدي إلى تعزيز وضع "إسرائيل"، التي قيل يوماً إنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق، ويبدو أن مسار الأحداث قد يجعلها "الدولة" الوحيدة في الشرق، أو على الأقل "الدولة غير الفاشلة" الوحيدة الموجودة بين هياكل دول فاشلة تتصارع فيما بينها على البقاء، ويغرق أبناؤها في "حروب الآلهة" على الأرض، ويحتاجون دائماً إلى "عرّاب" أو "وصي" يحلّ لهم خلافاتهم ويضبط إيقاع التوازنات الهشّة فيما بينهم.
هكذا إذاً تتجرع الدول العربية من الكأس المرّ الذي شرب منه لبنان على مدى عقود طويلة، والذي أدّى إلى إضعاف الدولة اللبنانية، فها هي الشعارات الطائفية والمذهبية تنتشر كما انتشرت في لبنان، وها هي الدول الكبرى تسيطر على ناصية قرار الأطراف كما سيطرت سابقاً على اللبنانيين، وها هو الشعب السوري يدفع ثمناً باهظاً لحروب الآخرين على أرضه؛ كما دفع اللبنانيون سابقاً.
لكن، ومن منطلق أننا السابقون وهم اللاحقون، وإن كان قد بقي لنا حق التمني، فنحن نتمنى أن يسير لبنان مسيرته الطبيعية نحو بناء دولة حكم القانون، الذي يعرّفه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بأنه الحكم الذي يكون فيه القانون فوق الجميع؛ من مسؤولين وأفراد، والذي يؤمّن معاملة جميع المواطنين بالتساوي، فيفرض عقوبات، ويؤمن حماية متساوية لحقوق الإنسان العائدة إلى الأفراد والجماعات الذين يخضعون للقانون لا لمشيئة القوي، والأهم، على القانون أن يحمي الجماعات الضعيفة من الاستغلال والتعسف، وهو ما يجعل الجميع يطمئن إلى مصيره ووجوده ويمنع محاولات الاستئثار والتهميش التي تؤدي إلى دورات من العنف والاقتتال، وعليه، على المعارضة اللبنانية أن تدرك دقة المرحلة التي نمر بها، وأننا محكومون بالحوار والتوافق، فلقد اختبرنا الحرب الطائفية، وخبرنا التدخلات الأجنبية، ولتعلم أن التاريخ لن يرحم من رفض أن يمد يده لينقذ بلده من شرّ يتربص به.

2012/12/13

القانون الدولي لحقوق الإنسان: آليات الشكاوى الفردية_ البحرين نموذجًا


أقام منتدى البحرين لحقوق الإنسان، المؤتمر الدولي الحقوقي الثاني حول "دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين"، في فندق الماريوت في  13 كانون الأول 2012 وقد شاركت ليلى نقولا الرحباني في المؤتمر بمداخلة بعنوان:
القانون الدولي لحقوق الإنسان: آليات الشكاوى الفردية
وهذا نصها:

مقدمة
        تدهور وضع حقوق الإنسان في البحرين بشكل كبير خلال العامين الماضيين، ولم تنفع توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق التي أصدرت تقريرها عام 2011 لثني الحكومة البحرينية عن انتهاكات حقوق الإنسان ومعاملة أفضل للمطالبين بالحرية والديمقراطية، أو للحفاظ على الحريات والحقوق الإساسية لمواطنيها.
        ولا شكّ أن التوصيات التي أقرّها مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، في تقريره الأخير حول البحرين، تبدو استثنائية وهامّة في لفت النظر الى تلك الإنتهاكات. وبالرغم من أن حق الشعوب في تقرير مصيرها هو من القواعد الآمرة في القانون الدولي، فقد رفض وزير خارجية البحرين الموافقة على التوصيات التي تتحدث عن حق شعب البحرين في تقرير مصيره بحرية[1].
        لكن، وبالرغم من كل تلك التقارير الدولية التي تركّز على حقوق الشعب البحريني، والتي تدعو الحكومة البحرينية الى احترام حقوق مواطنيها، وكفالة احترام تلك الحقوق والحريات الأساسية، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات إلا أن الانتهاكات تبدو مستمرة، ما يجعل من الضروري بذل المزيد من الجهود للفت النظر الى تلك القضايا عالميًا، وزيادة الضغوط الدولية التي يمكنها حثّ الحكومة البحرينية على وقف تلك الانتهاكات. ومن الآليات التي يمكن استخدامها هي الاجراءات المتاحة أمام الأفراد والمجموعات الذين بإمكانهم أن يتقدموا بشكاوى ضمن آليات معتمدة في الأمم المتحدة في هذا الإطار.

