2015/04/23

الفشل السعودي .. وضرورات إعادة التقييم


د. ليلى نقولا الرحباني
تنفّس العالم الصعداء بالإعلان عن انتهاء عاصفة الحزم السعودية، والتي كادت أن تؤدي إلى حرب إقليمية يُعرف كيف تبدأ ولا يُعرف كيف تنتهي، وكبّدت الآلاف من الضحايا المدنيين، ودمّرت البنية التحتية اليمنية، وبوقف تلك العملية تكون المنطقة دخلت مرحلة مختلفة عما سبقها، ويمكن إيجازها بما يلي:

أولاً: خسارة ماء الوجه السعودية، فالسعودية أعلنت انتهاء حملتها العسكرية قبل أن تُحقق الأهداف التي أعلنتها في بداية الحملة، أي "عودة الشرعية إلى اليمن"، متمثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، وانسحاب الحوثيين من المواقع التي تقدّموا إليها.

في المقابل، وبالرغم من النبرة التهديدية العالية التي استخدمها قائد الثورة الإيرانية علي الخامنئي، نادى الإيرانيون بالحل السياسي، مطالبين بوقف العملية العسكرية على اليمن، وقدموا خطة من نقاط أربعة: وقف إطلاق النار، وبدء المساعدات الإنسانية، واستئناف الحوار بين اليمنيين، وتشكيل حكومة يمنية موسّعة تضم جميع الأطراف.

ويبدو من التقارير الواردة من اليمن، أن هناك اتفاقاً ما يجري الإعداد للإعلان عنه، علماً أن النقطتين الأولى والثانية قد تمّ الإعلان عنهما من قبَل قيادة "عاصفة الحزم"، أي انتهاء العملية وبدء المساعدات الإنسانية عبر ما سموه عملية "إعادة الأمل".

ثانياً: يؤشّر إعلان انتهاء العملية بهذه الطريقة إلى دفن فكرة "القوة العربية المشتركة" التي طبّل وهلل لها العديد من الكُتّاب العرب الدائرين في الفلك السعودي، باعتبارها ستأتي لتقضي على بشار الأسد والمقاومة بعد الحوثيين.

ثالثاً: أي نتائج عسكرية وسياسية يمكن أن تكون السعودية قد حققتها في الداخل اليمني من خلال عاصفة الحزم، ستبرز في نتائج المفاوضات الجارية لعودة الحوار السياسي وتشكيل الحكومة الجديدة، لكن، بالرغم من ذلك، حصدت السعودية خيبات عدّة تبرز في ما يلي:

1-      دعوة الملك السعودي الحرس الوطني للمشاركة في العملية قبل ساعات من الإعلان عن انتهائها يشير إلى إرباك ما في القيادة السعودية، أو إلى أن مفاتيح الإعلان عن بدء العملية وانتهائها ليس في اليد السعودية حصراً.

2-      انفضاض الحلفاء المفترَضين للسعودية، والتي عوّلت عليهم لاحتلال اليمن، وتهرّبهم من الانخراط المباشر في العملية، أدّى إلى إحراج السعودية، خصوصاً أنه كان من الطبيعي أن يعلم السعوديون أن هؤلاء لن ينخرطوا في حربهم المفتوحة ضد اليمن، وهكذا بدت السياسة السعودية منفصلة عن الواقع، من خلال توقّعها أن مساعدة مسؤول ما وإمداده بالمال تجعله تابعاً لها ضد مصالح بلاده، كما هي الحال مع بعض أدواتها في الشرق الأوسط.

3-      بالرغم من المكاسب السياسية التي يمكن أن تكون قد حققتها السعودية في اليمن أو في المنطقة من خلال إعلانها أنه لا يمكن تجاوزها في أي تسوية في المنطقة، وأنها مستعدّة للقتال، لكن التقارير الدولية التي أجمعت على أن الغالبية العظمى من الضحايا هم مدنيون، كتقرير الأمم المتحدة وتقارير "اوكسفام" و"هيومن رايتس واتش" وغيرها، جعلت السعودية تشبه "إسرائيل" في الساحة العالمية؛ في قصفها الأبرياء والبنى التحتية المدنية، وفي عدم التمييز بين المدنيين والعسكريين، بشكل منهجي وواسع النطاق.

