2022/08/29

اسرائيل تناور وتماطل: كيف يتصرف لبنان؟

سرّب الاعلام الاسرائيلي يوم الأحد أن "اسرائيل" استطاعت أن تقنع الباخرة "انرجين" بتأجيل استخراج الغاز لغاية أول تشرين الأول / اوكتوبر، وذلك لأسباب "تقنية"، وأن هناك طرحاً "اسرائيلياً" تسلّمه الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين لأبلاغه الى الجانب اللبناني.

الردّ الاسرائيلي، بحسب التسريبات، ينص على ما يلي:

-        تأخذ اسرائيل كامل حقل "كاريش"، فيما يحتفظ لبنان بكل المنطقة المتنازع عليها بما يشمل "حقل قانا"، على أن يدفع لبنان لإسرائيل تعويضاً مالياً، هو ثمن المنطقة المتداخلة، وهي ما يقرب من ثلث "قانا".

-        تقوم الشركة الاسرائيلية – اليونانية "انرجين" بالاستخراج من كاريش، وفي نفس الوقت هي التي تقوم بتنفيذ التنقيب والاستخراج من الحقول اللبنانية المحاذية.

-        يقوم الوسيط الأميركي بإبلاغ لبنان أن قيام انرجين بالعمل في الحقول اللبنانية المحاذية هو ضمانة لئلا يقوم حزب الله بقصف المنصات في اسرائيل.

-        تريد اسرائيل خلق ميزان ردع مع لبنان: منصة مقابل منصة، وبالتالي ان قيام لبنان بالاتفاق مع "انرجين" يعطي ضمانة لاسرائيل بأن أي ضرر عندها سيكون تأثيره على لبنان ايضاً.

الأكيد، ان ما تمّ تسريبه عبر الاعلام الاسرائيلي لا يرقى الى مستوى الردّ الممكن للتفاوض لبنانياً، وقد يكون التسريب مقصوداً لجس نبض لبنان، أو للتسويف والمماطلة وكسب الوقت لأن الاسرائيلي والاميركي يعلمان أن لبنان لا يمكن ان يقبل بهذا العرض.

 يبدو من الاتجاه الذي يسلكه الوسيط الأميركي، ان الخيار الثاني هو المقصود،  وذلك للأسباب التالية:

أ‌-        لا يبدو أن هناك جدية لا أميركية ولا اسرائيلية في التوصل الى حلّ مع لبنان، ولا نيّة للأميركيين في إنهاء سنوات ثلاث من الضغوط القصوى على لبنان، طالما لم تحقق أياَ من الاهداف المطلوبة سوى هدف وحيد وهو تحميل الرئيس ميشال عون (حليف حزب الله)  اعلامياً مسؤولية الفشل والانهيار.

ب‌-    لا يريد الأميركي والاسرائيلي تحقيق أي تسوية في لبنان تعطي انتصاراً لحزب الله، بأنه استطاع أن يكسر مراوحة عمرها 12 سنة في ملف الحدود البحرية، واستطاع أن ينهي الملف لصالح لبنان، ويرفع الفيتو الأميركي عن التنقيب في المياه اللبنانية.

ت‌-     يريد الاميركي والاسرائيلي إبقاء الامور على حالها وربط النزاع مع لبنان بالادعاء أن المفاوضات ما زالت سارية، وذلك لتفويت الذريعة على حزب الله للقيام بأي تصعيد. وفي حال التصعيد، سيكون بوسع الأميركيين أن يحرضوا العديد من اللبنانيين من رسميين واعلاميين للقول أن حزب الله صعّد بدون وجه حق، وأن المفاوضات ما زالت جارية لكن تهديدات حزب الله عطلتها.

ث‌-    يراهن الأميركيون على دخول لبنان مرحلة الفراغ الرئاسي، واحتكار الرئيس نجيب الميقاتي القرار اللبناني الرسمي، ما يعطيهم فرصة واسعة لتحقيق ما يريدون بانتظار "التسوية" التي ستأتي برئيس جديد للجمهورية.

في النتيجة، لا تبدو الامور – لغاية الآن- مبشّرة بحلّ سهل لقضية ترسيم الحدود ورفع الفيتو الأميركي عن التنقيب في المياه اللبنانية، لكن ما زال لبنان يمتلك ورقتين يستطيع استخدامهما: قيام حزب الله بالتهديد الحربي الذي يدفع الامور الى تسوية في نهاية المطاف، وقيام رئيس الجمهورية ميشال عون بتوقيع المرسوم السابق (الذي وقّعه حسان دياب) متخطياً الشكليات القانونية الداخلية، وارساله الى الأمم المتحدة وتكريس الخط 29 حدوداً للبنان البحرية. 

2022/08/22

لبنان: تأجيل الترسيم يعني نهاية لبنان

ليلى نقولا
أسابيع قليلة جداً تفصل لبنان والمنطقة عن الوقت المحدد الذي تمّ تحديده من قبل حزب الله، للأميركيين والاسرائيليين لإعطاء لبنان حقه في حدوده البحرية والتنقيب عن غازه في مياهه، ورفع الفيتو الأميركي عن الشركات التي تعرضت للتهديد للإنسحاب من لبنان وعدم الاستمرار بالاستكشاف والاستخراج.

وإذا كان عدد من اللبنانيين والاسرائيليين يتصرفون وكأن الأمر يحتاج الى وقت وأن لا مشكلة في الانتظار الى حين انتهاء الانتخابات الاسرائيلية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، فذلك لأنهم يريدون أن تقوم اسرائيل – كما عادتها- بسرقة حقوق لبنان، بالاضافة الى إبقاء لبنان تحت سيف الضغوط القصوى والعقوبات غير المعلنة للتضييق على اللبنانيين (للضغط على حزب الله ومواجهته – خطة بومبيو).

مع العلم، إن على اللبنانيين أن يتنبهوا للمهل الفاصلة والفرص المتاحة والتي إذا ضاعت، قد يضيع معها حق لبنان، وتستمر سياسة التجويع الى ما لا نهاية، وأهمها:

1- انتهاء عهد رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون

بإنتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، يخسر لبنان ورقة إضافية من أوراق القوة التي يملكها، وذلك أما عبر الدخول في الفراغ الرئاسي، الذي يمكن أن يتذرع به الاميركي والاسرائيلي لتأجيل إتفاق الترسيم مع لبنان، أو عبر وصول رئيس يعمل وفق التوجيهات الأميركية، فيقول أن حز.ب الله لا يحق له استفراد الدولة اللبنانية وبالتالي هو يرفض قيام لبنان بتهديد اسرائيل، وأن لبنان يمكن أن يحصّل حقوقه عبر الأمم المتحدة!!، أو رئيس ينفي وجود غاز من أساسه، وأن لا لزوم لصراع على مياه لا تحتوي سوى بعض الأسماك...

