2012/04/26

الفشل في سورية ينعكس إرباكاً أميركياً


كان الموقف الذي أطلقته سوزان رايس؛ مندوبة الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة، غداة إصدار القرار 2043، غريباً على ما اعتادت الدبلوماسيات العالمية أن تعلنه عقب تصويتها على قرار أممي، فلم تكد تصوّت بالموافقة على القرار حتى نفد صبرها، وهددت بأنها لن توافق على تمديد المهمة بعد تسعين يوماً.
فعادة، يلجأ مندوبو الدول بعد تصويتهم على قرار من مجلس الأمن إلى الإشادة بما تمّ التوصل إليه، أو تبرير تصويتهم إلى جانب القرار أو ضده، على أن تعكس تلك التصريحات الموقف الذي تمّ اتخاذه، لكن ما حصل مع مندوبة الولايات المتحدة كان مخالفاً للأعراف الدبلوماسية المتبعة، فقبل القرار وخلال المشاورات التمهيدية كانت سوزان رايس تشكك بالقرار، وتهدد بالعمل خارج إطار الشرعية، وتدعو إلى اعتماده بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وبالرغم من أنه لم يحصل أي من هذا، فقد صوتت الولايات المتحدة لصالح القرار الذي تمّ اعتماده بالإجماع، فعادت رايس لمهاجمته بعد التصويت الإيجابي عليه.
كل هذا يدل بوضوح على تخبط وإرباك أميركييْن، يعكس اقتناعاً بالعجز في موضوع الأزمة السورية، وهو ما تحدثت عنه التقارير الصحفية التي أشارت إلى أن مسؤولاً رفيعاً جداً في الإدارة الأميركية، اعترف بافتقاد الإدارة إلى سياسة واضحة، أو أن يكون لديها تصور عما ستكون عليه الخطوات التالية في التعامل مع القضية السورية.
لا تبدو حالة التخبط والإرباك هذه جديدة، فهي مستمرة منذ أشهر عدة، خصوصاً بعدما استطاعت سورية أن تصمد، وبعدما أثبت التحالف الدولي حول سورية صلابته ومناعته بإقفال أبواب مجلس الأمن أمام أي قرار ضد النظام السوري، ونشير إلى المواقف الأميركية المتعددة التي انعكست تخبطاً محرجاً للإدارة الأميركية في هذا المجال:
- دعوة كلينتون في تشرين الثاني المنصرم إلى إشعال حرب أهلية في سورية، وإعلانها أن "معارضة قوية مصمِّمة للغاية وحسنة التسليح، وفي نهاية المطاف جيدة التمويل" قد تستطيع أن تقوم بهذا الأمر.. لكنها عادت وحذرت في شباط الماضي من خطورة اندلاع حرب أهلية في سورية، ودعت المجتمع الدولي إلى أخذ مسؤولياته ليتجنب مثل هذه النتيجة.
- دعوة كلينتون إلى تسليح المعارضة في سورية، ثم تراجعها فيما بعد، لاسيما بعد إعلان مسؤولين أميركيين أن القاعدة تدعم المعارضة السورية، وعبّروا عن خشيتهم من أن السلاح المرسل إلى المعارضة السورية قد يصل إلى أيدي إرهابيي القاعدة.
- مطالبة الرئيس أوباما للرئيس السوري بالتنحي عندما أعلن أن "الوقت قد حان لكي يتنحى الرئيس الأسد عن سدة الحكم"، بالإضافة إلى الكثير من التصريحات والخطابات التي أعلنت فقدان النظام السوري للشرعية، ثم الاعتراف بشرعية نظام الأسد وحكومته، وسيادتها على الأراضي من خلال قرار صادر عن أعلى هيئة أممية في العالم، وهي مجلس الأمن.
- مباركة مهمة أنان للحل السلمي، والإعلان عن دعم خطته للحل، وذلك من خلال التصويت لصالحها في مجلس الأمن، وفي نفس الوقت إقامة مؤتمرات "أصدقاء سورية"، وتهديد النظام السوري، والإعلان عن مباركة دعم المعارضة السورية، وحثّها على عدم القبول بالتسوية السياسية مع النظام، والسكوت عن إعلان دول الخليج رغبتهم في تسليح المعارضة السورية، ودعمها بالمال والسلاح والرجال، بالإضافة إلى تشجيع حلفائها الإقليميين، مثل تركيا والسعودية وقطر والأردن، إلى إقامة مناطق آمنة على حدودها المشتركة مع سورية، تتيح للمعارضة السورية المسلحة و"الجيش السوري الحر" بالتمركز الآمن.
من دون شك، تيقن الغرب بعجزه عن إسقاط النظام السوري بالقوة، أو حتى بواسطة "صفقة" تمهّد لنقل السلطة، لكن بالرغم من هذا اليقين، لا يستطيع الغرب التسليم بالهزيمة في دمشق، لما لهذا الأمر من تداعيات خطيرة على مصالحه الاستراتيجية في المنطقة، ومن نتائج كارثية على صعيد الانتخابات الداخلية التي يتم التحضير لها في الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً بعد ظهور بوادر الإطاحة بساركوزي في الانتخابات الفرنسية المقبلة.
لذا، نجد أن مهمة أنان تبدو فرصة للجميع لالتقاط النفس والتحضير لخطة جديدة، سواء بالإبقاء على "الستاتيكو" الأمني الهشّ، مع دعوة للحل السلمي والحوار، أو العودة إلى مسلسل التفجيرات الإرهابية، لإرباك النظام السوري وتصويره عاجزاً عن فرض سيطرته على البلاد، لإحراجه في أي مفاوضات مستقبلية، ومن خلال تقاسم الأدوار المبرمج والمعتمد بين كل من الأميركيين والاوربيين وعرب الخليج وتركيا، يبقي الغرب كل هذه السيناريوهات متاحاً على الطاولة، بانتظار الوصول إلى خطة بديلة، لا تبدو متوفرة اليوم. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق