أقام المركز الاستشاري للدراسات مؤتمرًا بعنوان: "شرعية التصدي لقرارات مجلس الأمن الدولي: صلاحية الدول وولاية القضاء، في بيروت- 7 كانون الأول 2012.
وكانت الجلسة الأولى برئاسة وزير العمل الدكتور سليم جريصاتي، مخصصة لمناقشة الورقة الرئيسية "مجلس الأمن الدولي: التجاوزات وإمكانية التصدي". وقدمت ليلى نقولا الرحباني، المداخلة التالية كتعقيب على الورقة:
مقدمة
في الواقع، قامت الورقة الرئيسية التي نحن بصدد مناقشتها، بعرض الاشكاليات المطروحة فيما يختص بصلاحيات مجلس الأمن وإمكانية وشرعية التصدي لقراراته، بطريقة وافية وشاملة من خلال عرض جميع وجهات النظر المطروحة حول الموضوع قانونيًا ودوليًا، فتباينت مع بعضها وتوافقت مع بعضها الآخر، وفي كثير من الأحيان لم تُشِر الى رأي واضح وجازم للباحث في أي من وجهات النظر يؤيد، وكأنه أراد من الورقة أن تطرح الاشكاليات وتترك الحرية للباحثين والمناقشين ليدلي كل بدلوه بدون التأثير عليهم أو توجيههم الى خيار قد يُفهم منه أن المؤتمر يريد الإنحياز اليه.
وهكذا تكمن أهمية الورقة في شموليتها، وإحاطتها بجميع المواضيع وهي كثيرة وواسعة ومتشعبة، بحيث من الصعب الإحاطة بها في ورقة واحدة.
ولمناقشة الأفكار الواردة، سأرّكز مداخلتي في عناوين ثلاث لمعالجتها:
- في العنوان الأول: طرحت الورقة إشكالية صلاحية مجلس الأمن في التشريع وتركت الباب مفتوحًا فيها للنقاش، ولإبداء الآراء، وأنا سأبدي رأيي في هذا الإطار.
- في العنوان الثاني، هو توسيع مجلس الأمن لمفهوم تهديد السلم والأمن الدوليين، التي ناقشتها الورقة بطريقة نظرية سريعة لم تؤدِ الى لفت النظر الى خطورة ما تمّ القيام به في هذا المجال في الناحية العملية وتجارب مجلس الأمن التدخلية.
- أما العنوان الثالث، وهو حول التساؤلات المشروعة التي طُرحت حول التدخل بناءً لاعتبارات إنسانية وهي تعود الى حقبة التسعينات من القرن العشرين حين تعسّف مجلس الأمن في توسيع إطار تدخلاته بذرائع إنسانية. تبدو تلك التساؤلات بحاجة الى إعادة نظر، إذ أنها لم تعد جائزة قانونيًا بعدما تمّ قوننة هذا الأمر، في القمة العالمية عام 2005 في الأمم المتحدة.
العنوان الاول: صلاحية مجلس الأمن في التشريع
قام مجلس الأمن الدولي في القرارين 1373، و1540 بأعمال التشريع، أي أنه أصدر قرارات عامة تطبّق ليس على حالات محددة فحسب، بل تطبّق على جميع الدول، وخارج نطاق زماني ومكاني محدد.
يدافع البعض عن هذه الصلاحية التي انتزع فيها مجلس صلاحيات تشريعية لا يقرّها له ميثاق الامم المتحدة، انطلاقًا من معايير براغماتية مرتبطة بالتطورات العالمية التي تفرض توسيع صلاحياته الضمنية أو الاستنسابية ما يساهم في تعزيز قدرته على الردّ على التحديات المستجدة خاصة في مجال الإرهاب بفعالية وسرعة، وينكر البعض الآخر عليه هذه الصلاحية.
بداية، وقبل البدء بتحديد مدى صلاحية المجلس بهذا الأمر، ينبغي لنا أن نعرّف ماذا يعني أن المجلس قام بأعمال التشريع:
لكي نصنّف عمل بأنه من أعمال القانون (عمل تشريعي)، عليه أن يندرج ضمن الأطر التالية:
1- أن يطبّق على كل الأشخاص أو الكيانات بالتساوي، ففي حال مجابهة نفس الظروف، يجب تطبيق نفس القواعد.
2- أن يكون عامًا، أي أن لا يشرّع فقط لحالات خاصة ومحددة.
3- يجب أن يكون معلومًا من قبل هؤلاء الذين يطبق عليهم.