إن التسريبات الاعلامية التي نقلت عن الأميركيين أنهم لا يريدون إعطاء ميشال عون "هدية" في نهاية عهده، قد تكون أفكار أميركية او لبنانية داخلية تفضّل أن يبقى لبنان في ظل الأزمات والجوع والفقر، على أن لا ينجح ميشال عون في تحقيق أي من الأهداف اللبنانية، وتريد للبنان أن يبقى تحت سيف العقوبات الى أن ينتهي كلياً كدولة قابلة للعيش.

2- التسويات في المنطقة

بالرغم من أن السيد حســــــــن نصر.الله قد اكد أن لا علاقة للاتفاق النووي الايراني بموضوع الغاز وترسيم الحدود مع لبنان، إلا أن إتجاه المنطقة الى التسويات بشكل عام تحتّم على لبنان الاستعجال لوضع نفسه على سكة الحلول والتسويات، وعدم البقاء على محطة الانتظار.

فرضت الحرب الأوكرانية العديد من الجداول الزمنية على المعنيين في أوروبا وأميركا، فالشتاء قادم وهناك حاجة للغاز والنفط من مصادر أخرى غير الروسية. وفي هذا الإطار، تأتي عودة الأميركيين الى طرح إمكانية العودة الى الاتفاق النووي مع إيران، لأن الغاز الايراني يعتبر بديلاً سهلاً وممكناً للتصدير براً عبر تركيا الى أوروبا، ومع رفع العقوبات يمكن العودة الى مشاريع سابقة تمّ إيقافها كخط نابوكو وغيره.

في ظل اتجاه للتسويات في المنطقة، وعودة السفراء العرب الى طهران، وبشائر إيجابية حول توقيع الاتفاق النووي، من الخطر على لبنان تأجيل الاتفاق البحري الذي سيخرجه من دائرة "الحصار غير المعلن" الذي يفرضه الأميركيون. إنها فرصة للبنان، لكي يبقى موجوداً وبقوة في دائرة الحلول والتسويات، لأنها الفرصة المتاحة الآن، وقد لا تتاح في المستقبل القريب في حال تفويتها.

في النتيجة، يدرك الأميركي والاسرائيلي أن ترسيم الحدود مع لبنان ورفع الفيتو عن التنقيب وتخفيف الضغوط (الحصار) على لبنان، ليس هدية ولا منّة بل سيكون نتيجة، وأن الحرب هي الخيار البديل، والأكيد، أن من حق لبنان أن يقوم بأي شي- أي شيء- لرفع الحصار والتخلص من الجوع والموت المحتم الذي ينتظره. 

ألكسندر دوغين: الاسطورة الغربية حول"عقل بوتين"

يعود الحديث عن المفكر الروسي ألكسندر دوغين وتناول دوره في التفكير الاستراتيجي والسياسة الخارجية الروسية، إلى مناسبة اغتيال ابنته في موسكو، اغتيالٌ يقول عدد من الوسائط الإعلامية إنه كان يستهدف دوغين نفسه، لدوره في صياغة العقيدة العسكرية الخاصة بالجيش الروسي.

وبصرف النظر عن الاغتيال، ومن يقف وراءه، لا شكّ في أن هناك سلسلة من المغالطات التي سوّقها الإعلام الغربي عن روسيا، التي انتشرت عالمياً من دون التدقيق في صحتها. ومن بين تلك الأساطير، ما سمّي "عقيدة جيراسيموف"، الذي يشير الغرب إلى أنه المبدأ العسكري المؤسّس "للحروب الهجينة" التي تعتمدها روسيا، وذلك استناداً إلى خطاب نقلته مجلة عسكرية روسية عن فاليري جيراسيموف (قائد الأركان الروسي منذ عام 2012)، وفيه يتحدث عن "دروس الربيع العربي"، ويشرح كيف تزيل الولايات المتحدة والغرب الحواجز بين العسكري والمدني في الحروب الجديدة التي سمّاها "حروباً هجينة".

وعلى الرّغم من اعتذار مطلق شعار "عقيدة جيراسيموف"، الكاتب الأميركي مارك غاليوتي، في مقال نشره في "فورين بوليسي"، وقوله أن لا شيء يشير فعلاً إلى وجود هذه العقيدة في روسيا، إلا أن الإعلام الغربي ما زال إلى الآن يستخدم هذا التوصيف لشرح العقيدة العسكرية الروسية.

وبالعودة إلى ألكسندر دوغين، يسميه الغرب "عقل بوتين" أو "بوتين-راسبوتين"، ويتهمه بأنه الملهم الروحي لبوتين وللقادة العسكريين الروس، وذلك انطلاقاً من كتاب لدوغين يتناول فيه الجيوبوليتيك باللغة الروسية عنوانه "أسس الجيوبوليتيك" ويدعو فيه روسيا إلى التحلّي بالقوة، والسعي للعودة إلى الساحة العالمية، وتقويض هيمنة الولايات المتحدة الأميركية على العالم.

واللافت أن الولايات المتحدة الأميركية فرضت عقوبات على دوغين عام 2014 بعد ضمّ القرم، وأخيراً أضيفت ابنته إلى قائمة العقوبات الأميركية بسبب "دورها الإعلامي في تأييد العملية العسكرية في أوكرانيا".

المؤكد، أن مَن يتداولون مصطلح "عقل بوتين" للدلالة على دوغين، لم يقرأوا كتاب "أسس الجيوبوليتيك" باللغة الروسية، الذي يحتوي على مفاهيم أكاديمية عامة حول الجيوبوليتيك بداية، ثم بعض النصائح لعودة روسيا إلى الساحة الدولية التي تتطلب تقويض الهيمنة الأميركية على العالم، ومنها المساهمة في تقويض الولايات المتحدة الأميركية من الداخل (على الرغم من تأكيده أن ذلك صعب). كما أن معظمهم لم يصرف وقته في تدقيق مدى تطابق أفكار بوتين القومية، و"الأوراسية الجديدة" التي ينادي بها ألكسندر دوغين.

عملياً، أن إجراء دراسة مقارنة لكل من أفكار بوتين وأفكار دوغين، تعطي فكرة واضحة أن بوتين لا يؤمن بأوراسية دوغين (الذي لا يؤمن بالاتحاد الروسي كدولة)، بل إن بوتين ينتمي إلى التيار القومي الروسي الذي يؤمن بعظمة روسيا كحضارة قائمة بذاتها، وليست بالضرورة جزءاً من الحضارة الأوروبية أو الأوراسية كما تؤمن التيارات الفكرية الأخرى في روسيا.

أوراسية بوتين تنطلق من مصلحة اقتصادية وجيوبوليتكية (سياسة واقعية)، وليس من منطلق إيمان بهويةٍ أوراسية حضارية كالتيار الأوراسي الفكري في روسيا الذي لا يؤمن بالهوية الروسية باعتبارها مميّزة ومنفصلة بل باعتبارها جزءاً من أوراسيا.

أما "الأوراسية الجديدة" التي ينادي بها دوغين، فهي أيضاً لا تتطابق والتيار الأرواسي التقليدي في روسيا، بل إن أفكاره أقرب إلى اليمين المتطرف الذي يدعو إلى هيمنة روسيا على أوراسيا، أكثر مما هو داعم للاندماج الثقافي والحضاري الأوراسي.

وفقاً لدوغين، فإن "النظام الأطلسي" هو قوة متجانسة تعمل لإضعاف التنوّع الوطني والثقافي الذي يمثل قيمة أساسية لأوراسيا. ولأن أوراسيا تعاني "أزمة عرقية وبيولوجية وروحية حادة" يمكن أن يكون الحلّ بقيادة روسيا لأوراسيا على أن تخضع لـ"عملية عضوية ثقافية-عرقية" بقيادة روسيا لضمان الحفاظ على الدول الأوراسية وتقاليدها الثقافية

في المقابل، حظيت أوراسيا باهتمام واضح لدى بوتين لاعتبارات عديدة، أهمها رفض أوروبا دمج روسيا في المنظومة الأوروبية، ثم التوجّه الأوروبي إلى قطع العلاقات بروسيا بعد الحرب في أوكرانيا، وفضلاً عن ذلك، يعتقد بوتين أن بلاده هي الدولة المحورية في أوراسيا، خصوصاً أنها دولة واسعة متعدّدة العرق، وهي تالياً تمثّل صورة مصغرة لأوراسيا.

يمكن تلخيص التصورات الفكرية لفلاديمير بوتين بعددٍ من التوجهات الرئيسة المتمثّلة في التالي:

- التوجّه المحافظ

 في مستهل حكمه، حاول بوتين أن يتبنّى سياسات ليبرالية ويتعاون مع الغرب، لكن تجربته غير المشجعة مع الغرب في ولايته الأولى، دفعته إلى الاتجاه المحافظ، وسرعان ما بدأ يتحدّث عن روسيا التي تعتمد على التقاليد والقيم الأساسية، وخصوصاً القيم المسيحية. وتبلورت هذه الفلسفة على نحو كبير في ولايته الرئاسية الثانية وما تلاها.

وقد توسّعت هذه السياسة المحافظة، من خلال التحالف مع الكنيسة الأرثوذكسية، وزاد استخدام بوتين للمفردات الدينية كآلية لمواجهة التطرف، ولكسب التأييد الانتخابي في الداخل. وكان لافتاً التعريف الذي أعطاه الرئيس الروسي للديمقراطية، إذ عرّفها بأنها "قوة الشعب الروسي في تقاليده الخاصة بالحكم الذاتي، وليست الوفاء للمعايير المفروضة على روسيا من الخارج".

- طموحات القيادة العالمية:

لم يُخفِ بوتين رغبته في استعادة المكانة الروسية في النظام الدولي، وحاول القيام بذلك عبر القوة الصلبة، والتوسّع الخارجي، إضافة إلى أدوات القوة الناعمة وتسويق ما يعرف بالنموذج الروسي، الذي ينطوي على قيم الوطنية الروسية والمسيحية الأرثوذكسية.

-  المجال الأوراسي:

شرع بوتين في بناء اتحاد اقتصادي أوراسي يهدف إلى منافسة القوى الاقتصادية الكبرى، ويعزّز النفوذ الروسي في الوقت عينه، ويخدم مصالح روسيا ومساعيها نحو المشاركة في قيادة النظام الدولي.

- إضعاف الخصوم ومنعهم من الانتصار على روسيا:

تتعاطى روسيا مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحلف الناتو على أنها قوى مناوئة لها تسعى لتقويض نفوذها. فإذا لم يستطع بوتين أن ينتصر على هؤلاء، فعلى الأقل يضعفهم ويعرقل تحقيق أهدافهم العالمية، ويمنعهم من التدخّل في الحديقة الخلفية لروسيا. وما الحرب على أوكرانيا إلا تطبيق لمبدأ منع الخصوم من إضعاف روسيا وتطويقها.

  

2022/08/15

معضلة الترسيم البحري: السيناريوهات المتوقعة للحلّ


يعيش اللبنانيون ترقباً منذ حادثة إطلاق مسيّرات لحزب الله فوق البحر الابيض المتوسط، وقيام “إسرائيل” بإسقاط تلك الطائرات، ثم تهديد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، بأن لبنان مستعد لخوض حرب من أجل تحصيل حقوقه الطبيعية في مياهه وغازه، والأهم إزالة الفيتو الموضوع على لبنان والذي منع توتال من الاستمرار بالأعمال التي تقوم بها بالتنقيب، والذي منع غيرها من الشركات من التقدم بعروض للتنقيب عن الغاز في البلوكات اللبنانية الأخرى.

 

وفي هذا الإطار، وضع حزب الله موعداً نهائياً لحل القضية وهو "نهاية أيلول"، وحيث أكد مسؤوليه أن محاولات المماطلة الاميركية والاسرائيلية وتمييع القضية لن تنطلي على لبنان، وأن المعادلة هي: لن يستخرج الاسرائيلي الغاز من اي بقعة في شرق المتوسط، إذا لم يستطع لبنان أن يستخرج الغاز من مياهه.

 

وبسقوط خيارات المماطلة والتسويف والالتفاف على اللبنانيين، ما هي السيناريوهات المتوقعة؟

 

السيناريو الأول: أن يوافق الاسرائيليون على مطالب لبنان – ترسيم وتسوية

 

-        من وجهة النظر الاسرائيلية: من الصعب على “إسرائيل” أن تقبل بالرضوخ للمطالب اللبنانية بدون أي تعديل أو تنازل لبناني إضافي، لأن ذلك يخلّ بصورة التفوق الاسرائيلي، ويغري الأعداء الآخرين بتكرار سيناريو مماثل.

 

-        من وجهة النظر اللبنانية: لقد تنازل لبنان الى الحد الأقصى بتخليه عن الخط رقم 29، وبالتالي لا يمكن للبنان أن يتنازل أكثر، ونحن غير معنيين بالحفاظ على صورة “إسرائيل” (كما يريدنا هوكشتاين أن نفعل).

 

يبقى هذا السيناريو، الأقل كلفة والأكثر ربحاً للجميع، لكن "اسرائيل" قد تجده مكلفاً لأنها اعتادت على "البلطجة" على الآخرين.

