إن الحرب الإعلامية التي تُشنّ على "حزب الله"
لما يقال إنه اشتراك بالمعارك في سورية، لا تبدو مفهومة من قبل من شاركوا في الصراع
الدائر سياسياً وإعلامياً وعسكرياً وتمويلاً منذ بداية الثورة ولغاية الآن، وإن كان
يصح إطلاق صيحات الاستنكار، فعلى الأقل يجب أن تكون من قبَل من لم يتورطوا في النزاع،
وممن حاولوا منذ البداية الابتعاد عن التدخل في الشؤون السورية، وترك الشعب السوري
يقرر مصيره بنفسه من دون تدخل، لكن أن يكون الاستنكار والشجب هو في نفس بيان الدعوات
إلى التدخل العسكري الخارجي وتسليح المعارضة، لهو أمر مثير للدهشة.
أما بالنسبة إلى "الائتلاف السوري"، فاللافت
أن إعلان الإبراهيمي عن وجود ما يزيد على أربعين ألف مقاتل "جهادي" أجنبي
على الأراضي السورية، لم يقلق هؤلاء، ولم يجعل رئيسه المكلّف جورج صبرا يتذمر أو يهدد،
فهو يعتبر "جبهة النصرة" جزءاً من المعارضة السورية، مع علمه والمعارضين
أن هؤلاء لم يأتوا ليرحلوا بسهولة عن الأراضي السورية، وفي حال فازت المعارضة فسيكون
عليها مقاتلتهم لطردهم من البلاد.
واللافت أن الحسم الميداني الذي تشهده بعض مناطق سورية
ترافق مع إعلان أوروبي - في خطوة غير مسبوقة على صعيد القانون الدولي - برفع الحظر والعقوبات عن النفط الموجود في مناطق
المعارضة السورية.
وفي هذه الخطوة الأوروبية قد نقرأ أحد هدفين:
الأول: اقتناع أوروبي أكيد بعدم القدرة على إسقاط نظام
الأسد، لذا يعمل الأوروبيون على تكريس تقسيم سورية، وهي خطوة بدأت بتعيين "رئيس
وزراء"، والآن تُستكمل برفع العقوبات عن أجزاء من الأراضي السورية، التي قد تشكّل
فيما بعد وبشكل تدريجي دويلة للمعارضة تكتفي بها، وقد تكون استقالة معاذ الخطيب لنفس
الأسباب هذه، خصوصاً بعدما أعلن مراراً رفضه تقسيم سورية.
الثاني: محاولة من الدول الأوروبية الغارقة بالديون للتخفيف
من الأعباء المالية لدعم المعارضة السورية، في ظل مطالبة هؤلاء بزيادة الدعم العسكري
والتمويلي، لذا تقوم بتشجيع المعارضين على سرقة النفط السوري لبيعه في الأسواق، بما
يشبه برنامج النفط مقابل الغذاء في العراق.
وهكذا يبدو أن الدول الأوروبية المتعثرة اقتصادياً تريد
أن تنعش اقتصاداتها من بيع النفط السوري، أو من الصفقات التي من الممكن أن تقوم بها
مع المعارضة السورية في إطار نهب النفط السوري، كما حصل مع النفط العراقي في وقت سابق،
حين تمّ كشف اختلاسات تقدر بأكثر من 8 مليارات دولار في برنامج النفط مقابل الغذاء
الذي وقّعه العراق مع الأمم المتحدة عام 1996، والذي سمح لصدام حسين بموجبه ببيع النفط
مقابل شراء مواد غذائية ولوازم مدنية، بما في ذلك الأدوية، وذلك للتخفيف من أثر العقوبات
الدولية التي كانت مفروضة على العراق بعد غزوه الكويت عام 1990، وهي الذريعة نفسها
التي يسوقها الأوروبيون اليوم.
الغريب أن الأوروبييون اليوم يقومون بما قد يبدو تكراراً
مريباً ومستغرباً لتجربة العراق المخزية في موضوع النفط مقابل الغذاء، الذي اكتنفته
قضايا فساد ورشى ضخمة جداً، وتورط فيها مسؤولون من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة
وروسيا، وموظفو الأمم المتحدة، ومنهم الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان
ونجله.
وهكذا، ومهما كانت الأهداف سواء التقسيم أو الربح المادي،
يبدو أن الأوروبيين باتوا يتخبطون في سياسات
هدّامة، وغير محسوبة النتائج، فبهدف "مساعدة الشعب السوري" فرضوا عقوبات
غير مسبوقة على الدولة السورية، أضرّت بالشعب السوري أكثر مما أثرت في قدرة النظام
وتماسكه، وبالأمس دعوا إلى تسليح المعارضة وتمويلها، واليوم يشجعونها على سرقة النفط
والاقتتال على غنائمه، وإشغال أربعين ألف عسكري عن الصراع الدائر لتأمين حقول النفط.
فعلياً، يبدو هذا القرار الأوروبي "نقمة" على
المعارضة السورية بدل أن يكون مصدر "نعمة"، فالنفط سيكون منذ الآن فصاعداً
عاملاً مفتتاً للمعارضة، وسبباً إضافياً للاقتتال بين فصائلها، وقد يصبح العنوان الاستراتيجي
للمعركة منذ الآن فصاعداً هو السيطرة على حقول النفط، ومنع الآخرين من المعارضين من
الوصول إليه والاستئثار به، وقد يصبح خيار إسقاط نظام الأسد من "الأدبيات البائدة"..
فهل يمكن أن نقول إن برنامج النفط مقابل الغذاء العراقي يقابله النفط مقابل إبقاء النظام
في سورية؟