لذلك فإن السعودية، وبالرغم من أي نتائج متحققة، تبدو خاسرة إعلامياً في الغرب، بالتركيز عليها بارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في اليمن، حسب ما تمّ الإعلان عنه من قبَل العديد من المنظمات الدولية، وبعدما صرّح العميد العسيري أن المدنيين هم "أضرار جانبية" ستحاول الحملة تجنّبها.

4-      لطالما اتُهمت السعودية في الإعلام الغربي وبعض الإعلام العربي بأنها مصدر الفكر التكفيري الذي أسّس "القاعدة" و"داعش" وما يماثلهما من قوى الإرهاب، وأن الخليجيين - خصوصاً المتمولين السعوديين - هم من يموّلون هذه الجماعات، كما صدرت اتهامات في الكونغرس الأميركي بأن هناك "قوى رسمية سعودية" وراء أحداث 11 أيلول الإرهابية.. فما الذي جنته السعودية - إعلامياً على الأقل - بعدما صرّح العميد العسيري بأن ضرب "القاعدة" ليس من أهداف "عاصفة الحزم"، بعد الانتقادات التي طاولت الحملة، باعتبار أن الفوضى التي خلقتها أفادت تمدّد الإرهابيين في اليمن؟

هذا بعض من نتائج إعلان انتهاء عاصفة الحزم قبل تحقيق أهدافها المعلَنة، وقد تشي الأيام المقبلة بنتائج جديدة قد تكون لصالح السعودية أو ضدها، لكن بكل الاحوال سيذكر التاريخ أن السعودية خرجت إلى حرب مباشرة لأول مرة، لم تعرف كيف تنتصر فيها، وهذا يجب أن يدفع القيادة السعودية إلى إعادة تقييم سياستها الخارجية، والوسائل التي تستخدمها فيها، والسؤال الذي يجب أن ينطلق منه السعوديون: هل كان الخيار العسكري بالفعل هو الأمثل لتحقيق مصالحنا الاستراتيجية في اليمن؟ ويُتبعوه بسؤال ثانٍ: هل دعم الإرهاب في سورية هو الحلّ الأمثل في سياساتنا الشرق أوسطية؟