 

السيناريو الثاني: أن يندفع الاسرائيلي الى رفض أي حلّ  - الحرب

 

يدرك الاسرائيلي أن رفض إعطاء لبنان حقوقه، سوف يؤدي الى حرب في المنطقة، لكنه يدرك أيضاً أن حزب الله اليوم مختلف عن حزب الله عام 2006، وأن الأذى والألم الذي يهدد به لبنان، سوف يكون مضاعفاً داخل “إسرائيل” نفسها. علماً أن ليس لدى اللبناني أي شيء يخسره في ظل الكوارث والأزمات التي يعيشها، وإذا كان لا بد من القتال، فقد يكون القتال مخرجاً من حرب اقتصادية وضغوط قصوى أدّت الى تجويع اللبنانيين وجعلتهم يعيشون الذل والطوابير والعتمة.

 

السيناريو الثالث: أن يندفع الاسرائيلي لجولة قتال محدودة يليها توقيع الاتفاقيات

 

ضمن هذا الخيار، قد يعتقد البعض في “إسرائيل” أن أياماً قتالية مع لبنان يندفع بعدها العالم الى ترتيب تسوية تنهي الخلاف البحري الاسرائيلي، هي الخيار الأمثل.  قد يندفع الاسرائيلي الى هذا الخيار، وذلك لعدم ظهور السياسيين الاسرائيليين بمظهر المتنازل أمام اللبنانيين، ولخشيتهم من الاضرار بصورة الردع الاسرائيلية.

 

لكن، أمام هذا الخيار مخاطر كثيرة، منها عدم توقع ردّة الفعل اللبنانية، وما بجعبة حزب الله من مفاجآت، بالإضافة الى أن التجربة الأخيرة بأيام قتالية محدودة مع "حركة الجهاد الاسلامي" في قطاع غزة المحاصر منذ سنوات، لم تحقق لإسرائيل صورة القوة التي كانت تنشدها، ولم تقضِ على حركة "الجهاد الاسلامي" كما أراد الاسرائيليون، واستمر تساقط الصواريخ على الداخل الاسرائيلي حتى آخر دقيقة.

 

في المحصلة، كل الخيارات المتاحة أمام الاسرائيليين في التعامل مع هذه القضية هي خيارات مرّة، فلم يعتد الاسرائيليون إلا على الغطرسة والسيطرة بالقوة على حقوق الآخرين. أما بالنسبة للبنان، فإن الخيار الأفضل أكيد هو الخيار الأول أي التسوية وحفظ حقوق لبنان بغازه ونفطه وفك الحصار غير المعلن عنه، أما إذا اندفعت “إسرائيل” للحرب (شاملة أو محدودة)، فليس لدى اللبنانيين سوى أن يقاتلوا لفك الحبل عن رقبتهم. بالنسبة للبنان، تبقى الحرب (مع بشاعتها وكلفتها الباهظة والمؤلمة) أقل كلفة من الاستنزاف والموت البطيء الذي يعيشه لبنان منذ 3 سنوات ولغاية اليوم.

  

2022/08/09

إسرائيل: فشل الحلّ العسكري خطر وجودي

في معرض العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وقبل ذلك، صدر عددٌ من التهديدات الإسرائيلية للبنان، مفادها أن الإسرائيلي سيُعيد لبنان إلى العصر الحجري، وأن لبنان سيشهد تداعيات كبيرة إن تجرّأ حزب الله ونفّذ تهديداته بشأن منصات الغاز في شرقي المتوسط. وكان عدد من السياسيين والإعلاميين الإسرائيليين أكّد أن الهجوم الإسرائيلي الأخير على حركة "الجهاد الإسلامي" في غزة، هو درس لكلّ من حزب الله وإيران، من أجل ردعهما وأخذ العِبَر من الدروس والهجوم على غزة.

 

وردّ السيد حسن نصر الله، خلال خطابه في ذكرى عاشوراء، مؤكداً أن "اليد التي ستمتدّ إلى أيّ ثروة من ثروات لبنان ستُقطَع، كما قُطِعت عندما امتدت إلى أرضه". وتوجّه إلى الإسرائيليين بالقول: "في الأيام القليلة الماضية، سمعنا عدداً من التصريحات والتهديدات ضدّ لبنان. أمّا في لبنان فحسابنا معكم هو حساب آخر، وخَبِرْتُمونا. وما حرب تموز ببعيدة، فلا تُخطِئوا مع لبنان، ولا مع شعبه".

 

المؤكَّد أن العالم أجمع يتذكّر حرب تموز/يوليو 2006، ويذكر الصمود الأسطوري للبنانيين في تلك الحرب، لكنّ للإسرائيلي في حرب تموز/يوليو عِبَراً أكبر من مجرد خسارة حرب عسكرية، أو عدم القدرة على تحقيق الأهداف فيها، بل فيها من الدروس والعِبَر المرتبطة بمصير الكيان الإسرائيلي ككل، ووضعه المستقبلي في المنطقة، وذلك كما يلي:

 

1- انهيار متزايد في الجبهة الداخلية:

حرصاً على المناعة والتماسك الاجتماعيَّين لـ "شعب" متباين الأصول، تمسّك الإسرائيليون دائماً بـ"أخذ الحرب إلى ديار العدو"، وتحاشَوا وقوعها في "أرضهم". الاستثناء كان حرب تموز/يوليو، وما تلاها من قيام المقاومة الفلسطينية بقصف المستوطنات الإسرائيلية، وإجبار المستوطنين على النزوح عن أماكن سكنهم.

 

لقد أتى تقرير فينوغراد ليُثْبت ما خشيه الإسرائيليون دائماً، بقوله إن "الجبهة الداخلية كانت مشاركة في الحرب رغماً عنها. والواقع أن شمالي الجليل عرف في الماضي إطلاق صواريخ الكاتيوشا، لكن هذه الحرب كانت الأولى التي تتعرض فيها الجبهة الداخلية الشمالية ...".  (الفقرة الـ27).

 

 إذاً، كانت حرب تموز/يوليو الاستثناء الأول في حروب "إسرائيل" في المنطقة، وبعدها ساهمت عِبَرُ تلك الحرب، والوعيُ الفلسطيني المتزايد بهشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، في الضغط على "إسرائيل" لتحقيق توازن ردع معقول بين "دولة" حربية تحظى بالتأييد، دولياً ودبلوماسياً، وبالمليارات من الدعم العسكري السنوي من الولايات المتحدة الأميركية، وبين قطاع غزة المحاصَر منذ أعوام طويلة، والذي يعاني التهميش والفقر وكثافة سكنية هي الأكبر في العالم على الإطلاق.

 

وما الدعوات السريعة، التي أطلقها الإسرائيليون من أجل وقف القتال خلال جولة الاقتتال الأخيرة مع حركة "الجهاد الاسلامي"، سوى دليل على أن مناعة الجبهة الداخلية الإسرائيلية تَأَكَّلت أكثر منذ حرب تموز/يوليو 2006 لغاية اليوم، بدلاً من أن يتم ترميمها وتحسين صمودها.

 

أظهرت جولة القتال الأخيرة مع حركة "الجهاد الإسلامي" في غزة أن الأجيال الحالية من المستوطنين الإسرائيليين غير مستعدة لتحمّل التضحيات والخسائر، كما كانت الأجيال الأولى التي خاضت حروباً متعدّدة ضد العرب، وكافحت من أجل تأسيس "دولة". حتى الرغبة في الانضمام إلى الجيش الإسرائيلي، والافتخار به، تَراجَعا، إذ ذكرت صحيفة "إسرائيل اليوم" أن نسبة التهرب من الخدمة في جيش الاحتلال الإسرائيلي ازدادت هذا العام، بحيث يتذرّع 8% من الشبان الإسرائيليّين بالمشاكل النفسية للحصول على إعفاء من الخدمة الإجبارية، ويتذرّع آخرون بالدين للسبب نفسه، ويسعى الجيش الإسرائيلي لتقليص التهرب من الخدمة الإجبارية إلى 20%. (عدد 25/7/2022)

 

2- تَأَكُّل القدرة على فرض الحل العسكري:

على الرغم من ذكره الإخفاقات العسكرية التي مُني بها جيش الاحتلال الإسرائيلي في حرب تموز/يوليو، فإن إحدى أبرز التوصيات، التي ذكرها تقرير فينوغراد، هي الاستمرار في اعتماد "الحلول العسكرية" للقضايا التي تواجه "إسرائيل"، وأكد فيها أنه، من دون اعتماد "إسرائيل" على "الحل العسكري"، فإنها "لن تستطيع البقاء في هذه المنطقة". ويؤكد التقرير أن على المحيط و"إسرائيل" نفسها، أن "يؤمنا بالقدرة الإسرائيلية على هزيمة جيرانها، ومنعهم بالقوة من النجاح في تحقيق أهدافهم" (الفقرة الـ63).

 

عملياً، كانت حرب تموز/يوليو هي الحرب الأولى التي "بادرت إليها إسرائيل، وانتهت من دون أن تنتصر فيها بصورة واضحة، من الناحية العسكرية..." (تقرير فينوغراد، الفقرة الـ9).

 

وبعد حرب تموز/يوليو، اعترف الجنرال احتياط، إيال بن رؤوبين، بأن "الجيش الإسرائيلي، خلال الأعوام الخمسة التي سبقت حرب تموز/يوليو، لم يستطع بناء استراتيجية تشكل رداً ناجحاً وناجعاً ضد مختلف أنواع الحروب وتطوراتها". وأضاف أن "عصر الجيش التقليدي والمهمّات التقليدية، التي تقول للجيش: اذهبْ، دمِّرْ، اقتلْ، أَحرِقْ واحتلّ الأراضي، انتهى".

 

في النتيجة، إن أهمية الانكسار الإسرائيلي في حرب تموز/يوليو 2006، ليست فقط في تَأَكُّل قوة الردع التي أغرت الفلسطينيين على تكرار السيناريو اللبناني وتحطيم فكرة "الجيش الذي لا يُقهَر" فحسب، بل في أنها أيضاً أدخلت في الوعي الإسرائيلي فكرةَ الخطر على استمرار "الدولة" والكيان. إن هذا القلق الإسرائيلي، وهذا الخوف على القدرة على الاستمرارية، ينطلقان من وصايا مؤسِّسي الكيان، وأبرزهم ديفيد بن غوريون، الذي قال عام 1948، إن "إسرائيل يمكن أن تهزم العرب مئة مرة، لكنْ إن هُزِمت مرة واحدة، فذلك يعني نهايتها". 

2022/08/08

التصعيد في غزة والعين على كاريش

 اندفعت "اسرائيل" لتصعيد التوتر في غزة باستهداف قادة من حركة "الجهاد الاسلامي" ما استدعى رداً عسكرياً، وتصعيداً متبادلاً حيث قصفت "اسرائيل" الأماكن السكنية في غزة، وردّت الحركة بقصف المستوطنات والمدن الاسرائيلية بالصواريخ. وبنتيجة الوساطة المصرية، تمّ التوصل الى إتفاق وقف إطلاق نار وتعهد بالافراج عن أسيرين فلسطينيين تحتجزهما "اسرائيل" من قادة حركة الجهاد الاسلامي.

 

في العديد من المواقف السياسية والاعلامية، عبّر الاسرائيليون عن أن أهداف هذه العملية هو توجيه رسالة للبنان، وخاصة لحزب الله، للقول بأن أي تصعيد محتمل سيقوم به لبنان في موضوع الغاز في شرق المتوسط، وتنفيذ التهديدات التي أطلقها السيد حسن نصرالله في حال قيام اسرائيل باستخراج الغاز من كاريش قبل السماح للبنان بالقيام بالتنقيب، سيكون الردّ الاسرائيلي قاسياً، وأن لبنان سيعاني كما عانت غزة خلال هذه العملية.

 

عملياً وواقعياً، إذا كانت "اسرائيل" – فعلاً- تضع نصب عينيها هذا الهدف من تلك العملية، فقد فشلت في تحقيقه، بل انقلب الى ضدّه وظهرت "اسرائيل" بمظهر أضعف مما كانت عليه قبل العملية، ذلك كما يلي:

 

1اختارت "اسرائيل" أضعف فصيل من الفصائل الفلسطينية من الناحية العسكرية، وبالرغم من ذلك استطاع هذا الفصيل أن يقصف المستوطنات والمدن الاسرائيلية بالصواريخ ويروّع الاسرائيليين فيها.

 

2إن إصرار الاسرائيليين على تحييد حركة حماس ودعوتها الى النأي بنفسها، كان هدفه دق اسفين بين الفصائل الفلسطينية وزرع الشقاق بين الفلسطينيين كما حصل سابقاً بين السلطة الفلسطينية والفصائل المختلفة، إلا أن التحييد والاشادة بما أسماه الاسرائيلي "نأي حماس بنفسها" عن المعركة، أظهر قلقاً اسرائيلياً من أن تتوسع الحرب الى أيام طويلة لا يتحملها الداخل الاسرائيلي، فتنهمر صواريخ حماس الأكثر تطوراً وعدداً على المدن الاسرائيلية.

 

3لا شكّ أن كلاً من إيران وحزب الله كانوا يراقبون الأداء الاسرائيلي الداخلي سواء على المستوى السياسي أو الأمني أو على صعيد الجبهة الداخلية، علماً أن وقف اتفاق النار الذي سارعت اسرائيل الى طلب الوساطة المصرية لتحقيقه، رفضه الفلسيطينيون حتى تحقيق مطالبهم بالافراج عن الأسرى.

 

4أظهرت الأيام الحربية القليلة، أن البيئة الداخلية الاسرائيلية غير مستقرة على المستويَين السياسي والمجتمعي، وأن قدرتها على تحمّل حرب طويلة باتت تتقلص سنة بعد سنة، ولم تعدّ تتقبل الخسائر والتضحيات كما كانت الأجيال الاولى من المستوطنين، وبالتالي إن حرباً مع حزب الله، الذي يمتلك صواريخاً دقيقة متطورة، وقدرات هائلة، لن تكون نزهة للاسرائيليين.

