د. ليلى نقولا
في منتصف الصيف المنصرم، غرق
الإعلام بموجة من التصريحات المتفائلة والمتبدّلة، والتي تحدثت عن "تغيير ما"
في النظرة الغربية والإقليمية تجاه الحرب السورية، وأن الشروط السابقة والخلاف حول
مستقبل الرئيس بشار الأسد قد انتهى؛ فلم يعد جون كيري يكرر الموقف الأميركي المعروف
منذ سنوات أربع بأن "الأسد فقد كل شرعيته وعليه أن يرحل"، بل بات يتحدث عن
ضرورة "التفاوض معه"، مستكملاً سلسلة من التصريحات التي أوحت بتطور ما في
الموقف الأميركي، ولو غلّفه كيري بضرورة التفاوض مع الأسد لإقناعه بالرحيل في مرحلة
ما من التفاوض.
ومع كيري، برز حديث رجب طيب
أردوغان في موسكو، معتبراً أنه يمكن للأسد أن يبقى في مرحلة أولية من المرحلة الانتقالية،
على أن يرحل في مرحلة لاحقة، وترافق هذا مع حديث مشجّع للأوروبيين حول ضرورة التفاوض
مع الأسد، بينما بقيت السعودية وحدها تغرّد منفردة، معتبرة على لسان وزير خارجيتها
أنه "لا مكان للأسد في سورية".
وبالتزامن مع كل تلك التصريحات
العلنية، والتي دفعت البعض للتفاؤل بإمكانية الذهاب إلى حل سياسي في سورية، كان المحور
الغربي ومعه حلفاؤه الإقليميون يُعدّون خطة يتصورون أنها ستقلب موازين القوى الميدانية،
وتؤدي إلى احتلال دمشق وإسقاط الأسد عبر هجوم برّي ينفذه الجيش التركي بذريعة إقامة
"المنطقة الآمنة"، وتحدثت تقارير صحفية حديثة أن الاستخبارات الروسية والإيرانية
كشفت خطة بدأ التحضير لها في غرفة العمليات التركية لهجوم على حلب وحمص وصولاً إلى
قطع طريق بيروت - دمشق، "كمقدمة للإغارة الواسعة على العاصمة السورية واقتحامها
في شهر تشرين الأول (الحالي)، فضلاً عن هجوم واسع هدفه السيطرة على حمص والدخول من
سهل الغاب إلى تخوم مدينة اللاذقية الساحلية".
ولعل الكشف عن هذه الخطة الغربية
التي أفشلها التدخل العسكري الروسي في سورية، يوضح الكثير من الأمور التي كان يشوبها
بعض الإبهام، وذلك على النحو الآتي:
1- الهجوم
المفاجئ للاجئين السوريين على أوروبا، بعد سنوات أربع من البقاء في دول الجوار الإقليمي
السوري، متحدّين الموت ورحلات العذاب الطويلة. ينجلي اليوم هذا الغموض، فقد كان أردوغان
بحاجة إلى تغطية أوروبية لتدخّله العسكري في سورية، بحجة إقامة المنطقة الآمنة التي
سيقيم فيها اللاجئون، ولو قُدّر له الحصول على الموافقة الأوروبية بسرعة - قبل التدخّل
الروسي - لانقطع سيل اللجوء السوري إلى أوروبا بقدرة قادر!
2- تراجُع
"تيار المستقبل" عن الوعود التي كان قد قطعها والتسويات التي كان بصدد الدخول
فيها، ثم تعنّت "المستقبل" وحلفاؤه ومعهم بعض قوى 8 آذار في إعطاء العماد
عون أي فرصة لمكسب أو إمكانية النفاذ إلى تسوية مقبولة، والذي ترافق مع الحديث عن عزل
العماد عون وكسره.. وذلك لاعتقاد هؤلاء أنه ما هي إلا شهور وتسقط دمشق بيد الحلف التركي
- السعودي، فيسهل اجتثاث المسيحيين، ويعود لبنان إلى حكم "الترويكا" التي
حكمته خلال التسعينات.
وهكذا، يبدو أن التصريحات المتفائلة
بقرب الوصول إلى حل سياسي في سورية لم تكن سوى نوع من إراحة الأجواء الدولية وذرّ الرماد
في العيون، للانقضاض على دمشق فجأة بعد تمهيد الأرضية الدولية لذلك، بحيث يكون إسقاط
سريع للنظام يُسقط في يد الإيرانيين والروس معاً.. وبالنتيجة، يمكن القول إن السيناريو
المتفائل بأن تنسيقاً ما تمّ بين الأميركيين والروس تدخّل على أثره الروس في سورية،
لم يكن حقيقياً وواقعياً، وإن الخلاف الروسي الأميركي على سوريا أعمق مما يظهر للعلن..
ويتضح أيضاً أن التدخّل الروسي الذي فاجأ الجميع في سورية قد أحبط مخططاً جهنمياً قوامه
احتلال تركي لسورية، كان سيُغرق الشرق الأوسط في أتون من التطهير العرقي وإبادة الأقليات
الدينية.