2015/03/19

هل بدأت "نهاية المطاف" السوري؟

د. ليلى نقولا الرحباني
بالرغم من التوضيح الذي قدمته وزارة الخارجية الأميركية لتصريح الوزير الاميركي جون كيري في مصر حول اقتناع الولايات المتحدة الأميركية بأن عليها أن تتفاوض مع الأسد في نهاية المطاف لحل المسألة السورية، فإن ما قاله كيري يبدو فعليًا تعبير عن اقتناع أميركي، أو على الأقل تواضع أميركي في تصوّر النهايات المرتقبة للحرب في سوريا.

هي ليست المرة الأولى التي تستاء فيها الدول الاقليمية المعادية لسورية ومعها فرنسا من تصريحات الوزير جون كيري، والتي بررتها الإدارة بأنها زلة لسان أيضًا، وكان ذلك خلال الأزمة الكيمائية السورية، وفي خضم احتفال المعارضات السورية بالحديث عن حرب ستشنّها الولايات المتحدة الأميركية على سوريا، حينما خرج كيري الى العلن ليتحدث عن إمكانية التوصل الى إتفاق يجنّب سوريا الحرب، وهذا ما كان بالفعل.

نورد هذا المثال، ليس لنؤكد الاقتناع الأميركي وأن ما قاله كيري لم يكن زلة لسان، بل لنؤكد أن المستائين اليوم والمتحاملين على عبارة الوزير الأميركي، كان من المفترض أن يدركوا بعد كل هذه التطورات التي حصلت في المنطقة ان الأسد بالفعل فرض نفسه كجزء من الحلّ السوري، بصموده وقوته وقوة حلفائه، وليس بمنّة من الوزير الأميركي أو بتواطؤ مع الولايات المتحدة كما اعتبر البعض من المعارضة السورية الخارجية.

أما بالنسبة لبعض مؤيدي النظام السوري، فقد كان ساذجًا المسارعة الى التهليل بعبارة كيري، واعتبار بعضهم أن العبارة الأميركية هي بمثابة "نصر استراتيجي" كبير، وكأن الحرب انتهت، على العالم التفكير بما بعد الحرب.

واقعيًا، إن المراقب لتطور الأمور، يدرك أن الحلّ السوري لم يحن أوانه بعد، وأن الاقتناع بحتمية الذهاب الى طاولة المفاوضات للوصول الى الحل لا يعني أن الحل غدًا، وأن مائدة المفاوضات جاهزة للانطلاق. بالعكس، إن هذا الاقتناع لن يوقف الحرب في الميدان اليوم، بل سيسعّر الحرب وستشتعل الجبهات أكثر كلما لاح الحل السياسي في الافق، وذلك لأن كل طرف من الأطراف سيحاول أن يقوّي أوراقه التي سيحملها معه الى طاولة المفاوضات.

بالنسبة للأميركيين، يبدو أن المعارضة السورية "المعتدلة" التي قالوا أنهم سيدربونها، ستكون آداة ضغط بيدهم للتهويل بها عند التفاوض الجدّي على الحل، هذا إن نجحوا في اختراعها. أما تركيا، فهي لن تقبل اليوم بالذهاب الى الحلّ وهي ما زالت تحلم باقتطاع جزء من الشمال السوري أما لضمّه الى أراضيها، أو لتدمير الحلم الكردي بإدارة ذاتية، أو للمفاوضة عليه فيما بعد، فيكسبها موطئ قدم في الشرق الأوسط بالاضافة الى موطئ القدم الأخرى التي تحاول الحصول عليها من خلال المشاركة في معركة الموصل في العراق.

ويبدو الفرنسيون اليوم أكثر من اي وقت مضى، كدولة مشاغبة  تعمل على عرقلة أي فرصة للحلول السياسية ، علمًا أن مشاغبتها المدفوعة الثمن، ستؤدي في النهاية الى تحجيم النفوذ الفرنسي في منطقة الشرق الأوسط، وتقلّصه الى أدنى مستوى له منذ الانتداب.

وتبقى السعودية التي تحاول أن تكسب شيئًا ما في الوقت الضائع السوري، علمًا أنها في النهاية ومتى قرر الأميركيون السير بالحل، فلن يكون للصوت السعودي المعترض أي وزن، كما لم يكن له خلال مسيرة الحل النووي مع ايران.

في النتيجة، ما قاله جون كيري حقيقي وواقعي ويعكس بوضوح نظرة الادارة الأميركية "في نهاية المطاف"، لكن، بالتأكيد، نهاية المطاف السوري المليء بالدماء والدمار والدموع لم تحن بعد.

2015/03/12

بين سباق النفوذ والنووي الايراني...أي خيار يبقى لاوباما؟

د. ليلى نقولا الرحباني
تتجه أنظار العالم إلى ما ستؤول إليه المفاوضات الجارية بين إيران والقوى الكبرى حول برنامجها النووي، والذي من المفترض أن يكون الشق السياسي منه جاهزاً بحلول نهاية شهر آذار الحالي، بينما يكون التوقيع على الاتفاق النهائي في الثلاثين من شهر حزيران المقبل.

بالطبع، ستكون لهذا الاتفاق - في حال إتمامه - نتائج إيجابية جداً على الداخل الإيراني، حيث سيكون هناك انتعاش للاقتصاد الإيراني الذي يعاني من العقوبات الدولية المفروضة عليه، والتي أدّت إلى رفع مستويات البطالة لدى الشباب، والتي ترافقت مع تقليص في مستوى الحريات بعد اندلاع التظاهرات في ما يسمى "الثورة الخضراء".

من ناحية الدول الكبرى، فسيكون لهذا الاتفاق نتائج إيجابية أيضاً على صعيد الاتفاقات الاقتصادية بين إيران والأوروبيين والأميركيين والصينيين، حيث سيُفتح السوق الإيراني الواعد أمام الشركات الغربية والصينية وسواها.

أما بالنسبة إلى الدول الإقليمية، فنلاحظ أن الأتراك والسعوديين يدركون جيداً أن توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى سيجعل من إيران دولة لا تُهزم في الشرق الأوسط، خصوصاً بعد ازدياد نفوذها في كل من العراق واليمن وسورية ولبنان، كما يدركون أن لا بد لهما من محاولة احتواء هذا النفوذ الذي يزداد توسعاً وتجذراً، لاسيما بعد المعارك التي يقوم بها العراقيون لطرد "داعش"، والتي يعرف العالم أنها بإشراف وتوجيه إيرانييْن، لذا فإن كلاً من الدولتين تحاولان التسابق مع الوقت والقيام بما يلي:

بالنسبة إلى تركيا، تحاول أنقرة أن تثبت موطئ قدم لها في المعركة المقبلة لتحرير الموصل في العراق، أي أن تقوم الميليشيات السُّنية التابعة لها في العراق بتحرير الموصل والمناطق السنية العراقية بدون الاتكال على ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من الإيرانيين، لكن المشكلة تكمن في أن قيام تركيا بهذا الامر، وحجز موطئ قدم لها في العراق، يوجب عليها إعلان موقف واضح وصريح بمحاربة "داعش"، خصوصاً أن برنامج تدريب "المعارضة السورية المعتدلة" يبدو أنه لا يسير على ما يرام، وإلا لما حاول القطريون والأتراك دفع "جبهة النصرة" للتخلي عن "القاعدة"، ليتمّ تبنيها على أنها المعارضة "المعتدلة" المطلوبة أميركياً.

أما بالنسبة إلى السعودية، فبالرغم من محاولة الملك السعودي الانقلاب على إرث سلفه الملك عبدالله، إلا أن السعودية تعيش قلقًا وجودياً، يترافق مع الخوف من توسع النفوذ الإيراني صوب حدودها، وتطويقها في العراق واليمن، والمقلق أكثر بالنسبة للسعوديين، هذا الإصرار الأميركي على التفاهم مع إيران، وما يُسرَّب عن إمكانية قبول الأميركيين بتسوية سورية تبقي الأسد في الحكم، لذا لن يكون أمامهم سوى التهديد بتخريب أي تسوية لا تأخذ مصالحهم بعين الاعتبار.