 

في النتيجة،لم تكن الحرب يوماً هدفاً بحدّ ذاته، بل هي وسيلة لتحقيق أهداف سياسية، منها زيادة القوة أو الحفاظ على القوة أو فرض الهيبة والنفوذ. وعليه، مهما كانت الأهداف السياسية الاسرائيلية من التصعيد العسكري وجولة القتال الأخيرة التي قامت بها، لا يبدو أن الاسرائيليين قد حققوا أي انجاز سياسي يذكر من قتل الفلسطينيين في غزة، ولم يستطيعوا إرسال رسائل قوة وهيبة في الاقليم، سواء للبنان أو لإيران، ولن يكونوا بمأمن في حال قرروا المماطلة في حلّ قضية ترسيم الحدود مع لبنان، وبدأوا باستخراج الغاز في أيلول على ان يبقى لبنان ممنوعاً من الاستفادة من الغاز الموجود في مياهه.

2022/08/07

الولايات المتحدة: المؤشرات الداخلية مقلقة


في خضم الصراع الأميركي مع روسيا بعد تدخلها العسكري في أوكرانيا، الذي ينذر بكارثة اقتصادية عالمية، والذي يكاد يتسبب بحرب "إبادة نووية"، كما حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، أجرت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي زيارة استفزازية لتايوان على الرغم من كل التحذيرات الصينية.

ومع أن الصين لم تسقط طائرة بيلوسي، ولم تندفع إلى خيار عسكري متهور ضد تايوان، إلا أن القيادة الصينية تمتلك عدداً من الوسائل التي تجعلها قادرة على الردّ بهدوء وبطريقة متدرجة ومؤلمة لتايوان بفضل قدراتها العسكرية والمالية والاقتصادية فضلاً عن قدرتها على حصار الجزيرة الصغيرة قربها.

ولا يمكن فصل الأسباب الداخلية في الولايات المتحدة عن رغبة إدارة بايدن في إثارة التوترات العالمية، وتأجيج الصراع الاستراتيجي مع روسيا والصين، ومحاولة الظهور بمظهر القوة العالمية لتوظيفها في الداخل وفي الانتخابات النصفية المقبلة، فكيف تبدو الصورة من داخل الولايات المتحدة نفسها؟

1-  رئيس ضعيف أداؤه سيئ

أظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة كوينباك[1]، أن الرئيس الأميركي جو بايدن هو أقل الرؤساء الأميركيين شعبية في تاريخ الولايات المتحدة (في النصف الأول من ولايته)، فقد قال 31% فقط من المستطلَعين إنهم راضون عن أدائه.

واللافت، أن ما يقارب 7 من كل 10 أميركيين (71%) قالوا إنهم لا يرغبون في رؤية جو بايدن يترشّح للرئاسة عام 2024. من بين المستطلَعين من الحزب الديمقراطي، رأى 54% أنهم لا يرغبون في ترشّحه مجدداً، فيما 40% فقط قالوا إنهم يودّون ذلك.

في المقابل، كانت نسب تأييد ترامب أفضل من نسب جو بايدن على الصعيد العام، وفي داخل حزبه. على الصعيد العام، قال أكثر من 6 من كل 10 أميركيين (64%) إنهم لا يرغبون في رؤية دونالد ترامب يترشح للرئاسة عام 2024. ومن بين الجمهوريين، قال 69% إنهم يرغبون في ترشح ترامب عام 2024، فيما قال 27% إنهم لا يرغبون.

2-  الانتخابات النصفية: خسارة مرجحة للحزب الديمقراطي

يعاني الاقتصاد الأميركي تباطؤاً وتضخماً شديدين، وذلك بسبب الحزمات المالية التي أنفقت على خطة التعامل مع فيروس كورونا المستجد عام 2021، ثم الحرب الأوكرانية والعقوبات المفروضة على روسيا التي جعلت أسعار الطاقة ترتفع إلى مستويات عالية، ومعها يرتفع التضخم إلى أعلى مستوى له منذ 40 عاماً.

وعموماً، يغلب الموضوع الاقتصادي والتضخّم والقضايا الداخلية على توجهات الناخبين في الولايات المتحدة أكثر مما تعني لهم السياسة الخارجية، ولطالما كان التعثّر الاقتصادي أو حتى نظرة الأميركيين إلى مستقبل البلاد الاقتصادي هي العامل الحاسم في الانتخابات حتى الرئاسية منها. لذا، من المرجّح أن يسيطر الحزب الجمهوري على الغالبية في الكونغرس الأميركي في الانتخابات النصفية المقبلة.

 وذكر استطلاع للرأي أجراه غالوب[2] أخيراً في الأول من آب/ أغسطس، أن التضخم وأزمة القيادة الحكومية والاقتصاد عموماً هي هموم المواطن الأميركي الأساسية، وفي سؤال مفتوح، 1% فقط أجاب بأن روسيا تشكّل قلقاً له، ولم يبدِ أي شخص قلقاً من الصين

3-  انقسام عمودي في الرؤى السياسية والقيمية

لطالما عانت الولايات المتحدة الأميركية الاستقطاب، وكان الاستقطاب عمودياً في فترة العبودية وقوانين الفصل العنصري والعرقي (قوانين جيم كرو) التي اعتمدت في الولايات الجنوبية وامتدت إلى عدد من الولايات الشمالية في القرن التاسع عشر.

لكن، مع منتصف القرن العشرين، وعلى الرغم من بقاء السياسات العنصرية ضد السود، تراجعت حدّة الخلافات الأيديولوجية بين الديمقراطيين والجمهوريين، فكان المحافظون والمعتدلون والليبراليون في الحزبين، ويمكنك أن تحصل على مواقف متشابهة حول القضية المطروحة نفسها في كلا الحزبين.

اليوم، أصبح الفرز حقيقياً وواضحاً بين الحزبين، فلقد سيطر الليبراليون -وبخاصة اليسار الليبرالي- على قواعد الحزب الديمقراطي، فيما سيطر المحافظون –وبخاصة اليمين المتطرف– على قواعد الحزب الجمهوري، وبين هذين الحدّين المتطرفين، تزدهر الشعبوية وتغيب الأصوات المعتدلة، وتتلاشى تدريجياً الطبقة السياسية التقليدية التي يمثلها بايدن وأمثاله.

في النتيجة، الولايات المتحدة منذ عام 2008، أي منذ الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت بالمصارف الأميركية وامتدت إلى العالم، تعاني أزمة مجتمعية حقيقية تتجلى في تهميش الطبقات الفقيرة، وتقلص الطبقة المتوسطة، وغياب العدالة الاجتماعية، والشعور بفقدان الهوية والخوف من ضياعها، خصوصاً لدى البيض من الأميركيين، الذين باتوا ينجذبون أكثر فأكثر إلى الخطابات الشعبوية التي تركّز على دور السود والهجرة من أميركا اللاتينية في فقدان الأمن والوظائف وضياع الثقافة الأميركية التقليدية.

تستفيد الطبقة التقليدية السياسية من هذه الاتهامات السالفة الذكر، لأنها تحيّد مسؤوليتها المباشرة عن السياسات الاقتصادية الداخلية والخارجية التي تعمل لمصلحة الشركات الكبرى، والمجمّع الصناعي العسكري، واللوبيات الأقوى في النظام

ولعل أبلغ مؤشّر إلى عمق الأزمة التي يعيشها المجتمع الأميركي هو التقارير التي تقول إن الولايات المتحدة حقّقت 13 تريليون دولار أميركي بين عامي 2001 و2020، فيما حققت الصين 11 تريليون دولار، المفارقة أن الصين استغلت هذه الأرباح لتنتشل 823 مليون إنسان من الفقر، فيما حصل 10% من المواطنين الأميركيين على ما يعادل 90% من هذا الناتج.

2022/08/01

الترسيم البحري: نهاية المفاوضات وليس بدايتها

في آذار 2019، زار وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو لبنان، وأعلن صراحة أمام كل من التقاهم من المسؤولين السياسيين وفي تصريح علني، أن سياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه لبنان تقوم على خيارين: "أما أن يقوم اللبنانيون بالتصدي لحزب الله، وإلا سيجبر اللبنانيون أن يعانوا"، وأكد أن الولايات المتحدة مهتمة "بترسيم الحدود البرية والبحرية". (راجع تصريح بومبيو في 23 آذار/ مارس 2019)

وعليه، من الواضح – بحسب تصريح بومبيو- أن سياسة الضغوط القصوى على لبنان، كانت تهدف الى الضغط لتحجيم حزب الله في الداخل، والبتّ بمسار ترسيم الحدود مع "اسرائيل":

1-     تحجيم حزب الله:

منذ ذلك الاعلان، كان واضحاً أن إدارة ترامب قررت تطبيق سياسة الضغوط القصوى على لبنان لإحتواء نفوذ حزب الله مهما كلف ذلك من "مصاعب على اللبنانيين". ولم ينفع في تغيير رأي بومبيو، الردود اللبنانية الرسمية اللبنانية المختلفة، بأن حزب الله جزء من النسيج اللبناني، وأن لديه نواب ووزراء في الحكومة.

الأكيد أن الأميركيين كانوا يعتقدون أن سياستهم في الضغط على اللبنانيين ستحقق الأهداف منها، بناءً على دراسة جدوى، وقد يكون العديد من "الخبراء والمستشارين" اللبنانيين في لبنان والخارج قد أكدوا للأميركيين إمكانية نجاح هذه الخطة، بدليل أن الأميركيين ما زالوا مستمرين فيها لغاية اليوم. وذلك، بالرغم من أن حساب الحقل لم يتطابق مع حساب البيدر، فمنذ عام 2019 ولغاية اليوم، تراجعت مستوى معيشة اللبنانيين وضعفت قدراتهم، وعانوا الأمرّين، لكن الحزب عملياً لم يضعف، ولا شيء يشي بأن اللبنانيين باتوا مستعدين أو قادرين على مواجهة (أو قتال) حزب الله.

2-     ترسيم الحدود مع "اسرائيل":

بدأ الرئيس نبيه برّي هذا المسار عام 2010، وأنهاه في 22 أيلول سبتمبر 2020، بالتوصل الى إتفاق إطار للتفاوض بين لبنان و"اسرائيل"، معلناً انتهاء مهمته عند هذا الحدّ، وتسليم الأمر الى رئيس الجمهورية (بموجب المادة 52 من الدستور اللبناني) وقيادة الجيش والحكومة.

وبالفعل، بعد سنتين من المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين (التي انطلقت مبدأياً من خط هوف)، وقيام لبنان بالمطالبة بخط 29، وبالتالي ردّ اسرائيل بالمطالبة بالخط رقم 1، وصلت الأمور الى خواتيمها اليوم، ومن المفترض أن يكون المفاوض اللبناني متسلحاً بالقوة التي تمتلكها المقاومة، والتي أعلن السيد حسن نصرالله أنها لمساعدة الدولة اللبنانية، وأن حزب الله لن يتدخل في الترسيم أو الخطوط بل سيقبل بما ستقوله الدولة اللبنانية.

بالنتيجة، إن ما ينتظره لبنان اليوم من المفاوضات ومن الردّ الذي سيحمله الوسيط الأميركي هوكشتاين، والتي استغرقت 12 سنة ( 10 سنوات بقيادة الرئيس برّي- وسنتين مع رئاسة الجمهورية والجيش اللبناني) أن تصل الى خواتيمها بالنسبة لترسيم الحدود، وأن ترفع الضغوط القصوى عن لبنان وهما هدفين مترابطين لا يمكن فصلهما.

أما من يطالبون اليوم، بالعودة الى السقف الاعلى الذي بدأ به لبنان قبل أن تبدأ المفاوضات ويتهمون الآخرين بالخيانة، فهم ثلاث فئات:

-         فئة لا تريد للبنان أن يزدهر وأن يبقى تحت الضغوط القصوى.

-        فئة من المزايدين في كل شيء والذين يرفعون السقف في كل شيء لأن كلامهم لا يرتب مسؤوليات.

-        وفئة البسطاء من غير المطلعين (المتأثرين بكلام الفئة الأولى والثانية) وهم غير مدركين أن ما سيتم التوصل اليه اليوم هو نتيجة المفاوضات وليس بدايتها. 

التركي يناور لتطبيق استراتيجية "محور الطاقة"

حظي لقاء القمة الثلاثية في طهران، والذي جمع الرؤساء: بوتين ورئيسي وإردوغان، باهتمام بالغ، وذلك بسبب المواضيع التي طرحت في القمة، والمبادرة التي كان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قد أطلقها للتوصل إلى حلّ لمسألة التهديد التركي بعملية عسكرية في الشمال السوري، بالإضافة إلى أنها أتت عقب زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة، فظهرت قمة طهران وكأنها ردّ على تلك الزيارة.

 

عملياً وواقعياً، لا يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان حالياً في وارد التموضع في أحلاف، والوقوف ضد سياسة الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، ولا الانخراط في الحلف الغربي ضد روسيا.

 

لتركيا حساباتها الخاصة ومصالحها مع الحلفين المتقابلين، ولإردوغان حساباته الشخصية في هذا الإطار، بالإضافة إلى أن الأتراك على أبواب انتخابات هامة ستحصل في السنة القادمة، وعلى إردوغان أن يحاول العودة كرئيس، وأن يحصّل لحزبه العدد الأكبر من المقاعد النيابية.

 

وبما أن الصراع في المنطقة والعالم يتمحور بشكل أساسي حول أنابيب الطاقة وإمداداتها، فإن الأتراك، وبحكم موقعهم الجغرافي، قادرون على أن يحققوا مكاسب استراتيجية هامة لدولتهم، ما يجعلها مركزاً ومحوراً للطاقة.

 

كيف أصبحت تركيا "محوراً مركزياً للطاقة"؟

 

يسعى الغرب إلى تأمين بدائل عن الغاز والنفط الروسيين منذ بداية القرن الحادي والعشرين، عبر سلسلة من مشاريع الأنابيب التي تجعل من تركيا مركزاً أساسياً، ويجعل "كل الخطوط تمر عبر تركيا".

 

1- بدائل الغاز من آسيا الوسطى عبر تركيا

 

أ‌- خط نابوكو: Nabucco

 

بدأ التفكير في المشروع عام 2002، وتمّ التوقيع عام 2009. بدأ في الأساس كمشروع يهدف إلى نقل الطاقة من تركمنستان وأذربيجان إلى جورجيا وتركيا، ثم إلى أوروبا. لكن عوامل عديدة جعلت هذا الخط غير ذي جدوى، إذ أصبح خطاً لا يجد من يمدّه بالغاز، فتمّ التخلي عنه.

 

كان من المفترض أن يكون العراق وإيران مصدرين محتملين للغاز في خط نابوكو، بالإضافة إلى أذربيجان وتركمنستان، وبات معيار نجاح نابوكو من عدمه يعتمد بشكل أساسي على مشاركة إيران فيه.

 

بالإضافة إلى امتلاكها احتياطيات غازية ونفطية هائلة، وكونها صاحبة ثاني أكبر احتياطي بعد روسيا، تشكّل إيران معبراً مثالياً لنقل الغاز التركماني إلى تركيا ومنها الى أوروبا عبر خطوط الأنابيب الإيرانية، ولتخطي النزاعات القانونية الدولية التي أثارتها روسيا حول بحر قزوين.

 

تأخر الاتفاق النووي مع إيران، وكانت العقوبات الأممية المفروضة على عليها عائقاً أمام إمكانية مساهمتها في تأمين الغاز لخط نابوكو، ما جعل الأنبوب بلا جدوى، وتوقف العمل فيه عام 2013.

 

ب‌- خط تاناب Tanap:  تمّ توقيع اتفاق الشراكة لمشروع تاناب عام 2015، وجرى تدشينه في عام 2018.

 

عدم القدرة على تأمين غاز لنابوكو، أدى إلى اكتفاء مشروع خط تاناب بنقل الغاز الآذري إلى أوروبا عبر تركيا. ووجود أرمينيا كدولة معادية لكل من أذربيجان وتركيا، جعل هذا الخط يمر في الأراضي الجورجية ثم إلى تركيا، ما يعني كلفة أكبر.

 

يشير العديد من الخبراء إلى أن أحد أهداف الحرب على أرمينيا ومطالبة أذربيجان وتركيا بممر ناخيتشفان، تقليص مسافة النقل بين أذربيجان وتركيا عبر إقليم ناخيتشفان الآذري المحاذي لتركيا.

 

2خطوط الغاز الروسية البديلة عبر تركيا

 

أ‌- السيل الجنوبي:

 

بمواجهة المشاريع الأوروبية، قرر الروس إطلاق مشروع السيل الجنوبي، والذي يهدف إلى نقل الغاز الروسي إلى أوروبا الوسطى عبر البحر الأسود وبلغاريا. قام الاتحاد الأوروبي بعرقلة هذا الخط بذريعة البيئة أحياناً، ووضع عراقيل لوجستية وقانونية أحياناً أخرى. أدرك الروس أن هناك فيتو أميركياً وأوروبياً على المشروع، فتم إيقافه، والاستعاضة عنه بأنابيب "السيل التركي".

 

ب‌- السيل التركي:

 

كان خط "السيل الأزرق" الذي تمّ بدء العمل فيه عام 2005، أول خط أنابيب غاز مباشر بين روسيا وتركيا تحت البحر الأسود.

 

عام 2014، وبعد المشاكل التي حصلت بين روسيا وأوروبا على خلفية ضمّ القرم، أعلن بوتين إطلاق مشروع "السيل التركي"، خلال زيارته لتركيا عام 2014. تأخر المشروع بعد إسقاط الأتراك طائرة روسية في سوريا، ولكن العمل استؤنف لاحقاً، وبدأ الغاز الروسي بالتدفق في تلك الأنابيب عام 2020، ليكون هذا الخط بديلاً عن خط أوكرانيا ورومانيا، لتأمين إمدادات الطاقة إلى بلغاريا ومقدونيا الشمالية. أدّت الحرب الأوكرانية إلى قطع إمدادات الغاز إلى بلغاريا.

 

3- خطوط الغاز لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا:

 

أ‌- مشروع "شرق المتوسط":

 

بدأ التفكير في إمكانية تأمين الغاز إلى أوروبا من شرق المتوسط عام 2019، عبر مشروع "شرق المتوسط"، وهو عبارة عن خطوط تربط "إسرائيل" بقبرص واليونان وإيطاليا بطول 1900 كلم. الهدف منه نقل10 مليارات متر مكعب سنوياً من "إسرائيل" إلى قبرص، ثم جزيرة كريت اليونانية، بعدها إلى البر اليوناني وإلى شبكة الغاز الأوروبية عبر إيطاليا.

 

ب‌- الاتفاقيات الأوروبية – المصرية- الإسرائيلية

 

تتحضّر "إسرائيل" لتصدير الغاز إلى أوروبا خلال الخريف القادم. قام الأوروبيون فعمدوا إلى توقيع اتفاقيات مع كل من مصر و"إسرائيل" لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر، التي تقوم بتسييله، ثم تنقله إلى أوروبا وهو الخيار الأسهل والأسرع حالياً.

 

ج- مشروع الخط التركي- الإسرائيلي:

 

تعمل "إسرائيل" وتركيا برعاية أوروبية، على مشروع لمدّ خط أنابيب يربط بين "إسرائيل" وتركيا، وهو يحتاج إلى 3 أعوام تقريباً ليصبح جاهزاً لتأمين الغاز لأوروبا، وكلفته أقل بكثير من كلفة أنابيب "شرق المتوسط".

 

في النتيجة، إن الصراع على خطوط أنابيب الطاقة، والذي استعر بعد الحرب الأوكرانية، لا شكّ بأنه يجعل من تركيا مركزاً رئيسياً للطاقة. وعليه، فإن الأتراك غير معنيين بالتموضع في محاور دولية، بل ستكون سياستهم الخارجية أقرب إلى "صفر مشاكل" أو "علاقات جيدة مع الجميع للاستفادة من الجميع".