4- يجب أن يكون ثابتًا، وله استمرارية.
ومن هذا التعريف، يمكن القول أنه في موضوع الإرهاب الدولي، بالفعل قام المجلس بهذا الأمر. فهل يحق له ذلك بموجب الصلاحيات المعطاة له بموجب الميثاق؟
أولاً- بالمبدأ، الأمم المتحدة لا تحتوي على جهاز تشريعي، وكل معيار في القانون الدولي عليه أن يحظى برضى الدول الملزمة فيه، ولا تكون دولة ملزمة بقاعدة في القانون الدولي ما لم يكن لديها على الأقل الفرصة للتأثير على تطور هذا المفهوم أو القاعدة القانونية تلك.
من هذا المنطلق، وبالرغم من أن معظم ما جاء في القرار 1373، كان قد أدرِج في قرارات سابقة، وفي المعاهدة الدولية لمكافحة تمويل الارهاب، لكن بتبني هذا القرار، واقراره بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لم يكن لدى الدول الخيار في أن تقبل أو ترفض بإرادتها الحرّة ما فُرِض عليها من ضرورة تعديل قوانينها الداخلية لتتلاءم مع هذا القرار.
علمًا، أن مجلس الأمن وضع قواعد للتطبيق عالميًا وبشكل مستقبلي، وتصرف كمشرّع دولي، بدون أن يعمد كمشرّع الى تعريف تلك الجريمة المعاقب عليها أي الارهاب، ولم يحدد ما هي الأعمال بالضبط التي يمكن أن توصف بأنها عمل من أعمال الارهاب.
ثانيًا- الأكيد أن مجلس الأمن ملزم بقواعد الميثاق، وبالقانون الدولي العام، والقواعد الآمرة في القانون الدولي. وليس هناك صلاحيات تشريعية لمجلس الأمن، والميثاق لا يعطي المجلس هذه الصلاحية لا صراحة ولا ضمنيًا. وحتى عندما يكون لقرارت المجلس قوة الزامية، فهذه تكون بصفته قوة لتنفيذ للقانون وليس كمشرّع، فالمجلس لا يستطيع أن يخلق تشريعات عامة للتطبيق بل هو "ينظر ويلاحظ ويقرر..." في حالات خاصة، محدودة في الزمان والمكان.
وبما أن المجلس هو جهاز من أجهزة منظّمة دولية أقيمت بواسطة معاهدة تشكّل إطاراً دستورياً لها، وبما أن ميثاق الأمم المتحدة هو المرجع لتحديد صلاحيات مجلس الامن التي فوّضته الدول من خلاله بتلك الصلاحيات، فالأكيد، أنه لا يمكن أن تكون قدرات وصلاحيات مجلس الأمن غير محدودة، بل عليه أن يتصرف وفقًا لمبادئ وأهداف الميثاق ونيّة واضعيه.
ولتحديد، مدى صلاحية مجلس الأمن كجهاز من أجهزة الأمم المتحدة في التشريع قانونيًا ، يمكن العودة الى المادتين 31 و32 من اتفاقيات فيينا لعام 1969 حول قانون المعاهدات.
تنص المادة 31 من تلك الاتفاقية، على أنه يجب تفسير أي إتفاقية، بحسن نيّة، وبأن يُنظر الى الاتفاقية ككل متكامل، وأن تُقرأ بشكل شامل. وتؤكد أنه عند الحاجة الى تفسير عبارة أو مادة واردة في الاتفاقية، يجب أن يُنظر الى الأهداف والغرض من الاتفاقية المتضمنة فيها، وليس كمفردة أو مادة منعزلة[1].
وإن بقي الغموض في تفسير الاتفاقية بعد الاستناد الى المادة 31، يمكن الاستناد الى المادة 32 والتي تدعو الى استعمال وسائل تكميلية للتفسير[2] وتلك تتضمن : العودة الى الأعمال التحضيرية، والظروف التي أحاطت توقيع المعاهدة وابرامها.
وبالعودة الى ميثاق الأمم المتحدة، وبتطبيق هذا الأمر على العنوان المبحوث، يمكن القول أن مجلس الأمن لا يملك الصلاحية التشريعية، إذ لا ينص الميثاق على هذه الصلاحية، ولا يبدو أن نية واضعي الميثاق والظروف المرافقة قد هدفت الى إعطاء هذه الصلاحية لمجلس الأمن.
