2012/04/26

العالم العربي والديمقراطية: اشكالية الاسلام والديمقراطية

محاضرة ألقيتها في مؤتمر عقدته الجامعة اللبنانية الأميركية LAU- جبيل، بعنوان "لغة الديمقراطية مقاربات وتحولات"، في 26 نيسان 2012.


مقدمة
باستثناء لبنان، الذي يعرف شكلاً مختلفًا من صيغ الحكم، والذي يُطلق عليه اصطلاحًا اسم "الديمقراطية التوافقية" – وهو ليس موضوع مداخلتي- نجد أن العالم العربي يعاني من مجموعة من المعوقات التي لم تسمح بإقامة حكم ديمقراطي صحيح فيه، بالاضافة الى اشكالية كبرى تكمن في الجدلية القائمة بين الاسلام والديمقراطية، وهل هما مفهومان يمكن أن يتعايشا أو أن أحدهما يشكّل نفيًا للآخر؟
لذا، وبعيدًا عن التعريفات المتعددة للديمقراطية، وجذورها التاريخية الضاربة في التاريخ منذ أثينا، وبعيدًا عن ذاك التمجيد والتقديس لمفهوم الديمقراطية والتغني بفذاذتها، وأنا هنا لن أشيد وأمدح بها، ولن أتباكى على فقدانها في مجتمعاتنا، كما أني لن أهجيها – كما يفعل البعض – باعتبارها مفهومًا غربيًا مستوردًا، يتم فرضه بالقوة على مجتمعات غير مؤهلة له.. وبسبب ضيق الوقت، لن أستطيع أن ادخل في تفاصيل المعوقات الداخلية والخارجية لقيام الديمقراطيات في العالم العربي، وهي أمور نوقشت بشكل كبير في الكثير من المنشورات والمؤتمرات والندوات السابقة. لذا، سأحصر مداخلتي، في اشكالية تزاوج الاسلام والديمقراطية، وخاصة لأن التطورات الأخيرة التي حصلت في العالم العربي، واستعداد الاسلاميين لتولي الحكم في معظم البلدان التي أطاحت بحكامها، كلها عوامل تؤشر الى عودة قوية لطرح هذه المفاهيم على بساط البحث، وضرورة مناقشتها بشكل علمي جاد وهادف.
وهكذا، سأحاول أن أقارب موضوع الاسلام والديمقراطية في العالم العربي فحسب-  آخذة بعين الاعتبار أن هناك فكرًا اسلاميًا غير عربي يقارب أنواعًا مختلفة من الديمقراطية، ومنه على سبيل المثال لا الحصر، مفهوم ولاية الفقيه المطبقة في ايران- وسأقارب هذا الفكر الاسلامي العربي وجدلية الاسلام والديمقراطية من خلال سياقاته التاريخية والمفاهيمية، فهل العلاقة بين الإثنين، هي علاقة تكامل ورفد بين الواحد والآخر، أو أن كل منهما يقوم بنفي للآخر كما يحاول بعض الاسلاميين أن يصوّروا؟

أولاً-  تعريف الديمقراطية ومقوماتها الأساسية
بالمبدأ، ليست الديمقراطية عقيدة ايديولوجية فكرية، ولا هي دوغما تتنافس مع الأديان على حيّزها الخاص، وإنما هي منهج ونظام حكم يتأثر مضمونه، بالضرورة، باختيارات المجتمعات التي يطبّق فيها.
وانطلاقًا من هذا المبدأ، سأعتمد في مداخلتي التعريف التالي للديمقراطية:
الديمقراطية هي صيغة لإدارة الصراع فى المجتمع بوسائل سلمية، من خلال قواعد وأسس متفق عليها سلفًا بين جميع أطراف العقد الاجتماعي، للعمل على تحقيق الصالح العام، وتضمن تداول السلطة في الدولة، من خلال انتخابات حرة ونزيهة.
ومن خلال دراسة تجارب الدول الديمقراطية في العالم وممارسات الحكم فيها، نجد مقومات عامة مشتركة بين أنظمة الحكم التي تكتسب اليوم صفة الديمقراطية. وتتمثل هذه المقومات في ما يلي:
أولاً: الشعب مصدر السلطات، وهو شرط أساسي، فبغير ذلك يكون انتقاص للسيادة الشعبية فنتحول من المفهوم الديمقراطي الى مفاهيم أخرى أسبق، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، سيادة الفرد المستمد سلطته من الله وهو الحكم الثيوقراطي.
ثانيًا: انتخابات حرّة ونزيهة يقوم من خلالها الشعب بتفويض سلطاته السيادية الى ممثلين عنه، وذلك بشكل دوري، وتعبّر نتائجها عن ارادته الحقيقية، وتؤدي إلى تداول السلطة وتحقيق ولاية الشعب على نفسه.
ثالثًا: المواطنية الكاملة التي تؤدي الى مساواة تامّة بين المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز بينهم بسبب الدين أو المذهب أو العرق أو الجنس أو أي اعتبار ديني أو سياسي أو اجتماعي آخر. ولعل هذا المعيار هو من المكوّنات الرئيسية لقيام الديمقراطية، فبفضله انتقلت الصراعات في أوروبا من حروب دينية مدمرة إلى آليات أخرى من الصراع السلمي، وذلك بسبب تحوّل الدولة إلى مجموعة مؤسسات تحكم وتقف على مسافة واحدة من جميع مواطنيها بغض النظر عن انتمائاتهم الدينية.
رابعًا: العقد الاجتماعي المتجدد الذي يتم تجسيده في دستور ديمقراطي ملزم للجميع، ويتساوى أمامه وفيه - وفي القانون-  جميع المواطنين حاكمين ومحكومين، ويكون منبثقًا عن إرادة الاغلبية من المواطنين بما هي تعبير عن السيادة الشعبية، ويتم تعديله وفقًا لتطور حاجات الأجيال المتعاقبة. ومن الطبيعي أن يتضمن احترامًا تامًا للحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، واحترامًا للتعددية، وفصلاً تامًا بين السلطات، وإقامة التوازن بينها بإعطاء كل سلطة صلاحية ضبط السلطات الاخرى مراقبتها.
خامسًا: قيام الأحزاب السياسية التي تتنافس فيما بينها على أساس برامج واضحة للحكم، وتفعيل منظمات المجتمع المدني على قاعدة المواطنية وممارسة الديمقراطية داخلها وفيما بينها. فممارسة الديمقراطية في الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وفيما بينها مؤشر على امكانية تجذر الممارسة الديمقراطية في المجتمع واستيعابها في الثقافة السياسية كمعيار أخلاقي وقيمي، إلى جانب كونها ضمانة لاستمرار الممارسة الديمقراطية عند وصول تلك الاحزاب الى السلطة.
انطلاقًا من هذه المفاهيم والمعايير، كيف نصنّف الدول العربية "ديمقراطيًا"، وكيف يمكن أن نقارب موضوع الديمقراطية التي يختلف الباحثون والفقهاء المسلمون حول مدى مطابقة مبدأ "الشورى" الوارد في القرآن الكريم[2] مع قيم الديمقراطية الغربية.