- الآليات المعتمدة للشكوى
يمكن للأفراد والمنظمات تقديم شكاوى حقوق الإنسان بموجب آليات ثلاث هي  التالية:
أ- الالتماسات بموجب المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان.
ب- الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان.
ج- تقديم الشكاوى إلى مجلس حقوق الإنسان.
وفي بعض الظروف يمكن أن تستكمل هذه الإجراءات المختلفة بعضها البعض ويمكن استعمال أكثر من إجراء واحد.
أولاً: الالتماسات
       
بالمبدأ، وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، تسمح معاهدات دولية عدة بتقديم شكاوى فردية إلى هيئات معاهدات حقوق الإنسان، منها ما دخل حيز التنفيذ ومنها ما لم يحصل على التواقيع الكافية لدخولها حيز النفاذ لغاية تاريخه.
من المفيد القول أنه لا يمكن استخدام هذه الالتماسات إلاّ في حالات انتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بفرد واحد محدَّد أو أكثر، وهي ليست مناسِبة في العادة للأنماط العامة لانتهاكات حقوق الإنسان، كما لا يمكن تقديمها إلا بعد استنفاد وسائل الانتصاف المحلية الفعَّالة، أي أن تكون القضية/الشكوى قد استكملت مختلف خطوات التقاضي المحلية.
لكن، في حال تبيّن أن وسائل الانتصاف المحلية هي غير فعّالة أو طويلة بدون داعٍ، يمكن تقديم تلك الالتماسات بدون انتظار نتائج الآليات القضائية المحلية.
العوائق التي يمكن أن تعترض هذه الالتماسات أو أن تحدّ من فعاليتها هي المدة الزمنية التي تحتاجها الشكوى للوصول الى قرار نهائي، والتي تبدو طويلة نوعًا ما، وهي بمتوسط من سنتين إلى ثلاث سنوات[2] .

        المشكلة الأكبر، أنه لا يمكن تقديم شكوى حول انتهاك حقوق الإنسان بموجب هذه الالتماسات إلا إذا كانت الدولة طرفًا في المعاهدة المعنية، وصدَّقت عليها أو قبلتها، وأن تكون قد انضمت إلى البروتوكول الاختياري المعني، وقَبِلت اختصاص هيئة معاهدة حقوق الإنسان المعنية لقبول الشكاوى.
فبغض النظر عن وجود مثل تلك الالتماسات في القانون الدولي لحقوق الإنسان، يمكن أن نقول أنه وبما أن القانون الدولي لحقوق الانسان الخاص بالمعاهدات، يستند الى موافقة الدولة بالدرجة الاولى ولا يمكن أن ينتهك سيادتها، لذا، فإن تقديم تلك الالتماسات يبدو صعبًا جدًا في الحالة البحرينية وذلك كما يلي:


1- الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري بموجب المادة 14
        انضمت البحرين إلى الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري بتاريخ ٢٧آذار\ مارس ١٩٩٠، وتمّ التصديق على الانضمام وصدر في شأنه المرسوم بقانون رقم ٨ لسنة ١٩٩٠ . وقد سجلت البحرين تحفظاً فقط على تطبيق المادة ٢٢ في شأن اختصاص محكمة العدل الدولية. لكن لم تعلن البحرين أنها تعترف باختصاص اللجنة في استلام ودراسة الرسائل المقدمة من الأفراد أو من جماعات الأفراد الداخلين في ولايتها والذين يدعون أنهم ضحايا أي انتهاك من جانبها لأي حق من الحقوق المقررة في هذه الاتفاقية، ولا يجوز للجنة قبول استلام أية رسالة تتعلق بأية دولة طرف لم تصدر مثل هذا الإعلان، كما تنص على ذلك المادة 14.

2- اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة بموجب المادة  22 ؛
        ولقد انضمت البحرين إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة بتاريخ ٦ آذار \ مارس ١٩٩٨ ، وتمّ التصديق على الانضمام وصدر في شأنه المرسوم بقانون رقم ٤ لسنة ١٩٩٨ والمعدّل بمرسوم بالقانون رقم ٣٤ لسنة ١٩٩٩. واقتصر تحفّظ البحرين على عدم الالتزام بأحكام الفقرة الأولى من المادة ٣٠ من الاتفاقية والخاصة بقواعد التسوية والتحكيم واللجوء لمحكمة العدل الدولية في حالة وجود نزاع بين دولتين أو أكثر من الأطراف في شأن تفسير أو تنفيذ أي من أحكام الاتفاقية. كما رفضت البحرين الانضمام الى البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب،( الذي يهدف إلى منع ممارسة التعذيب عن طريق إنشاء لجان وطنية ودولية تتمتع بالاستقلالية والنزاهة والشفافية)، وكما في الحالة السابقة، إن ما يمنع إمكانية تقديم التماسات هو عدم إعلان البحرين بموجب المادة 22، أنها تعترف وتقبل باختصاص اللجنة.

3- بالنسبة لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والتي يمكن تقديم الشكاوى الفردية بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بها ، فلقد انضمت البحرين إلى اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة بتاريخ ١٨حزيران \ يونيو ٢٠٠٢ ، وتمّ التصديق على الانضمام وصدر في شأنه المرسوم بقانون رقم 5 لعام 2002، بعد أن سجّلت البحرين تحفظاتها على المواد التي تخالف الشريعة الاسلامية فقط. لكن البحرين لم تنضم الى البروتكول الاختياري الملحق بالاتفاقية، لذا لا يمكن تقديم الالتماسات بموجبها.

4- أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي يمكن تقديم شكاوى من قبل الافراد ايضًا بموجب البروتوكول الاختياري الأول للعهد، فلا يمكن استخدامه في الحالة البحرينية، حيث رفضت دولة البحرين الانضمام والتوقيع على هذا البروتوكول، بالرغم من أن البحرين كانت قد انضمت إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بتاريخ ٢٠أيلول \ سبتمبر ٢٠٠٦، وتمّ التصديق على الانضمام وصدر في شأنه المرسوم بقانون رقم ٥٦ لسنة ٢٠٠٦.


ثانيًا - البلاغات بموجب الإجراءات الخاصة
        الإجراءات الخاصة هو الاسم العام الذي يطلق على الآليات التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان إما لتناول أوضاع قِطرية محددة وإما لتناول قضايا مواضيعية في جميع أنحاء العالم. وهذه الإجراءات تسمح بتقديم ادّعاءات تتعلق إمّا بحالات فردية أو بنمط عام من تجاوزات حقوق الإنسان. ويمكن لأي فرد أو لمجموعة أو لمنظمة تعمل نيابة عن الفرد تقديم البلاغات إلى أصحاب ولايات الإجراءات الخاصة.
        في كثير من الأحيان تستطيع عناصر المجتمع المدني أن تعمل بالنيابة عن الأفراد الذين يلتمسون الحماية من تجاوزات حقوق الإنسان. وينبغي لمن يرغب من الأفراد أو المنظمات في تقديم بلاغ بموجب أي ولاية من ولايات الإجراءات الخاصة التأكد أولاً من وجود ولاية موضوعية  أو قطرية تتصل بالحالة، بالإضافة الى الاطلاع بدقة على المعايير المحدّدة لتلك الإجراءات التي يجب الوفاء بها قبل إمكانية قبول البلاغ[3].
        من حسنات هذه الإجراءات، أنها بعكس الالتماسات التي تأخذ وقتًا طويلاً، يمكن أن تكون أداة مفيدة في الحالات العاجلة نظراً لأنها تسمح باتخاذ إجراء عادل أو وقائي )يعرف باسم النداءات العاجلة(؛ كما يمكن تقديم الشكاوى بغض النظر إن كانت الدولة طرفًا في معاهدات حقوق الإنسان أم لا، كما ليس من الضروري استنفاد جميع وسائل القضاء المحلي قبل استخدامها.
- من سيئاتها أنها آليات غير مُلزِمة قانونيًا ويعود إلى كل دولة أن تقدّر مدى التزامها أو عدمه للتوصيات الصادرة.
بالنسبة لحالة البحرين، ليس هناك لغاية تاريخه مقرر خاص لحالة حقوق الإنسان في البحرين، ولكن بما أن مجلس حقوق الإنسان قد بدأ ينظر في حالات وانتهاكات حقوق الانسان في البحرين، فيمكن محاولة الضغط لتحقيق مثل هذا الأمر، علّ الدورة القادمة لمجلس حقوق الإنسان في آذار \ مارس القادم، تسفر عن قرار بمتابعة حالة حقوق الانسان في البحرين، وتعيين مقرر خاص للقضية.
        أما بالنسبة للولاية الموضوعية، فهناك العديد من الشكاوى التي يمكن للبحرينيين تقديمها بموجب الإجراءات الخاصة، على سبيل المثال لا الحصر، يمكن تقديم شكاوى الى المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، أو المقرر الخاص المعني بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، أو الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، أو الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي وغيرها.

ثالثًا - إجراء تقديم الشكاوى إلى مجلس حقوق الإنسان
إجراء تقديم الشكاوى إلى مجلس حقوق الإنسان هو إجراء الشكاوى العالمي الوحيد الذي يغطّي جميع حقوق الإنسان وجميع الحريات الأساسية في كل الدول.
لذلك، يمكن لأي فرد أو أي مجموعة تدّعي وقوعها ضحية لانتهاكات حقوق الإنسان تقديم شكوى بموجب هذا الإجراء، ويحق أيضًا لأي شخص أو مجموعة لديهم معرفة مباشرة وموثوقة بوقوع هذه الانتهاكات أن يتقدم بالشكوى. لكن على البلاغات المقدمة بموجب هذه الآلية أن تشير إلى نمط ثابت من انتهاكات حقوق الإنسان، أي تلك الانتهاكات التي تؤثر على عدد كبير من الأشخاص وليس على حالات فردية خاصة، وهو ملائم لتوصيف الحالة البحرينية.
        من حسنات هذا الإجراء أنه لا يرتبط بكون تكون الدولة طرفاً في معاهدة لكي يمكن تقديم شكوى ضدها، ومعايير مقبولية الشكوى هي أقل صرامة عن المعايير المطبَّقة في آليات الشكاوى السابقة. كما أن الضحية لا تتعرض لكشف هويتها مما قد يعرضها للانتقام من قبل الدولة المنتهكة[4].
من سيئاتها أن الوقت المستغرق لبتّ موضوع الشكوى قد يكون طويلاً نوعًا ما، وعلى الشاكي أن يكون قد استنفد جميع وسائل الانتصاف المحلية المتاحة والفعَّالة قبل تقديم الشكوى، بالاضافة الى أن قبول الشكوى والبتّ فيها لا يبحث في توفير تعويض للضحايا.

تجدر الملاحظة الى أنه بالنسبة للحالة البحرينية، يمكن تقديم الشكاوى في أي إطار مستوفي الشروط القانونية، وحتى لو اشُترط على الشاكي ان يستنفد جميع وسائل الانتصاف المحلية، فقد أثبت التقارير الدولية كتقارير منظمة العفو وهيومن رايتس واتش وغيرها من التقارير الدولية كالتقرير الصادر عن مجلس حقوق الإنسان، إن الأسلوب الذي اتبعته أجهزة الأمن والأجهزة القضائية في تفسير مرسوم السلامة الوطنية فتح الباب أمام ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تضمنت الحرمان التعسفي من الحياة، والتعذيب، والتوقيف التعسفي وغيرها من الانتهاكات. كما لم تحقق النيابة العامة البحرينية حتى الآن في مئات القضايا حول اتهامات بالتعذيب، بعضها ينطوي على حالات وفاة في أثناء الاحتجاز، ولم يتم فتح تحقيقات – ناهيك عن ملاحقات قضائية – من واقع مبدأ مسؤولية القيادة، حتى على مستوى المشرفين المباشرين، فيما يخص من قُتلوا رهن الاحتجاز نتيجة للتعذيب.


توصية
أقترح على منتدى البحرين لحقوق الإنسان ( منظم المؤتمر)، والمنظمات البحرينية أن تواصل توثيق الانتهاكات، وتتواصل مع خبراء قانونيين ومحامين دوليين للتعاون معهم لدراسة إمكانية تقديم شكاوى عن انتهاكات حقوق الإنسان الى الأمم المتحدة، بالنيابة عن الأفراد وهو ما يفعله آلاف الأشخاص من كل أنحاء العالم سنويًا. بالطبع، نحن ندرك صعوبة الإجراءات وطول مدتها، ولكن أن إغراق الهيئات الدولية المختصة بآلاف الشكاوى، والحديث إعلاميًا عن كل شكوى تقدم سواء قُبلت أم لم تُقبل، يمكن له أن يشكّل آداة ضغط دولية سياسية وإعلامية على حكومة البحرين للامتثال الى واجباتها في احترام وكفالة احترام حقوق الإنسان على الأراضي البحرينية، وقد يدفع مجلس حقوق الإنسان الى تبنى قرار صريح يدين الانتهاكات في البحرين، وتعيين مقرر خاص لمتابعة وضع حقوق الإنسان في البحرين.




[1] كانت الأمم المتحدة قد حددت بوضوح ما يتضمنه حق تقرير المصير من وجهين داخلي وخارجي، والخارجي يعني حق الشعوب الخاضعة للاستعمار الأجنبي تقرير مصيرها والذي قد يأخذ شكل الاستقلال التام التي يحق لها أن تحصل عليه بشتى أنواع المقاومة المشروعة، أما الداخلي فهو حق الجماعات المتمايزة ثقافيًا داخل البلد الواحد تقرير مصيرها في نطاق الدولة فحق تقرير المصير الداخلي لا يتضمن حق الانفصال عن إقليم الدولة، لأن الانفصال يتعارض مع مبدأ أساسي في القانون الدولي وهو الوحدة الترابية للدولة وسيادتها المطلقة على كامل إقليمها.
[2] وتُعرَف المرحلتان الرئيسيتان في عملية الاستعراض الذي تقوم به هيئة معاهدة حقوق الإنسان باسم مرحلة "المقبولية“ ومرحلة ”الأسس الموضوعية“. وفي مرحلة المقبولية تنظر هيئة المعاهدات فيما إن كانت الشكوى تفي بمتطلبات الإجراء. وإذا قررت أن الحالة مقبولة فإنها تنظر في الأسس الموضوعية للشكوى. ورغم أن هاتين المرحلتين تجريان معاً في العادة فإنه يمكن تقسيمهما بناءً على طلب الدولة الطرف. فإذا أخفقت الحالة في مرحلة المقبولية فقد لا يتم النظر في الأسس الموضوعية.
وتنظر هيئات معاهدات حقوق الإنسان في كل حالة في جلسات مغلقة. وبعد أن تتوصل إلى قرارها بشأن الحالة يحال القرار إلى الشاكي وإلى الدولة في نفس الوقت. وإذا قررت هيئة معاهدات حقوق الإنسان أن الشاكي كان بالفعل ضحية لانتهاك لحقوق الإنسان من جانب الدولة الطرف بموجب المعاهدة ذات الصلة فإنها عادة تحدد وسيلة الانصاف التي ينبغي توفيرها وتدعو الدولة الطرف إلى تقديم معلومات متابعة في غضون فترة محددة من الوقت (تكون عادة ستة أشهر( بشأن الخطوات التي اتخذتها لإنفاذ استنتاجات هيئات معاهدة حقوق الإنسان.
[3] والإجراءات الخاصة هي إما فرد (يسمى "المقرر الخاص" أو "الخبير المستقل") وإما فريق عامل مؤلف عادة من خمسة أعضاء (عضو من كل منطقة). والقرار المنشئ للإجراءات الخاصة هو الذي ينشئ ولايات الإجراءات الخاصة ويحددها. وتتلقى معظم الإجراءات الخاصة معلومات عن ادعاءات محددة بحدوث انتهاكات لحقوق الإنسان وترسل نداءات عاجلة أو رسائل ادعاءات إلى الحكومات تطلب فيها إيضاحات. وفي عام 2011، أُرسل ما مجموعه 605 بلاغات إلى الحكومات في 131 بلداً. وكانت 72% منها بلاغات مشتركة مقدمة من اثنين أو أكثر من أصحاب الولايات.
[4] في حالة تقديم معلومات إلى الإجراءات الخاصة يرسِل صاحب الولاية بلاغاً إلى الدولة بشأن هذه الحالة، ويتم إدراجها في نهاية الأمر في تقرير علني. وعند تقديم شكوى إلى إحدى هيئات معاهدات حقوق الإنسان يتم الكشف عن هوية الفرد للحكومة المعنية. ولذلك فمن الأساسي أن يعرف الضحية طريقة عمل كل إجراء من إجراءات الشكاوى.