وعليه، إن مجلس الأمن الذي يشكّل هيئة سياسية وقراراته يجب ان تكون من نفس الطبيعة، أي أنها تعكس وجهة نظر سياسية وليس قضائية أو قانونية.
العنوان الثاني: توسيع مفهوم "تهديد السلم والأمن"
الأصل في صلاحيات المجلس هو تطبيق الميثاق لحفظ الامن والسلام الدوليين، ويكون له أيضًا بشكل ضمني تفسير قواعد وأحكام الميثاق وطرح بعض القواعد التي لا يتضمنها الميثاق في مجال الامن والسلام بشكل يشبه عمل المحاكم في الاجتهاد، ويعتبر البعض هذا النوع من الممارسة بمثابة الصلاحية التشريعية الاحتياطية للمجلس. إنطلاقًا من هذه الصلاحية، توسّع مجلس الأمن بعد الحرب الباردة في الصلاحية المعطاة له في المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة، فتوسّع في تفسير مفهوم "تهديد السلم والأمن الدوليين". وكان الميثاق قد أدرج هذا التعبير بدون تعريف دقيق له، ما جعل مجلس الأمن يسمح لنفسه بتفسيره بطريقة واسعة جدًا بدون معايير محددة لما يمكن أن يندرج في نطاقه.
إن الغموض وعدم تعريف المفهوم في الميثاق، والصلاحيات المعطاة لمجلس الأمن في إطار "الملاحظة" و"تقرير" وقوع عدوان أو تهديد السلم والأمن، جعلت تجارب مجلس الأمن لما بعد التسعينات، توسّع هذا المفهوم، بحيث بات يشمل انتهاكات حقوق الانسان، والديمقراطية والارهاب وغيرها.
تدرّج مجلس الأمن في توسيع المفهوم، هو باختصار كما يلي:
أولاً- اعتبار انتهاكات حقوق الإنسان كتهديد للسلام
أ- في قضية العراق في القرار 688\ 1991، وفي المناقشات حول ذلك القرار، اعتبرت الدول أن التهديد يجب أن يكون عابرًا للحدود لكي يُعتبر تهديدًا للسلم والأمن الدوليين، وركّزت على تدفق اللاجئين الى الدول المجاورة باعتباره مصدرًا لذلك التهديد.
ب- الصومال: أصدر مجلس الأمن العديد من القرارات الدولية حول الوضع الإنساني في الصومال[3]، الى أن صدر القرار 733\ 1992 ووسّع مفهوم "تهديد السلم" باعتباره أن الحالة الإنسانية وأعداد القتلى تعتبر تهديدًا للسلم والأمن الدوليين وليس أعداد اللاجئين المتدفقين كمسبب للتهديد كما في الحالة العراقية.
ج- أما القرار 794 (الصومال أيضًا)، فكان القرار الاول من نوعه في مجلس الأمن، الذي يفرض تدخلاً عسكريًا متخطيًا سيادة الدول لأسباب إنسانية، فقد أقرّ استخدام القوة العسكرية بموجب الفصل السابع لتأمين ايصال المساعدات الإنسانية.
لكن تجدر الإشارة هنا، الى أن المجلس استطاع اصدار هذا القرار في ظل غياب حكومة سيّدة.
ثانيًا- عدم تحقيق العدالة الجنائية استمرار لتهديد السلام
يبدو هذا الأمر في تأسيس المحاكم الجنائية الدولية الخاصة: يوغسلافيا ورواندا. في هذا الإطار، اعتبر مجلس الأمن إن عدم تحقيق العدالة وتقديم المتهمين الى المحاكمة يشكّل استمرارًا لتهديد السلم الدولي، أي أنه تبنى وجهة النظر القائلة: بأن العدالة الجنائية ستحفظ السلام وتؤدي اليه.
من الطبيعي أن يعرّف مجلس الأمن أعمال الإبادة والتطهير العرقي كتهديد للسلم والأمن الدوليين، ولكن هنا اختلفت آليات مجلس الأمن في تقرير الوسيلة التي يمكن من خلالها استعادة السلام والمحافظة عليه، فاعتمد آلية تدخلية قضائية كبديل عن التدخل العسكري المكلف لايقاف تلك الأعمال والانتهاكات. عرّف المجلس السلام، ونظر اليه كمفهوم ايجابي واسع وليس كما كان يُنظر اليه تقليديًا - بالمنظار السلبي- أي مجرد غياب العنف. ومع تأسيس المحاكم الدولية الخاصة، بدأ مجلس الأمن من خلال تجاربه يعتبر ان السلام كمفهوم "يفترض" المصالحة الوطنية، وتقديم المتهمين للعدالة[4].