ثانيًا- جدلية الشورى والديمقراطية
تعددت كتابات العلماء والمفكرين المسلمين في مقاربة موضوع الشورى والديمقراطية، والمتتبع لهذه الكتابات يرى ثمة اتجاهات فكرية ثلاث برزت في هذا المضمار:
الاتجاه الأول: حاول إبراز التلاقي بين الشورى في الإسلام والديمقراطية المعاصرة.
الاتجاه الثاني: حاول أن يقارن بين نظرية الشورى في الإسلام مقابل الديمقراطية المعاصرة، ليقول أن الشورى أوسع وأعمق من الديمقراطية المعاصرة.
الاتجاه الثالث: هاجم الديمقراطية المعاصرة، ورفضها جملة وتفصيلاً، واعتبر أن لا سبيل إلى مزج الإسلام بالديمقراطية، ولا سبيل إلى القول بأن الإسلام نظام ديمقراطي.
ان المطلع على التراث الفكري الاسلامي وخاصة منه ما يقارب موضوع الشورى والديمقراطية، يجد أن هذا الفكر وهذه التباينات ارتبطوا بشكل كبير، بأربع مراحل تاريخية سياسية - أو يمكن لنا القول ثلاث مراحل وربع باعتبار ان المرحلة الاخيرة لم تتبلور بعد- وهي على الشكل التالي:

1- مرحلة القرن التاسع عشر وما قبل سقوط الخلافة
حاول مفكرو القرن التاسع عشر المسلمين من الذين تأثروا بفكر وممارسة الديمقراطية الأوروبية، إثبات وجود تشابه بين الديمقراطية والمفهوم الإسلامي للشورى، وسعوا في مواجهة أزمة الحكم المستفحلة، والفساد المستشري، والسلوك الاستبدادي للحكام في العالم الإسلامي إلى تبرير اقتباس جوانب من النموذج الغربيّ الديمقراطي.
ولعل من أوائل من أثاروا حوارًا حول الفكرة الديمقراطية في العالم العربي كان الشيخ رفاعة الطهطاوي[3]، الذي حرص على إثبات أن النظام الديمقراطي الذي كان تشهده في فرنسا ينسجم انسجامًا تامًا مع تعاليم الإسلامي ومبادئه.
ومن الفقهاء الذين كان لهم السبق في هذا المجال أيضًا، رموز تيار الاصلاح الديني ومنهم:
-        خير الدين التونسي (1820 – 1889) رائد حركة الإصلاح التونسية في القرن التاسع عشر، الذي حذّر من مغبة رفض تجارب الأمم الأخرى انطلاقًا من الظن الخاطئ بأنه ينبغي نبذ الكتابات أو الاختراعات أو التجارب أو التصرفات الناشئة عن غير المسلمين. ودعا الى إقامة حكم الشورى القائم على العدل والحرية وتعدد مؤسسات الحكم، كما طالب العلماء بتوسيع مفهوم السياسة الشرعية، وعدم قصرها على ما ورد فيه نصٌّ من كتاب الله وسنة رسوله.[4]
-       محمد عبده (1849-1905) الذي رأى أن مصطلح المصلحة عند المسلمين يقابل المنفعة عند الغربيين، وبأن الشورى تقابل الديمقراطية وأن الإجماع يقابل رأي الأغلبية. ولدى معالجته إشكالية السلطة، أكد عبده بأنه لا يوجد حكم ديني (ثيوقراطية) في الإسلام، معتبرًا أن مناصب الحاكم أو القاضي أو المفتي هي مناصب مدنية وليست دينية[5].
-       عبد الرحمن الكواكبي (1849-1903) الذي تحدث عن "تحوّل السياسة الإسلامية، حيث كانت نيابية اشتراكية، أي ديمقراطية تمامًا، فصارت بعد الخلفاء الراشدين ملكية مقيدة بقواعد الشرع الأساسية، ثم صارت أشبه بالمطلقة"[6].
-       محمد رشيد رضا (1856-1935) الذي رأى أن سبب تخلّف الأمة يكمن في أن المسلمين فقدوا حقيقة دينهم، وأن ذلك مما شجعه الحكام الفاسدون، لأن الإسلام الحقيقي يقوم على أمرين: الإقرار بوحدانية الله، والشورى في شؤون الدولة.. ودعا لإنشاء الجمعيات والهيئات (اي الاحزاب ) كما رأى ان" اهل الحل والعقد " التاريخيين يمكن أن يتحددوا بالانتخاب العام فيراقبوا السلطة التنفيذية حسب المصلحة، ويقوموا التوازن المطلوب كي لاتطغى قوة اجتماعية او سياسية على غيرها او يطغى عليها جميعا السلطان. وأكّد أن أعظم درس يمكن أن يستفيده أهل الشرق من الأوروبيين هو معرفة ما يجب أن تكون عليه الحكومة[7].