2015/04/16

لا تفاصيل في الوضع السّوريّ

الخميس 16 / نيسان / 2015 
د. ليلى نقولا الرحبانيطغت أحداث اليمن والحملة السعودية فيها على الأخبار السورية وما يحصل من قتال ضارٍ، سواء بين الجيش السوري والمجموعات المسلحة، أو بين المجموعات المسلحة بعضها مع بعض، خصوصاً عند الحدود الجنوبية، وقد يكون اللافت للنظر، وفي خضّم هذه الفوضى وحرب الكل ضد الكل، وخلط الأوراق في المنطقة، بعض الأمور التي لا يمكن اعتبارها تفاصيل أو مواقف عرَضية، ونذكر منها ما يلي:
1- الدعم الواضح والكبير الذي تتمتع به المجموعات المسلحة في الشمال السوري من قبَل تركيا، بل وقدرة الأتراك على جمع المعارضات المتعددة والمتباينة الأهداف والمنطلقات في تلك المنطقة، لكسب بعض المناطق السورية وإسقاطها عسكرياً، وليس أدلّ على استمرار الأتراك بسياستهم وعدم اكتراثهم بكل القرارات الدولية التي تمنع تمويل وتسهيل مرور السلاح والأموال إلى الإرهابيين في سورية، إلا القضية التي أثيرت في تركيا، بعد توقيف 17 جندياً تركياً اتُّهموا بضبط شحنة من الأسلحة، كانت آليات تابعة لوكالة الاستخبارات التركية تنقلها إلى المجموعات المسلحة في سورية، ووُجِّهت إلى الجنود "تُهم الانتماء إلى منظمة إرهابية، والعمل لحساب دولة موازية"، أي إلى مجموعة الداعية فتح الله غولين.
2- مقابل الوضع في الشمال السوري، تشهد المناطق الجنوبية من سورية وضعاً مغايراً، إذ تتجه الأوضاع في درعا إلى الانفجار بين "جبهة النصرة" ومجموعات مسلحة أخرى، بدعم من غرف العمليات في الأردن، والتي تتخوف من انتشار وتوسّع "جبهة النصرة" على الحدود الجنوبية مع الأردن، وقد تخرج عن السيطرة في أي وقت، خصوصاً بعد رفضها لفك ارتباطها مع "القاعدة". كما يلاحظ موقف متقدم للملك الأردني، الذي اعتبر أن محاربة تنظيم "داعش" لها أولوية على محاربة النظام السوري، معتبراً أنه يجب إعادة تعريف ما هي "المعارضة المعتدلة"، و"إيجاد أشخاص في الداخل من أجل التوصل إلى حل سياسي".
3- تأكيد قائد الثورة الإيرانية علي خامنئي أن إيران لن تتخلى عن أي من حلفائها، وأنها لا تفاوض الغرب سوى على برنامجها النووي الخاص، وفي هذا ردٌّ مباشر على كل التسريبات التي تحدثت عن أن إيران تخلّت عن النظام السوري في سبيل تفاهمها مع الغرب، "وباعته كما باعت المالكي من قبل"، وأن المؤشر على ذلك سقوط بعض المدن بيَد المجموعات المسلحة عشية توقيع الاتفاق - الإطار بين الإيرانيين والغرب.
4- عودة الضغوط على أوباما لاتخاذ موقف حاسم بالتدخل في سورية، أو على الأقل لإحراجه في موضوع الكيميائي السوري والنفاذ منه إلى إحراجه في الموضوع النووي الإيراني، وذلك بصدور تقرير لـ"هيومن رايتس واتش" يتحدث عن استعمال النظام السوري لأسلحة كيمائية في إدلب، وقد يكون هذا الاتهام موجّهاً للتصويب على الإدارة الأميركية، على اعتبار أن قبول أوباما بالاتفاق الكيمائي السوري كان خطأ، كما أن قبوله بالتفاهم النووي مع إيران هو خطيئة.
في الواقع، تعيش المنطقة فترة جنون متفلت يزداد جنوناً وحقداً وإجراماً كلما شعرت الأطراف بتبدُّل، ولو طفيف، لموازين القوى الإقليمية. الفقراء يُقتلون في اليمن، والتبرير أن السعودية تريد أن تفرض نفسها في التوازن الإقليمي من البوابة اليمنية، ويجري حديث عن مفاوضات لتوحيد القوى التركية السعودية ضد سورية، وفيه خدمة لتركيا، وإيران تسير مسرعة نحو الانفلات من العقوبات المفروضة عليها، ويبقى الخاسر الأكبر عالم عربي قد لا تقوم له قائمة بعد مضي عقود من الاقتتال والفوضى.

2015/04/04

مداخلتي في ندوة الدور التركي والقضية الارمنية

الدّور التّركي المستقبليّ وأثره على القضيّة الأرمنيّة مشاركة الدّكتورة ليلـــى نقـــولا في ندوة أقيمت في بيت المحامي في بيروت مساء الإثنين 30 آذار 2015، تحت عنوان: القضيّة الأرمنيّة والعدالة الدّوليّة في ظلّ التغيّرات السّياسيّة في المنطقة
Posted by Dr. Leila Nicolas on Thursday, April 2, 2015

2015/04/02

العربي يقتل أخاه... للانتقام من الجيران؟

د. ليلى نقولا الرحباني

قبل أن ندخل في نوايا وأهداف الدول العربية التي أعلنت عن إنشاء "القوة العربية المشتركة"، والحديث عن المستهدَف فيها، وهل هو محور المقاومة في سورية ولبنان كما تقول بعض التحليلات، أو أنها ليبيا؛ كما يريد المصريون، والتي يعتبرون أنها تهدد الأمن القومي المصري بشكل كبير، أو مواجهة إيران وتخويفها، كما يقول البعض الآخر، من المهم بمكان أن نحدد مدى نجاح أو فشل قيام هذه "القوة" قبل الحديث عن المستهدف بها.

عند قراءة القرار الذي صدر بإنشاء هذه "القوة العربية المشتركة" يتبيّن لنا ما يلي:

أولاً: حدد القرار مهمة هذه القوة بمواجهة "التحديات التي تهدد أمن وسلامة أي من الدول الأعضاء وسيادتها الوطنية، وتشكّل تهديداً مباشراً للأمن القومي العربي، بما فيها تهديدات التنظيمات الإرهابية، وذلك بناء على طلب من الدولة المعنية". وعليه، فإن هذه العبارة التي حددت مهام القوة المنتظرة زرعت لها أفخاخاً قد يشكل أي منهما سبباً لإفشال أي مهمة مستقبلية قد تضطلع بها القوة، هذا في حال تشكيلها من الأساس.

الفخ الأول يتجلى في الإشارة إلى تهديدات التنظيمات الإرهابية، فهل تتفق جميع الدول الأعضاء الموافقة على تشكيل هذه القوة، على مفهوم واحد للإرهاب؟ وهل تصنيف المجموعات الإرهابية هو نفسه بين مصر والسعودية وقطر والإمارات الخ..؟ إن هذا الاختلاف في النظر إلى الخطر الإرهابي وتحديده سيجعل من الصعب لا بل من المستحيل اتفاق الدول العربية المشاركة على توصيف واحد للعدو الإرهابي الذي ستقاتله "القوة".

ثانياً: الجميع يعرف أن قوى الجيوش النظامية التقليدية ليست الأصلح لقتال غير تقليدي، وفي حروب لامتماثلة مع التنظيمات المسلحة، سواء كانت إرهابية أو غير إرهابية، لذا فإن الإعلان عن قوة التدخل العسكري التي ستقوم بقتال تقليدي وقصف جوي وحروب برية، تشير إلى أن العرب ما زالوا قاصرين عن إدراك التطوّر، والذي يفترض تأسيس قوات خاصة تتدرب على حروب الشوارع والعصابات للانتصار في حروب مع المجموعات المسلحة.

الفخ الثاني، والذي يبدو مقصوداً بالتأكيد - باعتبار أن الغموض البنّاء في هذا الأمر يخدم مصالح وأهداف الدول الطامحة لتشكيل تلك القوة - هو عبارة "بناء على طلب الدولة المعنية"، فهل هناك اتفاق بين العرب الموافقين على إنشاء هذه "القوة"، على من هو الممثل الشرعي لدولة ليبيا أو للدولة السورية على سبيل المثال لا الحصر؟

قد يقول حسنو النية من العرب إن هذه العبارة هدفها حفظ سيادة الدول العربية، وهو أمر مكفول في ميثاق الجامعة العربية، لكن ماذا لو قامت "حكومة الائتلاف السوري" بالطلب من القوة العربية التدخل العسكري في سورية؛ فهل سيكون هناك توافق بين جميع الدول العربية على التدخل، خصوصاً أن الحكومة السورية ستعتبر أن التدخل هو عمل عدواني، وستعتبر "القوة العربية" هي قوة احتلال، وستُعاملها على هذا الأساس؟

في النتيجة، لطالما أثبت التاريخ أن قرارات القمم العربية عادة ما تبقى حبراً على ورق، وهو ما يبدو أنه سيحصل لقرار تشكيل "القوة العربية المشتركة"، لكن في حال شُكّلت هذه "القوة" فستكون عنصراً إضافياً في التشرذم العربي والتسبب بمزيد من المآسي والضحايا، فالسعودية تريد من العرب دعم رغبتها في الهيمنة على الدول العربية الأضعف، ومصر تريدها لدور قيادي تطمح له، ويخفف من التحديات والأخطار التي تتهددها، بينما الدول العربية الأخرى ستنظر إلى مستقبل هذه القوة نظرة شكّ وريبة، خصوصاً أن في الذاكرة تجربة "قوات الردع العربية" التي دخلت لبنان، والتي أضافت انقساماً إلى الانقسامات اللبنانية الموجودة.

فلنأمل أن يكون تشكيل هذه القوة زوبعة في فنجان، ولنأمل أن تتعظ السعودية من التجارب العربية السابقة في العمل العربي المشترك، فتنهي الدول العربية هذه المهزلة المستمرة منذ عقود ومفادها: العربي يقتل أخاه للانتقام من الجيران!