أما بالنسبة لحجز موقع واضح في الشرق الأوسط، فتحاول السعودية من خلال طرح فكرة "القوة العربية المشتركة"، والتي تتشاطر ومصر في طرحها، أن تكون محاربة الإرهاب بطريقة جماعية مؤلفة من الدول العربية، وبهذا تقطع الطريق على كل من الإيرانيين والأتراك للقيام بهذه المهمة وقطف النتائج السياسية.

وهكذا، ومع التسابق الإقليمي الحاصل، ومع "الهمروجة الإعلامية" التي قام بها نتنياهو وأعضاء الكونغرس الجمهوريين، سيكون أمام الرئيس باراك أوباما خيارين؛ إما السير بالاتفاق وحفظ ماء وجهه والتغلب على نتنياهو في أميركا، علمًا أن نتنياهو كان قد غلبه في الداخل الأميركي عام 2010، ودعم منافسه الرئاسي ميت رومني عام 2012، أما الخيار الثاني فيكون عبر التراجع عن توقيع الاتفاق أو تأخيره، وإعطاء المجال للجمهوريين ومعهم نتنياهو بالادعاء أن ما قاله هذا الأخير كان محقاً، وواجباً قام به لتنبيه الرئيس "المتردد" الذي لا يعرف مصلحة بلاده.

أمام هذين الخيارين، لم يتبقَ لأوباما الكثير لفعله لحفظ ماء وجهه، والحفاظ على ما تبقى من هيبة إدارته سوى الدفع نحو توقيع الاتفاق مع الإيرانيين، وبهذا يكون نتنياهو خدم الاتفاق النووي مع إيران ولم يضرّه، أما في حال رضوخ الرئيس الأميركي للابتزاز "الإسرائيلي"، فهذا سيجعله يقضي مدة حكمه المتبقية وهو في أضعف حالاته، ما سينسحب على كافة الملفات الأخرى في الشرق الأوسط، وعلى قبول الدول الأخرى بالخضوع للأوامر الأميركية.

2015/03/05

الكنيسة والجامع... والابن الضال


د. ليلى نقولا الرحباني
سرت أخبار عن انضمام شباب مسيحيين لبنانيين إلى تنظيم "داعش" الإرهابي، وكانت تلك الأخبار صادمة للعديد من اللبنانيين، ولأهالي هؤلاء "الانتحاريين المفترَضين"، الذين تتحدث الأخبار عن مقتل أحدهم في العراق.

وبالرغم من أن انضمام شباب لبنانيين إلى "داعش" ليست ظاهرة متفشية، وما يقوم به التنظيم يبقى مثار استهجان وغضب من جميع الفئات اللبنانية؛ المسلمة والمسيحية، باستثناء بعض البيئات المحدودة التي غلب عليها طابع الغرائز العشائرية، والتغرير الديني المحرِّف للإسلام، والحديث عن مظلومية اجتماعية ودينية، يبقى أن انضمام شبان مسيحيين إلى تنظيم إرهابي مثل "داعش" مصدر تساؤل واستهجان وبحث عن الأسباب التي تدفعهم للالتحاق بتنظيم إرهابي، ينأى المسلمون بأنفسهم عنه، ويحاولون بشتى الوسائل منعه من التغرير بأولادهم.