2- المرحلة الثانية: سقوط الامبراطورية العثمانية وظهور الاخوان المسلمين
إثر سقوط الخلافة العثمانية لم يعد التحدي الذي يواجهه المفكرون المسلمون هو الاستبداد، بل ما اعتُبر آنذاك، ضياع رمز الوحدة الإسلامية، وسقوط الدولة الاسلامية.
وتماشيًا مع اتهام المسلمين للغرب باسقاط الامبراطورية العثمانية، سادت خطابات تشير الى الدول الاوروبية بوصفها قوى إمبريالية مزقت الخلافة، وتقاسمت تركتها وتريد أن ترث الحضارة الاسلامية وتُنهيها، من خلال اسقاط المفاهيم الاسلامية، وفرض نماذج "غريبة" على المجتمعات الاسلامية. وهكذا أصبحت الأولويات: الكفاح لتحرير ديار العروبة والإسلام، الحفاظ على هوية الأمة المستمدة من عقيدتها ولغتها، وحماية الثقافة من الطمس والتبديل. وهنا ظهر تنظيم الاخوان المسلمون في مصر عام 1928، ومؤسسه حسن البنّا الذي أعلن أن إعادة الخلافة فرض عين على كل مسلم ومسلمة.
بالنسبة لموقف الاخوان المسلمين من الحكم الديمقراطي، وبالرغم من أن بعض الباحثين أشاروا الى قبول البنّا بالديمقراطية، مرتكزين الى:
1) ترشحه للانتخابات النيابية في مصر مرتين؛
2) انه في العام 1948 ألقى محاضرة بمقر جمعية الشبان المسلمين بعنوان: الديمقراطية الاسلامية[8]،
3) تأكيده على أن النظام البرلماني ينسجم من حيث المبدأ مع نظام الحكم الإسلامي...
لكن مواقف البنّا وكتاباته - كما اطّلعنا عليها- لم تعكس موافقة أو تأييد للنظام الديمقراطي كما عرّفناه في القسم الاول من هذه المداخلة، فالديمقراطية ليست مجرد انتخابات ونظام برلماني فحسب، وإنما تتألف من معايير عدّة أخرى لم يكن البنّا يوافق عليها[9]، وأهمها:
-       ينفي البنّا مبدأ السيادة الشعبية، يؤكد البنّا في كتابه الرسائل تحت عنوان "نظام الحكم” ان الحاكم او المسؤول هو مسؤول امام الله عن الشعب وحكمه لهم وهل قام بتطبيق الشريعة الاسلامية ام لا. وهذه تعطي الحاكمية لله وتنفي مبدأ السيادة الشعبية، التي هي أساس الحكم الديمقراطي.
-       وبالرغم من موافقة البنّا على مبدأ الانتخابات، لكنه حدد أن على الأمة واجب الاختيار من بين "أهل العقد والحل”، أي أن البنّا لا يوافق على مبدأ المساواة في الفرص والمساواة في حق الترشح للجميع، وهذا يناقض المعايير الديمقراطية.
-        لا يعترف البنّا بمبدأ المساواة في المواطنية،  ونجد ذلك من خلال أمرين:
أ- هو يعتبر أن الاسلام يحمي الاقليات غير المسلمة فقط من باب البرّ والاحسان الى غير المسلمين، وليس من مبدأ احترامهم لحقوقهم المواطنية في الدولة.
ب-  بالنسبة للحكومة أو السلطة التنفيذية، يرى البنّا أن الحكومة يجب أن تكون إسلامية بحق، واعضائها مسلمين يؤدون الفرائض الاسلامية، ولا يقومون بمعصية الله ومخالفة أوامر الاسلام، وان تنفّذ هذه الحكومة أوامر الله والاسلام. وهذا الأمر الأخير ينقض مبدأ السيادة الشعبية أيضًا.
-       لا يقرّ البنّا التشريع المنبثق من الارادة الشعبية، يعتبر البنّا ان هناك نوعين من التشريع: التشريع ابتداء والتشريع ابتناء، اما الابتداء فهو حقّ الله وحده في التشريع ويتمثل ذلك فيما أحلّه الله وما حرمه في القرآن والسنّة، أي أن هذا التشريع مقرر ومحدد من الله، ولا يستطيع أي طرف أن يمسّ به سواء أكان مجلسًا تشريعيًا، أو برلمان منتخب من الأمة والشعب فهو جامد وثابت غير متغير.
اما تشريع الإبتناء فهو التشريع المتروك للبشر فهم يجتهدون به وذلك دون المسّ بالأحكام الإسلامية. ويكون ذلك التشريع في الامور التي تسيّر الحياة العامة وتنظمها مثل التعليم والمرور ومقاومة الامراض الموجودة في المجتمع، وطريقة هذا التشريع يكون بالاجتهاد حيث يستند هذا التشريع على الاوامر والنواهي التي أقرّت في الاسلام فيجتهد المجتهدون ويشرعوا تشريعات ويقروا القوانين بالدمج بين الواقع الموجود على الارض وبين أحكام الاسلام الأساسية.
-       يعارض التعدديّة الحزبية، إذ يرى أن الأحزاب السياسية تهدد الوحدة الإسلامية، ودعا الى حلّها جميعًا ودمج القوى جميعها في حزب واحد[10]. وهذا ضرب لأهم مبادئ النظم الديمقراطية أي التعددية.
-        لا يعترف البنّا بالمساواة بين الرجل والمرأة، فيعتقد البنّا ان هناك فرق بين الرجل والمرأة، ونتيجة لذلك فإن المرأة يجب ان تتعلم تدبير المنزل وكيفية تربية الطفل والعلوم الاساسية مثل القراءة والكتابة والحساب ولا حاجة للمرأة للتبحر بالعلوم. وهذا يمسّ بأبسط مبادئ حقوق الانسان الاساسية التي يقرّها النظام الديمقراطي.

3- المرحلة الثالثة: الاستقلال وصعود التيارات الاسلامية
في فترة ما بعد الاستقلال، وخاصة في فترة الخمسينات من القرن العشرين، وما بعدها في عقود السبعينيّات والثمانينيّات، بدأت تُطرح مجموعة من الاعتراضات حول مدى توافق الديمقراطية مع الإسلام، وانكار هذا الأمر، وأهم هؤلاء حزب التحرير الذي كان من أوائل من طرح جملة من الاعتراضات، فاعتبر الديمقراطية "نظام كفر يَحرُمُ أخذُها أو تطبيقها أو الدعوة إليها"[11].
وتجدر الإشارة، في هذه المرحلة، الى ازدياد قوة التيار الوهابي وتوسّعه الذي ترافق بشكل كبير مع الثورة النفطية في الدول الخليجية، التي صرفت المليارات من الدولارات في نشر تعاليم العقيدة الوهابية المتشددة في البلاد العربية والعالم، من خلال المدراس القرآنية وغيرها. وهذا التيار لا يؤمن بأي شكل من أشكال المشاركة في الحكم لا ديمقراطي ولا سواه، بل يقوم على مبدأ الاستئثار وتكفير الآخر والغائه، وممارسة العنف باسم الجهاد في سبيل الله ضد من كل من يخالفهم ويعارضهم حتى من ضمن مذهبهم. ويعتبرون أن غاياتهم النهائية هي إقامة دولة الخلافة الإسلامية وتطبيق مبدأ "حاكمية لله"[12].
ويشار أيضًا، الى وضوح رفض الديمقراطية لدى الأخوان المسلمين مع مرشدهم سيد قطب، وتكفير الديمقراطية من قبل التيار السلفي بشكل خاص.
-       سيد قطب (1906-1966)، وقد اتخذ موقفًا حازمًا ضدّ أي محاولة للتوفيق بين الإسلام والديمقراطية، وعارض بشدة وصف الإسلام بأنه ديمقراطيّ، ودعا إلى دكتاتورية عادلة تضمن الحرّيات السياسية للصالحين فقط.. وكان يتساءل: إذا كان نظام الحكم الديمقراطي قد أفلس في الغرب، فلماذا نستورده نحن في الشرق؟[13]
-       التيار السلفي:
 يتصور بعض المشايخ أن الديمقراطية هي "شرع الكفار ومنهج وثني"، وعلى المستوى الفكري هي قبول صريح بالأدب الإباحي وأدب الزنادقة، ويحكم فيها "الفساق والعصاة والكفار والنساء والمحاربون لدين الله" ومن ثم فهي تؤدي حتمًا إلى انتشار الإباحية والشذوذ.[14] ومؤخرًا، قام السلفيون بتحريض النساء في موريتانيا على التظاهر ضد العلمانية والديمقراطية.
وتنطلق اعتراضات هؤلاء من بعض النصوص الشرعيّة التي يرون أنها تتعارض مع فكرة النظام الديمقراطي،  وهي كما يلي:
1- الديمقراطية تسمح بتقدم الضاليين فكريًا أو العلمانيين للسلطة، وهي نظام مكروه لأنها تجعل البشر يصوتون على أحكام الله.
2- الديمقراطية منتج غربي لا علاقة له بالتراث السياسي الإسلامي.
3- الديمقراطية تقوم أساسًا على مبدأ حكم الشعب، وفي الإسلام الحكم للشريعة لا للشعب.
4-  الديمقراطية تجعل القرار واختيار الحاكم مرهونًا بكل الناس، وفي النظام الإسلامي يجب أن يكون القرار مرتَهَنًا بأهل الحل والعقد، وهم أهل العلم والأذكياء والباحثين والفقهاء.
5-  قرار الشعب في الديمقراطية مُلزِم للسلطة التنفيذية، وقرار الشورى في الإسلام مُعلِم لا مُلزم.
6- الديمقراطية تنطوي على تشريع المعارضة لولاة الأمر حتى في (المعروف)، فيما الإسلام يأمر بالسمع والطاعة في المعروف.