وهكذا، ظهرت ولأول مرة تبريرات سياسية لتأسيس المحاكم فاعتبرها المجلس ضرورية لإيقاف هذا التهديد، وأضاف الى مهام تحقيق العدالة الجنائية، مهام أخرى قد لا تكون من مهام المحاكم بالأصل، وهي تحقيق المصالحة الوطنية، وحفظ الأمن والسلام.
ثالثًا- الاطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطيًا تهديد للسلم
وذلك في هايتي، حيث لأول مرة في تاريخ مجلس الأمن، يعتبر المجلس أن الإطاحة برئيس منتخب ديمقراطيًا هي تهديد للسلم، وذلك بالتدرج في القرارت التالية:
القرار 841\ 1993 اعتبر ان تدفق اللاجئين والتهجير والاطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطيًا هو تهديد للسلم.
القرار 917\ 1994 لم يشر مجلس الأمن الى اللاجئين، بل الى أن فشل السلطات العسكرية في القيام بواجباتها بموجب الاتفاق الذي تمّ توقيعه، وفشلها في تطبيق قرارات مجلس الأمن يعتبر تهديدًا للسلم والأمن في المنطقة.
رابعًا- عدم الالتزام بالقرارات الدولية هو تهديد للسلم
وذلك كما في القرارات المتعلقة بحالات:
- السودان ( القرار 1054 \ 1996- عدم الالتزام بالقرار 1044).
- ليبيا ( 748\ 1992- عدم الالتزام بالقرار 731).
- افغانستان (1267 \ 1998 - عدم الالتزام بالقرار 1214).
وتجدر الملاحظة، أنه حتى في قضايا الإرهاب الدولي، وقبل أن يقوم مجلس الأمن باصدار القرارين 1373 و 1540، كان في قضية لوكربي قد اعتبر أن عدم تسليم المتهمين من قبل السلطات الليبية، وبالتالي عدم الالتزام بقراراته ذات الصلة، يعدّ تهديدًا للسلم والأمن الدوليين. في تلك القضية، لم تكن أعمال الارهاب بحد ذاتها تهديد للسلم والأمن الدوليين، بل تجلّى ذلك التهديد في عدم التزام الحكومة الليبية بمحاربة الارهاب، وعدم التزامها بقرارات مجلس الأمن المستندة الى معاهدة مونتريال، التي تنصّ على أن كل دولة لديها مشتبه بهم بالارهاب، عليها محاكمتهم أو تسليمهم.
وهنا، يمكن القول أن مجلس الأمن توسّع الى حد بعيد في توسيع مفهوم "تهديد السلم والأمن" بحيث يمكن معها اعتبار أنه قد يضم أي عمل من أعمال الدول وحتى السيادية منها.
العنوان الثالث: التدخل بناء لاعتبارات انسانية
في الواقع، قام مجلس الأمن خاصة خلال العقد الأخير من القرن العشرين بتدخلات في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، بناءً لاعتبارات انسانية. وإن كان هذا الأمر في التسعينات يشكّل صدمة من الناحية الحقوقية كما تنقل الورقة الرئيسية عن الباحث سوريل، لكنه لم يعد كذلك بعد مؤتمر القمة العالمية عام 2005، وبالتالي، إن التساؤلات حول قانونية هذا الأمر، وحول ماهية التهديدات الانسانية التي تسمح بالعمل، لم تعد مشروعة من ناحية مدى انطباقها مع القانون الدولي الحالي.
أما السبب فيعود لما يلي:
خلال مؤتمر القمة العالمية 2005 تبنت دول العالم مبدأ " المسؤولية عن حماية المدنيين" فاقرّت مبدأ "المسؤولية في حماية الشعوب في جرائم دولية أربع هي: الإبادة، جرائم الحرب، التطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية". وهذا المبدأ يتمثّل في وجود مسؤولية دولية جماعية عن الحماية يمارسها مجلس الأمن – بموجب الفصل السابع- بأن يأذن بالتدخل العسكري كـ "ملاذ أخير"، عند حدوث إبادة جماعية أو عمليات قتل أخرى واسعة النطاق، أو حدوث تطهير عرقي أو انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي، إذا ثبت أن الحكومات ذات السيادة عاجزة عن منعها أو غير راغبة في منعها.
وتضمّن التقرير موافقة القادة المجتمعين على إقرار مسؤولية الامم المتحدة في حماية المجتمعات من خلال العمل الجماعي لمجلس الامن، لكن الموقعين استدركوا فقالوا ان "تفويض استخدام القوة من قبل مجلس الامن كرد على الابادات والتطهير العرقي، يجب ان تُدرس كل حالة على حدى.[5] case – by- case
وقد أقرّت الدول المشاركة في القمة بالإجماع، هذا الاعلان الذي صدر في تقرير "نتائج مؤتمر القمة العالمي 2005" ووقع القادة المجتمعون تعهدًا بخصوص مبدأ "المسؤولية في الحماية" أدرج في بنود ثلاثة:
- البند 138 الذي تضمن عبارة "إننا نقبل المسؤولية وسوف نتصرف على أساسها"،
- البند 139 الذي تضمن تعهدًا من قبل المجتمع الدولي عبر الأمم المتحدة بـ "المسؤولية" في استخدام جميع الوسائل الممكنة من دبلوماسية وإنسانية...لحماية الشعوب من الجرائم الأربع المتفق عليها.
- والبند 140 الذي تضمن دعم جهود إقرار اتفاقية مكافحة الإبادة.
وبعدها، بدأ المفهوم والمصطلح يدرج في صلب قرارات مجلس الأمن، فصدر لأول مرة في القرار رقم 1674\2006 الذي أعلن - بشكل واضح – تأكيده على "أحكام الفقرتين138 و139 من الوثيقة الختامية لمؤتمر القمة العالمي لعام 2005 بشأن المسؤولية عن حماية السكان من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية"[6].
ثم كرّت السبحة فتوالى إقرار مبدأ "المسؤولية في الحماية" في العديد من قرارات مجلس الأمن[7] حول دارفور وبورما وغيرها... وفي شباط 2011، تبنى المجلس القرار رقم 1970، بتحويل القضية في ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية، بسبب – بحسب ما أُعلن- فشل نظام القذافي في "حماية مواطنيه"[8]، وكان هذا القرار أول سابقة دولية يحوّل فيها مجلس الأمن قضية إلى المحكمة الجنائية الدولية - بشكل واضح- لمنع الارتكابات والانتهاكات تماشيًا مع مفهوم "المسؤولية".[9] ثم أعقبه مجلس الأمن بقرار يحمل الرقم 1973[10] والذي فوّض تدخلاً عسكريًا في ليبيا تحت عنوان "المسؤولية عن حماية المدنيين"[11].
من كل ما تقدم، يمكن القول أن الأمم المتحدة وبإجماع الدول الأعضاء عادت فقوننت ما كان مجلس الأمن قد قام به في إطار تدخلاته "الانسانية" المختلفة، ردًا على انتهاكات حقوق الإنسان، أي أنها استطاعت أن تُدخل - نوعًا ما- ضوابط وحدود قانونية للممارسة في هذا الإطار.
[1] انظر: الفصل الثالث من الاتفاقية: تفسير المعاهدات
المادة 31: القاعدة العامة في التفسير
1- تفسر المعاهدة بحسن نية ووفقاً للمعنى الذي يعطى لألفاظها ضمن السياق الخاص بموضوعها والغرض منها.
2- بالإضافة إلى نص المعاهدة، بما في ذلك الديباجة والملاحق، يشتمل سياق المعاهدة من أجل التفسير على ما يلي:
(أ) أي اتفاق يتعلق بالمعاهدة ويكون قد تم بين الأطراف جميعاً بمناسبة عقدها؛
(ب) أي وثيقة صدرت عن طرف أو أكثر، بمناسبة المعاهدة، وقبلتها الأطراف الأخرى كوثيقة لها صلة بالمعاهدة.
3- يؤخذ في الاعتبار، إلى جانب سياق المعاهدة، ما يلي:
(أ) أي اتفاق لاحق بين الأطراف بشأن تفسير المعاهدة أو سريان نصوصها؛
(ب) أي تعامل لاحق في مجال تطبيق المعاهدة يتضمن اتفاق الأطراف على تفسيرها؛
(ج) أي قاعدة ملائمة من قواعد القانون الدولي قابلة للتطبيق على العلاقات بين الأطراف.
4- يعطى معنى خاص للفظ معين إذا ثبت أن نية الأطراف قد اتجهت إلى ذلك.