بداية، إن حديث بعض الأكليروس عن حصرية مسؤولية الدولة اللبنانية عن الأمر، هو أمر مثير للاستغراب. نعم، بالطبع، الدولة اللبنانية مقصِّرة تجاه مواطنيها، خصوصاً الشباب منهم، من خلال الغرق بالفساد والمحسوبية، وعدم تأمين فرص عمل، ومنع قدرة الشباب على تأمين العيش اللائق ومستقبل أفضل، لكن لو كان الأمر مرتبطًا فقط بفرص العمل والعيش بحُرية وكرامة والتمتع بحقوق الإنسان، لما وجدنا أي مواطن أوروبي أو كندي أو استرالي ينتمي إلى "داعش"، ولما وجدنا الشبان والمراهقين والمراهقات يقطعون البحار والمسافات للوصول إلى سورية للقتال إلى جانب "داعش".. لذلك فإن حصرية هذا الاتهام للدولة مسيء لأصحابه، ويشير إلى أن قائليه يريدون التملُّص من المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية للكنيسة كمؤسسة.

ثانياً، إن حديث بعض القوى السياسية عن أن "الحنق السياسي" الداخلي وكره حزب الله هو الذي أدّى إلى هذا الأمر قد يكون مثيرًا للتفكير لو لم تكشف التقارير الأمنية أن أحد الإرهابيين الذين اعتقلتهم القوى الأمنية كان بصدد تفجير كازينو لبنان ليلة رأس السنة، ما يعني أن الموضوع لا يرتبط بأي شكل من الأشكال بحنق مذهبي من هنا أو هناك، بل بالرغبة بالانتقام من المجتمع، وإحداث صدمة في الداخل اللبناني، لا علاقة لها بحزب الله ولا ببيئته ولا بتدخله في سورية، اللهم إلا إذا اعتبرنا أن الرغبة بالانتقام بتفجير الكازينو قد يكون دافعها طبقياً وليس مذهبياً، علماً أن هذا التبرير الذي تدرجه بعض الفئات المسيحية لانضمام شبان مسيحيين لـ"داعش" يدين قائليها على كل المستويات؛ الدينية والأخلاقية والوطنية و....السياسية.

ثالثاً، إن الحديث عن أسباب اقتصادية واجتماعية، وأن الفقر والتهميش وعدم الإنماء في المناطق الطرابلسية قد يكون من الأسباب المقبولة لتفسير هذه الظواهر، لكن يجب الانتباه من تبسيط الظاهرة وتسطيحها بردّها إلى هذه الأسباب فقط، بل يجب القيام بدراسات علمية بحثية وموضوعية تفتش عن الأسباب الحقيقية لظاهرة انتماء الشباب المسلم والمسيحي إلى تنظيمات تكفيرية كـ"داعش" و"النصرة" وغيرهما. على سبيل المثال، ما الذي يدفع طالب جامعي لبناني يدرس الهندسة في إحدى الجامعات الخاصة (ما يعني أنه ليس فقيراً مُعدماً)، الى تفجير نفسه في أبرياء لا ذنب لهم؟ هذا المثال يشير إلى أن الفقر ليس بالضرورة الحافز الأكيد للإرهاب.

في المحصلة، قد تتعدد الأسباب التي تدفع الشباب المسلم والمسيحي للانضمام إلى "داعش"، لكن الأكيد أن هناك شعوراً بالإحباط واليأس، وقد يكون العار الاجتماعي هو السبب وراء رغبة الشباب بالانتحار، فالشباب المغرَّر بهم يبحثون عن لعب دور بطولة ما، ينشدونه من خلال الانتحار بقتل الأبرياء، وهنا تبرز المسؤولية الدينية والأخلاقية والاجتماعية للمؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية، التي بات عليها التخلي عن عليائها، والنزول إلى الناس وإلى الشباب والاستماع إلى هواجسهم، وإعطائهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم وتطلعاتهم وآمالهم، والأهم، منحهم الشعور بالانتماء.. قد يكون هذا الشعور بانتماء إلى مجموعة تفهمهم، وتقبلهم كما هم، وتتفاعل معهم، وتصغي إليهم، وتقول لهم إنهم مرغوبون، وإن إنسانيتهم وكرامتهم لا تتوقف على ما يملكون، هو المدخل الحقيقي لعودة الابن الضال.