لكن تجدر الملاحظة، أنه بالتوازي مع هذا الفكر، برزت أفكار تجديدية هامة في الفكر الاسلامي العربي حول الديمقراطية[15]، وخاصة في فترة التسعينيات من القرن الماضي، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، الشيخ محمد مهدي شمس الدين، والعلّامة السيد محمد حسين فضل الله من لبنان.
ونلاحظ أن الفكر الديني الشيعي يأخذ بالديمقراطية القائمة على خيار الاكثرية، ولكن مع ضوابط شرعية خشية الشطط أو الانحراف بتأثير من عوامل الترغيب أو الترهيب التي تفسد الديمقراطية عادة وهذا ما اعتمده الشيخ شمس الدين بشكل مبطن، وأكد عليه السيد فضل الله عند ما تحدث عن التباين في البنى الفلسفية بين الشورى والديمقراطية.
تحدث الشيخ محمد مهدي شمس الدين[16]، عن ولاية الأمة على نفسها، ودعا إلى الديمقراطية[17] معتبرًا انها الحلّ الوحيد للمجتمعات الاسلامية، وأكدّ  انه بإمكان غير المسلمين من مواطني المجتمع الاسلامي تولّي مناصب الدولة، سواء كانت سياسية أو ادارية.
دعا الشيخ شمس الدين الى دولة مدنية، فأخرج الدولة الاسلامية من إلهيتها وقداستها الى مجال دنيوي غير مقدس ومتجاوز للأشكال التاريخية للدولة. وابتكر نظرية "ولاية الأمة على نفسها" والتي تتلخص في :
أ ـ هناك أحكام إلهية ثابتة ونهائية لا يجوز تجاوزها تحت أي ظرف[18]، لكن لا أحكام ثابتة في الشريعة الاسلامية في ما يخص النظام السياسي والحكومة.
ب ـ بيان الاحكام الثابتة الشرعية هي من مسؤولية الفقهاء، بينما لا دور للفقهاء في مجال السلطة السياسية أو الحاكمية، ولا ولاية عامة لهم .
ج ـ تملك الامة الولاية على مقدراتها في إطار الشريعة الإسلامية والإنسان مسؤول عن نفسه والمجتمع ولي نفسه، وتكون الأمة حاكمة على مصيرها ومقدراتها، ولا يعتبر الفقه شرطًا لرئيس الدولة الاسلامية المنتخب .
د ـ يجب ان تنسجم الدولة مع طبيعة المجتمع الذي تنطلق منه، وأن تمتزج في أعماق الأمة وعقول الناس، وأن تستفيد من التجربة الانسانية.
أما العلامّة السيد محمد حسين فضل الله[19] فقد تبنى رؤية وسطية توافقية حول الموضوع فقال: «إننا نختلف مع الديمقراطية في نقطة فلسفية أساسية، وهي أن الديمقراطية تعتبر أن الشريعة هي (الأكثرية)، وأن الحق معها، من دون أي ضابط، وليس لأحد على الأكثرية أي حدود، ولكن الإسلام ليس كذلك، لذلك فإننا نقول يجوز أن نأخذ بالديمقراطية كآلية ولكننا لا نتبنى فلسفتها».  
وفي مكان آخر يقول: "إنّ الدين ليس غريبًا عن اللقاء بالأسلوب الديموقراطي، وإن كان بعيدًا عن الخلفية الفكرية للديمقراطية. ومما لا شك فيه أنّ نظام الشورى وهو الأخذ برأي الأكثرية من قبل الفقيه هو تمثيل لرأي الأكثرية أو ما يعرف بالديمقراطية في معنى آخر في الغرب".
4- المرحلة الرابعة: ما بعد الثورات العربية: بداية مرحلة لم تتبلور بعد
لم تتبلور معالم هذه المرحلة بعد، خاصة أن الحكم في تونس ومصر لم يستقر بشكل كامل لمعرفة مدى ديمقراطية "الاسلاميين الجدد" وهل سيمارسونها أم لا.
لكن، يمكن الاشارة الى موقف الاخوان المسملين بعد الثورات الذي يشير أن الديمقراطية هي حافلة يركبونها للوصول الى السلطة فقط، وبعدها يتخلون عنها، ويكفّرونها ويعتبرون ان الديمقراطية هي كفر ولا يجوز الاقرار بمبدأ سيادة الشعب[20].
ونلفت هنا الى ما أشارت اليه صحيفة واشنطن بوست من "نفاق" يمارسه الاخوان المسلمون[21] يظهر من خلال موقعي الاخوان على الانترنت الانكليزي والعربي؛ ففيما يتعلق بالديمقراطية، تضمنت الصفحة الرئيسية الصادرة بالإنجليزية في أحد أيام كانون الثاني 2012 مقالات عدّة شملت عناوين رئيسية مثل "لماذا الإسلاميين هم ديمقراطيون أفضل" و"الديمقراطية: أحد أهداف الشريعة" ، بينما لا يوجد شيء مماثل في النسخة العربية، التي يتصدرها مقالات ثلاث ضد حرية الصحافة، في نفس الوقت.
كما نلفت الى أن التطورات في تونس وما قامت به الحكومة الاسلامية الجديدة من قمع شديد للتظاهرات، بالاضافة الى الدستور التونسي الذي أقر ولم يقرّ مبدأ المساواة في المواطنية وغيرها، يشير الى ان الديمقراطية لا تبدو في اهتمامات الاسلاميين الواصلين الى الحكم على أكتاف الثوار الشباب المطالبين بالحريات والديمقراطية واحترام حقوق الانسان.

ثالثًا – الاسلام والديمقراطية لا يتعارضان
واقعيًا وتاريخيًا، لقد تمّ تكريس الاستبداد في البلاد العربية عن طريق رجال الدين الذين سايروا الحكام المستبدين، والذي أطلق عليهم عالم الاجتماعي العراقي الراحل الدكتور علي الوردي صفة (وعاظ السلاطين). قام هؤلاء باختلاق الكثير من الأقوال واسنادها إلى النبي في طاعة الحاكم حتى ولو كان مستبدًا جائرًا، منها على سبيل المثال لا الحصر: "اسمع وأطِع حاكمك، وإن جلد ظهرك وأخذ مالك".
برأيي الخاص - وهو رأي علمي بحثي، لا يدّعي الشرعية الفقهية ولا الدينية – أجد أن الديمقراطية والاسلام لا يتعارضان، وإن الرأي القائل بذلك التضارب، هو تحجيم لقيم الاسلام الحقيقة التي أتى بها النبي محمد، وأبني هذا الموقف العلمي على الدستور الذي أقرّه النبي محمد ويسمى الصحيفة.
بداية، نلاحظ أن دستور الدولة الإسلامية الأول – الصحيفة - لم يقم على النصوص القرآنية البحت، بل على مبادئ التضامن والتكافل والدفاع عن الجماعة ضد الاعتداءات الخارجية[22].  وقد اقرّ ذلك الدستور القيم التالية:
أ-  احترام تنوع المجتمع وتعدد فئاته، واعترافه بحرية المعتقد للجماعات الدينية المختلفة.
جمعت الصحيفة في طياتها بين الجماعة الدينية والجماعة السياسية على أسس الحقوق والواجبات المشتركةـ مع مراعاة الخصوصية الدينية لكل فئة من فئات مجتمع المدينة. وهكذا أسست لمبدأ الحقوق والواجبات المشتركة التي تقوم على الاعتراف بالغير كقيمة إنسانية، وتلتقي في مسارات عدة، كاحترام النظام، والمشاركة في الدفاع عن الوطن واحترام الدستور، والإنفاق من أجل حماية المجتمع وتطويره.
إذًا نستنتج أن دستور الصحيفة لم ينفِ "مواطنية" غير المسلم في تلك الدولة، بل شرعن دستور الدولة الاسلامية الاولى تعايش الفئات المختلفة واعترف بالأديان الأخرى.
فكيف يقوم المسلمون اليوم، بمحاولة الغائية لمواطنية غير المسلمين في الوطن وحرمانهم من حرية المعتقد؟
ب- أقرّ دستور الصحيفة مبدأ التمايز الواضح بين الديني والسياسي
وظلّ هذا التمايز واضحًا في سلوك النّبي بين ما هو ديني وفيه واجب التقيّد والإلزام، وبين ما هو سياسي وهو مجال للإجتهاد. وأحيانًا كان الأمر يختلط على الصحابة فيسألون النبي: هل هذا وحي ملزم أم هو رأي ومشورة؟ فإذا كان الأمر وحيًا قال ذلك فيطيعونه، وإذا كان سياسيًا كان يقول هو مجال للرأي والمشورة، عندئذ يتناقشون معه في الرأي[23].
فإذا كان النبي قد ميّز بين الديني والسياسي وسمح بتعدد الآراء، كيف يقوم مسلمو اليوم بانكار هذا التمايز والخلط بين ما هو ديني أي تلك العلاقة الخاصة بين الله والانسان، وما هو سياسي ومحوره العلاقة بين البشر وترتيب أمورهم الدنيوية؟.

ج-  نلاحظ ايضًا أن دستور الصحيفة أقرّ بالواقع القبلي والعشائري السائد، أي القاعدة الاجتماعية والاقتصادية لتلك الدولة الاسلامية الاولى. كما أقرّ النبي أن ليس من مهمة الدين ان ينظم أمور الدولة بل يعطي التوجيهات العامة والمبادئ الموجهة للحكم الذي يبقى أمرًا تقنيًا و"الناس أعلم بأمور دنياها".
ويمكن إدراج الواقعة التالية التي وردت في محاضرة حديثة للشيخ راشد الغنوشي:
مرّ النبي في أحد الأيام على قوم في المدينة وهم يتبّرون النخل، فقال - بحكم أنه قادم من مكّة وليس في تجربته شيء من الزراعة- ما أرى مفيدًا أن تضعوا هذا الشيء.
فظنّ أهل المدينة أو قسم منهم أنّه وحي، فلم يتبِّروا النخل تلك السنة، فأتى مُرًا. فسألوه: لماذا أمرتنا بهذا؟ فقال: "أنتم أعلم بأمور دنياكم". فليس من مهمة الدين تعليمنا أساليب الزراعة وأساليب الصناعة وحتى أساليب الحكم وكيف ندير الدولة لأنّ كل هذه تقنيّات، والعقل مؤهل فيها إلى أن يصل إلى الحقيقة من خلال تراكم التجارب. إن مهمّة الدين أن يجيبنا عن القضايا الكبرى التي تتعلّق بوجودنا، أصلنا، ومصيرنا، والغاية التي خُلقنا لأجلِها، وأن يعطينا نظام قيم ومبادئ التي يمكن تمثل توجيهات لتفكيرنا وسلوكنا ولأنظمة الدولة التي نسعى إليها.
فكيف يمكن لمسلمي اليوم أن يرفضوا الاعتراف بتلك القواعد التي أقرّ بها النبي، ومحاولة القول بوجود قواعد الهية أزلية لا تتغير يجب أن تحكم المجتمعات كافة؟.

خاتمة
برأيي، إن ما قاله النبي من ان الدين يعطي قيم ومبادئ موجّهة لأنظمة الدولة، وهذا لا يمس بمبدأ الديمقراطية بشيء، لأن الديمقراطية المطبقة في العالم تقبل بالقيود الدستورية على التشريع، وتحدد قيمًا تحد دستوريًا من سلطة المشرع، وبالعكس هي تشجع على ذلك.
على سبيل المثال، نجد أن أحكام المحكمة الدستورية في الولايات المتحدة كإلغاء الرق لتعارضه مع القانون الطبيعي، تشير إلى وجود قيود على حرية المشرع في الديمقراطية الليبرالية أيضًا.
نجد أيضًا أن الدساتير الديمقراطية تلتزم بالاعلان العالمي لحقوق الانسان والمواثيق الدولية ذات الصلة، لذا فإن مراعاة مبادئ الشريعة الإسلامية في الدول التي يكون غالبية سكانها من المسلمين، لا يتعارض في حد ذاته - من حيث المبدأ - مع الديمقراطية، لكن الخوف المشروع يكمن في:
-       أن يؤدي ذلك الى اقامة حكومة ثيوقراطية، أو يعطي علماء الدين مباشرة سلطة معطلة لمبدأ الشعب مصدر السلطات.
-       عدم التفسير الصحيح للقرآن، ما يجعل البعض يكّفر الاقليات الدينية غير المسلمة ويمنع عنها مواطنيتها، ويدعو لاجتثاثها وقتلها وحرمانها من حرية المعتقد والرأي والتفكير، وهو ما نلمسه بقوة في العالم العربي اليوم.
-       تحديد من هي الجهة التي يحق لها أن تفصل في أمر مدى مراعاة القانون للشريعة الإسلامية من عدمه. برأيي، يجب أن يكون الأمر منوط بمحكمة دستورية تنظر في دستورية القوانين وليس بأي جهة دينية.

وسأنهي مداخلتي بقول لراشد الغنوشي يقول فيه:
الدين مداره الأساسي ليس أدوات الدولة وإنما القناعات الشخصية، أمّا الدولة فمهمّتها تقديم الخدمة للناس، أمّا قلوبهم وتديّنهم فأمرها لله. ...إذا كان مبدأ لا إكراه في الدين متفقًا عليه فقد دافعت عن مبدأ الحرّية في الإتّجاهين: حرّية الولوج في الدين وحرية مغادرته، لأنّه لا معنى لتديّن يقوم على الإكراه، ولا حاجة للأمّة الإسلامية بمنافق يبطن الكفر ويظهر الإيمان والإسلام.
الكلام جميل.. ولكن تبقى العبرة في التطبيق.









[1]  ورقة مقدمة لمؤتمر الجامعة اللبنانية الأميركية حول الديمقراطية يوم الخميس في 26 نيسان 2012.

[2]  وردت كلمة الشورى في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع:
أولها: في خطاب موجه لولي الأمر. وثانيها: في خطاب موجه للأمة الإسلامية. وثالثها: في أمر اجتماعي.
1-  }وَشَاوِرْهُم فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُ المُتَوَكِّلِينَ {---- سورة آل عمران: من الآية (159).
2. }وَالذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِم وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَأَمْرُهُم شُورَى بَيْنَهُم وَمِمَّا رَزَقْنَاهُم يُنْفِقُونَ.{--- سورة الشورى: الآية (38).
3- }فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا{.----  سورة البقرة: من الآية (232).
ويعتبر البعض أن هناك الكثير من الكلمات التي وردت في القرآن والتي تفيد بمعنى المشاورة أو ترمز على أهمية المشاورة وأخذ الرأي قبل الفعل.
[3] أُطْلِق عليه «رائد التنوير في العصر الحديث» نجد فيما كتبه من آراءَ جديدةٍ، تُعْتَبَر هي البُذُور الأولى، لما يُسَمَّى «بالفكر المُسْتَنِير» والذي كان مصدر التَّلَقِّي له ما شاهده في الحياة الأوربية، وما قرَأَه مِن تَرْجَمةٍ من الكتب الفرنسية.
[4]  انظر كتابه الشهير: خير الدين التونسي، أقوم المسالك في  معرفة أحوال الممالك، مطبعة الدولة التونسية، تونس، 1867.
[5]  انظر: د. علي شلش، محمد عبده: سلسة الأعمال المجهولة، دار رياض الريس، لندن، 1987.
[6]  انظر: عبدالرحمن الكواكبي، طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد، تقديم الدكتور أسعد السحمراني، دار النفائس، دمشق، 2006.
[7]  انظر: سمير أبو حمدان، الشيخ رشيد رضا والخطاب الإسلامي المعتدل، سلسلة موسوعة عصر النهضة، الشركة العالمية للكتاب، بيروت، 1992.
وأنظر أيضًا: محمد رشيد رضا، مجلة المنار، 1907، ص 342 .
[8]  انظر: فهمي هويدي : الاسلام والديمقراطية ؛ مجلة المستقبل العربي، م12 عدد 166 , 1992, ص22.
[9]   نتبين هذا المواقف للبنّا من خلال الاطلاع على المراجع التالية:
مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنّا، دار الدعوة للنشر، الإسكندرية، 1989.
دراسة: فهمي هويدي، "الإسلام والديمقراطية،" في: مجدي حماد [وآخرون]، الحركات الإسلامية والديمقراطية: دراسات في الفكر والممارسة، سلسلة كتب المستقبل العربي؛ 14، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1999.
[10] وفي ذلك قال البنا: "لقد انعقد الإجماع على أن الأحزاب المصرية هي سيئة هذا الوطن الكبرى، وهي أساس الفساد الاجتماعي الذي نصطلي بناره الآن، وأنها ليست أحزابا حقيقية بالمعنى الذي تعرف به الأحزاب في أي بلد من بلاد الدنيا، فهي ليست أكثر من سلسلة انشقاقات أحدثتها خلافات شخصية بين نفر من أبناء هذه الأمة اقتضت الظروف في يوم ما أن يتحدثوا باسمها وأن يطالبوا بحقوقها القومية.. ولا مناص بعد الآن من أن تحل هذه الأحزاب جميعا ، وتجمع قوى الأمة في حزب واحد يعمل لاستكمال استقلالها وحريتها، ويضع أصول الإصلاح الداخلي العام".
[11]  في عام 1953م أورد تقي الدين النبهاني رفضه لعدد من مؤسسات وآليات النظام الديمقراطي وطرح تصوره لهيكلية نظام الخلافة الذي ينشده، انظر:
تقي الدين النبهاني، الدولة الإسلامية، منشورات حزب التحرير، دار الأمة للطباعة والنشر، بيروت، 2002.
وقد أصدر حزب التحرير بعد ذلك موقفه التفصيلي من الديمقراطية في كتاب بعنوان:
الديمقراطية نظام كفر يَحرُمُ أخذُها أو تطبيقها أو الدعوة إليها، منشورات حزب التحرير، 1990.
[12]  مؤسس التيار الوهابي هو الامام محمد عبد الوهاب (1702-1792م)، وهو مؤسس التيار الوهابي السلفي الذي انطلق من عمق الجزيرة العربية في مسقط رأسه نجد، والذي تعاون مع آل سعود ما أدى الى نشوء المملكة العربية السعودية.  حول هؤلاء انظر:
د. عبد الغني عماد، السلفية الجهادية ..... أو الفرقة الناجية، مجلة الدفاع الوطني، 1\1\ 2008
[13]  انظر: محمود حمدي زقزوق ( اشراف)، الموسوعة القرآنية المتخصصة، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، 2003.
[14]  علاء بكر،الدولة بين الإسلام والمدنية الحديثة، موقع صوت السلف، 22 شباط 2011.
[15]  بالرغم من ان السيد محمد خاتمي هو ايراني فارسي ولا ينتمي الى الفكر الاسلامي العربي، ولكن  من المفيد الاطلاع على مقاربته لموضوع الديمقراطية وعلاقتها بالدين، كما شرحها في كتابه (مطالعات في الدين والإسلام والعصر)، الصادر عام 1989، في النقاط التالية :
أولاً: أن لا تلازم بين الديمقراطية وبين العلمانية والليبرالية. وهي الإشكالية التي نشأت بسبب التزامن التاريخي بين القول بالديمقراطية وولادة الليبرالية والعلمانية، فتداخلت المعاني بينهما. والديمقراطية في أدق دلالاتها هي طريق وسبيل الوصول إلى نظام سياسي، وأن إدارة الناس هي التي تحدد أسلوب الحكم، وشكل الحكومة. وهذا قد أدى في الغرب إلى العلمانية والليبرالية، ولابد أن يؤدي في المجتمع الإسلامي إلى شكل يساير فكر الناس الإسلامي.
ثانياً: ليس هناك بديل عن الديمقراطية إلا الاستبداد. والذين يرفضون الديمقراطية من حيث المبدأ فإنهم يدعون إلى الديكتاتورية والقهر، وهو ما ابتليت به المجتمعات الإنسانية على مدى اثني عشر قرناً.
ثالثاً: أن الديمقراطية كإنتاج بشري وأسلوب بشري تنتقد بكثرة، وفيها نقاط ضعف، وكل أمر بشري يكون هدفاً للنقد. وإذا كان للديمقراطية سلبيات لكن سلبياتها تبدو أقل ضرراً من سلبيات الأنظمة الديكتاتورية، ويمكن للديمقراطية أن تحل مشكلاتها وتحسن من صورتها عن طريق التجربة وملاحظة الأخطاء.
رابعاً: أن الديمقراطية تنسجم مع الدين، ولا تتنافى طريقاً أو سبيلاً مع الإسلام ولا تتعارض معه، ولا نعرف بديلاً إنسانياً عن الديمقراطية. وذلك بعد ملاحظة دواعي الواقعية، ورعاية المصالح، وفهمنا العام للإسلام.
[16]  للاطلاع على فكر الشيخ محمد مهدي شمس الدين حول الموضوع، انظر:
د. حسين رحال، محمد مهدي شمس الدين: دراسة في رؤاه الاصلاحية، مركز الحضارة لتنمية الفكر الاسلامي، بيروت، 2010، ص 57- 66
[17] اعتبر السيد محمد مهدي شمس الدين أن للديمقراطية ثلاث سمات هي :
أولا: سمة الخلفية الفلسفية الليبرالية.
ثانيا: كونها آلية تشريعية لإدارة السلطة، وتداول السلطة.
ثالثا: كونها آلية تشريعية لسن القوانين من خلال مؤسساتها التمثيلية.

بحسب رأيه، المسلمون ليسوا ملزمين بالديمقراطية كنظرية وضعية، أو كاعتقاد فلسفي، وأما كونها آلية لإدارة المجتمع فلا يوجد في الشرع أي نص شرعي على الإطلاق، لا في الكتاب ولا في السنة، ولا في الفقه العام ما يمنع من اعتماد الديمقراطية وأساليبها ومؤسساتها في هذا الحقل.

و يقول: "إننا نختار الشورى كفلسفة حكم، ونختار آليات الديمقراطية كأدوات وأجهزة ومؤسسات. إن الديمقراطية هي أحسن اما توصل اليه المجتمع الغربي من الناحية التنظيمية للمجتمع، ومن ناحية إدارة عملية انتقال السلطة. ... فإذا شئت أن تقول أنا أتبع الديمقراطية على أساس مبدأ الشورى فأنت مصيب، وإن شئت أن تقول أنا أتبع الشورى واستخدم فيها تقنيات الديمقراطية فأنت مصيب".
[18]  ومن الاحكام الثابتة الاحكام المربوطة بنظام العبادات ونظام العائلة والمسائل الجنسية (المتعلقة بجسم الانسان وجسم الآخرين) ومسائل الربا.
[19]  للاطلاع على موقف السيد محمد حسين فضل الله، انظر:
السيد محمد حسين فضل الله، للانسان والحياة، اعداد شفيق الموسوي،المركز الاسلامي الثقافي- مجمع الامامين الحسنين، بيروت، 2001.
[20]  استمع الى بيان تكفير الديمقراطية، الصادر عن قيادي في جماعة الإخوان المسلمين موجود بالصوت والصورة على الرابط التالي:

[21] David Pollock, Egypt's Muslim Brotherhood and Its Record of Double-Talk, in Washington Post, January 26, 2012.
[22]  يقول المستشرق الروماني جيورجيو:
"حوى هذا الدستور اثنين وخمسين بندًا، كلها من رأي رسول الله. خمسة وعشرون منها خاصة بأمور المسلمين، وسبعة وعشرون مرتبطة بالعلاقة بين المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى، ولاسيما اليهود وعبدة الأوثان. وقد دُون هذا الدستور بشكل يسمح لأصحاب الأديان الأخرى بالعيش مع المسلمين بحرية، ولهم أن يقيموا شعائرهم حسب رغبتهم، ومن غير أن يتضايق أحد الفرقاء. ولكن في حال مهاجمة المدينة من قبل عدو عليهم أن يتحدوا لمجابهته وطرده". انظر:
كونستانس جيورجيو، نظرة جديدة في سيرة رسول الله، تعريب محمد التوتنجي، الدار العربية للموسوعات، 1983.
[23]  مقتطف من محاضرة للشيخ راشد الغنوشي، بعنوان "الاسلام والعلمانية"، أقامها مركز دراسة الإسلام و الديمقراطية في تونس، في 2 نيسان 2012.