[2] المادة 32: الوسائل التكميلية في التفسير
يمكن اللجوء إلى وسائـل تكميلية في التفسير، بما في ذلك الأعمال التحضيرية للمعاهدة وملابسات عقدها، وذلك لتأكيد المعنى الناتج عن تطبيق المادة 31 أو لتحديد معنى النص حين يكون من شأن التفسير وفقاً لتلك المادة:
(أ) أن يترك المعنى غامضاً أو غير واضح؛ أو
(ب) أن يؤدي إلى نتيجة غير منطقية أو غير مقبولة.
[3] أصدر مجلس الأمن 17 قرارًا حول القضية الصومالية خلال الفترة الممتدة بين كانون الثاني 1992 وتشرين الثاني 1994.
[4] وفي تعليله للقرار 918 استند مجلس الأمن الى المادة 39 التي تقول أن على المجلس أن يستعيد ويحفظ السلم والأمن الدوليين، لذا من خلال هذه الآلية يريد المجلس ليس فقط تأمين الأمن والسلم بل والمحافظة عليهما.
[5] على أن يتوصل المجلس إلى رؤية مشتركة بشأن طريقة تقدير خطورة التهديد، ومشروعية الهدف المتوخى من العمل العسكري المقترح، وإمكانية النجاح بشكل معقول في وقف التهديد باللجوء إلى وسائل أخرى غير استعمال القوة، وتناسب الخيار العسكري مع التهديد المطروح، ووجود حظوظ معقولة للنجاح". انظر:
A/RES/60/1, 24 October 2005, 60/1. 2005 World Summit Outcome, pp. 1- 30. www.un.org.
[6] S/RES/1674 (2006) – part 4
أنظر: نص القرار1674 الذي اتخذه مجلس الامن في جلسته5430 المنعقدة في 28 نيسان 2006، والمتعلق بشأن حماية المدنيين في الصراعات المسلحة. الفقرة الرابعة.
[7] أنظر على سبيل المثال لا الحصر: نصوص القرارات:1706، 1714،1769، وخاصة القرار 1755 الذي أعاد التأكيد على مبدأ المسؤولية.
[8] أنظر نص القرار رقم 1970 الصادر في 26 شباط 2011.
[9] كان القرار 1593 الصادر في 31 آذار 2005، قد أحال قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكنه لم يشر إلى مبدأ "المسؤولية عن الحماية" صراحة، لكنه أشار فقط إلى "انتهاك القانون الدولي الإنساني". أنظر نص قرار مجلس الأمن رقم 1593، على الموقع الرسمي للأمم المتحدة.
[10] أنظر نص القرار على الرابط التالي:
[11] وذلك بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 هو قرار أصدرته الأمم المتحدة بتاريخ يوم الخميس 17 آذار 2011 كجزء من رد الفعل الدولي على ثورة 17 شباط في ليبيا، والتي طالبت برحيل القذافي. الأمر الذي جعله يعلن الحرب عليها، وقد فرض القرار عقوبات عدة على حكومة القذافي الليبية تتضمن حظر الطيران فوق ليبيا وتنظيم هجمات مُسلحة ضد قوات القذافي الجوية لمنعها من التحليق في الأجواء الليبية وإعاقة حركتها.
وكان مجلس الأمن الدولي قد أصدر قرارًا سابقًا بشأن ليبيا، رقم 1970 وقد اتخذه مجلس الأمن بالإجماع فرض بموجبه عقوبات دولية على نظام معمر القذافي وفوض المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في الجرائم التي اقترفتها قوات القذافي ضد المدنيين الليبين. لكن القرار لم يخول أي دولة بالدفاع عن المدنيين الليبين أو اللجوء للقوة لحمايتهم.
ووجه قرار مجلس الأمن رقم 1973 ببعض الشكوك والمَخاوف من أطراف مختلفة بشأن الأهداف الخفية من ورائه، ولذا فقد تكررت تصريحات البيت الأبيض ووزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ عدة مرات بأن الهجمات التي يُنظمها القرار لن تهدف إلى احتلال ليبيا أو استعمارها، وإنما ستكتفي بحماية المدنيين وصد قوات القذافي، بينما لن يَتدخل المجتمع الدولي في قضية تغيير النظام الحاكم أو خلع معمر القذافي من الحُكم... لكن بالرغم من كل تلك التصريحات، قام الناتو باحتلال ليبيا، وتمّ خلع القذافي وقتله بطريقة وحشية ومهينة من قبل معتقليه من الثوار، في ظل صمت دولي مطبق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق